السبت، 31 أكتوبر 2009

معاصر الزيتون في الضفة الغربية

معاصر الزيتون في الضفة الغربية

أصحاب المعاصر : نريد إتحادا عاما يحافظ على حقوقنا

د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية

فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}( القرآن المجيد ، النور ) . ويقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}( القرآن المجيد ، الأنعام ) . ويقول الله الرزاق ذو القوة المتين : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) }( القرآن المجيد ن الأنعام ) . ويقول الله العلي العظيم عز وجل : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)}( القرآن المجيد ، النحل ) . ويقول الله خالق الأكوان جل وعلا : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}( القرآن المجيد ، التين ) .

عندما ينتهي المزارع الفلسطيني من عملية قطف ثمار شجرة الزيتون المباركة التي ترمز إلى الخصب والجمال والقناعة والقداسة والبركة والسلام ، فإنه يذهب بزيتونه إلى معاصر عصر الزيتون لفرز الزيت الطيب الطعم والمذاق عن القشر يصبح صالحا للاستعمال كغذاء أو كدواء أو غيرها . وقد أصبحت معاصر الزيتون منتشرة بشكل كبير جدا في المدن والقرى الفلسطينية بحيث أضحت لكثرتها تشكل تنافسا اقتصاديا يعود بالخسارة من الناحية الاقتصادية . ورغم عمل بعض التجار على إنشاء معاصر جديدة بنوعيها الأوتوماتيك الكامل أو نصل الأوتوماتيك ولكونها أصبحت غير مجدية لأن المعاصر تحتاج إلى أموال طائلة لإنشائها في حين أنها لا تستخدم طيلة أيام السنة بل تستخدم فقط في موسم جني ثمار الزيتون والذي يبلغ شهرين كحد أقصى . أما في العشرة شهور الباقية من السنة فإنها تكون معطلة . فقد كان بالإمكان إنشاء مشروع تجاري مجد من الناحية الاقتصادية يستمر في عمله وعطائه طيلة أيام السنة ، ويستوعب العديد من الأيدي العاملة إلا أن عدم التخطيط ودراسة الجدوى الاقتصادية ومدى الحاجة للمعاصر أدى على تضخم عدد المعاصر دون أن يوازيها إزدياد في أعواد شجر الزيتون المغروس عاما بعد عام مما أدى على خسارة أصحاب المعاصر .

على أي حال ، لقد مرت معاصر زيت الزيتون بأربع مراحل رئيسية هي :

المرحلة الأولى : وهي مرحلة قديمة قدم وجود أشجار الزيتون وتسمى المعصرة في هذا العصر ( البد - حجر العصر الكبير ) وكان يعتمد في تشغيله على الخيول والمكبس اليدوي على طريقة المسننات .

المرحلة الثانية : تطورت عملية عصر الزيتون في هذه المرحلة عن المرحلة السابقة ، وجاءت نتيجة لتطور الإنسان وإختراع الآلة البخارية والقوة الميكانيكية حيث يستخدم في هذه المرحلة الموتور وتنتقل الحركة ميكانيكيا إلى الحجارة الكبيرة والكبس بطريقة بدائية عن طريق مضخة وقشاط ، والفرازات عادية حيث كانت تفك كل ساعة أو ساعتين لتنظيفها ، وكانت هذه الطريقة مستعملة لغاية العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين .

المرحلة الثالثة : طريق النصف أتوماتيك : حيث يدار الزيتون في حوض خاص يرتفع بواسطة لولب إلى الغسالة في الماء البارد ، ومن ثم ينتقل إلى لولب آخر لجرشه بالجاروشة الخاصة ومن ثم ينزل إلى خلاط صغير وهناك فرازة تنزل كمية دريس – زيتون مطحون – متساوية ثم يرفع العمال القفاف إلى عربة المكبس فيضغط عليها المكبس وتنزل الزيت إلى الفرازة .

المرحلة الرابعة : وهي طريقة الأتوتاتيك الكامل ، حيث يتم وضع حب الزيتون في حوض خاص ثم يرفع بواسطة حامل – قشاط – ويغسل وينقى من الورق والشوائب العالقة به كالتراب والحجارة والحديد والعيدان . وبعد الغسيل يرفع على الجاروشة كما في المرحلة الثالثة السابقة ومن ثم على الخلاطات حيث يوجد ثلاث خلاطات – عجانات – ومن هناك يتم دفعه بواسطة أنابيب إلى التوربيدات ( السنتر فيج ) حيث تتم داخل التوربيدات عملية فرز الزيت عن كافة الشوائب ، ويرفع الجفت بواسطة لولب إلى الخارج ، وأما الزيبار والماء فينزلان من جهة واحدة وينزل الزيت الصافي بنسبة 95 % من جهة أخرى ، حيث يتم فرز الزيت بواسطة فرازة خاصة وفرز الزيبار والماء بفرازة أخرى . وتقوم كل فرازة بمراقبة عمل الفرازة الأخرى ، وتمتاز طريقة عصر الزيتون بالمعصرة الأوتوماتيك الكاملة على المعاصر الأخرى بما يلي :

أولا : تنقية الزيتون من كافة الشوائب كالأتربة والأوراق أو قطع الحديد والمعادن والحجارة الصغيرة .

ثانيا : أثبتت التجارب العلمية والدراسات أن كمية الزيت المفرز – المستخرج من حب الزيتون – قد إزدادت نسبته عنه في المعاصر التقليدية التي مر ذكرها حيث أن نسبة الزيت تزيد في حالة العصر في المعصرة الأوتوماتيك الكامل بنسبة 3 % .

ثالثا : إن نسبة الحموضة في الزيت تقل في الزيت المعصور بالمعاصر الأوتوماتيك بنسبة تتراوح ما بين 1.7 – 1.9 % بينما تصل نسبة الحموضة ما بين 2.5 – 4.5 % في غيرها من المعاصر .

وقد التقت ( الفجر ) بهجت عبد العزيز الأقطش من قرية بيتا جنوب نابلس ، وهو خريج جامعة النجاح الوطنية ، ويمتلك وإخوانه معصرتين لعصر الزيتون ، إحداهما معصرة نصف أتوماتيك ، والأخرى أوتواتيك كامل ، فحدثنا عن إزدياد عدد المعاصر ومطلب أصحاب المعاصر والمشاكل التي يواجهونها ، قائلا :

لقد إزداد عدد المعاصر في الضفة الغربية في النصف الأول من العقد الثامن من القرن العشرين بنسبة كبيرة جدا تصل على ضعف عدد المعاصر التي كانت موجودة في السابق . فمثلا إزداد عدد معاصر الزيتون بنوعيها الاتوماتيك والنصف اوتوماتيك في القرى الواقعة شرق وجنوب نابلس مثل : بيتا وعقربا وعورتا وقبلان وحوارة وعوريف وخربة أبو فلاح وبيت فوريك وياسوف وسكاكا وجماعين وكفر حارس ، حيث وصل عدد المعاصر في هذه القرى 25 معصرة مع العلم أن بإمكان كل قرية أن تستوعب معصرة واحدة ، فمثلا يوجد في بيتا خمس معاصر زيتون ، وفي عربا 3 معاصر زيتون ، وقد أنشأت هذه المعاصر بدون تخطيط أو معرفة الحاجة لإنشاء المزيد من المعاصر .

ويتابع بهجت الأقطش قائلا : وبالرغم من أن هذه السنة ( 1986 ) من السنوات التي أنتجت فيها أشجار الزيتون ثمارا كميتها أكثر من الأعوام الماضية إلا أنني اعتبر أن هذا العام هو عام نكبة المعاصر لعدة اساب هي :

1. إزدياد عدد المعاصر لدرجة أن عمل المعصرة من الناحية الاقتصادية أصبح غير مجد أو مفيد وهذا يعود لعدم وجود الرقابة الجدية على استيراد وتركيب المعاصر .

2. أسعار الزيت هذا العام متدنية بالقياس مع العامين الماضيين ، حيث يبلغ سعر كيلو زيت الذرة 90 قرشا أردنيا وسعر كيلو زيت لزيتون بمعدل 110 قروش أردنية .

3. أسعار المعاصر شبة الخيالية ، حيث يبلغ ثمن المعصرة النصف اوتوماتيك من 38 – 40 ألف دينار أردني ، وتكلف مع الأرض والبناء ما بين 50 – 60 ألف دينار أردني . والمعاصر الاتوتوماتيك تكلف ما بين 95 – 100 ألف دينار أردني مع أرضها وبنائها ما بين 130 – 150 ألف دينار أردني .

4. المضاربات في حصة صاحب المعصرة من الزيتون ( الرد هو بدل استخدام الفلاح المعصرة لعصر الزيتون ) بسبب إزدياد عدد المعاصر بشكل كبير جدا ، فمثلا تأخذ بعض المعاصر ، كل 15 كغم زيت زيتون 1 كغم التي تشكل 6.5 % ووصل في بعض الأحيان إلى 5 % ، وهذا يعني بالنتيجة خسارة حقيقية لصحاب المعاصر ، وهذا يؤدي إلى عدم تمكين أصحاب المعاصر من تسديد الأقساط المالية المترتبة عليهم . وحسب اعتقادي فإن هذا يؤدي إلى إفلاس العديد من أصحاب المعاصر ، وهذا سيؤدي حتما إلى إفلاس بعض وكلاء المعاصر في الضفة الغربية وعدم تمكن الوكلاء بدورهم من تسديد الأقساط والإلتزامات المالية المترتبة عليهم للشركة الأجنبية المنتجة لآلات المعاصر وكذلك ارتفاع سعر العملة الإيطالية ( اللير الإيطالي ) لكون إيطاليا البلد المنتج الوحيد لمعاصر الزيتون والمصدر الوحيد للمعاصر في الأرض المحتلة بأنواعها الرئيسية الإيطالية الثلاث ، وهي : ماركة البير اليزي ، وماريكة فيراشي ، وماركة رابانيلي . وهناك أنواع معاصر أخرى مثل : الفلافال الإيطالي ، ونوع آخر ألماني .

مطالب أصحاب المعاصر

يقول بهجت الأقطش : إن مطالب أصحاب المعاصر تتلخص في إنشاء إتحاد عام يجمع أصحاب معاصر الزيتون تحت لوائه ويشرف على الأمور التالية :

1. مراقبة أسعار قطع الغيار وأعمال المعاصر نفسها بإيجاد سجلات رسمية تحوي كمية الزيت الموجودة ونسبة الزيتون في كافة المناط في الضفة الغربية .

2. إرسال متدربين إلى إيطاليا لسد الفراغ الرهيب في الخبرة اللازمة لتشغيل وتصليح الآلات الحديثة .

3. أن تكون حصة صاحب المعصرة في عصر الزيتون موحدة في كافة المعاصر .

4. أن يكون لهذا الإتحاد رأي أو توصية في عملية استيراد المعاصر في فلسطين .

5. التنسيق المسبق لتحديد أسعار الزيت حيث يلتقي هذا المطلب مع مصلحة المزارعين في الراضي المحتلة التي تعلو ولا يعلى عليها .

ثم التقينا موسى سليمان موسى من قرية جماعين جنوب نابلس وصاحب مصعرة نصف أتوماتيك الذي حدثنا عن المشاكل التي يواجهها أصحاب معاصر الزيتون قائلا :

يواجه أصحاب معاصر الزيتون في الضفة الغربية عدة مشاكل أهمها :

1. عملية المضاربة حيث يتنافس أصحاب المعاصر في كمية الرد وهي الكمية المأخوذة كأجرة على عصر الزيتون .

2. إرتفاع أجرة العمال .

3. عملية الفراغات حيث يأخذ المزارعين أكياسا يعبئون بها زيتونهم ولا يعيدونها .

ولهذا نطالب بإنشاء إتحاد عام لأصحاب معاصر الزيتون يحافظ على حقوقنا وحقوق المزارعين ويحد من استيراد المزيد من المعاصر لأن هناك تضخم في عدد المعاصر ويجب توجيه الأموال المحددة نشاء معصرة نحو إنشاء مشاريع اقتصادية تعمل طيلة أيام السنة تعود بالفائدة على أصحاب رؤوس الأموال والمجتمع ككل ، فالاتحاد والتنسيق بين أصحاب المعاصر ضروري جدا .

كما التقينا العديد من أصحاب المعاصر حيث أجمعوا على ضرورة إنشاء إتحاد عام لصحاب المعاصر في الضفة الغربية يهتم بشؤون المعاصر وأصحابها .

علاقة أصحاب المعاصر بالوكلاء

أجمع أصحاب المعاصر الذين إلتقيناهم على العلاقة بين أصحاب معاصر الزيتون والوكلاء الذين يقومون باستيراد المعاصر الإيطالية بأنها علاقة غير متكافئة أصلا ، واحتكارية حيث لا يوجد إرشاد لدى غالبية أصحاب المعاصر . فمعرفتهم شبه معدومة إضافة إلى تحكم الوكلاء في أسعار قطع الغيار ، فلا يوجد لصحاب المعاصر أية حقوق سوى دفع الإلتزامات المالية المترتبة عليهم للوكلاء . أما بالنسبة لعلاقة أصحاب المعاصر مع المزارعين فإنه نتيجة لإزدياد عدد المعاصر أصبحت العلاقة مشوبة بالحذر حيث يتنافس أصحاب المعاصر على تقديم الخدمات للمزارعين وهذا لا ضير عليه بل يعود بالفائدة على المزارعين إلا أنه يحدث تنافسا كبيرا بين أصحاب المعاصر .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

...............

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 14 / 12 / 1986 ، العدد 4292 ، ص 3 . تحقيق : كمال شحادة .

ليست هناك تعليقات: