الجمعة، 30 أبريل 2010

رسالة مفتوحة لأصحاب العمل في العالم .. وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم

رسالة مفتوحة لأصحاب العمل في العالم ..

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ


إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ
فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ
وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ


الإخوة أصحاب العمل في العالم رعاهم الله


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ،،،

الموضوع : إنصاف العاملين والموظفين في العمل


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}( القرآن المجيد – النساء ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " .

استهلال

ينتشر العمال والموظفون في القطاعات الحكومية والأهلية والتعاونية والخاصة ، لتأدية خدمات إنتاجية أو استهلاكية لأصحاب العمل أو المشغلين سواء أكانوا مسؤولين في الشركات الحكومية العامة بالوظيفة العمومية أو الأهلية أو التعاونية أو بالقطاع الخاص ، وبالتالي فإن هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين : العمال والموظفين من جهة ، وأصحاب العمل من جهة ثانية ، تتمثل بتقديم الخدمات والإنتاج من أبناء الحركة العمالية في شتى بقاع العالم ، للحصول على أجر مادي يومي أو معاش شهري ليتمكنوا من توفير قوتهم وأقوات عيالهم ، في منفعة عمل متبادلة بين الجانبين ، لتسير شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية الرتيبة ، ويأخذ كل ذي حق حقه .
وتتعدد القطاعات الاقتصادية العامة لتشمل : الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات ، وتترابط هذه الأجنحة الاقتصادية مع بعضها البعض في حركة دائبة ومستمرة لتكمل بعضها البعض في القطر أو القارة أو العالم .
وغني عن القول ، إن هناك العديد من الإيديولوجيات العامة في العالم التي تتركز في ثلاث هي : الرأسمالية والشيوعية ( الإشتراكية ) والإسلامية .
وقد استغلت الرأسمالية أبناء الحركة العمالية استغلالا همجيا ووحشيا وسخرت الإنسان لماديتها ، فأطلقت الحرية الفردية إلى عنانها ، ودفع العمال والموظفون الثمن باهظا بسبب العنجهية الاستغلالية الظالمة ، فجل هم الاقتصاد الرأسمالي هو تحقيق الربح ، بغض النظر عن كيفية تحصيل الأموال والربح ، وتعاملت مع الإنسان كآلة في المصانع والمنشآت الاقتصادية الكبرى والوسطى والصغرى ، الهدف منها هو تقديم الإنتاج وبالتالي تحقيق الأرباح ؟ وبهذا فقد نشبت الثورة ضد الظلم الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي في الولايات المتحدة زعيمة النظام الرأسمالي العالمي ، وتم تحديد يوم الأول من أيار – مايو سنويا كيوم أو عيد للعمال العالمي للدعوة لإنصاف الحركة العمالية والحد من قمع وجشع أصحاب العمل الرأسماليين التي لا تهمهم سوى مصالحهم الآنية الضيقة .
ومن جهتها ، قمعت الشيوعية حقوق العمال وأجبرتهم على تقديم الانتاج لخدمة المجموع دونما إكتراث لمنافع ومصالح وحقوق الفرد الخاصة ، المتمثلة في الملكية والاقتناء الشخصي ، وجعلت الإنسان يعمل ويكد لتحصيل قوته وقوت عياله فقط دونما أية توفيرات كانت ، وبالتالي فإنها أذابت الفرد في المجموع في سابقة نادرة ، مما أرهق العمال ارهاقا كبيرا . وجعلهم يكدحون كدحا كدحا بلا حقوق فعلية حقيقية ، ورغم أن الشيوعية وربيبتها الاشتراكية مجدت ( الطبقة العاملة – الشغيلة ) نظريا إلا أنها ساهمت في القضاء على آمالها وتطلعاتها ، وحكم بعض المتنفذين النظام الشيوعي بالحديد والنار ، متذرعين بخدمة الطبقة العاملة وهم منها براء ، بل سخروها للإعتلاء على أكتافها لسدة الحكم ، وتجبروا وأمعنوا في هضم الحقوق العمالية وتسببوا في حالة التشرد والحرمان الفردي والأسرى دون وجه حق .
وفي المقابل ، فإن النظام الإسلامي ، بالرسالة الإسلامية الخالدة ، عبر التاريخ البشري ، نظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل ، فلكل جهة حقوقها وإلتزاماتها وواجباتها ، وجعل الإسلام من حق الذكور والإناث العمل واكتساب الرزق ، والاستعانة بالدعاء لرب العالمين ، بعد الأخذ بالأسباب لتحصيل الرزق . وحض الإسلام على محاربة البطالة ، والبحث عن العمل ، يقول الله العظيم الحليم عز وجل : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}( القرآن المجيد – الملك ) .
وقد سبق الإسلام العظيم الرأسمالية والشيوعية في تنظيم العلاقات العمالية في خطوط عريضة بينها الدستور الإسلامي ( القرآن المجيد ) والسنة النبوية الشريفة بالتقوى ورد المظالم إلى أصحابها ، والإيثار ، وعدم أكل حقوق الغير أو الاستخدام بالسخرة ، دون وجه حق قانوني أو اجتماعي أو اقتصادي أو إنساني وغيره . وقد أكد الإسلام العظيم أن الأرزاق بيد الله الرزاق ذو القوة المتين ، كما يقول الله ذو الجلال والإكرام جل شأنه : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}( القرآن الحكيم – الذاريات ) .

واجبات العمال في الإسلام

هناك العديد من الواجبات القانونية والحقوقية الملقاة على عاتق أبناء الحركة العمالية في العالم ، التي ينبغي تنفيذها والقيام بها على الوجه الأكمل والأمثل والأفضل ، وهي في الآن ذاته ، تقع في صلب أولويات أصحاب العمل التي يتوجب توفرها من العمال تجاه مصلحة العمل ، ومن أهمها الآتي :
أولا : تنفيذ العمل وفق ما يخطط له أصحاب العمل ، مع مراعاة اجتناب الأمور المحرمة والمحظورة إسلاميا .
ثانيا : إتقان العمل لزيادة الإنتاج وفق نسق إنتاجي متين ، وعدم اللجوء للغش وبالتالي زيادة الرخاء والنماء والإزدهار الاقتصادي للمواطن والبلد .
ثالثا : الإلتزام بمواعيد العمل المتعارف عليها في المصانع والمنشآت والشركات والمؤسسات .
رابعا : عدم نقل أسرار العمل لمؤسسات ومنشآت أخرى منافسة بأي حال من الأحوال .
خامسا : الإخلاص في العمل للمصلحة العامة ، وعدم الاستهتار بممتلكات أصحاب العمل ، وعدم تخريبها أو إتلافها بصورة عمدية .
سادسا : إحترام وتقدير أصحاب العمل وعدم مناكفتهم والإعتداء عليهم .
سابعا : التعاون الثنائي مع أصحاب العمل وتقدير ظروف المنشآت والشركات والمؤسسات .
ثامنا : الابتعاد عن التقاعس والإهمال والكسل وتقديم خدمة العمل دونما إبطاء أو تسويف أو مماطلة .

واجبات أصحاب العمل في الإسلام

يقول الله العلي العظيم جل شانه : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)}( القرآن الحكيم – الأعراف ) .
نظر الإسلام العظيم للعلاقات العمالية بمنظار اجتماعي واقتصادي ذو صبغة إنسانية مترابطة ترابطا وثيقا لتحسين وتطوير الاقتصاد وتنمية العلاقات بين طرفي الإنتاج الرئيسيين : أصحاب العمل الذين يوفرون أماكن العمل وارض العمل وآلات وأجهزة العمل ، والعمال الذين يقومون بالعمل لإنتاج سلع أو خدمات معينة . فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " .
من خلال التمعن في الحديث النبوي الشريف الجامع ، نرى أن تنفيس الكروب أو الهموم أو الغموم الدنيوية على المحتاجين ، والتيسير على المعسرين هي مدعاة لتنفيس الكروب يوم القيامة ، وكذلك فإن ستر المسلمين ، بشتى الطرق في الدنيا ، هي مدعاة للستر في الدنيا والآخرة بأجر رباني مضاعف للذين يغيثون المعسرين ، فالله يكون دائما في عون عباده المؤمنين طالما تعاونوا فيما بينهم وكذلك فإن تدارس القرآن العظيم ينتج عنه نزول السكينة والرحمة والذكر الإلهي الجليل لفاعلي الحسنات الطيبات ، وكذلك إن من يبطئ به عمله الإسلامي الدنيوي والأخروي لم يبادر الناس لمصاهرته أو طلب نسبه ، لأن كل إنسان يرغب في مصاهرة وتزويج الناجحين في حياتهم بكافة السبل والصعد .
على العموم ، لقد طلب وسن الإسلام العديد من الواجبات الملقاة على عاتق أصحاب العمل أو القائمين عليه ، وهي في الآن ذاته ، تمثل الحقوق لأبناء الحركة العمالية التي يتوجب تحقيقها للعمال من أصحاب العمل دون لف أو دوران أو مواربة ، وعدم تهرب أصحاب العمل من تقديمها لقاء الجهد والخدمة التي قدمها العمال للمصلحة والمنفعة التي يستفيد منها أصحاب العمل . ومن أهم واجبات أصحاب العمل الآتي :
أولا : إحترام وتقدير العمال والموظفين وعدم الاستهزاء أو الاستهتار بهم وبجهودهم ، ومعاملتهم المعاملة الإنسانية اللائقة . وتدريبهم وتعليمهم على كيفية أداء العمل المتقن . فالمنفعة والمصلحة متبادلة بين الجانبين ، طرف يؤدي الخدمة وطرف يستفيد منها في مقابل مادي أو عيني أو كليهما .
ثانيا : دفع الأجور اليومية والشهرية المناسبة للعمال ، وعدم بخسهم حقوقهم في قيمة الأجور ، وزيادتها حسب طبيعة العمل وساعاته ونوباته النهارية والليلية . ولا بد من التنويه في هذا المجال إلى أن أجرة العمل بالنوبة الليلية تكون أعلى من العمل بالنوبة المسائية أو النهارية .
لأن الليل خصصه الله للنوم ، وذلك كما جاء بقول الله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) }( القرآن المجيد – النبأ ) . وبناء عليه ، فإن أجرة ساعات العمل الإضافية تزيد عن أجرة العمل بالساعات النهارية العادية بتقوى الله ، وفق ما يتفق عليه العمال وأصحاب العمل دونما انتقاص لحقوق العمال .
ثالثا : الإلتزام بدفع الأجور أو الرواتب أو المعاشات الشهرية أولا بأول وبصورة منتظمة ، وعدم تأجيل الدفع ، طالما توفرت الأموال ، فالعمال لهم حقوقهم في الدفع العادي وعدم التأخير والتسويف والمماطلة ، مما يولد الضغائن والأحقاد والحسد بين العمال تجاه مرؤوسيهم .
رابعا : عدم التفريق أو التمييز بين العمال في الأجور على أساس الجنس أو العمر ، وتكون عملية المفاضلة في قيمة الأجور قائمة على الخبرة العملية والدراية والمؤهلات العلمية وعدد ساعات العمل وطبيعته .
خامسا : توفير ودفع المكافآت والحوافز المادية والمعنوية للعاملين بانتظام ، لتشجيع الإنتاج والخدمات . والعمل على زيادة أجور العمال تبعا لهبوط وتضخم العملات المحلية المتعامل بها في البلاد .
سادسا : تقدير ظروف العمال والموظفين الاجتماعية ، بمشاركتهم في الأفراح والأتراح ، ومساعدتهم عند المرض أو التعرض لنكبة طارئة معينة ، مما يضفي نوعا من الجو الأسري المتعاون بين طرفي الإنتاج .
سابعا : توفير المواد الخام للتصنيع وتجنب فصل أو إنهاء عمل العمال والموظفين تعسفيا تبعا للمزاجية المتقلبة .
ثامنا : تعويض العمال والموظفين المفصولين تعويضا ماليا مناسبا وعدم التنكر لحقوق العمال والموظفين . وذلك برصد أموال مخصصة لهذه الأمور .
ومن نافلة القول ، إن وجود الطرف الثالث للإنتاج : وهي الحكومة أو السلطة التي تنظم العلاقات القانونية بين طرفي الإنتاج الآخرين : العمال وأصحاب العمل ، ضروري جدا لكي لا يطغى أصحاب العمل على العمال دون وجه حق ، لأنهم الأقوى ماديا ومعنويا ، وبالتالي فإنه علاقة الأطراف الثلاثة يجب أن تكون متوازنة ، قائمة على التقيد والإلتزام بالقوانين العادلة التي تقوم على العدالة الاجتماعية والاقتصادية .

نموذج صاحب العمل الصالح التقي الخفي الفريد من نوعه

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 40) أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ " .

الحديث القدسي .. الله خصم لثلاثة نفر يوم القيامة

جاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 471) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَالَ اللَّهُ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " .
وبهذا نرى أن الله خالق الخلق أجمعين ، سيكون خصم لثلاثة أنواع من الناس ، من بينهم الرجل صاحب العمل الذي أستأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يدفع له أجرته لقاء خدمة العمل التي قدمها سابقا . وهذا تحذير وتنبيه وردع إلهي مسبق وعظيم لمن يتخلف عن دفع أجور المستخدمين دون وجه حق . ويأتي هذا التحذير الرباني لضمان استمرارية المجتمع الإنساني على الصراط المستقيم وعدم أكل أموال الناس بالباطل .

نصائح ووصايا عامة لأصحاب العمل

أقدم هذه النصائح والوصايا العمالية لأصحاب العمل ، لاستتباب الأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي ، بين طرفي الإنتاج ، العمال وأصحاب العمل ، لوجه الله الحي القيوم ، كما نطقت الآيات القرآنية المجيدة : { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)}( القرآن المجيد – الشعراء ) . وجاء بآيات قرآنية عظيمة أخرى : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}( القرآن الكريم – هود ) .
فمهما يكن من أمر ، هناك العديد من النصائح والوصايا التي نقدمها لأصحاب العمل ، أو القائمين على تسيير العمل في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية : الحكومية والأهلية والتعاونية والخاصة في العالم أجمع ، لزيادة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والشاملة ، ومن أهم هذه المسائل التالي :
أولا : المعاملة الإنسانية الحسنة القائمة على الأخلاق الحميدة .
ثانيا : توزيع الأدوار بين أطراف الإنتاج الثلاثة : أصحاب العمل والحكومة والعمال لضمان استمرارية الإنتاج وتحسين نوعيته ، وتنمية الاقتصاد .
ثالثا : إتباع مبادئ العدل والعدالة الاجتماعية والاقتصادية ، وعدم حرمان العمال والموظفين من حقوقهم المادية والعينية والمعنوية .
رابعا : التدريب والتعليم والإرشاد المتواصل للوصول إلى أعلى الكفايات الإنتاجية .
خامسا : الإنتاجية المتقنة ، التي تمكن أصحاب العمل من مواصلة الإنتاج بل زيادته بإتقان المنتجات في التصنيع والتسويق والتوزيع وعدم إرهاق العمال في أعمال خارجة عن إرادتهم وطاقتهم .
سادسا : اللجوء لاستعمال طرق الترفيه عن العاملين : دورات ثقافية ، رحلات جماعية دينية واجتماعية وجغرافية مدفوعة الأجر .
سابعا : حل النزاعات العمالية وفق القانون العادل المنصف وعدم اللجوء لاستعراض القوة في حل الإشكالات العمالية بأي حال من الأحوال .
ثامنا : الاتفاق على قيمة الأجر وإحتساب الإجازات والعطل الدينية والرسمية مدفوعة الأجر . جاء في مسند أحمد - (ج 23 / ص 184) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَهَى عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ وَعَنْ النَّجْشِ وَاللَّمْسِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ " .
تاسعا : عدم إرهاق العمال في العمل وتكليفهم ما لا يطيقون بدنيا وصحيا وعقليا . جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " .
عاشرا : الإلتزام بمواعيد محددة في دفع الأجور للعاملين . جاء في سنن ابن ماجه - (ج 7 / ص 294) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " .
حادي عشر : توفير الاحتياجات الصحية والإسعافات الأولية المناسبة في مواقع العمل المختلفة .
ثاني عشر : تمكين العمال والموظفين من الصلاة الفردية والجماعية ، وإيجاد مصلى سعته مناسبة لعدد المصلين . وعدم خصم مواقيت الصلاة من أوقات العمل . يقول الله تبارك وتعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}( القرآن المبين – النساء ) .
ثالث عشر : الابتعاد عن التشغيل المحرم إسلاميا كالبنوك الربوية والمهاجع وأماكن اللهو ومصانع الخمور وأماكن السياحة المحظورة إسلامية والفنادق الغربية البائسة والاحتكار وغيرها : يقول الله القوي العزيز جل جلاله : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) }( القرآن المجيد – البقرة ) . ويقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .
رابع عشر : الابتعاد عن التصنيع المحرم إسلاميا كمصانع الخمور ومزارع المخدرات والبضائع الموبقة وغيرها . يقول الله الواحد القهار جل شأنه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)}( القرآن المجيد – المائدة ) .
خامس عشر : انتقاء النسيب المناسب للمصاهرة كما فعل نبي الله شعيب مع موسى عليهما السلام . فتزوج موسى ابنة شعيب لقاء العمل في رعاية مواشي شعيب ، فتتوثق العلاقات الاجتماعية والأسرية بين العمال وأصحاب العمل . كما ورد بكتاب الله العزيز : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) }( القرآن المجيد – القصص ) .
سادس عشر : عدم تشغيل العمال السفهاء الكفار الهائمين على وجوههم والسلبيين الذين يعيشون حياة الجاهلية الأولى ، ويقلدون الغرب الأجنبي ، البعيدين عن تقوى الله عز وجل . جاء في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 315) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ : أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا " .
سابع عشر : الإنفاق على أسر المجاهدين ( الغزاة والشهداء والجرحى والأسرى ) الذين يجاهدون في سبيل الله ويدافعون عن حمى البلاد والأمصار الإسلامية . جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 438) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا " .

كلمة أخيرة .. كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 253) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .
وأخير ، لا شك أن الإسلام العظيم أنصف جميع أطراف العمل الثلاثة : العمال وأصحاب العمل والسلطة ، قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن ، داعيا وساعيا للتكافل الاجتماعي والتكامل الاقتصادي ، فقد أعطى العمال حقوقهم في توفير الأكل واللباس والإقامة ، مثلما يأكل ويلبس أصحاب العمل أو القائمين عليه ، في سياسة فريدة من نوعها في العالم عبر التاريخ البشري ، ومكن الإنسان ، أي إنسان من حق توفير العمل ، والحماية من البطالة ، وحق الملكية الخاصة للمصانع والمنشآت والشركات ، والعقارات كالمباني والأراضي ، وامتلاك المركبات وأماكن الإقامة الملائمة . كما شجع الإسلام في نظامه الاقتصادي الشامل والجامع على الإنفاق المالي بالزكاة والصدقات والتبرعات التي يجزي الله عليه الثواب الجزيل يوم القيامة لتسير شؤون الناس بانتظام مالي واجتماعي بعيدا عن المنع والحرمان والبخل والإسراف في الآن ذاته . وقد رعت الرسالة الإسلامية الفئة العمالية ، الرعاية الفضلى والمثلي في العالم ، في نظام اقتصادي قل نظيره في العالم عبر التاريخ الإنساني حتى يوم القيامة ، فجعل شبة شراكة بين العمال وأصحاب العمل ، كما نبذ الحرمان وحث على التشغيل الأمثل والأكمل للقوى العاملة ، وأمر الله سبحانه وتعالى عباده بالسعي في مناكب الأرض ، والأكل من طيبات من رزق الله في أرضه الواسعة . ومن جهة أخرى ، فقد أجاز الإسلام العمل للنساء للإكتساب المادي وتوفير سبل العيش الرغيد للأسرة ، وفق معايير وضوابط أخلاقية واضحة للجميع .
وكما جاء في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 1) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .

وأخيرا ، أبلغ أصحاب العمل ، في القطاعات الخاصة والأهلية والتعاونية والعامة كما جاء بكتاب الله العزيز : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}( القرآن المجيد – يونس ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاثنين، 26 أبريل 2010

حقوق الملكية الفكرية في العالم .. في اليوم العالمي للملكية الفكرية 26 نيسان 2010

حقوق الملكية الفكرية في العالم ..

في اليوم العالمي للملكية الفكرية

26 نيسان 2010


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) }( القرآن المجيد – النساء ) .

استهلال

صادف يوم الاثنين 26 نيسان – ابريل 2010 ، اليوم العالمي للملكية الفكرية ، التي تشمل التأليف والإختراع ، ويعتبر هذا اليوم من الأيام العالمية التي تحاول حفظ الحقوق الحقيقية الأصلية والأصيلة لأهلها ، ورد المظالم إلى أصحابها الذين عانوا ويعانون وسيبقون يعانون من الاحتيال والسرقة والمكر والخداع ومصادرة حق الملكية الفكرية والإختراع عبر نهب وسلب الآخرين لهذا الحق الإنساني النبيل . وقد أحتفل بهذا اليوم العالمي للملكية الفكرية تحت شعار ( الإبتكار .. ليتواصل العالم ) .
وعملية المصادرة الفكرية أو ما يسمى بالتعددية للملكية الفكرية هي من الأمور الشائعة في المجتمعات الإنسانية القديمة والمعاصرة ، فنرى بعض المؤلفات من الكتب والقواميس والموسوعات والأبحاث ، وقد أعيدت عملية طباعتها دون علم مؤلفيها أو معديها ، ويذهب الريع لتجار الكتب والمطبوعات والمنشورات دون حق شرعي أو إنساني أو قانوني أو إقتصادي .
ومن معضلة المعضلات ، الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية عبر إدعاء بعض الأشخاص امتلاكهم لهذا البحث أو المقالة أو الكتاب أو المعلومة أو الإختراع ، وهو منهم براء ، براءة الذئب من دم نبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام ، فلا يعرفون مدخلاته ومخرجاته ، وإنما يأتي التبني والإدعاء زورا وبهتانا لهذا الحق في التأليف أو الاختراع ، نتيجة النقص السلوكي والعجز التأليفي والمرض النفسي . وأحيانا تجري المناكفات والمساجلات ، وتصل الأمور لنتائج وخيمة ، فتتم التصفيات الجسدية ، والتشهير الإعلامي ، والملاحقة السياسية والأمنية والاقتصادية . وأحيانا أخرى ، يتم اللجوء للقضاء المدني أو الديني أو العسكري ، للمحاكم على اختلاف درجاتها ومستوياتها وأنواعها وأشكالها ، لتبت في الأمر ، وقد تحال هذه المسائل لبعض الأجهزة الأمنية في الدولة أو لإصلاح المصلحين ، لإصلاح ذات البين ، هنا وهناك . والأمر مكشوف ومعلوم ومعروف ، وهو صراع بين أصحاب حقوق الملكية الحقيقيين من جهة ، وبين اللصوص والحرامية والسارقين لجهد غيرهم وبنات أفكارهم الإبداعية في شتى المجالات العلمية والإنسانية ومن يناصرهم من جهة أخرى .

أبرز طرق التعدي على حقوق الملكية الفكرية

تتعدد الطرق والأساليب الشيطانية في التعدي على حقوق الملكية الفكرية ، الفردية والجماعية ، للمؤلفين والكتاب والمخترعين والباحثين ، ومن أبرز هذه الطرق الآتي :
أولا : إدعاء بعض الناس زورا وبهتانا بأن هذا المؤلف أو البحث أو المقال أو الإختراع لهم ، وهم لا يفهمونه ولا يعرفونه ، وإنما يعملون على مطالعته ودراسته الدراسة الوافية لتبنيه والتذرع بحجج واهية أوهن من بيت العنكبوت بأنه لهم ومن أفكارهم الضحلة .
ثانيا : إعادة طباعة المؤلفات التقليدية أو الإلكترونية وتبينها دون علم أصحابها الذين تعبوا وجهدوا بالأيام وسهروا بالليالي الطوال في إعدادها وإخراجها لترى النور ، وذلك للحصول على موارد مالية جديدة بالطرق الحرام ، وحرمان أصحابها من حقوق التأليف والنشر .
ثالثا : طباعة المواد الإعلامية ونشر المخترعات العلمية ، بعلم أصحابها ، وعدم الإفصاح عن الكميات الحقيقية التي جرى تسويقها في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية ، وبالتالي حرمان أهل الحق الأصليين من المردودات والإيرادات المالية الحقيقية الواجبة لهم .
رابعا : سرقات الانتر نت : وتتمثل في إعادة طباعة المواد الإعلامية والمقالات والتحقيقات الإعلامية وتبينها بكتابة أسماء المدعين لها ، ومنافسة المؤلفين الحقيقيين في هذا المجال . وهناك بعض الأغبياء الذين لا يدركون ماهية الإعلام الرقمي عبر الانتر نت ، فكل مادة تنشر يتم ترقيهما بالثواني والدقائق واليوم والشهر والسنة ، وبالتالي فإن مهمة كشف الحقيقي من المزيف هي مسألة بديهية لا تحتاج للكثير من العناء خاصة إذا كانت المواد الإعلامية مدرجة على الشبكات الإلكترونية العالمية لمحركات البحث مثل غوغل وياهو وأم اس أن ، ووفيس بوك وسواها .

أسباب مصادرة الملكية الفكرية في العالم

هناك العديد من الأسباب والعوامل التي تحدو بالبعض لمصادرة الحقوق الفكرية للملكية العامة والخاصة ، للمؤلفات الإنسانية والإختراعات العلمية ، ولعل من أهم هذه الأسباب الآتي :
أولا : الضعف العلمي في التأليف والإختراع ، والرغبة الجامحة لتعويض هذا النقص بسرقة جهد الآخرين بطريقة سهلة ، ولكنها غير مأمونة العواقب والنتائج .
ثانيا : الثراء المادي : بالحصول على مردود مالي كبير ، عبر تسويق بعض المنتجات الفكرية الإنسانية والتكنولوجية ، الرائجة والتي يسهل تسويقها للمجتمعات الاستهلاكية البشرية ، نظرا لأهميتها والاحتياج البشري الضروري لها .
ثالثا : المماحكة والمناكفة للمؤلفين والمخترعين : وذلك لتسفيه براءات الإختراع والتأليف ، فمن منطلق الحسد والبغض والكراهية والحقد والمنافسة غير الشريفة يلجأ البعض لمصادرة حقوق الملكية الفكرية لغيره ، دون وجه حق ، للتنكيد عليه والتشهير به ، ومحاولة تقليل ملكيته الفكرية الإنسانية والعلمية في خدمة البشرية أو طائفة أو شعب أو أمة من الأمم .
رابعا : المرض النفسي : عبر تبني افكار الآخرين وجعلها له ، لإقناع النفس البشرية بأنها مهمة وتستحق الثناء والتقدير على أفعالها .
خامسا : الشهرة والمركز الاجتماعي : وتتمثل بحب ورغبة بعض الناس في تقليد غيرهم بملكيات فكرية ليست لهم ، لمنافسة الآخرين ، في الحصول على الشهرة الرسمية والشعبية ، عبر المساجلات الإعلامية والسياسية والاقتصادية وسواها .
سادسا : الحرب النفسية والإعلامية بين الجماعات والأحزاب والدول والأفراد ، للمنافسة المبتذلة والتشهير بالآخرين للتأثير عليهم في الانتخابات المحلية والبرلمانية والحزبية القطرية والإقليمية والعالمية وغيرها .

أهم طرق الحفاظ على الملكية الفكرية
تتعدد الطرق والأساليب التي يلجأ إليها الناس لحفظ حقوقهما في الملكية الفكرية الإنسانية والتكنولوجية الصناعية أو التجارية ، ومن أهم هذه الطرق :
أولا : الشعارات والرسوم والرموز المميزة والبيانات الجغرافية .
ثانيا : الماركات والعلامات التجارية الخاصة المتميزة .
ثالثا : التسجيل الرسمي في الدولة أو المؤسسات والمنظمات والوكالات الدولية ذات الاختصاص ( المنظمة العالمية للملكية الفكرية – الويبو ) عبر ما يسمى بحقوق الملكية الفكرية أو براءة الإختراع .
رابعا : الاحتفاظ بسر أو أسرار المهنة وخاصة في الإختراعات العلمية والتكنولوجية في الصناعات الاقتصادية والعسكرية للأسلحة التقليدية والنووية وسواها .
خامسا : النشر الإعلامي في وسائل الإعلام الجماهيرية المطبوعة والمسموعة والمرئية .
سادسا : النشر الإعلامي عبر شبكة الانترنت ، وهي طريقة عصرية وحديثة في هذا الأمر .

معاقبة الاعتداءات على الملكية الفكرية

تلجأ الكثير من الدول لمعاقبة المعتدين على حقوق الملكية الفكرية ، عبر القضاء والمحاكم المدنية أو الدينية المختصة في هذا المجال ، وتكون عملية المعاقبة وفق عدة مناحي من أهمها :
أولا : التغريم المادي للمزورين والمعتدين .
ثانيا : الحبس مع الغرامة المالية .
ثالثا : النشر والتشهير الإعلامي .
رابعا : التعزيز الاجتماعي وسط الجمهور .
خامسا : في الإسلام هناك نظام خاصة بالسرقة واللصوص وهو قطع الأيدي . فسرقة الملكية الفكرية ، برأينا ، لا تختلف عن سرقة الأموال العامة أو الخاصة ، والعقاب الإسلامي هو قطع اليد أو الأيدي وفق ضوابط معينة . يقول الله القوي العزيز جل شأنه : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}( القرآن المجيد – المائدة ) .

كلمة أخيرة

من العار والتفاهة والسفاهة ، أن يتبنى الإنسان منتجات أدبية أو علمية أو أسماء أو فنون جميلة أو رسوم أو خرائط أو ملصقات أو بوسترات ، أو صور ، أو غيرها أو أي شيء ليس له ، دون التطرق لذكر صاحبه الحقيقي ، ووسيلة الإعلام الأصلية والأصيلة ، في أي مجال من المجالات الإنسانية والعلمية ، فقيام البعض بتبني وتقمص شخصيات فكرية وإختراعية لا تمت له بصلة ، هي من الأمور المنبوذة فعليا على أرض الواقع ، ولن يجني الإنسان من الشوك العنب . وتنتشر حالات التقمص ومصادرة حقوق الملكية الفردية والجماعية في الأنظمة السياسية والمناطق الجغرافية التي لا يوجد بها القانون أو تلك التي لا تشجع الإبتكار العلمي والإبداع الأدبي . وبناء عليه ، ينبغي على المرء أن يأخذ حقه ، وألا يعتدي على حقوق الملكية الفكرية للآخرين ، سواء بعلمهم أو دون علمهم ، بحسن أو بسوء نية ، فالنتيجة واحدة ، وهي اختلاط الحابل بالنابل ، والصالح بالطالح ، ولهذا ينبغي العمل الحثيث على حماية الملكية الفكرية ، ومعاقبة المخلين بها بشتى أنواع العقوبات المادية والبدنية والنفسية ، عبر فرض الغرامات والحبس والتعزير والفضح الإعلامي ، من خلال المحاكم واللجان النزيهة التي تنظر في هذه المسائل الخلافية الخطيرة .
ونحو حقوق ملكية حقيقية واضحة كل الوضوح ، وتكريم حقيقي مالي وتقديري لأصحاب المؤلفات والإختراعات ، وتسجيل الحقوق الفكرية في كل دولة من الدول ، ليجمع هذه المؤسسات مؤسسة عالمية واحدة موحدة ، ليأخذ كل ذي حق حقه ، دون لف أو دوران أو مواربة أو إنتقاص . ورحم الله المأمون ، الخليفة العباسي المسلم ، في حضارة الدولة الإسلامية العظمى آنذاك في بغداد ، الذي كان يكرم المؤلفين والمترجمين والمخترعين ، بمثاقيل من ذهب ، توازي ما يكتبون في صحائف وجلود الحيوانات والأخشاب والورق الثقيل . والأمانة العلمية والأخلاقية والإنسانية هي الأساس في التعامل مع الناس .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأحد، 25 أبريل 2010

اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .. الإمارة والوزارة في الإسلام والعالم

اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ..

الإمارة والوزارة في الإسلام والعالم

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}( القرآن المجيد – يوسف ) .
هذه الآيات القرآنية المجيدة ، جاءت في سورة يوسف على لسان نبي الله يوسف عليه السلام ، الذي ابتلاه الله سبحانه وتعالى في صغره ، فالقاه إخوته في غيابت الجب والتقطه بعض السيارة وباعوه بمصر ببخس دراهم معدودة ، ثم مكنه الله عز وجل لتكريمه وجعله على خزائن الأرض في الحكم المصري القديم .
وقد وصف رسول الله المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نبي الله يوسف بحديث نبوي جامع جاء في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 183) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَام " .
فهذا هو يوسف الذي مكنه الله تبارك وتعالى في الوزارة في الحياة الدنيا فجعله الله على خزائن الأرض ، فهو حفيظ عليم ، ليساعد في نشر دين الله في الأرض ، بالدعوة الإسلامية العظيمة ، في ذرية نبي الله إبراهيم عليه السلام ولا يريد علوا في العالمين .

كليم الله موسى ووزيره هارون

جاء ذكر كلمة ( وزيرا ) في كتاب الله العزيز المقدس ( القرآن المجيد ) مرتين كالتالي :
يقول الله الحميد المجيد جل ثناؤه : { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)}( القرآن المبين – طه . ويقول الله تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}( القرآن الكريم – الفرقان ) .
وبهذا نرى أن مهمة الوزير بالوزارة في الإسلام هي مهمة دينية ودنيوية في الآن ذاته ، يقوم فيها أحد الأشخاص بمساعدة الآخر لنشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وتسيير شؤون الناس العامة وفق تعاليم الرسالة الإسلامية السمحة . ففي حالة موسى وهارون عليهما السلام ، كانت مهمة الوزير ( هارون ) شد الأزر ، والإشراك في الأمر ، والتسبيح الكثير ، وذكر الله كثيرا ، فاستجاب الله لكليمه موسى بن عمران عليه السلام ولبى له طلبه في جعل أخيه هارون وزيرا له .

الإمارة والتأمير في الإسلام والعالم

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 489) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .

على العموم ، يبادر الكثير من الناس من الخواص أو خواص الخواص أو ممن يرون في أنفسهم أنهم أحق بغيرهم من الإمارة أو الوزارة أو الولاية ، فيتراكضون ويتهافتون ويتنافسون في سباق ماراثوني ، لطلب الإمارة أي التأمير أو تولية شؤون الناس الدنيوية ، والسعي الحثيث لعضوية الحكومة أو الوزارة ( فيما يعرف بالتوزير أو الاستوزار ) ، سواء بحقيبة وزارية أو وزير دولة ( بلا حقيبة ) ليحكم ويرسم الواحد منهم ويقضي بين الناس ، ويحقق مصالحه الآنية العاجلة والآجلة ، ومصالحهم الحزبية والعائلية والعشائرية والقبلية ، بقدر خدمتهم له أو موالاتهم لجنابه . وقليل منهم من يبغي وجه الله في طلب الإمارة وتوليها فعليا ، فيحوز أكبر كمية ممكنة من المعاشات الشهرية والموسمية والسنوية وتسوية الحال والسفريات الداخلية والخارجية وبدل المهمات المتعددة ، والهدايا والامتيازات الحكومية والشعبية من الناس ، على اختلاف مشاربهم وميولهم ومنافعهم ومصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والإعلامية والثقافية وسواها . وأحيانا يظهر الفساد جهارا عيانا ، على بعض الوزراء أو الولاة فيمعنون في تقاضي الرشاوى بالتصريح والتلميح ، أو بالطريقتين معا ، فيصور هذا المسؤول أو الوزير أو الأمير نفسه وكأنه الآمر الناهي وما على الآخرين إلا إلقاء التحية والسلام عليه والطاعة العمياء والإذعان المباشر دون مناقشة أو مناكفة وكأن قراراته ( نفذ ثم ناقش ) كما هو حال الأوامر العسكرية .
على أي حال ، إن طلب الإمارة أو الوزارة ليس بالشيء السهل في الشريعة الإسلامية السمحة ، فطالبها لا يعطاها في كثير من الأحيان إلا إذا كان على قدر المسؤولية والتأهيل الإيماني والزهد والتقوى ورشحه أو زكاه أناس من أولي الأمر والأبصار وأولي النهى من العادلين والمتقين الأخيار . وفي حالة طلب الإمارة أو الوزارة فإن الإنسان يتعرض لحالتين : الأولى : الإعانة الربانية عليها . والثانية : التوكل بها إذا أخذها الإنسان بطلب من نفسه وسعي لها على قدم وساق . عن ذلك جاء في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 302) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " .
ويتنافس بعض الناس في الحصول على الجاه والمناصب ليكون وجيها في الحياة الدنيا ، وينسى الآخرة ، علما بأن الآخرة خير وأبقى ، فيحاول تقدم الصفوف لينال العزة والكرامة والعزوة والشهرة ، فمن يأخذها بحقها الواجب لها وعليها ، تكون جسرا وصراطا مستقيما يمر من خلاله كالبرق إلى جنات النعيم ، وإذا أخذها للترفيه والجاه واقتناص الفرص والفخر والتعالي على الآخرين والحصول على المال والثراء الفاحش ، بشتى الطرق ، فستكون له أو لها جسرا نحو نار جهنم وبئس المصر والعياذ بالله رب العالمين من وساوس الشياطين . فيندم أهل الإمارة أو الوزارة الذين تبووأ الجاه والمناصب العليا دون وجه حق ودون تأدية الحقوق الإلهية والبشرية ، ويأتي آخذها بغير حقها ، يوم القيامة يعض على أصابعه من الحسرة والندامة ، لما فرط في الحقوق العامة والخاصة . وقد تطرق الإسلام العظيم إلى هذا الأمر بصورة واضحة وجلية ، كما ورد في صحيح البخاري - (ج 22 / ص 59) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ " .
وهناك بعض الأمثلة في الحياة النبوية الشريفة وحياة الصحابة رضوان الله عليهم ، في تولي الإمارة لنشر التعاليم الإسلامية العظيمة .
أولا : رغبة بعض المسلمين القادرين في تولي الإمارة : لمنازلة المشركين والكفار والغلظة عليهم ودعوتهم للدخول في دين الله أفواجا .
فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 131) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ : " لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ قَالَ فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " .
وفي رواية أخرى ، جاءت بمسند أحمد - (ج 18 / ص 172) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : " لَأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ فَتَطَاوَلْتُ لَهَا وَاسْتَشْرَفْتُ رَجَاءَ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيَّ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَقَالَ قَاتِلْ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْكَ فَسَارَ قَرِيبًا ثُمَّ نَادَى يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَامَ أُقَاتِلُ قَالَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
ثانيا : رفض تولية أو بيعة المسلمين الضعفاء غير القادرين على تولي الإمارة أو الوزارة . فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 347) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا " .
وفي رواية أخرى ، جاءت في مسند أحمد - (ج 44 / ص 2) حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ حُجَيْرَةَ الشَّيْخَ يَقُولُ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : نَاجَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنِي فَقَالَ إِنَّهَا أَمَانَةٌ وَخِزْيٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا " .

تشكيل الإمارة أو الوزارة في العالم

ينقسم العالم إلى نظامين في توليه زمام الحكم : ملكي وجمهوري . فالنظام الملكي يكون بالوراثة أبا عن جد أو أخا عن أخ . والنظام الجمهوري يكون بالانتخاب لاختيار رئيس الدولة رسميا فعليا أو شكليا أو اختيار البرلمان ( المجلس الوطني أو مجلس النواب أو المجلس التشريعي ) . وفي النظام الإسلامي هناك نظام مميز كان عبر التاريخ حتى عام 1924 ، وهو نظام الخلافة الإسلامية ، وانتهى العمل بهذا النظام الفريد من نوعه في تركيا العثمانية .
وفي العصر الحاضر ، عالميا ، في معظم قارات العالم ، يتم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وحزبية ، كل أربع سنوات غالبا أو خمس أو ست سنوات أحيانا أخرى ، في عشرات الدول في العالم ، بإشراف لجنة انتخابات قومية أو فيدرالية أو مركزية ، يعينها الملك للانتخابات البرلمانية والمحلية أو الرئيس للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية . وبعض هذه الانتخابات العامة تكون حقيقية صحيحة ، وفي بعض الأحيان تكون خيالية مزورة ، لا تقوم لها قائمة على الحق والحقيقة . ويتم إجراء المنافسة بين المرشحين الحزبيين أو المستقلين لشغل المناصب الرئاسية ، أو رئاسة الحكومة أو العضوية في الحكومة . ويتم تكليف القائمة الانتخابية أو الحزبية أو الائتلافية الفائزة لتشكيل الحكومة العتيدة . وتتبارى الأحزاب في طرح برامجها الانتخابية العامة بالتركيز على مصالح ومنافع معينة ترتأي أنها الأصلح والأجدى والأمثل للشعب والأمة .

صفات الأمير أو الوزير أو الوالي الصالح

يقول الله الحي القيوم جل شانه : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}( القرآن العظيم – النساء ) .
من نافلة القول ، إن هناك بعض الصفات والسمات التي ينبغي توفرها في الشخص الذي يتولى الشؤون العامة ، كالأمير في الإمارة أو رئيس الوزراء أو الوزير الأول أو الوزير في الوزارة أو الوالي في الولاية ، ومن أبرز هذه الصفات ما يلي :
أولا : الإيمان والتقوى والورع والزهد . والحكم بما أنزل الله ثم ما جاء بالحديث النبوي الشريف أو القياس والاجتهاد .
ثانيا : العلم والدراية والخبرة : من ذوي المؤهلات والاختصاص ، العلمي والعملي في الآن ذاته أو ما يطلق عليه في العصر الحاضر ( التكنوقراط ) وخاصة فيما يتعلق بالأمور السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية واللباقة في الحديث وغيرها .
ثالثا : حفظ الأمانة والتفاني في خدمة الآخرين . فالأمير أو الوزير عليه المبادرة لخدمة الأمة في جميع الأوقات والمناسبات دون تلكؤ أو مماطلة أو تسويف .
رابعا : السن الراشدة المناسبة . وهناك بعض الدول التي تشترط السن البالغة ما بعد الثلاثين عاما ، لتولي أي منصب من المناصب العامة الحساسة في البلاد .
خامسا : التواضع وعدم التعالي على الآخرين والإيثار .
سادسا : الطاعة للخليفة أو رئيس الدولة .
سابعا : العدل والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين البشر ، وتأدية ورد المظالم إلى أصحابها .
ثامنا : الذكورة أو الإنوثة : من الدارج إسلاميا وعالميا تولية الذكور للمناصب الوزارية الكبرى ، مع السماح لبعض النساء في تولي بعض الشؤون العامة .
تاسعا : الشعبية والجماهيرية : فلا يتأتي نجاح الوزارة أن لم تكن مسنودة لقاعدة جماهيرية عريضة . وتسند عادة عملية تشكيل الحكومة للقائمة الانتخابية أو الحزبية التي تمتلك أكبر عدد من المقاعد البرلمانية لتشكيل الحكومة العتيدة .
عاشرا : تحقيق مصالح الشعب العامة وتقديمها على المصالح الحزبية والشخصية والقبلية والعشائرية الضيقة .
حادي عشر : معرفة باللغة الأجنبية ( إنجليزي ، فرنسي .. الخ ) .
ثاني عشر : التاريخ الجهادي أو النضالي للشخصي المعني أو العائلة .

وقد أثبتت بعض التجارب والنماذج السياسية عبر التاريخ البشري ، على أحقية الرجال دون النساء في تولي المناصب السيادية أو السياسية العليا وخاصة في الحكومة أو الولاة أو الجيش ، لعدة أسباب دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ونفسية عامة ، وخاصة أن المناصب الوزارية السيادية الهامة تستدعي استقبال وزراء رجال أجانب للتعاون والتنسيق الثنائي أو الإقليمي أو الدولي .
بل أنتم بهديتكم تفرحون .. قبول رسول الله الهدية ورد الصدقة

جاء في مسند أحمد - (ج 11 / ص 482) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ " . ونستشف من هذا الحديث النبوي الشريف ، أنه ينبغي على الأمير أو الوزير أو الوالي تلبية احتياجات الناس ، وتحقيق منافعهم قدر الإمكان ، وعدم التهرب من مساعدتهم وخدمتهم ، وتقديم الأمور الواجبة في هذا المجال . فالسائل يجب أن يعطى ، والداعي يجب أن يجاب ، والهادي يجب أن يكافئ بالمال النقدي والعيني والدعاء .
وفي رواية أخرى ، وردت في مسند أحمد - (ج 5 / ص 268) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سَمْنٌ وَأَقِطٌ وَضَبٌّ فَأَكَلَ السَّمْنَ وَالْأَقِطَ ثُمَّ قَالَ لِلضَّبِّ إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا أَكَلْتُهُ قَطُّ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْكُلَهُ فَلْيَأْكُلْهُ قَالَ فَأَكَلَ عَلَى خِوَانِهِ " .
وجاء أيضا في مسند أحمد - (ج 3 / ص 178) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَهْدَى قَيْصَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَهْدَتْ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهُمْ " .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 10 / ص 417) لَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي قَالَ إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ " .
وورد في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 356) عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ : أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ " .

يوم الحساب بين الخلائق

جاء في مسند أحمد - (ج 22 / ص 218) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى لِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا " .

الإمارة والهدايا

يتودد الكثير من الناس للأمراء والوزراء والولاة فيبادرون إلى بعث الهدايا السخية لهم ، وهناك بعض الشركات أو الجماعات ذات المصالح أو حكومات الدول تبادر للتقرب من ولاة أمر الناس في دولة من الدول ، فتخصص المخصصات العينية أو النقدية لبعض الوزراء أو الولاة لشراء ذممهم وإلحاقهم بمواطنيها والتجسس على قيادة أمة أو شعب من الشعوب ، وهذا الأمر منكر يجب محاربته من أولي الأمر ، فالهدايا يجب أن لا تكون مشروطة ، وينبغي ألا تكون نقدية أو غالية الثمن ، وإلا اعتبرت رشاوى أو شراء ذمم وهو نوع من أنواع الفساد المالي المتعارف عليه حاليا في العالم .
وإسلاميا ، كل ما يهدى للأمير أو الوزير في مكان أو مقر العمل هو ملك لبيت مال المسلمين ( وزارة المالية ) ، وإذا زادت الهدية عن حدها المألوف فإنها ترد إلى خزينة الدولة لئلا تعتبر نوعا من أنواع الفساد المالي أو الرشاوى . حول الموقف الإسلامي من الهدايا المبعوثة لعمال المسلمين أو ولاتهم ، جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 53) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ؟ قَالَ : فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا . وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا " .
وفي رواية أخرى ، جاء في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 317) عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا ؟؟ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ " . قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلُوهُ .
وهناك رشاوى مالية ورشاوى عقارية أو جنسية لبعض ضعاف العقول والقلوب ، من ذوي النفسيات المريضة ، من الوزراء أو الولاة ، فيقعون في المصيدة الفاسدة فيتم ملاحقتهم في الأنظمة العفيفة الشريفة . ويجب أن تلاحق هذه المفاسد الاقتصادية والبشرية .
وهناك هدايا بين ولاة أمر المسلمين ، والملوك والرؤساء الأجانب ، وهي نوع مقبول من الهدايا ، ولكن من مبادئ الحيطة والحذر لدى المسلمين ينبغي أن يتنبه الأمير أو الوزير أو الوالي لنوعية الهدية ، لتجنب المكر والخداع والمكائد كما حدث في ( حصان طروادة ) بين طروادة واسبارطا زمن الإغريق ، أو وضع السم في الأطعمة أو الأشربة المهداة أو وضع الديناميت أو البودرة الكيماوية لتحرق وجه فاتح رسالة الهدية .
جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 79) وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " .

السرقة والفساد المالي .. والعقاب الإسلامي

هناك بعض من يتولى شؤون العامة ، من الأمراء والوزراء والولاة من يستغل منصبه ووجاهته ، فيميل بعض أو كل الميل للحياة الدنيا وزينتها ومفاتنها ومفاسدها ، فيحاول الهيمنة على أكبر كمية ممكنة من المال النقدي أو العيني أو حوز العقارات والأطيان والأراضي أو جميعها ، وفق سياسة ( الهبش والتخزين ) ، ومنهم من يلجأ لسرقة المال العام ، المختص بالجماعة أو بالشعب أو الأمة ، ظنا منه أن يراه أحد ، وينسى أو يتناسى ويتغابي ، أن الله هو السميع العليم البصير لكل شاردة وواردة ، وهناك كراما كاتبين ، يكتبون كل شيء حتى لو كانت مثقال حبة من خردل يأتي به الله يوم القيامة . وقد وضع الإسلام عقابا للسارقين واللصوص وأكلة المال العام دون وجه حق أو تقنين وتسنين ، بقطع اليد أو الأيدي نكالا بما صنعوا . يقول الله الواحد القهار : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}( القرآن الحكيم - المائدة ) .
وجاء في سنن النسائي - (ج 15 / ص 151) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ : " اقْتُلُوهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَرَقَ قَالَ اقْطَعُوا يَدَهُ قَالَ ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا ثُمَّ سَرَقَ أَيْضًا الْخَامِسَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ اقْتُلُوهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَقْتُلُوهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ يُحِبُّ الْإِمَارَةَ فَقَالَ أَمِّرُونِي عَلَيْكُمْ فَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِذَا ضَرَبَ ضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ " .

تجربة التوزير وطلب الإمارة في فلسطين

تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية فعليا على جزء من أرض الوطن الفلسطيني ، الأرض المقدسة في 1 تموز 1994 ، ثم تبعها إنشاء حكومة فلسطينية ( سلطة الحكم الذاتي في غزة وأريحا أولا ) فجيء بالوزراء ، والوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء العامين والمدراء ورؤساء الأقسام ورؤساء الشعب والموظفين في هيكلية إدارية غير منتظمة ، وغير دقيقة ، هنا وهناك ، ونشأ التضارب الوزاري بين بعض الوزارات الفلسطينية المفترضة فدمجت أو ألغيت .
وقد أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية مرتين حتى الآن ، الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأولى 1996 ، والرئاسية الثانية 2005 ، والتشريعية الثانية 2006 . وأعقب ذلك تشكيل حكومات جديدة .
ودخل الحكومة الفلسطينية شخصيات فلسطينية من الخارج والداخل ، وكل وزير بحقيبته فرح أو لديه غصه وعينه على الوزارة أحيانا ، بدعاوى أنه الأكفأ والأجدى والأمثل ، ولبث بعض الوزراء عتيا في وزارته ، وتذمر الكثير من الكوادر الإسلامية أو الوطنية التنظيمية لتهميشهم وإسناد حقائب وزارية لشخصيات في بعض الوزارات غير مرغوب بها وطنيا ، كونها غير نظيفة اليد وطنيا وعقليا ونفسيا ، أو على الأقل كانت مهادنة للواقع القائم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولم تدخل معترك المقاومة ضد المحتلين اليهود لأرض فلسطين الكبرى ، وتسعى لتحقيق مصالحها ومنافعها الذاتية دون الاكتراث بواقع الاحتلال المرير عبر أجهزته المدنية والعسكرية ، المنتشرة في ربوع فلسطين المحتلة ، الأرض المقدسة التي تئن أنين المتألم الجريح بجراح غائرة في الجسد الفلسطيني .
ولبث بعض الوزراء ( مسؤول الحقيبة الوزارية المفترضة ) بضع سنين ( 3 – 9 سنين ) أو أكثر أو أقل علما بأنه يمارس أعمالا سياسية لا تمت للوزارة بصلة . وفي كل تشكيلة وزارية تتفتح النفوس وتستجلب بعض الشخصيات الأصداء والمنابر الإعلامية لعلها تحظى بحقيبة وزارية معينة ، ولا يهم نوعية وشكلية تلك الحقيبة الوزارية لأن الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار والإغلاق الصهيوني وضع هش يرثى له لا يسر الأخ والصديق .
وبعد الإنقسام بين جناحي الوطن الفلسطيني ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) نشأت حكومتان : الأولى بغزة لحركة حماس والثانية برام الله بقيادة الطريق الثالث المتحالفة مع حركة فتح . وتتسابق حركتا فتح وحماس والجبهات والفصائل الوطنية والقوائم الفلسطينية ، في الحصول على مقاعد وزارية ، ولكن حركة الجهاد الإسلامي لم تشارك في أي تشكيلة وزارية منذ عام 1994 حتى 2010 .

نماذج نسوية الحكم في العالم

رئيسات أو ملكات دول

أحيانا ، تدير ملكات شؤون البلاد بالوراثة مثل ملكة بريطانيا ، اليزابيث . كما تلجا بعض الدول لترشيح نساء لرئاسة جمهورياتها ، وتسيير شؤون الدولة ، مثل انتخاب رئيسة لتشيلي ( ميشيل باشلي ) بقارة أمريكا الجنوبية ، ورئيسة للارجنتين ( كريستينا كيرشنر ) . وقادت بعض النساء رئاسة الوزراء في بعض الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية ( هان ميونغ – سوك ) . ورئيسة الوزراء الهندية السابقة ( أنديرا غاندي ) .

الوزارة مناصفة بين الرجال والنساء .. فرنسا وبوليفيا نموذجا

في بعض الحالات الإستثنائية ، درجت بعض الدول الاشتراكية أو الرأسمالية ، في بعض تشكيلاتها الوزارية لتعيين وزارة رجالية - نسائية مناصفة بين الجنسين ، كما هو حال الحكومة الفرنسية بقارة أوروبا في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، وحكومة بوليفيا بقارة أمريكا الجنوبية في 10 كانون الثاني 2010 .

وزيرات خارجية للولايات المتحدة

وهناك بعض الدول تتجنب تولية بعض النساء للمناصب العليا ، والبعض الآخر يفضل أن تكون المرأة في وزارة الخارجية كالولايات المتحدة الأمريكية ، والأمثلة حية كثيرة في هذا المجال للحزبين الديموقراطي والجمهوري ، فهناك ثلاث وزيرات خارجية على فترات زمنية متتالية أو متقاربة ، هن : مادلين أولبرايت ، وكونداليزا رايس ، وهيلاري كلينتون ( وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية – زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ) .

رئيسات وزارة في الوطن الإسلامي
رغم الاختلاف الديني الإسلامي حول مسالة تولية نساء لرئاسة الحكومة في إحدى الدول الإسلامية رسميا ( ذات النمط العلماني رسميا وفعليا ) فقد ترأست شخصيات نسائية رئاسة الحكومة في بلاد المسلمين ، مثل رئيسة وزراء في باكستان ( بنازير بوتو ) سابقا ، ورئيسة وزراء في بنغلادش ( حسينة واجد ) عام 2009 .
وفي الوقت الراهن ، كانت أول وزيرة خارجية في الوطن العربي في موريتانيا ( ناهة بنت مكناس ) 2009 .

5 وزيرات في فلسطين 2009

عمدت الرئاسة الفلسطينية إلى تشكيل عدة حكومات متعاقبة ، سواء بالتعديل أو التوافق الفصائلي أو في أعقاب الانتخابات البرلمانية ، وبرزت من بين التشكيلات الوزارية بعض الوزيرات اللواتي تولين وزارات شؤون المرأة ، الشؤون الاجتماعية ، السياحة والآثار ، التربية والتعليم العالي ، والثقافة وغيرها على مدار التغييرات الوزارية منذ نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية في جزء من أرض الوطن الفلسطيني ، الأرض المقدسة ، حتى الآن ( 1994 – 2010 ) . وفي التشكيلة الوزارية للحكومة الفلسطينية بمركزها في مدينة رام الله في أيار 2009 جاءت تسمية الوزيرات الخمس التالية أسمائهن : التربية والتعليم العالي ( لميس العلمي ) ، شؤون المرأة ( ربيحة ذياب ) ، الثقافة ( سهام البرغوثي ) ، الشؤون الاجتماعية ( ماجدة المصري ) ، السياحة والآثار ( خلود دعيبس ) .

كلمة أخيرة

إن الإمارة والوزارة في جميع أنحاء العالم ، هم وغم ، وتعب ومشقة ، فهي تكليف وليست تشريف ، بأي حال من الأحوال ، وهناك تهافت للاطلاع بمهامها ، لأسباب شتى ، وهناك من يقوم بواجبها خير قيام ، والبعض الآخر يتخذها جسرا للمرور لتنفيذ مآربه ومنافعه الشخصية والحزبية والرسمية ، فتبوء وزارته بالفشل ، وتحجب عنه أو عن حكومته بصورة جماعية الثقة ، وتجرى انتخابات مبكرة أو عادية ، ويتم إعادة تشكيل الحكومة وتمر بعدة أسابيع في حالة حيص بيص ، وكل عائلة أو عشيرة أو قبيلة أو حزب سياسي أو جماعة مصالح ، تسعى للاحتفاظ بوزارة أو أكثر ضمن البوتقة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية الخاصة ، والكل يترقب ويتطلع لعل وعسى أن يحوز ويفوز بحقيبة وزارية ، يمارس فيها نفوذه ونفوذ حزبه أو قائمته الانتخابية أو الاقتصادية أو العشائرية وغيرها .
وتكثر الاشاعات الاجتماعية والدعايات الإعلامية وسط العائلات ، ويتردد بعض المستوزرين نحو الإدارة السياسية العليا في البلاد ، ويحومون حول مراكز صنع القرار ، باحثين حول الوزارة والاستوزار والتوزير ، سعيا للحصول على حقيبة وزارية لامعة أو باهتة لا فرق وعندما يتم تشكيل الوزارة تتبدد هذه الإشاعات العمدية المفبركة أو العفوية الطارئة ، وتتردد بعض الأسماء هنا وهناك ، وسرعان ما تنقشع سحابة الصيف بلا مطر وتظهر الأسماء الحقيقية لهذه الحكومة أو تلك عند أداء اليمين الدستورية ونيل الثقة من البرلمان أمام الملك أو الرئيس فيصاب البعض بالغثيان ويرتفع عنده داء السكري أو الضغط الدموي أو يلقى طريح الفراش آسفا وحسرة على هذا الاستثناء الوزاري له ، والبعض الآخر تعمه الفرحة العارمة وكأنه إمتلك الدنيا برمتها ولم يعلم أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة . وينسحب أهل الدعاية والإعلام إلى الوراء أو إلى الأمام وكأن الحدث الوزاري شيئا لم يكن ، فيصبح نسيا منسيا . وكل انتخابات برلمانية وتشكيل وزاري وأنتم بألف خير .
وختاما ، ندعو فنقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السبت، 24 أبريل 2010

35 نصيحة ووصية للرحلات الجماعية العائلية والمدرسية والجامعية

35 نصيحة ووصية

للرحلات الجماعية العائلية والمدرسية والجامعية

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}( القرآن المجيد – المائدة ) . وجاء في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " .


استهلال

تكثر الرحلات الجماعية التثقيفية والفنية والترفيهية والعلمية والدينية في فصلي الربيع والصيف ، وتتنوع هذه الرحلات لتشمل الرحلات : العائلية ورياض الأطفال والمدرسية والجامعية والمؤسسية وغيرها .

وتستخدم في معظم هذه الرحلات وسائل النقل البرية كالحافلات الصغيرة أو الكبيرة أو المركبات الصغيرة ، وقد تستخدم في هذه الرحلات السفن أو القوارب ، وهناك الرحلات الجماعية الجوية عبر الطائرات المدنية .
والهدف من هذه الرحلات تحقيق عدة أهداف وغايات لعل من أهمها : التثقيف العلمي ، والترفيه عن النفس ، والتجديد الصحي الجسدي والنفسي ، والتعريف بمعالم البلاد الجغرافية الطبيعية والصناعية والخدمية والتجارية والسياحية ، وتغيير نظام الحياة الرتيبة ، وتعميق الروابط الجماعية بين مجموعات مدنية معينة في المدارس أو الجامعات أو النوادي أو الوزارات أو المؤسسات والشركات وغيرها .
وتستلزم هذه الرحلات الجماعية وجود منظمين أو مشرفين قادرين على إدارة شؤون الرحلة لئلا تنقلب هما وغما بدل الفرح والترويح عن النفس ، فإدارة الرحلة ضرورية لتنظيم سير الرحلة القريبة أو البعيدة ، وجمع رسوم السفر والتنقل وبدل الدخول للمناطق الأثرية والسياحية ، والإشراف الأخلاقي العام على مسيرة الرحلة المبتغاة .
وقد تكون الإدارة المشرفة على هذه الرحلات الجماعية ذات خبرة ودراية في هذا المضمار ، فيستمتع الجميع براحة ورحلة ناجحة وموفقة ، وقد تكون ليس لديها الوعي الكافي في تنظيم سير الرحلة من بدايتها حتى نهايتها فتتأرجح الرحلة بين النجاح والفشل . وتتحمل إدارة الرحلة الجماعية المسؤولية كاملة عن الآداب والأخلاق الحميدة والقيم والمثل العليا لتحقيق غايات الرحلة الموعودة ، والتنفيس عن هموم وغموم المشاركين في هذه التنقلات الداخلية أو الخارجية .

هموم وغموم الرحلات الجماعية


تتعدد المشكلات والعقبات التي تواجه سير الرحلات الجماعية البرية أو الجوية أو البحرية ، أو المشتركة بين الفئات الثلاث ، ما بين الرحلات الداخلية أو الخارجية ، وقد تنقلب هذه الرحلات من أفراح إلى النقيض فتضحي أتراحا تسبب الألم والحزن والحسرة المؤقتة أو الدائمة ، للمتعثرين في الرحلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، حسب طبيعة المواقف الإشرافية الحازمة والصارمة أو الرخوة والفلتان الأخلاقي والاجتماعي والديني .
وتكون الرحلات الجماعية العائلية والجامعية المختلطة بين الذكور والإناث ، أكثر صعوبة ، وأكثر تعرضا للمشكلات الاجتماعية ، وذلك على النحو الآتي :


الرحلات العائلية

يسعى المنظمون للرحلات الجماعية العائلية ، التي تضم الرجال والنساء والأطفال ، من مختلف الفئات العمرية ، من الرضيع حتى الكبير في السن ، من عائلات واسر متعددة ، إلى تحقيق أهدافها المرسومة ، ولكن هذه الرحلات بحاجة لضبط وربط أكثر من غيرها ، حيث تكثر فيها حالات الاختلاط غير الشرعي ، والأكل الجماعي ، وخلع الملابس العليا للشباب ، مما يسبب التقزز من المشاركين ، وخاصة عند الذهاب للمسابح ، أو في رحلات الصيف الحار ، حيث يختلط الحابل بالنابل ، وتكثر فيها حالات الفساد والإفساد ، فينزل بعض المشاركين في أحواض السباحة أو بسواحل البحر ، إن وجدت ، بملابس داخلية فاضحة ، لكلا الجنسين ، وخاصة في الرحلات ذات النمط الغربي ، فتنكشف العورات ويظهر المستور من أجساد هؤلاء المشاركين ، بصورة جلية وواضحة ، مما يلحق الأذى النفسي ، بالأشخاص المشاركين وعائلاتهم وخاصة الفتيات المراهقات والنساء المحتشمات ، بدعاوى إدخال بعض البهجة الوهمية المفتعلة لنفوس البعض الآخر .

وتزداد المشكلات الاجتماعية والأخلاقية في الرحلات العائلية البرية والبحرية بالاختلاط غير السوي ، وتناول الأطعمة في تجمعات تظهر فيها مفاتن النساء ، وجزء من عورات الفتيات والنساء غير المحتشمات . وتزداد الأمور تعقيدا عند النزول في السواحل البحرية ، للبحار أو الأنهار أو البحيرات الداخلية عند وجود أجانب أشباه عراه ، من الذكور والإناث .
وفي الرحلات العائلية ينبغي أن تتحمل كل أسرة المسؤولية الكاملة عن أفرادها ، الكبار والصغار ، الذكور والإناث ، ولكل أسرة حياة خاصة بها . وتتميز الرحلات الجماعية بوجود الأكل الجماعي والقرب الأسرى ، والمشاركة الجماعية المتجددة في الهواء الطلق .


الرحلات المدرسية ورياض الأطفال

تتطلب الرحلات المدرسية ورياض الأطفال الرعاية السلوكية والاجتماعية الشاملة الجامعة ، من قبل المسؤولين على سير خطوط الرحلة ، فهؤلاء الأطفال الصغار وخاصة لرياض الأطفال ، أو المدارس الأساسية الدنيا أو العليا تتطلب الاهتمام الشديد في بشتى حالات التنقل بين المواقع والمدن والقرى ، في ربوع الوطن ، ويفضل عادة اصطحاب الأمهات أو الأخوات الكبيرات في رحلات أطفال رياض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 – 6 سنوات . وأما في رحلات المدارس للمرحلة الثانوية فتكون فيها مسالة الرقابة والمراقبة على الطلبة اقل ، وأخف وطأة كونهم أكثر تعقلا وأكثر إدراكا لتصرفاتهم ، وإن كانت هذه الرحلات هي من أكثر الرحلات تعرضا للمناكفات بين الشلل والعصابات المتباينة في بعض الحافلات .

على أي حال ، إن للرحلات المدرسية نظاما خاصا في التنقل والدخول والخروج للمواقع الأثرية والسياحية ، عبر المجموعات المؤتلفة لا المتنافرة ، وكذلك يلجأ بعض المشاركين لتنظيم وجبات الطعام الجماعي ، والسباحة الجماعية أو الترحال والغناء الجماعي لإدخال السعادة والسرور إلى أنفسهم . وغني عن القول ، إن مسار الرحلة المدرسية تختلف عن مسار الرحلات العائلية والجامعية والعلمية في كثير من الأحيان فيجب مراعاة هذا الأمر الأساسي ، فالأطفال يحبون التنزه وزيارة حدائق الحيوانات والطيور والملاهي الطفولية الشعبية ، ومدن الملاهي المنتشرة في مختلف المناطق .
وبهذا يمكننا القول ، إن الرحلات المدرسية للإناث هي أكثر نجاحا في عديد الحالات من الرحلات المدرسية للأطفال الذكور ، لأن البنات أكثر إلتزاما بتعليمات إدارات المدارس .


الرحلات الجامعية

هناك نوعان من الرحلات الجامعية ، التي تنظمها الجامعات عبر الكليات والأقسام أو مراكز الأبحاث ، وتتركز هذه الرحلات في :

أولا : الرحلة العلمية : لكلية معينة أو قسم أكاديمي أو تقني معين ، لزيارة مؤسسات أو مصانع ومنشآت صناعية أو اقتصادية أو زراعية أو جامعات أخرى لتمتين الروابط الجامعية بين الطرفين ، وتكون رسوم هذه الرحلات مدفوعة كليا أو جزئيا من إدارة الجامعة . ويتوخى المنظمون لهذه الرحلات الاستفادة من الخبرات العلمية والعملية من الآخرين وكتابة تقارير أو ملاحظات على زياراتهم وتقديمهما للجهات المسؤولة . وقد تكون الرحلات العلمية مشتركة أو مختلطة بين الذكور والإناث أو أقسام وشعب دراسية جامعية . ولا يحبذ مرافقة الغرباء عن الجامعة أو الكلية أو القسم في هذا المجال لتجنب المشاكل .
ثانيا : الرحلات الترفيهية : وهذا النوع من الرحلات ضروري لتعريف الشباب الجامعي على ربوع الوطن ، والترويح عن النفس ، والتعود على الحياة الجامعية اللامنهجية ، لاستكمال متطلبات الحياة الاجتماعية الخلاقة وتعميق العلاقات الجامعية الأكاديمية والشخصية . وتكثر أحيانا في هذه الرحلات الجامعية المشاغبات والاستفزازات ، والتعديات والاستعراضات الشبابية أمام البنات ، وقد يتسبب تأخر طالب وطالبة ( حبيب وحبيبته ) أو خطيب وخطيبته ، أو عريس وعروسه ، في تبادل أطراف الحديث الجانبي في تأخير مسار الرحلة أو تعويقها مما يسبب الامتعاض الشديد من زملاء الرحلة الآخرين . وإذا ما اصطحب بعض المخنثين المشروبات الكحولية فإن زمام الرحلة لا يستقيم أبدا ، وكذلك يفتعل بعض الطلبة المشاغبين الضجيج والغناء والتصفيق والصفير في مؤخرة وسيلة النقل كما يحدث غالبا في الحافلات الكبيرة التي تضم 50 راكبا ، فتنقلب حياة المرحلين إلى جحيم لا يطاق ، وتظهر وتطفو المنغصات على جميع المشاركين ويتمنون الإنهاء الفوري لهذه الرحلة التي تغص بالمنكرات . ولهذا لا بد للأساتذة المشرفين على سير الرحلة من إتباع أساليب الضبط والربط الحازمة في هذا المجال لضمان تمتع الجميع برحلة هادئة وهانئة .

نصائح ووصايا عامة لمنظمي الرحلات الجماعية

هناك 35 من النصائح والوصايا الإسلامية العامة المركزية الأساسية لا الحصرية ، المتلازمة كليا ، التي ينبغي الاستفادة منها لمنظمي ومشرفي الرحلات الجماعية المتعددة الأشكال والأنواع ، لجميع الفئات العمرية ، لينال الجميع القسط المتوخى من الراحة والاستمتاع والاستجمام والترويح الطبيعي ، فتكون رحلة موفقة وناجحة ، وملبية لمتطلبات الحياة الإنسانية ، ومن أهمها الآتي :

أولا : ضرورة التوافق النفسي والاجتماعي بين المشاركين في الرحلة . وتعيين جهة عليا مشرفة على سير الرحلة وعدم تدخل جميع المشاركين في استحداث جهات جديدة في الرحلة .
ثانيا : ضرورة الإلتزام الإسلامي الشامل في هذه الرحلات فيما يتعلق بالفصل بين الذكور والإناث في الجلسات المتباينة للعائلات والأسر ، وضرورة التقيد بالشرع الإسلامي فيما يخص اللباس والأطعمة والأشربة . فلا يجوز أن تكون المشاركات في هذه الرحلات كاسيات عاريات ، ولا يجوز اصطحاب الخمور بأي حال من الأحوال .
ثالثا : تجنب تنظيم الرحلات أيام الجمع لتجنب ضياع صلاة الجماعة وخطبة الجمعة المعهودة إسلاميا . وكذلك تحاشي تنظيم الرحلات الجماعية بكثافة في المناسبات الدينية والقومية والوطنية العامة .
رابعا : ضرورة دفع جميع المشاركين في الرحلة الرسوم المالية المتشابهة ، وعدم استغلال تنظيم الرحلات للكسب المادي كما يتم في تنظيم رحلات العمرة بين الحين والآخر من شركات تجارية بائسة .
خامسا : التوافق العمري بين الفئات المشاركة في الرحلة ، ويستثنى من ذلك الرحلات العائلية . فلا يجوز مشاركة طلبة الجامعات مع طلبة المدارس أو رياض الأطفال بصورة فجة ، لغياب التوازن الزمني بين عقليات الفئات المستهدفة من الرحلة . ولا ينبغي تنظيم رحلات مختلطة لطلبة المدارس من الفئات المراهقة ، فيكون الطلبة والأهل على أعصابهم .
سادسا : تحديد نوعية الرحلة الجماعية : علمية أو ثقافية أو فنية أو تراثية أو استجمامية أو ترفيهية أو مختلطة لتجنب الوقوع في متاهات متباينة ومغايرة .
سابعا : ضرورة اصطحاب الأكل والشراب واللباس من البيوت وعدم الالتهاء في شراء جميع الحاجيات من مواقع الرحلة بصورة عامة ، لأن توفير الأطعمة والأشربة الشهية والألبسة من البيوت تساعد في الاستقرار النفسي ، والتوفير المادي ، وكسب الوقت وعدم إضاعة الوقت في التسوق من هذه المدينة أو تلك بأسعار خيالية مرتفعة . وكذلك هناك فئات تضيع وقتها في عملية النش لشوي اللحوم وإعداد الطبيخ ، وكأن الرحلة جاءت لإعداد وجبة غذاء دسمة ، وتنافي ذلك مع أهداف الرحلة الجماعية . فيفترض توفير المأكولات من البيوت وطهي اللازم منها وشويه مسبقا .
ثامنا : الابتعاد عن الاحتكاك العائلي المحموم بين الأطفال الصغار لئلا تنقلب الرحلة إلى هم وغم لبعض الأفراد مع ما يعكس ذلك على مجموع المشاركين في الرحلة . وضرورة مراقبة الصغار لإبعادهم عن أماكن الخطر المحدق في الحفر والجبال والماء .
تاسعا : الإعلان عن سير الرحلة الجماعية بصورة مسبقة ، وإعلام الجميع عن التكاليف التقريبية للرحلة لتحاشي الإحراج ، فيما يتعلق برسوم دخول بعض المواقع الأثرية أو المسابح والمناطق السياحية ومدن الملاهي الإجبارية .
عاشرا : انتقاء وسيلة النقل العصرية الحديثة لتجنب الأعطال في الحافلات أو المركبات أو السكسك الحديدية أو السفن وغيرها . وتفقد هذه الوسائل قبل استئجارها .
إحدى عشر : ضرورة إلتزام جميع المشاركين بالرحلات الجماعية بتعليمات ووصايا المشرفين على الرحلة من سلوكيات أخلاقية ودينية واجتماعية وزمنية ، ليستفيد المشاركون فيها من المعلومات الجغرافية والتضاريسية المتعددة في أنحاء الوطن ويقضوا أوقاتا بهيجة سعيدة حميدة في زمن الرحلة المحدود .
إثنتا عشر : ضرورة جمع الرسوم المالية ودفعها لإدارة الشركة أو الحافلات مسبقا لتجنب الاختلاف وتملص بعض المشاركين من دفع ما يترتب عليهم . وفي الرحلات الجماعية المؤسسية المدفوعة الرسوم والتكاليف جزئيا أو كليا من المؤسسات أو الجامعات أو المراكز العلمية المتعددة ، لا مشكلة في هذا الأمر للركاب المشاركين في الرحلة بل تكمن المشكلة بين المؤسسة وإدارة الشركة التي يستخدم فيها الراحلون وسيلة النقل المعنية : الحافلات البرية أو السفن البحرية أو الطائرات .
ثلاثة عشرة : الإتفاق المسبق على مكان التجمع الأولي الرئيسي والانتهاء النهائي الأساسي من خط سير الرحلة لتحاشي الاختلافات في هذا الأمر . وتجنب دخول الأماكن المكتظة بالسياح الأجانب ، والابتعاد عن أماكن اللهو الماجنة لتحاشي التأخير والوقوع في الفتن والمشاكل المفاجئة .
أربعة عشرة : عدم تدخين السجائر أو الشيشة في وسيلة النقل المستخدمة ، وعدم إفتعال الإزعاج داخل الحافلة وتنكيد حياة الآخرين .
خمسة عشرة : تحديد المقاعد الثابتة في وسيلة النقل وفق أسبقية الدفع ، وعدم الاختلاف على أمكنة الجلوس ، الأمامية والوسطى والخلفية ، قرب الشبابيك أو بعيدا عنها ، فكل فرد يجب أن يجلس في مكانه المحدد طيلة فترة سير الرحلة وعدم التنقل بين مقاعد وسيلة النقل لأن ذلك يولد حساسية مفرطة وتداعي المشكلات الطارئة .
سادسة عشرة : التعويد والانتظام في مسلكيات اجتماعية جماعية عربية إسلامية ملتزمة في تناول الأطعمة والأشربة وترديد الأناشيد أو الأغاني الهادفة والابتعاد عن الأغاني الهابطة لتحاشي الإحراج والابتذال في هذا الأمر .
سابعة عشرة : التنويع الجغرافي والتوزيع الزمني ، في زيارات الرحلة على أن لا يكون معظم الوقت بالانتقال والترحال وخاصة في الرحلات البرية ، فيبدو الأمر مزعجا ومتعبا ، والرحلة لم تنظم من أجل التعب بل للمتعة والاستجمام والاستفادة والترويح عن النفس .
ثامنة عشرة : تنظيم زيارات للمقدسات والآثار والأماكن الدينية للإطلاع على حضارة الأمة السابقة ، لاستلهام المستقل المشرق للأمة . وفي الرحلات البحرية يتم انتقاء الأفراد المشاركين في السفن أو القوارب مع اصطحاب سباحين مختصين .
تاسعة عشرة : عدم تصوير اللقطات الجسدية الفاضحة عند السواحل بالفيديو في الهاتف الجوال ، وتوزيعها وبثها عبر الهواتف الخلوية المتنقلة ، والتقليل من المزاح والهرج والمرج في وسائل النقل والأماكن العامة .
عشرون : الابتعاد عن الأماكن المحظورة كقمم الجبال المرتفعة ، أو الدخول لأماكن السباحة الممنوعة لتجنب حدوث وفيات في الرحلة ، مع ما يجلبه ذلك من إنفعال مأساوي تراجيدي وندم على المشاركة في مثل هذا النوع من الرحلات ، وما يتبع ذلك من تحقيق وملاحقات أمنية شرطية وعائلية للقائمين والمشاركين في الرحلة .
إحدى وعشرون : عدم إرهاق الأطفال في الرحلات لتجنب الدوخة والدوار ، وتنظيم الاستراحة بين مختلف المواقع المزمع زيارتها . واصطحاب أكياس بلاستيكية تحسبا لمراجعة الأطفال وعدم توسيخ ثيابهم .
إثنتان وعشرون : عدم زيارة الأماكن ذات الرسوم الخيالية لدخولها ، مما يرهق الآباء والأمهات ، من النواحي المادية وسط إصرار الأطفال على دخولها .
ثلاث وعشرون : إدخال بعض الفئات المهملة والمهمشة في مسيرة الرحلة مجانيا ، كالأيتام والفقراء والمعدمين ، لترسيخ مبادئ المسؤولية الجماعية ، والعدالة الاجتماعية وإبعاد شبح الحرمان الترويحي والترفيهي عن هذه الفئات المحرومة وذلك بما لا يضر بميزانية الرحلة .
أربع وعشرون : إتباع النظام والانتظام في الدخول والخروج ، لوسائل النقل ، ودخول المناطق المبتغاة ، والابتعاد عن حالة الفوضى ، والإلتزام بالتعليمات المرقومة والمرسومة على اليافطات والآرمات بالشوارع والأماكن المحظورة لمصلحة المرتحلين العامة .
خمس وعشرون : عدم التسلق للأشجار العالية ، أو غزو الحقول والبساتين المزروعة بمختلف أنواع الثمار ، في شتى فصول السنة ، لتجنب الضرر الصحي ، حيث قد تكون بعض الأشجار أو الثمار مرشوشة بالمبيدات الحشرية ، وتناولها يسبب حالات التسمم الجماعي .
ست وعشرون : إختيار الفصل والوقت المناسب لتنظيم الرحلات الجماعية ، وكل منطقة لها طبيعة مناخية مختلفة عن الأخرى كالمناطق الساحلية والداخلية وذات التضاريس العالية أو الصحاري والأغوار . فليس من الضروري مثلا أن يتم تنظيم الرحلة في أيام العطل الأسبوعية ، بل من الأفضل والأمثل إنتقاء أوقات غير العطل الأسبوعية والأعياد الدينية والقومية والوطنية ، لتنظيم الرحلات وذلك حسب طبيعة الرحلة والفئات المستهدفة فيها .
سبع وعشرون : يحبذ عدم إصطحاب المرضى والمسنين ، في الرحلات الجماعية ، وتنظيم رحلات صغيرة خاصة بهم ، لئلا يضايقون غيرهم ويتضايقون من غيرهم في الآن ذاته .
ثمان وعشرون : اصطحاب الميكروفونات المتنقلة للنداء والمناداة على المشاركين في الرحلة ، واستعمال إذاعات وسائل النقل الداخلية لتوجيه المرتحلين ، وتزويدهم بالمعلومات اللازمة . وكذلك تنظيم مسابقات ثقافية عامة وتوزيع الجوائز على الفائزين أثناء التنقل لإضفاء المتعة على الرحلة . وفي هذا المجال لا بد من إعداد المعلومات الضرورية حول الأماكن المزارة ، لترسيخ أواصر الترابط الجغرافي والطبيعي والإنساني والتاريخي والحضاري وبثها وإعلام المشاركين بها .
تسع وعشرون : إتاحة المجال أمام المشاركين في الرحلة من تأدية الشعائر والطقوس الدينية الإسلامية بصورة جماعية . وتنظيم احتفالات رمزية أو ترديد أناشيد وطنية وإسلامية جماعية لإدخال الفرحة والسرور إلى نفوس المشاركين بالاتفاق المسبق مع بضع المختصين المشاركين بالرحلة ، وتجنب غناء الأغاني الهابطة السافلة .
ثلاثون : تأمين الأمتعة والأمانات من النقود وبطاقات الهوية الشخصية بصورة آمنة قبل النزول للمسابح ، ومراقبة الأطفال خوفا من الضياع .
إحدى وثلاثون : اصطحاب أدوات الرحلة للتسلية والترفيه : أدوات السباحة وبعض الألعاب الخفيفة كالشطرنج وكرة القدم والطائرة والتنس .
إثنتان وثلاثون : لبس الألبسة المناسبة لطبيعة كل فصل من فصول السنة ، وحسب الطبيعة المناخية لكل منطقة ، لتحاشي لفحات البر أو ضربات الشمس .
ثلاث وثلاثون : الحصول على التراخيص الأدبية والأمنية اللازمة المكتوبة غير الشفهية ، للرحلات قبل إنطلاقتها ، من الجهات المختصة كالوزارات والجامعات والأجهزة الأمنية والسياحية وموافقة الأهالي على خطوط سير الرحلات .
أربع وثلاثون : الإنطلاق بالرحلة بساعة مبكرة من اليوم ، وعدم مواصلة الرحلة لساعات متأخرة من الليل لتمكين الجميع من الرجوع الآمن للبيوت ، لفئات الأطفال والفتيات والنساء ، وللشباب من ذوي الإقامات البعيدة عن خط سير الرحلة .
خمس وثلاثون : الإطمئنان على دخول جميع الركاب لوسيلة النقل بعد النزول لموقع معين ، وتسمية أسماء الأطفال في الرحلات المدرسية ورياض الأطفال ، ووصول جميع المرتحلين لديارهم سالمين .


كلمة أخيرة

والله رب العالمين نسأل أن يمن علينا وعليكم برحلات إيمانية إسلامية مريحة ، آمنة ومستقرة ، فهو الحميد المجيد ذو الجلال والإكرام ، ونأمل للجميع رحلات هادفة وملتزمة وموفقة وناجحة ، لينعموا بالجو الجميل والمناخ الطبيعي المناسب ، والترويح الاجتماعي والصحي والنفسي الجماعي والفردي الجامع والشامل ، لتكون إنطلاقة جديدة بحياة المستجمين في ربوع الوطن . ورحلات صيفية باتجاه سواحل البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات ، ورحلات برية ربيعية متفتحة في ربوع اليابسة الخلابة ، ورحلات شتوية في المناطق الغورية ذات الحرارة المرتفعة ، ورحلات جوية ممتعة بطائرات حديثة ، للأماكن الممتعة المشهورة في العالم . وطوبى ومرحى للمستجمين والمروحين عن أنفسهم وفق تعاليم الرسالة الإسلامية العظيمة . وطوبى للذين يشدون الرحال للمساجد الإسلامية الثلاثة : المسجد الحرام بمكة المكرمة ، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ، والمسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس بالأرض المقدسة ، لينالوا النعيم الدنيوي والأخروي عند رب العالمين ، وتتجدد حياتهم الروحية والبدنية نحو العلى والأعالي .

وأدعو فأقول والله المستعان ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .