الخميس، 22 أبريل 2010

في ذكرى وفاة أمي 22 / 4 / 1999 – 2010

في ذكرى وفاة أمي

22 / 4 / 1999 – 2010


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}( القرآن المجيد – النساء ) .

استهلال

لقد أكد الإسلام العظيم على عدة طرق لرعاية الوالدين والعناية بهما في حياتهما وبعد موتهما ، فقد أوصى الله رب العالمين جل جلاله ، على أهمية بر الوالدين في حياتهما ودفنهما عن عند الموت ومواصلة برهما بعد الموت ، فالوالدين هما نواة الأسرة المسلمة التي تعتبر حجر الزاوية في المجتمع الإسلامي . وجاءت الكلمتان المقدستان ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) على لسان رب العباد خالق الخلق أجمعين ، ثلاث مرات ، في سور : النساء والأنعام والإسراء ، وهذا تأكيد على ضرورة حب الوالدين ورعايتهما في حياتهما وعند كبرهما وبعد موتهما لما لذلك من أهمية كبرى في توطيد أواصر المجتمع الإسلامي الواحد المبني على المحبة والمودة والتعاون والتكامل والتكافل بين الأجيال المتعاقبة .
ويقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}( القرآن المجيد – الأنعام ) .
ويقول الله الحي القيوم عز وجل : { لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }( القرآن المجيد – الإسراء ) . نرى في هذه الآيات الكريمة السابقة ، الوصية الإلهية الواضحة بضرورة عبادة الله الواحد الأحد عز وجل ، ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ، والقيام برعايتهما الرعاية الإسلامية الاجتماعية الشاملة ، اجتماعيا وصحيا واقتصاديا ، فهم الأساس في المجتمع ، وبهما تتكون نواة الأسرة الأولى .
وتشتمل الوصية الربانية للإنسان بوالديه في عدة حالات : الأولى : في الحياة عامة . والثانية : عند الكبر بعدم التأفف منهما ، وعدم الصراخ عليهما أو رفع الصوت عليهما ، أو على أحدهما ، مهما كانت حساسية الأمور ، وينبغي أن يقول لهما الأنباء قولا كريما ، مهذبا لا لبس فيه ولا سباب ولا شتائم ، كما يحصل عند الكثير من أبناء هذا الجيل الاجتماعي في شتى بقاع العالم . والثالثة : بعد وفاتهما وانتقالها للحياة الآخرة .



على أي حال ، جاء في صحيح البخاري - (ج 18 / ص 363) جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ : " أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ " . وبهذا
فإن للأم أهمية عظمى في حياة الإنسان ، فهي مقدمة على الرعاية الأبوية ، فهي التي حملت بالجنين وأرضعته وليدا وربته واهتمت به طفلا وفتى وشابا ، صحيا ونفسيا وجسديا ، فلها ثلاثة أرباع الاهتمام مع الاحتفاظ بالربع الأخير للأب ، كونه المنفق والمعيل والساعي لبناء الأسرة بكل تفان وعزة وكرامة .
وحول حقوق الوالدين من الأبناء ، فإن الإسلام عبر نبي الإسلام ، نبي الرحمة ، يوصى بتأدية الحج عن الوالدين أو أحدهما بعد موتهما إن لم يؤديا فريضة الحج الإسلامية وهي الركن الإسلامي الخامس . عن ذلك جاء في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 396) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : " إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ " .
وبشأن الاهتمام بالوالدين ورد في سنن النسائي - (ج 8 / ص 294) عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ : " يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ" .
وفي رواية أخرى ، لرعاية حقوق ومستلزمات الأبوين ، بعد موتهما ، وردت في مسند أحمد - (ج 32 / ص 269) قالَ أَبُو أُسَيْدٍ : بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ قَالَ : " نَعَمْ خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ : الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا " .

في ذكرى وفاة والدتي الحادية عشرة .. طبت بما أسلفت في الأيام الخالية

وفي الذكرى الحادية عشرة لموت والدتي الحنونة ( سهيلة ) ، في 22 نيسان 1999 – 2010 ، ووفاة والدي في 23 حزيران 2009 ، فإنني أدعو الله ربي وربهما دائما أن يغفر لهما ويسكنهما فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
واجتهد في الحفاظ على حقوقهما بعد موتهما ، من الدعاء والاستغفار والإنفاذ العهد وإكرام أصدقائهما وصلة الرحم التي كانوا الرابط الأساسي فيها من الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، ومن والاهما ، من الأقارب والأباعد .



ولمناسبة الذكرى الحادية عشرة لوفاة أمي أقول :
أمي يا وردة البستان الأنيق .. ، في الأرض المقدسة ، والطواف بالبيت العتيق ، فإنعمي بنعم الله بفاكهة الجنة إن شاء الله رب العالمين من الأحرار والرقيق .. لقد ربيتني وإخوتي على الصدق والكرامة والعزة لتتدفق كل التدفيق .. ورعيتنا صغارا بالرضاعة والرعاية والتربية والتنشئة الإسلامية ، وفرحتي بنا كبارا فكنت لنا نعم الصادق والصديق .. فلا ولم ولن أنسى جميلك ما حييت علي ، وها نحن نواصل السير على دربك الجميل والأنيق .. ونهتم بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج ونكرم اليتامى والأرامل والضعفاء والفقراء كما علمتينا أن نساعدهم وقت الضيق .. فالله ربي أسال أن يجعل قبرك وقبر والدي روضة من رياض الجنة ، فهي دعوة من أعماق قلبي أبثها للرفيق الأعلى فهو نعم الرفيق .. يا من نورتي دربنا بالنور والضياء الإسلامي ، كالشمس في رابعة النهار والقمر في ظلمة الليل وكنت تطبقي هذه السياسة المثلى كل التطبيق .. فجزاك الله خيرا عنا في حياتك وموتك وفي قبرك الذي أزوره مرارا وأحدق به كل التحديق .. واصطحب ابنتي الصغرى ( أمل الزهراء ) التي لم تريها في حياتك ، لتقرأ لك الفاتحة وسور قرآنية مجيدة قبل الأكل وبعد الأكل وعلى الريق .. فقد كنت من يحنو علينا صغارا وكبارا ويتألم لجراحنا وآلامنا ، فكنت نعم الأم والصديق .. فسلام رب عليك وعلى والدي يوم ولدتم ويوم متم ويوم تبعثون أحياء عندما ينادي المنادي ليوم الحشر هلموا يا أيها الناس نحو يوم القيامة فكنت تعلمين أن هذا هو الأمر الدقيق . وصدقته كل التصديق .. وتنتابني لوعة كلما أتذكرك بين الحين والآخر ، فمرت الساعات والأيام والأسابيع والسنون ، ونحن لاحقون بكم على نفس الطريق .. إن عاجلا أو آجلا ، طريق الحق الإسلامي ، بعيدا عن الكفار الفجار وطريق التلفيق .. فالطريق الإسلامي هي السبيل الوحيد لنا وما أحلاها من طريق .. طريق السعادة والهناء الدنيوية والأخروية ، بعيدا عن النفاق والتنميق .. فأذكرك دائما وأقرأ لك ولوالدي ولمن في المقبرة من الأقارب والأباعد سور الفاتحة ويس وتبارك الملك وبعض السور والآيات القرآنية المجيدة ، فهي الصاحب والصديق .. فما أحلك الحياة بعدك يا أمي ، وما أضيق السبيل والطريق .. أتذكر دائما حنانك الدافق الدفيق .. فقد كنت مثالا للرقة والعزة والكرامة والنخوة والشجاعة ، والرقة وتحاربين حياة الرق والرقيق .. وتنصحين النساء والفتيات بالوفاق والتوفيق .. ولا تحبذي الفراق والطلاق والتطليق .. فعلمتينا السير بالحرية والتحرر على الصراط المستقيم لمقارعة المعتدين الطغاة البغاة بالأرض المقدسة ، وقتما يدق الناقوس أن هيا نحو العلى والسمو ، ولا تخافوا الموت ، فالموت واحد ، ولكل أجل كتاب مكتوب في أدق الدقيق .. وكنت دائمة الدعاء لنا بالنجاح والسداد والتوفيق .. وأن يحقق المولى الله العزيز الحكيم أحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا الطيبة المبتغاة كل التحقيق .. وكنا نتلقى الدفء اليومي في جميع فصول السنة وخاصة فصل الشتاء ذو المطر الشديد الدفيق .. وكم علمتينا أن نتصدق ونتبرع لوجه الله تعالى بالمال والجهد والدقيق ... فلك الثواب الجزيل يا والدتي المؤمنة ، راضية مرضية عند رب العرش الكريم بالرضى والتوفيق .. بعلمك وصدقاتك الجارية وأبناءك الصالحين المحسنين الأبرار الذين يدعون ربنا للمغفرة والتجاوز عن السيئات يوم يحين الحين الدقيق .. فسلام ربي عليك وصلواته وغفرانه ورضائه ، يا ابنة يحيى وفاطمة من ساقية يافا على البحر الأبيض المتوسط بالأرض المقدسة ، يا من عشت 67 عاما ( 1932 – 1999 م ) في السراء والضراء متنقلة ما بين العيش المتعب والضيق .. فوافتك المنية في ربيع السنة لتلبي نداء الله الأعلى الوهاب الرفيق .. ليبلغ هذا الكلام كل الآفاق للكرة الأرضية من أقصاها لأقصاها ، ولا ننسى أقصاها بباحات الأقصى المبارك ببيت المقدس الذي زرناه سوية بين الحين والآخر ، فهو للمسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة الثالث الشقيق .. تقليدا وعرفانا بسنة المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو الصادق وعلينا الإتباع بعبادة الله بشتى الطرق والسبل ، مؤمنين ومقبلين غير مدبرين ومصدقين كل التصديق ...

فأتذكر يوم العمرة بالمسجد الحرام بمكة المكرمة ، يوم إعتمرنا معا برمضان ، عام 1996 ، إنه الشهر المبارك الأنيق .. رويدك يا أماه فقد عبدنا الله خالق كل المخاليق .. فكم من معتمر وناج من نار بعدما كان يظن أنه سيغرق في نار جهنم فهو الغريق .. ولا أنسى أيام وليالي الحج ومن بينها أيام التشريق .. يوم حججت مع والدي عام 1999 ولم تتمكني من الحج معنا بسبب مرضك فكان يسبب لنا ذلك الضيق والتضييق .. فأديت عنك عمرة أهديت ثوابها لك يا أمي الغالية الحبيبة حيث مررت بالبيت العتيق .. فتلك عمرة وذاك حج لله عندما استطعنا فلبينا النداء من كل فج عميق .. فبرقت لنا الدنيا ومشينا بنور الله بالبرق والبريق .. وتحققنا بعبادة الله الواحد القهار انه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ، وينقذ الداعي إذا دعاه وقت الضيق .. فلنتعود على أداء مناسك العمرة والحج ونسوق هذا الكلام للجميع كل التسويق .. فالله خالقنا يستحق العبادة في كل لحظة ، بوضوء تام أو تيمم بدون إستخدام مغسلة أو الإبريق .. فلنخشع بجوارحنا وقلوبنا وعقولنا وأبصارنا وأسماعنا ونلبي النداء ونغادر الفراش وقت السحر للعبادة والدعاء فالله هو الرزاق المتين ، ولنحدق بهذا الأمر كل التحديق .. فيا رب البرية نجنا من عذاب القبر وعذاب جهنم ، إنه بئس العذاب عذاب الحريق .. وجنبنا دخول الواد السحيق .. وجنبنا حياة العق ومكنا من ذبح العقيق .. وأجعلنا مؤمنين لك دائما وأبدا والصقنا ببيوتك الحرام والنبوي والأقصى كل اللصيق .. وأدخلنا بجنات النعيم والمأوى والفردوس الأعلى فأنت المنعم علينا دوما في كل شيء ولا ننسى حياة البرزخ والآخرة ونصدقها تمام التصديق .. فيوم الحساب يتم تدقيق السيئات والحسنات كل التدقيق .. فقد أعلمتنا ذلك ، قبل أن ندخل القبر الغميق ..
فما أحلى كلمة أمي ، ووالدتي فهما العنوان الأبدي ، في الحياة والآخرة ، وقد قدمنا لحياتنا ومارسنا حياتنا بحلوها ومرها ، ومررنا برغد العيش وعانينا المرار والأمرين من الاحتلال ، ولا ننسى وقت الضيق .. فعودتينا أن نقاوم الأغراب والدخلاء والطارئين ولو ضربونا بالطائرات والدبابات والبوارج وقبلها المنجنيق .. لقد عشت حرة طاهرة عفيفة بين الخلائق ، عاشقة لفلسطين والمساجد الإسلامية ، رغم النق والنقيق والنعيق والنهيق .. فالكلام السوي الخير لا بد منتصر على الشر والأشرار من بني صهيون الزناديق .. فلقد مر كأس الموت ، على أبويك دون رؤيتهما الرؤية الحقيقية وقت النزاع والشهيق .. فلا تعرفين مكان قبور والديك وإخوانك فقد عشت غريبة بين يافا وغزة ورام الله ونابلس بفلسطين الأبية ، وعمان بالأردن الشقيق .. بسبب التهجير القسري الذي سببه الغرباء الطارئين البناديق .. وإصرارهم على رفض المعاملات والمنع والرفض وإتباع وشايات العملاء ، الذين يصفقون للاحتلال الدخيل كل التصفيق .. فلم تتمكني من المشاركة بجنازات إخوتك ، وكل واحد منهم شقيق .. جراء المنع والحظر اليهودي الظالم الصارم غير الإنساني أو الشفيق .. فعذرا ومعذرة إلى روحك الطاهرة في السماء رغم البعد بين الحياة الدنيا وحياة البرزخ ، وهذا الكلام الصحيح بالصدق الصديق .. فكنت تحبين بناء الأسر الإسلامية فعملت على تزويج الأبناء والبنات ، قبل دنو الأجل ما عدا الابن الأصغر الأعز الصديق .. وأوصيتيني به وصية ما بعدها وصية قبل أن تشهقي نهائي الشهيق .. للرحيل للرفيق الأعلى ونعم الرفيق .. فنظمت لك بتوفيق المولى المحيي المميت جنازة لا مثيل لها في قريتنا المرابطة بالأرض المقدسة بيوم الجمعة في 23 نيسان 1999 م ، بإعتراف القاصي والداني ، والعدو قبل الصديق .. فطوبى لك في قبرك ، ومرحى لروحك الطيبة الخيرة المسلمة الخالدة فينا أبدا ، سائلين المولى أن يجعله روضة عظيمة ذات نور بهي من رياض الجنة حتي يوم الاستيقاظ والتفييق ..
فقد مر وقت الإحدى عشرة سنة كإحدى عشرة ساعة بل أقل من ذلك ، كلمح البصر وبرق البريق .. وسأبقى أكتب عنك وأتذكرك يا والدتي الحنونة بمقال وتقرير وتحقيق .. فهذا هو حال الدنيا ، فيها اللقاء والود والمحبة والتعاون ثم الفراق والتفريق .. والله نسأل أن يجمعنا في ظل أمومتك الراشدة القويمة ويكرمك ويرضى عنك وعليك ، كما رضيت عنا وعلينا آنفا ، ويجعلك وجيهة في الآخرة كما جعلك وجيهة في الدنيا ، فكنت نعم الراعية والأم الحنون الرؤوم إلى أن جاء وقت الغروب الدقيق .. فسلام ربي وسلامه عليك يا حبيبتنا العظيمة في الدنيا والآخرة ، يا روح أمنا الحنونة ، المحلقة في سماء الصالحين والأولياء والشهداء في ربوع عرش الرحمن ، كل التحليق .. مع الشهداء والصديقين والأنبياء ، إن شاء الله تبارك وتعالى فهو نعم المولى ونعم الرفيق .. فهذا هو الكلام المقدس الرقيق والدقيق والصديق .. بحق وحقيق .. والله ولي التوفيق .


كلمة أخيرة


ولنعمل على احترام الوالدين في موتهما وحياتهما ، ولنبتعد عن السباب والشتائم ، للآخرين لئلا نجلب لوالدينا السباب والشتائم ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 18 / ص 367) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ " .
ولنتذكر دائما ، كما ورد في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .

سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: