الأربعاء، 31 مارس 2010

الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم .. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم ..

وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }( القرآن المجيد - الأنفال ) . وجاء في سنن الترمذي - (ج 9 / ص 47) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " .

استهلال

عند بلوغ الطفل الفلسطيني ما بعد سن الثالثة أو الرابعة من عمره يعمل أهله على التفتيش عن روضة من رياض الأطفال ليلحقوه فيها ، ليتلقى مناهل العلوم والمعارف المتنوعة وخاصة الأناشيد والأغاني الإسلامية والوطنية منذ نعومة أظفاره . وبعد الانتهاء من روضة الأطفال يتم تسجيل التلاميذ الصغار لدخول الصف الأول الأساسي ( الابتدائي ) بعد سن الخامسة والنصف من العمر فأعلى تقريبا .
وتعتبر المدرسة الفلسطينية المؤسسة التعليمية الحقيقية الأولى في فلسطين والعالم ، فالمدرسة هي التي تعمل على تعليم الأطفال شتى الأنواع والأشكال التعليمية الأدبية واللغوية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والدينية الإسلامية ( والنصرانية للنصارى ) والرياضيات والتربية الوطنية العامة والفنون والرسم والرياضة وسواها . ويقعد التلاميذ على مقاعد الصفوف الدراسية من الساعة الثامنة صباحا وحتى وقت صلاة الظهر أو بعدها تقريبا وفق نظام مقنن من الحصص التعليمية حيث تتراوح فترة كل حصة حوالي 45 دقيقة . وهناك الاستراحة اليومية ( الفرصة ) لأقل أو لأكثر من نصف ساعة يوميا ما بين الحصص الخمس أو الست أو السبع في كل يوم وعادة ما تكون بعد الحصة الثالثة من العمل الدراسي بالمدرسة .

وقت الإذاعة المدرسية

على العموم ، يسبق هذا النظام التعليمي الفلسطيني المتواصل تعليم إذاعي فريد من نوعه ، طبق بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ، نواة دولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، في جزء من ارض فلسطين المقدسة ، منذ عام 1994 ، وهو ما يطلق عليه ( الإذاعة المدرسية ) حيث تعمل إدارة المدرسة على تنظيم فعاليات إذاعية مدرسية ، تبدأ بعد طابور الصباح اليومي ، عند أو بعد الساعة السابعة والنصف سواء بالتوقيت الشتوي أو الصيفي ويستمر لما قبل دخول الطلبة قاعات التدريس المدرسي المعتادة . ويتضمن مشاركة التلاميذ من الصف الأول الأساسي حتى الصف الثاني الثانوي ( التوجيهي ) وهو الصف الأخير في المرحلة المدرسية قبل الانتقال للحياة الجامعية في الأرض المقدسة أو في الوطن العربي أو الوطن الإسلامي أو في العالم . وفي فصل الشتاء عادة ، ما يتم الاستغناء عن وقت الإذاعة المدرسية ، أحيانا أو في كثير من الأحيان ، بسبب هطول الأمطار أو البرد القارص الشديد في الهواء الطلق في الساحات المدرسية . وكذلك الحال في فصل الصيف ، عند اشتداد حرارة الشمس يتم تقليص وقت الإذاعة المدرسية لتحاشي ضربات الشمس لبعض الطلبة ، وإدارة المدرسة هي صاحبة القرار النافذ في هذا المجال . وأفضل أوقات الإذاعة المدرسية الصباحية في فصل الربيع حيث تكون درجات الحرارة معتدلة ، والجو ربيعي يبعث على الدفء والإبداع الطلابي العام .

الإذاعة المدرسية في المدارس المختلطة

قد تكون المدرسة في الوطن الصغير ( فلسطين ) أو في الوطن العربي الكبير ، أو في الوطن الإسلامي الأكبر ، شاملة من الصف الأول الأساسي حتى الثاني الثانوي ، وقد تكون مدرسة أساسية منفصلة ومستقلة عن مدرسة ثانوية وهو النظام الأمثل والأصلح في النظام التربوي العصري دينيا إسلاميا وعلميا وحضاريا . وهناك مدارس مختلطة بين التلاميذ الذكور والإناث في عشرات المدارس الفلسطينية أو العربية وغيرها ، وهي حالة استثنائية يفترض أن يتم فصل الطلبة الذكور عن الإناث ليأخذ الجميع راحته العلمية والاجتماعية والنفسية ، ولتأخذ البنات خاصة راحتها في التعليم المدرسي العام . فالاختلاط يولد الخوف والحياء من الآخر في المدرسة ، ويسبب في بروز مشكلات نفسية واجتماعية ناتئة آنية وآجلة يمكن الاستغناء عنها بالفصل بين الذكور والإناث . ويمكننا القول ، إن المدرسة تختلف عن الجامعة ، ففي الجامعة يكون الطلبة أكثر نضوجا وتحملا للمسؤولية ومعرفة بمصالحهم بينما يتسبب الاختلاط بين الطلبة والطالبات في المدارس بالأذى النفسي والمعنوي في غالب الأحيان .
ومهما يكن من أمر ، فإن فترة بث الإذاعة المدرسية الصباحية قد تمتد قبل الدوام المدرسي وأثناءه وبعده ، بالحدين الأدنى والأقصى ما بين 10 – 30 دقيقة يوميا . والمشاركة الإذاعية في المدارس المنفصلة أكثر جدوى وفائدة من المدارس المختلطة .

من الأكثر نجاحا .. الإذاعة المدرسية للذكور أم الإناث ؟

تتواجد الإذاعة المدرسية في فلسطين ، وربما في بعض قارات العالم ، في كل من مدارس الذكور ومدارس الإناث ، في المراحل الثلاث التعليمية : الأساسية الدنيا والأساسية العليا والثانوية .
ويشارك التلاميذ من الذكور والإناث كل على حدة ، أو بشكل مختلط في الأداء الإذاعي المدرسي ، وفي النظام المختلط تكون الحساسية كثيرة والحياء واضح للعيان والبيان ، وإن كانت البنات يحاولن إثبات أنفسهم إلا أن مظاهر الاختلاط قد تجعل الفتيات المذيعات في الإذاعة المدرسية أكثر للسخرية والاستهزاء من بعض التلاميذ الذكور المتعثرين من أصحاب الجدل السفسطائي المبين ، ويكلف إدارة المدرسة جهدا إضافيا في الكثير من الحالات ، وكذلك على العكس من ذلك ، يجعل بعض التلاميذ المذيعين الذكور أكثر استعراضية وتحضيرا لنيل الرضى النفسي والأنثوي والمجتمعي ، وكثيرا ما تتغلب المذيعات المدرسيات من الطالبات على المذيعين الذكور ، ويجعل التنافس بين الجانبين أكثر تهويلا وتبجيلا .
والأجدى للإذاعة المدرسية أن تكون المدارس غير مختلطة بين الذكور والإناث ، لينال الجميع فرصته في الإعداد والتقديم المناسب ، بمنافسة نوعية متعاظمة ، وليأخذ كل ذي حق حقه .

أجهزة الإذاعة المدرسية

تتضمن أجهزة الإذاعة المدرسية مكبرات صوت بعدد سماعتين أو ثلاث أو أكثر حسب حجم المدرسة ، بأحجام كبيرة أو متوسطة توضع في الساحات المدرسية بمكان مرتفع بشكل ثابت ، ويتم تداول الميكرفون الإذاعي المتنقل بين الطلبة وإدارة المدرسة الفلسطينية ، كما تشتمل الإذاعة المدرسية على جهاز تسجيل وراديو ، ويمكن أن يكون هناك جهاز حاسوب لبث بعض المقاطع الإذاعية من الأناشيد الدينية والنشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي ) وغيرها .

برامج ومواد الإذاعة المدرسية

يقول الله الواحد القهار جل شأنه : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}( القرآن المجيد – النساء ) .
تتكون مواد الإذاعة المدرسية في فلسطين التي تذيع باللغة العربية في غالب الأحيان ، وتذيع باللغة الأجنبية أحيانا ، من جناحين :
الجناح الأول : وهو البرامج الإذاعية التي تعدها وتقدمها إدارة المدرسة من المدير ونائبه والسكرتير ، والمعلمين في مختلف أوقات الدوام المدرسي منذ بدايته حتى نهايته ، ولكنها تتركز في فترة الصباح والاستراحة النصفية المدرسية بين الحصص لجميع التلاميذ ، حيث تتم إذاعة تعليمات وزارة التربية والتعليم العالي وتنبيهات وتحذيرات إدارة المدرسة ، وإرشاد الطلبة لمواضيع معينة ، كالعمل التطوعي والتنظيف العام ، والانتظام والنظام في طوابير الصفوف باستقامة نفسية وذهنية وجسدية ، وحثهم على الطاعة الرشيدة وتحذيرهم من التمرد والعصيان ، وضرورة الإلتزام بالرسالة التعليمية السامية ، والابتعاد عن المشاكل والفزعات ( الطوش ) فيما بينهم والابتعاد عن النعرات العشائرية والقبلية وغيرها . وكذلك تشتمل برامج الإدارة على تنفيذ برامج رياضية كتمارين رياضية خفيفة ، عبر الإذاعة المدرسية ، يشرف عليها عادة معلم الرياضة لتنشيط همم وأجسام الطلبة وإذهاب النوم من عيونهم استعدادا لتلقي الحصص الدراسية المتعددة .
الجناح الثاني : وهو برامج التلاميذ الإذاعية : وتشتمل برامج الإذاعة المدرسية في فلسطين الأساسية ، وهو عنوان موضوعنا الرئيس ، على عدة مواضيع متعددة ومتنوعة ، ويتناوب فيها المذيعون والمعدون من التلاميذ الصغار والكبار للمواد الإعلامية المدرسية ، ومن أهم هذه المواضيع الآتي :
أولا : قراءة الفاتحة وهي السور الأولى في القرآن المجيد ( السبع المثاني ) .
ثانيا : النشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي .. فدائي ) .
ثالثا : قراءة بعض الآيات القرآنية من سور القرآن العظيم ، حسب طبيعة المادة الإعلامية المعدة .
رابعا : قراءة بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، حديث نبوي شريف أو أكثر في الفترة الإذاعية الصباحية .
خامسا : قراءة بعض بيوت الشعر العربية أو الأجنبية والأمثال والحكم الشعبية .
سادسا : قراءة بعض الأناشيد والأغاني الإسلامية والوطنية حسب المناسبات الدينية والقومية والوطنية العامة . وهذه مناسبات على سبيل المثال لا الحصر : رأس السنة القمرية الهجرية الإسلامية 1 محرم سنويا ، ورأس السنة الميلادية الأول من كانون الثاني سنويا ، ويوم الاستقلال الفلسطيني 15 / 11 سنويا ، ويوم الشهيد الفلسطيني 7 كانون الثاني سنويا ، ويوم الأرض الفلسطيني 30 آذار ، ويوم المرأة العالمي 8 آذار ، ويوم الأم العالمي 21 آذار ، وذكرى الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني ، ويوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان ، وذكريات المجازر الصهيونية في فلسطين مثل مذبحة دير ياسين 9 نيسان ، وذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا في بيروت 17 أيلول ، ويوم المعلم الفلسطيني 14 كانون الأول ، وذكريات استشهاد قادة وزعماء فلسطينيين وعرب ومسلمين وعالميين بارزين وغير ذلك من المناسبات والذكريات .
سابعا : مواد إذاعية مختارة من النثر والشعر والقصائد الأدبية والسياسية والعسكرية ، عن شتى المواضيع الفلسطينية والعربية والعالمية .
ثامنا : نشر برامج كشافة المدرسة الداخلية والخارجية .
تاسعا : الدعوة للمشاركة في احتفالات ومهرجانات دينية ووطنية وقومية في شتى المحافظات الفلسطينية والعواصم العربية والإسلامية والعالمية .
عاشرا : مواضيع أخرى عامة وخاصة . كالمسابقات الترفيهية والفنية ، بالإضافة إلى مواد إذاعية مدرسية قد تذاع باللغات الأجنبية : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية وسواها .
وبهذا يجب أن يعود الأهل أبنائهم على طبيعية الحق والحقيقة والتدريب المتواصل على تلقي العلوم والمعارف الخيرة ، والإبتعاد عن الشر والشريرين ، والتعليم والتدريب في الصغر يكون سهلا ، بينما يصعب تعليم الأبناء وتربيهم التربية الصالحة حالما يكبرون .

دور الإذاعة المدرسية .. الطبع غلب التطبع
ورد في سنن أبي داود - (ج 10 / ص 49) عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " . وجاء في مسند أحمد - (ج 47 / ص 72) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " .
على أي حال ، تقوم الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم أجمع ، بدور كبير وفعال في صقل مواهب الطلبة ، دينيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا وفنيا ، وتدربهم على الخطابة الجهرية أمام جموع الطلبة باستخدام الميكروفون ، وجعلهم من المتحمسين للحديث الإذاعي الصباحي اليومي ، فيتم تدوير الإذاعة المدرسية يوميا على كل صف من الصفوف والشعب الدراسية في المرحلتين الأساسية والثانوية ، بإشراف إدارة المدرسية الفعلي وتدريب بعض الطلبة الكبار المتفوقين على الإدارة الذاتية الأولية لبرامج الإذاعة المدرسية في فلسطين .
وليعلم الجميع أن الخطابة الملتزمة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، هي صلب ونواة رسالة الأنبياء والرسل والأولياء والأصفياء والأنقياء والصالحين وأولي الألباب ، وأولى النهى والأبصار في الإسلام العظيم .
على أي حال ، تساهم الإذاعة المدرسية في عدة أمور لعل من أبرزها الآتي :
أولا : صقل مواهب التلاميذ الصغار والكبار عبر جعلهم يستعدون ويحضرون مواد الإذاعة المدرسية في شتى المواضيع حيث تنمي مواهبهم الذاتية في الخطابة والنشيد والإلقاء والوقوف أمام جمع غفير من الناس وهم الزملاء التلاميذ وطاقم المدرسة التعليمي .
ثانيا : تعويد التلاميذ على قوة الشخصية وعدم الخوف من وسائل الإعلام ، فهم المذيعون الصغار في 5 أيام من الأسبوع ، كون هناك عطلة أسبوعية في فلسطين في يومي الجمعة والسبت ، في الضفة الغربية ، والخميس والجمعة في قطاع غزة .
ثالثا : التمكين من اللغة العربية المقدسة الخالدة في نفوس التلاميذ الفلسطينيين والعرب .
رابعا : التعود على العمل الجماعي ضمن الفريق الواحد ، والتكامل في الأداء الإذاعي في الإعداد والإلقاء والإنهاء . ويكون ذلك بتنظيم التناوب في الخطابة والإلقاء والنشيد الجماعي والقراءة الجماعية للفاتحة والسلام الوطني الفلسطيني .
وتتألف مادة الإذاعة المدرسية والتدريب المسبق عليها ، من التالي :
1. البسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
2. التحية : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أسعد الله صباحكم بكل الخير .
3. الناس المستهدفين : أيها المعلمون الأفاضل الأجلاء ، الحضور الكريم ، الزملاء الطلبة الأعزاء ، أيها الإخوة الكرام ... ) وهكذا .
4. عنوان الموضوع : ويذكر اسم الموضوع المراد إلقاء المادة الإعلامية عنه ( أهمية المسجد الأقصى المبارك ، العلم ، الكشافة ، يوم المعلم ، يوم الأسير ... ) وهكذا .
5. قلب ومادة الموضوع الكاملة : وهي المادة الإعلامية المراد إذاعتها ( مع تضمين آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية شريفة ، وحكم أو أمثال شعبية ، متفرقة أو مجتمعة ) في سياق المقال الإذاعي . وقد يكون الموضوع المذاع سورة قرآنية قصيرة ، أو حدث نبوي شريف ، أو غيره . شرط مناسبته للإذاعة المدرسية . بالدعوة للخير والمثل العليا والأخلاق الحميدة ، وإرشادات فاضلة .
6. الخاتمة ( وأخيرا ، وختاما ، وفي نهاية المطاف )
7. السلام الأخير قبل مغادرة ميكروفون الإذاعة المدرسية . شكرا لمتابعتكم ، شكرا لإصغائكم ، وبارك الله فيكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ويحبذ أن تطلع إدارة المدرسة عبر المدير أو نائبه أو المعلم المناوب أو أحد المشرفين المباشرين على الإذاعة المدرسية ، على المواضيع التي ستذاع في الإذاعة المدرسية مسبقا ، لتمكين الطلبة من التنفيذ الحي المباشر السديد والصحيح وعدم الاتكال على التلاميذ المشرفين قدر الإمكان .
خامسا : التعاون الإيجابي بين التلاميذ وإدارة المدرسية ، وعدم وجود حاجز نفسي وهمي بين التلاميذ من جهة وإدارة المدرسة من جهة ثانية .
سادسا : الإلتزام بالمواعيد والإنضباط التنظيمي في البرامج الإذاعية المتتابعة في الدقائق المحددة لكل تلميذ مذيع ، والتعويد على الإلتزام اليومي ببرامج الإذاعية المدرسية بالتناوب بين الصفوف وعدم تجاوز الوقت المسوح به لضمان عدم التأخر في الدخول للصفوف الدراسية .
سابعا : تعويد جموع التلاميذ على الاستماع اليومي للإذاعة والانضباط النفسي والجسدي واحترام حرية الآخرين ، ففي بث برامج الإذاعة المدرسية تكون قلة قليلة من يذيع وكثرة كاثرة ممن يستمع ، وهذا يجعل من الإذاعة المدرسية وكأنها مهرجانا يوميا متواصلا يلتزم به طلبة المدرسة .
ثامنا : تعزيز حب الله ورسوله والمؤمنين ، والتمسك بدين الله الخالد وهو الإسلام ، وتكريس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين جميع التلاميذ . بنشر وبث الفضائل ومكارم الأخلاق والقيم النبيلة السامية والمثل العليا والأخلاق الحميدة المستندة للإسلام العظيم ومحاربة الرذائل والأخلاق السيئة .
تاسعا : مشاركة الأهل في إعداد المواد الإعلامية لأبنائهم ، وبذلك تكتمل الحلقة التعليمية الشاملة من الأهل وإدارة المدرسة والتلاميذ ويمكن الرجوع في إعداد المواد الإعلامية المحددة للكتب ووسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والانتر نت دون نسخا بصورة تامة وإنما إتباع سياسة العصف الفكري في ذلك بإعادة صياغتها وقولبتها وتغييرها وفق الحاجة بلغة عربية رصينة سهلة تناسب تلاميذ الإذاعة المدرسية المذيعين والمستمعين .
عاشرا : معرفة التلاميذ المبدعين من المفلسين ، فيساهم العمل الإذاعي المدرسي ، في تنمية مواهب التلاميذ المبدعين للدخول في مسابقات ومهرجانات خطابية سواء على نطاق المدرسة أو مديرية التربية والتعليم في المحافظة الفلسطينية أو على المستوى القطري الفلسطيني أو العربي أو الإقليمي أو العالمي .
حادي عشر : إختيار وزارة التربية والتعليم النخبة من الطلبة المبدعين في الإذاعة المدرسية وتكريمهم والأخذ بأيديهم لتمثيل فلسطين في المسابقات العربية والإقليمية والدولية وحصد أفضل الجوائز .

الإذاعة المدرسية والحوافز والجوائز الرسمية والأهلية

العلم في الصغر كالنقش في الحجر

يفترض في وزارة التربية والتعليم في فلسطين والعالم ، أن تعين جوائز مالية وعينية ومعنوية شهرية وفصلية وسنوية للمتفوقين في الإذاعات المدرسية ، للتحفيز والتشجيع المستمر . فمثلا ، ينبغي أن يمنح المتفوقون في الإذاعة المدرسية ، سواء الذكور أو الإناث ، الجوائز المادية الرمزية كالإعفاء من الرسوم المدرسية السنوية ، أو مجموعة من الكتب العلمية والدينية الإسلامية والقصص ، والمراجع والموسوعات والقواميس وغيرها . وكذلك مكافأة المتفوقين بالإذاعة المدرسية بالخطابة ، والإعداد والتقديم ، ومنحهم الفرص التعليمية العليا والابتعاث وتوفير المنح الجامعية في أقسام وبرامج الصحافة في الجامعات الفلسطينية والعربية والأجنبية ، ليشقوا طريقهم في العمل المهني الإذاعي المستقبلي ، وهي طريقة خيرة في فرز الكفاءات الإذاعية للإذاعات ومحطات التلفزة والصحف والمجلات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية .

دائرة الإذاعة المدرسية في وزارة التربية والتعليم

يفترض في وزارة التربية والتعليم في فلسطين والوطن العربي والوطن الإسلامي والعالم ، بدعم رسمي أو مؤسسي أو شعبي أو أهلي أو تعاوني ، من وكالات ومنظمات التربية والثقافة العربية والإقليمية والعالمية كاليونسكو وغيرها ، في أن يكون هناك قسم خاص أو دائرة مختصة في الإذاعة المدرسية والتلفزيون المدرسي في مقر الوزارة وفي كل مديرية من مديريات التربية والتعليم في البلاد ، لرعاية هذا النشاط الطلابي الهام في المجتمع ، وتكون مهمة هذه الدائرة الإذاعية المدرسية المختصة زيادة الاهتمام ببرامج الإذاعة المدرسية وتطويرها نحو المهنية الفضلى وتنظيم دورات تدريبية للطلبة المتفوقين ، وللقائمين على الإذاعة المدرسية ، من المعلمين والطلاب ، على حد سواء ، وتنظيم رحلات مهنية وتثقيفية لمحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية والعربية والإسلامية والعالمية للمتفوقين للأخذ بأيديهم نحو الدرجات العلى . وكذلك يفترض أن تحدد ميزانية لتمويل الإذاعات المدرسية لشراء الأجهزة وتحديثها ، وتوفير المستلزمات المادية والفنية والتقنية والتدريبية وسواها ، سواء من رسوم المدارس أو ميزانية وزارة التربية والتعليم الأم في الدولة .

الإذاعة المدرسية المفتوحة .. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ


الإذاعة المدرسية ، في فلسطين لها وقت معلوم ومحدد صباحي يوميا في الأيام الخمسة من أيام الدراسية في الأرض المباركة فلسطين ، فهي زاد الطلبة نحو الهمة والنشاط والاستعداد النفسي والذهني للنهل من مناهل العلوم والمعارف المتعددة وإلقاء الجهل والجاهلية والإهمال والكسل جانبا . ويفترض فيها التركيز على الإسلام والحرية والاستقلال والتحرير من المحتلين والاحتلال الصهيوني ، فمهمتها ليس التدريب المهني فحسب بل زرع حب الله ورسوله وحب الدين والوطن والفداء .
وبهذا فإن الدقائق المعدودة الصباحية اليومية للإذاعة المدرسية ليست بكافية بل يجب رفدها بأيام إذاعية مفتوحة ، تجعل من الطلبة المذيعين بالإذاعة المدرسية مدرسين ومعلمين لزملائهم التلاميذ الآخرين في شتى المواضيع . وغني عن القول ، إن الأيام الإذاعية المفتوحة لا ترهق التعليم الحصصي المدرسي بل هي عامل مساعد لتمكين الطلبة من القيام بدور المعلمين الصغار في شتى المواضيع أمام جمهور غفير من الطلبة والطاقم التدريسي في المدرسة المعنية وحضور أولياء أمور طلبة لمدارس الذكور ، وأمهات طالبات لمدارس الإناث ، يهتمون بهذه النشاطات اللامنهجية لتشجيع الطلبة على الإذاعة المدرسية .
ويفترض في اليوم الإذاعي المفتوح في مدرسة الذكور أو الإناث كلا على حدة ، أن يستمر يوما كاملا ، لتمجيد وتخليد ذكرى معينة ، إسلامية دينية أو قومية ، كالمولد النبوي الشريف ، أو شهر رمضان المبارك ، أو الحج الإسلامي أو عيد الميلاد المجيد ، أو تأبين شهيد من تلاميذ أو معلمي المدرسة وتنظيم ذكرى يوم الشهيد الفلسطيني بمشاركة ذوي الشهداء ، أو يوم الأسير الفلسطيني ، بدعوة أهالي الأسرى وغير ذلك ، وذلك بتنظيم طلابي ذاتي كتمثيل طلبة لإدارة المدرسة ، طالب يشغل منصب مدير مدرسة وطالب يشغل منصب نائب مدير المدرسة وطالب يشغل منصب سكرتير وهكذا ، برعاية إدارة المدرسة الحقيقية ، أو بتنظيم مشترك بين التلاميذ مع إدارة المدرسة ، مع بث برامج إذاعية متواصلة مباشرة وجاهيا لا من وراء حجاب ، لحدث أو أحداث معينة ، بالتنسيق مع هيئات الإذاعة والتلفزيون الرسمية والأهلية والحزبية والخاصة ، تشتمل على فقرات أناشيد ومسرحيات طلابية هادفة يتم تنظيمها بالتعاون بين إدارة المدرسة والتلاميذ المهتمين من الكشافة ذات اللباس المدرسي الموحد . وكذلك يفترض العمل على تنظيم أيام مفتوحة في المدارس للكشافة ، بمشاركة المهتمين من الطلبة والمعلمين .
على أي حال ، يمكن تنظيم أيام إذاعية مفتوحة ، لتلاميذ المدارس في النوادي الصيفية والمعسكرات الصيفية ، الرسمية والشعبية ، على السواء ، لتتضمن كافة المواضيع السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والترفيهية والفنية وغيرها .

أبنائي وتجربة ذاتية في الإذاعة المدرسية ..
أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ

يقول الله العلي العظيم عز وجل : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) }( القرآن العظيم – لقمان ) .
كان لي ثلاثة أبناء في المدارس الأساسية والثانوية ( هلال وحازم وآية ) المنفصلة ، ذكورا وإناثا ، في مدارس قرية عزموط ، تخرجوا من المدارس والتحقوا بالجامعات وبعضهم أنهى الدرجة الجامعية الأولى ، بحمد الله وفضله ، والآن لي الإبنة الصغرى ( أمل ) في الصف الأول الأساسي ، عودتهم على الاهتمام بالإذاعة المدرسية ، بالمشاركة الفعالة ، وكنت أعد لهم المواضيع المكتوبة أو المطبوعة على الحاسوب ، الأسبوعية والفصلية والسنوية المتعددة والشاملة المقتضبة ، بما يتراوح ما بين 1 – 5 دقائق ، حسب المناسبات الدينية والوطنية والقومية ، الداخلية والخارجية ، في المواضيع الإسلامية والوطنية والصحية والتعليمية المتعددة الأشكال والمجالات ، وكنت أطلب منهم إعادة كتابة المقال أو الموضوع بخط أيديهم ، وأدخل في المقال المختص آيات قرآنية مجيدة ، وأحاديث نبوية شريفة ، وحكم وأمثال شعبية ، وإحصاءات وبيانات ، ومعلومات طيبة متخصصة وإرشادات ، وأقوال لشخصيات مشهورة ، وكيفية افتتاحية المقال الإذاعي المدرسي بالبسملة وتحية جموع المخاطبين من المعلمين والحاضرين والتلاميذ ، بالسلام الإسلامي ، وعنوان المقال ، وكيفية الإلقاء وإنهائه ، وشكر القائمين على الأمر ، وإدارة المدرسة وزملائهم الطلبة ، ثم أدربهم على الإلقاء بشكل متقن . وفي مرحلة لاحقة ، دربتهم على كتابة المواضيع بأنفسهم ، والمشاركة في كشافة المدارس ، وعمدت أن أخصص لهم الجوائز المالية والعينية والترفيهية ، عن كل مشاركة إذاعية مدرسية ، وأحاول الاستماع لإلقائهم الفعلي الحقيقي في الإذاعة المدرسية الصباحية ، عن بعد كون بيتنا قريب من المدارس بقرية عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، وأشجعهم وأشد على أياديهم ، وكانوا ينالون الاهتمام الوافي من إدارة مدارسهم مشكورة ، وكانوا من المتفوقين في الإذاعة المدرسية ، كل في مدرسته ، وقد نشأوا على الاهتمام بالعمل الإذاعي المدرسي والحياتي العام ، وكنت آخذهم معي لمقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية برام الله ، فكان لهم نصيب من فقرات برنامج ( جنة الصغار ) من إعداد وتقديم الزميل القدير في برامج الأطفال ( مازن الهشلمون ) بارك الله فيه . وقد شارك ابني هلال عندما كان في الصف الخامس الأساسي بمسابقة الخطابة في المدارس الحكومية بفلسطين ، ونال الجائزة الأولى ، عام 1998 برعاية وزير التربية والتعليم العالي المرحوم ياسر عمرو . وأذكر أنني عندما تخرجت بدرجة الماجستير بتخصص الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بير زيت بفلسطين بحزيران – يونيو عام 1998 ، نظمنا حفلا للتخرج ، فطلب مني ابني هلال أن يرافقني في تلك الحفلة فلبيت له طلبه ، واصطحبته بسيارتي الخاصة ، وعندما كنا نحتفل في إحدى القاعات بحضور جميع أستاذتي في برنامج الدراسات العربية المعاصرة ، وألقيت كلمة مقتضبة في الحاضرين شكرا لهم ، ولإدارة الجامعة ، طلب مني هلال أن يلقي كلمة ، فقلت له أنصت ؟! فلم يطاوعني فغافلني برهة ، وذهب مسرعا من جانبي للدكتور كمال عبد الفتاح رئيس برنامج الدراسات المعاصرة بجامعة بير زيت آنذاك ، بارك الله فيه وجزاه خيرا فكان أستاذي وأخي وصديقي في الآن ذاته ، وطلب هلال منه أن يلقي كلمة في الحفل ، فوافقه على ذلك بلا تردد ، فخطب هلال خطبة مجلجلة مفعمة بالحب والأمل مثنيا على الجميع ، فعدد أسماء جميع الأساتذة الحضور ، رغم أنه قابلهم للمرة الأولى قبل الاحتفال بتخرجي بساعات قليلة ، وشكرهم وألقى كلمة ارتجالية اجتماعية وسياسية جامعة ومانعة ، وسط استغراب الحاضرين والتصفيق العالي ، فأكرمه الحاضرون ، معنويا وطيبوا خاطره ، واثنوا عليه ثناء حسنا ، وأوصوني به خيرا ، وكان وقتها في الصف الخامس الأساسي .
وعندما كبر ابني البكر هلال أصبح يكتب لأبناء الأقارب مقالات لتذاع في الإذاعة المدرسية كل في مدرسته ، ثم تعلقت نفسيه بمهنة العمل الصحفي الإذاعي والتلفزيوني ، فأخذ يخطب في بعض المساجد داعيا إلى الله في شتى المواضيع الإسلامية ، كونه يحفظ حوالي 12 جزءا من أجزاء القرآن العظيم ، كتاب الله العزيز المقدس ، وألقى خطبا سياسية جامعة في بعض المهرجانات المركزية الفلسطينية بمحافظة نابلس ، كالاحتفال بتخريج المعسكرات الصيفية في فلسطين . وبعد إنهائه الثانوية العامة ، التحق بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة النجاح الوطنية في نابلس عام 2006 ، معلنا أنه متمكنا من الخطابة في أي موضوع عام أو خاص ديني إسلامي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو خلافه ، وتخرج في الجامعة بدرجة البكالوريوس ( صحافة ) بتقدير عام جيد جدا مرتفع ( 86.5 % ) مطلع 2010 . وها هو يلتحق بوسائل إعلام إلكترونية فلسطينية ، كما هي هوايته الأولى ، في الإذاعة المدرسية بقرية عزموط بمحافظة نابلس ، ولله الحمد والمنة .
وها هي أبنتي الصغرى ( أمل الزهراء ) أدربها على الإلقاء الإذاعي وأشجعها على المشاركة بالإذاعة المدرسية عبر الأناشيد مع زميلاتها الطالبات واخصص لها جائزة مالية معينة أو شراء قطعة ملابس إضافية ، عن كل مشاركة عبر ميكروفون الإذاعة المدرسية .
وعلى كل الأحوال ، فإن أبنائي الجامعيين الثلاثة ( الذكرين والأنثى : هلال وحازم وآية ) عودتهم الإذاعة المدرسية منذ صغرهم على إثراء المناقشة والمشاركة في تحضير وإلقاء المحاضرات في جامعة النجاح الوطنية ، أمام زملائهم دون خوف أو رهبة أو وجل من الوقوف أمام جموع طلابية أو مهرجانات أو احتفالات عامة أو خاصة ، وهذا من إنجازات وثمار الإذاعة المدرسية في فلسطين ولا أذكر ذلك فخرا وإعتزازا واستعراضا شخصيا ، معاذ الله أن يكون ذلك كذلك ، بل هو إيمانا مني بنقل تجربة ذاتية شخصية عايشتها أولا بأول ، بضرورة تعزيز وترسيخ فعالية الإذاعة المدرسية في الحياة الطلابية الخاصة والعامة لخدمة الأمتين العربية والإسلامية ، وتنشئة الأجيال تنشئة سوية مستقيمة تؤمن بالإسلام العظيم طرقا ومنهاجا للحياة في هذه الدنيا الفانية والوصول للحياة الآخرة الباقية التي هي خير وأبقى . فلتكن الإذاعة المدرسية رافدا كبيرا بل رافعة قوية للنهوض بالشخصية الطلابية الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية .
وكما يقول الدعاء العظيم : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}( القرآن الحكيم - الفرقان ) .

كلمة أخيرة .. خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
يقول الله الحليم العظيم سبحانه وتعالى : { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) }( القرآن المبين ، المطففين ) .
وأخيرا ، فإن الإذاعة المدرسية هي نافذة التلاميذ والطلبة بالمدارس الفلسطينية الحكومية والخاصة والوكالة ، على النشاطات اللامنهجية التي تكرس وتعزز العمل الطلابي الجماعي ، وتولد الحافزية والاستعداد للحديث الوجاهي أمام الجموع وليس من وراء حجاب كما هو حال بالإذاعات المسموعة المحلية والوطنية العامة في فلسطين الأرض المقدسة . وتعمل هذه الإذاعة المدرسية على التكامل ما بين التعليم النظري والتطبيق العملي على الساحة الطلابية العامة وتجعل التلميذ أو الطالب يحترم ويحب العلم ومواصلة التعليم والمدرسة حبا جما . ولا بد لإدارة المدرسة أن تأخذ بيد التلاميذ الضعفاء علميا ، وتجعل منهم خطباء يواجهون الخوف أمام ميكروفونات الإذاعة المدرسية ، وتبدد الخوف من نفوسهم ، وتجعل من جميع الطلبة معدين ومقدمين لبرامج إذاعية يومية بالتناوب التنظيمي والمعرفي في الساحات المدرسية العامة .
آملين كل النجاح والتوفيق في الأداء الإذاعي المدرسي المبدع لجميع طلبة وتلاميذ فلسطين الأباة ، ليعيشوا الحياة الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية العامة بحلوها ومرها بإرشاد إداري وزاري وتربوي ومدرسي يقوم على المساواة بين جميع الطلبة ، وتعظيم الملكات الأدبية والخطابية في صفوف التلاميذ . والتعويد والترويض على أنظمة الضبط والربط المدرسية التربوية الفعلية والرياضية الشاملة . وكذلك التنشئة الاجتماعية التنشئة الإسلامية الحميدة السعيدة المجيدة القويمة الواعية لإنشاء وإصلاح المجتمع الإسلامي المرصوص ، لنيل الرضا الإلهي العظيم ودخول جنات النعيم المقيم .
وكما قال نبي الله شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد ، هود ) .
نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الخميس، 25 مارس 2010

رسالة مفتوحة للزعيم معمر القذافي رئيس القمة العربية بسرت الليبية 2010

رسالة مفتوحة

للزعيم معمر القذافي رئيس القمة العربية بسرت الليبية

الأخ الرئيس معمر القذافي حفظه الله
رئيس القمة العربية في سرت العربية الليبية
12 ربيع الثاني 1431 هـ / 27 آذار 2010

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ،

الموضوع : إعلان الاتحاد العربي لخير أمة أخرجت للناس

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 19 / ص 11) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا " .

لأول مرة في التاريخ العربي المعاصر يعقد مؤتمر القمة العربي بدورته الثانية والعشرين ، في مدينة سرت الرباط الأمامي ، والثورة ضد الاستعمار والاستغلال الأجنبي ، سرت الساحلية البهيجة الخضراء بأرض الجماهيرية العربية الشقيقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، يومي السبت والأحد 12 - 14 ربيع الثاني 1431 هـ الموافق 27 و 28 و29 آذار – مارس 2010 ، في فصل الربيع الأخضر ، في ظل راية خضراء عربية إسلامية خالصة ، وشهر الربيع العربي المتجدد نورا ساطعا ، في ظل الظروف والأوضاع العربية الصعبة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والحضارية العامة ، ونعلم أن أجندة هذه القمة متخمة بالبنود المركزية الشاملة ، وهي عديدة ومتعددة وكثيرة ، أعانكم الله عليها ، وسدد على طريق الحق خطاكم .
ومن المعلوم أن الوطن العربي الممتد المساحة الجغرافية بواقع 13.7 مليون كم2 ، في قارتي آسيا وإفريقيا ، بما تحويه هذه المساحة الطبيعية من ثروات طبيعية ونفطية وغاز طبيعي ، ومياه في الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات ، وثروات زراعية وصناعية وتكنولوجية ، والإيديولوجية الإسلامية المتمثلة بالدستور الإلهي العالمي ( القرآن المجيد ) والأحاديث النبوية الشريفة ، واللغة العربية المقدسة الخالدة ، وبالقوة العسكرية المتصاعدة ، وبالطاقة البشرية الهائلة التي تضم جميع المواطنين البالغ عددهم أكثر من 350 مليون عربي ، يشكلون قلب الأمة الإسلامية العالمية البالغ عددها 1.5 مليار نسمة ، بإمكانه أن يكون دولة عظمى في العالم بحق وحقيق لأنه يمتلك مقومات الدولة العظمى الآمرة الناهية في العالم بعيدا عن الاستعمار والاحتلال الأجنبي المتعدد الأشكال والأنواع للأرض العربية .
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }( القرآن الحكيم ، المائدة ) .
وبصفتي مواطنا عربيا مسلما ، من خير أمة أخرجها الله الحي القيوم للناس ، وأعيش في الأرض المقدسة ( فلسطين ) كجزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير ، أود أن أبدى هذه الملاحظات التي أقدمها لحضرتكم لمناقشتها والعمل على تبنيها للمصلحة العربية العليا ، والمصلحة الإسلامية الأعلى ما استطعتم إلى ذلك سبيلا ، وهي على النحو الآتي :
أولا : المجال السياسي : وتتفرع للفروع الآتية :
1. إعلان الاتحاد العربي : الشامل والجامع ليجمع أبناء الأمة العربية ، في إتحاد فيدرالي كلي لا كونفدرالي جزئي ، ليلم شمل الأمة العربية خير أمة أخرجت للناس ، في دولة عصرية حديثة ، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي ، وتذليل الصعاب أمام هذه الإتحاد العربي ، وفتح الحدود الوهمية العربية وإزالتها بين المواطنين العرب ، فنريد كعرب رئاسة عربية واحدة وحكومة عربية واحدة وبرلمان عربي واحد ، وقضاء عربي واحد وذلك عبر الدمج والاندماج والاتحاد الكلي الشامل المتكامل والمتكامل المدروس .
2. إحترام حقوق الإنسان العربي بجميع الصور والأشكال ، والسماح بالتعددية السياسية وفق المنظومة العربية الإسلامية السمحة .
3. الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين المسلمين والقوميين في السجون العربية دون استثناء ، وتبييض السجون من هذه الفئة المعارضة لأنظمة الحكم العربية وإلغاء القيود القانونية المصطنعة على المواطنين العرب ، والسماح بحرية الرأي والتعبير والفكر . والنظام السياسي العربي العصري يفترض أن يكون لخدمة المواطن العربي لا لقمعه وإرهابه .
4. تخصيص هوية عربية واحدة وجواز سفر عربي واحد لجميع المواطنين العرب في جميع أرجاء الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي تصدر عن وزارة داخلية عربية واحدة موحدة .
5. وضع النشيد العربي الواحد الموحد تحت التنفيذ . ليكون حيا في نفوس المواطنين العرب في المدارس والجامعات والمؤسسات وشتى المناسبات وغيرها .
6. وبالنسبة لفلسطين فينبغي مواصلة دعم الشعب الفلسطيني سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، ماديا ومعنويا ، سعيا للتحرير الوطني والقومي والإسلامي والإنساني ، وتعزيز صموده وتحديه في أرض الآباء والأجداد ، ضد الطارئين الغرباء من يهود وصهاينة العالم ، فالشعب الفلسطيني وقع فريسة للاحتلال الصهيوني منذ 1948 حتى الآن . والدعم العربي المطلوب واجب لكافة فصائل الشعب الفلسطيني وحركاته السياسية الوطنية والإسلامية المجاهدة ، ومؤسساته الإسلامية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإسكانية ، والاهتمام اللائق بالمدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك خاصة ، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة ، فإذا لم تتحقق هذه المصالحة الداخلية الفلسطينية برعاية عربية وإسلامية خالصة ، فإنني كمواطن فلسطيني عربي مسلم ، أعتبر أن القمة العربية ستكون غير ناجحة في هذا المضمار . ونؤكد لكم أن خطط السلام العربية للحل السياسي مع الكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين المحتلة ، المطروحة منذ عدة سنوات ، سواء بشكل جماعي عربي أو أجنبي أو ثنائي أو أحادي ، مثل خطة السلام العربية ( الأرض مقابل السلام ) أو الفيدرالية ( إسراطين ) التي اقترحتموها في الكتاب الأبيض ، لم تعد تجدي نفعا كخارطة الطريق الأمريكية التي فشلت فشلا ذريعا بسبب عدم توازن القوى الاستراتيجي وغياب الخيار العسكري العربي القوي النظري أو العملي على جانب الخيار السياسي .
7. وبالنسبة للعراق الشقيق ، فلا بد من مؤازرة الشعب العربي المسلم بالعراق في التخلص من براثن الاحتلال الأمريكي الظالم منذ ربيع 2003 . والأخذ بيد المظلومين من اليتامى والأرامل والجرحى والأسرى وغيرهم من الفئات العراقية المجاهدة .
8. نصرة أبناء الأمة الإسلامية في الوطن الإسلامي والعالم . يقول الله الواحد القهار : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
ثانيا : المجال الاقتصادي : يتطلب العمل على النحو الآتي :
1. تفعيل المجالس والهيئات الاقتصادية العربية كافة للسعي نحو الوحدة الاقتصادية الانتاجية الحقيقية والسوق العربية الاستهلاكية الواحدة في جميع المجالات لتحقيق التكامل والتكافل الاقتصادي الشامل . وتشجيع الاستثمار والبناء الاقتصادي الزراعي والصناعي والسياحي والخدمي والتجاري العام والخاص للرقي والإزدهار الاقتصادي ، والحد من هجرة الأموال العربية للخارج ، فالوطن العربي أولى بالتنمية من الدول الأجنبية .
2. الشراكة الثلاثية في الماء والطعام والطاقة . فأبناء الأمة العربية شركاء في ثلاثة : الماء والطعام والنفط . وليأخذ كل مواطن عربي حقه في هذه الشراكات الجماعية .
3. إصدار عملة عربية واحدة ( الدينار العربي ) لتكون العملة المتداولة بين أيدي المواطنين العرب كافة ، وينافس الدينار العربي العملات الأجنبية الأخرى .
4. تمكين الشباب العربي المتخرج من الجامعات من بناء المشاريع الخاصة والعامة والتعاونية ، وتخصيص مبلغ 10 آلاف دولار لكل خريج جامعي .
ثالثا : المجال الاجتماعي : ويشمل الآتي :
1. الإسكان العام : بإتاحة المجال لجميع المواطنين أن يمتلكوا البيوت المناسبة لاستقرار الأوضاع الاجتماعية في الوطن العربي الكبير ، وتمكين الشباب العربي من بناء البيوت اللازمة وتخصيص مبالغ مالية كافية لكل شاب عربي ليكون أسرة نووية وممتدة وليبنى بيتا في أرض الآباء والأجداد لتبيت المواطنين العرب في ديارهم والحيلولة دون هجرتهم لخارج الوطن العربي .
2. القضاء على الأمية المستفحلة في المجتمع العربي ، حيث يبلغ عدد الأميين في الوطن العربي أكثر من 75 مليون إنسان ، ويتم القضاء على الأمية عبر تنظيم دورات وصفوف متخصصة في محو الأمية في الوطن العربي للرجال والنساء على السواء صغارا وكبارا ورصد الأموال اللازمة لهذا المشروع العربي الهام .
3. التعليم العالي المجاني : بإتاحة المجال أمام جميع الشباب العربي الراغب بإكمال تعليمه العالي في الجامعات العربية بالمجان وهذا يعني تكفل الدولة العربية بجميع الاحتياجات المالية اللازمة للشاب أو الشابة في جامعات الوطن العربي ، وزيادة الإهتمام بتعريب التعليم العالي ، وكذلك العمل على إفتتاح ( جامعة عربية ) لتحل محل الجامعة العربية ( السياسية الكرتونية ) الحالية ، ليلتحق بها الطلبة العرب على أن تكون ذات فروع في جميع أنحاء الوطن العربي وتعزيز مراكز ومؤسسات البحث العلمي ، وتعيين مخصصات مالية شهرية للملتحقين بالجامعات العربية والعمل على إبتعاث البعثات الأكاديمية العلمية في الجامعات العربية والغربية والشرقية .
4. الزواج الجماعي للشباب : وذلك عبر تنظيم حملة العفاف الإسلامي تتولى مهمتها جمعية عربية للزواج ، لتزويج الشباب العربي من فوق 25 سنة فأعلى ، في أعراس جماعية ودفع تكاليف هذه الحفلات ليكون عام 2010 عاما عربيا للزواج العربي والشباب العربي . ويمكن أن يكون ذلك بتخصيص حوالي 10 آلاف دولار لكل شاب عربي مقدم على الزواج للعمل الحثيث على استقرار المجتمع العربي الكامل والشامل والحد من الإنحلال الاجتماعي وزيادة الترابط المجتمعي والطمأنينة والأمن والأمان الاجتماعي الشامل .
5. الرعاية الصحية والاجتماعية الواحدة عبر نظام التأمين الصحي العربي الشامل .
6. الحيلولة دون هجرة الكفاءات والأدمغة العربية لخارج الوطن العربي . بإتاحة المجال أمام هذه الكفاءات في العمل والتدريس والدراسة وإنشاء المشاريع الاقتصادية والخدمية المتعددة .
رابعا : المجال العسكري : بناء جيش عربي واحد ، بري وبحري وجوي ، يكون له راية عربية خاصة وخالصة ، إلى جانب الجيوش المحلية في الوطن العربي . ويتكون هذا الجيش من مليون جندي عربي ، على الأقل وتخصص تمويل مالي مناسب له . وكذلك العمل على بناء مفاعلات نووية عديدة في الوطن العربي وتعزيز التصنيع الحربي الشامل .
خامسا : إنشاء هيئة الإعلام العربي الموحد ليشمل الإذاعة والتلفزيون والفضائية والانتر نت والصحيفة والمجلة والكتاب والقاموس والموسوعة لتنطق باسم الاتحاد العربي . للدعاية والترويج للوحدة والاتحاد العربي والأيديولوجية الإسلامية الناهضة التي تجمع جميع العرب في ظلها الدائم .
خامسا : المجال الديني : ينبغي أن يكون الإسلام العظيم هو المرشد الأعلى للأمة العربية ، لتتبوأ مقعد صدق في العالمين في الدنيا والآخرة ، ويجب أن تزهو الأمة العربية بدين الله الخالد في أرض الله ، مع الحفاظ على حقوق أهل الذمة في أرض الإسلام والمسلمين ، وينبغي أن يكون عيد فطر سعيد واحد وعيد أضحى مبارك واحد لجميع العرب والمسلمين لا أعياد متعددة في أيام متباينة . ويجب أن يكون شعار العرب والمسلمين دائما كما يقول الله الحليم العليم تبارك وتعالى : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}( القرآن المبين ، آل عمران ) .

آملين للقمة العربية بمدينة سرت الليبية بأرض الجماهيرية العظمى الخضراء ، بقارة إفريقيا السمراء ، كل النجاح والتقدم والإزدهار والتوفيق الحقيقي ، وأن تخرج بقرارات تطبيقية على أرض الواقع لخدمة الأمة العربية جمعاء من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي لتكون الأمة العربية في صدارة الأمم في العالم ترسم وتحكم وتقرر باستقلالية تامة وأن تقمع دولة كسويسرا تتحدى العرب والمسلمين وتحظر بناء المآذن فيها أو دولة كفرنسا تمنع النقاب والحجاب كزي إسلامي فيها . ونحو غد ومستقبل عربي مشرق وواعد في أرض الله الواسعة بقيادة عربية رائدة وحكيمة مؤمنة بكتاب الله العزيز لنشر الإسلام العظيم في ربوع الكرة الأرضية .
يقول الله السميع العليم جل شأنه : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }( القرآن العظيم ، هود ) .

وتفضلوا بقبول وافر التحية والاحترام .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تحريرا في يوم الخميس 10 ربيع الثاني 1431 هـ / 25 آذار 2010 .

التوقيع
د. كمال إبراهيم علاونه
نابلس – فلسطين العربية المسلمة
بريد إلكتروني : k_alawneh@yahoo.com
جوال : 00970598900198

الجمعة، 19 مارس 2010

رسالة مفتوحة للجنرال الأمريكي ديفيد هاول بترايوس بشأن الحماية الأمريكية المقترحة على فلسطين ..تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى / د. كمال إبراهيم علاونه

رسالة مفتوحة للجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس

بشأن الحماية الأمريكية المقترحة على فلسطين ..

تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى


حضرة الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس
قائد القوات الأمريكية في ( الشرق الأوسط )

السلام على من إتبع الهدى ، أما بعد ،

الموضوع : التراجع عن وضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الحماية الأمريكية

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة


وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) }( القرآن المجيد ، البقرة ) . فلن ترضوا أيها الأمريكان عن المسلمين أبدا حتى يتبعوا ملتكم ولن يكون ذلك إطلاقا .
وجاء في حديث نبوي شريف مخاطبا المسلمين عن حالهم ، كما ورد بمسند أحمد - (ج 45 / ص 378) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " . فأنتم كأمة أمريكية شريرة ، من الأمم المتهالكة التي تتداعى الآن على الأمة الإسلامية ، في بضع عقود زمنية وقد إقتربت نهاية هذه العقود العجاف ليأخذ المسلمون دورهم القيادي والريادي .

آخر استعراض عسكري أمريكي في فلسطين

ظهرت آخر تقليعة استعمارية عسكرية وسياسية أمريكية في فلسطين ، بوضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حماية الجيش الأمريكي ، أي دخول الاحتلال الأمريكي لفلسطين بصورة مباشرة ، لا لف ولا دوران فيها ، وقد جاءت هذه المناداة الأمريكية الجديدة على لسان كبير العسكريين الأمريكيين في المشرق العربي ( الشرق الأوسط ) الجنرال ديفيد بترايوس ( قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ) في إقتراح جديد طازج قدمه رسميا للرئيس الأمريكي باراك أوباما ، في ظل التلكؤ والتعثر في المفاوضات الهزلية الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني برعاية أمريكية ظالمة .

برقية عاجلة للجنرال بترايوس

وبهذا الصدد إنني أبرق برقية بسرعة البرق للجنرال الأمريكي ذو العقلية الاستعمارية المتصاعدة ، لضم فلسطين إلى ولايته الوهمية ( في الشرق الأوسط ) وأقول له كما يقول الله القوي العزيز جل شأنه : { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) }( القرآن الحكيم ، النجم ) .
وهكذا فإن هذا الطلب الامبريالي الأمريكي بوضع منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة المتباعدين من ارض فلسطين الطبيعية التاريخية المتصلة غير المنفصلة ، يبرهن على سوء النية الأمريكية ، وهي دائما كذلك ، سواء أكانت إدارة محكومة في البيت الأبيض الأمريكي من قبل الحزب الديموقراطي الحاكم حاليا عبره ممثله باراك أوباما ، أو عبر ممثله من الحزب الجمهوري المعارض حاليا الذي حكمه في الفترات الأخيرة الجورجين الكبير والصغير ( جورج بوش الأب والابن ) ، فكلاهما وجهان لدولار أمريكي واحد عفا عليه الزمن وأكل الدهر عليه وشرب ، تتداوله الأيدي الأمريكية الاستعمارية ليمتلأ بالفيروسات والميكروبات كما فيروسات حواسيب الانتر نت الراهنة ، وتتهامس عليه الألسنة النابية الطويلة والعيون الزرقاء ذات البريق والتخطيط الاستعماري العميق ، الجديد والعتيق .

فلسطين عبر التاريخ الحديث
حماية بريطانية .. احتلال يهودي .. حماية أمريكية
خضعت فلسطين سابقا للحماية الاستعمارية البريطانية دون استشارة أهلها الأصليين ، ولا نريد أن ندور في دائرة مفرغة من جديد ، بدأت في الوصاية والحماية البريطانية المزعومة 1917 ، ثم نقلنا للاحتلال الصهيوني منذ عامي 1948 و1967 ، وها نحن يتم التآمر علينا لوضعنا في ظل حماية الجيش الأمريكي المباشرة ، فمالكم كيف تحكمون ؟ ومن أين وكيف تأتون ؟ وكيف تخرجون ؟ وإنا بكم غير مرحبين ؟!!
فبالله عليكم ، كيف سيتم وضع فلسطين تحت الوصاية الأمريكية أو الحماية الأمريكية ، فنحن أبناء الشعب الفلسطيني العربي المسلم ، لسنا بحاجة لحماية من أحد ، ويكفينا الحماية الربانية من رب العالمين ، فهذه الأرض هي أرض الله المقدسة ، ولا زلنا نذكر الوصاية والحماية البريطانية على فلسطين التي امتدت ردحا طويلا من الزمن ما بين 1917 – 1948 ، إذ مكنت يهود العالم من كل جنس ، من الاستيطان في فلسطين بلا رادع أو منازع تحت ستار غامض هو ( مدى مقدرة البلاد الاستيعابية الاقتصادية ) للضحك على الذقون ، وتولية كل يهودي متنطع متزمت متطرف مافون ، ليبني له بيتا في فلسطين .

الحماية الأمريكية المرفوضة لماذا وإلى متى ؟؟!

فيا أيها الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس ، كم ستستمر حمايتكم المرفوضة لفلسطين ، وخاصة الضفة الغربية وقطاع غزة ، وماذا بشأن حليفتكم المنحلة أخلاقيا غير المصون ابنة صهيون ؟ كيف ستتقاسمون معها نصيب هذا الأفيون والأفون ؟؟ .
وهذه رسالة صغيرة مفتوحة لك أيها الجنرال الأمريكي المغرم بحب الحماية والهيمنة والسيطرة على البلاد العربية والإسلامية ، إننا في فلسطين ، لا نريدك ولا نريد أمثالك أن يزورونا ويحكمونا ، بأي حال من الأحوال ، وكف شرك ومقتك عنا ؟!! ونحن لا زلنا نعاني من ويلات الحماية والوصاية البريطانية ، الإمبراطورية الشريرة المنحلة البائدة ، فهل تنتظر من الفلسطينيين أن يباركوا ويحيوا قدومك الاستعماري لبلدنا المقدس ؟ فلا وألف لا كبيرة ، وبخطوط عريضة ، لا نريد الحماية الأمريكية البغيضة ، كما إننا لا نريد الاحتلال الصهيوني النجس ، وننتظر بفارغ الصبر فرج الله الأكيد إلينا لنتخلص من الهموم والغموم والظنون الصهيونية المتلاحقة ، وننتظر بزوغ فجر الحرية والاستقلال الوطني الناجز ، في ظل راية فلسطينية خفاقة في سماء الأرض المقدس جميعها ، من بحرها الميت شرقا لبحرها الطيب غربا .

مجاهدة شعب الأرض المقدسة للاحتلال والأوصياء الدخلاء

يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
}( القرآن العظيم ، الصف ) .
ولتعلم أيها الجنرال الأمريكي ، علم اليقين ، أن أجدادنا وآبائنا قد تصدوا وتحدوا الاحتلال البريطاني والصهيوني ، وأننا قد مللنا الاحتلال ، وقاومناه بكل ما أوتينا من قوة ، وسيبقى أبناؤنا وأحفادنا في الأرض المقدسة يجاهدون بكافة السبل المتاحة ، للدفاع عن النفس ، فتبا وسحقا لمؤامراتكم الأمريكية اللعينة المكشوفة والمفضوحة على الملأ . أما آن لكم أن تبقوا ضمن قارتكم الأمريكية الشمالية ، وتقوقعوا بعيدا عن أمانينا وآمالنا وتطلعاتنا الشرعية ، وتستفيدوا من تجارب وخبرات الإمبراطوريات السافلة الشريرة الهابطة المهزومة المنحلة عبر التاريخ البشري كالإمبراطورية البريطانية والفرنسية والسوفياتية والرايخ الثالث الألماني ، والفاشية الإيطالية ، وغيرها ، آملين لكم الصحوة من غفلتكم الجديدة . وأن تبتعدوا عن الأرض المقدسة كل البعد ، فنحن لا نريدكم ، فأنتم بالنسبة لنا رمز الطغيان والظلم والظلام والإرهاب العالمي ، ويكفيكم ما قتلتم من أبناء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ؟!! .
ولا نخالكم تجهلون أن جاليتكم الأمريكية الصغيرة التي تحمل الجنسيتين الأمريكية و ( الإسرائيلية ) قد أبلت بلاء سيئا وإجترحت السيئات ، في فلسطين المحتلة من بحرها لنهرها ، فكان لها اليد الطولى عن بعد ، سواء برسم السياسات القهرية لأهل البلاد الأصليين أو تنفيذها ، ويكفينا ممثلين يهود عن 102 دولة ، من شتى أشتات قارات العالم الست ، أتى منها يهود فلسطين المحتلة ، فأصبحنا نعاني من ظلم أمم العالم ، المتفرقة كظلم الأمم المتحدة في نيويورك وما سمى بمجلس الأمن الدولي .

أيها الأمريكان الظالمون لقد جربناكم في إدخال الظلم إلى فلسطين

لقد جربنا سياساتكم العنصرية الظالمة منذ أن كرستم قيام الكيان الصهيوني الغربي العجيب على أرض الواقع ، بأرض فلسطين العربية المسلمة وفق قرار تقسيم فلسطين التعسفي لتقسيم فلسطين لدولتين عربية ( لم يتم إقامتها حتى الآن بنسبة مساحة 43.5 % من أرض فلسطين ) ودولة يهودية ( 56.5 % من مساحة فلسطين الكبرى البالغة 27 ألف كم2 ) دعمتم إقامتها بشريا وماديا ومعنويا ، وهو القرار الجائر الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني – نوفمبر 1947 ، وقدمتم كل مقومات البقاء الاستعماري الاستيطاني ، البشري والمادي ، ليهود العالم في الأرض المقدسة ، التي ستلفظكم وتلفظهم يوما ما ، كحتمية تاريخية لا ريب فيها ، إن عاجلا أو آجلا .
يا من ألهاهم الاستعمار عن تحقيق حقوق الإنسان ، فلماذا مجيئكم لوضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حماية الجيش الأمريكي ، فليحمي هذا الجيش نفسه أولا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وليحمي نفسه ثانيا في مناطق الاحتلال الأمريكية المباشرة في الوطن الإسلامي ، قبل أن يحمينا في أرضنا المحتلة ؟؟ فهل يا ترى لم تعودوا تثقون في الاحتلال الصهيوني لإدارة الصراع في المنطقة وتريدون أن تتيقنوا وتتأكدوا بأنفسكم من وقع الاحتلال على أهل البلاد الأصليين . لا نريد مشاهدة بزات جنودكم الزيتية والمموهة الاستعمارية والاستغلالية والاستعباطية والاستزلامية التي ترمز للقتل والإرهاب والتشريد والتهجير القسري ، ولا نريد قواعد عسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة ، ويكفينا ويلات حلفاءكم الصهاينة الذين يمارسون التعذيب اليومي الجسدي والنفسي والاقتصادي والعسكري والسياسي لأهل فلسطين الأصليين ؟؟ ولا تفتعلوا الأزمات مع قادة وجند يهود فلسطين المحتلة ، ولا تتذرعوا بذرائع واهية كخيوط العنكبوت . صحيح أن الكيان الصهيوني تحول من كنز علني لكم إلى عبء شامل غير محسوب الحساب ، وهذا ما ندركه وتدركونه أنتم ويدركه الصهاينة تماما ، والشواهد السياسية والعسكرية والاقتصادية والإيديولوجية الحية كثيرة في هذا المجال . لقد فشلت جميع خططكم ومؤامراتكم السرية والعلنية ، ففشلت اتفاقية أوسلو التي رعيتموها في واشنطن عام 1993 ، وفشلت خطة خريطة طريقكم المعوجة منذ نهاية 2002 وإندثرت أشلاء ممزقة كما فشلت سابقاتها من مبادرات سياسية عقيمة ، لا تمت للواقع بصلة ، ونحن الآن في ربيع 2010 ، فهل بعد هذا الكلام كلام ؟؟؟
كفاكم إستغباء واستهبالا لغيركم ، وكفاكم مهاترات وهرطقات وسخافات وبيانات وتأكيدات سفيهة لا تمت للواقع بصلة ، فعودوا إلى رشدكم ، نريد دولة فلسطين المستقلة كغيرنا من شعوب وأمم العالم ، ونريد أن نكون على الخريطة العالمية السياسية ، وسيمن الله علينا لاحقا وسيجعلنا شعب يحكم الأرض بالدستور الإسلامي العظيم ، وهو القرآن المجيد ، وهذه البشرى النبوية الإسلامية نحن متأكدون منها ، كما أننا نرى الشمس بازغة في رابعة النهار .

احتلال صهيوني صليبي مزدوج لفلسطين

وليعلم الجميع ، القاصي والداني ، الصغير والكبير ، الذكر والأنثى ، في جميع قارات العالم عامة وقارتي آسيا وأمريكا الشمالية خاصة ، أن كلاب الحراسة الصهيونية أو الشرطي اليهودي ، لم تعد تجدي لحماية المصالح والمنافع الصليبية الأمريكية المتغطرسة فأرتأت قيادة جيش الاحتلال الأمريكي أن تقوم باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة مباشرة ( الحماية العسكرية الأمريكية – تحت حماية الجيش الأمريكي البرية والبحرية والجوية – قواعد عسكرية شاملة ومتنوعة ومتعددة بجلب عشرات آلاف الجنود الأمريكيين من وراء البحار ) دون توكيل يهودي صهيوني الذي فشل فشلا ذريعا في هذا المضمار ، بسبب الصحوة الفلسطينية الشاملة ، وبسبب تزايد الخوف من إيران البعيدة وحزب الله اللبناني المرابط على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة والمقاومة الإسلامية المتزايدة في فلسطين الجريحة وقرب غياب الراعي المصري للمصالح الاقتصادية والإستراتيجية العامة للولايات المتحدة في آسيا العربية وإفريقيا العربية . وإن كنتم تريدون استكمال الدور الصهيوني في الفساد والإفساد وبث الانحلال الاجتماعي في صفوف الشعب الفلسطيني فلن تفلحوا بتاتا .

وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

يقول الله العظيم العليم مهلك القوم الضالين والقوم المغضوب عليهم في العالمين في الأولين والآخرين : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) }( القرآن المجيد ، المائدة ) .

أيها القادة الأمريكان .. إنتبهوا لجرائمكم الاجتماعية والاقتصادية .. فهذا هو الحل الأمثل

وهذه نصيحة لوجه الله تعالى ، يا أيها الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس : استخدموا جيوشكم في حراسة مجتمعكم الداخلي في الولايات المتحدة لحمايته من الانحلال الاجتماعي وجرائم القتل التي وصلت في الجرائم الاجتماعية والاقتصادية عام 2009 كما أظهرتها سجلاتكم الرسمية ، حوالي 30 ألف قتيل بالأسلحة النارية ، و137 ألف سرقة شخصية ، و4.9 مليون جريمة عنف ، و16.3 مليون جريمة ممتلكات ، والمخدرات المستفحلة بين كباركم وصغاركم ، رجالكم ونسائكم ، وتطبيق حقوق الإنسان على الطوائف المتناحرة في ولاياتكم المائعة حيث تحتاجون للاعتقال الفردي والجماعهي في الجرائم كما وصلت عام 2008 حوالي 14 مليون عملية اعتقال ، وأحرسوا سجنائكم المدنيين البالغ عددهم أكثر من 7.3 مليون سجين ، وامنعوا حوادث الانتحار اليومية بالمئات ، واستخدموا جيوشكم في إطفاء حرائق الغابات المستديمة ، والكوارث الطبيعية ، فذلك هو الحل الأمثل والأجدى لكم .
كما ننصحكم بإعادة جميع قواتكم الاستخبارية المدنية والعسكرية البرية والبحرية والجوية ، في قارات العالم لولاياتكم الخمسين ولتستثمروا بها ولاية الأسكا الشمالية مثلا ، للمصلحة الأمريكية العليا لتقوية اقتصادكم الذي هو على شفا الانهيار الحتمي قريبا ، والمصلحة العالمية العليا للتخلص من شروركم ووحشيتكم ، فلسنا بحاجة لكم كليا في فلسطين الأرض المباركة ، لأن عددنا السكاني الإجمالي في الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلها جيش الاحتلال الصهيوني عام 1967 حوالي أربعة ملايين عام 2010 يعيشون في منطقة جغرافية صغيرة لا تتعدى ستة آلاف كم2 ، بالإضافة إلى مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948 ، يتوزعون في مختلف مناطق الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني ، وتكفينا حماية الله الحي القيوم جل جلاله ، فإذا أصررتم ودخلتم فلسطين الأرض المقدسة فلن تحموا أنفسكم ولن تحموا المستعمرين اليهود وكلائكم في المنطقة ، فأعلموا أنكم قد فتحتم بابا كبيرا من أبواب جهنم السبعة عليكم فستكون لظى نزاعة للشوى ، كالعراق وأفغانستان والصومال وغيرها ، وكذلك فالشعوب العربية والإسلامية تريد رحيلكم الفوري الأبدي عن وجوهها ليتمكنوا من العيش بحرية وسعادة .

الجيش الأمريكي لحماية المستوطنين اليهود والفتك بالمقاومة الفلسطينية

وأما إذا أردت يا جنرال المستعمرات الأمريكية الخارجية ديفيد بترايوس حماية المستوطنين اليهود القدامى والجدد بفلسطين المحتلة من المقاومين الفلسطينيين ، أو من الهجوم العربي أو الهجوم الإيراني المتوقع عليهم في حال ضربتم المنشآت النووية الإيرانية ، فليرحل هؤلاء المستوطنين الطارئين ويطيروا بأسرع الطائرات والبواخر الأمريكية إلى مواطنهم الأصلية ، في قارات العالم المتعددة ، فينامون بأمن وأمان واستقرار وطمأنينة مريحة ولا داعي لقدومكم وحمايتكم المزعومة لهم ؟؟! هذا مع العلم أنكم أعجز من أنفسهم عن حمايتهم . والأعمار بيد الله الواحد القهار المحيي المميت الحي الذي لا يموت ، وما سواه فميت وفان وزائل لا محالة .
فيا أيها العسكري الأمريكي الكبير ، ديفيد بترايوس ، أنصحك نصيحتين :
النصيحة الأولى : إحترم نفسك ورتبتك العسكرية أولا وابعد عن سياسة الاستعمار والمستعمرين .
والنصيحة الثانية : أنصحك بصفتي أعتبر نفسي ، مواطنا صالحا إنسانيا مسلما عربيا فلسطينيا ، وأستاذا للعلوم السياسية وخبيرا في الشؤون الدولية ، السابقة والخالية واللاحقة ، ومطلعا على الأحوال الأمريكية ، أن لا تنصح قيادتك بالإدارة الأمريكية في البيت الأبيض بزعامة باراك أوباما بوضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حماية الجيش الأمريكي ، واسحب هذا الاقتراح اللعين وتراجع عنه ولا تتعجلن الأمور ، فلا تسولن لك نفسك أنك فعلت خيرا لفلسطين أو أمريكا أو للعرب والمسلمين ، بهذا الطلب الغريب العجيب ؟؟! بل ستزيد الأمور بهذا الأمر الأمريكي الجديد تعقيدا فوق تعقيد ، ولله عاقبة الأمور .

نهاية الشرق الأوسط الجديد

وكل ذلك طبعا ، أقدمه لك نصيحة خالصة مجانية لوجه الله العزيز الحكيم ، لأنك لن تستطيع أن تغتال المقاومة الوطنية والإسلامية في فلسطين ، ولن تستطيع تطبيق خريطة الشرق الأوسط الجديد أو الواسع أو الموسع على المقاس الأمريكي ، التي تبغي تقسيم فلسطين لعدة كانتونات متباعدة جغرافيا ، والحيلولة دون قيام دولة فلسطين ، وتقسيم دول المنطقة العربية في آسيا العربية وإفريقيا العربية ، لدويلات طائفية مقيتة ، ولقد استقدمتم قوات مدربة سرية وعلنية كبيرة من جيوشكم في فلسطين المحتلة بصور شتى ، كمدنين مستشارين ومهنيين وفنيين وعسكريين ، ونصبتم الصواريخ البالستية العابرة للقارات وصواريخ الباتريوت والمنصات النووية قرب حيفا وفي النقب الفلسطيني المحتل ولم ولن تنفعكم كل هذه الاستعدادات الحربية التقليدية والنووية والكيميائية ، فقد فشلتم أنتم وحلفائكم الاستراتيجيين يهود فلسطين المحتلة في تدمير لبنان وجعله طوائف دينية متنازعة ومتباينة عبر الفتن والمحن ، ولعلك تعرف ذلك جيدا أكثر من غيرك ، فتلك خطة فاشلة من بدايتها كما فشلت قبلها خطة خريطة الطريق ، فلا تكابر وأصغ لقول الحق والمنطق المعقول ، فإمبراطوريتكم الأمريكية الشريرة المنحلة أخلاقيا والمنهار اقتصاديا قريبا ، على أبواب الزوال الحتمي الأكيد ولا تستعجل قدوم المسيخ الدجال لباب اللد بفلسطين المقدسة ليقتله المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام ، فأمر الله نافذ إلى قيام الساعة شاء من شاء وأبى من أبى ، ولن تستطيع أنت وقيادتك الدنيا والعليا والوسطى والبعيدة والقريبة منع حصول الأحداث القادمة التي تسير باتجاه الريح ونهاية الظالمين .

كلمة أخيرة

وأخيرا ، فالله نسأل أن يزيل الغمة عن جميع الشعوب المستضعفة في الأرض ، وخاصة عن أبناء الشعب العربي الفلسطيني المسلم ، وأن يحميه ويحمي المسجد الأقصى المبارك من براثن الاحتلال الصهيوني الشرير وبراثن المؤامرات والمكائد والأحابيل الأمريكية الدنيئة القبيحة غير المليحة في الأرض المقدسة .
وإعلم أيها الجنرال الأمريكي بترايوس ، أن أبناء فلسطين والوطن العربي والوطن الإسلامي والمسلمين في كل مكان ، هم أبناء خير أمة أخرجها الله للناس ، فسيشدوا بنيانهم ليكون مرصوصا حاليا أو لاحقا ، ليأخذوا دورهم بالصف الأول في الحضارة العالمية الإنسانية ، ولا يكونوا غثاء كغثاء السيل ، تتهافت عليهم الأمم الهابطة الشريرة مثل أمتكم المجمعة تجميعا كالفسيفساء المتباينة من مستوطني ومستعمري وظالمي الأرض قاطبة ، كتهافت الأكلة على موائد الطعام اللذيذ بل سيكونوا ندا لأعداءهم ولن يكونوا مطية لكم أو أحصنة طروادة للعبور على ظهورهم للغير ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف .
وكما جاء في صحيح مسلم - (ج 13 / ص 142) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " .

والسلام على من إتبع الهدى في العالمين .
يوم الجمعة 4 ربيع الثاني 1431 هـ / 19 آذار 2010 م .

الخميس، 18 مارس 2010

انتفاضة مصغرة بالقدس المحتلة 2010

انتفاضة مصغرة بالقدس المحتلة 2010

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
كما جاء في مسند أحمد - (ج 45 / ص 281) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " .

استهلال

نفذت قوات الاحتلال الصهيوني خطة الجماعات اليهودية المتطرفة في عملية إفتتاح كنيس يهودي كبير جديد ( كنيس الخراب – هاحوربا ) في القدس القديمة بجوار المسجد الأقصى المبارك في ثلاثة أيام خطيرة على أحمى من الجمر ، إنتظرها المسجد الأقصى المبارك ، أولى القبلتين ، وثاني المسجدين الشريفين ، وثالث الحرمين الشريفين ، وهي أيام الأحد والاثنين والثلاثاء 14 و15 و16 آذار – مارس 2010 . فأغلقت الضفة الغربية المحتلة ، وفصلت عن فلسطين المحتلة عام 1948 لبضعة أيام ، وحشدت قوات الاحتلال لحماية المتزمتين اليهود في بيت المقدس المحتلة أكثر من 3 آلاف جندي وشرطي وحرس حدود وأجهزة أمنية عاثرة ومتعثرة ، ونصبت مئات الحواجز الشرطية والعسكرية في جميع أرجاء فلسطين ، ومنع المصلون المسلمون من شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك ، وجهزت مئات من الآليات المؤللة من الجيبات العسكرية الصهيونية ( الهمر ) وجيبات الشرطة وحرس الحدود اليهودي المصفحة ضد الرصاص والمشبكة ضد الحجارة ، عدا عن مئات الخيالة والمشاة العسكريين والمستعربين ، في شوارع القدس العتيقة الضيقة ، ومحيط القدس ومحافظتها ، إضافة لمنطاد راداري جوي في السماء وطائرات عمودية تحلق في السماء لرصد جميع التحركات المدنية والشعبية الفلسطينية في عاصمة فلسطين المنتظرة وعاصمة الخلافة الإسلامية المتوقدة لاحقا . وفي المقابل استعدت سواعد آلاف الفتيان المجاهدين الفلسطينيين غير المنظمين للمواجهة الميدانية ، ولكنها ليست لعبة من العاب الانتر نت المكهربة ، على شاشات الحواسيب في البيوت أو مقاهي الانتر نت ، بل هي مواجهة وصراع حقيقي على أرض حقيقية ، برز فيها فرسان المواجهة الصغار لصد الهجمة العسكرية ، ذات التجييش اليهودي الصهيوني الكبير ، وكانت أسلحة المقاومة الفلسطينية عبارة عن الحجارة الصغيرة من حجارة القدس المقدسة ، من بقايا الطوب وحجارة البناء ، والحجارة الطبيعية ، وزجاجات العصائر المخفية في حاويات القمامة ، وإشعال النيران وسط الشوارع .

ثورة أم شغب ؟؟! حجارة مقدسة في مواجهة أسلحة رشاشة
المجاهدون الصغار يواجهون جنود الاحتلال الصهيوني

ولم تفلح هذه الاستعراضات والإجراءات الدينية والعسكرية البرية والجوية التعسفية الظالمة الصهيونية في ثني انتفاضة القدس الجديدة التي اندلعت من أهل فلسطين المحتلة ، سواء أهل القدس المحتلة أو من الداخل الفلسطيني أو من الضفة الغربية ، بعيدا عن قطاع غزة المحاصر بأسلاك شائكة وجدار فولاذي مصري لعين ، فتصدى الفلسطينيون في هذه الانتفاضة الفلسطينية الشعبية لآلة الحرب الصهيونية بأساليب بدائية ، كالحجارة والزجاجات الفارغة وأحيانا الزجاجات الحارقة ، وإضرام النيران في الإطارات المطاطية القديمة للسيارات وغيرها من الوسائل الحجرية التقليدية ، كان أبطالها من فتية محافظة القدس ( المجاهدين الصغار ) في مواجهة أحدث الأسلحة الصهيونية ، وجنود مدربين على مكافحة ما يسمونه ( الشغب والتمرد والإضطرابات والقلاقل ) باستعمال الرصاص الحي من الأسلحة الاتوماتيكية كالعوزي والبنادق من طراز أم 16 ، وإطلاق الغازات السامة ، من الأنواع المحظورة دوليا ، بينما يطلق عليها أهل البلاد الأصليين ( الثورة المجيدة ، والجهاد في سبيل الله ، والتصدي للإرهابيين اليهود الغرباء الطارئين ) .
وقد صاحب انتفاضة القدس الآذارية 2010 تغطية إعلامية شاملة وجامعة مفتوحة متلفزة حية مناسبة تحدى فيها الجميع العنجهية والوحشية الصهيونية ، فظهرت القدس المشتعلة من جديد ، وخاب ظن الاحتلال بجعل القدس السليبة المحتلة الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني موئلا للكنس والمعابد اليهودية العجفاء . فعمت الفوضى في ربوع محافظة القدس جميعها ، وسفكت الدماء الفلسطينية الطاهرة على الشوارع السوداء في رابعة النهار ، وعزت الشهادة في ربيع السنة القمرية الإسلامية وآذار بالتقويم السرياني .

إنتفاضة الصراع بين البحرين : الصغير الميت والكبير الطيب

ورغم القمع الصهيوني المتعجرف لانتفاضة القدس الجديدة التي جاءت للدفاع عن النفس الفلسطينية والعربية والمسلمة في ثلاثي نادر المثيل ، تتقدمه جموع المجاهدين الصغار ، الكبار في أفعالهم الثورية الجهادية ، وإيمانهم الراسخ بحتمية النصر الإلهي ، فإن الجموع الغاضبة استطاعت أن تثني حكومة الكيان الصهيوني بزعامة الثلاثي الشرير : الليكودي بنيامين نتانياهو ( رئيس الحكومة ) والعمالي إيهود بارك ( وزير الحربية ) والروسي أفغيدور ليبرمان ( وزير الخارجية ) في اقتحام المسجد الأقصى المبارك ، أو إفتتاح ما يسمى ( الهيكل اليهودي ) المزعوم في باحات المسجد الأقصى المبارك ، ويبدو أن هذا الثلاثي الصهيوني لم يستفد الاستفادة الكاملة ، من تجربة إنتفاضة الأقصى المجيدة السابقة التي كانت شرارتها تدنيس أرئيل شارون الرجيم لباحات المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة ثلاثة آلاف يهودي مدججين بالسلاح ، بعيدين عن السلم والسلام في بلاد ما بين البحرين الطيب الكبير ( البحر الأبيض المتوسط ) غرب فلسطين والبحر الميت الصغير شرق فلسطين ، فماتت عقولهم وقلوبهم وأفئدتهم كمدا وغيظا وحقدا وحسرة وندامة على الفشل الذريع الجديد من المجاهدين الصغار ، سطر بها أهل فلسطين الأصليين أنبل وأطهر مظاهر المقاومة الباسلة في سبيل الدفاع عن الحق العربي والإسلامي في بيت المقدس عامة وفي المسجد الأقصى المبارك خاصة . وإن دلت الانتفاضات الفلسطينية السابقة ، أو إنتفاضة القدس الجديدة الحالية على شيء فإنما تدل على الحرب المستعرة بين الحق الفلسطيني والباطل الصهيوني في أرض ما بين البحرين الصغير الميت ، والكبير الأبيض المتوسط الطيب .

إنتفاضة القدس المصغرة .. مقدمة إنتفاضة فلسطينية ثالثة

على العموم ، إنه يمكننا القول ، إن إنتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة ، قد إنبلج فجرها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس من أبناء الطائفة المنصورة في فلسطين ، وخاصة ( الفتية المجاهدون الصغار ) من طلبة المدارس الأساسية والثانوية والجامعات ، وقد أخذ أهل القدس الشريف على كاهلهم قيادة هذه الثورة العارمة التي طغت على الأحداث المحلية والعربية والإقليمية والعالمية في أواسط شهر ربيع الثاني 1431 هـ / آذار 2010 م ، وهذه الثورة جاء إسنادها الحقيقي من دعوات الفصائل والحركات الفلسطينية الوطنية : ( مثل حركة فتح ) التي دعت إلى النفير الوطني العام ، والحركات الإسلامية ( حركة حماس ، وحركة الجهاد الإسلامي ) تمثل في يوم الغضب الفلسطيني ونصرة القدس ، إضافة إلى الرافد الأساسي للثورة المسجدية الجديدة ضد الاحتلال وهم فلسطينيو الداخل من الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني ، من أبناء الحركة الإسلامية ، الذين تداعوا للسهر والإقامة والمرابطة في أحياء وشوارع القدس القديمة ، والإعتكاف في باحات المسجد الأقصى المبارك لحمايته من الترجيس والتدنيس والتقسيم وتلبيس إبليس . وهذه الانتفاضة المصغرة بانتظار الضغط على الزناد الفلسطيني الثوري الوطني والإسلامي لتعم جميع أرجاء فلسطين الكبرى من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها ولكن ذلك لن يتأتى غلا بعد التصالح والمصالحة الوطنية الشاملة وخاصة بين حركتي فتح وحماس توأم فلسطين .

الطائفة المسلمة والظهور على الحق

وقد تداعت الجموع المجاهدة للدفاع عن حياض الأقصى ، وحياض الوطن ، وحياض الإسلام العظيم ، وتلك هي البشرى النبوية السابقة كما جاء في صحيح البخاري - (ج 22 / ص 286)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " . فقاتل فتية القدس ، وطلبة القدس ، بأسلحة داود الفلسطيني ليهزموا أهل الكفر والشرك ، الذين استخدموا الأسلحة الرشاشة لرش المجاهدين المسلحين الفلسطينيين بحجارة داود الفلسطيني المقدسة ، ويردوهم على أعقابهم خائبين ، فتلك هي المعادلة الحربية ، ( المجاهدون الصغار ) في مواجهة جيش الاحتلال اليهودي ، والنصر حليف المجاهدين ، فهُزم الأعداء ولم يتمكنوا من بسط نفوذهم على أرض المسجد الأقصى المبارك بمساحته البالغة 144 دونما ، وذهب هيكلهم الكرتوني الزائف أدراج الرياح ، رغم أن قتال الشوارع غير المتكافئ ، بالعتاد والعدة ، وقع خارج أرض الأقصى المسلمين ، الذي بارك الله حوله بسبب هيمنة قوات الاحتلال على أبواب المسجد الأقصى المبارك قبل ذلك بعدة أيام خلت . وكانت سياسة ( الكر والفر ) و( حرب الشوارع ) في الميدان والعنوان ، وهي الطاغية نظرا لعدم وجود توازن بالقوى الإستراتيجية والتكتيكية المنظورة على أرض الواقع .

المجاهدون الصغار ومواجهة أعتى احتلال عالمي

وبناء عليه ، فإن انتفاضة القدس الجديدة ، رغم بدائية أسلحتها ونهجها وعدم وجود قيادة وطنية فلسطينية موحدة لإدارتها ، سطرت بأحرف من نار ونور مجيدين سياسة الدفاع الفلسطيني عن النفس والتحدي والتصدي والمواجهة الميدانية لأعتى قوة احتلال عالمية ، فتراجعت هذه القوة اليهودية الصهيونية المحتلة القهقرى ، مئات الخطوات إلى الخلف ، وتقدمت الجموع العربية المسلمة الثائرة على الفساد والمفسدين في الأرض ، وتمثلت هذه الجماهير المجاهدة جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف ، ورجلا إلى رجل ، بمئات الطلبة والشبان الفلسطينيين بإتجاه الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ، والوجود العربي الفلسطيني الإسلامي والنصراني في هذه الديار المقدسة آلاف الخطوات إلى الأمام لحماية الأرض والمقدسات والبيوت الفلسطينية .
ومما يذكر أن فلسطين قدمت في انتفاضة القدس الجديدة ، حوالي 100 جريح وعشرات الأسرى المدافعين عن الحياض والحمى الفلسطينية والعربية والإسلامية ، بينما أعلنت قوات الاحتلال الصهيوني عن إصابة 8 عناصر من جندها المتوحشين وهي كعادتها تخفي الخسائر البشرية والمادية لتحاشي إحباط قواتها المدججة بشتى أنواع الأسلحة .

القبض على الجمر الأحمر .. وعوامل الشر

وبهذا يمكن أن تكون انتفاضة القدس الجديدة ، بوصلة متجددة لإنطلاقة إنتفاضة فلسطينية ثالثة ، ولكنها بطرق وأساليب جديدة شتى ، ستأكل الأخضر واليابس ، وسيكون لها المردود الإنهزامي العظيم على المسيرة اليهودية الهائجة والمائجة ، كموج البحر المتلاطم الأمواج ، في الأرض المقدسة ، ولكل حادث حديث . ولكن تفيد الوقائع الميدانية ، على أرض بيت المقدس ، بأن أهل أكناف بيت المقدس الكبرى ، سينضمون لاحقا لأهل بيت المقدس الصغرى ، كونهم الطائفة الإسلامية المنصورة القابضة على الجمر الأحمر في الأيدي ، وسينقلب السحر الصهيوني على السحرة الفكرة الفجرة من المغضوب عليهم ولات حين مناص ، وستندلع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثالثة قريبا في ظل وجود العوامل المنبهة والموجهة والداعية لها وفي مقدمتها التهجير القسري من القدس المحتلة وهدم البيوت بالعشرات ومنع الصلاة في المسجد الأقصى المبارك وتمكين غلاة اليهود من الاستيلاء على عشرات المساكن العربية ، وإنشاء كنس يهودية تحيط بالأقصى المبارك ، وسياسة المصادرة والاستيطان اليهودي المكثف . فستأتي الانتفاضة القادمة لمنع الصهاينة من يهود فلسطين المحتلة من تدنيس أقدس بقعة في الأرض المقدسة .
وقد جاء في سنن أبي داود - (ج 6 / ص 487) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ " . وبهذا فإن قدركم يا أهل بيت المقدس ، أن تمثلوا اصدق تمثيل الطائفة المسلمة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، تقاتلون أعداءكم وتبقون ظاهرين عليهم حتى يقاتل آخركم المسيخ الدجال في مدينة اللد الفلسطينية ، وينتصر الحق على الباطل ، ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

كلمة أخيرة

وأخيرا ، فإن إنتفاضة القدس الجديدة هي رسالة دينية إسلامية ووطنية وقومية ، واضحة المعالم ليهود فلسطين المحتلة وللعالم أجمع ، بأن البديل الوحيد للتهويد هو القتال ، وليس سياسة المماطلة والتسويف والتأجيل والتأخير ، والوعود الكاذبة غير المقدسة ، فتلك هي المقدمة الأولى المتأنية ، والشرارة البرقية للانتفاضة الفلسطينية الثالثة ، التي أخذت تقرع الأبواب بقوة ضد الاحتلال والمحتلين ، الذين يسعون دائبين لتهويد القدس العربية المسلمة ، ويعيثون في فلسطين المباركة بعمليات الفساد والإفساد الكبير المبرمج وسط تفرج العالم على الأساطير الصهيونية الجديدة والإدعاءات التلمودية والتوراتية المزيفة . وفي ظل فشل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني المباشرة وغير المباشرة ، الثنائية والمتعددة ، وبرعاية عربية وأمريكية وأوروبية وروسية ، منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ، فلم تحصد فلسطين طيلة هذه المفاوضات العبثية الكارثية سوى خيال الحرية والاستقلال الوطني الذي لا ولم ولن يتحقق بالمفاوضات كخيار استراتيجي وحيد بأي حال من الأحوال . وكان الله في عون الشعب المسلم في فلسطين العربية المسلمة الذي كتب عليه الرباط والمرابطة والصبر والمصابرة ، أمام الاحتلال والمحتلين اليهود الصهاينة إلا أن الحق الإسلامي سينتصر على الباطل الصهيوني الزائف والمزيف كما انتصر نبي الله موسى عليه السلام على الطاغية فرعون ، وكما انتصر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام على الكفار اليهود الذي حاولوا الفتك به فأنجاه الله رب العالمين ، وخسئ الخاسئون اليهود . فطوبى للمرابطين في حمى بيت المقدس ، وأكناف بيت المقدس . ومرحى للشهداء والجرحى والأسرى ، فلا بد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ولو بعد حين . فانتظروا إنا منتظرون .
وكما جاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 373) عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ "
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة، 12 مارس 2010

الشهادة والانتحار في الإسلام والعالم .. وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ..

الشهادة والانتحار في الإسلام والعالم ..

وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ..

وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .

استهلال

الشهادة والانتحار كلمتان كبيرتان في المضمون والمعنى ، ومتناقضتان لا تلتقيان في الإسلام ، فالشهادة مطلب حيوي لكل مسلم ومسلمة في هذا الكون الواسع الفسيح ، ليعيش المسلم في الحياتين الدنيا والآخرة سعيدا حميدا بهيجا ، وأما الانتحار فهو تخلص الإنسان من حياته بطرق متعددة مقززة وغير مقبولة في الإسلام بتاتا . ويتسابق المجاهدون المسلمون لنيل الشهادة في سبيل الله العزيز الحكيم ، وعلى العكس من ذلك يتبارى الكفرة الفجرة للتمسك بالحياة الدنيا الزائفة ، وإذا ما تعرضوا لحالة خسارة معينة أو ضيق مالي أو نفسي أو إصابة في أحد أعضاء الجسد فإنهم يلجأون للانتحار وإنهاء حياتهم بأيديهم سواء بإطلاق النار على الفم أو الرأس أو القلب وهي الأماكن الحساسة التي يموت بعده الإنسان المنتحر والعياذ بالله ، مباشرة أو بأوامر منهم أو بتعاطيهم السموم أو توقفهم عن التنفس الصناعي أو التوقف الفجائي عن تناول الأدوية أو تناول الأدوية بكميات كبيرة تجعل التوازن البدني والعقلي غائبا . وهناك من الناس من لا يستخدم الانتحار السريع ، بل يلجأ للانتحار البطئ عبر تعاطي المسكرات والمخدرات والكبائر كالزنا الذي يسبب الإيدز والسفلس وغيرها من الأمراض الجنسية القاتلة للنفس وللآخرين ، فيصيب جسمه الضعف والهزال ، ويتهاوى كما تتهاوى أوراق الأشجار في فصل الخريف مع أي موجه ريح بسيطة .

حض الإسلام على الجهاد المقدس ومقاومة الأعداء

يقول الله العظيم الحليم جل شأنه : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) }( القرآن العظيم ، التوبة ) .
الانتحار ما أدارك ما الانتحار ؟ .. إنه السبب في دخول جهنم وزيادة السعير في النار .. فيورث اليأس والإحباط الكلي أو الجزئي عملية الانتحار .. فتبا وسحقا للمجتمع الذي يدب القتل والخنق والشنق بالانتحار .. وطوبى وألف طوبى للمجاهدين الأخيار .. فسوف يمتعهم الله الحميد المجيد بالحياة الدنيا والآخرة ويلحقهم بالمتقين الأبرار .
لقد حث الإسلام على مجاهدة الأعداء المعتدين على الدين الإسلامي وحرمات الله ، الذين يعتدون على الأرض الإسلامية والمال والأهل والنفس ، بشتى السبل وأعتبر أن ذروة سنام الإسلام هو الجهاد في سبيل الله العلي العظيم . وقدس حياة المسلمين الذين يجاهدون فيقتلون ويقتلون وجعلهم شهداء في مراتب الأنبياء واعتبرهم أحياء عند ربهم يرزقون ، ولكننا لا نشعر بهم وعن حياتهم الجديدة بعد استشهادهم . يقول الله القوي العزيز جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }( القرآن العظيم ، التوبة ) . ويقول الله العزيز العليم جل في علاه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }( القرآن المجيد ، الحج ) .
وهناك خلط ولغط كبير حول الفرق بين الجهاد المقدس والاستشهاد في سبيل الله من جهة ، وبين الانتحار والإلقاء إلى التهلكة عن سبق الإصرار والترصد والتعمد . فلا يعتبر من الناحية الشرعية الإسلامية كل مهاجم مسلم لأعدائه يؤمن بأركان الإسلام الخمسة : الشهادتان ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ) ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت بالمسجد الحرام من أستطاع إليه سبيلا هو منتحرا بل هو مجاهدا وشهيدا مقبلا غير مدبر ، يثور ضد التعدي والإعتداء على الحرمات الإسلامية . وفي حالة الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض والعرض والمال والأهل والنفس قد يخسر الإنسان نفسه أو أهله أو بعضا منهم أو ماله أو جزءا من ماله ، ولا يعتبر هذا من أنواع الانتحار كما يطلق عليها سفهاء الغرب المعتدين الذين يعتدون على أرض المسلمين أو أعراضهم أو أنفسهم أو أموالهم بل هو في مقدمة الشهادة والشهداء الذين خصص لهم الله الشهيد عالم الغيب والشهادة جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها .
وعلى العكس من ذلك ، فإنه يجب إعتبار المستعمرين المحتلين لأوطان غيرهم كالأمريكان ويهود فلسطين المحتلة والبريطانيين والفرنسيين والروس وغيرهم الذين يهاجمون غيرهم من أهل الإسلام هم المنتحرون حقا ، لأنهم يلقون بأنفسهم وأيديهم إلى التهلكة والهلاك السريع أو البطيء ، فهذه هي قمة الإرهاب والانتحار .

الشهادة لتكون كلمة الله هي العليا .. لا الانتحار

حض الإسلام على الدفاع عن النفس ومواجهة الأعداء لا استقبالهم في الديار الإسلامية المفتوحة ، ونبذ الإسلام الاستسلام للأجانب من الكفرة الفجرة مهما كانت دياناتهم ومذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية . ولا تعد المواجهة بين المسلمين والكفار نوعا من أنواع الانتحار حتى وإن كانت أعداد المسلمين قليلة لمواجهة كثرة كاثرة من أهل الضلال والمغضوب عليهم والمنافقين والفاسقين والظالمين البغاة العتاة .
يقول الله ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .

أهم أسباب الانتحار

الانتحار صفة ذميمة للمخلوق البشري الذي يعرض نفسه للمهالك أو الردى أو الموت ، فيلجأ للتخلص من حياته بلحظة غضب أو هوس عقلي أو بدعاوى إصابته بمرض مزمن ، كالسرطان أو الإيدز أو أحد الأمراض العقلية كانفصام الشخصية أو العته أو الزهايمر أو فشل في الحياة الزوجية أو نقص في الرزق أو خلافات قبلية أو عشائرية أو غيرها . وهناك الأسباب العسكرية للانتحار وهي الإصابة بجراح غائرة واستحالة الشفاء ، والارتجاج في المخ ، والهوس النفسي .

أهم طرق الانتحار

في الدين الإسلامي ، حرم ومنع المصطفى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على المسلم اللجوء لقتل نفسه بنفسه بأي طريقة كانت ، وعدد أبرز أصناف الانتحار وهي إلقاء النفس من جبل شاق أو صخرة مرتفعة ، أو تناول السم ، أو القتل بحديدة سواء أكانت سيفا أو رمحا أو رصاصة من مسدس أو رشاش أو غيره في وقتنا الحاضر ، وحذر المصطفى من هذه الأنواع وغيرها لقتل الإنسان نفسه بالانتحار بدعاوى التخلص من أعباء الحياة الدنيا المتعبة ، أو الخسارة في التجارة بالأموال السائلة أو المنقولة ، وحظر الانتحار بصورة قطعية لا لبس فيها ولا لف ولا دوران .
وهناك طرق أخرى للانتحار في العالم منها الشنق والخنق ، وإطلاق الرصاص على النفس ، ورمي النفس من بناية شاهقة أو من وسيلة نقل تسير بسرعة ، أو تناول الأدوية بإفراط ، والسم ، وتعاطي المخدرات ، وتناول جرعات كبير من الكحول أو إفتعال حوادث الطرق في المركبات أو السكك الحديدية أو الطائرات وغيرها .

عقاب المنتحر في الإسلام

لقد أعلمنا الإسلام أن كل من ينتحر فإنه سيعذب نفسه في الدنيا أولا إذ يمكن أنه لا يموت بمحاولته الانتحار ، ويتسبب لتلقيه العذاب الشديد في نار جهنم خالد مخلدا فيها بعد الحساب بيوم الدين . فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 282) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " .
وبناء عليه ، يمنع الإنسان المسلم ، ذكرا أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، مريضا أو معافى ، أن يقتل نفسه تحت أي ظرف من الظروف ، وعليه أن يصبر على البلاء والإبتلاء الرباني فالدنيا هي دار الفناء والامتحان والاختبار ، وأن يدعو الله الشافي الكافي المعافي أن يشفيه وان يعينه على مصائب الدنيا ليلقى ربه وقد تساقطت عنه الذنوب والآثام والخطايا كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف سنويا .
ومن جهة أخرى ، فإن المنتحر قاتل نفسه أو آمر غيره بقتله ، أو القتل الخطأ أو القتل المتعمد منه أو من غيره ، هو حرام شرعا في الشريعة الإسلامية . وفي سبيل الوقاية من القتل فقد منع الإسلام اللعب بالحراب أو الحديدة وهي تشمل كل ما يتسبب بالقتل سواء أكان سلاحا ابيضا كالسكين والفأس أو حديدة تطلق الرصاص الناري الحي أو ما شابهه ، كما ورد في صحيح مسلم - (ج 13 / ص 42) قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ " . وفي رواية أخرى ، جاءت في مسند أحمد - (ج 53 / ص 249) سَمِع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ " .

تحريم الانتحار في الإسلام ..
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن الحكيم ، البقرة ) . وبهذا فقد أمرنا الله الحي القيوم أن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ، وأن نحافظ على حياتنا وننفق في سبيل الله ، وأن نقوم بالعبادة خير قيام وأن لا نبخل في مساعدة الآخرين وأن نحسن لأنفسنا وللآخرين لأن الله يجب المحسنين .

كما وردت بعض الآيات القرآن المجيدة المباشرة التي تحرم قتل الإنسان لنفسه ، يقول الله ذو الجلال والإكرام جل في علاه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
وبناء عليه ، فإن الله جل جلاله حرم علينا قتل النفس لأن الله رحمن وغفور رحيم ، وشاكر عليم ، وحذرنا بأن من يفعل ذلك بأكل الأموال بالباطل وقتل النفس عدوانا وظلما فسوف يصليه نارا ، وكذلك أمرنا ربنا بأن نتجنب كبائر الاثم ليدخلنا مدخلا كريما .

القتل من أجل السلامة في الإسلام

يجيز بعض الناس قتل أنفسهم لتجنب الوقوع في براثن الكفر والإلحاد وتحاشي التعذيب في أيدي الأعداء ، ليتوب الله عليهم وينجيهم من عذاب أليم كما ورد على لسان نبي الله الكليم موسى عليه السلام . يقول الله الغني الحميد عز وجل : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . وهذه الحادثة هي فريدة من نوعها ولا يمكن تعميمها أو الاستئناس بها كثيرا ، لأنها كانت تعالج مسألة عبادة بني إسرائيل القدماء للعجل الذهبي في صحراء سيناء بمصر عندما ذهب لمخاطبة الرب سبحانه وتعالى .
ويقول الله الحي القيوم جل شأنه : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}( القرآن العظيم ، البقرة ) . نستشف من القول الرباني السابق ، فيما يخص هذا الموضوع ( الانتحار ) أن قتل النفس وإخراج فريق من ديارهم هو من العدوان والاثم الذي لا ينبغي اللجوء له .

على العموم ، لقد نهت الشريعة الإسلامية ، وفق المبادئ والقيم والمثل الإسلامية العليا عن قتل الإنسان لنفسه أو قتله من غيره بلا حق ، وإعتبر الإسلام أن المنتحر أو القاتل الذي يزهق روحه ، سيخلد في نار جهنم بعد يوم الحساب العظيم . فقد جاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 152) عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " . وفي رواية أخرى ، وردت أيضا بصحيح البخاري - (ج 18 / ص 74) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " .
فهذا هو الموقف الإسلام الواضح الناصع لبني آدم على مدى الأيام الخالية والحالية واللاحقة .

تمني الموت في الإسلام

يقول الله الواسع الحكيم تبارك وتعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}( القرآن المبين ، البقرة ) . ويقول الله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) }( القرآن العظيم ، الجمعة ) .

الموت حق على الجميع

ليعلم الجميع أن سنة الله في خلقه ، هي الحياة ثم الموت ثم البعث ثم حياة الخلود الآخرة ، إما في جنات النعيم ونسأل الله أن نكون من أصحابها ، وإما في حياة الجحيم نعوذ بالله من سعيرها ونارها . وبذلك فإن الموت حق على الجميع مثلما أننا ننطق ، مهما طال العمر ، قل أم كثر ، للذكور والإناث . يقول الله المحيي المميت جل وعلا : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) . ويقول الله تبارك وتعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) }( القرآن الحكيم ، آل عمران ) . ولكن يجب الانتباه إلى أن الموت حق على الجميع ولكن يجب الابتعاد عن الانتحار ، كأن يقول بعض السفهاء أنه سينتحر والموت واحد ، فهذا الكلام غير مقبول بتاتا بأي حال من الأحوال ، فكل نفس ذائقة الموت ، فلا تقتلوا أنفسكم ولا تنتحروا وانتظروا ملك الموت ليأخذ أرواحكم وأسالوا الله أن يعينكم على سكرات الموت .

الانتحار في العالم

تكثر حالات الانتحار الفردي والجماعي في العديد من الدول الغربية والشرقية على السواء ، ففي اليابان تنتشر ثقافة الانتحار من أجل الإمبراطور بكثافة ، فينتحر الأشخاص بدعاوى حماية الإمبراطور الياباني ، سواء في أيام السلم أم في أيام الحرب كما حدث في الحرب العالمية الثانية . وفي الهند تنتشر ثقافة الانتحار بعض الناس وخاصة لدى النساء اللواتي يتوفى أزواجهن ، فتفضل بعضهن الانتحار في النار التي تحرق جثمان زوجها فيما يعرف ب ( حالة ساتي ) لتموت مع زوجها كما هو متبع في بعض مذاهب الهندوسية .
وفي الولايات المتحدة تتزايد أعداد المنتحرين في صفوف المدنين والعسكريين ، ففي صفوف الجيش الأمريكي وخاصة في قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق وما وراء البحار ينتحر الثلثين من إجمالي عدد المنتحرين ، وخاصة بعد تعاطي المخدرات والأفيون والكحول بكثرة ، وكذلك بعد الإصابة بجراح بالغة ، كالارتجاج في المخ بالرأس ، أو تردي الأوضاع النفسية والإنهيار العصبي للجنود في أتون المعركة . وقد أظهرت إحصائيات رسمية أمريكية انتحار 32.637 منتحرا أمريكيا عام 2005 ، وخاصة ما بين الفئات العمرية من 40 سنة – 64 سنة بمعدل 11 فردا لكل 100 ألف أمريكي . وتتزايد معدلات الانتحار بين الأمريكيين من أصول ومنابت متعددة بحوالي 0.7 % سنويا . وهناك 5 آلاف منتحر أمريكي من بين الجنود في مهمات القتال الخارجية خارج الولايات المتحدة الأمريكية سنويا ، بطرق ثلاث : الانتحار بقتل النفس الرصاص ، أو الشنق أو الاختناق . وأظهرت الدراسات الاجتماعية الأمريكية أن حالات الانتحار في المجتمع الأمريكي تنجم في الغالب عن حالات : الفشل الاقتصادي والإخفاق الاجتماعي والإغتراب النفسي والهزال السياسي والهزيمة العسكرية خارج البلاد في المناطق المحتلة والقواعد العسكرية وانتشار مافيا الإجرام والمخدرات والخمر وارتياد الملاهي الفاجرة وفقدان الثقة بالنفس ، وتخلخل العلاقات بين أفراد المجتمع والبعد عن الأهل والأمل والدين الذين يعطي الأمل بالحياة المستقرة الآمنة .
وفي الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، تتضاعف أعداد المنتحرين في صفوف جيش الاحتلال الصهيوني أو بين المستوطنين اليهود عند الفشل في أمر معين وتظهر ظاهرة الانتحار بين كبار ضباط الجيش الصهيوني بشكل ملفت للنظر .
ولا تكاد حالات الانتحار في الوطن العربي أو الوطن الإسلامي تذكر ، حيث يحظر الإسلام عمليات الانتحار فيمجد الإسلام الشهادة في سبيل الله والدفاع عن النفس وينزل الانتحار في أسفل سافلين . وفي قارة آسيا تكثر حالات الانتحار في الصين الشيوعية واليابان والكوريتين وغيرها .
على أي حال ، إن الدول الأوروبية والغربية كالولايات المتحدة تجيز كلها أو بعضها ما يسمى بالقتل الرحيم ، أي توقيف التنفس الصناعي أو التغذية الصناعية ليهزل جسم المريض ويموت ويتخلص من حق الحياة الذي منحه الله له .
وفي العالم لغربي ، يجري تداول مسألة السماح بالانتحار في هولندا بقارة أوروبا في هذه الأيام ، علما بأن هولندا أقرت القتل الرحيم ( الانتحار ) عام 2002 م ، وسط جدل طبي وصحي عقيم بين المؤيدين والمناهضين للانتحار أو ما يطلقون عليه الموت البطئ أو القتل الرحيم وبلغ عدد المنتحرين عبر ما يسمى بالقتل الرحيم حوالي 2500 شخص هولندي عام 2009 . وكذلك الحال مثل هولندا تسمح بلجيكا للقتل الرحيم . وفي المقابل لا تسمح بريطانيا وفرنسا إلا للحالات المرضية المزمنة التي يأس من شفائها بالتوقف عن تناول الدواء ولا تجيز بما يسمى بالقتل الرحيم بتدخل الآخرين .

هل الموت بالهجوم على الأعداء شهادة أم انتحار ؟؟!

يختلف العلماء المسلمين في تفسير هذه المسألة ، فالبعض يقول إن من يفخخ نفسه في حزام ناسف أو مركبة ملغومة ، ويهجم على الآخرين بغض النظر كانوا أعداء حقيقيين أو مفترضين ، هو يلقي بنفسه أو بيديه إلى التهلكة والهلاك المبين ويطلق عليه البعض منهم صفة الانتحار أو الإرهاب . وهناك الكثير من العلماء المسلمين الذين يفتون بأن الدفاع الشرعي عن النفس والجهاد في سبيل الله هو واجب جهادي إسلامي على جميع فئات المجتمع المسلم من الذكور والإناث ، الصغار والكبار على حد سواء ، ويطلقون على القتلى في هذه الحالة ( الشهداء ) المقبلين غير المدبرين . ويستشهدون بالعديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد الشهادة في هذا المضمار . يقول الله الرحمن الرحيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }( القرآن المجيد ، الأنفال ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 361) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى " . وفي رواية أخرى ، جاءت في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 396) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ " .
وورد في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 500) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ نَعَمْ قَالَ بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ " .

قافلة الشهداء في الإسلام

يحرم الإسلام العظيم حالة الانتحار مهما كان لونها أو صنفها ، ويعتبر أن كل من ينتحر سيكون مأواه النهائي نار جهنم خالدا مخلدا فيها ، ولهذا تندر عملية وقوع الانتحار في المجتمع المسلم ، وفي المقابل تتعدد صور الشهادة في الإسلام لتشمل العديد من الحالات ، وفيما يلي أهم هذه الحالات كما وردت بالأحاديث النبوية الشريفة :
- موطأ مالك - (ج 2 / ص 215) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ قَالَ إِذَا مَاتَ فَقَالَتْ ابْنَتُهُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ " .
- صحيح البخاري - (ج 18 / ص 9) عنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ " .
- صحيح البخاري - (ج 8 / ص 377) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ "
- صحيح البخاري - (ج 18 / ص 7) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ " .
- صحيح مسلم - (ج 10 / ص 29) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ " . قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ و حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سُهَيْلٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَخِيكَ أَنَّهُ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَزَادَ فِيهِ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ " .
- سنن أبي داود - (ج 7 / ص 11) أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ وَإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ " .
مسند أحمد - (ج 16 / ص 286) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ قَالُوا مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهَادَةٌ وَالْبَطَنُ شَهَادَةٌ وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ وَالنُّفَسَاءُ شَهَادَةٌ وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ
مسند أحمد - (ج 19 / ص 361) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ قَالُوا الَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ إِنَّ الشَّهِيدَ فِي أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالطَّعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَجْنُوبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ
- مسند أحمد - (ج 32 / ص 204) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَعْلَمُونَ مَنْ الشَّهِيدُ مِنْ أُمَّتِي فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ عُبَادَةُ سَانِدُونِي فَأَسْنَدُوهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَهَادَةٌ وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ وَالْبَطْنُ شَهَادَةٌ وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ " .
مسند أحمد - (ج 36 / ص 55) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْلُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ لَا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلَّا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ السَّيْفُ لَا يَمْحُو النِّفَاقَ
مسند أحمد - (ج 4 / ص 76) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
- مسند أحمد - (ج 6 / ص 175) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
- مسند أحمد - (ج 19 / ص 361) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ قَالُوا الَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ إِنَّ الشَّهِيدَ فِي أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالطَّعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَالْمَجْنُوبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ " . قَالَ مُحَمَّدٌ الْمَجْنُوبُ صَاحِبُ الْجَنْبِ .
وبالاستناد للأحاديث النبوية الشريفة السابقة ، فإن المجاهد المسلم الذي يقتل في سبيل الله والدفاع عن حمى الإسلام والوطن الإسلامي الأكبر والأمة الإسلامية ، سواء أكان مهاجما فرديا أو جماعيا فهو شهيد والله أعلم ولله الحميد المجيد الشهيد عالم الغيب والشهادة الحمد والفضل والمنة .

الجهاد في سبيل الله .. وعدم الريبة

يقول الله السميع البصير عز وجل : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) }( القرآن الحكيم ، الحجرات ) .
وبناء عليه ، فإن ما يقال من تسميه هؤلاء المجاهدين المقبلين غير المدبرين من أنهم ( إنتحاريون أو إرهابيون ) من السياسيين والعسكريين الأجانب ووسائل الإعلام الغربية الإفرنجية الصليبية الحاقدة من الضالين والمغضوب عليهم ، أو من لف لفهم ، فهو لا يلامس أو يهامس الحقيقة بأي حال من الأحوال . وإن كل من يدين أو يستنكر أو شجب هذه العمليات التفجيرية الجهادية الاستشهادية الفردية أو الجماعية ضد الغزاة البغاة العتاة ، المحتلين الأجانب لديار المسلمين أينما كانوا وحيثما حلوا ، التي تدافع عن حياض الإسلام العظيم ، ويسميها ب ( العمليات الإرهابية أو الانتحارية ) يكون شريك مشارك لا ريب فيه ، في الإثم والعدوان على المسلمين المستضعفين في الأرض كما جاء في مضامين الشهادة لكلام المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الدفاع عن النفس هي سياسة مقرة في جميع الشرائع السماوية وخاتمتها الإسلام العظيم وفي جميع القوانين والأعراف الدولية الصحيحة الحقيقية التي تدعو للسلم والسلام والأمن الدولي بين أمم العالم .
فمتى احتلت أرض من أراضي المسلمين وهدرت أموالهم واعتدي على أعراض المسلمين فالجهاد في سبيل الله ورفعة الإسلام واجب مقدس للصغير قبل الكبير وللمرأة قبل الرجل ، وللعجوز قبل الشاب ، فلا يجوز التخلي عنه أو إحباطه ولو كره الكافرون والفاسقون والظالمون .

كرامات الشهداء في الإسلام

جاء الكثير من كرامات الشهداء في الإسلام ، وأهم هذه الكرامات كما جاءت بالأحاديث النبوية الشريفة ، ما يلي :
- سنن أبي داود - (ج 7 / ص 43) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
- سنن أبي داود - (ج 7 / ص 46) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ " .
- سنن النسائي - (ج 7 / ص 188) عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ قَالَ : " كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً " .
- سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 308) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " لَا تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِي بَرَاحٍ مِنْ الْأَرْضِ وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .
- سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 312) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ الْقَرْصَةِ " .
- مسند أحمد - (ج 16 / ص 155) ذُكِرَ الشَّهِيدُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " لَا تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى يَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَظَلَّتَا أَوْ أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا بِبَرَاحٍ مِنْ الْأَرْضِ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .
- مسند أحمد - (ج 20 / ص 358) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ أَوَّلَ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الشَّهِيدُ وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَفَقِيرٌ عَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَوَّلَ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ : سُلْطَانٌ مُتَسَلِّطٌ وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ وَفَقِيرٌ فَخُورٌ " .
- مسند أحمد - (ج 36 / ص 186) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتَّ خِصَالٍ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ يُكَفَّرُ عَنْهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ " .

شهادة من نوع آخر في الإسلام

- سنن أبي داود - (ج 7 / ص 75) عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَهِيدٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ " .
سنن أبي داود - (ج 8 / ص 366) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ قَالَتْ ابْنَتُهُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ " .
- سنن أبي داود - (ج 12 / ص 387) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
- سنن أبي داود - (ج 12 / ص 388) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
- سنن أبي داود - (ج 12 / ص 388)عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ "
- سنن الترمذي - (ج 5 / ص 315) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " .
- سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 282) سمع أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرِّ وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلَّا الدَّيْنَ وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ وَالدَّيْنَ " .
مسند أحمد - (ج 1 / ص 314) حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ فُلَانٌ شَهِيدٌ وَفُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا بِرَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا اخْرُجْ يَا عُمَرُ فَنَادِ فِي النَّاسِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
- صحيح مسلم - (ج 12 / ص 246) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ أَنَا أَنَا قَالَ فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ " .
- مسند أحمد - (ج 24 / ص 334) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ فَأَخَذَهُ قَوْمٌ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكٌ أَنَا آخُذُ بِحَقِّهِ فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ هَامَ الْمُشْرِكِينَ " .

كلمة أخيرة

ينبغي أن يتمتع الإنسان ، أي إنسان ، بحق الحياة الطبيعية الآمنة ، البعيدة عن الوساوس الشيطانية التي تأمر الإنسان بالانتحار للهروب من الحياة مشاغلها ومتاعبها ، فالحق في الحياة هو حق مقدس لا يجوز العبث به بأي حال من الأحوال ، ويجب صيانته من الشخص نفسه ومن الآخرين . وهناك فرق شاسع بين الانتحار والشهادة ، فالشهادة في سبيل الله هي أعلى الشهادات وهي أسمى أماني وآمال وتطلعات الإنسان المسلم الورع التقي الخفي ، ليلقى رب العالمين بلا حساب ، ويدخل الجنة في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والمرسلين والصادقين ، إن شاء الله رب العالمين . فيا أيها المسلمون لا ترتضوا الظلم ولا تستسلموا للعدوان وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ولا تنتحروا وارضوا بما كتبه الله لكم وعليكم واصبروا على البلاء والابتلاء . فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا . وكما ورد في موطأ مالك - (ج 3 / ص 316) كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
وأخيرا أقول كما يقول ربنا الله الحي القيوم جل شأنه على لسان نبي الله شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }( القرآن المجيد ، هود ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .