الجمعة، 2 أكتوبر 2009

تحرير أسيرات فلسطين من سجون الاحتلال الصهيوني

تحرير أسيرات فلسطين

من سجون الاحتلال الصهيوني

2 / 10 / 2009


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}( القرآن المجيد ، يوسف ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 10 / ص 257) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الْأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ" .

في خطوة مفاجئة للجميع ، مرنة وغير منتظرة بهذه الطريقة ، وبهذا الإخراج الفني والسياسي الدقيق ، وبعد طول انتظار ، تمت عملية تبادل جزئية بين المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ، وحكومة الاحتلال الصهيوني شملت 20 أسيرة فلسطينية ، من عدة حركات وفصائل فلسطينية مجاهدة إسلامية ووطنية مقابل شريط فيديو يمتد لأكثر من دقيقتين زمنيتين ، خرجت بموجبها بعض الأسيرات الماجدات الفلسطينيات اللواتي تعرضن للقهر والظلم الصهيوني وعاشت حياة أسرية غير طبيعية في سجون الاحتلال الصهيوني ، صودرت فيها حريتهن ، ودفعن ضريبة السجن والاعتقال وأطلق على هذه العملية التحريرية ( صفقة الحرائر – حرائر فلسطين ) وتستحق هذه التسمية الطيبة .
لقد تمت صفقة غلعاد شاليط المصورة عبر عشرات الثواني من تصوير فيديو مقابل حرية بعض أسيراتنا المسلمات الفلسطينيات المجاهدات المرابطات القابضات على الجمر . هذه الحادثة تذكرنا بطلب المرأة المسلمة النجدة من خليفة المسلمين المعتصم في حاضرة الرافدين ببغداد الأبية ، فقالت ( وامعتصماه .. وامعتصماه ) فكانت الاستجابة الفورية مع الفرق في الزمان والمكان وتجييش الجيوش ، وإستكانة البعض للذل والخنوع وعدم تلبية استغاثة ونجدة الفلسطينيات الماجدات المدافعات في الصف الأول من جمع المجاهدين ، بالقلب واللسان والكلمة واليد .
وللتذكير ، هجمت مجموعة إسلامية فلسطينية متعددة الأجنحة العسكرية ، مؤلفة من 3 حركات مقاومة على معسكر صهيوني قرب قطاع غزة ، مكونة من عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام ، وألوية الناصر صلاح الدين ، وجيش الإسلام في عملية الوهم المتبدد في 25 حزيران 2006 ، فقتلت جنديين يهوديين وجرحت آخرين ، وأسرت الجندي اليهودي غلعاد شاليط ، ذو الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية ، واحتفظت به منذ ذلك التاريخ حتى الآن ، لتستثمره في عملية تبادل جزئية بانتظار عملية التبادل الكبرى في وقت لاحق إن شاء الله تبارك وتعالى .
لقد جاءت هذه الصفقة الجزئية ، بين المقاومة الفلسطينية ، لتخرج 20 أسيرة فلسطينية ( أسيرتان اثنتان من قطاع غزة المحاصر و18 أسيرة من الضفة الغربية المحتلة ) من خلف قضبان الأعداء ، أعداء الله ، وأعداء الإنسانية ، وأعداء الحرية ، وأعداء الشعب الفلسطيني ، لتؤكد مرة أخرى ، استطاعة المقاومة تحقيق ما لم تستطع ولن تستطيع المفاوضات العبثية الثنائية أو المتعددة مع الكيان الصهيوني من إخراج أسرى أو أسيرات من براثن الاحتلال الهمجية الوحشية ، في هذا الوقت بالذات ، وكذلك تعيد التأكيد على أن عملية التبادل ما كانت لتتم لولا إصرار المفاوضين المخلصين للأسرى ، ودخول الوساطة الألمانية الصادقة الطيبة ، كما أنجزت صفقة التبادل بين حزب الله في لبنان ، والحكومة الصهيونية في تل أبيب ، ورغم الوساطة المصرية الفاشلة التي بدأت منذ أمد بعيد ، كانت بعيدة عن تحقيق أماني وطموحات الأسرى وذويهم وشعبهم الفلسطيني العربي المسلم ، وكنا نتمنى أن لا تقبل مصر بالتوسط ، فهي غير مؤهلة لذلك لعدة أسباب وعوامل موضوعية وذاتية ، داخلية وخارجية وإقليمية ، ولا تتمتع بالثقة الشعبية الفلسطينية ، وكذلك لا تتمتع بالأهلية السياسية والدبلوماسية لما تم تحقيقه يوم الجمعة 13 شوال 1430 هـ / 2 تشرين الأول – اكتوبر 2009 ، حيث خرجت 20 حرة من حرائر فلسطين الماجدات من براثن الظلم والوحشية والعنجهية الصهيونية .
وهذه الصفقة التبادلية الفلسطينية – الصهيونية بوساطة ألمانية حقيقية ، رأت النور في يوم الجمعة المباركة ، لتقبل شفاه بنات فلسطين الحرية ، وأرض فلسطين الأبية ، والأهل والإخوة وتصافح أرواحهن أرواح الأسيرات الباقيات في السجون العنصرية الصهيونية ، وأرواح الشهيدات الفلسطينيات في جنات النعيم في الفردوس الأعلى عند رب العالمين ، بعيدا عن المنغصات والمعوقات الصهيونية اللئيمة ، التي احتجزت أجساد الفلسطينيات الماجدات اللواتي رفضن الذل والمهانة ، وسطرت بحياتهن بعض أمجاد المقاومة الجسورة الإسلامية والوطنية ، فقد ضمت هذه الكوكبة من حرائر فلسطين المفرج عنهن : 4 أسيرات من حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) و5 أسيرات من حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) ، و3 أسيرات من حركة الجهاد الإسلامي ، و7 أسيرات مستقلات ممن قاومن الاحتلال الهمجي الوحشي الصهيوني لأرض فلسطين العربية المسلمة .
ومهما يكن من أمر ، كانت ثمن هذه الصفقة على الجانب الصهيوني هو معرفة مسألة حياة أو موت غلعاد شاليط ، والإطمئنان على صحته ، بعد جرحه أثناء اقتياده مخطوفا لقطاع غزة ، في زنزانة أو سجن فلسطيني هو الأول من نوعه عبر التاريخ المعاصر ، إذ لم تستطع آلة الحرب الصهيونية البرية والجوية والبحرية من معرفة مكان وجود وإخراجه من الأسر بالطرق الوحشية الإرهابية والمخابراتية الخبيثة ، فاضطرت قيادة الاحتلال الصهيوني بزعامة الليكودي اليهودي المتطرف بنيامين نتانياهو رئيس حكام تل أبيب خاصة والكيان الصهيوني عامة ، لاختصار الطريق وإلهاء قوات الاحتلال الصهيوني وإرضائهم بالاطمئنان على مصير غلعاد شاليط كجند من جند الظلم والظلام الصهيوني في أرض فلسطين الطيبة . فخرج غلعاد شاليط عبر شريط فيديو فلسطيني ببزة عسكرية خضراء كناية عن وضعه العسكري ، كأسير حرب ، وهو يبتسم ، وبيده صحيفة ( فلسطين ) يوم 14 أيلول - سبتمبر 2009 فقرأ رسالته ثم وقف على كرسيه في نهاية الشريط المتلفز وسط هلام فضائي مبهم .
على العموم ، تمثلت استغاثة الأسيرات الفلسطينيات الماجدات ، ب : ( واإسلاماه .. واعروبتاه وافلسطيناه .. وامقاومتاه .. واإنسانيتاه ) وهن يصرخن بملء الفم ، من وراء القضبان اليهودية – الصهيونية المتعجرفة ، فجاءت تلبية النداء المبحوح من خلف قضبان النذالة والاستغلال والقهر السياسي والاجتماعي والنفسي ، استجابة نصر مؤزر ، وفخر وعز وكرامة إسلامية وقومية ووطنية وإنسانية مشهودة ، فخرجت بعض أسيرات فلسطين رافعات رؤوسهن ، من سياط الجلادين الصهاينة ، من يهود فلسطين ، الطارئين على بلاد كنعان ، الأرض المقدسة .. فكسر القيد إذ أنه لا بد للقيد أن ينكسر ولو بعد حين ، وجاء هذا الحين ، من أحايين الفرح والسعادة ، الممزوجة بالحزن والبكاء وتساقط الدموع فرحا وبهجة للخارجات من السجن وللباقيات في السجن على السواء ، في ثنائية فلسطينية غير مسبوقة ، بهذه الدرجة من الحماسة والشجاعة والعنفوان ، وخرجت الحرائر لمشاهدة سماء فلسطين ، وأرض فلسطين المباركة ، بعزة وكرامة وشموخ إسلامي مشهود .
لقد تعودت الأسيرات والأسرى من أهل البلاد الأصليين ، أن الخروج من براثن المعتقل والسجن تكون بعد إنتهاء فترة الحكم الصهيوني العسكري الخيالي ، وهذه المرة كانت حالة استثنائية لخروج 20 أسيرة فلسطينية من حرائر فلسطين الشريفات ، تم تأجيل تحرير الأسيرة العشرين منهن ( روضة حبيب ) ليوم الأحد 4 تشرين الأول 2009 ، أي بعد يومين من الإفراج عن الأسيرات التسعة عشرة أسيرة ، بعملية تبادل فريدة من نوعها وشكلها ومضمونها ، فكان الثمن شريط مدته دقيقتين للجندي اليهودي المختطف جندي الدبابة الصهيونية غلعاد شاليط ، مقابل حرية أسيرات فلسطينيات في يوم مباركة بساعة مباركة ، لتنسم نسيم هواء الحرية العليل . وتأتي عملية تأجيل تحرير الأسيرة روضة حبيب ، ليومين لشد الأعصاب وتوتير الأجواء وإنقاص فرحة صفقة الحرائر الفلسطينيات ، والاحتلال كعادته يفتعل توتير الأجواء والحرب النفسية ولكن أساليبه الجهنمية الخبيثة الشيطانية مفضوحة ومكشوفة للجميع .

وفيما يلي أسماء الأسيرات الفلسطينيات المحررات من السجون الصهيونية يوم الجمعة 2 تشرين الأول 2009 : زهور حمدان ، آيات القيسي، روجينه جناجرة، ريما أبو عيشة ، صمود عبد الله ، ليلى البخاري ، كفاح بحش ، لنان أبو غلمة ، من نابلس ، ميمونه جبرين ، سناء صلاح حجاجرة ، نيفين دقة، من بيت لحم، شرين محمد حسن، منال سباعنة، من جنين، هيام بايض، ناهد دغرة، براءة ملكي ، من رام الله، نجوي عبد الغني، من طولكرم. هبة النتشة، جهاد أبو تركي ، من الخليل، وفاطمة الزق وطفلها يوسف من قطاع غزة.
ومن ضمن الأسيرات المحررات ، لقد خرجت الأسيرة فاطمة الزق ، من غزة هاشم ، وطفلها يوسف ( السجين الصغير ) الذي أنجبته في زنازين الاحتلال بعدما كانت حاملا في الشهر الثاني لدى اعتقالها في 17 آب 2008 ، خرجا من سجون الاحتلال الصهيوني المجرمة ، فكانت الحرية مضاعفة ضعفين اثنين ، للأسيرة الماجدة فاطمة ، وللفطيم يوسف أسير الحرية ، منذ ولادته فصرخ صراخا عظيما أن لا بد له من استنشاق نسيم الحرية في حضن والده ووالدته وأقربائه وأحبابه ، وممارسة طفولته البريئة في أرض وسماء غزة هاشم الأبية مثله مثل بقية أطفال شعبة المكلوم ، فاستجاب لهما الخالق سبحانه وتعالى ، من فوق سبع سماوات طباقا ، فخرجا من خلف القضبان الحديدية القذرة ، لينالا حريتهما بعد حين من السجن ، فجاءت الأيام الخضراء بدلا عن الأيام الزرقاء ، ومحيت سنوات السجن العجاف .
فمليون تحية وتحية ، لجميع أسرى وأسيرات فلسطين ، فردا فردا ، أسيرا أسيرا ، وأسيرة أسيرة ، في معتقلات وسجون الاحتلال الصهيوني ، وبالصبر والمصابرة والمرابطة ، ستخرج إن شاء الله العلي العظيم ، كوكبة تلو كوكبة من أسرى الحرية في سجون الأعداء ، لتنسم هواء الحرية ، وأكسجين الحياة الدافئة ، البعيدة عن جراثيم وميكروبات السجون الصهيونية .
فتهنئة حارة وتحيات طيبة مباركة ، إسلاميا وإنسانيا ، لأخواتنا الكوكبة الجديدة من الأسيرات الماجدات المحررات من بنات فلسطين ، راجين من الله العلي العزيز الحكيم ، أن يفرج هموم وغموم بقية الأسيرات الفلسطينيات وأسرى فلسطين والوطن العربي في سجون الاحتلال والمحتلين اليهود ، البالغ عددهم حوالي 11 ألف أسيرة وأسيرة ، منهم وزراء سابقين ونواب حاليين في المجلس التشريعي الفلسطيني ، الذين سطروا ملاحم الحرية ، ولا زالوا ينتظرون فرج الله بالإفراج عنهم من غياهب سجون الاحتلال الصهيوني قريبا ، بعون الله الحي القيوم .
وختاما نقول ، لقد جاءت عملية ( صفقة حرائر فلسطين ) استجابة لنداء نبوي شريف دعا به المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث جاء في صحيح البخاري - (ج 16 / ص 164) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ " . فأتت عملية فك كوكبة نسائية طيبة من العانيات الأسيرات المرابطات من إناث فلسطين الطاهرات الماجدات بشكل مفاجئ ، من حيث لم يحتسبن ولم يحتسب شعب فلسطين الأصيل في الأرض المقدسة . فطوبى للمحررات الفلسطينيات ، وأياما هادئة وهانئة نرجوها لهن في أرض فلسطين الطيبة المباركة وفي ظل التآلف والتكاتف الأسرى والشعبي والرسمي الفلسطيني ، بعيدا عن قضبان وتعسف الاحتلال الصهيوني الوحشي .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


ليست هناك تعليقات: