السبت، 30 مارس 2013

ظاهرة إهمال الأراضي في فلسطين .. إلى أين ؟؟؟ د. كمال إبراهيم علاونه

ظاهرة إهمال الأراضي في فلسطين .. إلى أين ؟؟؟

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : {  أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }( القرآن المجيد - النازعات ) .
وجاء بمسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

استهلال

يتشكل الاقتصاد الفلسطيني من أربع قطاعات هامة وأساسية هي : الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات . وتشكل الزراعة العمود الفقري والقلب النابض لهذا الاقتصاد ، إذ أن المواطن الفلسطيني نشيط جدا ويهتم بزراعة أراضيه منذ القدم وغابر الأزمان . فنجد الزيتون الروماني المعمر والأشجار الباسقة والتي تدل على إهتمام الفلسطيني بأرضه حيث يحرثها ويزرعها .
والمجتمع الفلسطيني هو مجتمع زراعي بالدرجة الأولى ثم تأتي الصناعة بالدرجة الثانية ثم التجارة فالخدمات . وتعتمد الزراعة في الغالب على مياه الأمطار الهاطلة في فصل الشتاء حيث يزرع الحبوب كالقمح والشعير والعدس والفول كمحاصيل شتوية ، ويزرع المحاصيل الصيفية كالذرة والبامية والسمسم بالإضافة إلى زراعة الأشتال والأشجار كشجرة الزيتون والحمضيات واللوز والتين والعنب وزراعة الخضروات والفواكه .
وتشكل نسبة الأراضي المزروعة والتي تعتمد على مياه الري نسبة صغيرة إذ أن الغالبية العظمى من الدونمات المزروعة كما أسلفنا تعتمد على مياه الشتاء ، ويعود سبب اعتماد الزراعة في فلسطين على مياه الشتاء وعدم اعتمادها على مياه الري إلى كون السلطات العسكرية الصهيونية تسيطر على الينابيع ومصادر المياه الطبيعية كالأنهار والبحار ( نهر الأردن والبحر المتوسط ) وعدم إتاحة المجال أمام المواطنين العرب الفلسطينيين من استخدام مصادر المياه هذه بالإضافة على عدم السماح بحفر الآبار الارتوازية الكبيرة التي تمكن المواطنين من استخدام المياه للري ، إذ أن آبار جمع المياه البيتية التي يعتمد عليها المواطنون للشرب لا تكفي حيث تعاني معظم مدن وقرى ومخيمات الأرض الفلسطينية المحتلة من نقص في مياه الشرب بينما يوجد هناك فائض في المياه تستخدمه السلطات الصهيونية في الزراعة والري أو ما يعرف بالتنقيط . وفي أيامنا هذه زاد عدد المواطنين الفلسطينيين المهملين والتاركين أراضيهم بورا وعدم اهتمامهم بزراعتها وحراثتها واتجهوا إلى قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات حيث أضحى عدد العاملين في قطاع البناء مثلا أكبر من عدد العاملين في الزراعة إذ بدأ الإنسان الفلسطيني يميل أكثر وأكثر إلى الأعمال التي تعود بدخل شهري ، أما في الزراعة الموسمية فإن عليه انتظار موسم جني الثمار .
وبعد العام 1967 اتبعت قوات الاحتلال الصهيوني سياسة تفريغ الأراضي من السكان وتشجيع المواطنين على إهمال أراضيهم وعدم الاهتمام بزراعتها وتركها من خلال توفير العمل لأكبر قطاع ممكن في المصانع والورش اليهودية ، وفيما بعد ذلك أخذت في طردهم من العمل ، وكأن الهدف من ذلك هو جلبهم إلى المصانع وتركهم أرضهم واستخدامهم كأيدي عاملة رخيصة ، وتقديم الإغراءات المادية إذ أصبح كما يبدو للبعض العمل في المصانع والورش أوفر وأحسن من الناحية المادية الاقتصادية للمواطن إذ يتقاضى معاشا شهريا ثابتا بينما عملت السلطات الصهيونية على ضرب الزراعة عن طريق إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية الصهيونية وبأسعار تقل عن الأسعار في الأسواق الفلسطينية وبذلك وجهت هذه السياسية ضربة قاصمة وقوية للمزارع الفلسطيني . هذا بالإضافة على نقطة هامة ومهمة في نفس الوقت ألا وهي مصادرة الأراضي الفلسطينية وإغلاقها لبناء المستوطنات اليهودية عليها ، إذ بلغت نسبة الأراضي المصادرة في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1986 حوالي 47 % من مجموع مساحة الضفة والقطاع البالغة حوالي 6 آلاف كم2 ، وهي نسبة كبيرة جدا إذ أن معظم الأراضي المصادرة هي أراض صالحة للزراعة وبذلك عمل الاحتلال الصهيوني على تحجيم وإنقاص المساحات القابلة والصالحة للزراعة وبالتالي تقليص العاملين بهذا القطاع الحيوي . ومن ضمن الأراضي التي صادرتها السلطات العسكرية الصهيونية لإغراض عسكرية ولبناء المستوطنات اليهودية صادرت المناطق المرتفعة والجبلية منها والهضاب والتي يستخدمها المزارع الفلسطيني لرعي أغنامه وبذلك حجمت أيضا تربية المواشي ، فالمراعي ضرورية وهامة من أجل تزويد الماشية بالعشب وخاصة في فصل الربيع والصيف لرعي الأغنام والأبقار . وبذلك وضعت الزراعة الفلسطينية وتربية المواشي بين فكي كماشة معدة للإنقضاض على فريستها ، وذلك بإتباع الأساليب المختلفة والمتنوعة . وتتبع الحكومة الإسرائيلية ، سواء أكانت معراخية ( العمل ) أو ليكودية ، هذه السياسة منذ العام 1967 للعمل على تهجير وتفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين الأصليين ، ولبذر بذور اليأس والقنوط والتيئيس في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني للضغط عليهم لبيع هذه الأراضي وخاصة الجبلية منها بدعوى أن الأرض الجبلية لا تصلح للزراعة والقسم القابل للزراعة لا يغطي تكاليف الإنتاج وانه من ( الأفضل ) لهم أن يبيعوها للسماسرة وهؤلاء بدورهم يبيعونها للشركات اليهودية المتخصصة بشراء الأراضي وتستخدم عدة طرق من أجل الضغط على بعض المواطنين لبيع أراضيهم . وقد نتج عن ذلك ضجة كبرى في الأوساط الفلسطينية واليهودية كل يريد الإثبات أن الأرض له ؟؟ فالمواطنين الفلسطينيين هم أصحار الأرض الحقيقيون والشرعيون .
وإزاء هذا الوضع ، ظاهرة إهمال الأراضي الفلسطينية ، فإن المسئولية تقع على عاتق الفلاح الفلسطيني أولا وأخيرا ، إذ يجب عليه إعطاء الأرض الاهتمام الكافي واللازم لزراعتها أو استصلاحها ولنفي صفة التصحر عنها إن كانت بورا مليئة بالأشواك والأعشاب . وينبغي العمل على إزدهار وتنشيط الزراعة الفلسطينية باستعمال كافة الأساليب والطرق الحديثة والتقليدية في الزراعة والحراثة وجني المحصول وذلك حسب طبيعة الأرض هل هي سهلية أم جبلية ؟
إن الأرض هي الأم الرؤوم والتي لا تبخل عن العطاء إذا لقيت الاهتمام والخدمة المناسبة رغم إيهام المواطنين أن زراعة الأرض لا تكفي لإعالتهم أو لا تعطي إنتاجا جيدا وأنه الأفضل أن يتجهوا إلى المصانع للعمل فيها لأنها توفر دخلا شهريا ثابتا . وهؤلاء لا يدركون أنهم يعملون في خدمة الاقتصاد اليهودي على حساب اقتصادهم الفلسطيني . والمفروض أن تتبع عدة طرق وأساليب للنهوض الزراعي ، ومن الملاحظ بل والمفلت للنظر أن هناك مساحة شاسعة تقدر بمئات آلاف الدونمات من الأرض السهلية أو الجبلية القابلة للزراعة من قد تركت واتجه أصحابها للعمل في المصانع والورش .. فلماذا هذا الإهمال لأرضنا ؟؟
وتتحمل المؤسسات والجمعيات الجماهيرية الوطنية الفاعلة داخل الأرض الفلسطينية المحتلة جزءا من المسئولية عن ظاهرة إهمال الأراضي ، إذ يجب تقديم المساعدة والمعونة للفلاحين والمزارعين وتشجيعهم على العودة للأرض المعطاءة وزراعتها بمختلف المحاصيل الشتوية والصيفية ، وينبغي أن يساهم ويشارك كل فلسطيني شريف في عملية الزراعة والتشجير واستصلاح الأراضي ومقاومة التصحر ، فمثلا بإمكان المؤسسات الوطنية تقديم أشتال الزيتون واللوز والسرو لتشجير الجبال والمناطق المهجورة .

أسباب إهمال الأراضي الفلسطينية

هناك عدة أسباب تحدو بالمزارع الفلسطيني على إهمال أرضه وعدم العناية بها ، وأهم هذه الأسباب الآتي :
أولا : أسباب سياسية : وهي معروفة للجميع ، إذ تقوم سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة وإغلاق الأراضي ومنع المواطنين من زراعتها أو الاقتراب منها ، وتشجيع المواطنين الفلسطينيين وتقديم الإغراءات الهزيلة من أجل العمل في المصانع والورش اليهودية ، وكذلك ضرب الإنتاج الزراعي الفلسطيني عن طريق إنزال المنتجات الزراعية اليهودية وبأسعار ارخص من تلك التي يبيعها المزارعون الفلسطينيون ، فالسلطة اليهودية المحتلة هي أب وأم التصحر الفلسطيني .
ثانيا : أسباب طبيعية : ونعني بها تناقص كميات الأمطار ، إذ أن الزراعة في مجتمعنا الفلسطيني تعتمد على مياه الشتاء وبذلك فالزراعة تتبع ذبذبات المطر السنوية .
ثالثا : أسباب بشرية : إهمال بعض المزارعين لأرضهم أو سفر وهجرة أصحاب الأرض للوطن الفلسطيني من أجل العمل في دول الخليج العربية وخاصة السعودية .

أهمية زراعة الأراضي وعدم إهمالها

إن زراعة الأرض الفلسطينية المعطاءة تعود بالفائدة العميمة على المجتمع والشعب الفلسطيني من أهم هذه الفوائد ما يلي :
أولا : شرف العمل الزراعي : إن زراعة الأرض هي عمل شريف وواجب إسلامي ووطني أولا وقبل كل شيء وخاصة في ظل الأوضاع الحالية التي نعيشها .
ثانيا : الفائدة الاقتصادية : إذ تشكل الزراعة مورد رزق أساسي من موارد الرزق في وطننا خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المرتدية والسائرة من سيء على أسوأ ، فالعمل الزراعي بإمكانه إعالة مئات آلاف العائلات التي تعاني من البطالة .
ثالثا : الاحتفاظ بخصوبة التربة : إن تشجير الجبال والهضاب والسهول يحافظ على خصوبة التربة وعدم إنجرافها .
رابعا : الجمال وتلطيف المناخ : إن زراعة الأرض يحافظ على جمالها فتصبح طبيعتها خلابة ، بعيدا عن البور والأشواك والإهمال ، فيعطيها أهمية سياحية ، فالأشجار المثمرة تعمل على تلطيف المناخ السائد في فلسطين .
لذا ينبغي أن نضع نصب أعيننا نحن الفلسطينيين أننا يجب أن نعمل على الاكتفاء الذاتي من العمل في الزراعة ، والتوسع فيها أفقيا وعموديا أي أن نعمل على زيادة مساحة الأرض المزروعة ونستخدم أحدث الطرق والأساليب الزراعية ، ومن الممكن جدا أن يعمل المواطن الفلسطيني على زراعة أرضه وعدم إهمالها وتركها بورا لا تنتج بالإضافة إلى اعتماده على مصدر دخل ثابت كوظيفة أو غيرها .
راجين لكم أرضا فلسطينية خضراء يانعة ، للاكتفاء الغذائي الذاتي ، وتنمية الاقتصاد الوطني الفلسطيني ، ومنافسه الآخرين ، فالأرض لنا ، كانت ولا زالت وستبقى إن شاء الله تبارك وتعالى .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة الجر المقدسية ، العدد 4193 ، 17 / 9 / 1986 ، ص 4 . بقلم : كمال شحادة .

ليست هناك تعليقات: