السبت، 14 أغسطس 2010

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ .. التنبيه للسحور بشهر رمضان

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ..
التنبيه للسحور بشهر رمضان

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
كما ورد بصحيح البخاري - (ج 1 / ص 67) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " . وجاء أيضا في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 3) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " .

استهلال

يعتبر السحور ، وهي وجبة الصائم المسلم الأولى ، في ساعات ما قبل أذان الفجر ، وجبة طعام مباركة أمرنا بها وحضنا عليها الله العزيز العليم بالقرآن المجيد ، وأكد عليها المصطفى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، واعتبرها الغذاء المبارك ، حاضا الصائمين المسلمين على عدم التفريط فيها ، للتزود بالطعام والشراب تمهيدا لصيام يمتد لساعات طويلة تبدأ من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر حتى دخول الخيط الأسود الليلي من المغرب مساء .
والسواد الأعظم من المسلمين يفيقون في ساعات الفجر الأولى لتناول طعام السحور ، في ساعات ليلية متباعدة ، مما كانوا قد أعدوه في اليوم الفائت من خضروات مطبوخة أو مقلية أو حواضر كالبيض أو الحلاوة أو البطاطا المشوية أو المسلوقة والمربى وبعض الفواكه كالموز والخيار والعنب والآجاص والتمر ، وبعض الصائمين لا يتسحر إلى على ماء أو أكواب من الشاب مع نوع من الخبز الحلو المصنوع من تشكيلة واسعة من القمح والسكر والبيض وما شابه ، أو تناول العصائر أو التمر أو غيره . ولكن عملية الاستيقاظ للسحور لم تكن بالمسألة العادية للكثير من الصائمين المسلمين في مختلف أرجاء الكرة الأرضية .



حض الإسلام على تناول طعام السحور



لقد حض الإسلام العظيم ، عبر رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم على تناول طعام السحور ، كما جاء في مسند أحمد - (ج 35 / ص 8) عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ : " هَلُمَّ إِلَى هَذَا الْغِذَاءِ الْمُبَارَكِ " . وجاء في رواية أخرى ، بسنن النسائي - (ج 7 / ص 333) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ " . وورد في مسند أحمد - (ج 22 / ص 209) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ " .

كما أن طعام السحور ، يميز الأمة المسلمة ، خير أمة أخرجت للناس عبر التاريخ البشري ، عن غيرها من الأمم كأهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم ، ويطلق أحيانا على الأمة الإسلامية ( أمة السحور ) . فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 5 / ص 388) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " .


أبرز طرق التسحير الإسلامي



تاريخيا ، لجأ بعض الصائمين المسلمين المتطوعين ، أو عينت بعض الدول والحكومات عبر التاريخ الإنساني جماعات سحور خاصة ، وذلك إتباعا لسياسة إيقاظ الصائمين الآخرين لتناول طعام السحور الفجري ، لفترة تتراوح ما بين ساعة وساعة ونصف الساعة . واتبعوا عدة طرق من أهمها :
أولا : المناداة الصوتية الجهرية للاستيقاظ ( أفيقوا للسحور يرحكم الله ) و ( تسحروا فإن في السحور بركة ) ، أو قراءة بعض آيات القرآن الحكيم كآيات الصيام وسواها ، عبر المشى في الشوارع والأزقة والحارات .
ثانيا : ترديد الأذكار الإسلامية الليلية : كالتسبيح والتحميد ، والتهليل والتكبير والحوقلة ( سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) عبر الإنطلاق والترديد بأصوات فردية أو جماعية للأذكار الإيمانية من الباقيات الصالحات ، من مكان واحد والتوجه لأماكن متعددة .
ثالثا : قرع أبواب البيوت ، بالطرق على الأبواب والشبابيك لتفييق الناس من النوم .
رابعا : قرع الطبول والدفوف وممارسة الأذكار الإسلامية ( أصح يا نايم وحد الدايم ) .
خامسا : ميكروفونات المساجد : وبعد تطور عملية بناء المساجد ووجود المآذن المرتفعة ، ونصب ميكروفونات عليها ، جرى استعمال هذه الآلات لتنبيه المسلمين وإيقاظهم لتناول غذاء السحور المبارك . ( أفيقوا للسحور يا أمة الإسلام ، ويا أمة القرآن ) ، والدعوة بأدعية قرآنية أو نبوية شريفة متعددة ، لمدة 10 – 20 دقيقة .
سادسا : الساعات المنبهة البيتية : وتشمل على ساعات التوقيت البيتية الصغيرة . عبر وضع توقيت معين للساعة الصغيرة أو ساعة الحائط ، فعند وصولها لساعة صباحية معينة تسبق أذان الفجر بساعة أو ساعة ونصف أو أقل ، تبدأ بإصدار موسيقى معينة ، وهناك برامج أذان توضع على هذه الساعات لتنبيه الناس للسحور .
سابعا : أجهزة الجوالات المنبهة : توصلت شركات الاتصالات وتصنيع الأجهزة المحمولة لأجهزة يركب عليها برامج أناشيد دينية أو تلاوة آيات قرآنية أو رفع الأذان أو ما شابه لإيقاظ النائمين من الصائمين المفترضين .
ثامنا : التنبيه الذاتي عبر الساعات اليدوية الصغيرة التي توضع في معصم الشخص . فهناك ساعات يدوية إلكترونية عصرية ترن رنينا هادئا متدرجا ما بين 30 أو 60 رنة عند ضبطها على ساعة محددة .
تاسعا : إيقاظ الجيران والأقارب سواء بالطرق على أبوابهم ، أو الاتصال بهم عبر الهواتف الثابتة أو الخلوية النقالة .
عاشرا : الإيقاظ العائلي : وهي من أنوع الإيقاظ الهادئة ، والمتعبة لرب الأسرة وللوالدين. وهي طريقة تقليدية للإيقاظ الفجري ، ولكن لا غنى عنها بأي حال من الأحوال .
حادي عشر : استعمال الطيور الأليفة : مثل ديوك الدجاج البلدي ، التي تصيح مرات عدة في ساعات الصباح الأولى ( كي كي كيس ) ، والوز ذو الصوت العالي ، والببغاوات .



تأخير السحور وتعجيل الإفطار



على أي حال ، إن جميع طريق التنبيه الليلي السابقة ، للإيقاظ الذاتي الفردي أو الأسري أو الشعبي ، كلها تهدف إلى إيقاظ المسلمين لتناول طعام السحور والتزود بالطعام الفجري للتمكن من الصمود لساعات صيام طويلة إلى حد ما ، تقربا للبارئ عز وجل ، والإلتزام بصيام شهر رمضان المبارك ، كركن هام من أركان الإسلام الخمسة . ولا بد من القول ، إن الجميع سواء بالأسرة المسلمة أو المجتمع المسلم ، ليسوا على مستوى واحد من الإستيقاظ أو الإيقاظ ، فهناك الكثير من الصائمين الذين يعتمدون على غيرهم ليصحوا لتناول طعام السحور الإسلامي كجزء هام لا يتجزأ من فريضة الصوم الرمضانية .
على أي حال ، إن من السنة النبوية المطهرة ، تأخير السحور وتعجيل الفطور . جاء في مسند أحمد - (ج 51 / ص 387) عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ قُلْنَا لِعَائِشَةَ : إِنَّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ السُّحُورَ وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ السُّحُورَ قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ السُّحُورَ قَالَ فَقُلْتُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَتْ كَذَا كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

كلمة أخيرة

يا أيها المسلمون الصائمون ، لشهر رمضان المبارك كفريضة إسلامية ، أو الصائمين تطوعا ، لا تفرطوا أبدا في السحور ، فاستيقظوا لتناول طعام السحور كغذاء مبارك ، فهو مهم من الناحية الصحية لجسم الإنسان . فاستخدموا أي طريقة سهلة ومتاحة ترغبونها للإستيقاظ للسحور . وقد أمرنا الله الحميد المجيد ، بالصيام بشهر رمضان الكريم ، والأخذ بأسبابه بالأكل والشرب ، للمصلحة الفردية والإسلامية العليا ، صحيا ونفسيا وبدنيا ، ولطاعة الله رب العالمين . يقول الله العلي العظيم جل جلاله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ( القرآن المجيد – البقرة - الآية 187 ) .
وكذلك حثنا رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم على تأخير الفطور ، وتعجيل الإفطار ، وذلك لتقليل ساعات الصوم ما بين السحور والفطور . كما جاء بمسند أحمد - (ج 43 / ص 316) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ " .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: