الجمعة، 25 يونيو 2010

العدل الإسلامي .. والقضاء المدني الفلسطيني .. وتأجيل حل النزاعات

العدل الإسلامي ..
والقضاء المدني الفلسطيني ..
وتأجيل حل النزاعات


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) }( القرآن المجيد – النساء ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 307) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ" .

استهلال

ينقسم القضاء العالمي العصري ، في أي دولة من الدول إلى ثلاثة أجهزة :
الجهاز الأول : القضاء الديني لأتباع الديانات في البلاد ، فهناك المحاكم الشرعية الإسلامية ، ومحاكم النصارى ومحاكم الدروز ومحاكم اليهود ومحاكم الهندوس وأصحاب الديانات الأخرى وغيرهم .
والجهاز الثاني : القضاء المدني : محاكم البداية والصلح والتمييز والمحكمة العليا .
والثالث : القضاء العسكري الأمني ، حيث يتم إنشاء محاكم عسكرية تصدر أحكاما صارمة وسريعة .

الإسلام والقضاء بين الناس .. فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ

يقول الله تبارك وتعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}( القرآن المجيد – المائدة ) .
ويقول الله الغني الحميد عز وجل : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)}( القرآن المجيد – النحل ) .
ويقول الله الحميد المجيد جل شأنه : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)}( القرآن المجيد – النحل ) .

القاضي المسلم في الجنة .. وإثنان في النار

أكد الإسلام العظيم على وجود ثلاثة أنواع من القضاة ، واحد من هؤلاء الأصناف في الجنة وهو القاضي الذي عرف الحق وقضى به ، وأما القاضيان الذين في النار فهما القاضي الذي يعرف الحق ولا يحكم به ، والقاضي الذي يحكم بأمور يجهلها . عن ذلك جاء في سنن أبي داود - (ج 9 / ص 463) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ " .
على أي حال ، اهتم الإسلام العظيم بالقضاء بين الناس ، وفق أسس الشريعة الإسلامية ، وجعل الإنصاف والعدل والعدالة والسرعة في البت بالنزاعات من المبادئ العامة التي ترسم طريق الإسلام في المجتمع الإسلامي السوي . وتعتبر اسماء الحق والعدل من أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى وذلك لترسيخ وتعزيز العدل والعدالة والمساواة بين الناس .

رفض الإسلام شهادة الزور

قلد الإسلام القضاة للحكم بين الناس في منازعاتهم اليومية مهما كان نوعها أو شكلها ، ودعا إلى تحقيق الحقوق للعباد ورد المظالم إلى أصحابها ، وندد الإسلام بشهادة الزور واعتبرها من الكبائر المهلكة للإنسان والمجتمع على السواء .
وقد حذر الإسلام من شهاد الزور ، يقول الله العدل الحق تبارك وتعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }( القرآن العظيم – الحج ) . ويقول الله الحليم العظيم : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}( القرآن المبين – الفرقان ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ" .

العدل الإسلامي .. والإظلال بظل الله يوم القيامة

وقد حث الإسلام على إتباع طرق العدل والعدالة بين الجميع ، لا فرق في اللون والجنس والعرق ، والعشيرة والقبيلة ، والمنطقة الجغرافية ، فالكل سواسية كأسنان المشط . والقرآن المجيد هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي فهو الدستور الإلهي الخالد بالخطوط العريضة ، ثم الأحاديث النبوية الشريفة ، فالاجتهاد ثم القياس . ولا اجتهاد بوجود نص إسلامي . فقد جاء في صحيح البخاري - (ج 3 / ص 51) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " .

فضل المقسطين في الإسلام .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

يقول الله المقسط السميع العليم سبحانه وتعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) }( القرآن المجيد – المائدة ) .
ويقول الله الخبير العليم : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}( القرآن المجيد – الحجرات ) .
وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ ، فالله يحب المقسطين ، ولا يجب الجائرين ، جاء في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 350) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا " .

استجابة الله لدعوة المظلوم .. لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ

الحاكم السوي ، والقاضي العادل ، هو من ينصف المظلوم ويأخذ حقه من ظالمه ، في جميع المجالات والميادين ، جاء في مسند أحمد - (ج 19 / ص 409) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُرَدُّ دُعَاؤُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " .





القضاء المدني الفلسطيني .. الواقع والتطلعات



في الأرض المقدسة ( فلسطين ) ورغم عدم وضوح الرؤية لإقامة دولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، فإنه توجد السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وإن كانت لا ترتقي لمستويات سلطات الدولة الثلاث المعهودة في الدول بالعالم ولكن تسميتها توحي بوجود دولة فلسطينية ببارقة الأمل المنشود .
وفي هذا المضمار ، فإننا نتطرق للقضاء المدني ، المنتشر في المحافظات الفلسطينية ، منذ عهود طويلة ولكنه لا يفي بالغرض المطلوب رغم قيام السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994 . فمحاكم البداية ومحاكم الصلح موجودة نظريا ولكنها على أرض الواقع لا تبت في النزاعات فعليا بكثرة إلا بعد مرور عدة جلسات بل قل عدة سنوات في النزاعات الجزائية التي يفترض أن تأخذ طريقها للحكم بأقصى سرعة ممكنة لردع الظالمين والمعتدين على الغير ، ويحاولون أن يكون حكاما وجلادين في الآن ذاته . وكذلك فإن المحكمة العليا في فلسطين تؤجل البت بالقضايا لعدة جلسات متباعدة .



وهذا التأخير والمماطلة في إصدار الأحكام القانونية ، يرهق ويزعج ويؤرق المعتدى عليهم ، والفئات المستضعفة ، من الأطفال والنساء والرجال والمرضى والفقراء ، أو المواطنين الصالحين الذين لا يريدون أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم من الجائرين عليهم ، فيولد نقمة وكراهية شديدة للنظام القضائي عموما ، ولأولي الأمر من القضاة في المحاكم المدنية الفلسطينية خصوصا . وبعملية التأخير العفوية أو المقصودة ، لغاية في نفس يعقوب ، تجلب الانتقام المضاد من المعتدى عليهم ، ليأخذوا ثأرهم وحقهم من غرمائهم في الخصام بطرقهم الخاصة ، مما يسبب عدم الاستقرار وغياب الأمن والأمان النفسي والاجتماعي ، في المجتمع ويزيد الطين بلة ، فالأولى أن تصدر الأحكام القانونية لردع المعتدين ومن يفكر بالاعتداء على غيره ليكون عبرة لمن يعتبر ، وتقليص الجنح والجرائم بين الناس .
وهناك الكثير من نتائج استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة ، التي تجرى وتنشر ، بين الفينة والفنية والأخرى ، مؤكدة استقلالية القضاء الفلسطيني ، وحياديته وموضوعيته ونزاهته وسرعته في البث بالقضايا ، ورضاء الناس عليه بنسب كبيرة عالية ، وهي بعيدة عن العلمية والموضوعية ، بل تمارس النفاق العام والمنافقة التي لا تستند للواقع المعاش فعليا ، وتكون موجهة سياسيا أو حزبيا ، التي تبث بين الحين والآخر ، وتدعي زورا وبهتانا ، أن القضاء المدني يقوم بدوره على الوجه الأمثل والأكمل والأجدى ، بعكس قناعات الشارع الفلسطيني ، على أرض الواقع ، تجاه المشرع والقاضي الفلسطيني على السواء وإن كانت بدرجات متفاوتة ، وتحاول إقناع الناس بأن القضاء الفلسطيني مستقل ، ومنفصل عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ، علما بأن السلطة التشريعية ( المجلس التشريعي الفلسطيني ) غائبة أو مغيبة لا فرق منذ عام 2006 ، بفعل عوامل ذاتية وموضوعية ، داخلية وخارجية سياسية وعسكرية وإعلامية على السواء ، وكذلك حال السلطة التنفيذية ، ثنائية الجناحين في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات منذ حزيران عام 2007 حتى الآن ( حزيران 2010 ) .
ولا بد من القول ، إن هناك قضايا خفيفة تبت بها المحاكم المدنية الفلسطينية بسرعة ، ولا تحتاج لتأجيل أو تأخير أصلا ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، كحلف اليمين المشفوع بالقسم والوكالات العامة والدورية وتصحيح الأسماء وإضاعة بطاقات الهوية أو رخص السياقة وغيرها .
ولكن الأمثلة كثيرة للقضايا المؤجلة في حالات الجنح والجرائم كالاعتداء العنيف والجرح والشروع في القتل والقتل وغيرها من قضايا الجزاء التي لا زالت تنتظر منذ بضع سنين ، وأكل الدهر عليها وشرب ، والتي كانت تراكمت بحالة الفلتان الأمني إبان انتفاضة الأقصى المجيدة ، التي سادت في البلاد وما بعدها ، وغاب القضاء المدني عن الفعل النظري والعملي في الآن ذاته ، وأصبحت العدالة النزيهة والشفافة جريحة وتائهة بل ضائعة في أروقة قاعات المحاكم التي تنتشر بها كثرة التدخين بشكل غير معقول ويجري فيها إهانة وإبتذال مئات المتقدمين بشكاوى للمحاكم المدنية الفلسطينية لعل وعسى أن يتم إنصافهم بالقانون الفلسطيني ، ولكن خاب ظنهم ، فخرجوا يائسين ومحبطين من عربدة الزعران والمتنفذين الذين اعتدوا عليهم بقوة القوة وغياب قوة الحق بين أهل المجتمع الواحد والشعب الواحد والدين الواحد والجغرافيا الواحدة والمصير الواحد والتاريخ الواحد والقضاء الواحد .
وفي بعض الزيارات الميدانية لي لمحكمة الصلح والبداية في مدينة نابلس ، بالمباني الجميلة الرائعة الجديدة بطوابقها المتعددة ، بالمنطقة الغربية ، وبالنظام القضائي المحوسب الجديد ، رأيت بأم عيني تذمر وتنهد وشكاوى عشرات المتقدمين والمحامين الذين يترافعون ويدافعون عنهم ، ممن أعرفهم ولا أعرفهم ، بشكاوى للمحاكم المدنية ضد من إعتدى عليهم أو على ممثليهم ، فيسب عشرات المتقدمين بالشكاوى ويشتمون القضاء الفلسطيني جزئيا أو كليا ، لتأجيله وتأخيره الفصل القانوني بقضاياهم ، لعدة شهور وبضع سنين ، دون النظر الفعلي بحيثياتها ، لإرغام المتخاصمين على الصلح القضائي أو العشائري القسري ، حيث يقول لهم القاضي هل اصطلحتم ؟؟ فإذا كان الجواب بالنفي ، فيتم تأجيل القضية لمرات ومرات ، كتحصيل حاصل ، وعدم إدانة المعتدين وتطبيق القانون عليهم ، فأي استقلالية هذه ؟؟ واي حيادية هذه ؟؟ واين النزاهة والشفافية التي تنشر في وسائل الإعلام ؟؟ تمجيدا وتخليدا لشيء غائب وغير موجود أصلا . وهل يا ترى أصبح القضاء المدني وسيلة غير مباشرة لتحويل البث بالنزاعات المرفوعة أمامه للقضاء العشائري للصلح وإصلاح ذات البين ؟؟! ما لكم كيف تحكمون ؟؟؟

قضايا مؤجلة لعدة سنوات .. وغياب المشتكى عليهم لمرات ولا إجراءات ضدهم


يقول الله الحسيب الرقيب جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }( القرآن الحكيم – المائدة ) .
وفي هذا السياق ، طلب مني بعض المعتدى على حقوقهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية ورفعوا قضايا أمام المحاكم المدنية الفلسطينية ، للتطرق الإعلامي الشامل بكثافة وانتظام زمني ، لهذه المسألة الهامة في حياة مصير الإنسان الفلسطيني ، وقال لي بعضهم بالحرف الواحد وسط استغرابي واستهجاني الشديد لما سمعت أذناي : القضاء المدني الفلسطيني يتخلى عن واجبه ، ويرحل القضايا عمليا للقضاء العشائري !!! . وقال سياسي وأكاديمي فلسطيني : إعتدى علي بعض الزعران من أجهزة الأمن ممن لهم سوابق لا أخلاقية وأمنية ، وأطلقوا النار علي ، ولكنهم لم يظفروا بي بفضل الله ، فشكوتهم للشرطة الفلسطينية وحولتنا الشرطة للمحكمة قبل أكثر من أربع سنين وتخرج بعض أبنائي من الجامعة ولا يحضر المشتكى عليهم لجلسات المحاكمة والقضاة لا يعيرون الأمر أي اهتمام ، ولا زالت المحكمة المدنية لم تصدر قرارا بالحكم على هؤلاء الزعران ، فإلى متى ، يا ايتها المحكمة الموقرة هذه المماطلة ؟؟ ومن يتحمل المسؤولية : المحكمة أم مجلس القضاء الأعلى أم الحكومة الفلسطينية التي عينت القضاة ؟ أم القانون المعمول به في فلسطين أم جميع هؤلاء ؟؟ وقال آخر ، لا يوجد قضاء مدني فعلي بفلسطين ؟؟ والفلتان الأمني أخذ صورا جديدة ، دون ملاحقة قضائية ؟؟ وتسائل البعض الآخر ، لماذا توجد محاكم البداية والصلح ، طالما تؤجل عملية إصدار القرار ، ريثما يحضر المشتكى عليه طوعيا ، دون متابعة تنفيذية وإرغامه على الحضور لجلسة المحكمة ؟؟! وقال غيره : ساق الله على أيام زمان ، زمن الانتفاضة المجيدة حيث كان المسلحون يأخذون لنا حقوقنا كاملة وكنا لا نلجأ للقضاء الفلسطيني ؟؟ . وهدد آخر ، بأنه يريد التوجه للمحكمة العليا الفلسطينية في رام الله بعدما فشلت المحكمة في نابلس بإصدار الحكم راجيا العمل على إنصافه والبت بقضيه بعد عدة سنوات من تقديمها ولكن دون جدوى ... وطلب الجميع من الله المقسط العدل فهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين ، أن ينصفهم ويأخذ حقهم من الظالمين لهم ، وقالوا إنهم لن يلجأوا للقضاء الفلسطيني مرة أخرى مهما كانت الدواعي والأسباب ؟؟؟ .. والصلح خير .. والتنازل عن الحقوق افضل من اللجوء للقضاء المدني الفلسطيني .. وطالب بعضهم بنقل النزاعات للمحاكم الشرعية لأنها الأسرع والأدق في البت بالقضايا العامة والخاصة في المجتمع الفلسطيني .. وزعم آخرون : أنهم سيدافعون عن أنفسهم بجميع الطرق إذا اعتدى عليهم زعران ، ونهاية الأمر الصلح وبوس اللحى بالجاهات والمشايخ ووجهاء المنطقة .
هذه الحال المأساوية المحزنة في المحاكم الفلسطينية ، تبعث على الحسرة والنفور العام من المحاكم المدنية الفلسطينية ، فهل من مجيب ، ومبادر للتصحيح السريع قبل فوات الأوان وعودة الفلتان ؟؟!!

كليات القانون والحقوق بالجامعات الفلسطينية

على أي حال ، إن كليات القانون تنتشر في الكثير من الجامعات المحلية الفلسطينية ، وتضم آلاف الطلبة الجامعيين على مقاعد الدراسة لنيل شهادة البكالوريوس أو الماجستير ، وتتزايد أعداد الخريجين من هذه الكليات عاما بعد آخر ، وفوجا بعد فوج آخر ، وأصبحنا نلاحظ المئات من المحامين المتدربين والمتفرغين لشؤون الدفاع عن قضايا الناس في فلسطين ، يرتادون المحاكم المدنية الفلسطينية ، وفي مكاتب المحاماة للتدريب لمدة سنتين ، وكتحصيل حاصل يفترض أن يتم زيادة الوعي بالأوضاع القانونية الموجودة حسب القوانين والتشريعات الفلسطينية القديمة الموروثة أو التي سنها المجلس التشريعي الفلسطيني ، كسلطة برلمانية منتخبة ، منذ عام 1996 حتى الآن . وعلى النقيض من ذلك ، فإن الزائر للحرم القضائي الفلسطيني في أي مدينة فلسطينية ، يلاحظ الهمة القضائية المدنية ، تجري على قدم وساق ، ويخيل للإنسان أن الأمر مستتب وأن الأحكام تصدر تباعا ، ولكن الأمر لا يبدو فعليا كذلك ، فعشرات القضايا المنظورة يتم تأجيلها لأكثر من شهر وأحيانا تؤجل لأكثر من ستة شهور ، وتبقى الملفات القضائية تدور بحلقات مفرغة ، من بدايتها لنهايتها ، مع ما يلحق ذلك من أذى وحسرة لدى أصحاب الحقوق ، ويجعلهم لا يثقون بالمحاكم المدنية الفلسطينية ، ويرونها مضيعة للوقت ، وذلك عبر عدم مبالاة المشتكين ، والمتهمين على السواء في حضور جلسات هذه المحاكم المدنية ؟؟؟ فهل يتم الفصل بالنزاعات والقضايا المدنية بالسرعة الممكنة ؟ أم يتم تأجيلها وتأخيرها لشهور وسنوات متتالية دون البت فيها ، مع ما يكرسه ذلك من فلتان خفي غير علني للشلل والزعران والقبضايات وأحيانا العشائر والعائلات التي تنادي بالعصبية القبلية ، فتدمر وتحرق وتعتدي على العائلات الضعيفة أو القليلة العدد .

المحامون والرسوم والبدل المالي المرتفع

عند اللجوء لتوكيل محام فلسطيني ، من القدامى أو الجدد ، يطلب المحامي مبالغ مالية مرتفعة لتبني قضية معينة ، والدفاع عن حقوق الشخص عينه ، سواء أكان شاكيا أو مشتكى عليه ، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يدافع عنهم المحامي ، وكلما زادت وطالت عدد جلسات المحاكمة كلما زادت تبعات الفرد المالية بمئات الدنانير وآلاف الشواكل والدولارات أحيانا ، حيث يتوجب على الشخص الذي يترافع عنه المحامي
دفع مبلغ مادي إضافي للمحامي ، مما يسبب له الإرهاق المادي ، والقنوط واليأس والإحباط من القضاء المدني والمحكمة والمحامي كذلك .
ومن نافة القول ، إن تأجيل جلسات المحاكمة لعدة شهور وسنوات يصيب أصحاب المصالح بالإحباط ويجعلهم يضطرون للتنازل عن حقوقهم راضين قسريا ، وبالتالي عربدة الأنذال المعتدين عليهم ، والشماتة بهم ، وبهذا يكون القضاء الفلسطيني فقد أسس وقواعد العدل والعدالة بين الجميع ، وشجع بطريقة غير مباشرة بعض أصحاب السوابق الجنائية أو القبضايات بالاعتداء الجديد على آخرين ؟؟؟

ورش العمل القانونية .. لتفعيل القضاء المدني الفلسطيني

وفي هذا الصدد ، إن ورش العمل والحلقات الدراسية والاجتماعات القانونية ، التي تحاول الارتقاء بالقضاء المدني سواء أنظمت هذه الفعاليات بإشراف مباشر من وزارة العدل الفلسطينية أو مجلس القضاء الأعلى أو كليات القانون والحقوق بالجامعات الفلسطينية ، أو بكلها مجتمعة ، ورش وحلقات دراسية غير مجدية كثيرا ، بل لا زالت تراوح مكانها ، وبقيت توصياتها نظرية بعيدة عن التطبيق الفعلي على أرض الواقع ؟؟! . ولا ندري متى ستنتقل لمصاف المحاكم المدنية العالمية لتمارس دورها في البت السريع بقضايا وهموم الناس بعيدا عن التأخير ، وتعمل على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والفكري لجميع المواطنين . وقد نعذر هذه المحاكم إذا عرفنا الأسباب الحقيقية المقنعة لهذا التأخير وقد لا نؤمن بهذه المبررات إذا كانت واهية ولا تمت للحقيقة بصلة في العديد من المجالات .
والاختلاف والتباين في المجتمع الفلسطيني ، كغيره من المجتمعات العربية والإسلامية والإقليمية والعالمية ، متوفر ولكن بدون قوة ردع قانونية فعلية على أرض الواقع ، فاصبح الزعران يصولون ويجولون ، ويضربون ويجرحون وأحيانا يقتلون ، ويعتدون على الأرض والعرض والشرف والأخلاق العامة ، دون الضرب القانوني بيد من حديد على تفاهات وجنح وجرائم الفئة الضالة في المجتمع الفلسطيني .

الحكم بالشريعة الإسلامية .. والقوانين الوضعية

تتضمن وتستند القوانين الفلسطينية المتعددة ، للكثير من القوانين الوضعية العربية والأجنبية وخاصة الفرنسية والإنجليزية ، وذلك بالرغم من أن القرآن المجيد هو المصدر الأول للتشريع ، وأن الإسلام هو الدين الرسمي لأهل فلسطين الأصليين . وغني عن القول ، إن الأحكام المدنية لا بد أن تنبثق من الدستور الإلهي العظيم الخالد وهو القرآن المجيد .
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
على العموم ، في ظل التأخير العفوي أو المقصود في إصدار الأحكام المدنية الفلسطينية على المجرمين والجناة والمارقين ، يساعد هذه الفئة المجرمة الضالة على زيادة إرتكاب الجرائم دون خوف من العقاب المادي والمعنوي ، النفسي والمالي على السواء ، ففي فصل الصيف مثلا ، تكثر حالات المشاحنات والمشاجرات ( الطوش ) ، نظرا للعصبية الزائدة الناجمة عن إرتفاع درجات الحراراة وتقلبات الجو ، وانتشار البطالة بين الشباب ، ويتم تقديم الشكاوى لمراكز الشرطة الفلسطينية ، فتقوم الشرطة الفلسطينية بدورها ، بالفصل بين المتقاتلين ، وتحتجز الجانبين المعتدي والمعتدى عليه ، افرادا وجماعات وعائلات وعشائر ، بانتظار إفتتاح أبواب المحاكم المدنية كمؤسسات حكومية ، ليتم تحويلهما لاحقا للمحكمة المدنية الفلسطينية ، وخلالها إما يتم إجراء الصلح قبل أو بعد النزول للمحاكم المدنية ، للفصل في النزاعات ، ويتم التغاضي عن الحق الشخصي ، والحق العام ايضا ، ففي أول جلسة ربما يتم الصلح بين الطرفين المتخاصمين ، وأما في القضايا الجزائية الهامة ، فيتم تأجيلها لسنوات وسنوات ، ولا ندري ما الحكمة من ذلك ؟ هل هي لإتاحة المجال للتصحيح الأخلاقي وعقد الصلح ؟ أو نسيان المتخاصمين لعصبياتهم وهدوئهم ؟ أم لماذا ؟ أم لعدم الثقة بإصدار الحكم ؟ وغياب الشهود العدول ؟ أو لعدم وجود مخصصات استضافة بالسجون الفلسطينية للمشاغبين والفوضويين والخارجين عن القانون من المدنيين الفلسطينيين ؟؟؟

مقترحات لمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل في فلسطين

يقول الله الحي القيوم جل ثناؤه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) }( القرآن العظيم – النساء ) .

على كل الأحوال ، لزيادة ثقة الناس بالقضاء المدني الفلسطيني ، بصورة فعلية لا نظرية ، وأن يقوم القضاء المدني بواجبه خير قيام ، نرى أن هناك العديد من المسائل الوقائية والإجرائية العلاجية ، لا بد من أخذها بعين الاعتبار العملي وعدم القفز فوقها أو الابتعاد عن يمينها أو شمالها ، وأهمها ما يلي :
أولا : ترسيخ وتعزيز النظام القضائي القانوني في البلاد ، عبر إنشاء العديد من المحاكم النظامية الجديدة في البلدات المتوسطة بعدد السكان ، وتوظيف القضاة المقتدرين من ذوي المؤهلات العلمية والخبرة العملية وأصحاب السمعة والأخلاق الطيبة لأن القاضي قدوة لغيره من جماهير المواطنين .
ثانيا : شن حملات توعية قانونية إعلامية بين الناس في المدن والريف والمخيمات الفلسطينية حول مختلف الإجراءات القانونية المترتبة على النزاعات في المجتمع ، وتبيان الحقوق والوجبات لكل إنسان .
ثالثا : تفعيل المحاكم المدنية الموجودة ( البداية والصلح والمحكمة العليا ) والإسراع في الفصل في النزاعات والقضايا ، وكذلك تدوير القضاة للنظر في الجلسات بملفات مختلفة . ووضع سقف أعلى لذلك لا يتجاوز سنة واحدة . وبالتالي تحجيم القضاء العشائري الذي يغزو بعض المحافظات الفلسطينية ويغيب فيها القضاء المدني الفعلي .
رابعا : عقد اليوم القضائي الشهري والسنوي الفلسطيني المفتوح ، للبت والفصل السريع بين آلاف حالات النزاع لتذكير الناس بهيمنة القضاء والقانون والتصدي لمحاولات أخذ القانون باليد . ويدعى لهذا اليوم الشهري والسنوي وسائل الإعلام المتعددة الأشكال والأنواع والدعوة لتطبيق القانون .
خامسا : إلقاء القبض على المطلوبين للعدالة ، وتشكيل فرق خاصة لمتابعة هذا الأمر بالتعاون بين المحاكم المدنية والشرطة الفلسطينية لفرض القانون في المجتمع .
سادسا : تعزيز استقلالية القضاء المدني الفلسطيني ، سواء في تعيين القضاة أو في تطبيق القانون على الجميع دون إستثناء ، وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية وتوابعهما في فرض الأحكام أو تخفيفها .
سابعا : الحرية الإعلامية : منح وسائل الإعلام حق حضور المحاكمات القضائية ونشرها بحرية لتكون عاملا مساعدا في ردع المخالفين للقانون .
ثامنا : حبس وتغريم المشتكى عليهم ممن لا يحضر المحاكمات المقرة مسبقا ، والتهرب من الحضور لقاعة المحكمة بدعاوى النسيان المتكرر والمقصود . فلا بد من الصرامة والحزم في حضور المشتكى عليهم ، لا أن يكونوا لا مبالين ، ويكتفون بحضور المحامين وكلائهم بدلا عنهم ، فهذا الأمر أفقد ثقة الناس بالمحاكم المدنية الفلسطينية ، وقلل هيبتها بين الجمهور .
تاسعا : تطبيق الأوامر القضائية الصادرة عن المحاكم الشرعية ضمن دائرة الإجراء والتنفيذ بالمحكمة المدنية ، فيما يخص النفقة للأطفال والطلاق بين الأزواج وما شابه ، ليأخذ كل ذي حق حقه .

كلمة أخيرة


يقول الله العدل الحق المبين ، أعدل العادلين وأحكم الحاكمين سبحانه وتعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}( القرآن الحكيم – ص ) .
وأخيرا ، نرجو للقضاء الفلسطيني كل التقدم والنجاح لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، في ظل سيادة القانون ، وليأخذ كل فرد من أفراد المجتمع حقه ، وضمان عدم إعتداء الآخرين عليه ، ليسود الوئام بدلا من الخصام ، وأن يكون للقضاء المدني هيبته الحقيقية ، بعيدا عن الإهمال والتجاهل العفوي أو المقصود . ونحو الاستقلال القضائي الحقيقي بعيدا عن المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ولتنتهي المناكفات والمشاجرات والمشاحنات الاجتماعية بين الجميع فالشعب الفلسطيني لا زال يجاهد من أجل نيل الحرية والاستقلال الوطني وإقامة دولة فلسطين العتيدة والتخلص من الاحتلال الصهيوني الأجنبي البغيض .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: