الأربعاء، 11 أغسطس 2010

حفلات الأفراح والأتراح المضادة .. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

حفلات الأفراح والأتراح المضادة ..
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}( القرآن المجيد – الملك ) .
وجاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 325) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ " . وورد في صحيح البخاري - (ج 16 / ص 164) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ " .

استهلال

الحياة الدنيا الفانية ، مليئة بالمتضادات الاجتماعية ، راحة وتعب ، صحة ومرض ، سعادة وشقاء ، فرح وترح ، ولادة وموت ، نجاح وفشل ، عمل وبطالة ، غنى وفقر ، ومنة وحاجة .. إلخ . والإنسان والأسرة والمجتمع ، أي مجتمع ، مسلما أو نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا أو هندوسيا أو غيره ، يمر بهذه المتضادات الحياتية بين الحين والآخر ، في حالات من المد والجزر المعهودة كمتتاليات ومتواليات يومية وفصلية وسنوية وفق سنة الله في خلقه لأن دوام الحال من المحال . فالحياة الدنيا زائلة ، لكل إنسان ، ذكرا أو أنثى ، لأن البقاء لله وحده ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، والمقدم والمؤخر ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .

وفي فصل الصيف من كل عام ، تكثر الأفراح في الأرض المقدسة ( فلسطين ) والوطن العربي الكبير والوطن الإسلامي الأكبر ، وقد يصاحب إقامة عرس شعبي جماهيري أو عائلي محدود ، موت أحد الأشخاص من الأهالي أو الأقارب أو الأصدقاء ، أو الجيران أو أبناء القرية الواحدة أو المدينة الواحدة أو المخيم الواحد . وكتحصيل حاصل لا بد من تقديم واجب العزاء من أهل العرس أولا ، ثم إبلاغ أهل المتوفى ، كنوع من المشاركة الوجدانية والاجتماعية عامة والإسلامية خاصة ، بأنهم أعدوا العدة لحفلة العرس ، من توزيع دعوات العرس ، والاستعداد لإقامة الوليمة ، وحجز صالة الأفراح مسبقا في ساعات محددة ودفع مبالغ مالية كعربون لذلك ، والإعتذار لأهل المتوفى ، وأنهم يطلبون منهم الإذن لإستكمال حفلة العرس ، وكما هي العادة لن يمانع أهل المتوفى غالبا ، من متابعة أهل العريس لحفلتهم ، وإن كانت تارة بإيمان بقضاء الله وقدره وكظم الغيظ لدى الفئة المؤمنة ، أو على مضض للفئات الأضعف إيمانا تارة أخرى . ولكن القيم والمثل الإسلامية العليا تحتم أن يبتعد أهل العريس بحفلتهم عن مكان بيت العزاء ، ولا يقيمون حفلة صاخبة بجواره أدبيا وقيميا ، بميكروفونات عالية ، مليئة بالأغاني الهابطة الماجنة ، التي لا تنم إلا عن نفوس مريضة ، وسفاهات هائشة ، فيجب أخذ الحيطة والحذر فالمسألة حساسة للغاية ، وليس من السهل التلاعب بعواطف الآخرين ، سواء أكانوا من الأقارب أو الأباعد ومن لا ينتقدك جهارا نهارا يمكن بل ربما ينتقدك وراء ظهرك مليا ويكيل لك الشتائم والسباب عن ظهر غيب .
جاء في سنن النسائي - (ج 12 / ص 487) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " .

أبرز آيات الموت بالقرآن المجيد

حسب تعاليم الرسالة الإسلامية العظمى الغراء ، لا يمكن الفرار من قدر الله إلا لقدر الله ، فلا أحد يستغني عن أحكام الله والقضاء والقدر الرباني المتمثل لحتمية الموت عاجلا أو آجلا ، ولا يستثني الموت الفرد الصغير أو الكبير ، الذكر أو الأنثى ، فملك الموت عزرائيل بالمرصاد لمن سقطت ورقته في السماء وانتهى أجله ورزقه من عند رب العالمين ، ولكن بعض الناس ، كبارا أو شبابا ، لا زالوا مراهقين ، لا يحسنون التصرف ، فيتعاملون مع حالة الوفاة ، بلا مبالاة وبدائية ، لا تمت للإحسان أو الصلات الاجتماعية أو الإنسانية بصلة ولو بسيطة . فلا تختلف تصرفاتهم عن التصرفات الهوجائية التي لا تعير الأحاسيس والمشاعر الإنسانية أي إنتباه ، فيغرق المجتمع المحلي بحالات من النفور الاجتماعي والحقد والكراهية والضغائن الخفي والعلني ، وتضعف العلاقات الاجتماعية ، وتسود حالة من الفوضى الاجتماعية والنفسية والإنهزامية ، وتسود حالة التوتر واللا استقرار بين أفراد وعائلات المجتمع مع إنعكاس ذلك على الصلات الاجتماعية والأجيال الشابة مستقبلا .
وهناك العديد من الآيات القرآنية المجيدة التي تبين أن الموت حتمي لا مفر منه ، سيصيب جميع الناس بلا استثناء ، وهاكم أبرز هذه الآيات :
يقول الله العلي العظيم جل جلاله في محكم التنزيل :
- { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .
- { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) }( القرآن المجيد – الأنبياء ) .
- { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)}( القرآن المجيد – العنكبوت ) .
- { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)}( القرآن المجيد – الرحمن ) .
- { وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) }( القرآن المجيد – القصص ) .
- { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) }( القرآن المجيد – الزمر ) .

إعلان الإسلام وإتباع الحق

يقول الله الغني الحميد : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}( القرآن المجيد – الكهف ) .
وورد في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 287) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً " .

وثيقة إجتماعية مقترحة للحد من تضاد الأفراح والأتراح

على أي حال ، لتقليل الأضرار النفسية والاجتماعية ، لمصاحبة حفلات الأفراح والأتراح ، داخل الحي الواحد أو القرية الواحدة أو المنطقة الجغرافية المتقاربة ، لا بد من إتباع الأمور التالية بالحد الأدنى :
أولا : المشاركة في الصلاة على المتوفى ومرافقة الجنازة حتى الإنتهاء من دفنها . جاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 92) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ " .
ثانيا : زيارة بيت الأجر ( بيت العزاء ) لتقديم واجب العزاء لأهل المتوفى من ممثلين لأهل العرس .
ثالثا : إبعاد حفلة العرس قدر الإمكان عن بيت العزاء ، لتحاشي إسماع أهل العزاء صراخ الميكروفونات الصاخبة . إذا كان بيت العزاء قريب من بيت أهل العريس فيفترض أن يبادر أهل العرس بإبعاد ضجيج حفلتهم في مكان بعيد .
رابعا : أخذ الإذن أو ما يسمى بإبلاغ أهل المتوفى بالأمر لأخذ الاحتياطات اللازمة ، فقد يتم تقديم العزاء لبعض أهل المتوفى عبر الجوالات أو الهواتف الثابتة ، فيضطرون لعدم الرد عليها جراء أصوات الشهيق والزفير الصاخبة غير المرغوبة من بعض الأعراس الماجنة .
خامسا : العمل على جعل الأعراس إسلامية ووطنية والابتعاد عن تقليد الغرب بتنظيم الأعراس السافلة الفاجرة الهابطة الماجنة . ووجوب إجابة الدعوات للأعراس الملتزمة غير الفاجرة . وقد جاء في صحيح البخاري - (ج 16 / ص 165) قالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَالْقَسِّيَّةِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ " . وورد في صحيح مسلم - (ج 7 / ص 277) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا " . وجاء في مسند أحمد - (ج 17 / ص 363) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " .
سادسا : عدم مبالغة أهل المتوفى ، وتحميل الأمور ما لا تحتمل ، والإتزان والتعقل وإتباع الحكمة ، وعدم إفتعال مشاكل مع أهل العريس ، فالأيام دول ، فكما تدين تدان ولو بعد حين .
نقول هذا الكلام ، للإبقاء على أواصر التواصل الاجتماعي ، بين جميع أفراد المجتمع والأسر والحمائل والعشائر الفلسطينية في الأرض المقدسة وفي الوطن العربي الكبير والوطن الإسلامي الأكبر ، خاصة في ظل الفلتان الاجتماعي الذي بدأ يغزو المجتمع العربي المسلم في فلسطين وسواها ، وأنهكته المتضادات الاجتماعية العابرة ، العفوية والمقصودة على السواء ، ونتيجتها كلها واحدة ، وهل توليد الخصام بدل الوئام .
ومن نافلة القول ، إن الحداد الإسلامي على الميت هي فترة ثلاث أيام ما عدا حداد الزوجة على زوجها فتصل فترة الحداد فيها أربعة أشهر وعشرة أيام متصلة غير منفصلة ثم تفك حدادها . ولا يوجد لعادة الحداد على الميت بما يسمى بالأربعين أو السنة ( 12 شهرا ) المتصلة غير المنفصلة ، فالفترة الطويلة ، من الحداد ترهق أهل المتوفى والشباب الفلسطيني ولا داعي للمبالغة فيها . وليس من الإسلام في شيء بدع تنظيم بيوت العزاء أيام الأعياد الإسلامية ( عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك ) فالجميع من الكائنات الحية مصيره إلى الموت والزوال للانتقال لحياة البرزخ كمعبر حتمي للحياة الآخرة . يقول الله المحيي المميت عز وجل : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}( القرآن المجيد – طه ) .
كما ورد في مسند أحمد - (ج 55 / ص 499) عَنِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ : لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أُمِّي الْبَسِي ثَوْبَ الْحِدَادِ ثَلَاثًا ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْتِ " .
وورد في سنن أبي داود - (ج 6 / ص 230) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا تُحِدُّ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إِلَّا أَدْنَى طُهْرَتِهَا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ مَحِيضِهَا بِنُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ " .

ما يتبع الميت وما يرجع

جاء في صحيح مسلم - (ج 14 / ص 209) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ " . وورد في سنن أبي داود - (ج 8 / ص 76) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " .
وبهذا يجب أخذ العبر والعظات وعدم الإكثار من السيئات بل المبادرة لتجميع وتعظيم الحسنات لدخول جنات النعيم عند بديع السماوات والأرض ، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك بالحسنى .

ثناء الملائكة على النفس الطيبة

ورد في مسند أحمد - (ج 17 / ص 456) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ قَالَ فَلَا يَزَالُ يُقَالُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ مَنْ هَذَا فَيُقَالُ فُلَانٌ فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ قَالَ فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالُوا اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ فَلَا يَزَالُ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ مَنْ هَذَا فَيُقَالُ فُلَانٌ فَيُقَالُ لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا يُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَتُرْسَلُ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَيُقَالُ لَهُ مِثْلُ مَا قِيلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيُجْلَسُ الرَّجُلُ السَّوْءُ فَيُقَالُ لَهُ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ " . كما جاء بمسند أحمد - (ج 22 / ص 119) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ مَنْ يَحْمِلُهُ وَمَنْ يُغَسِّلُهُ وَمَنْ يُدَلِّيهِ فِي قَبْرِهِ " .

وصايا إسلامية عامة

ورد في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 21) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " .
في ظل التداخل الاجتماعي والمجتمعي ، وبروز ظاهرة اللامبالاة بتنظيم حفلات الأفراح الضخمة قرب بيوت العزاء لتقبل التعازي بالميت ، وتجنبا للإحراج والتنابذ الاجتماعي بين الأسر والعائلات والعشائر والحمائل والقبائل الاجتماعية والسياسية ، وفي ظل تسرب محاولة بعض الناس إرتكاب جنايات أو مجازر ضد العريس وأهله ، لتنظيمهم حفلات ماجنة قرب بيت العزاء أو أثناء دفن الميت أو الصلاة عليه ، لا بد من وضع دليل إرشادات وقائية عامة يتفق عليها الجميع ، لتبقى لبنات المجتمع الفلسطيني والعربي والمسلم متماسكة فيما بينها ، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، وتجنب وقوع الجرائم والمشكلات العويصة بين أهل الميت ومنظمي الأعراس الشعبية أو الماجنة .
وبرأينا ، يجب أن يكون من أهم بنود هذه الوثيقة الاجتماعية التي يتوجب تبنيها اجتماعيا ، شعبيا ورسميا ، وبثها وترديدها مرارا وتكرارا ، عبر وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والانترنت ، ما يلي :
أولا : الإحترام والاحترام المتبادل وتحريم التنابذ والتنابز بالألقاب والفرقة والإنقسام . فالموت حق على الجميع ، والفرح الملتزم لا بد منه لزف العريس ، وفقا لتعاليم الرسالة الإسلامية الغراء . يقول الله السميع البصير عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) }( القرآن المجيد – الحجرات ) .
ثانيا : مشاركة أهل الميت وأهل العرس جنبا إلى جنب ، بالصلاة على الميت ودفنه وعدم البدء باحتفال العرس قبل دفن المتوفى .
ثالثا : عدم المبالغة في بيوت العزاء ، فالجميع مصيره إلى الموت ، فالموت كأس سيمر على كل الناس وكل يعيش لأجل محتوم .
رابعا : عدم الإسراف والتبذير والتهويل والتطبيل الفج في تنظيم حفلات الأفراح عامة وعند مصاحبتها لبيوت العزاء للموتى خاصة لئلا يفهمها أهل المتوفى أنها نوع من الاستخفاف والاستهزاء والاحتقار والشماتة ، فلا شماتة بالموت أصلا ، فلا أحد يعرف ساعة موته هل هي قريبة أم بعيدة . ومن العمل الطيب أن تكون الأعراس صامته عند اقترابها من بيت العزاء رغم أن الحل الأمثل هو تأجيلها أو إلغائها واستثمار هذه الفرصة الربانية لتقليل المصاريف والنفقات الباهظة .
خامسا : عدم إعلان الحداد على الميت أكثر من 3 أيام متصلة غير منفصلة فلا وجود للأربعينة أو للذكرى السنوية .
سادسا : إبعاد حفلات الأفراح عن بيوت العزاء لئلا تتداخل أصوات القرآن المجيد بأصوات الأغاني الصادرة عن العرس من وشعراء ماجنين ، وفرق موسيقى وزجل شعبي وغيرها .
سابعا : في حالة وجود ميت ، ينبغي تقديم مشاركة السواد الأعظم بالصلاة على الميت ودفنه والتعزية به قبل المشاركة قبل حفلات الأعراس الاجتماعية .
ثامنا ، تولي العقلاء والحكماء في المجتمع لدورهم الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وعدم ترك الأمور على الغارب للمراهقين من الفئات الصغيرة في السن أو التي لا تفكر جيدا ، أو تجنب توجيهات النساء المتعصبة للأفراح التي تفلت من عقالها ، لتلك النسوة الآمرات النهايات في أسرها ، كإجراءات وقائية لا علاجية لتجنب الفتن ما ظهر منها وما بطن .
جاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 159) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ قَالَ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " .

إحتمالية هجوم أهل المتوفى على العرس وتخريبه

على العموم ، ماذا يستفيد أهل العرس الفاجر الماجن إن ظهر شاب لم يتمالك نفسه ، من أبناء الميت ، أو أحد أقاربه ، واتبع مبدأ الهجوم العنيف ( علي وعلي أعدائي يا رب ) ، من الشباب المراهقين ، الطائشين أو المستفزين ، من أحد بيوت العزاء ، لأحد الموتى ، وأطلق نيرانه الرشاشة ، أو ألقى قنبلة يدوية ، يحسبها أهل العريس مفرقعات أو ألعاب نارية ، أو فخخ سيارة بالمتفجرات ، أو هجمت مجموعة من الشباب بالسلاح الأبيض من السكاكين والبلطات والآلات الحادة ، على حفلة العرس الضخم غير الفخم دون مراعاة لحالة الموت العادية أو المباغتة السائدة في زمان ما ومكان ما ، ليقتلوا ويجرحوا من أمامهم وعن إيمانهم وشمائلهم فيتركون بعض القتلى المصروعين والجرحى المكلومين دون ذنب لهم سوى أنهم شاركوا في عرس لم يراع القيم والأخلاق النبيلة السامية .

إحتمالية إقتحام نساء أهل المتوفى لصالة الأفراح

وماذا يفيد أهل العرس إن اقتحمت نساء وأطفالهن من اليتامى ، من أهل المتوفى ، فعاليات العرس غير المتزن وحولن العرس لمأتم ، بنقلهن بيت العزاء النسائي لصالة أو ساحة الفرح القريبة ، وبدأن يندب حظهن ، ويولولن ويصرخن داخل قاعة الأفراح أو الساحة العامة أو الديوان العائلي ، حيث تتمزج المآتم والأفراح مع بعضها البعض ، فكيف سيتصرف هؤلاء الناس من أصحاب العرس ، الذين يتصرفون بلا حياء أو ضمير أخلاقي وبعيدا عن تقوى الله الحي القيوم .
وهذا نذير خطير مزدوج رجالي ونسائي ، في الآن ذاته ، يمكن أن ينفجر في أي لحظة إذا ما توالت إزدواجية حالات الموت والأعراس ( الأفراح والأتراح ) المتضادة المتناقضة فيما بينها . ورب كلمة طيبة تطيب نفوس المفجوعين بالميت ، وتبني علاقات اجتماعية قوية وربما تتراجع علاقات اجتماعية قوية لتصبح ضحلة ويحل محلها الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق . يقول الله الحميد المجيد جل جلاله : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)}( القرآن المجيد – فصلت ) . وكما جاء بسنن الترمذي - (ج 7 / ص 277) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا " . وأكد ذلك ما جاء ب المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 348) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا " .

دعاء للميت

كما جاء بمسند أحمد - (ج 17 / ص 495) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَ ذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ " .

كلمة أخيرة

جاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 287) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً " .
يا أيها الإنسان أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ، ولا تستفز مشاعر الآخرين ، وأكظم غيظك ، وأعرض عن الجاهلين ، ولا تنجر لترهات وسفاهات وخزعبلات وهرطقات الجاهلين ، ولا تغضب ، وكن صابرا متأنيا ، وزن الأمور بعقل وحنكة حكمة وعقلانية ، فالشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب وليس الشديد بالسرعة ، ولا تلحق الضرر أو الأضرار بالمسلمين من بني جلدتك . وشارك الناس في أفراحها وأتراحها ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وكن من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والساعين لإعلاء كلمة الله لتكون هي الكلمة العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى . وتذكر أن دوام الحال من المحال ، فالدهر يومان : يوم لك ويوم ذلك . فأتق الله أينما كنت وحيثما حللت ، وخالق الناس بخلق حسن ، ولا تحترم الكافرين والمنافقين والظالمين والفاسقين والأفاكين ومن ذوي الوجهين أو الوجوه المتعددة . ولا تندم على الإحسان سابقا لمن أساؤوا إليك لاحقا .


ألف ألف مبارك للعرسان . ومليار مليار رحمة للموتى الذين نداء ربهم والتحقوا بالرفيق الأعلى ، راجين من الله الغفور الرحيم أن يتغمدهم بواسع رحمته ومغفرته ويدخلهم فسيح جناته .
وختامه مسك ، لا بد من الاستعانة بدعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد ، نوح ) .

وندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: