السبت، 3 يوليو 2010

فلسطين والعملة الوطنية بالإنتظار .. بين الجنيه والدينار .. والشيكل والدولار

فلسطين والعملة الوطنية بالإنتظار ..
بين الجنيه والدينار .. والشيكل والدولار

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 459) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .

أيها الإخوة والأخوات .. في فلسطين الأرض المقدسة والوطن العربي والعالم ..
أيها القراء والباحثون والمهتمون الأعزاء في كل مكان ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
طبتم وطابت أوقاتكم ..
نتناول في هذا المشوار الإعلامي مسألة الحاجة للعملة الوطنية الفلسطينية وأثرها على الاقتصاد الفلسطيني واستقرار الأوضاع المعيشية للمجتمع الفلسطيني عموما والحركة العمالية بشكل خاص .

استهلال

لمحة تاريخية .. تبادل ومقايضة السلع والخدمات

نشأت النقود مع تطور المجتمعات البشرية العالمية حيث ان نمو القوى الانتاجية في المجتمع البدائي وزيادة انتاجية العامل ادى الى وجود فائض اقتصادي في مختلف البضائع والسلع كون ان السوق المحلي لم يعد يستوعب كافة المنتجات على اختلاف اشكالها وصورها .
وكانت العمليات التجارية في البداية تتم بالمقايضة او المبادلة - أي تبادل سلعة باخرى - الا ان هذه العملية لم تتمكن من اشباع الرغبات الانسانية المتنوعة جراء عدم وجود توافق اجتماعي في مقايضة سلعة بأخرى ، فاذا كان احد الاشخاص يصنع الملابس ويرغب في مبادلة الملابس بالمواد الغذائية ، وفي حالة وجود منتج آخر يصنع بعض المواد الغذائية يرغب في الحصول على سلعة أخرى غير الملابس فان صانع الملابس يبقى ينتظر المبادلة بسلعة اخرى ، ومن هنا ولاسباب اقتصادية واجتماعية وحياتية برزت عملية الحاجة الى اصدار النقود الوطنية .
وقد برزت عدة صعوبات لعملية المبادلة او المقايضة من ابرزها : ضرورة وجود توافق بين رغبات افراد المجتمع والحاجة الى وجود معدل للاستبدال مقبولا لدى الجانبين الراغبين في المبادلة اضافة الى صعوبة استبدال سلع كبيرة بسلع صغيرة وصعوبة ايجاد مقياس للمدفوعات الآجلة . ولهذا اقتضت الحاجة الى وجود وسيط بين افراد المجتمع تمكنهم من شراء ما يشاؤون ويبيعون ما ينتجون .
وتقوم النقود بعدة مهام ووظائف تمثل بكونها وسيط للتبادل ومقياس للقيم ومستودع للقيمة ووسيلة لتسوية المعاملات الآجلة حسب الاصول الاقتصادية العالمية .
وتتميز النقود بعدة خصائص وسمات من اهمها :
1. انها تتمتع بصفة القبول العام من جميع أفراد المجتمع المحلي والعالمي كونها وسيلة ملائمة وملزمة للحصول على السلع والخدمات وتسوية كافة المعاملات الاقتصادية .
2. تتميز بسهولة الحمل في جيوب الانسان لأنها خفيفة الوزن وصغيرة الحجم ، كما ان وحدات العملة تكون متماثلة وقابلة للانقسام او الفكة الى وحدات صغيرة .
3. ان العملة او النقود عادة تستطيع ان تبقى في الاستعمال مدة طويلة ولا تهلك بشكل سريع .
4. كما ان النقود يجب ان تتمتع بثبات نسبي في قيمتها بمعنى انها لا تكون عرضة للتقلبات المفاجئة من آن لآخر .

الرملة بالأرض المقدسة .. مدينة صك الدينار الإسلامي

من المعروف تاريخيا ، أن مدينة الرملة ، في فلسطين الأرض المقدسة ، هي مدينة عربية إسلامية المنشأ والمنبت ، شيدتها وإتخذتها الخلافة الإسلامية الأموية ، عاصمة إدارية للجند في فلسطين ، وكانت مركزا لصك وإصدار العملة الإسلامية الأولى ، لجميع الولايات الإسلامية في قارتي آسيا وإفريقيا آنذاك ، في القرن الهجري الإسلامي الأول . فمتى تعود لعروبتها وإسلاميتها البريئة وتتخلص من الاحتلال الأجنبي الصهيوني . وهل ستصبح مقرا لإصدار وصك العملة الإسلامية من جديد ؟؟ الله وحده الذي يعلم بالأمور فهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب وهو على كل شيء قدير ، سبحانه وتعالى .

العملة المحلية .. رمز من رموز السيادة الوطنية

على أي حال ، إن العملة الوطنية عادة تعتبر مظهرا من مظاهر الاستقلال السياسي والاقتصادي لأي شعب من الشعوب في كافة بقاع العالم وخاصة في العصر الحديث .
ونحن هنا في فلسطين ، وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية إلى جزء من ارض الوطن وإعادة انتشار قوات الاحتلال الصهيوني أحوج ما نكون إلى إصدار عملة وطنية فلسطينية للضرورات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية ، هذه العملة التي انتظرها شعبنا الفلسطيني بفارغ الصبر ، ونتسائل ومن حقنا التساؤل لماذا لا يتم لغاية الآن العمل على إصدار العملة الوطنية الفلسطينية ؟ هل هناك معيقات فلسطينية أم صهيونية أو عالمية ؟؟؟



سلطة النقد الفلسطينية .. والتحول إلى البنك المركزي الفلسطيني

لقد أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية ، سلطة النقد الفلسطينية عام 1994 ومقرها بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية بفلسطين ، لتنظيم وترخيص المصارف ومحلات الصرافة في فلسطين ، والمكلفة نظريا ورسميا بمهمة إصدار عملة وطنية فلسطينية ، باعتبارها ( البنك المركزي الفلسطيني ) للاشراف على العمليات الاقتصادية المختلفة ومراقبة البنوك والعملة في فلسطين . إن شعبنا الفلسطيني وفي هذه المرحلة من التاريخ اصبح اكثر شوقا وطلبا لعملته التي يحملها في جيبه ويتعامل بها في كافة المجالات الاقتصادية الداخلية والخارجية في البيع والشراء والادخار والاستثمار صباح مسا ء ، ويكفينا ما عانيناه من وجود العملة الاحتلالية الاسرائيلية ( الشيكل ) فقد خسرنا من صهينة وأسرله وتهويد العملة كثيرا ، بلا حدود ، التي أصبحنا نمقت التعامل بها في كل لحظة من لحظات حياتنا ونبضات قلوبنا ، هذه العملة تتغير وتتبدل من فترة لإخرى بسبب التضخم الاقتصادي الصهيوني وانعكاسه على الحياة العملية الفلسطينية في فلسطين .
إن الشيكل الاسرائيلي يرمز للاحتلال الصهيوني وشعبنا الفلسطيني رفض ويرفض الاحتلال الأجنبي الصهيوني ومن اولى المهمات الوطنية الاستغناء عن هذه العملة الأجنبية العدوانية التي تقض مضاجعنا وترهق ميزانيتنا ، وتقلقنا في وضح الشمس في رابعة النهار ، وأصبحت تسبب لنا الازمات الاقتصادية والاجتماعية والجسمية والازمات والأمراض والسكتات القلبية على وجه الخصوص أيضا .

تعددية العملات الرسمية وشبه الرسمية في فلسطين

من جهة أخرى ، إن العامل الفلسطيني أو الموظف الفلسطين أو أي انسان فلسطيني ، ذكرا أو أنثى ، اصبح يعاني من ازدواجية او تعدد العملة في فلسطين : الدينار الاردني ( في الضفة الغربية ) والجنيه المصري ( في قطاع غزة ) والشيكل الاسرائيلي في جميع أرجاء فلسطين ، والدولار الاميركي واليورو الأوروبي في التعاملات المصرفية والإيدعات المالية في البنوك العاملة في فلسطين الكبرى ؟
اننا نطمح لاصدار وحدة العملة الفلسطينية سواء اكانت دينارا فلسطينيا أو جنيها فلسطينيا ، لعدة دوافع واسباب لا تخفى على احد تقف في مقدمتها ان العملة الوطنية ترمز للاستقلال الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما اشرنا قبل قليل اضافة الى تحاشى التعرض لأزمات اقتصادية بين الفينة والاخرى ، ان كل انسان فلسطيني يود اليوم قبل الغد أن يستخدم العملة الوطنية في المبادلات والمعاملات الاقتصادية في البيع والشراء والادخار والاستثمار وتقاضي الاجور ويتحين الفرصة للتخلص من براثن الشيكل الاسرائيلي المقيت المتقلب سياسيا واقتصاديا ، ويود شعبنا كذلك ان يرى الرموز الفلسطينية المطبوعة والمصكوكة على فئات العملة الوطنية المعدنية والورقية ، لتبقى محفورة في ذاكرتة المعبرة عن الذات الوطنية الفلسطينية .
ويعاني المجتمع الفلسطيني بعامة والشريحة العمالية بخاصة من ويلات الشيكل الصهيوني ، الآن كما عانى من هموم الليرات الاسرائيلية طيلة سنوات الاحتلال المقيت منذ غابر السنين ، التي تغيرت وتبدلت عدة مرات خلال سنوات الاحتلال الصهيوني العجاف الماضية ، اضافة الى كونه عملة محلية لا قيمة لها في الخارج وخاصة في الوطن العربي والعالم .
وشعبنا الآن بحاجة الى عملة وطنية تسنده وتسند معاملاته في أرض الوطن وفي الخارج ، وان العامل الفلسطيني والموظف الفلسطيني بالقطاع الحكومي العام ، المدني والعسكري ، كله رغبة جامحة في قبض راتبه في نهاية الاسبوع او بداية كل شهر بالعملة الوطنية ، ونلاحظ كل يوم رغبة الانسان الفلسطيني الى إثبات شخصيته الوطنية المعبرة عن الكينونة الفلسطينية عبر العملة الوطنية . ونحن بانتظار خبراء الاقتصاد الفلسطينيين واصحاب الرساميل المالية الفلسطينية للعمل الدؤوب من اقرار فكرة إصدار العملة الوطنية وتجسيدها على أرض الواقع لتأخذ دورها ومجراها وسط العملات العربية والاجنبية وتساهم في الحفاظ على تحقيق الأمن والأمان للاقتصاد الوطني بشكل عام وللانسان الفلسطيني بشكل خاص .

العملة الفلسطينية المنتظرة .. دينار فلسطيني أم جنيه فلسطيني ؟

غني عن القول ، إن عملية إنتقاء اسم العملة مهم جدا في الحياة الفلسطينية العامة والخاصة ، فالدينار الفلسطيني هو المنشود ، والجنيه الفلسطيني هو المنبوذ كونه يرمز لحقبة استعمارية تاريخية بريطانية سافلة ، امتدت ما بين 1917 – 1948 ، مكنت بني صهيون من تكوين بناء وتشييد الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية المسلمة ، وحرمت أهل البلاد الأصليين من تكوين دولة فلسطين المنتظرة العتيدة حتى الآن .
على أي حال ، إن الجنيه الاسترليني في بريطانيا ، هو مصدر اسم الجنيه المصري والسوداني ( سابقا – حيث أصبح اسم العملة السودانية الدينار السوداني منذ أكثر من عشر سنين ) ، والجنية الاسترليني البريطاني هو أيضا ، مصدر اسم الجنيه الفلسطينية زمن الاحتلال الإجرامي البريطاني حيث إنتهى التعامل الرسمي والشعبي الفلسطيني بالجنيه الفلسطيني بعد أفول نجم الاحتلال البريطاني في فلسطين وبزوغ فجر الاحتلال الصهيوني في الأرض المقدسة واستبدال الجنيه الفلسطيني بالليرة الصهيونية ( الإسرائيلية ) ، وظهور التداول الفلسطيني بالدينار الأردني في الضفة الغربية منذ عام 1948 حتى الآن ، والتداول بالجنيه المصري في قطاع غزة منذ 1948 حتى الآن كذلك .
ومع بروز الدعوات الاقتصادية الرسمية والشعبية الفلسطينية ، للاستقلال الجزئي ومقاطعة البضائع الصهيونية المصنعة في المستوطنات اليهودية سواء في فلسطين الكبرى المحتلة أو في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة ، لا بد من بروز دعوات إعلامية وسياسية واقتصادية ، لمقاطعة الشيكل الصهيوني الذي أرهق الشعب الفلسطيني اقتصاديا وجغرافيا وتاريخيا والصور الاستفزازية على فئات العملة الصهيونية المتداولة في فلسطين المحتلة من أقصاها لأقصاها . ومن العيب المعاب كذلك أن نبقى نشتري ونبيع بالعملة الصهيونية التي اعتمدها المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال ( بازل ) السويسرية في آب 1897 م فجميع الصادرات والواردات الفلسطينية والمصارف في فلسطين والبيع والشراء ، تعتمد إعتمادا أساسيا ، على العملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) كعملة أولى في البلاد ، والعملة الأردنية ( الدينار الأردني ) كعملة ثانية ، والدولار الأمريكي كعملة ثالثة ، واليورو الأوروبي كعملة رابعة وهكذا .
ومما يثلج الصدر في فلسطين ، أننا نتعامل بعملة عربية هي الدينار الأردني في دفع مهر العروس ، ولا يتم التعامل بالشاقل الصهيوني ( الشيكل الإسرائيلي ) بأي حال من الأحوال لتشكيل الأسر الفلسطينية الجديدة .

الشاقل .. عملة عربية كنعانية قديمة

ورغم أن كلمة الشاقل هي كلمة عربية كنعانية ، لجأت لاستخدامها المنظمة الصهيونية بزعامة تيودور هرتزل بالمؤتمر الصهيوني الأول في بال السويسرية عام 1987 ، لتزوير التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة ، زورا وبهتانا وهرطقة قديمة متجددة ، فإننا لا نحب التعامل بالشيكل الإسرائيلي ، لأنه جرى تبنيه من قبل الإرهاب الصهيوني العسكري والسياسي والاقتصادي والديموغرافي منذ 113 عاما فقط . وبالاستعانة بكتب التاريخ الأصلية نرى أن كلمة الشاقل أو الشيكل لا تمت بصلة للوجود اليهودي القديم في الأرض المقدسة ( فلسطين ) .
وفي ميدان عالم المصارف والصرافة في فلسطين ، فإن الكسب المصرفي عبر تبديل العملات المتداولة في فلسطين المباركة ، يجري بصورة دائمة وبربح جيد بأواخر ومطالع الشهور ، حيث تتعرض العملات الرئيسية المتداولة ( الشيكل والدينار والدولار ) للذبذبة والتقلب العادي أو المفاجئ أحيانا ، نظرا لتعددية العملات وتعددية قبض رواتب العاملين بالقطاع الحكومي والأهلي والمنظمات غير الحكومية بالعملات الثلاث في فلسطين فيجعل سوق الصرافة رائجا ، حيث يتحكم أصحاب رؤوس الأموال الكبار في سعر صرف العملات ، وتغيرها وتبدل أسعارها في آخر وبداية كل شهر من شهور السنة . فالذين يقبضون رواتبهم الشهرية بالشيكل الإسرائيلي ، من الفئتين المدنية والعسكرية الفلسطينية ، والبالغ عددهم حوالي 180 ألف موظف مدني وعسكري ، وحوالي 30 الف متقاعد ، في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وكذلك السواد الأعظم من العمال والموظفين العاديين ، الذين يتقاضون رواتبهم بالشيكل الإسرائيلي ، وكذلك الذين يقبضون رواتبهم الشهرية بالدينار الأردني كالعاملين في القطاع الخاص كشركة الاتصالات الفلسطينية وغيرها والجامعات المحلية الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) ، والبالغ عددهم حوالي 50 ألف موظف تقريبا ، والذين يقبضون رواتبهم بالدولار الأمريكي كالعاملين في المنظمات بمنظمات المجتمع المدني المدعوم من التمويل الأوروبي والأمريكي يعانون من سوء أسعار الصرف وتدني قيمته بنسبة تتراوح ما بين 1 % - 5 % من قيمة العملة التي تصرف لهم بها معاشاتهم الشهرية .

عملة وطنية فلسطينية .. لغياب عملة عربية أو إسلامية موحدة

ومهما يكن من أمر ، فإن إصدار العملة الوطنية الفلسطينية ، ضرورة حتمية لا بد منها ولا يمكن الهروب منها للأمام أو الخلف تجنبا لمناقشتها وتداولها رسميا وشعبيا ، فالعملة الوطنية الفلسطينية خير لا بد منه ، مهما كانت السلبيات والايجابيات الخفية والعلنية ، وخاصة في ظل عدم وجود عملة عربية أو إسلامية موحدة ، وطالما لم يتم اعتماد إحدى العملتين الموحدتين : العربية أو الإسلامية فلا مناص من طباعة وصك العملة الوطنية الفلسطينية ، لما لذلك من تأثير مادي ومعنوي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية . فالشيكل الإسرائيلي ، كعملة صهيونية ، متذبذب ومتقلب القيمة والوزن ، ولا وزن له خارج فلسطين المحتلة إلا في بعض الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني كدولة عبرية مصطنعة في المشرق العربي الآسيوي الإسلامي .
فيا ترى : متى سنشاهد الدينار الفلسطيني ؟ بألوانه الزاهية ، وفئاته المتعددة ، المعدنية والورقية ، وقيمته المعنوية والوطنية ، كرمز من رموز الاستقلال والسيادة الجغرافية السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية العامة ، ونتخلص من ربقة استعمار الشيكل الصهيوني اللعين . ومتى سنرى الدينار الفلسطيني يغزو الأسواق المحلية الفلسطينية ؟ في البنوك العاملة في فلسطين وفي البورصة الفلسطينية ، وفي البيع والشراء ، والتصدير والاستيراد ، ودفع الأجور اليومية والشهرية والمكافآت المادية والجوائز النقدية ، ودفع بدل النقل والمواصلات ، ورسوم المعاملات الرسمية والشعبية .

سلطة النقد الفلسطينية.. والعملة الوطنية الفلسطينية

لقد وعدنا من قبل ، بإصدار عملة وطنية فلسطينية منذ عام 1995 ، وإنشاء سلطة النقد الفلسطيني ( البنك المركزي الفلسطيني ) الإفتراضي ، وبعد مرور 15 عاما لم نرى من هذه الوعد شيئا ملموسا . فعندما كنت أعمل معدا ومقدما للبرامج في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، قابلت د. فؤاد بسيسوا أول محافظ لسلطة النقد الفلسطينية ، وأجريت معه عدة لقاءات وحوارات حول مسالة إصدار العملة الوطنية الفلسطينية ، ولمست فيه الشجاعة والحماس لإصدار العملة الفلسطينية ، وبرز الجدل حول اسم العملة الفلسطينية المنتظرة هل هي : دينار فلسطيني أو جنيه فلسطيني أو غير ذلك ؟ ومعظم التوجهات كانت تتجه لتسمية العملة الوطنية الفلسطينية بالدينار الفلسطيني والبعض الآخر يرى تسميتها بالجنيه الفلسطيني استمرارا للجنيه الفلسطيني الذي صدر إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين . وتبدلت الوجوه الاقتصادية الفلسطينية لتبوأ منصب محافظ سلطة النقد الفلسطينية ، من د. فؤاد حمدي بسيسو والدكتور أمين حداد ، والدكتور جورج العبد ، إلى الدكتور جهاد خليل الوزير ، ولكن لم تتغير الظروف الاقتصادية ، وبالتالي فإن مسألة إصدار العملة الوطنية الفلسطينية ستبقى تراوح مكانها ، ما لم تكن هناك إرادة فولاذية للتغيير والتبديل ، والسعي نحو الأفضل والأمثل والأجدى اقتصاديا .

ثنائية الصراع بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الإسرائيلي

إن سلطة النقد الفلسطينية ( نواة البنك المركزي الفلسطيني – المنتظر ) تصارعت وتتصارع منذ إنشائها مع ( البنك المركزي الإسرائيلي ) حيث يعارض البنك الصهيوني عملية إصدار عملة وطنية فلسطينية ، لأن ذلك سيشكل ضربة قوية وزلزال اقتصادي شبه مدمر يضرب الاقتصاد الصهيوني المتدهور أصلا ، كون العملة الفلسطينية ستحل محل الشيكل الإسرائيلي في أيدي 4 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وغزو الدينار الفلسطيني في حال صدوره للاقتصاد الصهيوني في البيع والشراء والاستيراد والتصدير ، وبالتالي تراجع قيمة العملة الصهيونية ماديا ومعنويا ، رسميا وشعبيا ، بالاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية العامة . وسيبقى الشيكل الإسرائيلي يتداول عمليا في أيدي 5.6 مليون يهودي في فلسطين الكبرى المحتلة ولا قيمة فعلية له دون ذلك .
وعلى كل حال ، فإن الشعب الفلسطيني يجب أن لا ينتظر طويلا ، كالمفاوضات الثنائية والمتعددة العبثية بين أهل فلسطين الأصليين والطارئين الصهاينة الغرباء الدخلاء ، في الحصول على إذن من الاحتلال الصهيوني وأجنحته السياسية والأمنية والاقتصادية والمصرفية لإصدار العملة الفلسطينية ، فالحرية تنتزع إنتزاعا ، ولا تعطى على طبق من ذهب أو فضة .
وآن الأوان لإنهاء فترة الحكم الذاتي الهزيل غير المعروف نهاية النهايات حتى الآن ، رغم أن الفترة الانتقالية لاتفاقية أوسلو الهزيلة بحدها الأقصى كانت لخمس سنوات عجاف إنتهت قبل أكثر من 11 عاما ، وكان يفترض رسميا أن تنتهي في 4 أيار 1999 ، مضت وتلاشت في ظلم وظلام وطغيان الاحتلال الصهيوني . وعلى الشعب الفلسطيني الانتقال من مرحلة البطء والخمول لمرحلة البناء والشمول ، فالمرحلة الحالية لم تعد تحتمل المماطلة والتسويف والهروب من المسؤوليات الوطنية الفلسطينية الحتمية . ولتستكمل حملة المقاطعة الاقتصادية الشاملة بكل ما في الكلمة من معنى ، وليضم الشيكل الإسرائيلي لقائمة المقاطعة المرحلية التدريجية المقبلة بعد دراسة الأمور وتفحصها وإعداد العدة والبدائل الحقيقية لها بصورة مؤقتة ودائمة ، وليذهب في أسفل سافلين ، وليحل الدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي ، في الاستيراد والتصدير ، مؤقتا بدلا منه كفترة انتقالية مؤقتة لا تتجاوز ستة شهور ، ريثما تهدأ الزوبعة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية الصهيونية القادمة ، وتقدم العملة الوطنية الفلسطينية لتتصدر مسيرة الجهاد الاقتصادي القادمة لا ريب فيها للتخلص من الشيكل الصهيوني الجاثم على صدورنا وأنفاسنا .
وغني عن القول ، إنه في المرحلة الانتقالية المؤقتة المقترحة بستة شهور كحد أقصى ، لا بد من تركيز الاعتماد الاقتصادي الفلسطيني على العملتين العربيتين : الدينار الأردني والجنيه المصري بالدرجة الأولى ، كون مصر والأردن لهما علاقات سياسية واقتصادية مع الكيان الصهيوني ، والتعامل بالدولار الأمريكي واليورو الأوروبي كعملات ثالثة ورابعة تمهيدا ليحل الدينار الفلسطيني في صدارة العملات في فلسطين .

العملة الفلسطينية بين الإصرار والانتظار .. بين الانتفاضة النقدية والإنحسار

ورب قائل يقول ، وهم كثر ، لننتظر قيام دولة فلسطين العتيدة حتى نصدر عملة فلسطينية ، لترى النور بعد رؤية الدولة النور ، وهو قول مجاف للحقيقة ، بل يحاول الهروب من المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الشعب الفلسطيني . فالعملة الوطنية الغائبة أو المغيبة بفعل الاحتلال الصهيوني والتلكؤ والبطء الفلسطيني ، واللامبالاة العربية والإسلامية ، في هذا الوقت الصعب ، ستكون لازمة لسد الاحتياجات والرغبات الوطنية الفلسطينية ، والتخلص من النقد الأجنبي الصهيوني .
وعلى جميع الأحوال ، لا بد من مشاركة شعبية جماهيرية في انتفاضة الدينار الفلسطيني القادمة ، لفرض الدينار الفلسطيني كعملة رسمية أولى في فلسطين ، والعمل الحثيث على تراجع التبادل بالشيكل الإسرائيلي ، وهذه الانتفاضة ستكون سلمية اقتصادية ، طوعية منظمة لا عفوية في بدايتها وإلزامية في نهايتها في الآن ذاته ، وهي شكل من أشكال الصراع الجديد المتجدد من أوجه الصراع الفلسطيني – الصهيوني المستمر ، لتحقيق النصر المبين ، بالتدريج وفق مراحل مدروسة جيدا ، وعدم تخلف البعض الفلسطيني عن هذه المسيرة النقدية المقبلة ، وترك الفذلكات والترهات والتعليقات الساخرة والسفاهات جانبا .

من مبادئ التحرير الاقتصادي .. العملة الفلسطينية

وبرأينا ، العملي والنظري في الآن ذاته ، فإن عملية التحرر والتحرير والاستقلال الوطني يجب أن يسبقها وجود الرمزية السيادية الوطنية الفلسطينية ، ومن بينها إصدار العملة الفلسطينية لتتخلص الأيدي والجيوب والبنوك والسلع والبضائع من همجية الشيكل الإسرائيلي المغضوب عليه ، من الشعب المسلم العربي الفلسطيني في الأرض المقدسة ، ولا مانع أن تكون العملة الأجنبية ( الشيكل الإسرائيلي ) العملة الرابعة أو الثالثة لا الثانية وليس الأولى ، في هذه المرحلة المؤقتة للترابط المجحف بين الاقتصاد الفلسطيني الهش ، والاقتصاد الصهيوني المتعجرف المدعوم أمريكا وأوروبيا .
ولا بد من إعداد البدائل الإستراتيجية ، وبدائل البدائل التكتيكية المتاحة ، من العملات العربية والأجنبية ، من المخزون النقدي المعدني والورقي ، وتبادل السلع والبضائع في الأسواق المحلية الفلسطينية ، والشيكات وغيرها .

مزايا إنتفاضة الدينار الفلسطيني والتخلص من الشيكل الإسرائيلي

هناك العديد من المزايا التي سيجنيها الاقتصاد الفلسطيني ، والشعب الفلسطيني ، بلجوئه للتعامل مع العملة الوطنية الفلسطينية ( الدينار الفلسطيني ) ، والتخلص من العملة الصهيونية الأجنبية ( الشيكل الإسرائيلي ) رمز الاحتلال الأجنبي البغيض ، من أبرزها :
أولا : التأكيد على رمز من رموز السيادة الوطنية السياسية الفلسطينية .
ثانيا : التخلص من تبعية الاقتصاد الفلسطيني من الاقتصاد الصهيوني المتدهور .
ثالثا : الابتعاد عن التقلبات والأمزجة المصرفية المتهاوية للعملة الصهيونية .
رابعا : التحكم الوطني بإستقرار العملة الفلسطينية قدر الإمكان .
خامسا : التأكيد الإسلامي الحضاري لفلسطين الأرض المقدسة ، عبر تداول عملة فلسطينية تحمل رموزا صورا فلسطينية وصور المسجد الأقصى المبارك والمدن التاريخية الفلسطينية مثل القدس ويافا وعكا وحيفا وصفد وطبريا وبئر السبع ونابلس وغزة وغيرها .
سادسا : تعميق الترابط الاقتصادي الفلسطيني العربي والإسلامي والعالمي .

صراع العملات في فلسطين : الفلسطنة والأسرلة والدولرة

يقول الله الغني الحميد جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}( القرآن العظيم – التوبة ) .
تتزايد التبعات السلبية الاقتصادية الفلسطينية للاقتصاد الصهيوني في الأرض المقدسة ، في ظل تزايد الاعتماد الرسمي الفلسطيني على العملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) ، فالإبقاء على الأسرلة هي رعب اقتصادي مخيف في الليل والنهار يداهم رؤوس الأموال الفلسطينية ، ويعرض كل فلسطيني لخسائر مالية متزايدة يوما بعد يوم ، فالشيكل الإسرائيلي هو الغريم الاقتصادي للاقتصاد الفلسطيني وللمواطن الفلسطيني ، في أرض الآباء والأجداد ، بفعل تحكم البنك المركزي الإسرائيلي ، بكمية وقيمة الأموال المتداولة وعملية تنقل الأموال بالعملة الصهيونية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، فالبنك المركزي الصهيوني ( الإسرائيلي ) يقف في صلب وقائع الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، والاحتلال والتدمير الاقتصادي أشد وطاة من التدمير والاحتلال العسكري الصهيوني .
وكذلك الحال فإن السعي نحو الاعتماد الرسمي الفلسطيني على الدولار الأمريكي ( الدولرة ) هو أمر غير مقبول يكرس التبعية الفلسطينية للاقتصاد الأجنبي وخاصة الأمريكي ، بصورة مباشرة وغير مباشرة في الوقت ذاته ، فنخرج من ( بير لندخل في بيارة ) كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني . والأمر السليم هو المبادرة لطباعة وصك العملة الوطنية الفلسطينية ( الدينار الفلسطيني ) وليس الجنيه الفلسطيني ، الذي يعيدنا بالذاكرة لحقبة الاحتلال الأجنبي البريطاني اللئيم .
وإذا كان من الاعتماد الانتقالي المؤقت لعملة أخرى ، فمن الأفضل التعامل مع الدينار الأردني أولا أو الجنيه المصري ثانيا ، حسب رغبة الشعب الفلسطيني ، وليس بقرار مفروض من أعلى ، من هذه الجهة السياسية أو الاقتصادية أو تلك ، فالاستفتاء واستطلاعات الرأي على المحك العملي لتقرير المصير الاقتصادي للشعب الفلسطيني في أرض آبائه وأجداده . وليرحل الشيكل على غير رجعة ، وكفانا استجداء وتذمرا من الشيكل وللشيكل وبالشيكل الإسرائيلي .

مراحل انتفاضة الدينار الفلسطيني .. إصدار العملة الوطنية الفلسطينية

جاء في مسند أحمد - (ج 18 / ص 176) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ غَرِيمُهُ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " .

الإفلاس الصهيوني قادم لا محالة ، إن عاجلا أو آجلا ، بحكم كينونة وصيرورة الحال الاقتصادي العالمي عبر التاريخ الإنساني بين الأمم الخالية ، وسيرث الدينار الفلسطيني ، الشيكل الإسرائيلي عمدة الاقتصاد الصهيوني ، بعد موته ، وغيابه الحتمي ، كما ورثت العملة الصهيونية ( الليرة الإسرائيلية والشيكل الإسرائيلي القديم والجديد ) من بعدها ، الجنيه الفلسطيني السابق ، الذي أصدرته حكومة الاحتلال البريطاني في فلسطين ، بإشراف المندوب السامي الاحتلالي البريطاني في فلسطين .
ولا بد لعملية إصدار العملة الوطنية الفلسطينية ( الدينار الفلسطيني ) من المرور الناجح ، بعدة مراحل متدرجة ومتلاحقة ، متصلة وغير منفصلة ، لعل من أهمها :
أولا : طباعة عملة فلسطينية تجريبية غير معتمدة وتوزيعها المجاني بين الأيدي الفلسطينية .
ثانيا : تنظيم الحملات الدعائية والإعلامية الداخلية والخارجية الداعمة لعملية الإصدار الرسمية المرتقبة . لتشمل هذه الحملة الدعائية وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والانترنت ، بمشاركة رسمية وشعبية جماعية .
ثالثا : التنسيق الدائم مع الدول العربية والإسلامية والعالمية التي يتم تداول عملاتها في الأرض المقدسة . ولا بد من التعاون الرسمي الفلسطيني الوثيق في هذا المجال مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ، ومصر والأردن وجميع الدول العربية الأخرى والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي والصين والهند والبرازيل وغيرها . ومن المفيد طرح وتبني عملية إصدار عملة فلسطينية في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة دول عدم الإنحياز وغيرها .
رابعا : وضع خطة استراتيجية ، ذات فروع تكتيكية مرحلية لتنفيذ الإصدار الأول للعملة الوطنية الفلسطينية ، ووضع جميع الاحتمالات المتوقعة على المحك ، مع إمكانية التعديل والتبديل والتغيير حسب الحاجة . وذلك لتأمين الإعتراف العربي والإسلامي والإقليمي والعالمي بالعملة الفلسطينية الجديدة .
خامسا : الاستبدال التدريجي للعملات المتداولة بفئات العملة الفلسطينية المعتمدة . مع زيادة مئوية بسيطة لقيمة العملة الفلسطينية على العملات الرئيسة المتداولة في البلاد تصل حوالي 5 % ، لتحفيز المواطن الفلسطيني للتخلص من العملة الصهيونية والاقبال على العملة الفلسطينية الجديدة .
سادسا : الإستفادة من التجربة الصهيونية في استبدال العملة العربية بالعملة الصهيونية ، الليرة والشيكل والشيكل الجديد ، عبر سنوات الاحتلال الصهيوني لفسطين ما بين 1948 حتى الآن . عبر إعداد دراسات وأبحاث تتولى الإشراف عليها سلطة النقد الفلسطينية . ولا بد من تحفيز المواطنين الفلسطينيين والأحزاب والحركات الوطنية والإسلامية ، في فلسطين المحتلة عام 1948 ، في تشجيع انتفاضة الدينار الفلسطيني كرمز من رموز السيادة الوطنية الفلسطينية . وكذلك تشجيع السكان اليهود للتعامل مع العملة الفلسطينية في عمليات التبادل والشراء والاستيراد والتصدير .
سابعا : المرحلة التجريبية . لا بد من وجود مرحلة تجريبية ، لتخمين وتعويض مواقع وقيمة الأضرار ومواطن الانتصار لإصدار العملة الفلسطينية الأولى في البلاد .
ثامنا : المرحلة النهائية : وهي الإصدار الرسمي المعتمد للعملة الوطنية الفلسطينية بجميع الفئات المعدنية والورقية لتسهيل التداول التدريجي الدائم . وتبني ودعم دول شقيقة وصديقة لطباعة وصك العملة الفلسطينية .

كلمة أخيرة

يقول الله العلي العظيم مالك الملك ذو الجلال والإكرام جل جلاله : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}( القرآن الحكيم – آل عمران ) .
وكلمة لا بد منها ، لا يمكن أن تنتصر حملة مقاطعة البضائع والسلع الصهيونية ، بشكل فعلي وحقيقي ، بشمولية عامة وعالية ، طالما بقيت الحدود والمعابر الفلسطينية تحت الهيمنة الصهيونية المباشرة أو غير المباشرة ، وطالما بقينا نتعامل رسميا وشعبيا ، بالعملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) بصورة رئيسية ، وليس لدينا عملة وطنية تعزز الاقتصاد الوطني الفلسطيني . ومن هنا تنبع أهمية سيادية ورمزية الدينار الفلسطيني الصادر من بنك فلسطين المركزي أو البنك المركزي الفلسطيني ، ومن الضروري تنظيف الاقتصاد الفلسطيني من تبعات الشيكل الإسرائيلي بجميع الأوجه والصور والأشكال المتاحة . فضرب الشيكل الإسرائيلي بقوة سيهز الاقتصاد الصهيوني هزات مجلجلة ، وستهبط قيمة الشيكل الإسرائيلية حتما بصورة مدوية ، وسيلحق خسائر فادحة بالكيان الصهيوني ، داخليا وخارجيا ، وسيغير الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة ، وسيتوج الدينار الفلسطيني صدارة الاستقلال الاقتصادي والسياسي الفلسطيني المنتظر . وسيكون مصير الشيكل الإسرائيلي الهبوط السحيق في سابقة هي الأولى من نوعها ، وسيعد هذا نصرا اقتصاديا فلسطينيا مؤزرا على المستويات الفلسطينية والصهيونية والعربية والإقليمية والعالمية .
ومعا وسويا نحو إصدار عملة وطنية فلسطينية تحمل صور المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ، والكوفية الفلسطينية ومعالم فلسطين التاريخية والجغرافية والدينية ومقدساتها الإسلامية .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: