الأحد، 22 أغسطس 2010

الإِفْلاسُ وَ النَّاسُ .. فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ .. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ

الإِفْلاسُ وَالنَّاسُ ..
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ..
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} ( القرآن المجيد – القارعة ) .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 459) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .


استهلال

كلمة الإفلاس مأخوذة من كلمة الفلس ، وهي وحدة صغيرة من وحدات النقود أو العملة المتداولة في بعض بقاع الكرة الأرضية ، في الماضي القديم والحاضر والمستقبل . وتعني كلمة الإفلاس الفشل والإخفاق والفقدان البشري ، الفردي أو الجماعي أو الشعبي أو الأممي ، وهي كلمة جامدة تستفز الناس جميعا ، فهي من الكلمات العربية المقيتة التي لها وقع سلبي مدو على النفس البشرية ، إذ ترمز لقلة الملك والحيلة والخسارة والخسران المبين ، سواء في التجارة أو المعاملات المالية أو العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو خلافها .
والإفلاس على ثلاثة اشكال هي :
الأول : الإفلاس في الدنيا .
والثاني : الإفلاس في الآخرة .
والثالث : الإفلاس الثنائي في الدنيا والآخرة .

الإفلاس الدنيوي

الإفلاس الدنيوي ، على أنواع شتى ، من أهمها :
أولا : الإفلاس الاجتماعي . يتمثل في هشاشة وأضطراب وشلل بالعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والأسر في المجتمع الواحد . ويكون الإفلاس في هذه الحالة كارثة إجتماعية بكل ما في الكلمة من معنى .
ثانيا : الإفلاس الاقتصادي . يتمثل في فقدان الأموال والخسارة في التجارة العامة أو الخاصة لأسباب متنوعة .
ثالثا : الإفلاس الثقافي . يتمثل في الضعف والهزال الثقافي في المجتمع الواحد ، وتضارب الثقافات وتعددها وفوضيوتها وعدم الثبوت على ثقافة مجتمعية واحدة موحدة تنير درب الناس نحو الحياة الفضلى المثلى المستقيمة .
رابعا : الإفلاس الإعلامي . يتمثل في الردح الإعلامي المتعدد الأشكال والوجوه ، وكيل الشتائم والسباب للأفراد والجماعات والأحزاب السياسية والأنظمة السياسية والاقتصادية المختلفة .
خامسا : الإفلاس السياسي . وهو فقدان البوصلة السياسية الحقيقية الموجهة لمسيرة شعب أو أمة معينة من أمم العالم .
سادسا : الإفلاس العسكري . يتمثل في استغلال وظلم وضرب وقتل الآخرين باستخدام القوة العسكرية لإخضاعهم للنفس غير السوية الأمارة بالسوء .
سابعا : الإفلاس الإيديولوجي . يتمثل بغياب الإيديولوجية المؤثرة الناهضة السوية ، أو ضعف التأثير الإيديولوجي في مسيرة الحياة الطبيعية للشعب أو الأمة ، وتفقد الجماعة أو الشعب أو الأمة في هذه الحالة توازنها وتسير على غير هدى ولا كتاب منير . وتبقى تتخبط في بعضها البعض ، وتلعق جراحها باستمرار بسبب الغزو الإيديولوجي الاستعماري الأجنبي لها ، ويبقى جل همها تجميع عادات وتقاليد زائفة وباطلة من هنا وهناك ، ويسود التقليد الأعمى في المجتمع بلا هداية أو رشاد .
ثامنا : الإفلاس التكنولوجي . يتمثل بمحاكاة الآخرين في الاستهلاك والبعد عن الإبداع والإبتكار والتجديد والحضارة الإلكترونية العصرية الناجحة .

والإفلاس الدنيوي قد يكون مؤقتا أو حدثا طارئا ، يمكن تعويضه أو استبداله بالأحلاس والانتقال من مرحلة الفشل والإخفاق أو الفقدان للشيء إلى إيجاده أو إستعادته بالتدريج . وفي حالة الإفلاس الدنيوي ، من الأموال والممتلكات الاقتصادية ، فإن صاحب المال الحقيقي أولى بالمال لدى الشخص المفلس . كما ورد بمسند أحمد - (ج 18 / ص 176) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ غَرِيمُهُ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " .



وكثيرا ما يصاب المفلسون في أموالهم في الحياة الدنيا بالأمراض والأوجاع والإضطرابات النفسية والبدنية الطارئة المفاجئة كالجلطات والسكتات القلبية ، والتوقف عن الكلام والشلل الحركي ، التي تدخلهم المشافي لتلقي العلاج ، فمنهم من ينجو منها ويعود معافى سليم البنية البدنية والعقلية ، ومنهم من تدوم محنته بالإفلاس البدني والعقلي ، فيبقى طريح الفراش لا حول له ولا قوة ، وبحاجة لمساعدة الآخرين في جميع شؤون حياته . وفي بعض الأحيان يلجأ المفلس لإنهاء حياته بشنق نفسه أو الإنتحار بإحدى طرق الانتحار المحرمة إسلاميا للتخلص من الخسارة المالية التي ألمت به . وينسى التاجر أو المالك في هذه الحالة ، أن المال مال الله ، في أرض الله لعباد الله ، وأنه سيغادر هذه الحياة الدنيا ولا يصطحب معه إلا عمله الصالح الطيب ليوم القيامة والذكر المبارك الحسن الطيب بين الخلائق .

الإفلاس الأخروي

وأما الإفلاس الأخروي ، فيتمثل بكثرة الذنوب والخطايا والآثام والكبائر والموبقات التي يرتكبها الإنسان في حياته ، وتسود صفحات كتابه السيئات حيث تطغى طغيانا كبيرا على الحسنات الطيبات التي صنعها في الحياة الدنيا . وبالتالي فإن هذه الخسارة هي الخسران المبين الحقيقي ، التي لا يمكن تعويضها بتاتا .
ومن مظاهر الإفلاس الأخروي ، كما تحدث عنها المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الشتم والقذف وأكل مال الآخرين ، وسفك دماء الناس ، وضربهم ، والاستهزاء والاستهتار بهم ، وذمهم بلا وجه حق ، رغم قيام الإنسان المسلم بتأدية الصلاة والصيام والزكاة ، فتتم محاسبته الإلهية بعدالة مطلقة ، يوم القيامة والحساب العظيم ، فيتم توزيع جزء من حسناته أو معظمها أو جميعها ، على المظلومين الذين أساء لهم ، عبر سني حياته القصيرة . جاء في سنن الترمذي - (ج 8 / ص 444) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .
ومن أشد حالات الإفلاس وطأة هي الحالة الثنائية التي يفشل فيها الإنسان في الدنيا والأخرة فيقعد مذموما مدحورا ، فلا ينال رضى الناس ، في الحياة الدنيا ، ويفقد رضى الله خالق الخلق أجمعين ويدخل نار جهنم خالد فيها .

لا تعلنوا الإفلاس الحقيقي أو الاحتيالي .. إبتلاء رباني


يقول الله الغني الحميد جل شأنه ، عن الابتلاء أو الاختبار الرباني الدنيوي لجميع الناس : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } ( القرآن المبين – البقرة ) .
وبناء عليه ، فمن واجب الناس الصالحين الأسوياء الأتقياء الأولياء المسارعة الحثيثة لتقديم يد العون والإغاثة لإنقاذ المفلسين من براثن الإفلاس الرهيبة ، والأخذ بأيديهم نحو النجاح والفوز الديني والدنيوي والآخروي بعيدا عن الفشل واليأس والقنوط والثبور . ويكون ذلك بالوقوف معهم معنويا وماديا قدر الإمكان وفق مبادئ التكامل والتكافل الاجتماعي في المجتمع السوي ، وعدم ترك الفاشلين لأنياب الشياطين التي تحاول أن تؤزهم أزا . وكذلك لا بد من أمتصاص الصدمات الخمسة المتعددة الأشكال والألوان ، المتمثلة : بالخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، والاسترجاع لله رب العالمين ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، والمقدم والمؤخر وإليه ترجع الأمور ، وهو على كل شيء قدير . ويجب الابتعاد عن إعلان الإفلاس الاقتصادي الحقيقي أو الاحتيالي الحياتي الدنيوي كما يعلن بعض التجار الجشعين ، والاستعانة بالله العلي العظيم .
على أي حال ، من الممكن أن يعاود المفلس أو بعض المفلسين ماليا بالحياة الدنيا ، العمل المهني والتجاري لنيل الرزق الذي حدده الله لهم ، ولكن من المستحيل أن يسترجع المفلسون يوم القيامة أي نصيب لهم أو فرصة أخرى ، لرد المظالم والحقوق بالحياة الدنيا ، لأصحابها بعد فوات الأوان ، فميزات حسناتهم لن يزيد مثقال ذرة من حسنة بعد إعلان الإفلاس الشخصي لهذا الإنسان أو ذاك .

أيها المفلسون .. لا رجوع بعد الموت

يتمنى أهل الإفلاس الأخروي ، بعد موتهم وعلمهم بالخطايا والذنوب التي اقترفوها ، الرجوع للحياة الدنيا لإصلاح ما يمكن إصلاحه وما ارتكبوه طيلة حياتهم ، ويطلبون من الله الحميد المجيد إعادتهم ليستبدلوا السيئات بالحسنات الطيبات ، ولكن هيهات .. هيهات .. فهو طلب مستحيل التحقيق ، من رب العالمين ، فالإنسان أخذ نصيبه من الحياة الدنيا بعمره المحتوم ورزقه المعلوم ، فمنهم من نجح في البلاء والابتلاء وعمل صالحا ، ومنهم من لم يستجب للنداء الإلهي العظيم ، فكفر وفسق وظلم والعياذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم .

يقول الله عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال عزوجل : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) }( القرآن المجيد – المؤمنون ) .

يوم الحساب العظيم

لقد وردت كلمة ( القيامة ) بالقرآن العظيم 70 مرة ، في مواقع قرآنية عديدة ، وهي تذكير رباني دائم للناس جميعا بيوم القيامة ، والحساب العظيم .

يقول الله العظيم الحليم الذي سيحاسب الناس بيوم الحساب القادم لا ريب فيه : { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}( القرآن الحكيم – الأنبياء ) .
من المعروف إن لكل أجل كتاب ، وأن لكل بداية نهاية حتمية لا ريب فيها ، وأن حياة الإنسان ستنتهي إن عاجلا أو آجلا ، وبناء عليه فإنه ينبغي على الإنسان ، ذكرا أو أنثى ، أن يتذكر هذا الأمر دائما وأبدا طيلة حياته أن يوم الحساب آت لا شك فيه ، وأن يسعى في أن يكون من المحسنين والمتقين الأخيار الأبرار ، وأن يبتعد عن الشر والأشرار وإيذاء الآخرين ، باي نوع كان ، وأن يكون المرء آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر والبغي والظلم .

أهوال يوم القيامة .. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ

يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}( القرآن العظيم – القيامة ) .




الوقاية من الإفلاس في الدنيا والآخرة

يقول الله العلي العظيم جل وعلا : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) }( القرآن المجيد – الناس ) .
الإفلاس وما أدراك ما الإفلاس ! .. يوم يكون الناس صرعى بلا إحساس .. ويفتقدون للحسنات وتكثر السيئات في كتبهم الشفافة والرقيقة والسميكة ولا يكونون من أصحاب المراس .. فحاسب نفسك قبل أن يحاسبك الله كحساب المشركين والمنافقين والفاسقين من أتباع الوساس الخناس .. يا أيها الإنسان اصنع الخير والمعروف وابتعد عن الإفلاس .. وأضبط تجارتك الدنيوية والأخروية ، الرابحة جيدا ولا تعلن الإفلاس .. ولا تيأس ولا تقنط يا بني آدم من رحمة الله الرحمن الرحيم ، ذو الفضل العظيم ، فلا داعي لليأس .. فتذكر قدرة الله العلي العظيم بديع السماوات والأرض دائما ، فهو القادر على أن يجعل الصخر ينبجس عينا من الماء يوم الحاجة للإنبجاس .. فأستغفر ربك الغفور الرحيم ، وأسأل المولى بانتظام فالله هو المنقذ والمنجي والمغيث لجميع الناس .. فلا تكن ظالما لغيرك بل عادلا في جميع حياتك وأحبس نفسك عن الذنوب والآثام كل الإحتباس .. ولا تخالط الأشرار الكفار والمشركين والفاسقين والمنافقين الأنجاس .. وجنب نفسك المعاصي والكبائر والموبقات وكن ملتقطا للأنفاس .. وتجنب البخل والبخلاء وكن كريما بارا رحيما مطيعا لله ورسوله رافع الرأس .. واستعذ من وساوس الشيطان بالله السميع العليم رب الناس .. وأطب مطعمك ومشربك وملبسك ومأواك وابتعد عن الفساد والمفسدين ، ولا تقل هؤلاء هم الأمم والشعوب والأجناس .. وتصدق من مالك الحلال ولا تبخس أي إبخاس .. وإذا مرضت فداو نفسك بالقرآن المجيد والطب النبوي الطاهر الشريف ، وقل يا رب الناس إذهب البأس .. وألبس ثياب الزهد والإيمان والتقوى والخير فعليا فنعم هذا اللباس .. فكن موحدا للإله الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، مقيما للصلاة ومؤديا للزكاة وصائما لرمضان وحاجا لبيت الله الحرام قبل أن يدفن جسدك كله ويأكل التراب جميع الرأس .. فصل قبل أن يصلى عليك ، ولا تتشبه بالمرأة فتكن فاشلا وحاسر الرأس .. وابتعد عن المكر والخبث والخبائث ولا تكن الغاش لنفسه الدساس .. واستخدم جميع نعم الله عليك ولا تنساها ، وفي مقدمتها جميع الحواس .. وأعلم أن الدنيا كالدولاب من الأعلى للأسفل ، وهذا كأس سيمر على كل الناس .. وتابع الإعلام المطبوع والمسموع والمرئي والانترنت ، وأحس به كل الإحساس .. لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتنشره بين الناس .. وأعلم أن القرآن المجيد هو الدستور الرباني عبر التاريخ البشري لجميع الأمم والناس .. من سورة الفاتحة وإنتهاء بسورة الناس .. فهو النبراس والأساس لكل الناس .. واستعذ بالله العزيز الحكيم من الشيطان الرجيم إبليس الخناس .. وابتعد عن السحرة والمنجمين وأهل الهوى وأصحاب السبت والأحد من أهل الأجراس .. وكن من أتباع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وفي مقدمتهم الحبيب المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ومن بينهم رسل الله إبراهيم وإسماعيل وإلياس .. فهؤلاء هم نخبة وصفوة الله من الناس وللناس .. ولا تهمل ولا تتجاهل غيرك من الزملاء والأصدقاء والأشقاء والأرحام وأحذر أعداء الله وأعداءك من بين جميع الناس .. وابتعد عن موالاة المسيخ الدجال والسامري الذي قيل زمن كليم الله موسى ، إن لك في الحياة لا مساس .. وإن لك موعدا لن تخلفه حيث يتم الإعلان لك عن حالة الإفلاس .. ولا تكلف نفسك إلا وسعها وقل يا رب الحي القيوم أصلح لي شأني كله ، وأعوذ بك من شر الوسواس .. ولا تلتفت لجمع المال الحرام من الذهب والفضة والحرث والعقارات كالمباني والأراضي والبيارات والسيارات والقطارات والطائرات فكل واحد فينا سيغادر الحياة الدنيا مثل بقية الناس .. فالحياة والموت راحة للمؤمنين المخلصين ، ولا تجعل الله عرضة لإيمانك في التجارة لكسب ود الناس .. فأحم نفسك وروحك وبدنك من العذاب الأليم يوم القيامة يوم يحاسب الله بيوم القيامة جميع الناس .. فالله هو مالك يوم الدين وهو صاحب الشأن والبأس .. ولا تكن ماكرا وخادعا أو نمسا من الأنماس .. وكن من أصحاب النخوة الإسلامية والمروءة والشجاعة والعزة والكرامة والحماس .. وابتعد عن السفاهات والسخافات والاستهزاء والتكبر والرياء والإسراف والتبذير ، والنفاق والفسق وكن من الفئة الطيبة من الناس .. فأذكر الله وأسع لذكر الله دائما بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والاستغفار ، فهذه الباقيات الصالحات عند ربك وهي جزء من النور والنبراس .. وتذكر أنه بذكر الله تطمئن القلوب فهو السبيل للبعد عن الحياة الضنكى شديدة المساس .. وآنس الناس بالحسنى والكلم الطيب النافع والوصية والنصيحة المثلى الفضلى ، تمام الإيناس .. ولا تنم متأخرا واستيقظ مبكرا لئلا تصاب بالكسل والخمول والهم والغم والحزن وتعاني من الأرق والقلق والوسواس .. وصل الصلاة على وقتها وصم رمضان الكريم بميعاده ولا تكن كالمرأة النفاس .. وتنفس الهواء النقي الطلق ولا تكن من أهل الحرارة والإحتباس .. وتجنب الدخان والتدخين ، بل فاهتم بأنفاسك الطيبة النقية ، فهي الغذاء النفسي الأساس .. فكن حاملا للمسك لا نافخا للكير لتفوز بالحياتين الدنيا والآخرة ، بعيدا عن أصحاب جهنم الأتعاس .. وأطرد الشياطين من الإنس والجن ولا تلقي بالا لأهل الهوى والعمى والغوى وكن من أهل الهدى ، حارسا لنفسك محترسا تمام الاحتراس .. وإياك والتعاطي بالزنا والربا والخمر والميسر وأكل مال اليتيم وحرمان غيرك من الميراث الذي وضع له الخالق بالقرآن كل الأساس .. واستعمل القلم دائما لئلا تنسى عروض التجارة فيصيبك البؤس والإبتئاس .. فلا تخالف تعاليم الله الحنان المنان ، ذو الجلال والإكرام ، الغني الحميد ، لئلا تكتئب أو تبتئس أي إبتآس .. فكن إماما مؤمنا مسلما ورعا تقيا وليس مأموما في صنع الخيرات دون إلتباس .. فإياك من الإفلاس ، إياك من الإفلاس ، إياك من الإفلاس ..

الفوز العظيم

يا أيها الناس .. يا الذين آمنوا .. يا معشر الكفار والملحدين والفجار ..
تذكروا القول الإلهي الخالد المتعلق بالفوز الأخير البعيد عن الإفلاس : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .

كلمة أخيرة .. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ


يقول الله الرزاق ذو القوة المتين عز وجل في محكم التنزيل : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}( القرآن الحكيم – الذاريات ) .

أيها الناس .. إن الحياة فانية ، وإن الآخرة خير وأبقى .. أوصيكم ونفسي بالابتعاد عن الإفلاس باي صورة من الصور أو شكل من الأشكال ، فلا تشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، ولا تشتروا الضلالة بالهدي والعذاب بالمغفرة ، فتوبوا إلى الله بارئكم قبل يوم القيامة ، فالعمر قصير والحياة الدنيا زائلة ، فلا رجعة بعد الموت ، وسننتقل جميعا بلا شك لحياة البرزخ إلى يوم البعث ، ثم إلى الحياة الآخرة بعد يوم الحساب العظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وعنت الوجوه للحي القيوم ، وقد خاب من حمل ظلما .
وندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

- رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
- رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ . رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ .
- رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




ليست هناك تعليقات: