السبت، 31 أكتوبر 2009

هموم المزارعين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

هموم المزارعين الفلسطينيين

في الأرض المحتلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله المحيي المميت تبارك وتعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) }( القرآن المجيد ، الروم ) . ويقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}( القرآن الحكيم ، فاطر ) . ويقول الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}( القرآن العظيم ، يس ) . وجاء في مسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

الشعب الفلسطيني مثله مثل أي شعب من شعوب العالم ، في قارات أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا وأستراليا يتكون من العديد من الفئات الاجتماعية كفئات الفلاحين والعمال والطلاب والمهندسين والأطباء والمحامين والتجار والصيادلة .. إلخ .
والاقتصاد بدوره ينقسم إلى أربعة أقسام هي : الزراعة والصناع والتجارة والخدمات العامة . وتعتبر الزراعة في أي بلد من البلدان ن الأقسام الاقتصادية المهمة والهامة اللازمة لايجاد المجتمع المتماسك قوي البنيان ، فبدون الزراعة لا تكتب للإنسان الحياة ، فمن خلال الزراعة يستطيع الإنسان ايجاد المواد الغذائية اللازمة لبقائه على قيد الحياة ، ليس الإنسان فقط بل والحيوان أيضا .
والحركة الفلاحية ، في أي مكان وفي أي موقع هي التي تقوم بزراعة الأرض واستثمارها . أما الحركة الفلاحية الفلسطينية في الأرض المحتلة فهي التي تقف في الصف الأول للدفاع عن هذه الأرض والمحافظة عليها . وتعتبر هذه الحركة من الأجزاء الكبيرة التي لا تتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية في الأرض المحتلة ، بل هي الرافد الأقوى لهذه الأمة ولهذا الشعب .
ويعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الزراعية ، فالزراعة تشكل العمود الفقري والقلب النابض للاقتصاد الفلسطيني وبالرغم من صغر مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة حيث لا تتجاوز مساحتها الستة آلاف كم2 ( من أصل مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كم2 ) وبالرغم من قيام السلطات الاحتلالية الصهيونية بمصادرة حوالي 52 % من هذه المساحة الإجمالية للضفة والقطاع إلا أن الزراعة تبقى متربعة على عرشها مشكلة القطاع الاقتصادي الفلسطيني الأول ، ولهذا فإنه يتوجب على الفلاح الفلسطيني منح الأرض المعطاءة المزيد من الاهتمام ، فيقوم بزراعتها سواء أكانت الأرض أراض سهلية أو جبلية أو نصف جبلية ، ويقوم باستصلاح الأراضي البور بزراعتها بأحد المزروعات أو الأشجار المثمرة .
فالأراضي السهلية تزرع بالمحاصيل الشتوية أو الصيفية أما الأراضي الجبلية فتزرع بالأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتين والعنب وغيرها .
وفيما يلي أهم الأمور التي تساعد على زيادة الاهتمام بالزراعة والتي يجب على الفلاح الفلسطيني اتباعها لكي يستفيد من مزروعاته ويحافظ على أرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده .
أولا : القيام باستغلال الأراضي باستخدام طريقتي استغلال الأرض الأفقية والعمودية ( الرأسية ) وتتمثل الطريقة الأفقية في زيادة عدد الدونمات المزروعة سواء أكانت سهلية أم جبلية . أما الطريقة العمودية فتتمثل في استخدام الأساليب والطرق الزراعية العلمية لزيادة إنتاجية الدونم الواحد من الأرض وذلك كالتالي :
1. استخدام الري لسقي المزروعات . فالماء ضروري جدا لزيادة الإنتاج وهو عصب الحياة . ويقول الله العزيز الحكيم في الآية القرآنية الكريمة : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)}( القرآن المجيد ، الأنبياء ) . ويكون هذا باستخدام طرق التنقيط في الراضي السهلية والقيام بحفر آبار الجمع في الأراضي الجبلية لجمع المياه الهاطلة في فصل الشتاء واستخدامها في ري المزروعات . وبهذه الطريقة فإننا نكون قد أبعدنا مشكلة تذبذب هطول الأمطار والتي يترتب عليها تذبذب إنتاج المحصول تبعا لتذبذب كميات الأمطار السنوية .
2. استخدام الأسمدة الطبيعية والكيماوية : مع ملاحظة أن اثمان الأسمدة الطبيعية أرخص من أثمان الأسمدة الكيماوية بالإضافة إلى أن الأسمدة الكيماوية تعطي فائدة أكبر للمزروعات .
3. استخدام الأدوية والعلاجات : حيث يترتب على الفلاح الفلسطيني استخدام أسلوب الوقاية لتحاشي وقوع الأمراض والأوبئة بين المزروعات ، وكما يقول المثل ( درهم وقاية خير من قنطار علاج ) . فقيام الفلاح برش مزروعاته قبل حدوث المرض يقلل من احتمال تعرض المزروعات للأمراض التي تقلل من الإنتاج وبدرجة متفاوتة من مرض لآخر .
4. استخدام الآلات والجرارات الزراعية الحديثة : كالتراكتورات والحصادات والآت السماد والقضاء على الأعشاب الضارة بين المزروعات . فاستخدام هذه الآلات يساعد على تفكيك حبيبات التربة ويساهم في القضاء على البكتيريا الضارة وذلك بكشفها وتعريضها لأشعة الشمس وبالتالي تساعد على زيادة الإنتاج .
5. عمل مصدات الرياح بالقرب من المزروعات حيث تساعد على تثبيت جذور النبات في الأرض .
ثانيا : زيادة الاهتمام بتربية الثروة الحيوانية والطيور : فتربية المواشي مرتبطة وبدرجة كبيرة في الزراعة ، وذلك لأن المواشي تحتاج على المواد الغذائية التي توفرها الزراعة كالقش والعلف .
إن قيام الفلاح الفلسطيني في الأرض المحتلة بتربية المواشي والطيور إلى جانب اهتمامه بالزراعة يساعده على ايجاد مصدر دخل ثان بالإضافة إلى تصريف قش المواد الزراعية في تغذية الحيوانات التي يهتم بتربيتها . واستخدام الحيوانات كمصدر أساسي من مصادر الأسمدة التي يستخدمها الفلاح لزيادة إنتاجية الدونم الواحد .
وقد واجهت الحركة الفلاحية الفلسطينية في الأرض المحتلة ، وما زالت تواجه العديد من المشاكل والعقبات التي وقفت عقبة كأداء أمام النهوض بالزراعة ، وبشكل سلبي على الفلاح الفلسطيني مما حدا بالبعض على ترك فلاحة الأرض وزراعتها والتوجه للعمل في إحدى ورش البناء أو المصانع والمنشآت الاقتصادية سواء العربية منها في الضفة الغربية وقطاع غزة أو اليهودية في مناطق فلسطين 1948 .
وإزاء هذا الوضع ، وإزاء تعرض المنتجات الزراعية الفلسطينية لمنافسة المنتجات الزراعية الصهيونية بل وإغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية اليهودية الطبيعية منها أو المعلبة وبأسعار تكلفة المنتجات الزراعية الفلسطينية ، فإن الفلاح الفلسطيني وقع تحت تأثير ضغط سياسي واقتصادي كبير وأنه وقع بين فكي كماشة تريد الانقضاض عليه ، حيث يتعرض للخسارة في زراعته من جراء ارتفاع تكاليف المنتجات الزراعية ومن جراء المنافسة الصهيونية التي تحاول تحطيم المنتجات الزراعية الفلسطينية .
ومن جهة أخرى ، فإن غياب السلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي غياب مصادر الدعم الاقتصادي والمادي للفلاح الفلسطيني أدى إلى هجرة مساحات شاسعة من الأراضي السهلية قبل الجبلية .
وفيما يلي بعض المقترحات للنهوض بالزراعة الفلسطينية في الأرض المحتلة :
أولا : إيجاد المؤسسات الفلاحية الفلسطينية الفاعلة والفعالة للاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية وتطويرها وذلك بتوظيف الكفاءات العلمية المتخصصة في هذا المجال كالمهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين ، وتوظيف فلاحين متفرغين للإشراف على هذه المؤسسات الفلاحية وإدارة شؤونها .
ثانيا : إيجاد مصادر إقراض ودعم ثابتة ومنتظمة للفلاحين الفلسطينيين ، تساعد الفلاحين على إيجاد المزيد من مزارع الثروة الحيوانية ، وعلى تغطية الخسارة قدر الإمكان التي قد تنتج من جراء المنافسة الصهيونية للمنتجات الزراعية الفلسطينية ، أو تنتج من إصابة المزروعات بالأمراض الحادة .
ثالثا : فتح المحلات الزراعية المتخصصة داخل المدن لتصريف الإنتاج الزراعي ومنتجات الألبان واليت تحول دون استغلال الفلاح الفلسطيني .
رابعا ك فتح المحلات الزراعية والحيوانية المتخصصة في الأدوية والعلاجات النباتية والحيوانية وتخفيض أسعارها .
خامسا : تشجيع الفلاح الفلسطيني على استخدام الأساليب والطرق العلمية الحديثة في الزراعة لزيادة الإنتاج بتقديم التسهيلات الممكنة .
سادسا : إيجاد المؤسسات المتخصصة في تصدير وتسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الدول العربية والأوروبية والحيلولة دون استغلال الفلاحين وظلمهم .
سابعا : إتباع الدورات الزراعية وعدم التركيز على زراعة بعض المحاصيل دون غيرها .
ثامنا : إصدار النشرات الثقافية المتخصصة في الزراعة والثروة الحيوانية لزيادة وعي الفلاحين نظريا وعمليا مما يساعد على زيادة الإنتاج .
وارض خضراء في فلسطين يانعة وجميلة ، وإنتاجا غزيرا مربحا ووفيرا نرجوه لجميع المزارعين الفلسطيني في ارض فلسطين الطيبة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
..............

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 22 / 10 / 1987 ، ص 3 . بقلم . كمال شحادة .

ليست هناك تعليقات: