الاثنين، 3 مايو 2010

لقائي مع الحاخام اليهودي موشيه هيرش زعيم ناطوري كارتا بالقدس المحتلة

لقائي مع الحاخام اليهودي
موشيه هيرش زعيم ناطوري كارتا
بالقدس المحتلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}( القرآن المجيد – البقرة ) .

كنت قد عملت في الفوج الأول لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية منذ نشأتها في أرض الوطن الفلسطيني ، وكان للهيئة مقرات في القدس ورام الله وأريحا للتدريب والعمل منذ نيسان عام 1994 . وكنت أعد برنامجا عن القدس المحتلة والأماكن الدينية الإسلامية والنصرانية واليهودية ، فحددت لحوار ثلاثي : الشيخ محمد حسين مدير المسجد الأقصى المبارك ، والبطريرك ميشيل صباح زعيم إحدى الطوائف النصرانية والحاخام موشيه هيرش زعيم طائفة ناطوري كارتا اليهودية المعادية للصهيونية كأقلية يهودية . وقد حصلت على عنوان ومقر الحاخام هيرش من إحدى المؤسسات الوطنية الفلسطينية بالقدس المحتلة .
فأجريت اللقاء الأول مع الشيخ محمد حسين قي المسجد الأقصى المبارك ، باللغة العربية طبعا ، ثم اللقاء الثاني مع البطرك ميشيل صباح بكنيسة القيامة باللغة العربية أيضا ، ثم أجريت اللقاء الثالث مع الحاخام موشيه هيرش بمقر إقامته ، باللغة الإنجليزية فاسترسل بالحديث الديني والسياسي بحرية وسط وجود أتباعه حولي وهم ينظرون إلي باستغراب وأنا أبادلهم هذه النظرات البراقة . واستغرق كل لقاء بمسجل الإذاعة الفلسطينية ( صوت فلسطين ) حوالي 15 دقيقة ، فجمعت حوالي 45 دقيقة حول الواقع الديني للقدس المحتلة في الأجندة الإسلامية والنصرانية واليهودية . وكان اللقاء الصحفي مع الحاخام موشيه هيرش ممتعا ومميزا عن الحوارات الأخرى ، كون المتحدث يهودي متدين ولحيته بيضاء وطويلة جدا مناهض للمنظمة الصهيونية ومواقفه غريبة علي ، ولا يعترف بوجود الكيان الصهيوني بتاتا ، ويتكلم بلغة أجنبية هي الإنجليزية بطلاقة ، ولم أعهد أن إلتقيت يهوديا أو صهيونيا إلا عبر الزنازنين والسجون الصهيونية ، لتعذيبي والتحقيق معي أو حجزي بالسجن اللئيم خلال الحقبة السابقة .


الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات يصافح موشيه هيرش



بادرت بالسلام ومصافحة الحاخام الكبير هيرش ، ثم أعلمته عن طبيعة الأسئلة والحوار الصحفي الإذاعي المسموع بصوته ، الذي سأسجله معه بمسجلي الإلكتروني وشعار إذاعة ( صوت فلسطين ) عليه ، حول شتى المواضيع الدينية والسياسية ، فبدأت بالأسئلة عن طائفة ناطوري كارتا اليهودية ، فقال لي إنها طائفة يهودية تضم حوالي 10 آلاف يهودي متدين ، معظمهم يقيم في حي مئة شعاريم حيث يعيشون بالقدس الغربية ، ولهم لباس ديني خاص ، ورأيت سوالفهم ولحاهم الطويلة جدا ، ولا يحبذون الاختلاط باليهود الصهاينة في البلاد ، وأضاف أن ناطوري كارتا ، تؤمن بالحق الوطني الفلسطيني في جميع أرجاء فلسطين ، ولا تعترف بما يسمى ( دولة إسرائيل ) في أرض فلسطين ، وتعتبر أن الجيش الصهيوني في فلسطين هو جيش إرهابي محتل وليس له حق في تعذيب أبناء الشعب الفلسطيني ، وهذه الأرض المقدسة وليست أرض ( إسرائيل ) كما يزعم الصهاينة ويعتبر أن قادة الصهيونية عبارة عن لصوص مارقين .


الحاخام اليهودي موشيه هيرش يزور د. عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني برام الله


وأن الكيان الصهيوني هو كيان غريب يضر باليهودية كما يضر بأهل فلسطين والمسلمين والنصارى ( المسيحيين ) أنفسهم ، وأن مملكة اليهود لم يأت الوقت لإنشائها بعد ، بل يجب أن تقام بعد ظهور المسيح المخلص لإنقاذ البشرية من الظلام والشر والأشرار .
وفي رد له على سؤالي : كيف تنظرون لمنظمة التحرير الفلسطينية ؟ فقال لي : إنه يحب الفلسطينيين ، والتقى بالرئيس الفلسطينيين ياسر عرفات ( أبو عمار ) عدة مرات ، ويعتبر عرفات رئيسا لجميع الفلسطينيين في البلاد ، المسلمين والنصاري واليهود ( ناطوري كارتا ) وقد طالب الرئيس عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن يُمكن جماعة ناطوري كارتا اليهودية كأقلية دينية في فلسطين ، من التمتع بمزايا جواز السفر الفلسطيني عند إصداره ولا يرغب بحمل جواز السفر ( الإسرائيلي ) . وأشار قائلا إن الصهاينة في فلسطين هم حركة استعمارية تريد أن تسيطر على فلسطين بالتعاون مع الاستعمار الغربي وخاصة الأمريكي .


الحاخام اليهودي موشيه هيرش وسط جنود الاحتلال الصهيوني



وحول سؤالي له ، كيف جئتم لفلسطين ؟ فقال رحلنا من مناطق متعددة ، من العالم ، وأسسنا جماعة ناطوري كارتا اليهودية المعادية للصهيونية الأوروبية الشريرة ، ونحن ننتظر قدوم وظهور المسيح المخلص ، وأن ( دولة إسرائيل ) هي مملكة سياسية استعمارية خاطئة ، ولا تمثل جميع اليهود الحقيقيين . وعن طبيعة العلاقة بين ناطوري كارتا والحكومة ( الإسرائيلية ) أفادني أنه هناك ملاحقة عنصرية وحقد منها تجاه جماعة ناطوري كارتا التي لا تعترف بها ، ولا تعيرها أي اهتمام .
وإختتمت اللقاء بتحية ، الحاخام اليهودي موشيه هيرش ، متمنيا له التوفيق والصمود أمام الهجمة الصهيونية ضده وضد طائفة ناطوري كارتا المعادية للصهيونية في فلسطين المحتلة . وبادلني التحية ، وسلم علي بيديه بحرارة ، وقل لا تنسونا من برامج إذاعتكم الناشئة ، ونحن جاهزون للحديث معكم متى تشاؤون .
لقد اطلعت من قرب عن رؤية ورؤى هذا الحاخام اليهودي المتدين المعادي للصهيونية في فلسطين المحتلة ، وقفلت راجعا لمقر ( صوت فلسطين ) الفتي في بعض أحياء القدس المحتلة ، وأعلمت زملائي بالأمر ، فأخذوا يلحون علي كيف أعددت وأجريت اللقاء وطبيعيته وأسمعتهم نص المقابلة بيني وبين الحاخام موشيه هيرش زعيم الطائفة اليهودية التي تعتبر نفسها طائفة فلسطينية ، وتعتبر أن فلسطين محتلة ، من الاحتلال الصهيوني ، وقال لي بعضهم ، ألم تخف من دخول منطقة يهود متدينين ، فقلت لهم خاطرت وتجرأت على ذلك ، والحامي هو الله رب العالمين ، ثم إنطلقت وصليت صلاتي ، ثم جهزت نفسي للعودة لمقر إقامتي في قريتي عزموط ، بمحافظة نابلس فقد كان الوقت متأخرا . فركبت سيارة للوصول لحاجز الرام وركبت سيارتي الخاصة ، الفيات 127 الصفراء ، وعدت مسرعا لبيتي ، وتراودني أحاديث الحاخام اليهودي الفريد من نوعه الذي التقتيته في ذلك اليوم لإذاعة فلسطينية لأول مرة .
لقد توفي الحاخام اليهودي موشيه هيرش عن عمر يناهز 79 عاما ، بعد صراع مرير مع المرض ، وشيع جثمانه إلى إحدى المقابر اليهودية ، يوم الأحد 2 أيار – مايو 2010 ، وكان هيرش مستشارا للرئيس الفلسطيني الشهيد الراحل ياسر عرفات ووزيرا لشؤون الطائفة اليهودية بفلسطين ، ووصف هيرش الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات بالأخ والصديق حيث إلتقى بعه عدة مرات . ولكل أجل كتاب .

نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي


ولقد شاهدنا عبر شاشات التلفزة العالمية كيف يحرق أنصار وأعضاء جماعة ناطور كارتا الأعلام الصهيونية في الشوارع ، ويرفضون العقيدة الصهيونية المتزمتة . لقد ولد الحاخام اليهودي موشيه هيرش في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ، عام 1931 ، وكان صهرا لكاتزنيل بوغين ، مؤسس حركة ( ناطوري كارتا ) وتعني باللغة العربية ( حراس المدينة ) المناهضة والمعارضة للصهيونية الاستعمارية وتزعم هيرش جماعة ناطوري كارتا عام 1974 . وقد دفع هيرش الثمن باهظا لمعاداته الصهيونية حيث رشه أحد الصهاينة المتطرفين بماء النار وفقد النظر بإحدى عينيه . مات موشيه هيرش ، وبقيت ذكراه الطيبة المناهضة للصهيونية العدوانية البغيضة .



يقول الله الحي القيوم ، المحيي المميت جل جلاله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


ليست هناك تعليقات: