الجمعة، 20 أغسطس 2010

التقاعد الوظيفي المبكر والمتأخر .. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ

التقاعد الوظيفي المبكر والمتأخر ..
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)}( القرآن المجيد – النجم ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 235) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " .

استهلال

يلتحق عشرات إن لم يكن مئات آلاف الموظفين بالوظيفة العمومية بالقطاع الحكومي في كل دولة من دول العالم حسب عدد سكان كل دولة أو أمة من الأمم في قارات العالم . وهذا القطاع الحكومي العام ، يشرف على تسيير شؤون السلطات الثلاث في الدولة ، أي دولة ، من قطاعات السلطة التنفيذية كالرئاسة والوزارات المتعددة والسلطة القضائية من المحاكم والقضاة والسلطة التشريعية من البرلمانيين وموظفي المجالس النيابية أو التشريعية المنتخبة أو المعينة .
ويحكم عمل ووظيفة هؤلاء الموظفين في القطاع الحكومي العام قانون يطلق عليه عادة قانون الخدمة المدنية الذي يعالج شؤون العاملين بالوظيفة العمومية بجميع فئاتها : الأولى والثانية والثالثة وغيرها ، وهو يختلف عن قانون العمل الذي ينظم شؤون العمال وأصحاب بالقطاع الخاص ، ويختلف عن قانون النقابات العام في هذه الدولة أو تلك .

إنهاء العمل الطوعي والقسري

ومهما يكن من أمر ، فإنه يترتب على العمل الوظيفي بالقطاع الحكومي العام في أي دولة من الدول ، سواء أطالت الفترة الزمنية للعمل أو قصرت ، يوكون إنهاء العمل بإحدى :
أولا : الطرق الودية .
ثانيا : الطرق الظالمة التعسفية .
ثالثا : التقاعد الوظيفي ، المدني أو العسكري ، عند سن عمرية محددة ، وخاصة بعد بلوغ الموظف ، بغض النظر عن طبيعة عمله ودرجته الوظيفية ، منخفضة أو متوسطة أو عالية ، سواء بالإدارة الدنيا أو الوسطى أو العليا . ويعتبر سن أل 60 عاما هو سن التقاعد الطبيعي للسواد الأعظم من العاملين بالقطاع الحكومي العام في العالم ، بإستثناء نظام التقاعد المبكر بالعالم ايضا ، وفق مواد قانونية ولوائح تنفيذية تنظيمية لتنظيم شؤون التقاعد المبكر لبعض الموظفين ، حيث يقل سن المتقاعد المبكر عن الستين عاما .

التقاعد الوظيفي .. حق طبيعي للموظف

على أي حال ، إن نظام التقاعد المدني أو العسكري العادي ، هو حق طبيعي من حقوق الموظف ، بعد بلوغه سنا متقدما من العمر ( 60 عاما ) ، وخدمته لشعبه وأمته ، ردحا من الزمن لفترة لا تقل عن 15 عاما ، وربما تزيد عن الثلاثين عاما متواصلة من البذل والعطاء . فكما خدم الموظف بلده ووطنه وأمته ، فيجب أن يتم مكافأته ورعايته الرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية الحقة دونما إنتقاص لكرامته الشخصية والوطنية والقومية والإنسانية والدينية العامة عندما يكبر ويبلغ سن الشيخوخة .
ويلتحق الكثير من الناس بالوظيفة العمومية لضمان الحصول على راتب منتظم ، والابتعاد عن سياسة الاستعباد والأوامر والنواهي المجحفة التي قد يلاقيها بالقطاع الأهلي والخاص ، والاستفادة من الخدمات العامة ، التعليمية والصحية وتخفيض الضرائب ، وضمان الحصول على الراتب التقاعدي بعد سن معينة من الزمن .

قلة الراتب الشهري .. لأجل التقاعد

يتحمل الكثير من الموظفين بالقطاع الحكومي العام ، مسألة قلة الراتب الحكومي الشهري عن الراتب الشهري بالقطاع الخاص ، وكذلك تتقلص الإمتيازات المالية والخدمية الخاصة ، للموظف بالقطاع العام ، وذلك بغية الحصول المأمول على الراتب التقاعدي من الدولة أو الحكومة الوطنية التي عمل لديها حقبة طويلة من الزمن .
وحسب الأنظمة واللوائح التنفيذية المفسرة لقانون التقاعد ، أي قانون تقاعد في العالم ، فإن الموظف الذي بلغ من العمر الستين عاما ، كمعدل طبيعي ، يحق له تقاضي راتبا ماليا تقاعدا بقية حياته ، ويحق لورثته الصغار حتى الإنتهاء من السن الجامعي ( 26 عاما ) وكذلك يحق لأرملة الموظف المتوفي ( وابنته المطلقة ) الحصول على هذا الراتب التقاعدي بعد وفاته ، طالما بقيت على قيد الحياة .
على العموم ، إن مسألة تقاضي الموظفين المواطنين الراتب التقاعدي من الوظيفة العمومية ، هي مكفولة ومضمونة في القوانين المدنية الوضعية التي سنتها البرلمانات أو المجالس النيابية أو التشريعية في العالم وخاصة بالدول الحضارية المتقدمة اقتصاديا ، وفق معايير وضوابط زمنية ومالية محددة . ويتقاضى الموظف المتقاعد في الحالات الطبيعية نسبة مالية تقاعدية تتراوح ما بين 70 % - 75 % من قيمة الراتب الذي كان يتقاضاه في الشهور الأخيرة من عمله الوظيفي منذ بلوغه الستين عاما حتى مماته .

محاسن التقاعد المبكر قبل أل 60 عاما

تتيح المواد القانونية واللوائح التنفيذية لقانون التقاعد المدني أو العسكري ، في الدولة ، أي دولة عصرية تهتم بحقوق الإنسان لديها ، مسألة التقاعد المبكر التي تعود بالفوائد العميمية على الأفراد والأسر والمجتمع المحلي ، بصورة عامة وإجمالية ، ومن أهم هذه الفوائد والمزايا الاجتماعية والاقتصادية والإدارية للتقاعد المبكر ، ما يلي :
أولا : إفساح المجال لإلتحاق موظفين جدد بالقطاع الحكومي العام ، وبالتالي تقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب ذكورا وإناثا ، في المجتمع ، والسماح بإنشاء أسر جديدة .
ثانيا : إطلاق الطاقات الإبداعية ، في القطاع الحكومي ، وتبوأ قيادات شابة لمناصب قيادية وتحمل المسؤولية العامة في البلاد .
ثالثا : تجديد الدم في عروق وشرايين الوظائف الحكومية العامة عبر السماح بالإلتحاق المتجدد لموظفين جدد للإستفادة من مؤهلاتهم وتخصصاتهم العامة والخاصة المطلوبة .
رابعا : تمكين الموظفين العامين الذين خدموا الشعب والأمة من نيل قسط وافر من الراحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتمكينهم من القيام بأدوار قديمة متجددة في الاقتصاد الوطني ، عبر إفتتاح مشاريع استثمارية وخدمية فردية وجماعية ، وبالتالي المساهمة في التقدم والإزدهار الحضاري للبلاد .
خامسا : تمكين المرضى وأصحاب العلل المزمنة ، من الاستراحة بكرامة خاصة وعامة ، مع الاحتفظ بحقوقهم المادية والمعنوية على السواء ، وتوفير راتب تقاعدي يقيهم شر الفقر والعوز ، ويوفر لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة الطبيعية العامة .
سادسا : تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع المحلي .


مساوئ رفع سن التقاعد العام إلى 65 عاما .. أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ


يقول الله الغني الوهاب جل جلاله : { كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}( القرآن المجيد – الشعراء ) .
هناك بعض الاقتصاديين ، من يضع الدراسات الاقتصادية أو الجدوى الاقتصادية ، بدعاوى إرتفاع معدلات الأعمار ، وتغير طبيعة التركيب السكاني ، وتطبيق خطة إصلاح نظام التقاعد ، سواء عن حسن نية أو سوء نية ، والنظر لها بمنظار اقتصادي بحث لا ثاني له ، والحرص على المصلحة العامة ، التي تجعل الحكومة أو أجهزة الدولة الأخرى ، تتردد في تنفيذ وتطبيق المواد القانونية لقانون التقاعد في البلاد ، الساري المفعول ، ويحاولون زيادة السن التقاعدي ورفعه ليصل إلى 65 عاما ، كما هو معمول به بالجامعات أو المؤسسات شبه العامة ( عدد العاملين بها نسبة قليلة إذا ما قورنت بنسبة العاملين بالقطاع الحكومي العام ) ، أي رفع 5 سنوات التقاعد لأعلى ، وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ولكنها ضد مصلحة الموظف في غالب الأحيان ، مما يشكل عبئا ثقيلا على الموظفين بالوظيفة العمومية ( القطاع الحكومي العام ) ويقلل من الانتاجية الخدمية العامة ، لدى هذا القطاع الحكومي العام ، ويقلق نفسياتهم بإتجاه الأسوأ ويزرع فيهم الأمراض والعلل والجلطات والسكتات القلبية المفاجئة . ومن خلال متابعة سيرة حياة هؤلاء الناس ، أصحاب الجدوى الاقتصادية ، نراهم يتقاضون راتبا حكوميا عاليا ، بالإضافة إلى كونهم من القطط السمان التي تتشعب في منافعها ومصالحها الاقتصادية : الانتاجية والاستهلاكية العامة والخاصة ، في المجتمع المحلي أو الإقليمي أو الدولي الذي تعيش فيه .
ومن نافلة القول ، إن رفع السن التقاعدي للموظفين من الستين عاما إلى الخمسة وستين عاما ، يسبب اليأس والإحباط والقنوط ، لدى الفئة العمرية التي تجاوزت الستين عاما ، ويؤدي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لما يلي :
أولا : النفور النفسي من الوظيفة العمومية ولعن الحكومة والدولة بانتظام ، لسن ما بعد الستين عاما .
ثانيا : المماطلة والتسويف في تأدية الواجبات الملقاة على عاتق هذه الفئة العمرية ، بل ومن الممكن لجوء البعض للتدمير والهدم داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية العامة كانتقام من المسؤولين .
ثالثا : عدم الإخلاص في العمل ، وتأدية الأعمال والأفعال المطلوبة منهم بجاهزية شبه معدومة .
رابعا : ضعف أجهزة الدولة : يتمثل باستقالة أو إنصراف نسبة كبيرة من أصحاب الكفاءات العلمية وأهل الدراية والخبرة من القطاع العام ، في سن مبكرة ، وإقتصار الموظفين على الفئات العادية .
خامسا : الحقد والامتعاض والكراهية ضد الحكومة أو أجهزة الدولة المشرفة على تسيير الشؤون العامة أو ممن لم تجد لها مخرجا وظيفيا خاصا .
سادسا : صراع الأجيال : عبر تداخل الأجيال الثلاثة في العمل الحكومي : الأجداد والآباء والأحفاد ، من ناحية إفتراضية وحالات معاشة ، مع ما يسببه ذلك من سوء الإدارة الحكومية ، وعدم التفاهم بين الأجيال الثلاثة ، القدامى والحاضرين وجيل المستقبل الواعد ، فتتضارب الرؤى والسياسات العامة في البلاد ، فتدخل البلاد في أتون حرب اجتماعية مهنية خفية .
سابعا : الدخول في مظالم جديدة للموظفين الكبار في السن . فلنتخيل إلتحاق موظف شاب بالعمل في سن 24 عاما بعد إنهائه درجة الشهادة الجامعية الأولى ( البكالوريوس ) ونيله التقاعد عند سن أل 65 عاما ، هل يعقل أن يحصل هذا الموظف على تقاعد بعد جهد ومثابرة تستمر 41 عاما ؟ مالكم كيف تحكمون ؟؟؟ فالأجدى لمثل هذه الفئة التي عملت في شبابها أن تنال الراتب التقاعدي عند الستين كتقاعد طبيعي أو تقاعد مبكر قبل العقد السادس من العمر ، لراحتها معنويا وماديا .
ثامنا : تأخير التكاثر الطبيعي جراء التأخر في تشغيل قطاعات واسعة من الأجيال الشابة ، وإنتشار الكبائر والموبقات ، وخاصة عقوق الوالدين ، وجرائم الزنا والربا والقتل وما شابه ذلك .
تاسعا : الظلم العام للذكور والإناث ، والظلم الخاص لقطاع المرأة بالوظيفة العمومية . فالمرأة أو الرجل الكبيرين في السن ، كيف لهما أن يتوجها للعمل ، هل سيسيتأجرا موظفا أو أحد أبنائهم لتوصيلهم لمقر العمل الحكومي . وكيف للطبيب أو الطبيبة أو لممرض أو ممرضة كبير في السن أن يسهر بالمستشفى للحرص على راحة المريض . وكيف لمعلم المدرسة أو مديرها أن يحافظ على المسيرة التعليمية بالقطاع الحكومي ، عندما يبلغ من العمر ما بعد الستين عاما .
عاشرا : إنهيار القطاع الحكومي العام : فعندما يعلم الموظف أنه سيمكث معظم سني حياته في العمل الحكومي فإنه سيتركه في أول فرصة سانحة له .

فوائد ومزايا رفع سن التقاعد إلى 65 عاما

إن سياسة المناداة النظرية أو التطبيق الفعلي لنظام التقاعد المتأخر ، لسن أل 65 عاما ، يمكن أن يعود بالفوائد والمزايا الشكلية على الحكومة والدولة بصورة عامة ، من أهمها :
أولا : تقليل الضغوط الحزبية والعامة على الحكومة في مسائل التوظيف والتشغيل ، وهروب قطاعات واسعة من الموظفين من ذوي الخبرة والمؤهلات والكفاءة من القطاع الحكومي .
ثانيا : تقليل النفقات الحكومية على المتقاعدين ، عبر رفع سن التقاعد إلى 65 عاما ، وبالتالي استثمار أو قل استغلال الموظف لخمس سنوات إضافية زيادة عن الحد الطبيعي المعمول به عالميا ، بأجرة زهيدة تتراوح ما بين 25 % - 30 % ، على إعتبار أن الموظف المتقاعد يتقاضى راتبا تقاعديا يتراوح ما بين 70 % - 75 % من قيمه راتبه الإجمالي شهريا .
ثالثا : الحصول على مزايا وسمات القطاع الحكومي الهرم الهش الذي تكون إنتاجيته ضعيفة ، وتكثر به فئات المستضعفين في الأرض والمرضى والأرامل وسواها .
رابعا : تشجيع الخصخصة في البلاد : فرفع سن التقاعد الوظيفي لسن متأخرة يساعد في النهوض الاقتصادي للقطاع الخاص على حساب القطاع العام ، فيؤدي ذلك إلى تراجع الخدمات الحكومية ، وربما يقود ذلك للثورة وعدم الانصياع لقوانين وتعاليم ومراسم الحكومة والدولة الرسمية .
خامسا : الابتعاد والعزوف عن الخدمة العسكرية في أجهزة الأمن المختلفة كالجيش والشرطة والمخابرات والاستخبارات والدفاع المدني وخلافها . ويسبب ذلك ترهل الأمن وهشاشته وإنتشار الفساد والإفساد في البلاد . وهذه سياسة أجنبية خبيثة لإمبراطوريات الشر الاستعمارية ، لإبعاد المواطنين في الدول النامية عن الخدمة بالقطاع الأمني والعسكري العام .
سادسا : توفير مكان عمل وظيفي ثابت لبعض كبار السن ما بعد الستين عاما ، ممن يتمتعون بصحة جيدة وتوفير عناء البحث لهم عن راتب جديد ينضم للراتب التقاعدي لتوفير متطلبات الحياة المتزايدة . وهذه الفئة تكون نسبتها قليله.

رفع سن التقاعد .. القانون لا يسري بأثر رجعي .. واختياري ورفع نسبة مخصصات التقاعد

ويمكننا القول ، إنه في حالة رغبة الحكومة في البلاد ، برفع سن التقاعد من سن 60 عاما إلى سن 65 عاما ، فإن هذا القانون يجب :
أولا : أن يقر من البرلمان المنتخب .
ثانيا : مصادقة الرئاسة رسميا عليه .
ثالثا : لا يسري بأثر رجعي على الموظفين الحاليين بأي حال من الأحوال . فلا علاقة له بالموظفين القدامى مطلقا .
رابعا : البدء بتنفيذه على الموظفين الجدد ، حتى يقرروا مصيرهم منذ البداية ، ويعرفوا بالأمر قبل الدخول في السلك الحكومي العام ، مع ما يشكله من هضم لحقوقهم البدنية والعقلية ، وظلم مضاعف لهم ولأسرهم ومجتمعهم المحلي .
خامسا : يمكن أن يكون الإلتحاق بهذا النظام التقاعدي المعدل المقترح إختياريا وليس إجباريا من ناحية أولى .
سادسا : ينبغي أن تزيد نسبة مخصصات التقاعد الوظيفي لتصل نسبة أعلى من النسبة المئوية الحالية لتتراوح بالقانون المعدل الجديد المقترح ما بين 80 % - 85 % لتحقيق أدنى مبادئ الإنصاف والعدالة بين الجميع .
والنقابات والاتحادات الشعبية : العمالية والمهنية والعامة ستقف سدا منيعا أمام تنفيذ السياسة الجديدة المتمثلة برفع سن القتاعد الوظيفي لعمر 65 عاما .

الرزق والعمر بيد الله الواحد القهار

تطرقت بعض الايات القرآنية الكريمة لمسألة رزق الإنسان في حياته الدنيا ، حيث حض الله ذو الجلال والإكرام الرزاق ذو القوة المتين ، جل شأنه على السعي في طلب الرزق من خبايا الأرض ، فقال في محكم التنزيل :
- { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}( القرآن المجيد – الملك ) .
- { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}( القرآن الحكيم – الذاريات ) . ولكن ينبغي على الإنسان السعي لنيل رزقه المكتوب له سواء بالقطاع الحكومي العام أو الخاص أو كليهما ، فالإنسان لا يعرف رزقه من أين يأتيه !!! فلا يعرف مكانه وزمانه وكيفية تحصيله أو الاسترزاق به ليلا أو نهارا ، من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب .

كلمة أخيرة .. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ

يقول الله السميع البصير تبارك وتعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }( القرآن المجيد – هود ) .

لا بد من منح الموظفين العموميين الحقوق الطبيعية ، المقرة في قوانين وأنظمة العالم ، دونما انتقاص أو إبطاء أو مماطلة ، وعدم التجبر والاستفراد بهم في أي دولة من الدول أو منظقة معينة من بقاع العالم . فالحق أحق أن يتبع ، وكلما كان العاملون بالوظيفة العمومية من ذوي الفئة العمرية الصغيرة غير الهرمة كلما زادت الانتاجية العامة ، وبرزت الإبداعات ، وغابت المماطلات ، وكلما كان السن التقاعدي مبكرا كلما زادت عملية الاستفادة من الأجيال الشابة من الطاقة العاملة للمصلحة الفردية والأسرية والمجتمعية العامة .
وختامه مسك ، فإننا لا ننصح برفع سن التقاعد الوظيفي الحالي بتاتا ، سواء المدني أو العسكري ، تحت أي مسمى من المسميات ، بل نوصي بتبكير سن التقاعد عن الستين عاما ، ليصبح عند سن أل 55 عاما ، تجنبا لإستغلال فئة كبرى من الفئات الاجتماعية في المجتمع الواحد ، والحيلولة دون وقوع الظلم والغبن القانوني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي عليها . وكلما كان التقاعد مبكرا فإن حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادية تكون مستتبة والعكس بالعكس . ونظام التقاعد هو نظام عالمي ، ولا يجوز الانتقاص منه أو استلاب الموظفين جزءا أصيلا من حقوقهم القانونية الطبيعية .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " . فلا داعي لإستغلال الموظفين الكبار بالسن لفترات زمنية أطول ، وأرعوهم حق الرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية ولا تكلفوهم ما لا يطيقون . وفقنا وإياكم الله العدل العزيز الحكيم الرزاق ذو القوة المتين ، وسدد على طريق الخير والصواب والحكمة خطاكم .

نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: