الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

لا للدولة اليهودية - " الدولة القومية للشعب اليهودي " .. بين النظرية والتطبيق ( د. كمال إبراهيم علاونه

  لا للدولة اليهودية - " الدولة القومية للشعب اليهودي " .. بين النظرية والتطبيق
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
نابلس – فلسطين
بمبادرة وزراء اليمين الصهيوني ، ووسط توتر سياسي وحزبي داخل الائتلاف الصهيوني الحالي ، ورفض فلسطيني رسمي وفصائلي وطني وإسلامي داخلي وخارجي شامل ، صادقت الحكومة الصهيونية ، اليوم الاحد 23 تشرين الثاني 2014 ، على قرار ( الدولة القومية للشعب اليهودي ) ، بأغلبية 15 صوتا ومعارضة 6 أصوات هم وزراء أعضاء الائتلاف الحكومي الحاكم ، من الحركة ( تنوفاه ) بزعامة وزيرة القضاء الصهيونية تسيفي ليفني ، ويائير لبيد وزير المالية الصهيوني وزعيم حزب هناك مستقبل (   ييش عتيد ) .
وسيطرح هذا القانون الصهيوني الجديد على الكنيست العبري للتصويت عليه بالقراءة الأولى ( التمهيدية ) يوم الاربعاء 26 تشرين الثاني 2014 م ، علما بأن هناك قانونين سينظر بهما ايضا بهذا الخصوص وقد يتم المزج بين مشاريع القوانين الثلاثة لتخرج في صيغة واحدة موحدة .
وتتألف هذه العبارة الصهيوني الجديدة ( الدولة القومية للشعب اليهودي ) من ثلاثة مقاطع متصلة غير منفصلة ، هي ( الدولة – الكيان الصهيوني ) ، و ( القومية – الشعور بالانتماء للقوم اليهود ) ، و ( للشعب اليهودي – وهو الجاليات اليهودية في فلسطين المحتلة والعالم ) . وهي مصطلحات سياسية وإن بدت أنها مترابطة سياسيا وديموغرافيا ودينيا ، فإنها مفككة تاريخيا وجغرافيا ودينيا ، ولا ترتبط ببعضها البعض بأي ظرف من الظروف العادية أو الاستثنائية .
 وزعم رئيس الوزراء الصهيوني  بنيامين نتنياهو إن مشروع قانون "الدولة القومية اليهودية" الذي طرحه على مجلس الوزراء ينص " على اعتبار الطابعين اليهودي والديمقراطي لإسرائيل متساويين " .
واضاف "ان اسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي ودولته الوحيدة"، مدعيا ب " أن اسرائيل تضمن المساواة في الحقوق الشخصية لكل مواطن غير ان الحقوق القومية فيها مضمونة للشعب اليهودي وحده وان هذا الامر يجد تعبيرا له بعلم الدولة والنشيد الوطني وحق اليهود في القدوم الى اسرائيل " .
وأكد نتنياهو في مستهل جلسة مجلس الوزراء الاسبوعية، صباح اليوم الأحد 23 تشرين الثاني 2014  :" ان هناك كثيرين يتحدون الطابع اليهودي لإسرائيل وان الفلسطينيين يعارضون ذلك كما ان هناك معارضة داخلية لأولئك الذين يريدون اقامة حكم ذاتي في الجليل والنقب وينكرون الحق القومي اليهودي" ، على حد قوله.
وهدد بنيامين نتنياهو بأنه سيقوم بفصل كل وزير من الائتلاف الحكومي الصهيوني الحالي من حزب مشارك بالائتلاف ، والمقصود طبعا ( وزراء حزبي الحركة وهناك مستقبل ) ، سيصوت ضد مشروع القرار في الكنيست ، وهذا ينذر بتغيير تركيبة الائتلاف الحكومي الحاكم ، وربما الدعوة لانتخابات مبكرة في عام 2015 .
ويعارض كلا من حزب ( هناك مستقبل ) بزعامة يائير لبيد ، وحزب ( الحركة ) بزعامة تسيفي ليفني ، قانون يهودية الدولة ، الذي يطرحه اليمين الصهيوني بزعامة حزب الليكود ( الذي يقوده بنيامين نتنياهو ) كونهما لا يريدان تحويل الدولة العلمانية إلى دولة اليهودية ( الدينية ) مع ما يترتب على ذلك من تغيير في نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاعلامية في الكيان الصهيوني . ويعارض لبيد وليفني تغليب الطابع الديني لليهودية على الطابع المدني وبالتالي تغليبها على الديمقراطية في الكيان العبري على حد قولهما . وقالت ليفني إن نتنياهو يريد تدمير الدولة وإنه يستدرج وزراء حزبها للتصويت ضد مشروع القانون المقترح من أجل إيجاد ذريعة لإقالتهم من عضوية الحكومة الصهيونية . ودعا لبيد خلال الجلسة الوزارية منح حرية التصويت لأعضاء الائتلاف الصهيوني الحاكم على القانون بوصفه يمس العلاقة بين الدين والدولة، غير أن نتنياهو رفض وطالب بالالتزام الائتلافي الموحد  وإلا سيقيل من يعارض القانون من الحكومة .
ويعني هذا المشروع في حالة اقراره من الكنيست الصهيوني بالقراءات الثلاث لاحقا لئن يصبح قانونا ساري المفعول ، سعيا لتوحيد القوميات اليهودية المتباينة في الكيان الصهيوني تحت قومية واحدة وتكريس لمفهوم غائب وهو الدولة العبرية اليهودية  للقومية اليهودية لما يسمى بالشعب اليهودي ، دون تحديد حدود هذا الكيان الصهيوني المصطنع في فلسطين المحتلة ، من البحر الأبيض المتوسط غربا حتى نهر الأردن والبحر الميت شرقا ومن الناقورة شمالا حتى خليج العقبة جنوبا على البحر الأحمر . بمعنى السعي الصهيوني لترحيل وطرد قرابة 6 ملايين فلسطيني من بيوتهم في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة عام 1948 والجزء المحتل عام 1967 . ومن المعلوم أن القومية ، أي قومية ، تعتبر الدين ، أي دين ، أحد مرتكزاتها بينما لا يعتبر الدين القومية أحد مكوناته بأي حال من الأحوال .
وباختصار تعني يهودية الدولة ( العبرية ) أن هذه الدولة ذات صبغة صرفة لأتباع الدين اليهودي فقط وحرمان المسلمين والنصارى من أرض آبائهم وأجدادهم في فلسطين ، وترحيلهم وطردهم من مدنهم وقراهم ، الى خارج فلسطين وبالتالي حرمان السكان الأصليين من حقوقهم الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، في فلسطين التي جرى تغيير اسمها على الخريطة السياسية العالمية إلى ( إسرائيل ) في تصرف غير مسبوق . أي تحويل الكيان الصهيوني بصورة تامة لكيان عنصري معاد للعرق العربي في البلاد ، وهذا الكيان السياسي يستند إلى الدين اليهودي فقط للتعويض عن مقومات الدولة القومية أو الدينية الحقيقية في هذه الفترة من الزمن وهذا بالتأكيد سيقود إلى حرب عقائدية دينية مقدسة بين الجانبين الصهيوني والفلسطيني أشعلت شرارتها الحكومة اليمينية بالائتلاف الحكومي المتطرف في تل ابيب . وإن أضيفت كلمة الديموقراطية لما يسمى ب ( الدولة القومية للشعب اليهودي ) فهي لذر الرماد في العيون والتمويه والتضليل والتعتيم الإعلامي وتجنب الانتقاد والمعارضة الدولية لهضم حقوق العرب كمواطنين أصيلين وأصليين ، في فلسطين المحتلة . وٌلإقناع العلمانيين الصهاينة والملحدين الآتين من الاتحاد السوفياتي السابق ومن ذوي الخلفيات الشيوعية والاشتراكية الأوروبية الذين استوطنوا فلسطين بدعم صهيوني وتمويل الجماعات اليهودية في العالم ، بأن حقوقهم لا تمس من قريب أو بعيد ولهم الحق في التعبير عن مكوناتهم ومكنوناتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعيش كما يحلو لهم .
وفي العلوم السياسية من مقومات وجود الدولة : الإقليم الجغرافي والشعب ( السكان ) والحكومة الوطنية أو ( السلطة ذات السيادة ) ، بينما تعرف القومية بأنها الشعور بالانتماء لقوم أو أمة معينة تعيش في منطقة جغرافية محددة وذات تاريخ مشترك وثقافة واحدة وحضارة واحدة وعرق بشري محدد . ومن مقومات الشعب : الدين واللغة والتاريخ المشترك والمصير المشترك والحياة الاجتماعية والاقتصادية المشتركة . وهذه الأمور لا تتوفر بتاتا في الجاليات اليهودية بفلسطين ، التي تؤلف الكيان الصهيوني المصطنع منذ عام 1948 ، ككيان سياسي هش ، يقوم على الوحشية العسكرية والقمع الأمني والقهر السياسي والظلم الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي ، لا يرتقي إلى مصاف دولة حضارية ذات تاريخ وجغرافيا معينة في حساب تاريخ الشعوب في المنطقة وفي العالم .
ومن المعروف أنه لا توجد قومية يهودية في الكيان الصهيوني ، بل توجد طوائف يهودية هي عبارة عن الجاليات اليهودية كالفسيفساء المزركشة المتنوعة ، في فلسطين المحتلة ، التي تتوزع على قوميات غربية وشرقية ، وبدورها تنقسم القوميات الغربية إلى قوميات روسية وفرنسية وبريطانية وايطالية واسبانية وبولونية والمانية وسواها . وكذلك الحال تنقسم القوميات اليهودية الشرقية إلى قوميات إيرانية وعربية وأفريقية وآسيوية وأمريكية وكندية وخلافها . ومن المعروف أن اليهود بفلسطين المحتلة ينقسمون إلى ثلاث فئات : دينية وعلمانية وإلحادية أتوا من 102 دولة من مختلف قارات العالم ن يتحدثون 83 لغة .
وتعني يهودية الدولة ، بالإضافة إلى ما سبق ذكره ، تهميش المواطنين الفلسطينيين ، من أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين الكبرى ، بما فيها الجليل والمثلث والنقب والساحل ، والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ، وتكريس التمييز العنصري الصهيوني ضد المواطنين الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 ، وحرمانهم من حقوقهم القومية كبقية القوميات في العالم ، وفقا للأساطير والخرافات والخزعبلات اليهودية القديمة فيما يطلق عليه اليهود ( إسرائيل التوراتية ) علما بأن التوراة نزلت على نبي الله موسى عليه السلام في سيناء وليس في فلسطين . وكذلك مصادرة الحقوق السياسية الوطنية للشعب الفلسطيني المتمثلة بتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين العتيدة وعاصمتها القدس الشريف ، والتعدي المباشر على حق العودة للنازحين واللاجئين الفلسطينيين وحرمانهم من العودة لمواطنهم الأصلية ، والبالغ عددهم الآن قرابة 6 ملايين فلسطيني في المنافي والشتات يتوقون للعودة لديارهم المحتلة منذ 1948 .
ويأتي هذا التوجه الصهيوني القديم المتجدد لتحقيق أهداف محلية صهيونية وإقليمية وعالمية لتصوير الدولة اليهودية بأنها دولة اليهود ( جميع اليهود ) الوحيدة ، في جميع أنحاء العالم لاستدرار العطف اليهودي والعطف العالمي وتشجيع الهجرة اليهودية والقدوم اليهودي ، من مختلف قارات العالم إلى فلسطين وفقا لما اقره الكنيست الصهيوني عام 1950 فيما يسمى بتطبيق  ( قانون العودة ) لكل يهودي في العالم للكيان الصهيوني والتمتع ب ( الجنسية الإسرائيلية ) . وكذا الحال لتعزيز الوجود اليهودي في فلسطين بالاستيطان المستمر دون وجه حق من أي كان بالاعتراض على ذلك ، كمنطقة جغرافية ، من أقصاها لأقصاها ، من شمالها لجنوبها ، ومن شرقها لغربها ، وتكريس الهيمنة الصهيونية بغلاف ديني يهودي على الضفة الغربية المحتلة كما يطلق عليه صهيونيا زورا وبهتانا ( يهودا والسامرة ) . إضف إلى ذلك ، توحيد اللغات في الكيان الصهيوني إلى لغة واحدة هي اللغة العبرية كلغة رسمية واحدة ، لتكون اللغة الرسمية في الكيان الصهيوني بمعنى حذف وتهميش وتجاهل جديد للغة العربية كلغة رسمية ثانية في الكيان الصهيوني .
على العموم ، في ظل تراجع المشروع الاستعماري الصهيوني العالمي في فلسطين ، برزت الحاجة الرسمية والحزبية في تل أبيب ، لتأكيد القومية اليهودية وصهر جميع القوميات الأوروبية والأمريكية والآسيوية باستثناء أبناء الشعب العربي الفلسطيني ، في الكيان الصهيوني بصبغة دينية لأقوام أتوا من مختلف اصقاع الكرة الأرضية للالتحاق بالصبغة الدينية للدولة الحديثة التي يجري تشكيلها في المشرق العربي غربي قارة آسيا .
على أي حال ، هذا القرار أو المشروع الصهيوني الاستعماري ، يصب في خانة تنفيذ سياسة التهويد  والصهينة والأسرلة والعبرنة في فلسطين لتصبح واقعا ملموسا ومعاشا ، والسعي لتهجير الفلسطينيين من وطنهم ، وطن الآباء والأجداد كونهم حسب التعاليم التلمودي العنصرية يمثلون ( الأغيار أو الجوييم ) ، وتوجيه الإهانة والأذلال المتواصل ضدهم حسب ما تمليه شريعة الغاب الصهيونية المقيتة .
وخلاصة القول ، فإنه حسب القوانين والأعراف والمواثيق الدولية ، وحسب العلوم السياسية والجغرافية والتاريخية ، لا يوجد شعب في العالم اسمه الشعب اليهودي ، لغياب مقومات الشعب الجغرافية التاريخية والدينية واللغوية والثقافية والتراثية والاقتصادية والسياسية المتحدة والمتواصلة مع بعضها البعض ، وإنما توجد هناك جاليات يهودية متجمعة ومتفرقة في العالم ، يبلغ تعدادها حوالي 16 مليون نسمة يهودي في مختلف قارات العالم ، منهم 6 ملايين يهودي استوطنوا بدعم صهيوني وغربي ، في فلسطين ، و6 ملايين يهودي في قارة أمريكا الشمالية ، ويتوزع 4 ملايين يهودي على قارات أوروبا وافريقيا واستراليا وآسيا .
وبهذا يمكننا القول ، إن إقرار مشروع ( الدولة القومية للشعب اليهودي ) جاء لإنقاذ المشروع الصهيوني من الإندثار الحتمي المقبل ، وتجديد الدم في هذا المشروع اليهودي العالمي ، المدعوم من الإمبريالية الأمريكية والأوروبية ، هو مجرد هرطقات استعمارية دينية مدنية إعلامية سياسية جديدة لا وجود لها على أرض الواقع وإنما تهدف لتجميع اليهود في الأرض المقدسة ، والحد من الهجرة اليهودية المعاكسة للخارج ووضع حد للتحلل الديني اليهودي الخارجي تجاه دعم الجاليات اليهودية فلسطين ، ومواصلة ترسيخ الأساطير والخرافات اليهودية المزيفة في فلسطين باعتبارها ( ارض الميعاد لليهود ) ، التي لا تمت للواقع التاريخي والقانوني الحقيقي بصلة مقبولة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم .
يوم الأحد 1 صفر 1436 هـ /  23 تشرين الثاني 2014 م .

ليست هناك تعليقات: