الاثنين، 26 أبريل 2010

حقوق الملكية الفكرية في العالم .. في اليوم العالمي للملكية الفكرية 26 نيسان 2010

حقوق الملكية الفكرية في العالم ..

في اليوم العالمي للملكية الفكرية

26 نيسان 2010


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }( القرآن المجيد – النساء ) .

استهلال

صادف يوم الاثنين 26 نيسان – ابريل 2010 ، اليوم العالمي للملكية الفكرية ، التي تشمل التأليف والإختراع ، ويعتبر هذا اليوم من الأيام العالمية التي تحاول حفظ الحقوق الحقيقية الأصلية والأصيلة لأهلها ، ورد المظالم إلى أصحابها الذين عانوا ويعانون وسيبقون يعانون من الاحتيال والسرقة والمكر والخداع ومصادرة حق الملكية الفكرية والإختراع عبر نهب وسلب الآخرين لهذا الحق الإنساني النبيل . وقد أحتفل بهذا اليوم العالمي للملكية الفكرية تحت شعار ( الإبتكار .. ليتواصل العالم ) .
وعملية المصادرة الفكرية أو ما يسمى بالتعددية للملكية الفكرية هي من الأمور الشائعة في المجتمعات الإنسانية القديمة والمعاصرة ، فنرى بعض المؤلفات من الكتب والقواميس والموسوعات والأبحاث ، وقد أعيدت عملية طباعتها دون علم مؤلفيها أو معديها ، ويذهب الريع لتجار الكتب والمطبوعات والمنشورات دون حق شرعي أو إنساني أو قانوني أو إقتصادي .
ومن معضلة المعضلات ، الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية عبر إدعاء بعض الأشخاص امتلاكهم لهذا البحث أو المقالة أو الكتاب أو المعلومة أو الإختراع ، وهو منهم براء ، براءة الذئب من دم نبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام ، فلا يعرفون مدخلاته ومخرجاته ، وإنما يأتي التبني والإدعاء زورا وبهتانا لهذا الحق في التأليف أو الاختراع ، نتيجة النقص السلوكي والعجز التأليفي والمرض النفسي . وأحيانا تجري المناكفات والمساجلات ، وتصل الأمور لنتائج وخيمة ، فتتم التصفيات الجسدية ، والتشهير الإعلامي ، والملاحقة السياسية والأمنية والاقتصادية . وأحيانا أخرى ، يتم اللجوء للقضاء المدني أو الديني أو العسكري ، للمحاكم على اختلاف درجاتها ومستوياتها وأنواعها وأشكالها ، لتبت في الأمر ، وقد تحال هذه المسائل لبعض الأجهزة الأمنية في الدولة أو لإصلاح المصلحين ، لإصلاح ذات البين ، هنا وهناك . والأمر مكشوف ومعلوم ومعروف ، وهو صراع بين أصحاب حقوق الملكية الحقيقيين من جهة ، وبين اللصوص والحرامية والسارقين لجهد غيرهم وبنات أفكارهم الإبداعية في شتى المجالات العلمية والإنسانية ومن يناصرهم من جهة أخرى .

أبرز طرق التعدي على حقوق الملكية الفكرية

تتعدد الطرق والأساليب الشيطانية في التعدي على حقوق الملكية الفكرية ، الفردية والجماعية ، للمؤلفين والكتاب والمخترعين والباحثين ، ومن أبرز هذه الطرق الآتي :
أولا : إدعاء بعض الناس زورا وبهتانا بأن هذا المؤلف أو البحث أو المقال أو الإختراع لهم ، وهم لا يفهمونه ولا يعرفونه ، وإنما يعملون على مطالعته ودراسته الدراسة الوافية لتبنيه والتذرع بحجج واهية أوهن من بيت العنكبوت بأنه لهم ومن أفكارهم الضحلة .
ثانيا : إعادة طباعة المؤلفات التقليدية أو الإلكترونية وتبينها دون علم أصحابها الذين تعبوا وجهدوا بالأيام وسهروا بالليالي الطوال في إعدادها وإخراجها لترى النور ، وذلك للحصول على موارد مالية جديدة بالطرق الحرام ، وحرمان أصحابها من حقوق التأليف والنشر .
ثالثا : طباعة المواد الإعلامية ونشر المخترعات العلمية ، بعلم أصحابها ، وعدم الإفصاح عن الكميات الحقيقية التي جرى تسويقها في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية ، وبالتالي حرمان أهل الحق الأصليين من المردودات والإيرادات المالية الحقيقية الواجبة لهم .
رابعا : سرقات الانتر نت : وتتمثل في إعادة طباعة المواد الإعلامية والمقالات والتحقيقات الإعلامية وتبينها بكتابة أسماء المدعين لها ، ومنافسة المؤلفين الحقيقيين في هذا المجال . وهناك بعض الأغبياء الذين لا يدركون ماهية الإعلام الرقمي عبر الانتر نت ، فكل مادة تنشر يتم ترقيهما بالثواني والدقائق واليوم والشهر والسنة ، وبالتالي فإن مهمة كشف الحقيقي من المزيف هي مسألة بديهية لا تحتاج للكثير من العناء خاصة إذا كانت المواد الإعلامية مدرجة على الشبكات الإلكترونية العالمية لمحركات البحث مثل غوغل وياهو وأم اس أن ، ووفيس بوك وسواها .

أسباب مصادرة الملكية الفكرية في العالم

هناك العديد من الأسباب والعوامل التي تحدو بالبعض لمصادرة الحقوق الفكرية للملكية العامة والخاصة ، للمؤلفات الإنسانية والإختراعات العلمية ، ولعل من أهم هذه الأسباب الآتي :
أولا : الضعف العلمي في التأليف والإختراع ، والرغبة الجامحة لتعويض هذا النقص بسرقة جهد الآخرين بطريقة سهلة ، ولكنها غير مأمونة العواقب والنتائج .
ثانيا : الثراء المادي : بالحصول على مردود مالي كبير ، عبر تسويق بعض المنتجات الفكرية الإنسانية والتكنولوجية ، الرائجة والتي يسهل تسويقها للمجتمعات الاستهلاكية البشرية ، نظرا لأهميتها والاحتياج البشري الضروري لها .
ثالثا : المماحكة والمناكفة للمؤلفين والمخترعين : وذلك لتسفيه براءات الإختراع والتأليف ، فمن منطلق الحسد والبغض والكراهية والحقد والمنافسة غير الشريفة يلجأ البعض لمصادرة حقوق الملكية الفكرية لغيره ، دون وجه حق ، للتنكيد عليه والتشهير به ، ومحاولة تقليل ملكيته الفكرية الإنسانية والعلمية في خدمة البشرية أو طائفة أو شعب أو أمة من الأمم .
رابعا : المرض النفسي : عبر تبني افكار الآخرين وجعلها له ، لإقناع النفس البشرية بأنها مهمة وتستحق الثناء والتقدير على أفعالها .
خامسا : الشهرة والمركز الاجتماعي : وتتمثل بحب ورغبة بعض الناس في تقليد غيرهم بملكيات فكرية ليست لهم ، لمنافسة الآخرين ، في الحصول على الشهرة الرسمية والشعبية ، عبر المساجلات الإعلامية والسياسية والاقتصادية وسواها .
سادسا : الحرب النفسية والإعلامية بين الجماعات والأحزاب والدول والأفراد ، للمنافسة المبتذلة والتشهير بالآخرين للتأثير عليهم في الانتخابات المحلية والبرلمانية والحزبية القطرية والإقليمية والعالمية وغيرها .

أهم طرق الحفاظ على الملكية الفكرية
تتعدد الطرق والأساليب التي يلجأ إليها الناس لحفظ حقوقهما في الملكية الفكرية الإنسانية والتكنولوجية الصناعية أو التجارية ، ومن أهم هذه الطرق :
أولا : الشعارات والرسوم والرموز المميزة والبيانات الجغرافية .
ثانيا : الماركات والعلامات التجارية الخاصة المتميزة .
ثالثا : التسجيل الرسمي في الدولة أو المؤسسات والمنظمات والوكالات الدولية ذات الاختصاص ( المنظمة العالمية للملكية الفكرية – الويبو ) عبر ما يسمى بحقوق الملكية الفكرية أو براءة الإختراع .
رابعا : الاحتفاظ بسر أو أسرار المهنة وخاصة في الإختراعات العلمية والتكنولوجية في الصناعات الاقتصادية والعسكرية للأسلحة التقليدية والنووية وسواها .
خامسا : النشر الإعلامي في وسائل الإعلام الجماهيرية المطبوعة والمسموعة والمرئية .
سادسا : النشر الإعلامي عبر شبكة الانترنت ، وهي طريقة عصرية وحديثة في هذا الأمر .

معاقبة الاعتداءات على الملكية الفكرية

تلجأ الكثير من الدول لمعاقبة المعتدين على حقوق الملكية الفكرية ، عبر القضاء والمحاكم المدنية أو الدينية المختصة في هذا المجال ، وتكون عملية المعاقبة وفق عدة مناحي من أهمها :
أولا : التغريم المادي للمزورين والمعتدين .
ثانيا : الحبس مع الغرامة المالية .
ثالثا : النشر والتشهير الإعلامي .
رابعا : التعزيز الاجتماعي وسط الجمهور .
خامسا : في الإسلام هناك نظام خاصة بالسرقة واللصوص وهو قطع الأيدي . فسرقة الملكية الفكرية ، برأينا ، لا تختلف عن سرقة الأموال العامة أو الخاصة ، والعقاب الإسلامي هو قطع اليد أو الأيدي وفق ضوابط معينة . يقول الله القوي العزيز جل شأنه : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}( القرآن المجيد – المائدة ) .

كلمة أخيرة

من العار والتفاهة والسفاهة ، أن يتبنى الإنسان منتجات أدبية أو علمية أو أسماء أو فنون جميلة أو رسوم أو خرائط أو ملصقات أو بوسترات ، أو صور ، أو غيرها أو أي شيء ليس له ، دون التطرق لذكر صاحبه الحقيقي ، ووسيلة الإعلام الأصلية والأصيلة ، في أي مجال من المجالات الإنسانية والعلمية ، فقيام البعض بتبني وتقمص شخصيات فكرية وإختراعية لا تمت له بصلة ، هي من الأمور المنبوذة فعليا على أرض الواقع ، ولن يجني الإنسان من الشوك العنب . وتنتشر حالات التقمص ومصادرة حقوق الملكية الفردية والجماعية في الأنظمة السياسية والمناطق الجغرافية التي لا يوجد بها القانون أو تلك التي لا تشجع الإبتكار العلمي والإبداع الأدبي . وبناء عليه ، ينبغي على المرء أن يأخذ حقه ، وألا يعتدي على حقوق الملكية الفكرية للآخرين ، سواء بعلمهم أو دون علمهم ، بحسن أو بسوء نية ، فالنتيجة واحدة ، وهي اختلاط الحابل بالنابل ، والصالح بالطالح ، ولهذا ينبغي العمل الحثيث على حماية الملكية الفكرية ، ومعاقبة المخلين بها بشتى أنواع العقوبات المادية والبدنية والنفسية ، عبر فرض الغرامات والحبس والتعزير والفضح الإعلامي ، من خلال المحاكم واللجان النزيهة التي تنظر في هذه المسائل الخلافية الخطيرة .
ونحو حقوق ملكية حقيقية واضحة كل الوضوح ، وتكريم حقيقي مالي وتقديري لأصحاب المؤلفات والإختراعات ، وتسجيل الحقوق الفكرية في كل دولة من الدول ، ليجمع هذه المؤسسات مؤسسة عالمية واحدة موحدة ، ليأخذ كل ذي حق حقه ، دون لف أو دوران أو مواربة أو إنتقاص . ورحم الله المأمون ، الخليفة العباسي المسلم ، في حضارة الدولة الإسلامية العظمى آنذاك في بغداد ، الذي كان يكرم المؤلفين والمترجمين والمخترعين ، بمثاقيل من ذهب ، توازي ما يكتبون في صحائف وجلود الحيوانات والأخشاب والورق الثقيل . والأمانة العلمية والأخلاقية والإنسانية هي الأساس في التعامل مع الناس .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: