الجمعة، 23 يوليو 2010

كوسوفا المسلمة .. بين التطهير العرقي الصربي والإدارة الدولية والإستقلال

كوسوفا المسلمة ..

بين التطهير العرقي الصربي

والإدارة الدولية والإستقلال

د. كمال إبراهيم علاونه
استاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس – فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 10 / ص 19) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " .

تمهيد

بإعتبارها آخر دولة أوروبية مستقلة ، أعلنت حكومة كوسوفا بعاصمة البلاد بريشتينا ، على لسان رئيس الحكومة ( هاشم تاتشي ) أمام البرلمان الكوسوفي ، في 17 شباط – فبراير 2008 ، الاستقلال الوطني بدولة ديموقراطية لكل العرقيات ، من جانب واحد عن صربيا ، وإعتزامها الإنضمام للإتحاد الأوروبي ، وحلف شمال الأطلسي ، وذلك بعد فترة حكم أو إدارة دولية طويلة ، امتدت لعشرة أعوام ، منذ عام 1999 ، فاعترفت باستقلال كوسوفا 69 دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ، و22 دولة من دول الإتحاد الأوروبي ، بينما لم تقبل صربيا وروسيا بهذا الأمر ، فلجأت صربيا بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 تشرين الأول – اكتوبر 2008 ، لمحكمة العدل الدولية ، كما لجأت كوسوفا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا أيضا ، للإستفسار حول الأمر المستجد سياسيا وعسكريا وهو ( مدى شرعية إعلان استقلال كوسوفا ) بقارة أوروبا . فأيدت المحكمة الدولية قرار الاستقلال لكوسوفا ، في 22 تموز – يوليو 2010 ، وأضفت الشرعية الدولية على الاستقلال الوطني لهذا الشعب المسلم في أرض آبائه وأجداده ، ولكن قرار المحكمة الدولية استشاري غير ملزم كما هو معروف . ويبقى قرار استقلال كوسوفا خاضع للجدل الأوروبي والعالمي ، كون هذا الإقليم الجغرافي كان تابعا ليوغسلافيا السابقة طيلة عشرات السنين ونال الحكم الذاتي ضمن صربيا أو يوغوسلافيا ، منذ الإعلان عن الاتحاد اليوغسلافي عام 1945 .

على أي حال ، إن ألبانيا هي احد دول قارة أوروبا إذ تقع هذه الدولة التي تتخذ من تيرانه عاصمة لها جنوب غرب يوغوسلافيا . ويحدها ألبانيا شمالا يوغوسلافيا وجنوبا اليونان والبحر الادرياتيكي الذي يفصلها عن جنوب ايطاليا ، ويحدها شرقا يوغوسلافيا واليونان وغربا البحر الادرياتيكي ، فتبدو هذه الدولة دولة صغيرة المساحة قياسا بمساحة الدول المجاورة .
وأما بالنسبة ، لكوسوفا ، فإن تكوين كيان كوسوفا السياسي عبر التاريخ يرجع إلى عام 1868 م بعد صدور قانون الولايات العثمانية ، عندما أقيمت ولاية " قوصوة " بأغلبية البانية وأقلية صربية ، بعاصمتها بريزرن . وفي إعقاب الانتفاضات والثورات الألبانية ضد الحكم العثماني المتأخر في الأعوام 1909 و 1910 و 1911 و 1912 ، وسيطرة الثوار على العاصمة وافقت استانبول على منح ولاية " قوصوة " الحكم الذاتي في 12 آب 1912 م ، إلا أن بروز صربيا اثر الحرب البلقانية في خريف 1912 حرم هذه الولاية من الحكم الذاتي ، واحتلت النمسا صربيا وكوسوفا حيث اعترفت النمسا بالحكم الذاتي لهذه الولاية حتى أواخر الحرب العالمية الأولى . وبعد قيام يوغسلافيا عام 1918 ، بنهاية الحرب العالمية الأولى ، أضحت كوسوفا من القضايا التي تؤرق يوغسلافيا إضافة إلى ( كرواتيا والبوسنة ومقدونيا ) مما أدى إلى انهيارها وضم جزء كبير من كوسوفا إلى ألبانيا عام 1941 . وفي إعقاب قيام يوغسلافيا الاتحادية الحديثة ، عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، تمتعت كوسوفا بالحكم الذاتي الواسع ضمن صربيا ما بين الأعوام 1945 – 1971 م وبعد ذلك في إطار يوغسلافيا .
وفي عام 1974 صدر الدستور اليوغسلافي الاتحادي الذي ساوى تقريبا بين الجمهوريات اليوغسلافية " دستور ، برلمان ، رئيس ، حكومة " . وبعد وفاة الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ،عام 1980 تولى الرئاسة مجلس جماعي ، وأصبح لكوسوفا ممثل في " مجلس الرئاسة " ، وفي الفترة الممتدة ما بين 15 أيار 1985 – 15 أيار 1986 تولى ممثل كوسوفا رئاسة يوغسلافيا .

أزمة إقليم كوسوفو المسلم

يقول الله السميع البصير تبارك وتعالى : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) }( القرآن المجيد – النحل ) .

إقليم كوسوفا ( تسمية إسلامية ) أو كوسوفو ( تسمية غربية ) الذي يسكنه أغلبية البانية يشكلون حوالي 90 % من إجمالي عدد السكان فيه البالغ عددهم نحو مليوني نسمة منحه الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو حكما ذاتيا موسعا طيلة فترة حكمة من عام 1945 – 1980 . وفي عام 1987 تولى سلوبودان ميلوسيفتش الحكم في يوغسلافيا ، واستمرت كوسوفا تتمتع بالحكم الذاتي . وفي عام 1989 بعد تولي الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفتش الحكم بعامين ألغى الحكم الذاتي الممنوح للألبان المسلمين والحق وضم كوسوفا ( كوسوفو ) بصربيا . وقد ادعى ميلوسيفتش في الذكرى المئوية لانتصار العثمانيين في معركة ( صقل اللؤلؤ ) أن صربيا يجب أن تكون قوية ومميزة ، وان كوسوفو هي مهد المقدسات الصربية ورمز العرق الصربي وانه لا ينبغي التخلي عنها مهما كانت الأسباب . فأخذ التوتر يظهر بصورة جلية بعد ذلك اثر شروع قوات الصرب النظامية الصليبية المتعصبة ، بقمع مواطني إقليم كوسوفو الألبانيين واستخدم شتى الطرق الوحشية للتنكيل بهؤلاء السكان ( 1 ) . وفي إعقاب إلغاء الحكم الذاتي لكوسوفا عمت المظاهرات والانتفاضات الاحتجاجية كوسوفا ، وفي عام 1990 أعلن الألبان " جمهورية كوسوفا " ثم نظموا انتخابات رئاسية عام 1992 فاز فيها " إبراهيم روغوفا " . وفي 1 أيلول 1996 وقعت اتفاقية بين إبراهيم روغوفا وميلوسيفيتش بوساطة ايطالية - أميركية إلا أن الاتفاق تعثر ، مما أدى إلى ظهور " جيش تحرير كوسوفا " عام 1997 . وتدخلت بعض الدول الغربية والزمت بلغراد على توقيع اتفاق ( ميلوسيفتيش – هولبروك ) الجديد في 13 تشرين الأول 1998 أقرت ووافقت بموجبه بلغراد على وجود دولي مراقب . وبعد وقوع مجزرة راشاك طلبت بعض الدول الغربية من الطرفين اليوغسلافي الصربي والكوسوفي التوجه لإجراء مفاوضات في رامبوييه الفرنسية ، يتم بموجبه " تخلي الألبان عن الاستقلال وقبول بلغراد بوجود دولي اكبر لضمان تنفيذ هذه الاتفاقية " ، المتمثلة بإعادة تطبيق الحكم الذاتي الموسع لشعب كوسوفا بوجود دولي قوي ، إلا أن الصرب رفضوا ذلك .

المقاومة الوطنية والإسلامية للصرب العنصريين

يقول الله القوي العزيز ذو الجلال والإكرام ناصر المستضعفين في الأرض : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}( القرآن الحكيم – الحج ) .

ظهرت قوى وحركات البانية داخل كوسوفا تدافع عن حقوق ومصالح ومطالب هؤلاء المواطنين ومن هذه الحركات السياسية الآتي :
1. الجبهة الديموقراطية في كوسوفو بزعامة إبراهيم روغوفا الذي أطلق عليه ( غاندي البلقان ) ، ووصف بأنه زعيم معتدل . وقد نادت هذه الجبهة بإعادة الحكم الذاتي لإقليم ( كوسوفو ) والمحافظة على العادات والقيم والتاريخ الخاص بهؤلاء المواطنين عبر السنين ، وقد فشلت المحاولات السلمية لإعادة الحكم الذاتي لكوسوفا فلجأ المواطنون إلى استخدام الكفاح المسلح للمطالبة بحقوقهم . واتهم قادة ألبانيون من كوسوفا هجروا إلى مقدونيا إبراهيم روغوفا بالتعاون مع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفتش .
2. جيش تحرير كوسوفو : وتزعمه سياسيا هاشم تاجي ( تقي ) ، رئيس الحكومة المؤقتة لألبان كوسوفا ، فبعد وصول المباحثات والمطالبات الألبانية لسكان كوسوفا مع اليوغسلافيين والصرب خاصة بالاستقلال إلى طريق مسدود لجا المواطنون إلى الكفاح المسلح العنيف ضد اليوغسلافيين العنصريين الجدد بهدف استرجاع الهوية الألبانية المسلمة وحمايتها من الاندثار . وعن ذلك يقول تاجي الزعيم السياسي لجيش تحرير كوسوفو : " دون جيش تحرير كوسوفو لن يكون للإقليم مستقبل " ، ورفض فكرة نزع سلاح جيشه الذي أقرته الدول الثماني وأعرب تقي عن أمله في : " مواصلة المقاومة ( ضد الصرب ) حتى تحقيق استقلال كوسوفو " ، ( 2 ) ودعا هاشم تقي إلى توحيد صفوف الكوسوفيين لتحرير كوسوفا وطالب بعقد الاجتماعات والتنسيق مع إبراهيم روغوفا : " آن الأوان كي يتحدث ألبان كوسوفو بصوت واحد ومن اجل ذلك من الملح أن نلتقي في تيرانا .. بالرغم من نشاطاته المشبوهة ( روغوفا ) فمن واجبه السياسي والأخلاقي المساهمة في تسوية اقليم كوسوفو " ، ( 3 ) .

الجهاد في سبيل الله

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 440) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ . قُلْتُ فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ : " أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ ضَايِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ قَالَ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ " .

لقد تدفق مئات المتطوعين الكوسوفيين والألبان وغيرهم من المسلمين والعرب ، للوقوف في وجه الأطماع الصربية العرقية وللدفاع عن كوسوفا ، من مختلف الجنسيات . فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة " ترود " الروسية الصادرة في موسكو أن مقاتلين من الجمهورية الشيشانية الواقعة في القوقاز انضموا إلى صفوف جيش تحرير كوسوفا ، وان زعيمي الحرب الشيشانيين شامل باساييف وأمير خطاب اللذين برزا خلال حرب الاستقلال عن موسكو ما بين كانون الأول 19994 – آب 1996 من بين المتطوعين ، وأضافت الصحيفة أن اتفاقا وقع بين جيش تحرير كوسوفو والشيشانيين لإنشاء معسكر تدريب على الأراضي الشيشانية يتألف من متطوعين من البلدين وقد تم إقامة هذا المعسكر بالفعل في نيسان – إبريل 1999 في منطقة ( فيدينو ) شمال الشيشان بدأ ب 70 ألبانيا ومقدونيا مسلحا لتلقي تدريبات عسكرية لمدة ثلاثة أسابيع .
وكانت نشطت دعوة لمعاونة المسلمين في كوسوفا من خلال تجنيد شيشانيين وداغستانيين وتتار من بلاد القرم أو أذربيجان من المسلمين الرجال وفي المقابل ساندت موسكو حليفها الصربي ضد قوات الأطلسي ( 4 ) . وعن دور جيش تحرير كوسوفا قال متحدث باسم وزارة الحربية الأميركية " : إن القوات اليوغسلافية في كوسوفو تواجه نشاطا متجددا لجيش تحرير كوسوفو إضافة إلى خطر الضربات الجوية لحلف شمال الأطلسي " .

صربيا الكبرى .. والتطهير العرقي ضد مسلمي كوسوفا

في عام 1993 أسس فوك داركوفيتش حركة سياسية أرثوذوكسية متطرفة أطلق عليها ( حركة التجدد الصربي ) للمناداة ب ( صربيا الكبرى ) فالتف وتجمع حوله المنادين بالتطهير العرقي ضد المسلمين الألبان ، مطالبا بضرورة الاحتفاظ بإقليم ( كوسوفو ) تحت ظل السيادة والأرض الصربية وان الحوار مع ألبان كوسوفو غير مجد ولا فائدة منه أي انه لا يؤمن بالحوار السياسي مع الألبان في كوسوفو وان هؤلاء السكان هم " مواطنون صرب " مشيرا إلى أن حل الأزمة هناك يكمن في : " إعلان واضح من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي ومجموعة الاتصال بأنه لا يمكن أن يكون إقليم كوسوفو مستقل أو ألبانيا الكبرى ولا كوسوفو جمهورية يوغوسلافية ثالثة " إلى جانب جمهورية صربيا وجمهورية الجبل الأسود ( 5 ) .
لقد تعرض شعب كوسوفا إلى حرب إبادة وتطهير عرقية في البلقان في أواخر القرن العشرين الميلادي : " وتأتي حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الألباني في كوسوفو على يد الصرب تماما مثل حرب الإبادة التي سبقتها قبل سنوات في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب أيضا ... عندما نتوقف عند تفاصيل الجرائم التي ارتكبها الصربيون نجد أنها صورة طبق الأصل للجرائم التي ارتكبها ولا زال يرتكبها الصهيونيون ... ولا شك أن ما جعل قضية كوسوفو في موضع الاهتمام العالمي هو ما جرى الكشف عنه من الجرائم البشعة التي ارتكبها الصرب بالألبان المسلمين عندما اكتشفت المذابح الجماعية للعديد من القرى اليوغسلافية في كوسوفو التي كان جنود الصرب يدخلونها بأسلحتهم المتفوقة ويقومون بعمليات الإبادة الجماعية بقتل الأطفال والنساء والرجال ومن ثم إحراق جثثهم ونهب بيوتهم ثم القيام بتدمير منازلهم بقلوب لا تعرف الرحمة والشفقة ... ومن يدرس عقلية وتصرفات وأفعال زعماء الحركة الصهيونية ومعظمهم في الأصل من منطقة البلقان يدرك أنهم تشبعوا بالأفكار والعقيدة الفاشية والنازية ولهذا كانوا يؤمنون بالإرهاب والقتل وسفك الدماء والتهجير هي السبيل الوحيد لسرقة وطن الآخرين والسطو على حقوق أصحاب البلاد الأصليين " ، ( 6 ) .

التدخل الخارجي السلمي لحل الأزمة

بعد اندلاع الحرب الشاملة عسكريا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا ، بين ألبان كوسوفو والصرب بدأت الوساطات الغربية عبر ريتشارد هولبروك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي فشل في مساعيه التوسطية ، فأسندت عملية التوسط بين الجانبين الصربي وممثلي كوسوفو إلى مجموعة الاتصال التي تألفت من ست دول هي : الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وروسيا وألمانيا . فوضعت هذه اللجنة خطة لإحلال السلام في كوسوفو تتمثل في منح إقليم كوسوفا حكما ذاتيا لمدة ثلاث سنوات ويقرر بعدها السكان مصيرهم عبر مفاوضات سياسية ونزع سلاح ميليشيات الصرب وسلاح جيش تحرير كوسوفو وتمركز قوات عسكرية من بلدان المجموعة في كوسوفو . وقد رفض ممثلو ميلوسيفتش هذه الخطة السلمية في آذار 1999 في حين وافق عليها بعض ممثلي إقليم كوسوفو ( 7 ) . وأعلن داركوفيتش بصفته نائبا لرئيس الوزراء الصربي أن بلغراد مستعدة لتسوية ما مع الحلف الأطلسي خاصة مسالة تواجد قوات تابعة للأمم المتحدة وحلف الأطلسي في كوسوفو وشدد على انه " على قادة يوغوسلافيا الكف عن الكذب على الشعب وقول الحقيقة له .. وأن يوغوسلافيا لا تستطيع الانتصار على قوات الأطلسي وانه يعبر عن آراء ميلوسوفيتش " ، وبعد ثلاثة أيام من إعلانه عن هذا التصريح نقلت الوكالة اليوغسلافية للإعلام نبأ إقالة داركوفيتش ووزرائه الثلاثة من الحكومة الصربية بتهمة زعزعة الثقة بالحكومة وخيانة القضية اليوغوسلافية الجديدة .

لاجئو كوسوفا

إثر تزايد العمليات العسكرية الجوية الغربية على صربيا وكوسوفا وازدياد عمليات القمع والاضطهاد الصربية الرسمية وغير الرسمية وإزهاق أرواح المئات من مواطني كوسوفا المسلمين من القتل والنهب والسلب واغتصاب النساء ازدادت عمليات التهجير القسرية والفرار من الجحيم الصربي المبرمج عبر الحدود الدولية ، فتعددت الملاجئ والمخيمات والمعسكرات لهؤلاء المهجرين بالقوة داخل كوسوفا ذاتها أو في دول الطوق المجاورة . ففي ألبانيا ، في الجنوب والوسط ، أنشأت عدة مخيمات جديدة لعشرات الآلاف من المسلمين المرحلين من كوسوفو من أبرزها : ( كوكيس ، سوكدير ، فايزي ، كوميه ، ديخار ، لايزخيه ، دوريس ، الباسان ، بيرات ، كورتشي ، فلوريه ، جييركا ستير ) وفي الحزام المقدوني مخيمات : ( براجدا ، رادوتشا ، نيبريستينو ، بوياني ، سينوكوفتش ، نافروفو .. ) أو المونتينيغري مخيمات ( الجبل الأسود ) : ( روازتش ، نوفي بازار .. ) . ( 8 ) .


أجهزة التطهير العرقي الصربية

نشر النظام اليوغوسلافي الصربي نحو ستين ألف جندي نظامي وغير نظامي منهم : أربعين ألف جندي صربي نظامي وعشرين غير نظامي بحوزتهم أربعمائة دبابة ومدرعة ( 9 ) ، وذلك لتنفيذ سياسة التطهير العرقي وتهجير وترحيل المواطنين من سكان كوسوفا الذين في غالبيتهم من المسلمين الألبان .
ويقول احد البرلمانيين الغربيين عن عقلية التطهير العرقي الصربي في كوسوفا قبل اندلاع الأزمة بين الجانبين الصربي الصليبي والكوسوفي المسلم : " وكما طالب هتلر بتوسيع حدود ألمانيا حتى تشمل كافة الألمان الذين يعيشون في الأراضي المجاورة كذلك قام ميلوسيفيتش بغزو سولفينيا ثم كرواتيا وبعد ذلك غزا البوسنة حتى يجمع كافة الصرب في دولة واحدة يحكمها بنفسه ، وها هو الآن يطرد الألبان من كوسوفو حتى يجد مكانا للاجئين الصرب الذين اضطروا للهجرة كنتيجة للحروب التي أشعلها ... عرفنا نحن بقمع ميلوسيفيتش لبرلمان كوسوفو لكننا لم نكن على استعداد للتحرك طيلة العقد الماضي رغم أن النظام اليوغسلافي جرد ألبان كوسوفو من حقوقهم في التعليم وحتى العمل في أراضيهم وبلادهم " ، ( 10 ) .

وسائل التنقل

لجأ لاجئو كوسوفو إلى إتباع عدة طرق في أعقاب إجبارهم على الخروج من وطنهم : " وينتظم الأهالي المهجرين والمرحلين قسرا من بلداتهم وقراهم ومدنهم قوافل لا يدرون هم على وجه الضبط كيف نظمتهم وجمعتهم وقد خرجوا من بيوتهم ومدارسهم ومحالهم وأراضيهم أشتاتا وعلى ما يحسبون فرادى ... يروون أن قوات صربية نظامية أو شبه نظامية حاصرت البلدة فجأة في الصباح أو مساء وقصفت عشوائيا مواضع مختلفة منها ، ثم دخل بعض أفرادها البلدة وجالوا على البيوت عصبا صغيرة ومسلحة وحطموا البوابات وأطلقوا النار في الهواء أو على الجدران ، ورمى بعضهم قنابل في أفنية البيوت وأذاعوا بواسطة مكبرات الصوت أمرا قاطعا بالخروج والتجمع في ساحة البلدة أو على مدخلها ( مخرجها ) والاستعداد للرحيل في حراسة المسلحين المقنعين ومواكبة آليات مدرعة " ، ( 11 ) .
ووسط القمع والتنكيل بالصفع والضرب بالأيدي والشتم والرفس بالأقدام تارة والضرب بأعقاب البنادق- الكلاشن كوف - تارة والطرح على الأرض تارة ثالثة ، يتم تهجير ثلاثة أجيال من الكوسوفييين المسلمين : الجد والابن والحفيد ، ذكورا وإناثا ، " فيأمر الصرب الجماعة ، المجتمعة من العائلات بالتفرق فريقين : واحد من الذكور الفتيان والشبان والرجال ، وآخر من النساء والأولاد والرجال المسنين ، فإذا خرج الذكور من الجماعة أمر المسلحون الباقين بالمشي والترك واستبقوا الرجال ورائهم ، حتى إذا مشت النساء والأولاد والمسنين وخلفت ورائها فتيانها وشبانها ورجالها منبطحين على بطونهم ومعقودي اليدين وراء رقابهم ووجوههم إلى الأرض ، دوت في أسماع الراحلين أصوات انفجار الرصاص .. فعلموا أن بعض الرجال قتلوا ترويعا وتمثيلا وشبهة – بعلاقة بجيش تحرير كوسوفو وأيقنوا أن اللحظات التي كانوا فيها للتو قد تكون آخر أوقات اجتماعهم ، ومعظم أفواج المهجرين والمرحلين وصلوا إلى ملاجئهم الألبانية والمقدونية والمونتينيغرية من غير رجال . وأحصت منظمات الرعاية والإغاثة نقصا في عدد الوافدين من كوسوفو يبلغ 15 % من متوسط العدد الإجمالي الأصلي وهي نسبة الذكور البالغين بين 15 سنة و45 سنة " ، ( 12 )
وتستمر رحلة التهجير من الوطن ، من كوسوفو ، إلى المخيمات المعدة لإيواء المهجرين ما بين ثلاثة أيام إلى الأسبوع أو الأسبوعين وذلك حسب وسيلة النقل المتوفرة للهرب من جحيم الحرب والقتل والتدمير والترويع والفقر والجوع و .. و .. الخ . وتتنوع وسائل النقل لتشمل السير مشيا على الأقدام أو التنقل عبر الجرارات الزراعية أو السيارات المتوفرة ....

ترويع صربي أثناء التهجير

تعددت أساليب الصرب في إرهاب وتخويف وترويع المهجرين المسلمين من كوسوفا فشملت القتل والاعتقال والفتك بالمال والمتاع والنساء أثناء ترحيلهم إما من قبل جنود الحواجز الثابتة أو المواكبة المسلحة من العصابات المسلحة والقوات النظامية : " وإذا احتاجوا إلى اتقاء قصف الطيران الأطلسي والى توريط الحلفاء في قصف مرفق عسكري يلبسونه لباسا مدنيا أو " درعا بشرية " على ما حصل في كوريتشا .. كما إن للحواجز " خوة " الحراسة . وهذه " الخوة " على أنواع : فهي تارة بعض المتاع الذي نجا من المصادرة ، وهي تارة ثانية صبية جميلة لم ينتبه المسلحون لها في أول الأمر ، وهي تارة ثالثة طعام قليل نجح المهجرون في إخفائه " ، ( 13 ) .
وقد عملت القوات الصربية على احتجاز عشرات آلاف من ألبان كوسوفا المسلمين في " معسكرات اعتقال جماعية " فمثلا نقلت صحيفة " صنداي تلغراف " اللندنية البريطانية أن قوات حلف الأطلسي عثرت على 60 ألف لاجئ كوسوفيين في خمس قرى كوسوفيه أحرقت هي : ( سايكوفاتش ، دوموتش ، سوركيتش ، سفيتشل وسيكيراتشا ) قرب بودوييفو شمالي كوسوفا ، جمعتهم القوات الصليبية العنصرية الصربية من مخابئ جبلية في أواسط نيسان 1999 لاستخدامهم كدروع بشرية إذا شنت القوات الأطلسية هجوما بريا ، وقد طوقت هذه المعسكرات الجماعية بالدبابات والجنود الصرب وأي شخص يحاول الهرب تطلق عليه النار فورا ( 14 ) .
وفي مخيم كوكيس بألبانيا لإيواء المهجرين المسلمين من إقليم كوسوفو ، وصف عدد من الأسرى الرجال الذين أفرجت السلطات الصربية عنهم من سجن سمريكونيتشا في أواخر شهر أيار 1999 بعد احتجازهم لمدة نحو شهرين منذ آذار 1999 ، بآنهم تعرضوا لعمليات ضرب يومية من قبل الصرب على الأيدي أو الكلى أو الركب وان ما بين 5 – 20 رجلا من أسرى كوسوفو المسلمين كانوا يفقدون الوعي أو يصابون بجروح خطيرة يوميا في السجن على مدى عدة أسابيع للاشتباه بأنهم أعضاء في " جيش تحرير كوسوفو" ، مع العلم انه لم تكن هناك أدلة بأنهم أعضاء في هذا الجيش الكوسوفي ، وقد " بدا عليهم الهزال والألم والشعور بالصدمة " ، ( 15 ) .
وأفاد احد الأسرى من بلدة ميتروفيتشا وسط كوسوفو الذي اعتقل مع مجموعة كبيرة ( تضم 583 رجلا ) من اللاجئين في أواسط نيسان 1999 وأفرج عنه في أيار من السجون الصربية ويدعى ( فيتيم سيلا ، 24 عاما ) انه كان من الضعف بحيث لم يستطع رفع حتى خمسة كغم ، وقال : " كنت سعيد الحظ ، ضربت على اليدين فقط بين ( 70 – 100 مرة ) واجبر آخرون على التقاتل بعضهم مع بعض ، أعطوهم عصي مكانس وطلبوا منهم أن يتقاتلوا " ، ( 16 ) .
ويبدو أن السلطات الصربية كانت تتعمد الإفراج عن عشرات الأسرى بين الحين والآخر ، للإيحاء بان الأسرى والمعتقلين المسلمين من كوسوفا الذين يتم احتجازهم في السجون الصربية يتم إطلاق سراحهم لاحقا وأنهم لا يقتلون ، والحقيقة إن عمليات قتل الرجال المسلمين من كوسوفو كانت تتم بالجملة وبالمفرق، وفي بعض الأحيان ، على مرأى من ذويهم كما أفاد العديد من اللاجئين المهجرين من إقليم كوسوفو المنكوب بالوحشية والعنجهية الصربية الإرهابية .
وعقب روبرت كولفيل المتحدث باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مخيم كوكيس بالبانيا ، على إطلاق سراح مجموعة كبيرة من أسرى كوسوفو في أيار 1999 ضمت 583 أسيرا خرجت من بلدة ميتروفيتشا في أواسط نيسان 1999 قائلا : " تلك كانت أسوأ مجموعة من الناحية البدنية شاهدناها منذ فترة طويلة .. إنهم أفرج عنهم من السجن ... وجدنا قليلا منهم مصابا بكسور واحدهم كان مصابا بكسر في قدمه ، كانوا يعانون من الصدمة والذهول .. بعضهم كان يعاني من مشاكل في المعدة عندما قدمت لهم وجبة في ساعة متأخرة .. هؤلاء الرجال كانوا يطعمون بالخبز والبيض ولكنهم كانوا لا يحصلون على طعام لفترات قد تصل إلى ثلاثة أيام أثناء سجنهم " ، ( 17 ) .
من جهتها ، منظمة المعونات " أطباء بلا حدود " أكدت أن هناك شواهد طبية تدل على عمليات الضرب التي تحدث عنها اللاجئون المعتقلون الذين أطلق سراحهم في أيار 1999 .


أعداد المهجرين من كوسوفا

التهجير لمسلمي كوسوفو إتخذ نمطين أو شكلين أساسيين هما :
الأول : تهجير داخلي : حيث بقي المهجرون داخل مناطق إقليم كوسوفو وبلغ عددهم أكثر من 700 ألف شخص ، مع ما يرافق من عذاب وتشرد وغربة في الوطن ذاته بسبب القمع العسكري والنفسي والاقتصادي الصربي .
الثاني : تهجير خارجي : خارج إقليم كوسوفا ، وهو التهجير الأكثر شمولا وفظاعة ، إذ بين ليلة وضحاها يصبح الإنسان الكوسوفي خارج وطنه دون ذنب اقترفه ، بفعل عمليات الإرهاب الصربية العنصرية .
على أي حال ، بلغ عدد المهجرين من كوسوفا منذ بداية عمليات التطهير العرقي ضد المسلمين والكاثوليك وفق بعض الإحصاءات الدولية نحو مليون إنسان والبعض الآخر قدر عدد اللاجئين بنحو ( 940 ألف شخص ) توجهوا إلى عدة مخيمات خارج كوسوفو إقيمت خصيصا لاستقبال هذه الأفواج أو الأمواج البشرية المهجرة ، على النحو التالي :
= 440 ألف هجروا إلى ألبانيا وخاصة في المخيمات الشمالية ، أما المخيمات الجنوبية الألبانية فان المهجرين في معظمهم رفضوا التوجه لها بانتظار بقية أهلهم للحاق بهم .
= 240 ألف توجهوا باتجاه مقدونيا ( وهي محطة تسفير وترحيل ) للاجئي كوسوفا ، وفي مقدونيا البالغ عدد سكانها نحو 2.2 مليون نسمة منهم جالية ألبانية يقدر عددها ربع عدد إجمالي السكان هناك ، ويتم هنا استقبال المهجرين بشروط جافة الأمر الذي اضطر نحو 40 ألفا إلى ترك مقدونيا ثم توجهوا إلى قارتي استراليا وأمريكيا الشمالية وبعض البلدان الأوروبية مثل ألمانيا حسب إحصاءات شبه دقيقة حتى أواسط شهر أيار 1999 .
= 124 ألف نسمة هجروا إلى قارة أوروبا ومعظمهم استقر في ألمانيا .
= 64 ألف نسمة هجروا إلى الجبل الأسود أو مونتينيغرو من خلال سهولة المرور ورشوة حرس الحدود الصربي للقدوم إلى هذه المنطقة .
= 18 ألف نسمة توجهوا إلى البوسنة والهرسك ، وهم مجبرين مع العلم أن كثيرا من أهالي البوسنة المهجرين لم يتمكنوا من العودة لبلادهم بفعل الأعمال الإجرامية الصربية السابقة ضدهم .
= 170 ألف نسمة هجروا إلى بلغاريا ورومانيا وتركيا واليونان .

وقد أعلنت الولايات المتحدة على لسان نائب الرئيس الأميركي آل غور آنذاك عن استعدادها لاستقبال عشرين ألفا من لاجئي ألبان كوسوفو : " سنستقبل على الأراضي الأميركية ما يصل إلى 20 ألفا من لاجئي كوسوفو المشردين ممن تربطهم صلات قرابة وثيقة بمواطنين في أمريكا والمعرضين للخطر بشكل خاص ... لكن هذه الخطة ألغيت بعد أن أثارت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وهيئات أخرى شكوكا فيها قائلة إن ألبان كوسوفو سيعانون من العزلة في مكان يبعد 9600 كم عن موطنهم " ، ( 18 ) .
على أي حال ، إن أعداد اللاجئين من كوسوفا اخذ يتصاعد شيئا فشيئا ، في تلك الحقبة من الزمن ، بنهاية القرن العشرين المنصرم ، اثر تزايد الحملات العنصرية التطهيرية ضد شعب كوسوفا ، وذكرت الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين والنازحين من كوسوفا إلى البلدان المجاورة ومنتينغرو خلال ثلاثين يوما بين أواسط شهري آذار ونيسان 1999 ارتفع من مائة ألف إلى أكثر من 600 ألف لاجئ كوسوفي ، حيث طلبت الوكالات الإنسانية 625 مليون دولار لمساعدة 1.25 مليون لاجئ من كوسوفا .

حياة المهجرين الكوسوفيين في المخيمات

المهجرون الكوسوفييون كانوا يحاولون عند إجبارهم على الرحيل عن مدنهم وبلداتهم وقراهم من قبل القوات الصربية النظامية وغير النظامية الوحشية ، أن يحملوا من الأمتعة والأغراض الشخصية والأموال المنقولة غير الثابتة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ليقتاتوا بها أثناء رحلة العذاب والدمار التي لم تكن متوقعة في يوم من الأيام أو أثناء استقرارهم في بلاد المنافي هنا أو هناك ، إلا أن السواد الأعظم منهم لم يتمكن من نقل إلا أمتعة قليلة وخفيفة الوزن لعدم توفر وسائل النقل من الشاحنات أو السيارات أو الجرارات الزراعية ، وأصبح هم الإنسان الكوسوفي أن ينجو بنفسه وأهله وعرضه بالدرجة الأولى وهي حاجة إنسانية غريزية وهي حب البقاء وتفضيل النفس على المتاع والممتلكات المنقولة والثابتة كالعقارات . وكم كان الكوسوفيون يترددون في اجتياز رحلة العذاب مفضلين الموت في وطنهم على الرحيل المجهول الزمان والمكان .
هذا ، وكان يتلقى المهجرون في ألبانيا معونات غذائية ومالية بصورة رسمية أو أهلية ويسكن نحو 40 % من هؤلاء المهجرين في بيوت ، والباقي من المهجرين في البلدان المجاورة لكوسوفو يعيشون في خيم عائلية ، طول الواحدة منها عبارة عن ثلاثة أمتار أو أوسع قليلا في ظل ظروف معيشية متقلبة غير مستقرة ، قاهرة وبائسة وسط انتشار الأمراض الطارئة والمعدية أو المزمنة بالإضافة إلى الحالة النفسية المتوترة التي يحياها المهجرون . فالأطفال ينتظرون الأب أو الجد أو الأم والفتاة تنتظر الأخ أو الأب أو كليهما والمرأة تنتظر عودة زوجها أو أبيها أو أخيها بفارغ الصبر ... و .. ولسان حالهم يقول لماذا نحن هنا مشردون ؟ ماذا ارتكبنا ؟ ومتى سنعود إلى وطننا كوسوفا ؟ ومتى نرى الأحبة من الأهل والأصدقاء ؟ لقد أصبحنا في وضع بائس وبئيس لا نحسد عليه من المأوى والمأكل والمشرب والحياة العامة الضنكى .. الخ ، إنها ظروف مأساوية بكل ما في الكلمة من معنى ، فالمشاهد – إذا كان من ذوي الضمائر الحية - لصور هذه المخيمات التي توصف عادة بأنها سجون محاطة من جميع الجهات الأربع ، بأسلاك شائكة ، لهذه الجالية المسلمة التي هجرت ورحلت بالعنف والجبروت ، وشريعة الغاب ، لا يملك إلا أن تذرف عيناه الدموع وبغزارة جراء سياسة التطهير العرقي الصربية العنصرية المحمومة ضد المسلمين في هذه البقعة من بقاع هذا العالم التي يتفرج وينظر بأم عينية إلى الجرائم البشعة التي شابهت وماثلت بل فاقت العنصرية الفاشية والنازية في أوروبا في بداية العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين واختتمتها القوات الصربية بجرائم يندى لها الجبين في أواخر العقد التاسع من القرن العشرين ، وعلى أبواب الألفية الثانية ، وكأنها هدية عنصرية من الصرب العرقيين .
وكانت الناطقة بإسم الأمم المتحدة تيريز غاستو قالت : " إن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة طلبت أموالا إضافية للاجئين والنازحين من كوسوفو إلى ألبانيا ومقدونيا ومنتينيغرو والبوسنة نظرا للتدهور السريع في للوضع في الإقليم ( الصربي ) ، وتشير التقديرات إلى احتمال أن يبلغ عدد اللاجئين والنازحين 950 ألفا قبل 30 حزيران ( 1999 ) ... وقد طلبت من الدول المانحة 625 مليون دولار للنصف الأول من العام بعدما كانت طلبت في كانون الأول الماضي 359 مليون دولار . وتبلغ قيمة المساهمات والأموال التي تم التعهد بدفعها الآن 180 مليون دولار أي اقل بنسبة 30 % من الملايين إلى 625 المطلوبة " ، ( 19 ) .
على أي حال ، ان المعونات الغذائية والطبية المحلية والدولية : العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية وسواها ، وان كانت لا تفي بالغرض المطلوب لغاية تلك الفترة لكثرة عدد المهجرين إلا أنها ساهمت إلى حد ما في التخفيف عن أناس نكبوا بوطنهم وهجروا من ديارهم بالحد الأدنى ولكن ليس للجميع . وليس ذلك كان هو المطلوب فقط إنما كان المطلوب العمل الحثيث على تنفيذ الحل الجذري المتمثل في الرجوع إلى الوطن أولا والتمكن من الحياة بعزة وكرامة ثانيا وسط قانون يحفظ للإنسان حقه في الحياة الكريمة والعمل وتلقى العلم وفق مبادئ العدالة الاجتماعية وبعيدا عن التطرف والعنصرية الصربية النتنة . وبصورة مؤقتة كان لا بد من مضاعفة الاهتمام الدولي وخاصة العربي والإسلامي بإغاثة هؤلاء المنكوبين كشريحة من شرائح الأمة المسلمة ، ونصرة الحق بشتى السبل والطرق التي تضمن مستقبلا العودة لهم . كما إن الحرب التي دارت رحاها في البلقان لا بد من وضع حد لها لأنها تضر بمصلحة أهالي كوسوفا وساهمت بتهجيرهم كما ساهمت بذلك السياسية العنصرية الصربية على حد سواء .

التدخل العسكري الغربي ضد يوغوسلافيا

بعد فشل مفاوضات رامبوييه الفرنسية بين اليوغسلافيين وممثلي كوسوفا بحضور رعاة المفاوضات بين الجانبين والذين ضموا ممثلين عن مجموعة الاتصال من : الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وايطاليا وروسيا برفض الصرب واليوغسلافيين " ميلوسيفيتش" ( منح إقليم كوسوفا حكما ذاتيا لمدة ثلاث سنوات يصار بعدها إلى تقرير مصيره عبر مفاوضات سياسية ونزع سلاح الميليشيات الصربية في كوسوفو وسلاح جيش تحرير كوسوفو وتمركز قوات عسكرية من بلدان المجموعة في كوسوفو ) ، وموافقة بعض ممثلي شعب كوسوفا على هذه الخطة التي لا تلبي الطموحات الحقيقة لشعب كوسوفا المتمثلة في الاستقلال الناجز عن يوغوسلافيا بعامة وصربيا بخاصة ، وإعلان ( دولة أو جمهوريا كوسوفا ) وإثر انتهاء المهلة الأطلسية المحددة ليوغوسلافيا للموافقة على خطة السلام الغربية ، 24 آذار عام 1999 لجأ حلف الأطلسي إلى شن عدة أشكال وأنواع من الحرب على يوغوسلافيا ، ولم يتم استبعاد أي خيار ، من الحرب والسلم ، ليس حبا في شعب كوسوفا بل لتقسيم البلقان ، لدويلات صغيرة وتفتيت يوغوسلافيا السابقة باعتبارها مناوئة لحلف شمال الأطلسي ، وتزعمت دول عدم الإنحياز مع دول عربية وإسلامية ، ومن هذه الأشكال والأنواع :
1. غارات جوية : شملت قصف وتدمير منشآت عسكرية واقتصادية يوغوسلافية : " مدرعات ومرابض مدفعية في كوسوفو ومحطة كهربائية بالقرب من بلغراد .. ومخازن للشرطة الصربية ... وعدد من مواقع تخزين المحروقات والذخائر .. ومحطات للإذاعة والتلفزيون " . وخلال شهرين من القصف الجوي الأطلسي المكثف من ( 24 آذار – 24 أيار 1999 ) شنت قوات حلف الأطلسي نحو 25 ألف طلعة جوية ضد يوغوسلافيا . وقال جايمي شي الناطق باسم الحلف الأطلسي ( الذي يضم 19 دولة ) بعد مرور شهرين على العمليات الجوية ضد يوغوسلافيا : " إن الحلف دمر في ستين يوما من الضربات على يوغوسلافيا ثلث الأسلحة الثقيلة للجيش اليوغوسلافي وأكثر من مائة طائرة لسلاح الجو التابع له ( تمثل حوالي نصف الطائرات اليوغوسلافية الأمامية ) ... وأن 75 % من المواقع الثابتة للصواريخ أرض جو تم تعطيلها .. الحلف دمر 550 قطعة عسكرية مهمة " ، ( 20 ) .
وقد حاولت عمليات القصف الجوية الغربية تدمير مقر ميلوسيفيتش في بلغراد لقطع رأس النظام ، حيث تعرض مقر الرئاسة إلى تصدع كبير في الجدران واقتلاع أشجار في حديقة المقر ، ألا أن الرئيس اليوغسلافي لم يكن بالمقر ساعة القصف . وقال الناطق باسم وزارة الحرب الأميركية ( البنتاغون ) كينيث بايكون : " إننا لا نستهدف الرئيس ميلوسوفيتش أو الشعب الصربي ... إننا نستهدف الجنود والبنى التحتية العسكرية التي تدعم أدوات القمع في كوسوفو .. انه هجوم على الطرفين : الرأس والقاعدة " ، ( 21 ) . واعتبر الحلفاء أن إستراتيجية القتال الجوي ضد يوغوسلافيا- رغم تكبد بعض الخسائر المالية والأسلحة والطائرات الاستطلاعية - قد نجحت لأنها تحظى " بدعم واسع من الحلف " وتبقى أفضل سياسة للاحتفاظ " بعلاقة ايجابية مع روسيا " ، ( 22 ) .
2. تدريب ثوار ألبان للقيام بعمليات تخريب ضد المواقع اليوغوسلافية ، وقد منح بيل كلينتون لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( سي آي إيه ) تفويضا ماليا لتمويل تدريب الثوار الألبان ضد الصرب مثل قطع خطوط الهاتف وتفجير منشآت أو تخريب مستودعات للوقود( 23 ) .
3. شن حرب الكترونية على شبكة الانترنت : بهدف التلاعب بالحسابات المصرفية للرئيس اليوغسلافي " سلوبودان ميلوسيفتش " المودعة بالعملة الصعبة في البنوك الأجنبية . وقد ذكرت مصادر إعلامية أمريكية : " ذكرت مجلة نيوز ويك الإخبارية الأمريكية إن الرئيس الأميركي بيل كلينتون وافق على تنفيذ عمليات تخريب ضد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفتش ... كان من المقرر تدريب ثوار من الألبان العرقيين للقيام بعمليات تخريب في الوقت الذي تستخدم فيه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قراصنة كمبيوتر لشن حرب الكترونية على شبكة الانترنت تشمل التلاعب بالحسابات المصرفية لميلوسيفيتش التي يودعها بالعملة الصعبة في بنوك أجنبية " ، ( 24 ) . وبالفعل أعلن البيت الأبيض الأمريكي أن بيل كلينتون وقع قانونا للنفقات الطارئة بقيمة 15 مليار دولار لتمويل العمليات الحربية في كوسوفو في 22 أيار 1999 ( 25) .
4. السعي لإرسال قوات برية إلى كوسوفو : وأطلق حلف الأطلسي على وسائل أو طرق الحرب الأخرى ( خيارات عسكرية أخرى ) وخططوا لإرسال نحو خمسين ألف جندي من الحلف الأطلسي وروسيا إلى حدود كوسوفو " كقوة سلام " لحفظ ما يسمى بالأمن والأمان لأهل كوسوفو إلا أن خيار إرسال قوات برية اعتبر خيارا صعبا كما وصفه الأميركيون .
5. التحركات الدبلوماسية : كمحاولة لقطف الثمار السياسية من خلال القصف العسكري .

أهداف الحملة الغربية على يوغوسلافيا

إن أهداف وغايات الحملة العسكرية الغربية من قوات حلف الأطلسي على يوغوسلافيا التي بدأت منذ نهاية آذار عام 1999 شملت جملة أهداف عامة وخاصة ، دولية وقارية وإقليمية : إستراتيجية وعسكرية واقتصادية وإيديولوجية وسياسية ، وهي في مجملها تعمل على إثارة الرعب في الساحة الدولية بان الولايات المتحدة أولا والغرب ثانيا هو الآمر الناهي في العالم في هذه المرحلة من التاريخ المعاصر ، واهم هذه الأهداف والغايات ما يلي :
1. الهدف الاستراتيجي : وينقسم إلى جناحين : الأول : التفرد الغربي وخاصة الأمريكي في السيطرة على البلقان : وتحمل هذه الأهداف في طياتها استبعاد روسيا وتقليل تأثيرها في أوروبا القريبة من الحدود الروسية وتحجيم علاقاتها بيوغوسلافيا ، واستمرار النهج في تقليل التأثير الروسي في كافة بقاع العالم وتحييدها . فأوروبا مجال حيوي للولايات المتحدة . عن ذلك قال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون : " إن عودة اللاجئين ضرورية لاستقرار البلقان .. إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يجب أن يفعلا في أوروبا الجنوبية ما فعلناه لأوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ولأوروبا الوسطى بعد الحرب الباردة " ( 26 ) . والثاني : إيصال رسالة إلى الأوروبيين الذين يحاولون إقامة الاتحاد الأوروبي أن الولايات المتحدة هي الدولة العظمى الأولى في العالم وأنها تأتي من أقصى الغرب لتضرب الأهداف المعادية في قارة أوروبا .
2. الهدف السياسي : التخلص من بقايا معسكر ( دول عدم الانحياز ) السابق وإظهار أن دول حلف شمال الأطلسي هي المدافعة عن حقوق الأقليات والدعوة إلى إتباع ما يسمى بالنظام الديموقراطي في العالم وفق المنظور الغربي بعامة والمنظور الأمريكي بخاصة ، والتخلص من القوة العسكرية والاقتصادية اليوغوسلافية التي كانت إحدى الدول الرئيسية في إنشاء دول عدم الانحياز أو الحياد الايجابي في العالم والتي تشكل عقبة أمام تنفيذ السياسة الأمريكية ( ذات القطب الواحد ) .
3. الهدف العسكري : وهو على قسمين : القسم الأول ويتمثل في استكمال تجريب الأسلحة الغربية الحديثة على ارض الواقع مثل قنابل الكربون الأسود " الغرافيت التي تشل عمل المحطات الكهربائية دون تدميرها " وغيرها من الأسلحة المخترعة والمصنعة حديثا في المصانع الغربية عامة والأمريكية خاصة وتدريب الجنود والطيارين والمهندسين وطواقم الحرب الأخرى بصورة فعلية بالذخيرة الحية ، كما حدث مع العراق ، والتخلص من بقايا أسلحة الترسانة العسكرية الأمريكية والأوروبية ( أعلنت ايطاليا عن قلقها من إلقاء قوات الأطلسي ذخائر تالفة في البحر الادرياتيكي بالقرب من مياهها الإقليمية ) من المخازن الغربية بفواتير مالية متعددة : عربية وإسلامية وسواها . والقسم الثاني يتمثل في كسب ود الناخب الأمريكي في الولايات المتحدة وخاصة أصحاب المصانع العسكرية في الانتخابات القادمة .
4. الهدف الاقتصادي : جذب المعونات الاقتصادية لتنفيذ السياسة العامة الأمريكية .
5. الهدف المحلي – الإقليمي الأوروبي : الحيلولة دون ظهور دولة جديدة من خلال الثورات مثل ثورة كوسوفو " جيش تحرير كوسوفو " وتهديد القارة الأوروبية والتذرع بحماية الأقلية الألبانية في كوسوفا . ولم تسلم مواقع جيش تحرير كوسوفو على بعد 10كم من الحدود مع ألبانيا من قصف الغارات الجوية الأطلسية بدعوى " الخطأ " بسبب سوء الأحوال الجوية أو أن تلك المواقع للجيش اليوغوسلافي سابقا ، فمثلا ، سقط سبعة قتلى في صفوف الثوار الألبان في بلدة كوشاري في 22 أيار 1999 واعترف جايمي شي المتحدث باسم حلف الأطلسي انه " بالفعل ضربنا مركزا قياديا حدوديا كان إلى وقت قصير تحت سيطرة الجيش اليوغوسلافي ، يبدو أن جيش تحرير كوسوفو استعاد السيطرة عليه " . وأثناء قصف يوغوسلافيا حدثت الكثير من الأخطاء في تحديد المواقع وبالرغم من ذلك ، ادعى جيمس روبن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية : " أن الحملة الجوية كما نراها تمثل أدق استخدام انتقائي في التاريخ " زاعما أن قنبلة واحدة فقط أخطأت هدفها من مجموع عشرة آلاف أطلقت على يوغوسلافيا " وقال :" إن ذلك يعني إن نسبة الخطأ لم تتعد 0.12 % " .
والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، فالسياسة الأمريكية ساعدت الثورة الإسلامية الأفغانية للقضاء على نفوذ الإمبراطورية السوفياتية السابقة في أفغانستان ليس حبا في الثورة الأفغانية وإنما بهدف إزالة النفوذ الروسي من قارة آسيا وخاصة أن أفغانستان كانت موقعا متقدما للسوفيات في تلك المنطقة . وهنا تأتي المساعدة لألبان كوسوفا ليس حبا من الغرب في ألبان كوسوفا ولكن لاستمرار محاصرة النفوذ الروسي في أوروبا وتحجيمه قدر المستطاع بشتى الطرق والقضاء على كل من يرفع يده ويقول لا للسياسة الوحشية الأمريكية الشريرة بغض النظر من كان عربيا أو مسلما أو أعجميا أو غربيا . ونحن لسنا بهذا الصدد بتحليل السياسة الأمريكية القارية والعالمية ، بل نحن معنيون كمسلمين وعرب أن يعود أهالي كوسوفو إلى ديارهم التي هجروا منها آمنين مطمئنين ، وان يتمكنوا من إقامة دولتهم المستقلة إن شاء الله تبارك وتعالى .
وعن هدف الحملة الغربية على كوسوفا يقول عرفات حجازي : " ولا شك إن الإدارة الأميركية تخطط لضرب الإسلام والمسلمين في كل مكان ويكفي للتدليل على ذلك هو ملاحظة أن ميلوسيفيتش استطاع أن يحقق أكبر أهدافه وهو تهجير مسلمي كوسوفو .. في ظل الحرب الأميركية التي لم تحاول مطلقا وقف عملية التهجير لان الولايات المتحدة تهدف من عدوانها السيطرة على القوة العسكرية المتمردة للصرب ... أما الهدف الآخر فهو تشريد المسلمين حتى لا يبقوا أكثرية في أي بلد خشية من محاولة إقامة الدولة الإسلامية التي تحاربها الولايات المتحدة بكل شراسة في شتى أنحاء العالم ( 27 ) .

خطة السلام الدولية في كوسوفا

بعد مداولات واخذ ورد ومفاوضات مضنية سرية وعلنية تمت بين يوغوسلافيا من جهة ومجموعة الدول الأطلسية من جهة ( مجموعة الثماني ) ووساطة وتدخل روسيا تم الاتفاق على إحلال ( السلام ) في كوسوفا ، فتوصل وزراء خارجية مجموعة الثماني الذين اجتمعوا في مدينة كولونيا الألمانية نقلت وكالة الصحافة الفرنسية الفقرات الرئيسية من خطة السلام في كوسوفا وافقت عليه بلغراد وذلك حسب ترجمة صاغتها وكالة الصحافة الفرنسية عن اللغة الصربية ، وفيما يلي أهم هذه النقاط ( 28 ) :
1. " وقف فوري وقابل للتحقق لعمليات العنف والقمع في كوسوفو .
2. سحب قابل للتحقق لجميع القوات العسكرية وشبه العسكرية والشرطة من كوسوفو وفق جدول زمني سريع ، ويحدد الاتفاق سبعة أيام لإنهاء الانسحاب و48 ساعة لسحب المدفعية المضادة للطائرات من منطقة أمنية محددة .
3. نشر وجود دولي فاعل مدني وأمني في كوسوفو يحدد بمدة عام المهلة الأصلية تحت رعاية الأمم المتحدة يعمل وفق قرارات تتخذ استنادا إلى الفصل السابع من شرعية الأمم المتحدة ويكون قادرا على تحقيق الأهداف المشتركة .
4. يجب أن يكون الوجود الدولي الأمني الذي سيتم بمشاركة أساسية للحلف الأطلسي تحت قيادة ورقابة موحدتين لكنه يسمح للدول الأعضاء والمنظمات الدولية المناسبة ويسمح له بإقامة بيئة آمنة لمجمل السكان في كوسوفو وبتسهيل عودة جميع اللاجئين والنازحين إلى منازلهم بأمان .
5. إقامة إدارة مؤقتة لكوسوفو باسم الأمين العام للأمم المتحدة وبمساعدة المنظمات الدولية المناسبة ، كجزء من الوجود الدولي المدني يقرها مجلس الأمن الدولي ويمكن لشعب كوسوفو في ظلها أن يتمتع بحكم ذاتي جوهري واسع داخل جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وتسهيل انتقال إقليم كوسوفا إلى الحكم الذاتي بعد إجراء انتخابات .
6. بعد الانسحاب سيسمح لعدد يتفق عليه من الموظفين اليوغسلاف والصرب بالعودة إلى كوسوفو للقيام بالمهمات التالية : ( تأمين الارتباط مع البعثة المدنية الدولية والوجود الأمني الدولي ) ، تحديد الحقول المزروعة بالألغام ، تأمين وجود في أماكن التراث الصربي ، تامين وجود على المعابر الحدودية الرئيسية ) مع ملاحظة أن عودة هؤلاء الموظفين ستتم ( تحت إشراف الوجود الدولي الأمني كما سيكون عددهم محدودا ومتفقا عليه ، بالمئات وليس بالآلاف .
7. عودة جميع اللاجئين والنازحين بأمان وحرية تحت إشراف المفوضية العليا للاجئين وإمكانية دخول جميع المنظمات الإنسانية إلى كوسوفو من دون عراقيل ، وتعاون جميع الأطراف بمن فيهم الوجود الدولي الأمني مع محكمة لاهاي الدولية .
8. البدء بعملية سياسية تهدف إلى إبرام اتفاق – إطار سياسي انتقالي يضمن إدارة ذاتية واسعة الصلاحيات في كوسوفو مع الأخذ بالاعتبار اتفاق رامبوييه ومبادئ سيادة وسلامة أراضي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وباقي دول المنطقة فضلا عن نزع السلاح من جيش تحرير كوسوفو ، يجب على المفاوضات بين الأطراف العمل لإيجاد حل لا تؤخر أو تعيق إقامة مؤسسات ديموقراطية للإدارة الذاتية .
9. معالجة شاملة لمسألتي التنمية الاقتصادية والاستقرار في المنطقة وهذا ما يتضمن تطبيق ميثاق الاستقرار لجنوب شرق أوروبا مع مشاركة دولية واسعة لتشجيع الديموقراطية والازدهار الاقتصادي والاستقرار والتعاون الإقليمي .
10. ولوقف النشاطات العسكرية من المفترض أن تتم الموافقة على المبادئ المذكورة أعلاه وتطبيق العناصر الأخرى المطلوبة ( ملاحظة : تعلق جميع الأنشطة العسكرية بعد بدء الانسحاب القابل للتحقق ) ، وبعد ذلك ، سيتم بسرعة التوصل إلى اتفاق عسكري وفني يوضح بشكل خاص الترتيبات الإضافية بما فيها دور وعمل الموظفين اليوغسلاف والصرب في كوسوفو " .


الوضع في كوسوفا بعد وقف القصف الجوي الغربي

اثر توقيع اتفاقية السلام بين اليوغسلافيين وحلف شمال الأطلسي ، اعتبرت " الصحافة الصربية الرسمية أن قبول بلغراد خطة السلام الدولية انتصارا في حين تؤكد وسائل الإعلام الأجنبية أنها هزيمة للصرب " . هذا في حين أن الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفتش كان يعد الصربيين بأنه لن يتخلى عن كوسوفا بأي ثمن ولن يوافق على وجود قوات أجنبية على أرض يوغسلافيا .
على أي حال ، تم إنزال وتدفق الآلاف من القوات الأطلسية والروسية في كوسوفا لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين اليوغسلافي وحلف شمال الأطلسي الغربي ( خطة السلام الدولية ) ، والتي قدرت بنحو 50 ألف جندي من مختلف الجنسيات . وبعد وقف عمليات القصف الجوي الأطلسي على كوسوفا ويوغسلافيا بدأت تلوح في الأفق عدة معطيات جديدة وهي :
1. انسحاب القوات الصربية من كوسوفا .
2. حدوث بلبلة كبيرة في صفوف صرب كوسوفا من مصيرهم القادم ، هل هو البقاء في الحكم الذاتي أو الاندماج بصربيا أو البقاء في الوضع الراهن أو الاستقلال الوطني .
3. إنزال عشرات الآلاف من القوات البرية الأطلسية والروسية إلى كوسوفا .
4. عودة الآلاف من النازحين واللاجئين من المهجرين داخل كوسوفا ذاتها أو من المهجرين قسريا إلى البلاد المجاورة فاخذ هؤلاء اللاجئون والنازحون يشدون أمتعتهم وهجر المخيمات الطارئة لهم ، والعودة إلى قراهم ومدنهم في أرض الوطن .
5. بروز عمليات المقاومة الوطنية الكوسوفية للجيوب الصربية في كوسوفا سواء من الأهالي أو من أفراد جيش تحرير كوسوفو انتقاما لمقتل ذويهم من الآباء والأمهات والأبناء والزوجات وغيرهم ، ففي 5 حزيران 1999 شن بعض الثوار من مقاتلي جيش تحرير كوسوفا هجوما بالأسلحة الرشاشة ضد حافلة صربية في منطقة بوديجيفو على بعد 6 كم شمال مدينة بريشتينا عاصمة كوسوفا مما أدى جرح عدة صربيين .

الإنزال البري في كوسوفا

لقد زار ممثل الأمم المتحدة كوفي عنان بعض المخيمات المنصوبة للاجئي كوسوفا في جمهورية مقدونيا القريبة من كوسوفا ( التابعة سابقا للاتحاد اليوغسلافي ) ومكث يومين للاطلاع عن كثب على أوضاع هؤلاء اللاجئين اثر حملات التطهير العرقي الصربية ضدهم . عن دور الأمم المتحدة في كوسوفا قال كوفي عنان ، الأمين العام للأمم المتحدة : " إن الأسرة الدولية موحدة الصفوف في سعيها إلى سلام يحقق العودة الكاملة والسريعة لألبان كوسوفو إلى ديارهم آمنين مطمئنين مكرمين وان السبيل إلى بلوغ هذا السلام يحتل الآن مركز الاهتمام في مفاوضات مكثفة تشمل الحكومات الغربية الكبرى وروسيا ( الثماني الكبار ) والأمم المتحدة ... نعمل نحن في الأمم المتحدة على تكثيف جهود العون والإغاثة بكامل مداها فنحن نوسع هذا العون من حيث نطاقه وعمقه ... كما إننا نتطلع إلى المستقبل وإعادة البناء الاقتصادي في كوسوفو وعموم المنطقة ... إن أزمة كوسوفو اختبار حاسم للأسرة الدولية فهناك جهود جبارة تبذل وموارد عظيمة تكرس لهذه القضية بدرجة لم يشهد لها أي نزاع سابق في العالم مثيلا له ، ومن الواجب علينا أن نعضد شعب كوسوفو المقتلع والمعذب وان نعينه على العودة إلى دياره آمنا بأسرع ما يمكن " ( 29 ) .

الحل الجذري لقضية شعب كوسوفا


هناك عدة حلول تطرح على الساحة لحل أزمة كوسوفو ومن أبرزها حلان :
1. إسقاط ميلوسيفيتش من رئاسة السلطة بالجمهورية الاتحادية اليوغوسلافية وإتباع النظام الديموقراطي وإتاحة المجال لجميع الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها والعيش بسلام وأمان وهدوء . وهذا ما تم لاحقا .
2. إتاحة المجال لإقليم كوسوفا الاستقلال التام والتعهد بحمايته من التطرف الصربي . وهذا هو الحل الجذري الأنسب للجميع وينهي معضلة يمكن أن تتجدد في كل لحظة جراء الشوفينية المتطرفة . وأوضح الرئيس الألباني رجب ميداني ( آنذاك ) انه يؤيد التدخل البري الغربي في كوسوفا وأكد : " أنه ينبغي استبعاد تقسيم كوسوفو لأن ذلك اخطر فكرة ، .. إن استقلال الإقليم في دولة ترتبط مباشرة بأوروبا أمر ممكن وان القرار يعود للكوسوفيين " ، ( 30). وقد تم فعليا إعلان استقلا كوسوفا عام 2008 ، بعد فترة طويلة من الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي ضمن صربيا .
3. إلحاق أو دمج إقليم كوسوفو مع ألبانيا القريبة باعتبار أن السكان من أصول البانية إما على شكل اتحاد فدرالي أو كونفدرالي ، ولكن أمريكيا وأوروبا ربما لا توافق على ذلك لأنه يقوي ألبانيا ذات الطبيعة السكانية المسلمة ، والغرب يريد التفتيت لا التوحيد أصلا .
4. إعادة تطبيق الحكم الذاتي على شعب كوسوفا ، والإبقاء على تبعية كوسوفا للصرب اليوغسلافيين العنصريين ، وبقي شعب كوسوفا المسلم يعاني من ويلات الحكم الذاتي في ظل الهيمنة الصربية اللئيمة .
5. جعل إقليم كوسوفا محمية دولية : ويبدو أن النية الغربية تتجه لهذا الحل من خلال خطة السلام التي تم توقيعها في كولونيا بين ممثلي حلف الأطلسي ونظام ميلوسيفيتش بوساطة وتدخل روسي ، والنية غير موجودة لدى الولايات المتحدة لتقسم كوسوفا منذ بداية اندلاع الحرب في كوسوفا : " وكانت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت استبعدت تقسيم كوسوفو لكنها قالت إن فكرة جعل هذا الإقليم اليوغسلافي محمية دولية محل دراسة ، غير أن أولبرايت أبلغت لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب انه نظرا لأن الأماكن المقدسة للصرب ( متناثرة في أنحاء كوسوفو ) فانه من غير الممكن اعتماد تقسيم واضح ... وكررت أولبرايت معارضة حكومة بيل كلينتون لمنح كوسوفو الاستقلال وهي فكرة لاقت تأييدا في الولايات المتحدة وسط أنباء متزايدة عن فظائع الصرب في حق الأغلبية الألبانية في الإقليم " ( 31 ) .

ويرى محللون وسياسيون وإعلاميون غربيون انه من الضروري أن تؤخذ مصالح كافة الأطراف في الاعتبار عند حل قضية كوسوفا ، عن ذلك أكد يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني : " إن النزاع في كوسوفو مثال رهيب آخر لما يجري عندما تنتهك الديموقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون ... إن قضية كوسوفو يجب أن تفهم على إنها تحذير جدي بان النزاعات لا يمكن حلها على المدى الطويل إلا إذا أخذت مصالح الأطراف في الاعتبار " ، ( 32 ) .
وختاما ، فإن شعب كوسوفا ، البالغ عدده في أرض آبائه وأجداده ، أكثر من مليوني نسمة ، يعيش على مساحة جغرافية قدرها حوالي 10.877 كم2 ، بقارة أوروبا ، هو من يقرر مصيره رغم تكالب الآخرين عليه ، من القمع اليوغسلافي الصربي ، أو الوجود العسكري الأمريكي والأوروبي والروسي والغربي عموما ، فشعب كوسوفا هو صاحب الحق في إتخاذ القرار المناسب بالوقت المناسب . ومن نافلة القول ، إن أي شعب في العالم يتوق للحرية والاستقلال السياسي والاقتصادي ليتمتع بالسيادة الوطنية على أراضيه .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

==========================

المراجع

1. عفيف رزق ، " الحلول الجذرية للنزاع في كوسوفو" ، جريدة القدس – مدينة القدس – فلسطين ، 27 / 5 / 1999 ص19 .
2. ا.ف.ب ، " روغوفا يؤجل زيارته إلى مقدونيا وألبانيا " ، الحياة الجديدة ( فلسطين ) ، 23 أيار 1999 ، ص 16 .
3. المرجع السابق ، ص 16 .
4. . ا ف ب " صحيفة روسية : " شيشانيون يقاتلون مع جيش تحرير كوسوفو " ، الأيام – رام الله – فلسطين ، 9 / 6 / 1999 ص 12 عفيف رزق ، ص 19 .
5. عفيف رزق ، المرجع السابق ، ص 19 .
6. عرفات حجازي ، " الصهيونية الصربية - جرائم كوسوفو وفلسطين .. من نبع واحد " الدستور – عمان ، 17 نيسان 1999 ص 12 .
7. وضاح شرارة ، " لاجئو كوسوفو .. آلام في طريق المنافي " ، عن الحياة اللندنية ، أعادت نشره جريدة الأيام – رام الله ( فلسطين ) ، 26 أيار 1999 ، ص 17 .
8. المرجع ، ص17 .
9. كين ليفنغستون ، " ليس من خطأ إذا شبهنا ميلوسيفتش بهتلر " ، عن اندبندانت ، أعاد نشرها الدستور الأردنية – عمان ، 23 نيسان 1999 ، ص 11 .
10. وضاح شرارة ، مرجع سابق ، ص 17 .
11. المرجع السابق ، ص 17 .
12. المرجع السابق ، ص 17 .
13. رويتر ، " لاجئون ألبان من كوسوفو يتحدثون عن عمليات التنكيل التي تعرضوا لها على أيدي القوات الصربية " ، نشرتها جريدة القدس – القدس – فلسطين ، ، 24 /5 /1999 ، ص 18 .
14. رويتر ، " حلف الأطلسي يعثر على معسكرات اعتقال في كوسوفو " ، نشرتها القدس في فلسطين ، 21 / 6 / 1999 ص 12 .
15. رويتر ، لاجئون ألبان يتحدثون عن عمليات التنكيل ... " ، مرجع سابق ، ص 18 .
16. المرجع السابق ، ص 18 .
17. رويتر ، ا.ف.ب ، " كلينتون لم يعد يستبعد التدخل البري في كوسوفو : طائرات الأطلسي قامت ب 25 ألف طلعة جوية ضد يوغوسلافيا " ، نشرتها جريدة القدس ( فلسطين ) 24 / 5 / 1999 ، ص 22 .
18. وكالات الأنباء ، " واشنطن تستقبل 20 ألفا والمفوضية توقف عمليات الإجلاء " ، الدستور الأردنية 23 نيسان 1999 ص 11 .
19. وكالات الأنباء ، " الوكالات الإنسانية تطلب 625 مليون دولار لمساعدة 1.25 مليون لاجئ من كوسوفو " ، الدستور الأردنية 24 نيسان 1999 ، ص 17 .
20. رويتر . ا . ف . ب : " كلينتون لم يعد يستبعد التدخل البري في كوسوفو ، مرجع سابق ، ص 22 .
21. وكالات الأنباء : " بلغراد اعتبرتها محاولة اعتداء ضد رئيس دولة " ، الدستور الأردنية 23 نيسان 1999 ص 11 .
22. رويتر ، ا ف .ب ، كلينتون لم يعد يستبعد .. " ، مرجع سابق ، ص 22 .
23. المرجع السابق ، ص 22 .
24. ا.ف.ب ، " كلينتون يوقع قانون تمويل العمليات في كوسوفو " ، الحياة الجديدة ، 23 / 5/ 1999 ، ص 16 .
25. رويتر ، ا.ف.ب ، " كلينتون لم يعد يستبعد التدخل في كوسوفو 000 " ، مرجع سابق ، ص 22 .
26. وكالات ، " الأطلسي كثف غارته مع تحسن الأحوال الجوية ... " ، الحياة الجديدة ، رام الله – فلسطين ، 23 / 5 / 1999 ، ص 16 .
27. عرفات حجازي ، " الصهيونية الصربية ، جرائم كوسوفو وفلسطين .. من نبع واحد " ، الدستور ، عمان ، 17 نيسان 1999 ص 12 .
28. ا ف ب : الفقرات الرئيسية في خطة السلام التي وافقت عليها بلغراد في كوسوفو " الحياة الجديدة ، رام الله ، 4 / 6 /1999 ، ص 16 ، 9-6-1999 ،ص 16 .
29. كوفي عنان ، كوسوفو : سباق مع الزمن ، عن لوس أنجلوس تايمز ، أعاد نشره القدس ( فلسطين ) 30 /5 /1999 ، ص 17 .
30. ا. ف . ب : ميداني : بلغراد تريد زجنا بالحرب ، الدستور الأردنية 23 /4/ 1999 ص 11 .
31. وكالات الأنباء ، " عشية الذكرى الخمسين للتحالف الغربي : الأطلسي يراجع خطط استخدام قوات برية في كوسوفو " ، أعاد نشرها جريدة الدستور الأردنية- عمان ، 23 نيسان 1999 ص 11 .
32. ا . ف . ب ، " في المؤتمر الأوروبي المتوسطي : الحرب في كوسوفو أعادت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين إلى الواجهة " ، الدستور الأردنية – عمان ، 17 نيسان 1999 ص 24 .

























__________________

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

المتحف المصري الكبير .. توأم بري لقناة السويس والسد العالي .. دين وحضارة وتاريخ

المتحف المصري الكبير ..
توأم بري لقناة السويس والسد العالي ..
دين وحضارة وتاريخ
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}( القرآن المجيد – يونس ) .





استهلال

تتعدد الأجنحة الاقتصادية التي تدر الدخل الوفير على أفراد الشعب أو الأمة ، لتشمل الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات والسياحة . وتعتبر الآثار والحضارات المنصرمة خلال القرون الماضية من القضايا الهامة في الحياة العامة في البلاد .
ومن ناحيتها ، تكتسب الحضارة القديمة في مصر أهمية خاصة عبر التاريخ الإنساني لما فيها من تحف وآثار تدلل على تقدم الحضارة الإنسانية في تلك الحقب الزمنية الخالية . ورغم أن الحضارة الفرعونية المصرية القديمة ، كانت توجه من الفرعون المصري ، الآمر الناهي ، البعيدة عن الفطرة الإسلامية السوية ، إلا أن بقايا هذه الحضارة الفرعونية ، لا زالت تستجلب إنتباه قطاعات واسعة من المؤرخين والمهتمين بالحضارات والآثار والتحف الفنية ، والسياح العرب والأجانب من كل حدب وصوب ، بصورة ملفتة للنظر . ويتسابق السياح في إلتقاط الصور التذكارية بالقرب من هذه البدع الأثرية السياحية المصرية كالأهرامات ( خوفو وخفرع ومنقرع ) وتماثيل ومناظر تاريخية تسبر أغوار التاريخ البشري قبل الميلاد .
ويدر القطاع السياحي الاقتصادي المصري أموالا طائلة حيث تساهم السياحة بحوالي 11 % من الناتج المحلي المصري في البلاد ، وهي نسبة مرتفعة إلى حد ما ، لتساهم في الانتعاش والإنعاش الاقتصادي المحلي والقومي في أرض الكنانة التاريخية .




المتحف المصري الكبير .. بيانات وإحصائيات وأرقام
The Grand Egyptian Museum


في الخطة الإستراتيجية المصرية ، التي قسمت لثلاث مراحل رئيسية بفروع صغيرة أخرى ، تمتد لعشر سنوات متصلة غير منفصلة ( 2002 – 2012 م ) عملت مصر على وضع الخطط والبرامج والتصاميم المرحلية ، النظرية والعملية لإفتتاح ( متحف مصر الكبير ) أو ( المتحف المصري الكبير ) ، بمحافظة الجيزة بمصر ، في منطقة جغرافية غير مكتظة بالسكان ، ما بين القاهرة والإسكندرية ، في معلم سياحي عظيم ، ومن المأمول في هذا المتحف الأثري الكبير أن يستقطب ملايين السياح بواقع 15 ألف سائح يوميا على مدار الأربع والعشرين ساعة ، ليصل عدد السياح السنوي بالسنة الأولى ، بعد الإفتتاح الرسمي في أواسط 2012 إلى 5 ملايين سائح من داخل البلاد وخارجها ، ضمن جناحي السياحية التاريخية والأثرية والدينية ، الداخلية والخارجية على السواء .
وحسب المصادر الرسمية المصرية تبلغ مساحة ( المتحف المصري الكبير ) حوالي 117 فدانا أو بما يعادل 500 ألف م2 ، تشغل الأبنية منها ، مساحة تقدر بحوالي 120 ألف م2 ، ليحتضن المتحف حوالي 100 ألف قطعة أثرية متنوعة ومتعددة الأزمان والحضارات الفرعونية والعربية والإسلامية والعالمية ، وتبلغ الكلفة الإجمالية لإنشاء هذا المتحف المصري العالمي حوالي 600 مليون دولار أمريكي .
وبهذه المواصفات العمرانية والثقافية والأثرية ، فإنه من المنتظر أن يكون ( متحف مصر الكبير ) أهم معلم أثري ثقافي حضاري من المعالم العالمية خلال القرن الحالي ، القرن الحادي والعشرين الميلادي الموافق للقرن الخامس عشر الهجري القمري الإسلامي فهو ملك للبشرية جمعاء بإشراف مصري لما يحويه من آثار حضارات منقضية . ويستطيع هذه المتحف العملاق أن يوفر عشرات آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة للمصريين ، وتوفير وسائل الترفيه والتسلية الجديدة .



موقع ومعالم المتحف المصري الكبير .. تراث الأجداد إلى الأحفاد

يقع المتحف المصري الكبير ، أكبر المتاحف العالمية ، على بعد 2.5 كم من هضبة الأهرامات المصرية على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي بمحافظة الجيزة المصرية . وتعادل مساحته أكثر من 25 ملعب كرة قدم كبير .
ويعتبر ( المتحف المصري الكبير ) مشروعا حيويا حضاريا عالميا ، أقيم جزء منه فوق الأرض والجزء الآخر تحت الأرض بالأنفاق والبنايات والمعامل التحتية ، لتوفير سبل الحماية الطبيعية للمباني والمعروضات ، ينبض بالحياة القديمة المتجددة عبر التاريخ الإنساني ، ونقل تراث الأجداد وأجداد الأجداد إلى الآباء والأحفاد وأحفاد الأحفاد ، وهو مشروع سياسي وثقافي وسياحي ، ضارب في أعماق التاريخ ، على جميع المستويات المصرية والعربية والإسلامية والإقليمية والقارية والعالمية . وقد وضع حجر الأساس لهذا المتحف الرئيس المصري حسني مبارك ، في شهر شباط – فبراير 2002 ، ويضم هذا المتحف العظيم في تموز – يوليو 2010 ، العديد من الأجنحة المتمثلة بالآتي :





المبنى الرئيسي للمتحف ، وأبنية المتحف الفرعية وصالات عرض المتحف وقاعة للاجتماعات ، ومتحفين نوعيين ، الأول : متحف للأطفال . والثاني متحف لذوي الاحتياجات الخاصة ، بالإضافة إلى مراكز أخرى تعليمية وثقافية متخصصة .
ويضم المتحف مركزا للمحاضرات والعروض المسرحية ، ومركزا للبحث والتدريب ولتدريس تاريخ وفنون الحضارة القديمة ، وورشا للحرف والصناعات اليدوية ، إضافة إلى مكتبة متخصصة في علم المصريات .


ويضم المتحف 25 فدانا من الحدائق والمتنزهات العامة التي تضم نباتات وأزهار فرعونية ، إضافة إلى المناطق الترويحية والترويجية ، وحديقة للمعابد الفرعونية .
ويذكر أن المرحلتين الأولى والثانية من المشروع اشتملتا على تأهيل وإعداد موقع المتحف ، وبناء المركز الدولي للترميم ووحدة ضخمة للإطفاء ومحطتي محولات لتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للمشروع ومحطة مياه . وتم تركيب الأجهزة والمعدات الحديثة ذات المستوي التقني الرفيع طبقاً لأحدث النظم العالمية لتلاءم مع احتياجات ومستلزمات هذا الصرح الحضاري العالمي .
وقد افتتحت سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري حسني مبارك المرحلتين الأولى والثانية من المتحف المصري الكبير في حزيران – يونيو 2010 . ويبقى العمل لمتابعة تنفيذ المرحلة الثالثة خلال 26 شهرا .





وذكرت الأنباء المستندة للقائمين على هذا المشروع الحضاري الثري الأثري العالمي ، أن معامل ومخازن الآثار بمتحف مصر الكبير ، صممت وأعدت بطريقة حضارية علمية عصرية ، بأحدث تقنيات الحفظ والتأمين ، المرتبطة بمتحف مصر الكبير بثلاثة أنفاق لتقليل خطورة التغييرات البيئية والمناخية . وكذلك يضم المتحف مركزاً عالمياً للبحوث العلمية وتدريب الكوادر البشرية العاملة في مجال المتاحف ، وبعض الورش المتخصصة بالحرف والصناعات اليدوية ، ومكتبة كبيرة متخصصة في علم المصريات وقاعات عروض مسرحية وأوبرالية.
وعلى الصعيد ذاته ، تنقسم معامل الترميم بالمتحف إلى مواقع لعمليات الصيانة والترميم ، لتوثيق ما يرمم من قطع أثرية تشتمل على : تاريخ الأثر ، والإكتشاف والموقع الذي عثر به عليه وتسجيل عملية الترميم ذاتها وتواريخها ، وأسماء وبيانات للمرممين . ويأتي هذا التوثيق العلمي للقطع الأثرية ، لتسهيل عملية التعرف على القطع الأثرية ، والحفاظ عليها من السرقة أو التملك غير المشروع أو البيع بمزادات دولية متعددة .
وتشتمل المعامل الترميمية على طواقم من المختصين بالخزف والزجاج والمعادن ، والضليعين في ترميم الأواني والتماثيل المصنوعة من المواد غير العضوية ، وترميم القطع الأثرية المصنوعة من الأخشاب مثل التوابيت والتماثيل بأنواعها والأثاث الجنائزي والنماذج الخشبية والمراكب والأدوات والنواويس الخشبية وسواها .
ومن أهم معامل الترميم : معمل الميكروسكوب الإلكتروني ، مشتملا على عدة أنواع من الميكروسكوبات الدقيقة لتحليل العينات وتطويرها عبر نفاذ الضوء خلال ذراتها لمعرفة تركيبها الداخلي .
من جهة أخرى ، يقوم المتخصصون بمعمل الميكروبيولوجي ، بتحديد أنواع الكائنات الحية المسببة لتلف القطع الأثرية ، للتغلب على ذلك بإعداد مواد كيميائية مناسبة مضادة . ويقوم معمل الميكروسكوب الإلكتروني الماسح على تهيئة العينات والمكونات الكيميائية قبل إرسالها لمعمل الميكروبيولوجي . ويعكف أهل الترميم بمعمل المومياوات على فحص المومياوات ، وترميمها لحمايتها وتأهيلها للعرض المناسب بالمتحف بينما يقوم المرممون بمعمل الأحجار على ترميم وصيانة القطع الأثرية الحجرية الكبيرة .

معروضات ( المتحف المصري الكبير ) .. 100 ألف قطعة أثرية

حسب التخطيط الرسمي المصري ، سيضم ( المتحف المصري الكبير ) العديد من الأجنحة والأقسام التاريخية التي تضم 100 ألف قطعة أثرية ، تغطي حقب زمنية تمتد لحوالي 3500 سنة من تاريخ القدماء المصريين ، منها مجسمات أهرامات ومومياء وآثار فرعونية مصرية قديمة ، من أبرزها : كنوز أو آثار الفرعون الذهبي توت غنخ آمون بنقلها من المتحف المصري ، وسيتم بناء نموذج للمقبرة ، كما تم اكتشافها أول مرة ، وهي موجودة في وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر . ومن المقرر أن تنقل مراكب الشمس من جوار هرم خوفو الأكبر بالجيزة إلى المتحف الجديد ، وكذلك سيضم تمثال رمسيس الثاني الذي نقل من ميدان رمسيس عام 2006 ، فيما تربط المعامل والمخازن بالمتحف عبر 3 أنفاق تحت الأرض .

تمويل تشييد المتحف المصري الكبير

يتبين من الخطط المرحلية والإستراتيجية لمراحل بناء وتشييد ( متحف مصر الكبير ) في أرض الكنانة ، وتسابق 40 شركة متعددة الجنسيات ، لتقوم بالإشراف على تنفيذ المرحلة النهائية الثالثة ، من بناء ( متحف مصر الكبير ) من مختلف قارات العالم ، أن هذا المعلم الأثري الثقافي السياحي ، يحاول أن يشارك به مصممون ومنفذون عرب ومسلمون وأوروبيون وصينيون وغيرهم ، مما يدلل على عالمية هذا البناء الحضاري الأثري العملاق ، الذي يزاوج بين الحضارات القديمة والمعاصرة .
وتبلغ التكلفة الإجمالية لتشييد ( المتحف المصري الكبير ) حوالي 600 مليون دولار أمريكي ، نصفها ( 300 مليون دولار ) تم الحصول عليه بقرض مالي من اليابان ، والنصف الآخر ( 300 مليون دولار ) بتمويل ذاتي داخلي مصري ، من المجلس الأعلى للآثار في مصر ، وقيام وزارة الثقافة المصرية بحملة تبرعات وهبات من المواطنين المصريين ورجال الأعمال وغيرهم من الفئات الاجتماعية .
على أي حال ، بينت عملية تشييد البناء أن الإرادة المصرية قوية ، وإن كانت لا تمتلك الأموال المخصصة للإعمار الأثري الكبير ، فإنها لجأت للاستدانة من الآخرين لإكمال عملية البناء الحضاري العام المتخصص في مصر ، من خلال الاستعانة بقرض ياباني بالربا ( فائدة ) قيمتها 1.5 % لمدة عشر سنوات ، وكان يفترض أن يكون هذا البناء بتمويل ودعم ذاتي عربي ومصري . فأموال العرب والمسلمين ، كحكومات وجماعات وأفراد ، مودعة لدى المصارف الأجنبية الأوروبية كالسويسرية والنمساوية والأمريكية ، وكان الأولى أن تتولى هذه الأموال عملية تمويل هذا المعلم الحضاري العظيم كمشروع حضاري سياحي استثماري متجدد .

أهمية المتحف المصري الكبير

من نافلة القول ، إن ( المتحف المصري الكبير ) سيقوم بالعديد من الأدوار الحضارية والتاريخية والأثرية والثقافية العامة والخاصة ، حيث سيدر أموالا طائلة للخزينة المصرية إذا أحسن استثماره بالشكل الصحيح ، فهو التوأم الثالث لقناة السويس والسد العالي . ومن أبرز نقاط أهميته ، ما يلي :
أولا : إيلاء الآثار التاريخية الفرعونية والعربية والإسلامية والعالمية ، الأهمية اللائقة بها ، لتكون مظهرا من مظاهر التاريخ للإنطلاق للمستقبل الواعد .
ثانيا : التأريخ الأثري والثقافي للقرون الخالية من الحياة البشرية ، والحضارات العديدة السابقة .
ثالثا : تنشيط الاقتصاد المصري ، بتوفير عشرات آلاف فرص العمل للمواطنين المصريين من المختصين والفنيين والمؤرخين والبنائين والعاملين في الشؤون العمرانية المتعددة الأشكال والعاملين بوسائل النقل والمواصلات برا وبحرا وجوا عبر السياحة .
رابعا : استقطاب ملايين الزائرين سنويا بالسياحتين الداخلية والخارجية ، وتنشيط وتفعيل نشاط ثقافي اثري بصورة متاحة أمام الجميع . وتوفير وسائل الترفيه والتسلية الممتعة في التجول في المعروضات بمساحة جغرافية فسيحة وواسعة .
خامسا : بناء مركز لتواصل الشعوب والأمم والحضارات القديمة والحاضرة العصرية ، والتمكين من التفاعل الشعبي والرسمي بين شتى دول العالم .
سادسا : إيرادات مالية للخزينة المصرية : ينتظر من هذا المشروع تقديم نصف مليون دولار يوميا أو ما يعادل أكثر من 180 مليون دولار سنويا ، مع ما يجلبه ذلك من إيرادات مالية كبيرة على الاقتصاد المصري ، سواء أكانت عبر الرسوم المالية الرسمية التي تجبى من الزوار ، أو عبر تقديم الخدمات الاستهلاكية ، من المأوى والأكل والشراب وبيع مجسمات التحف والهدايا والاحتياجات الإنسانية الأخرى ، والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي الشعبي والرسمي ، فالدخل التي تدره السياحة المصرية سيرتفع أضعافا مضاعفة جراء التصاعد في أعداد السياح القادمين من شتى أنحاء المعمورة لرؤية التحف والأهرامات والآثار القديمة .
سابعا : العبر والعظات الدينية : فوجود الفراعنة المحنطين ، وخاصة الفرعون الذي لاحق نبي الله موسى عليه السلام وأتباعه المسلمين من بني إسرائيل القدماء ، في أرض الكنانة في وقت تاريخي سابق ، حيث تشير الكتب التاريخية على بعثة رسول الله موسى عليه السلام عام 1227 قبل الميلاد ، يساهم هذا الوجود في الإلتحاق بالإسلام وأخذ العبرة التاريخية من التسلط والطغيان الفرعوني في حادثة تشكل معجزة إلهية في هذا المجال .
ثامنا : التوجيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، العام والهام ، عبر عرض التحف والفنون الفرعونية والعالمية القديمة ، بإتجاه أن لا بقاء للطغاة البغاة من المتحكمين برقاب الناس في الحياة الدنيا ، وإن الموت قد غيبهم ، وبهذا يتحتم على أولي الألباب والعقول النيرة المبادرة والإسراع للإستفادة من دروس التاريخ الغابرة والتوصل والتواصل الإيماني برسالة الإسلام العظمى .
تاسعا : يعتبر هذا المتحف العصري التاريخي المصري عامل جذب سياحي وديني وجغرافي وترويحي وليس عامل طرد للمواطنين المصريين ، على مدار السنة ، للتواصل الداخلي بين أبناء المحافظات المصرية من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها والعكس بالعكس ، في مواسم زمنية متواصلة ، متصلة غير منفصلة ، فهذا المتحف يجمع ولا يفرق .
عاشرا : يشكل هذا المتحف المصري الكبير ، جامعة تاريخية حضارية عالمية ، لتواصل الشعوب والأمم ، بكل ما في الكلمة من معنى . ويتيح هذا المتحف المجال للمتخصصين والدارسين والمهتمين والجامعيين من التنقيب الأثري البحثي عن حضارات بشرية إندثرت ونسيها الناس . وبذلك يكون هذا المتحف الحضاري الأثري المصري نواة ومركزا لأقسام الآثار والتاريخ في الجامعات العالمية .
حادي عشر : إعطاء مصر مكانة تاريخية عالمية قديمة وحديثة ، بين أمم وشعوب العالم بقاراته الست . فمن خلال عرض المقتنيات التاريخية ، من مجسمات الأهرام والتماثيل والروائع الفنية والثقافية واللغوية وغيرها ، في بقعة مصرية من ارض الكنانة ، تستقدم الوفود تلو الوفود والأفواج تلو الأفواج السياحية ، من جميع الفئات العمرية البشرية ، وإعادة إرتباط مصر بأعماق التاريخ والإعلام والصحافة ، ويمكن أن يكون هذا المتحف مستقبلا من عجائب الدنيا التي يشار إليها بالبنان .
ثاني عشر : وسيلة دعوة جديدة متجددة للرسالة الإسلامية العالمية بإشراف الجامع الأزهر الشريف ، والحركات الإسلامية ، وتخصيص متفرغين لهذا الأمر العالمي ، فالآثار التاريخية ، تساعد في كسب المتعاطفين والمؤيدين للإسلام .
ثالث عشر : إستصلاح أراضي جديدة ، كانت قاحلة ، وإيجاد بنى تحتية ، تساعد في توطين ملايين المصريين في منطقة جديدة حول الأبنية العمرانية للمتحف الكبير .
رابع عشر : تجديد التحف والقطع الأثرية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ، بعمليات الترميم والصيانة لتعطي منظرا جميلا وخلابا ، مع الاحتفاظ بالصورة التاريخية الأصلية لها . حيث قام ويقوم بعملية الترميم الشاملة نخبة من المتخصصين والفنيين والمعماريين وعلماء الكيمياء والطبيعة والليزر وغيرهم ، وفق أساليب وطرف علمية عصرية .
خامس عشر : يعتبر متحف مصر الكبير مهرجانا ثقافيا مستمرا طيلة أيام السنة ، لما يتخلله من فعاليات ثقافية متنوعة .
سادس عشر : المتحف المصري الكبير ينافس المتاحف العالمية وخاصة الأوروبية مثل متحف اللوفر وبرلين والمتحف البريطاني وغيرها . فهو متحف على الطراز الحديث ، ولكنه في أرض عربية إسلامية . وقد تناقلت أنباء إنشاء المتحف المصري الكبير أكثر من مليون إلكتروني على الشبكة العنكبوتية الدولية ( الانترنت ) موقع باللغة الإنجليزية ، كما أشارت بعض المتابعات الإعلامية للمتحف .

إسترجاع أحداث التاريخ الدعوي الإسلامي

يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }( القرآن المجيد - غافر ) .

ويقول الله الغني الحميد عز وجل : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) }( القرآن الحكيم – القصص ) .
من خلال الإطلاع على الآيات القرآنية السابقة ، بعدة سور قرآنية كريمة ، والنداء النبوي الموسوي الوارد بالقرآن العظيم وأحاديث الملك العالمي المصري فرعون ، ونبي الله موسى عليه السلام ، نرى أن الحياة الدنيا زائلة ، وأن الأشخاص يتغيرون ، على مدار الحقب الزمنية المتعاقبة ، وأن الآخرة خير وأبقى لمن اتقى ، والآثار المصرية القديمة للفراعنة أو بني إسرائيل القدماء من الكافرين مثل قارون ، تبين لنا أن الإيمان بالله رب العالمين هو الطريق السوي لنيل الفوز في الحياتين الفانية والباقية : الدنيا والآخرة .
فلنتعظ من حادثة قارون الثري ماليا الكافر نفسيا ، حيث دمره الله وخسف به وبداره الأرض ، ولنتق الله دائما في فعالياته الوجاهية والبشرية والمرئية وغيرها ، حتى لا يخسف الله بهذا المتحف عن طريق الزلازل أو البراكين ، أو عبر حروب عسكرية - بشرية – اقتصادية – حضارية غير متوقعة الآن ، فالله على كل شيء قدير .

مشكلات وعقبات تواجه المتحف المصري الكبير

أتحفتنا بعض الجهات الحكومية المصرية وخاصة وزارة الثقافة المصرية ، والمجلس الأعلى للآثار المصري ، بإنشاء متحف جديد في مطلع القرن الحادي والعشرين ، لا زال يحبو بمراحله الثلاث ، فرغم الإيجابيات العديدة ، إلا أن هناك سلبيات جمة على الجهة المناقضة ، فهناك العديد من المشكلات والعقبات التي واجهت وتواجه تشييد متحف مصر الكبير ، ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، في الفترة الممتدة لإنشائه ( 2002 – 2012 م ) لعل من أهمها ما يلي :
أولا : التمويل المالي : وقد تم التغلب على جزء منه بتوفير أموال القروض الياباني البالغة 300 مليون دولار ( الربوية ) ، وصعوبة جمع الأموال المتبقية حيت تم جمع 27 مليون دولار من التمويل الذاتي المصري من أصل مبلغ 300 مليون دولار . وكان يفترض أن يكون تمويل هذا المشروع الضخم مصريا أو عربيا بأكمله وليس تمويلا نصفه أجنبي من اليابان الإمبراطورية . مع ضرورة عدم السماح لليابان بالتدخل في شؤون المتحف المصري الكبير .
ثانيا : صعوبة المواصلات والتنقل من وإلى المتحف ، وهذا يستلزم إنشاء سكة حديد عصرية ، ووسائل نقل جماعية وسيرفيس داخلي وخارجي منتظم بحجم كبير يتناسب وقيمة وأهمية وحاجة المتحف .
ثالثا : التنظيم والإدارة : يعتبر هذا المشروع الحضاري من المشاريع المعقدة إداريا وتنظيميا ولهذا لا بد من توظيف خيرة الكفاءات البشرية في شتى الأجنحة والأقسام والمعامل . ويجب أن يكون هذا المشروع بعيدا عن الاستهتار واللامبالاة والاستخفاف والترهل الوظيفي كما هو في القطاع الحكومي العام .
رابعا : حماية القطع الأثرية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ، من العبث الإنساني ومن تقلبات البيئة والمناخ .
خامسا : الأمن والأمان والضمان الداخلي والخارجي للمتحف . فمسألة توفير الأمن الداخلي والخارجي للمتحف مهمة صعبة في ظل الزيارات الأجنبية ، ولهذا لا بد من تطبيق نظام إلكتروني صارم في هذا المجال .
سادسا : ممارسة نشاطات هابطة بشرية في مجمعات وأجنحة المتحف . وخاصة في صالات وحدائق ومتنزهات المتحف ، ولهذا ينبغي تحريم شرب الخمور والمسكرات والمخدرات في هذا المتحف بجميع الأحوال ، ومن المعروف أن الوسط الثقافي والفني والإعلامي وغيرها من الأوساط هي أوساط تنزل بأنفسها في كثير من الأحيان لأسفل سافلين .
سابعا : التعاطي مع العادات والتقاليد والقيم النمطية الغربية الهابطة وبلغات شتى . وظهور التقليد الأعمى للغرب في مثل هذه الفعاليات الأثرية البعيدة عن القيم والأصول العربية الإسلامية الأصيلة . بمعنى يجب العمل الحثيث على تجنب أن يكون هذا الصرح العالمي بمثابة سرطان ثقافي أجنبي استعماري ينخر جسد الشعب المصري عبر الإختراق الثقافي وتمجيد الفرعونية والفراعنة غير المؤمنين .
ثامنا : تضارب وتعدد الجهات المنظمة والمشرفة على تسيير شؤون هذا المتحف المصري العالمي . فلا بد من إشراف جهة واحدة على هذا المتحف تتمتع بالنزاهة والشفافية والعقلانية والموضوعية والسعي نحو التطور والتطوير الدائم والنأي عن الجمود الإداري والتنظيمي . فالشركة المصرية الأمريكية التي فازت بإدارة إنشاء هذا المشروع المصري يجب متابعتها أولا بأول لتطبيق المواصفات والمعايير الدولية الصائبة .
تاسعا : البقاء في إجترار وترديد أمجاد الماضي السحيق للفراعنة ، والمطلوب عمليا من مصر أن تكون في طليعة الشعوب المؤمنة كجزء من الأمة الإسلامية المجيدة العالمية ، وعدم تقديس الحضارة الوثنية والدكتاتورية الفرعونية ، فالفرعونية ذابت وإنحلت إلى غير رجعة .
عاشرا : محاولة البعض المصري المبتعد عن الأصول الإسلامية ، تقديس الحقبة الفرعونية والآثار المصرية والتماثيل والأصنام في الجاهلية الفرعونية الخالية التي دمرها الله سبحانه وتعالى تدميرا ، وأنهى وجودها عن ظهر الكرة الأرضية .
حادي عشر : الهجوم الإعلامي الداخلي والخارجي المضاد على المتحف : وبعض هذا الهجوم محق في طرحه لتجنب الفساد والإفساد الأخلاقي ، والبعض الآخر يشن الهجوم تلو الهجوم حسدا وكيدا ، والبعض الآخر يرتقي إلى حد النقد البناء .
ثاني عشر : المباني الظاهرة فوق الأرض : معظم أبنية المتحف هي أبنية ظاهرة فوق الأرض مع وجود أنفاق ثلاثة غير كافية ، وكان من الضروري أن تكون معظم الأبنية تحت الأرض تحسبا للعدوان الاستعماري القادم . فأرض مصر تعرضت لعدة محاولات استعمارية أوروبية وغربية لئيمة .
ثالث عشر : التوضيح والشرح لمقتنيات المتحف بعدة لغات عربية وإنجليزية وفرنسية وفرعونية قديمة وغيرها . ويتطلب هذا العمل متابعات لغوية وتاريخية وجغرافية حثيثة .

المتحف المصري الكبير .. والابتعاد عن القومية الفرعونية

على العموم ، إن هذا المشروع الحضاري الاستثماري الاستهلاكي الثقافي المصري المتمثل بالمتحف المصري الكبير ، هو توأم قناة السويس ، للمرور إلى العالم ، وهو ضرورة اقتصادية عمرانية وسياحية وخدمية تشغيلية شاملة لا بد منها ، ولكن في الآن ذاته ، يجب أن لا يكون على حساب توفير المنشآت الإنتاجية المصرية ، لتوفير مئات آلاف فرص العمل للمواطنين والأجيال المصرية الشابة ، وتقليل الهجرة المصرية لخارج البلاد ، وينبغي أن لا يكون لتقديس الفراعنة وجر مصر باتجاه القومية الفرعونية الضيقة ، للهروب من الاستحقاقات المصرية تجاه الأمتين العربية والإسلامية في جميع أنحاء العالم . وكذلك يجب أن تكون إدارة هذا المشروع المصري الضخم قلبا وقالبا ، بأيد مصرية صرفة ومخلصة ، بعيدا عن الأيدي الخارجية الاستعمارية وخاصة الأمريكية . ويجب أن لا يفرح المصريون كثيرا بهذا المشروع الاستهلاكي الثقافي أكثر مما ينبغي ، وليبادروا لإنشاء مشاريع إنتاجية بالجميع وللجميع ومن أجل الجميع .

كلمة أخيرة

إن ( المتحف المصري الكبير ) بمراحله المتعددة الأولى والثانية والثالثة ، هو إضافة نوعية مصرية جديدة للتاريخ البشري المعاصر ، بحجمها وفعاليتها ، حيث سيكون صرحا عظيما ومعلما بارزا من المعالم الأثرية والثقافية والحضارية العامة في مصر والعالم أجمع ، فهو وجها مشرقا من الوجوه المصرية بالعالم وللعالم ومن أجل العالم ، وهذا يحتم المثابرة على تنفيذ جميع مراحل هذا المتحف العملاق ، ليكون دليلا تاريخيا هاما للإسترشاد البشري الشعبي والرسمي . ومن الضروري أن يتم التركيز أيضا على الآثار العربية والإسلامية والعالمية بجميع العصور والأزمان ، في شتى البقاع الجغرافية ليكون هذا المتحف جامعة حيوية ناهضة في حياة طلبة العلم والعلماء من شتى الاختصاصات الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية والسياسية والإعلامية ، على السواء ، سواء بسواء ، وكل يحلل ويمرر وينقل وينقد وفق المعطيات الموجودة في هذا المشروع العربي التاريخي العظيم .
ووصية يجب عدم التغاضي عنها ، وهي إبعاد وابتعاد معالم وفروع ( المتحف المصري الكبير ) عن الكبائر والموبقات المهلكة للإنسان عقليا وعاطفيا ووجدانيا ، وأن يكون متحفا أثريا تاريخيا ، عقلانيا رصينا رزينا ، بعيدا عن الأساطير والخزعبلات النظرية والعملية ، وأن ينتقى العاملون به من ذوي الأخلاق الطيبة ، والقيم والمثل العليا ، وضرورة تعيين وتوظيف المرشدين السياحيين المدربين ، بلغات العالم الرئيسية ، وفي مقدمتها اللغة العربية ، لغة القرآن المجيد ، وأن يكون حيزا كبيرا مناسبا للآثار والتراث العربي والإسلامي ، كون المتحف بأرض عربية إسلامية ، لها حضارة تاريخية مشهودة .

آملين وراجين كل التقدم والنجاح والإزدهار لمصر الأبية ، أرض الكنانة ، وللشعب المصري كجزء من الأمتين العربية والإسلامية . ومتحفا مصريا عربيا إسلاميا عالميا ، مباركا بعيدا عن الأساطير الفرعونية والوثنية . فليكن المتحف المصري الكبير توأما بريا للتوأمين الآخرين : قناة السويس والسد العالي .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




الأحد، 18 يوليو 2010

الرَّايَاتُ السُّودُ .. والنصر الإسلامي المبين


الرَّايَاتُ السُّودُ .. والنصر الإسلامي المبين


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) }( القرآن المجيد – الصافات ) .
كما ورد سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 102) عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ( ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ ) ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ" . وفي رواية أخرى ، وردت بسنن الترمذي - (ج 8 / ص 224) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ " .

استهلال

بادئ ذي بدء ، ليس كل من يلبس لباسا أسودا ، هو من أصحاب الرايات السود ، وليس كل من يتخذ لون عمامته أو بدلته الرسمية السوداء أو قميصه الأسود أو بنطاله الأسود ، هو من أصحاب الرايات السود ، وليس من كان شعره الطبيعي أسودا أو يصبغه بالصبغة السوداء ، هو من أصحاب الرايات السود ، وليس كل من يضع التمائم السوداء في رقبته هو من أتباع الرايات السود . وليست كل إمرأة تلبس الزي الأسود كزينة جميلة كالحجاب الإسلامي أو النقاب الإسلامي ، أو حدادا على زوجها أو ابنها أو قريبها ، هي من أصحاب أو صاحبات الرايات السود في الإسلام . وليس كل من مشى أو سرى بالليل الأسود الحالك هو من أصحاب الرايات السود ، وليس من يركب سفينة أو مركبة أو طائرة سوداء هو من أصحاب الرايات السود ، وليس كل من كان لونه أو لونها أسودا أو يحب اللون الأسود هو من أصحاب الرايات السود وليس كل من دهن بيته باللون الأسود أو لبس عمامة سوداء هو من أصحاب الرايات السود وليس من انتخب من السواد الأعظم من الناس هو من أصحاب الرايات السود ، بأي حال من الأحوال . وليست كل دولة رفعت العلم الأسود هي من أصحاب الرايات السود فقد رفعت الدولة العباسية الإسلامية الرايات السود وحاضرتها بغداد بعد الخلافة الأموية وحاضرتها دمشق ذات الرايات البيض ( البيضاء ) ولم تكن هي ، ورفعها بعض جماعات الشيعة المسلمين ولم يكونوا هم ، أصحاب الرايات السود ، كما رفعها الفاشيون في إيطاليا ( ذوي القمصان السوداء ) ولم تكن هي ، فالله أعلم من هم الرايات السود .
ولكن المقصود بأتباع أو أصحاب الرايات السود ( السوداء ) هم المسلمون المجاهدون ذكورا وإناثا ، من عباد الله الصالحين المتقين المحسنين الأبرار الأخيار ، الذين يسعون لنشر الفضيلة والأخلاق النبيلة الفاضلة الحميدة والمثل والقيم العليا بين الناس ، ويسعون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى ويكونون من أتباع وأنصار وجند المهدي المسلم لترسيخ عرى الإسلام العظيم في العالم والاستمساك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والتمسك بحبل الله المتين ولا يخافون في الله لومة لائم ، وعددهم قليل يتراوح ما بين 4 – 5 آلاف جندي من جند الله ، هم من أصحاب الرايات السود وذلك وقت الملاحم والفتن وأشراط الساعة . واللون الأسود هو رمز للعزة والكرامة والشجاعة والسؤدد والسيادة على الغير الكافر .
ومهما يكن من أمر ، تتخذ الجماعات والشعوب والأمم رايات خاصة بها ، تعرف بها ، حاضرا ومستقبلا ، ويؤرخ التاريخ لها بها ، لتكون هذه الرايات شعارات ورموزا دينية أو قومية أو وطنية أو عالمية ، وترفع هذه الرايات في الحروب والنزاعات مع الآخرين ، ويحرص قادة المعارك على إبقاء راية الجيش أو الجماعة أو الأمة مرفوعة كناية عن الصبر والجلد والمنازلة والتحدي وصد الآخرين والعزة والكبرياء والشموخ .
لقد كانت الرايات المستخدمة في ايام الحرب والسلم ، رايات عامة أو خاصة ، لتمجيد شيء معين ، والتدليل على الأفكار والمعتقدات والإيديولوجيات الأرضية والسماوية ، وكل قوم برايتهم الواحدة أو راياتهم المتعددة فرحون ، فهي الدليل والمرشد العام لأهداف وغايات الناس المعنيين بالأمر . وتعددت أنواع وأشكال التصاميم لهذه الرايات فمنها المربع والمستطيل والمثلث والخماسي والسداسي والسباعي والثماني أو الدائري أو المركب من تصاميم هندسية متعددة وغير ذلك .
وكذلك تنوعت الألوان المتخذة من هذا الشعب أو تلك الأمة أو الجماعة أو الحزب ، فمنها ما هو بلون واحد أوحد ومنها ما هو متعدد الألوان ، ومنها ما هو ثنائي الألوان أو ثلاثي أو رباعي أو مزيج فسيفساء من الألوان . وقد يجمع شعب أو أمة معينة رمزا خاصا للراية المعتمدة ، لترمز لمعقتداته وحياته الماضية والحاضرة والمستقبلية كالخرائط والأشكال الهندسية .
وعبر التاريخ الإنساني ، تعددد الرايات الحمراء والزرقاء والخضراء والبيضاء والسوداء والصفراء والبنية والمزركشة وشكلت الرايات والأعلام حسب ما ترتأيه قيادة هذه الجماعة أو الشعب أو الأمة وغيرها . وقد اتخذت الصليبية المتعددة الأشكال الصليب ليرمز لكينونتها ، بألوان صافية أو مزركشة ، بينما إتخذ المسلمون عبر التاريخ العديد من الأعلام والرايات : الحمراء والخضراء والسوداء والبيضاء كما كانت في العهد الإسلامي الأول ، زمن رسول الله المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . ثم اتخذت وإعتمدت الخلافة الراشدة ألوان الرايات الإسلامية الأربع ، منفردة ومستقلة كل منها عن الآخر ، ثم جاءت الخلافة الأموية الإسلامية ومقرها دمشق واتخذت من الراية البيضاء شعارا لها ، ثم أتت الخلافة العباسية الإسلامية ومقرها بغداد الراية السوداء ، ثم جاءت الخلافة الإسلامية الفاطمية ومقرها القاهرة ، واعتمدت الراية الخضراء رمزا لها ، ثم جاءت الدولة الأيوبية بقيادة يوسف بن أيوب ( صلاح الدين الأيوبي ) واتخت الراية الصفراء ( راية الأنصار بالمدينة المنورة زمن الإسلام الأول ) رمزا لها ، وبعدما جاءت الخلافة العثمانية ومقرها اسطنبول اعتمدت رسميا الراية الحمراء رمزا لها ، وما لبثت أن جاءت الثورة العربية الكبرى على أواخر العهد التركي وجمعت أربعة ألوان في راية واحدة ، وهي راية الثورة الفلسطينية وهي من الأعلى للأسفل ( الأسود بالأبيض فالأخضر فالأحمر من الجانب ) .

الرايات في فلسطين

في فلسطين ( الأرض المقدسة ) التي تتعرض للاحتلال الصهيوني منذ عام 1948 ، تتعدد الرايات الصفراء لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) والراية الخضراء لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) والراية السوداء لحركة الجهاد الإسلامي ، والراية السوداء لحزب التحرير الإسلامي ، والراية الحمراء للماركسيين .. وهكذا .

الرايات المتعددة في الوطن الإسلامي

على المستوى العربي والإسلامي والإقليمي والعالمي ، تتعدد الرايات الرمزية ( الأعلام ) للشعوب والأمم . وفي الوطن الإسلامي ، تتعدد الرايات المتعددة الألوان ، الحمراء والصفراء والبيضاء والخضراء والسوداء ، والمتعددة الفسيفساء ، إلا أن هذه الألوان لم يأت نص أو حديث نبوي بالتبشير بظهورها سوى ورود عبارة ( الرايات السود ) التي ستكون علامة من علامات موحد الأمة الإسلامية ، وباني نهضتها الجديد ، على أسس قرآنية مجيدة ، يحقق أصحاب هذه الرايات السود النصر المبين للمسلمين ، وهو ما ينتظره المسلمون بفارغ الصبر ، فقد ورد في مسند أحمد - (ج 45 / ص 368) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ " .
كما ورد في المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 19 / ص 324) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونكم قتالا لم يقاتله قوم - ثم ذكر شيئا فقال - إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي » « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين »

الرايات الإسلامية

- سنن الترمذي - (ج 6 / ص 255) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : بَعَثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ .
- سنن الترمذي - (ج 6 / ص 256) نْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ
- سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 331) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ .
- سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 330) عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا عَلَى الْمِنْبَرِ وَبِلَالٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ " .
- المعجم الأوسط للطبراني - (ج 1 / ص 223) عن ابن عباس قال : « كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ، مكتوب عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله »


حركات وأحزاب الرايات السود الإسلامية المعاصرة

جاء في سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 100) عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَمَّا رَآهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ قَالَ فَقُلْتُ مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ فَقَالَ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ فَيَسْأَلُونَ الْخَيْرَ فَلَا يُعْطَوْنَهُ فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا كَمَا مَلَئُوهَا جَوْرًا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ " . وأكدتها رواية أخرى في المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 19 / ص 326) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه ، فقلنا : يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ، فقال : « إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق ، فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج ، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما »

على أي حال ، لقد تسابقت بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية إلى إتخاذ واعتماد الراية السوداء أو الرايات السوداء بالجمع ، رمزا وشعارا لها لعل وعسى أن تنطبق البشرى الإسلامية النبوية عليها ، وتحقيق النصر المبين على أيديها . فنرى أن أصحاب الرايات السود في فلسطين والوطن العربي والإسلامي هي : حزب التحرير الإسلامي ( ذو الراية السوداء ) ، بقيادة المهندس عطاء أبو الرشتة ( وهو فلسطيني يعيش في الأردن ) وحركة الجهاد الإسلامي ( ذات الراية السوداء ) بقيادة د. رمضان عبد الله شلح وهو فلسطيني يعيش في سوريا ، وتنظيم قاعدة الجهاد الإسلامي بقيادة الشيخ أسامة بن لادن وهو عربي سعودي مجهول محل الإقامة الآن ، التي قاومت الاحتلال السوفياتي في أفغانستان وتقاوم جيوش الإحتلال الأمريكي والأوروبي الأجنبي في العراق ( دولة العراق الإسلامية ) و ( الإمارة الإسلامية في أفغانستان ) والصومال وتقاوم الجيش الروسي في الشيشان ( إمارة القوقاز الإسلامية ) وغيرها .

على العموم ، إن الحركات الإسلامية السالفة الذكر ، ( القاعدة وحزب التحرير والجهاد الإسلامي ) هي من يتخذ الرايات السود أعلاما رمزية لها ، في محاولة منها للفوز بشرف التحرير الإسلامي الشامل ، وقيادة الأمة الإسلامية نحو المجد المنتظر ، وتخليص البلاد والعباد من براثن الاحتلال والحملات الصليبية الجديدة المتكاثرة على المسلمين ، وتبقى هذه المسألة لدى عالم الغيب والشهادة ، ولا يعرف هل هي نفسها أم غيرها ؟ وهل هي منفردة أم مجتمعة ؟ وماذا بشأن الحركات والجماعات الأخرى ذات ألوان الأعلام المتعددة ، التي لم يرد فيها نصوص نبوية في هذا المضمار ، هل يمكن أن تلتحق بغيرها ؟ أم تغير أعلامها لاحقا لتصبح من أهل ( الرايات السود ) . ثم تنخرط في صفوف المسلمين من ذوي الرايات السود ، ذات النصر الحتمي حسب البشارة النبوية الإسلامية العظمى ، قبل حوالي 15 قرنا هجريا قمريا إسلاميا .
ومن خلال نظرة بحثية حيادية وموضوعية فاحصة مستقلة ، دون اللجوء للأوهام والخيال البعيد ، لذوي الريات السود المذكورة آنفا ( القاعدة وحزب التحرير والجهاد الإسلامي ) ، ومن خلال الاستطلاع والبحث العام عبر شبكة الانترنت ، والدراسات المطبوعة والتقارير المتلفزة ، نرى ما يلي :
أولا : تنظيم القاعدة الإسلامي :
هو أقوى هذه الحركات والأحزاب الإسلامية ، من ذوي الرايات السود ، فهو يمثل رأس حربة قوية منذ التصدي للعدوان السوفياتي على أفغانستان ، عام 1979 لمدة تزيد عن العشر سنوات ، حتى إنهيار الإمبراطورية السوفياتية ، عام 1991 . وحسب المعطيات الدراسية الاستراتيجية العالمية الإيديولوجية والعسكرية والسياسية والاقتصادية يتبين أن تنظيم القاعدة ، من أصحاب الرايات السود الذي له أنوية وانتشار عربي وإسلامي وإقليمي وعالمي : إيديولوجي وسياسي وإعلامي وعسكري واقتصادي شامل ، في شتى قارات العالم ، في آسيا وخاصة في ( شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب وأفغانستان وباكستان وغيرها ) وإفريقيا ( السودان والصومال ) ودول المغرب الإسلامي وغيرها ، وقارة أوروبا وخاصة بالاستناد لتفجيرات بريطانيا وفرنسا وإسبانيا ، في أوقات سابقة ، وإعتراف بريطانيا بوجود حوالي ألفي شخص مؤيد للقاعدة في العاصمة البريطانية لندن وحدها ، وليست أحداث واشنطن ونيويورك بأمريكا الشمالية بعيدة عن قوة هذا التنظيم الإسلامي ، وخاصة ما تمثل بتوجيه الطائرات صوب الأهداف المرسومة ، المعروفة بتفجيرات 11 أيلول – سبتمبر 2001 .



كما إن الحركات والقوى والجماعات السلفية ذات الأعلام السوداء تدخل ضمن نطاق الحديث النبوي الشريف السابق الذكر . ولتنظيم القاعدة مئات الأعضاء المعتقلين في السجون الأمريكية والغربية والعربية ، فمنهم من أطلق سراحه ومنهم ما زال ينتظر ساعة الإفراج والخروج للهواء الطلق . ونستذكر بهذه المناسبة ( سجن غوانتنامو ) الأمريكي قرب جزيرة كوبا حيث تم اعتقال أكثر من 600 شخص اتهموا بالانخراط في صفوف القاعدة عسكريا أو سياسا أو إعلاميا من شتى الجنسيات العالمية وخاصة العربية .


ويأخذ البعض على هذا التنظيم الإسلامي العالمي ، تأخره في بناء الخلايا العسكرية والسياسية والإعلامية في فلسطين التي يعتبرها ساحة الصراع الرئيسية مع الاحتلال الصهيوني والإمبريالية العالمية ، وخاصة إمبراطورية الشر الأمريكية ، باستثناء وجود الأنصار والمتعاطفين والمؤيدين لسياسته العامة في فلسطين من أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة من أتباع جماعة الإخوان المسلمين . ويعزو قادة هذا التنظيم الإسلامي العالمي هذا الأمر بسبب العمل على بناء قاعدة استراتيجية إسلامية قوية ( الإمارة الإسلامية الأفغانية ) أولا ثم الانتقال للعمل الجهادي بالأرض المقدسة لزلزلة أقدام المحتلين الصهاينة في الأرض المباركة .
وقد امتلك تنظيم القاعدة معسكرات تدريب عسكري وإيديولوجي وسياسي وإعلامي قوية في إفغانسات والعراق ، وبإمكانه تنفيذ عمليات عسكرية حسب الإعلام الأمريكي والأوروبي والغربي في شتى قارات العالم إذا رغب في ذلك للخبرة والدراية في هذا المجال والتعاطي مع عالم التكنولوجيا العصرية الإلكترونية . وقدرت بعض الدراسات الغربية عدد أعضاء تنظيم القاعدة بحوالي 40 ألف عسكري في العالم من النواة الصلبة .



وقد تعرض تنظيم القاعدة لهزات عنيفة بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان إلا أنه عوض ذلك في العراق واليمن وباكستان ، وإستعاد عافيته وفعاليته في أفغانستان بالتعاون مع حركة طالبان ، حسب المعطيات الإعلامية الحديثة . ومن أمثلة قوة تنظيم القاعدة أنه أعلن ( دولة العراق الإسلامية ) في بلاد الرافدين بأجنحة وفروع إسلامية متعددة سياسيا وعسكريا ودينيا وإعلاميا .

ثانيا : حزب التحرير ( الإسلامي ) :
حزب التحرير ( الإسلامي ) من ذوي الرايات السود ( راية العُقاب ) ، له وجود في حوالي 40 دولة في العالم حسب بياناته ونشراته العلنية المنشورة طباعيا وإلكترونيا على شبكة الانتر نت . وهذا الحزب يمارس الدعاية السياسية والإعلامية بشكل كبير ومكثف عبر مكتبه الإعلامي ، وينادي بإعادة تطبيق الخلافة الإسلامية ، وإمكانية تغيير السلطة من أعلى الهرم السياسي والعسكري ، بأحد البلدان ( العربية أو الإسلامية ) والانتقال لبلدان أخرى وإعلان الجهاد في سبيل الله لنصرة المسلمين في كل مكان بعد إعلان الخلافة الراشدة التي ألغاها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا في آذار 1924 م .

ورغم أن حزب التحرير يعادي ( كيان يهود – الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ) بصورة إيدلويوجية إسلامية ، إلا أن إمكانيات حزب التحرير العسكرية هي – كما يبدو لنا – غير مفعلة أو غائبة أو مغيبة ، لأسباب غير معروفة ، فلا وجود لجناح عسكري لهذا الحزب الذي نشأ في بداية العقد الخامس من القرن العشرين الماضي أي قبل ستة عقود زمنية متتالية .

ودائما ما يطالب هذا الحزب الجيوش العربية والإسلامية بشن الهجوم على ( كيان يهود ) علما بأنه لا سلطة له عليها بتاتا ، كمن يستنجد بغيره ( وامعتصماه ) ولكن يبدو أن المعتصم لا وريث له في استجابة للإغاثة والنجدة المطلوبة . وعلم وشعار حزب التحرير ينطلق نحو الكرة الأرضية ، وبهذا فإن حزب التحرير ( الإسلامي ) هو حزب فلسطيني بالدرجة الأولى وأميره الأول هو دائما من فلسطين ، وهو حزب إقليمي بالدرجة الثانية وعالمي بالدرجة الثالثة حيث يقسم العالم إلى ولايات خاصة به . ويتمتع حزب التحرير بنواة سياسية وإعلامية صلبة إذ له حضور قوي في الدعاية والإعلام وتنظيم بعض المسيرات والاعتصامات والمهرجانات في مختلف عواصم العالم وإن كان يتعرض لهجمات أمنية ويتم منع بعض مناظراته ومهرجاناته . وتعتبر فلسطين عامة ومدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية خاصة الذراع الإعلامي الصلبة في هذا الميدان . ويمكن القول ، إن حزب التحرير ، هو حزب محظور رسميا في فلسطين وجميع الدول العربية والإسلامية ، ويتم غض الطرف عنه هنا وهناك ولكن معظم مهرجاناته ونشاطاته السياسية تقمع قمعا . وبهذا فإن الكثير من عناصر الحزب جرى اعتقالهم لفترات معينة في السجون العربية والصهيونية وغيرها .

ثالثا : حركة الجهاد الإسلامي :
وهي حركة إسلامية فلسطينية المنشأ والمنبت ، من ذوي الرايات السود ، ومركزها الرئيسي قطاع غزة ، ولها امتدادات تحتل الدرجة الثالثة في فلسطين بعد حركتي فتح وحماس . نشأت قبيل إنطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987 ونفذت عمليات عسكرية خاصة إبان انتقاضة الأقصى 2000 – 2006 ، ولها طابع التنظيم الفلسطيني والإقليمي في الآن ذاته ، فلها وجود تنظيمي وعسكري وإعلامي وسياسي في بعض الدول العربية المجاورة لفلسطين ، كسوريا ولبنان ، بالإضافة إلى علاقاتها المتينة مع إيران الإسلامية . ولها إعلام سياسي ودعائي وحربي قوي ، وجناح عسكري ( سرايا القدس ) بإمكانه الضرب العسكري الاستشهادي في الكثير من الأماكن داخل فلسطين المحتلة وفقا لأحداث إنتفاضة الأقصى الفلسطينية الأخيرة .

وهي حركة إسلامية فتية ، ولا تؤمن بالمفاوضات وتمقت الحل السياسي مع الكيان الصهيوني وتعتبر فلسطين أرض وقفية إسلامية لا يمكن التنازل عنها .

ولم تدخل معترك الحياة البرلمانية الفلسطينية بعيد إتفاق أوسلو بين الجانبين الفلسطيني – الصهيوني منذ عام 1993 حتى الآن . ولها وجود لا بأس في سجون الاحتلال الصهيوني جراء الاعتقالات الصهيونية للعناصر والأفراد من السياسيين والعسكريين والإعلاميين .




رابعا : إن بعض الأعلام الفلسطينية ، كالعلم الرسمي الفلسطيني ، علم الثورة العربية الكبرى ، بألوانه الأربعة ( الأسود والأبيض والأخضر والأحمر ) ، واللون الأول هو اللون الأسود ، كجزء من أصحاب الرايات السود ، لا يمكن أن يتم إدراجه من ذوي ( الرايات السود ) كون الحديث النبوي الشريف واضح ولا لبس فيه ، ولا ينطبق على الألوان المتعددة باي حال من الأحوال .



خامسا : الرايات غير السود : لا يتطرق الحديث النبوي الشريف لأصحاب الرايات الأخرى بالرغم من أن بعضها ذو توجهات إسلامية ، سياسية ودينية وفكرية وإيديولوجية قوية ، مثل حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) ، رغم أن اللون الأخضر هو رمز من رموز لباس أهل الجنة .
سادسا : أصحاب العمامات السود :

وربما يكون منهم أصحاب الرايات السود ، وخاصة في إيران الإسلامية ، ولا يمكن الجزم بأن اصحاب الرايات السود تحتضن في أحضانها اصحاب العمامات السود أو أغطية الرأس ( قلانس جمع قلنسوة ) السوداء ، فالحديث النبوي الشريف واضح غاية الوضوح . إلا أن الحديث النبوي الشريف ن يذكر خراسان بالاسم وهي منطقة إيرانية حاليا وكانت تاريخيا تشمل أجزاء من أفغانستان وإيران وأوزبكستان أو تركمنستان اليوم . بالإضافة إلى ذكر الدجال وخروجه من مرو قرب أصفهان بإيران كما ورد بحديث نبوي شريف آخر . وتاريخيا اتخذ الشيعة ( آل البيت ) الرايات السود عدة مرات . وإيران اليوم مساحتها واسعة ويقطنها حوالي 80 مليون نسمة ، ولها جيش بري وبحري وجوي كبير فهي ذات بأس عظيم ، وتعمل على بناء مفاعلات نووية يتهمها فيها الغرب بأنه مفاعلات نووية عسكرية .
سابعا : حركة طالبان الأفغانية :

وهي حركة الطلبة المسلمين الأفغان واتخذت من الأعلام أو الرايات السود رمزا لها ، وهي الحركة الإسلامية التي بنت بالتعاون مع تنظيم القاعدة ( الإمارة الإسلامية الأفغانية ) عام 1996 بقيادة أمير المؤمنين الملا محمد عمر ، لتحكم 25 مليون مسلم أفغاني ، واستمرت حتى 2001 ، ثم جاء الاحتلال الأجنبي الأمريكي بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي التي يطلق عليها ( إيساف ) الذي لا زال حتى الآن .

ولا زالت حركة طالبان المسلمة تسيطر على أكثر من ثلثي بلاد أفغانستان رغم التآمر الاستعماري العالمي عليها وألحقت خسائر فادحة بالمحتلين الأمريكان والغربيين ، فهي تمتلك قوة إرادة فولاذية رغم ما تعرضت له من قتل وإرهاب . وتعتبر أفغانستان المسلمة مقبرة الإمبراطوريات البريطانية قديما ، والسوفياتية قبل عقدين من الزمن ، والإمبراطورية الأمريكية حاليا حيث تحاول قوات الاحتلال الأجنبي محاورة ومفاوضة حركة طالبان ولكن طالبان تأبى الجلوس مع قيادة قوات الاحتلال الأجنبي .

وتريد هزيمتهم ودحرهم وإحراز النصر الرباني الجهادي عليهم ولو بعد حين وستهبط قوة الولايات المتحدة من دولة عظمى لدولة مهزومة قريبا كما تشير الدلائل والمعطيات العسكرية والبشرية على الأرض لذلك . وحركة طالبان هم ممن يلبسون العمائم السود وشعورهم ولحاهم سوداء طويلة ، ويرتدون الملابس البيضاء ايضا وربما يكونون من أصحاب الرايات السود كلهم أو جزءا منهم مستقبلا .


وورد بحديث نبوي شريف آخر ، أمر المسلمين بإتباع أصحاب الرايات السود الآتية من خراسان لنصرة المهدي المسلم المنتظر محمد ( أحمد ) بن عبد الله من نسل فاطمة الزهراء ابنة رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وحفيده الحسن بن علي رضي الله عنهما ، كما جاء بمسند أحمد - (ج 45 / ص 368) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ " . وجاء بسنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 106) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ يَعْنِي سُلْطَانَهُ " .

المهدي في الإسلام

- سنن أبي داود - (ج 11 / ص 356) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الْأَنْفِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ " .
- سنن أبي داود - (ج 11 / ص 357) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " .
- سنن أبي داود - (ج 11 / ص 359) قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا
- و قَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ حَرَّاثٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَنْصُورٌ يُوَطِّئُ أَوْ يُمَكِّنُ لِآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ أَوْ قَالَ إِجَابَتُهُ .
- سنن الترمذي - (ج 8 / ص 174) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي
- سنن الترمذي - (ج 8 / ص 176) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيَّ يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا زَيْدٌ الشَّاكُّ قَالَ قُلْنَا وَمَا ذَاكَ قَالَ سِنِينَ قَالَ فَيَجِيءُ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي أَعْطِنِي قَالَ فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ
- سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 101) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي فَيَقُولُ خُذْ
- سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 104) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَذَاكَرْنَا الْمَهْدِيَّ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ
- سنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 108) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : قَالَ لِي جُبَيْرٌ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذِي مِخْمَرٍ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَسَأَلَهُ عَنْ الْهُدْنَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَتُصَالِحُكُمْ الرُّومُ صُلْحًا آمِنًا ثُمَّ تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا فَتَنْتَصِرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَنْصَرِفُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلِيبِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقُومُ إِلَيْهِ فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَيَجْتَمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ
- مسند أحمد - (ج 2 / ص 116) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ
- مسند أحمد - (ج 22 / ص 443) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ النَّاسِ وَزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ يَقْسِمُ الْمَالَ صِحَاحًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا صِحَاحًا قَالَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِنًى وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ حَتَّى يَأْمُرَ مُنَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُولُ مَنْ لَهُ فِي مَالٍ حَاجَةٌ فَمَا يَقُومُ مِنْ النَّاسِ إِلَّا رَجُلٌ فَيَقُولُ ائْتِ السَّدَّانَ يَعْنِي الْخَازِنَ فَقُلْ لَهُ إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَنِي مَالًا فَيَقُولُ لَهُ احْثِ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَبْرَزَهُ نَدِمَ فَيَقُولُ كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا أَوَعَجَزَ عَنِّي مَا وَسِعَهُمْ قَالَ فَيَرُدُّهُ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ فَيُقَالُ لَهُ إِنَّا لَا نَأْخُذُ شَيْئًا أَعْطَيْنَاهُ فَيَكُونُ كَذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ
- سنن الترمذي - (ج 8 / ص 185) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ .
- سنن الترمذي - (ج 8 / ص 224) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ
- مسند أحمد - (ج 46 / ص 492) حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَخِي سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَتَكُونُ بَعْدِي بُعُوثٌ كَثِيرَةٌ فَكُونُوا فِي بَعْثِ خُرَاسَانَ ثُمَّ انْزِلُوا مَدِينَةَ مَرْوَ فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ وَلَا يَضُرُّ أَهْلَهَا سُوءٌ
- المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 249) عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَالأَنْصَارِ ، عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ عَنْ يَسَارِهِ ، وَالْعَبَّاسُ عَنْ يَمِينِهِ , إِذْ تَلاحَى الْعَبَّاسُ , وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَغْلَظَ الأَنْصَارِيُّ لِلْعَبَّاسِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْدِ الْعَبَّاسِ وَيَدِ عَلِيٍّ , فَقَالَ : سَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا حَيٌّ , يَمْلأُ الأَرْضَ جَوْرًا وَظُلْمًا ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا حَيٌّ ، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلا وَقِسْطًا ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْفَتَى التَّمِيمِيِّ ، فَإِنَّهُ يُقْبِلُ مِنَ الْمَشْرِقِ وَهُوَ صَاحِبُ رَايَةِ الْمَهْدِيِّ .

على أي حال ، ورد في بعض الروايات الإسلامية أن قائد الرايات السود التي تظه رمن خراسان ، اسمه ( شعيب بن صالح التميمي ) يقود اربعة آلاف مسلم من ذوي الرايات السود ، ويهزم كل من يخالفه . وجاء في وصف الفتي التميمي ، ما ذكره نعيم بن حماد عن الحسن رضي الله عنه قال : ( يخرج بالرى رجل ربعة أسمر من بني تميم كوسج يقال له شعيب بن صالح في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود ويكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله - أي هزمه ). كما جاء في الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد عن محمد ابن الحنفيه قال : ( تخرج رايات سود لبني العباس ثم تخرج من خرسان أخرى سود قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح من تميم ، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين ان يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا ) . أي أن أول علامات المهدي الدالة على خروجه هي خروج شعيب بن صالح التميمي .

وغني عن القول ، إن اصحاب الرايات السود السابقة ، تختلف في الاستراتيجيات والتكتيكات ، البعيدة المدى والمرحلية ، وإن تشابهت في بعضها ، كالإيديولوجية الإسلامية الواحدة ، رغم التباين اللفظي والإعلامي والجهادي فيما بينها .
وفي بشرى تقريبية أخرى ، لإنتصار المسلمين وتغلبهم على الأعداء الأجانب المهاجمين في بلاد ما بين النهرين ( العراق ) منذ ربيع عام 2003 ، تشن قوى المقاومة الإسلامية المتعددة الأجنحة والأسماء والمسميات بالعراق حربا جهادية مقدسة ضد الاحتلال الأمريكي وأعوانه الدوليين وغيرهم ، وها هي فلول جيوش الاحتلال الصليبي ترحل تدريجيا بفعل المقاومة الإسلامية العنيفة بعد أن ذاقت ويلات الحرب المستعرة .
حول هذا الأمر ، جاء في مسند أحمد - (ج 41 / ص 412) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الْبَصْرَةُ يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْعُيُونِ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ وَهَلَكَتْ وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا فَكَفَرَتْ فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا " . وها هي الفرق الثلاث الواردة بالبشرى النبوية كما نعتقد ونظن ، في أرض الرافدين ، السنة والشيعة والأكراد ، وسيفتح الله على المجاهدين المسلمين الحقيقيين ، حسب النيات الطيبة ، سواء أكانوا من السنة أم الشيعة أم الأكراد المجاهدين ، لا فرق بين مجاهد ومجاهد ، في أرض العراق ولو بعد حين من الدهر . ونرى أن النصر بات قريبا على الغزاة المستعمرين الأمريكيين ومن والاهم من المنافقين والسفهاء والمتخاذلين .
وورد في سنن أبي داود - (ج 11 / ص 383) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَنْزِلُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ عِنْدَ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ يَكُونُ عَلَيْهِ جِسْرٌ يَكْثُرُ أَهْلُهَا وَتَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ ابْنُ يَحْيَى قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ وَتَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ جَاءَ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَيَتَفَرَّقُ أَهْلُهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَالْبَرِّيَّةِ وَهَلَكُوا وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَهُمْ وَهُمْ الشُّهَدَاءُ " .
كما ورد في مسند أحمد - (ج 36 / ص 326) عَن أَبِي نَضْرَةَ قَالَ أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ فَلَمَّا حَضَرَتْ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا ثُمَّ أُتِينَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ فَحَدَّثَنَا عَنْ الدَّجَّالِ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ وَمِصْرٌ بِالشَّامِ فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ نَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ السِّيجَانُ وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّحَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمْ الْغَوْثُ ثَلَاثًا فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ صَلِّ فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ " .
وجاء في مسند أحمد - (ج 41 / ص 377) عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الْبَصْرَةُ إِلَى جَنْبِهَا نَهَرٌ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ ذُو نَخْلٍ كَثِيرٍ وَيَنْزِلُ بِهِ بَنُو قَنْطُورَاءَ فَيَتَفَرَّقُ النَّاسُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِأَصْلِهَا وَهَلَكُوا وَفِرْقَةٌ تَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا وَكَفَرُوا وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ فَيُقَاتِلُونَ قَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ يَفْتَحُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى بَقِيَّتِهِمْ وَشَكَّ يَزِيدُ فِيهِ مَرَّةً فَقَالَ الْبُصَيْرَةُ أَوْ الْبَصْرَةُ " .
وجاء ايضا في مسند أحمد - (ج 41 / ص 412) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الْبَصْرَةُ يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْعُيُونِ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ وَهَلَكَتْ وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا فَكَفَرَتْ فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا " .
وبهذا نرى أن الكلام النبوي الشريف الصادر عن رسول الله الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، يؤكد حتمية النصر الإسلامي ، بعد إرتقاء قافلة الشهداء المدافعة عن الكرامة العربية الإسلامية في بلاد النهرين ، دجلة والفرات ، وهم النهران المذكوران بالاسم في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة . ويقصد بالبصرة بالحديث النبوي الشريف السابق ، هو أرض العراق برمتها ، وإنما جاءت كلمة البصرة للتدليل عليها ، كونها كانت في ذلك الوقت هي أم البلاد والأمصار العراقية .
ومن خلال مراجعة أقاويل وأحاديث جورج بوش الصغير وزبانيته ووسائل إعلامه ، قبل وأثناء وبعد الهجوم العدواني على الشعب العراقي المسلم في أرض الرافدين ، والشعب الأفغاني المسلم تبين أنه السبب الأساسي لشن العدوان الغادر على هذين البلدين المسلمين هو منع التمهيد لظهور المهدي المسلم الذي سيقود الأمة الإسلامية لمحاربة الصليبيين ويشكل درعا منيعا وحصينا أمام هجمات الإمبراطوريات الأجنبية في آسيا العربية الإسلامية وسحق الاحتلال والمعسكر الأمريكي والأوروبي والغربي والشرقي على السواء ، إضافة للأسباب الثانوية الأخرى وهي الأسباب الاقتصادية والنفطية والعسكرية والاستراتيجية العامة .
وبالاستناد للأحادث النبوية الشريفة السابقة ، فإن أهل الجهاد والصبر والمصابرة في ارض الرافدين سيحققون النصر النهائي على المحتلين الأعداء الأجانب ، عاجلا أم آجلا ، ونرى أن هؤلاء الناس هم من أصحاب الرايات السود ( السوداء ) .
وهناك بشرى إلهية أزلية ، تتمثل بنصر الله لعباده المؤمنين ، بعد المحن والفتن والإبتلاء ، لتمحيص المجاهدين الذين يجاهودن بأموالهم وأنفسهم من غيره ويمحق الكافرين محقا حتميا لا مناص منه ، وتمكين عباد الله الصالحين في الأرض ، فهو القادر على كل شيء ، وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .
يقول الله الحميد المجيد جل جلاله : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}( القرآن المجيد – الأنبياء ) .

بشارة المسيح عيسى ابن مريم بمحمد

على أي حال ، لقد بشر رسول الله المسيح عيسى بن مريم بانتصار الإسلام ، بقوة الله الواحد القهار ، وأمر أتباعه بإتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ( أحمد ) بن عبد الله صلى لله عليه وسلم :
يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}( القرآن المجيد – الصف ) . وأحمد هو رسول الله الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وسلم ، لأن لرسول الله الكريم عدة أسماء كما ورد بالحديث النبوي الشريف ، في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 362) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ " . وفي رواية أخرى ، صحيح مسلم - (ج 12 / ص 35) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا " .


كلمة أخيرة

لا بد لجند الله المؤمنين في أرض الله الواسعة أن ينتصروا على أهل الضلال والفساد والسفهاء والمنافقين من جند إبليس الرجيم ، فهذه بشرى لأهل الإسلام في العالمين بحتمية تحقيق النصر المبين على الأعداء الأجانب المحتلين ، وعودة الأرض المقدسة لأحضان الأمة الإسلامية ، أصحابها الحقيقيين ، كما ورد بالحديث النبوي الشريف ، بسنن الترمذي - (ج 8 / ص 224) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ " . وتؤكدها رواية أخرى ، وردت بمسند أحمد - (ج 17 / ص 462) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ " .
وخراسان من الناحية التاريخية ، زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشمل عدة مناطق أهمها : الجزء الشمالي من أفغانستان ومن بينها مدينتا هيرات وبلخ ، والجزء الأكبر من خراسان يمثل إيران وتركمنستان ، وكانت عاصمة خراسان القديمة ( نيسابور ) . وإيلياء زمن العهد الإسلامي الأول هي بيت المقدس أو القدس الشريف بفلسطين ( الأرض المقدسة ) في أيامنا هذه ، وبهذا تكون بشرى إسلامية آتية لا ريب فيها إن شاء الله رب العالمين على أيدي المسلمين من ذوي الرايات السود .
وسيبقى الاحتلال والاستعمار الأجنبي الصليبي الأمريكي والأوروبي ، والصهيوني يهاب ويتوجس خيفة من أصحاب الرايات السود ، مهما كان فعلها صغيرا أو كبيرا ، فالصغير يكبر ، والكبير يصغر ، في سنة الله الأبدية بالحياة الدنيوية ، فأصحاب الرايات السود هم أصحاب النصر الختامي المدوي المبين في العالمين . والبيت الأبيض الأمريكي يخاف من السواد ويتذكر عملية الحرق السابقة له فعمل على استبدال الإحراق الأسود بالطلاء الأبيض ، ولن يغير من الأمر شيئا .

راجين كل التوفيق والسداد والنجاح لجميع المسلمين وأن يولي الله الصالحين لرعاية أمور ، لتحقيق النصر الإسلامي المبين ، في ظل القرآن العظيم .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .





خريطة خراسان التاريخية