الثلاثاء، 17 يونيو 2014

القدس مدينة السلام لا أورشليم مدينة الزحام ؟ د. كمال إبراهيم علاونه


القدس مدينة السلام لا أورشليم مدينة الزحام ؟

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس – فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { بسم الله الرحمن الرحيم : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .

يبوس هو الاسم الأول للمدينة المقدسة التي باركها الرحمن الرحيم من فوق سبع سماوات ، هكذا تذكر كتب التاريخ ، ويبوس هذا اتخذته هذه المدينة المهمة لدى الإسلام العظيم ، هو اسم قديم لأحد بطون اليبوسيين وهم فخذ عائلي أو قبلي من قبائل الكنعانيين الأوائل في المدينة المقدسة . وبعد الاحتلال اليهودي – الصهيوني من قبل المنظمات الإرهابية الصهيونية عام 1948 ، للجزء الأكبر من فلسطين البالغ مساحته 770 ر 20 كم2 ، بما فيها مدينة السلام ، المقدسة ، أعلن الناطق الرسمي باسم الهاغاناة اليهودية المسلحة بأن القدس لمد تعد القدس وإنما أصبحت ( أورشليم ) عاصمة الكيان الصهيوني ( دولة إسرائيل ) حينما احتل الجزء الغربي منها . وفي 7 حزيران عام 1967 عندما استكملت قوات الاحتلال اليهودي الاستيلاء على بقية أجزاء فلسطين ومنها الجزء الشرقي من المدينة المقدسة تم ضم المنطقتين الغربية والشرقية لتؤلف المدينة الموحدة ويتم إصدار قانون من الكنيست اليهودي ( الإسرائيلي ) يقضي بجعل القدس الموحدة ( أورشليم ) عاصمة أبدية للاحتلال اليهودي – الصهيوني – الإسرائيلي حيث نفذ فعليا في 28 حزيران من عام 1967 . وهكذا تم سلخ المدينة المقدسة عن بقية أجزاء فلسطين الكبرى المحتلة ومنحها مكانة يهودية خاصة بقرار احتلالي مدروس .

في هذه المعالجة سندعو التاريخ الثابت للحكم والفصل بين يبوس العربية وأورشليم الصهيونية ، تعالوا بنا لسرد واستنطاق التاريخ والجغرافيا والدين والديموغرافيا والواقع الحقيقي لما يزوره أبناء صهيون الجدد منذ ستين عاما متواصلة ، لدحض هذه الافتراءات والأكاذيب الملفقة ويتم ترديدها صباح مساء ، وذلك باطلاع على كتاب ( فلسطين العربية المسلمة ) لمؤلفه د. كمال إبراهيم علاونه ، وهو الذي يخط هذه الدراسة التاريخية عن مدينة السلام المسلمة عبر التاريخ الإنساني منذ عهد اليبوسيين الأوائل حتى أيامنا هذه [1] .

وفي سنة 3000 ق . م استطاعت البلاد أن تتقدم حضاريا فأقيمت المدن التي تحكمها حكومات مدينية أي حكم قبيلة لمدينة معينة ، وبنيت عدة مدن ، من أبرزها : يبوس ( القدس اليوم ) وشكيم ( نابلس ) ، ومجدو ، وأريحا ، وبيسان وعكا ويافا وسواها ، فبلغ عدد المدن الكنعانية أكثر من مائتي مدينة ، وأقدم نقش لهم في هيكل الكرنك في الأقصر بمصر العليا إذ وردت أسماء 119 مدينة لهم في البلاد . وتشير المصادر التاريخية والأثرية في البلاد إلى أنه منذ العصر الحديدي الذي تراوح ما بين 1200 – 586 ق . م تتالى على المسرح السياسي للبلاد عدة قوى سياسية من الشرق والغرب والجنوب والشمال . ففي العصر الحديدي الذي بدأ في عام 1200 ق . م تقريبا شرع الإنسان الكنعاني باستخدام أدوات حديدية في مواقع فلسطينية بعدما كانت هناك حضارة برونزية استعمل فيها البرونز لصنع الأدوات وبناء الأسوار والبيوت والقصور وحفر الأنفاق المائية وصنع الخزف والأقمشة . ثم دخلت قوى بشرية جديدة للبلاد ( أرض كنعان ) في القرن 13 ق . م مثل الفلستينيين ( قبائل البلست Pelest ) حيث أسسوا عدة مدن من بينها غزة وعسقلان وأسدود وتل الصافي وسواها . وكانت للفلستينيين ( الفلسطينيين فيما بعد ) حضارة مدنية ومعمارية ، فخارية وهندسية في عدة مواقع كنعانية متقدمة . وبعد قدوم قبائل الفلسطينيين ( كإحدى شعوب البحر الغربي ) من جزيرة كريت اليونانية إلى بلاد كنعان ، أصبح السكان الأصليون وهم الكنعانيون في صراع حضاري وسياسي متواصل مع الفلسطينيين ، إلى أن غلب الطابع الفلسطيني على الطابع الكنعاني . وكان أول من أطلق اسم الفلسطينيين على القبائل البلستية القادمة من بحر ايجيه الإغريقي ( اليوناني ) هو هيرودوت المكنى بأبي التاريخ . ثم جاء العبرانيون في بداية العصر الحديدي بقيادة يوشع ( يشوع ) بن نون وكان قائدا إسرائيليا عنيفا حيث قرر إبادة جميع سكان البلاد ، كما تقول التوراة ، فدخل أقدم مدينة في التاريخ ، مدينة أريحا من جهة الشرق فحاصرها بنو إسرائيل وأحرقوها وقتلوا سكانها ثم سيطروا على جنوب فلسطين ، ولكن بقي جزء من شعب الكنعانيين في جزء منها .

. كما أقام اليبوسيون وهم أحد فروع أو بطون الكنعانيين مدينة يبوس التي عرفت أيضا فيما بعد بأور ساليم أو مدينة السلام والتي حرفها العبرانيون إلى كلمة أورشليم . بين عامي 1400 ق. م – 1200 ق.م جاء لأرض كنعان جماعات مهاجرة جديدة من قبائل العبرانيين وهي جماعات قبلية سامية وغير سامية . حيث احتل العبرانيون مدينة القمر ( أريحا نحو 1186 ق . م ) وقتلوا جميع سكانها من البشر والحيوانات واستولوا على ممتلكاتها ثم استولوا على يبوس بعد قرنين من الزمن [2] . ويعتقد بعض المؤرخين أن بداية الهجرة السامية العبرانية تمثلت بمجيء النبي إبراهيم عليه السلام جد القبائل العربية والعبرانية معا . فقد جاء إبراهيم عليه السلام في القرن العشرين قبل الميلاد ( عام 1950 ق .م ) ونسب له اسم العبور لأنه عبر نهر الأردن من ناحية الشرق ، أي شرق الأردن ، ثم تطورت هذه التسمية لتصبح ( عابرو النهر - العبرانيون ) . وقد تنقل النبي إبراهيم عليه السلام وقبيلته في فلسطين وزار مدينة شكيم ( نابلس ) وبئر السبع ومدينة حبرون أو أربع ( الخليل ) التي حملت اسمه فيما بعد حيث دعي إبراهيم الخليل كما جاء في القرآن المجيد : ] وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [ [3] . وكان إبراهيم عليه السلام مسالما حيث عاش وسكن بهدوء مع السكان الأصليين . ولكن النبي إبراهيم عليه السلام لم ينشأ دولة له ولأتباعه في فلسطين ، بل إن أحفاده ( النبي يعقوب وأبناءه ) هاجروا من فلسطين إلى مصر وبقيت البلاد بعد هجرة أحفاده مليئة بالسكان الذين مارسوا الحياة الطبيعية ولم يتركوها وأصبحوا مالكيها . وتعتقد التوراة أن موسى عليه السلام وقومه هم من نسل إبراهيم عليه السلام . على العموم ، لجأ النبي إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين ، وكان مسلما ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا حيث قال الله جل وعلا في كتابه العزيز : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } [4] .

وكان في تلك الفترة التي جاء فيها النبي إبراهيم عليه السلام ( ملكي صادق ) ملك اليبوسيين الكنعانيين العرب ، الذي عقد اتفاقية صداقة مع إبراهيم الخليل بمعنى أنه كان من الملوك اليبوسيين الموحدين لله تبارك وتعالى ، متخذا زاوية من المسجد ألأقصى لعبادته . تزوج النبي إبراهيم عليه السلام من امرأتين هما : هاجر رزقه الله منها بإبنه إسماعيل ، وهو الإبن الأكبر ، وهي الزوجة الثانية ، ثم رزق بابنه الثاني إسحاق من زوجته سارة ، وهي الزوجة الأولى التي كانت عاقرا ثم أنجبت بعد زوجته الثانية هاجر . ويعد إسماعيل عليه السلام الذي بعث نبيا في مكة المكرمة نبيا جد العرب ، بينما يعد أخوه إسحاق جد اليهود . وقد ولد إسماعيل في صقع بئر السبع بجنوب فلسطين . وفيما بعد رزق إسحاق ولدين هما عيسو ويعقوب الذي دعي باسم ( إسرائيل ) أيضا ، ثم ولد ليعقوب اثنا عشر ولدا يعد كل واحد منهم أبا لسبط من أسباط إسرائيل وكان من أبنائه يوسف عليه السلام الذي تآمر عليه إخوته والقوه في غيابت الجب ( البئر ) وزعموا لأبيهم أن الذئب أكله ، ثم باعه التجار الذين أخرجوه من البئر لتجار مصريين ببخس دراهم معدودة . وفي مصر الفرعونية سجن يوسف ظلما وبهتانا ثم أخلي سبيله ودخل في حاشية فرعون فتمتع بنفوذ قوي فجلب أباه وإخوته ، وبهذا انتقل بنو يعقوب ( إسرائيل ) إلى مصر ومكثت عائلة يوسف نحو أربعمائة عام حيث أعطى فرعون مصر يعقوب وبنيه قسما من ارض دلتا النيل . ثم انقلب الفراعنة فيما بعد على بني إسرائيل وأخذوا يسومونهم سوء العذاب إلى أن بعث الله لهم النبي موسى عليه السلام نحو 1227 ق . م لإنقاذهم من الفراعنة الطغاة .

ورد ذكر الأرض المقدسة في القرآن المجيد عندما طلب النبي موسى عليه السلام من بني إسرائيل دخول سيناء والمجئ للبلاد ( الأرض المقدسة ) هربا من طغيان فرعون ومن ( ارض العبودية لبني إسرائيل ) ، إلا أن قومه لم ينصاعوا لقوله وعبدوا العجل ورفضوا طاعة أمره الذي أمره به الله سبحانه وتعالى فما كان من الله إلا أن فرض عليهم التيه لمدة أربعين عاما تاهوا بها في صحراء سيناء والأرض بسبب عنادهم ورفضهم طاعة أوامره التي بلغها لموسى وهارون عليهما السلام وجاء تحريم دخول الأرض المقدسة على بني إسرائيل لكي يخرج جيلا شجاعا يمتثل أوامر الله . قال الله عز وجل : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ . قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ . قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [5].

في حوالي عام 1025 ق . م أصبح شاؤول ( شمويل – طالوت المذكور في القرآن الكريم ) ملكا على العبرانيين فشنوا حربا على الفلسطينيين . وكان داود ( عليه السلام ) راعي غنم في بيت لحم فتحارب الفلسطينيون مع الإسرائيليين في معركة من المعارك التي كان يدور رحاها بين الحين والآخر ، فقتل داود قائد الفلسطينيين الجبار جالوت ( جليات ) الذي كان يتحدى شاؤول ملك الإسرائيليين حيث هجم داود – صغير أولاد أبيه الثلاثة عشر - على جالوت بعصاه وخمسة حجارة بجرابه فضرب جالوت بمقلاع بيده فأصاب جبهة جالوت فسقط على الأرض ثم لحقه وقتله بسيفه ، فانتصر بنو إسرائيل على الفلسطينيين . ثم آلت البلاد فيما بعد لداود عليه السلام عند تزعمه بني إسرائيل [6] وكان ذلك العهد عهد التنظيم العسكري والسياسي القوي حيث تولى داود ( دافيد ) الحكم ما بين 1016 ق . م – 976 ق . م وهناك من يقدر حكم داود بأنه بدأ من 1010 ق .م – 971 ق .م أي أن حكمه استمر مدة أربعين عاما وكان من أبرز أعماله جعله مدينة القدس عاصمة لمملكته بدأها بسبع سنوات في حبرون ( الخليل ) والباقي في يبوس ( أورشليم ) حيث بني مدينة قريبة من يبوس سميت فيما بعد مدينة داود . وقد نظر الفلسطينيون لداود عليه السلام بصورة حيادية غير منحازة أثناء حكمه لبني إسرائيل وكان داود في بداية حكمه تابعا للفلسطينيين إلا أنه في نهاية عهده حكم أوسع رقعة عرفتها مملكة داود عليه السلام علما أنها لم تشمل كل فلسطين . وداود عليه السلام هو صاحب المزامير المشهورة في التاريخ حيث أتاه الله زبورا وهو التعاليم الدينية لقومه آنذاك . وتذكر كتب التاريخ أن داود عليه السلام لجأ إلى أبرز ملوك الفلسطينيين وهو الملك أخيش عندما هرب داود من شاؤول [7] . وتجدر الإشارة ، إلى أن السواد الأعظم من سكان فلسطين في تلك الفترة كان من الكنعانيين والفلسطينيين حضاريا وثقافيا وكان العبرانيون أو بني إسرائيل أقلية ، واختلط العبرانيون بالمواطنين الأصليين بشكل قليل . ثم انقسمت مملكة سليمان بعد وفاته إلى مملكتين متحاربتين هما : الأولى : مملكة شمالية ( إسرائيل ) متخذة من السامرة ( شمال غرب نابلس ) عاصمة لها . والثانية : مملكة جنوبية دعيت باسم ( يهودا أو يهوذا ) متخذة من أورشليم ( القدس ) عاصمة لها ، وقد تحاربت هاتان المملكتان مع الفلسطينيين وانتصرت عليهم في القرن الثامن قبل الميلاد . ثم انصهر الفلسطينيون مع الساميين في البلاد . كما تحاربت مملكتا إسرائيل ويهودا مع مصر الفرعونية حيث سيطر على فلسطين فرعون مصر شيشنق عبر حملة عسكرية وفرض عليها دفع الغرامات المالية أو الجزية . وتحاربتا مع مملكة دمشق الآرامية وكانتا من مناطق النفوذ المصري والدمشقي . كما تحاربت المملكتان اليهودية والإسرائيلية المتحاربتان أصلا ، مع جيرانهما من العمونيين والمؤآبيين والأدوميين في الشرق .

وقد تعرضت مملكة ( إسرائيل ) الشمالية لغزوة عربية آشورية من ( بلاد ما بين النهرين ) سنة 722 ق . م بزعامة سرجون الثاني ، فدمر المملكة الإسرائيلية وسبى عددا كبيرا من أهلها فيما عرف بالسبي الصغير وكان ذلك في عهد الملك التاسع عشر ( صدقيا ) . وأما مملكة يهودا الجنوبية فدمرها البابليون العرب على يد نبوخذ نصر البابلي الكلداني عام 586 ق . م وسبى عددا كبيرا من أهلها فيما عرف بالسبي الكبير . دمر نبوخذ نصر إثناء زحفه مدينة أورشليم وأخذ الملك اليهودي ( يهو ياقيم ) وعائلته وسادة اليهود وعين بدلا من ذلك الملك أخاه ( يهو ياكين ) ونهب خزائن المملكة اليهودية . ونقل الملك ( يهو ياكين ) ونحو أربعين ألفا من سادة القوم والحرفيين إلى بابل بهدف إخلاء البلاد من قادتها فيما بعد ، ثم ملك نبوخذ نصر على الباقين في مملكة يهوذا ( صدقيا بن يوشيا ) ، الذي بدوره تمرد على نبوخذ نصر فبعث له نبوخذ نصر جيشا أسره وجلبه لبابل وتم تدمير أورشليم وبذلك انتهى عصر دولة يهودا( يهوذا ) [8] في عهد الملك التاسع عشر ( هوشع ) .

وعندما هزم قورش ( كورش ) ملك بلاد فارس عام 539 ق . م ، ملك البابليين نابونيدس ، أضحت فلسطين جزءا من مناطق نفوذه فسمح لمن رغب من اليهود بالعودة لفلسطين الذين اخذوا عنوة منها بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء هيكل سليمان فيها فأعيد بناء الهيكل مرة ثانية ، ولكن الغالبية العظمى من اليهود فضلت البقاء في بابل ( العراق اليوم ) . وقد استمر حكم الفرس لفلسطين حتى عام 333 ق . م حيث تغلب الاسكندر المقدوني ( اليوناني ) في ذلك العام على الملك الفارسي داريوس الثالث واحتل مدينة يبوس وسيطر على جميع أنحاء فلسطين بتغلبه على الفرس في معركة ايسوس ودخل مدينة غزة عام 332 ق . م . وبعد وفاته تصارع على فلسطين البطالمة في مصر والسلوقيين في سورية حلفاء الاسكندر ووقعت فلسطين في نهاية الأمر في أواخر القرن الثالث ق. م تحت سيطرة السلوقيين . وحاول اليهود في القدس التمرد ، أيام الأسرة المكابية اليهودية مطلع القرن الثاني ق. م إلا أن الملك السلوقي أنطيوخوس الرابع ( 167 – 164 ق . م ) أخضعهم لحكمه فاستولى على مدينة القدس وحطم الهيكل وأنشأ مذبحا للآلهة اليونانية ، ثم حاول المكابيون التوجه للأردن فقاتلهم العرب الأنباط وهزموهم . ثم احتل القائد الروماني بومبي فلسطين حيث دخلها عام 63 ق . م فأنهى حكم الأسرة الحشمونية وعين هير كانوس الثاني ( 63 – 40 ق . م ) قائدا مواليا له سامحا لليهود بإقامة حكم ذاتي لهم واقتاد ارستو بولس أسيرا إلى روما . وتقريبا في عام 37 ق . م عين الرومان هيرودس ( أدومي عربي الأصل ) ملكا على فلسطين جميعها عدا المدن الهلنستية ، فبنى ميناء قيسارية ومدينة سبسطية وعدة قلاع وحصون ومدن أخرى . وفي عهده ولد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ( عهد الإمبراطور الروماني أغسطس ) في مدينة بيت لحم ، وانتقل مع والدته مريم العذراء إلى مدينة الناصرة التي بشرت فيها مريم عليها السلام بولدها المسيح عيسى . وبهذا كانت فلسطين المهد الأول للنصرانية ( المسيحية – نسبة إلى المسيح عليه السلام ) وكانت لغة أهل فلسطين آنذاك الآرامية حيث كان المسيح يقدم تعاليمه ومواعظه بالآرامية بينما كانت اللغة اليونانية مستخدمة في بعض أجزاء فلسطين . وفي عام 26 م تقلد بيلاطس حكم القدس مستهلا الحكم الروماني المباشر لفلسطين . وفي عام 44 م أصبحت فلسطين ولاية رومانية بعد موت ( أغريبا ) حفيد هيرودس . وفي عام 70 م حارب الرومان العبرانيين اليهود في حالات من المد والجزر ولم يستسيغوا فكرة التمرد اليهودي بين الحين والآخر واتهام اليهود بملاحقة ( وقتل ) المسيح عليه السلام فعمل القائد الروماني تيطس على احتلال المدينة المقدسة وتحطيم الهيكل وطرد العبرانيين . على أي حال ، قام يهود بتمرد وعصيان جديد ضد الحكام اليونانيين والرومان في فلسطين كان آخرها عصيان تزعمه سمعان ( باركوخبا ) ما بين 132 – 135 م الذي زعم أنه المسيح المنتظر . وفي عهد الإمبراطور الروماني هدريان الذي افشل هذا التمرد ودمر وحرق الهيكل وعمل على تحويل أورشليم إلى مستعمرة رومانية وبنى مدينة جديدة مكان المدينة المقدسة ووضع ضمن مخططها هيكل روماني ومؤسسات عمرانية رومانية وغير اسمها ليصبح ( إيليا كابيتولينا ) عام 130 م وحرم اليهود من دخول المدينة المقدسة فاضطر اليهود للهجرة إلى مناطق متعددة إلى مصر والأغوار والجبال الداخلية وهاجرت نسبة منهم لخارج البلاد ، بحثا عن التجارة والعمل بمعنى تشتت اليهود من جديد في مختلف دول العالم وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط . أي أن الوجود اليهودي في بلاد كنعان انتهى نهائيا عام 135 م على يد القائد الروماني هدريان الذي قضى على تمردهم ومنعهم من العودة للبلاد . وبهذا يكون الرومان دمروا المدينة المقدسة مرتين الأولى عام 70 م زمن طيطس ( تيطس ) حيث أحرق ودمر كليا المعبد الذي بناه هيرودوس ( التدمير الأول ) وسبى مئات الأسرى وبيعوا في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان ، فأصبحت القدس لا يعيش فيها إلا حامية رومانية . وفي المرة الثانية عام 135 م حيث قضى الإمبراطور الروماني هدريان على اليهود كليا وخرب أورشليم وحرث موقعها ومكان الهيكل ( التدمير الثاني ) وقتل عددا ضخما وسبى البعض الآخر ومنع اليهود من دخول القدس وأطلق على المدينة اسم جديد هو إيلياء ( إيليا كابيتولينا ) حيث سكنها اليونانيون أيضا . ثم شيد الرومان على باب معبد البهاء برجا صغيرا فوقه ووضعوا عليه أسم الملك إيلياء جد هدريان وما زال البرج على باب مدينة القدس يطلق عليه محراب داود ، وهو مكان الهيكل المزعوم [9] .

وقد بدأت النصرانية إبان الفترة البيزنطية تأخذ مسار الدين الرسمي للدولة الرومانية حينما اعترف الإمبراطور قسطنطين الأكبر بها ( 306 – 337 م ) . فتبعت ولاية فلسطين الإمبراطورية الرومانية الشرقية المعروفة باسم بيزنطة وعاصمتها القسطنطينية ، ثم زارت الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين ، فلسطين عام 326 وعملت على تشييد ثلاث كنائس هي : كنيسة البشارة في الناصرة وكنيسة القيامة في القدس ( افتتحت عام 335 م ) وكنيسة المهد في مدينة بيت لحم . وفي عام 324 م سمح الإمبراطور الروماني قسطنطين لليهود بدخول المدينة المقدسة مرة واحدة بالسنة بعدما منعهم هدريان ، وأعيد تسمية المدينة باسم أورشليم ، ورغم ذلك بقي اسم إيلياء متداولا حتى الفتح العربي الإسلامي . وفي عام 614 م جاءت الغزوة الفارسية واحتلت بلاد الشام ، ودخلت القدس بمساعدة اليهود وتم تدمير كنيسة القيامة وقتل أكثر من ستين ألف مسيحي دفن منهم خمسة آلاف في مقبرة ( ماملا ) . وفي عام 627 م طرد الإمبراطور الروماني هرقل الفرس من القدس . وفي 14 أيلول 628 م احتفل هرقل بإعادة رفع الصليب في القدس الذي استرده من الفرس [10]. وفي عام 628 م / محرم سنة 7 هـ بعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كتابا إلى هرقل يدعوه للإسلام بعد العودة من الحديبية ، حيث كان هرقل في المدينة المقدسة . وبقيت فلسطين تحت الحكم البيزنطي حتى عام 633 م / 12 هـ وهي بداية الفتح العربي الإسلامي للبلاد [11].

على العموم ، بالاستناد للتاريخ الديني والسياسي ، يعتبر اليهود القدماء ( بني إسرائيل ) عبارة عن أقوام طارئين على أرض كنعان ، جاءوا عبر هجرات متقطعة ، وأن البلاد كانت تضم الشعب الكنعاني ، والفلسطينيين القدماء ، قبل مجيء بني إسرائيل إليها . وأن الوجود الإسرائيلي القديم انتهى عام 135 م ولم يعد لهم وجود سياسي أو ديني أو اقتصادي أو اجتماعي بعد ذلك . وقد طبعت فلسطين بالطابع العربي الإسلامي بعد فتحها نهائيا وتحريرها من الاحتلال الروماني خلال فترة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بمعنى أن صلة اليهود ( الإسرائيليين الجدد ) بفلسطين هي صلة طارئة جاءت بهجرة يهود من أوروبا من أقوام اعتنقوا الديانة اليهودية وليسوا من بني إسرائيل القدماء الحقيقيين . وقد خطب عمر في تلك الجموع الحاشدة مستهلا خطبته بقوله : يا أهل إيلياء : لكم ما لنا وعليكم ما علينا . ثم كتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وثيقة الأمان لأهل ( إيلياء ) بيت المقدس المعروفة ب ( العهدة العمرية ) . وهذا هو نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، وكنائسهم وصلبانهم ، سقيمها وبريئها وسائر ملتها ، إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار احد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود . وعلى أهل إيلياء : أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت ( اللصوص ) فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على إيلياء من الجزية . ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم . ومن كان فيها من أهل الأرض ، فمن شاء منهم قعد وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله فلا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم . وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله ، وذمة الخلفاء ، وذمة المؤمنين ، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية . شهد على ذلك : خالد بن الوليد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمرو بن العاص ومعاوية ابن أبي سفيان . وكتب وحضر سنة خمس عشرة ( للهجرة ) .

على أي حال ، نظمت العهدة العمرية التي أصدرها الخليفة المسلم عمر بن الخطاب العلاقات السياسية والاقتصادية والدينية مع النصارى في مدينة إيلياء وحرمت المدينة المقدسة ( بيت المقدس ) على اليهود . وقد صدرت العهدة العمرية الإسلامية بعد نحو خمسة قرون من منع اليهود من الإقامة بالقدس ( منع اليهود من سكن القدس عام 135 م ) فجاءت مؤكدة على استمرار منعهم . وكان عدد سكان المدينة المقدسة من الروم 12 ألف ، وعدد السكان الأصليين 5 آلاف شخص . على العموم ، جاء ذكر الأرض المباركة - أرض الإسراء والمعراج ، بيت المقدس لدى المسلمين على النحو الآتي : إذ جاء ذكر البلاد ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ( الأرض المباركة ) خمس مرات في القرآن الكريم ، منها : أنها مكان نجاة وهجرة النبي إبراهيم ولوط عليهما السلام ، وميراث المستضعفين في الأرض : { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [12] . { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [13] . وقال الله عن سليمان عليه السلام : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [14] . وقال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } [15] . كما ورد اسم فلسطين باعتبارها الأرض المباركة وقت الإسراء والمعراج ، حيث قال الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [16] . وقد اهتم الإسلام بالأرض المقدسة بشكل كبير جدا ، فالمسجد الأقصى في بيت المقدس هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، ومعراج رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وقد فتحت بيت المقدس روحيا ( جوا ) بمعجزة الإسراء والمعراج بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في بيت المقدس عبر البراق بصحبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل أمين وحي السماء عليه السلام ، وبالتالي ارتبطت فلسطين بإمامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصى ، وفرض الصلاة المفروضة بأوقاتها الخمس على الأمة الإسلامية بعد رحلة الإسراء والمعراج . وهناك أحاديث نبوية شريفة تؤكد أهمية المسجد الأقصى وفلسطين لدى المسلمين من أهمها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [17] .

وفي القرن السابع الميلادي ، ظهرت آخر موجة من الهجرات السامية من جزيرة العرب من موطن العرب الأصلي متوجهة نحو بلاد الشام ( سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ) والهلال الخصيب ( بلاد الشام والعراق ) بعدما ازدحمت المنطقة بالسكان فانتقلت أفواج العرب من أرض الجزيرة العربية كونها صحراء قاحلة إلى الأرض الزراعية الخصبة شمالا باتجاه السواحل والأنهار . وفي كل الهجرات كانت اللغة العربية كلغة سامية هي الأصل والأساس [18] ، إلا أنه في هذه الهجرة لم يأت المهاجرون المسلمون طلبا للغذاء والكساء وإنما لنشر الدعوة الإسلامية حيث كانت خيارات المسلمين للأمم الذي يقصدونها آنذاك ثلاثة لا رابع لها هي : أما إعلان الإسلام وإما الحرب أو دفع الجزية . وبالنسبة إلى عبارة ( أرض الميعاد - أرض إسرائيل ) كما دعيت في الكتابات اليهودية التوسعية . فتعلاوا بنا نتعرف على هذه الفرية والأكذوبة الكبيرة ، واسم أرض الوعد أو الميعاد وردت في التوراة اليهودية ، ويبدو أن كاتبيها عندما كانوا في بابل عند سبيهم اشتاقوا لمملكة إسرائيل القديمة أو مملكة يهودا القديمة فطلبوا العودة لهما ، فأطلقوا العنان لخيالهم فسموها أرض الميعاد ، وأخذوا يرددون : ( شلت يمني إن نسيتك يا أورشليم ) . وتبنت الصهيونية هذه التسمية لإقناع اليهود بهجرة أوطانهم في أوروبا والقدوم لفلسطين ، بدعوى أنها وردت في التوراة للإدعاء بالأحقية في فلسطين زورا وبهتانا . كما أطلقت الصهيونية على فلسطين ( أرض إسرائيل ثم دولة إسرائيل ) عام 1948 عند استيلاء المنظمات الإرهابية اليهودية على معظم فلسطين .

وفيما يخص الحق القومي التاريخي اليهودي المزعوم فيقول التريخ الحقيقي إن الكنعانيين العرب ومنهم اليبوسيين هم بناة المدن العربية حيث أقاموا حضارة كنعانية متطورة في البلاد . ثم تدفقت الهجرات الطارئة على هذه البلاد ثم رحلت إلى مناطق أخرى . فإذا سلمنا أن إبراهيم عليه السلام وأبناءه وأحفاده وهي حقيقة دينية وقومية تاريخية جاء بعد الكنعانيين فإن الأسبق تاريخيا هو الأولى بالبلاد . وإن الهجرات التي تلت الكنعانيين والفلسطينيين ما هي إلا هجرات تابعة للهجرات العربية الأولى ، لم تستقر في البلاد لفترة طويلة ، وحتى عندما جاءت للبلاد أتت على شكل غزوات عسكرية . كما أن بني إسرائيل أو اليهود لم يقيموا دولة لهم إلا مدة ثمانين عاما نصفها زمن النبي داود عليه السلام ونصفها الآخر زمن النبي سليمان عليه السلام . وحتى هذين النبيين هما نبيان مسلمان ، والمسلمون أولى بهما . فبني إسرائيل تشتتوا في جميع أنحاء الكرة الأرضية منذ عام 70 م ولم يعد لهم صلة بالأرض المباركة ، منذ نحو تسعة عشر قرنا من الزمن ( 1900 سنة ) ، ولم يستلم المسلمون المدينة المقدسة من اليهود بل استلموها عام 636 م من البطرك الروماني صفرونيوس وكان اليهود محرومون من دخول هذه المدينة المقدسة للسكن أو الزيارة بقرار روماني سابق للمسلمين .

وتذكر كتب التاريخ المستندة إلى النقوش والآثار القديمة في بلاد الرافدين ومصر أن أقدم المدن في ارض كنعان هي مدن كنعانية مثل مدينة القدس . وقد أطلق على هذه المدينة المقدسة عبر التاريخ عدة أسماء تبين أنها مدينة عربية عريقة ، فورد أسمها أنها مدينة السلام ، حسب اللغة السامية ، نسبة إلى سالم أو شالم أو شاليم ، وهو أقدم اسم لها وقد أطلق عليها هذا الاسم العرب الكنعانيون . وفي النقوش الآشورية في القرن الثامن قبل الميلاد أطلق عليها ( أوروسالم ) . وفي أحد النقوش المصرية الفرعونية يرجع للقرن التاسع عشر قبل الميلاد جاء اسمها أوشاميم ، وفي التوراة وردت أورشليم وتلفظ باللغة العبرية ( يورشالايم ) ، وذكرت لدى اليونان بأنها هيروسوليما ، ويذكرها الغرب الآن بأنها جيروزاليم ( Jerusalem ) وكلها تحريف عن اسمها الكنعاني الأول ( أوروشالم ) أي مدينة السلام حيث كانت تعني كلمة أور بلد أو مدينة حسب اللغة السومرية . وذكرها الأكاديون في العراق أواخر القرن الرابع قبل الميلاد باسم ( اورو سالم ) . ثم أطلق عليها اسم ( يبوس ) حيث دعاها بهذا الاسم يوشع بن نون في القرن الثاني عشر قبل الميلاد نسبة إلى اليبوسيين ، وهم أحد بطون العرب الكنعانيين ، مؤكدا وجودها قبل مجيئه لفلسطين . واليبوسيون هم أول من سجل التاريخ بأنهم أقاموها وسكنوا فيها . ولم يدخل النبي داود عليه السلام مدينة يبوس إلا بعد سبع سنوات من إنشاء مملكته عندما انتقل من مدينة حبرون . وفي كتابات هيرودتس ، ورد الاسم ( قديتس ) محرفا لليونانية عن الآرامية ( قديشتا ) . ثم أطلق على مدينة يبوس اسم جديد وهو ( إيلياء ) سنة 135 م حيث أطلقه عليها الإمبراطور الروماني ( ايليوس هدريان ) نسبة إلى اسم الإمبراطور وكابيتولينا تعني معبد جوبيتر الكبير . [19] ، وبقي هذا الاسم مستخدما حتى الفتح الإسلامي عام 636 م . كما أن للمدينة اسم آخر هو بيت المقدس حيث ورد في حديث الإسراء الذي رواه مسلم ، ويعني بيت المقدس : المطهر . وأطلق عليها أيضا أوري سلم ، وسميت المدينة المقدسة باسم صهيون ( بكسر الصاد ) وهو جبل جنوب غرب القدس انشأ عليه اليبوسيون أول حصن لهم حيث يعني الحصن أو الجبل المشمس . كما دعيت المدينة باسم مصروث ، والمصرارة وهو حي من أحياء في الشمال الغربي من المدينة ، وأطلق عليها اسم ( كورشيلا ) المقطع الأول نسبة إلى كورش الفارسي ، والمقطع الثاني ايل بمعنى إله . وفي العهد الأموي حملت المدينة اسم ( القُدسُ ) . ويطلق عليها ( القدس الشريف ) حيث أطلقه عليها يحيى بن سعيد الإنطاكي في كتابه ( تاريخ الذيل ) عام 458 هـ ، وثبتها العثمانيون على هذا الاسم . فأين اسم القدس العربية الإسلامية من اسم أورشليم الذي يدعيه الصهاينة زورا وبهتانا لمن ألقى السمع وهو شهيد .

[1] د. كمال إبراهيم علاونه ، فلسطين العربية المسلمة ، الطبعة الثانية ( نابلس : مؤسسة الإسراء العربي ، 2007 ) ، ص 6 – 22

[2] مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، فلسطين ، تاريخها وقضيتها ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1983 ) ، ص 6 .

[3] القرآن الكريم ، سورة النساء ، الآية 125 .

[4] القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآيات 65 – 68 .

[5] القرآن الكريم ، سورة المائدة ، الآيات 20 – 26 .

[6] الكتاب المقدس ، العهد القديم ، سفر صموئيل ، الإصحاح السابع عشر .

[7] بيان نويهض الحوت ، فلسطين : القضية ، الشعب ، الحضارة ، التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين 1917 ( بيروت : دار الاستقلال للدراسات والنشر ، 1991 ) ، ص 37 .

[8] محمد محمد حسن شراب ، بيت المقدس والمسجد الأقصى ، ص 59 – 60 ، نقلا عن مصطفى الدباغ ، القدس ، ص 52 .

[9] محمد محمد حسن شراب ، بيت المقدس والمسجد الأقصى ، دراسة تاريخية موثقة ، 1994 ، ص 64 .

[10] محمد محمد حسن شراب ، مرجع سابق ، ص 66 – 67 .

[11] مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، تاريخها وقضيتها ، مرجع سابق ، ص 7 – 9 .

[12] القرآن الكريم ، سورة الأعراف ، الآية 137 .

[13] القرآن الكريم ، سورة الأنبياء ، الآيات 71 – 72 .

[14] القرآن الكريم ، سورة الأنبياء ، الآية 81 .

[15] القرآن الكريم ، سورة سبأ ، الآية 18 .

[16] القرآن الكريم ، سورة الإسراء ، الآية 1 .

[17] رواه الجماعة .

[18] د. فيليب حتي ، ود. إدوارد جرجي ، ود. جبرائيل جبور ، تاريخ العرب ( بيروت : دار غندور للطباعة والنشر والتوزيع ، 1994 ) ، ص 38 – 39 .

[19] بيان الحوت ، ص 90 ، عن حسن ظاظا القدس مدينة الله أم مدينة داود ( الإسكندرية : جامعة الإسكندرية ، 1970 ) ، ص 27 – 28 .

ليست هناك تعليقات: