الجمعة، 19 فبراير 2010

الإبتلاء الرباني للأتقياء .. بين السراء والضراء .. للفقراء والأغنياء .. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ

الإبتلاء الرباني للأتقياء ..

بين السراء والضراء .. للفقراء والأغنياء ..

لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم الوهاب جل جلاله : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) }( القرآن المجيد ، الحديد ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 374) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " .

استهلال

الناس في الحياة الدنيا في مختلف قارات العالم أجناس وأعراق متباينة ومتعددة المشارب والأهواء ، من الصغار والشباب والكبار ، الذكور والإناث ، ولدوا من أب وأم البشرية جمعاء ( آدم وحواء ) ، وتناكحوا وتناسلوا وتكاثروا حتى بلغ عددهم حوالي 7 مليارات نسمة في هذا العام 1431 هـ / 2010 م ، في قارات العالم الست ، آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واستراليا .
وهؤلاء الناس يتعرضون في سني حياتهم للمصائب على اختلاف أشكالها وأنواعها ، فهذه الحياة الدنيا هي دار الامتحان والفحص للمرور باتجاه الحياة الآخرة ، دار الخلود . والمصائب والمحن التي يتعرض لها بعض الناس تختلف عن الآخرين ، فمنهم من يصاب بمرض طارئ أو مزمن ، ومنهم من يخسر في ماله وتجارته ، ومنهم من يفقد عمله هنا أو هناك ، ومنهم من يرسب بامتحان مدرسي أو جامعي أو مهني أو وظيفي ، ومنهم من يبتلى في أهله وماله وولده ، ومنهم من يسجن ، ومنهم من يقارع الموت لسبب أو آخر ، ومنهم من يجرح ومنهم من يتعرض لأذى صغير أو كبير ، يختلف كل الاختلاف عمن حوله .. إلخ .
وعلى العكس من ذلك ، فمن الناس من يصول ويجول ويتمختر ويمشى في الأرض مرحا وخيلاء وكبرا رئاء الناس ، ومن هؤلاء من يشكر الله على أنعمه التي أنعم الله الغني الحميد بها عليه ، ومنهم من يجحد ويصيبه الجحود والنكران ، وبين هذا وهذا أمد بعيد ، وشيء عجيب ؟؟!
وبهذا فإن الإنسان المسلم أو الكافر على السواء ، يتعرض للبلاء والابتلاء ، فمنهم من يصبر ويزداد إيمانه ، ومنهم من يكفر والعياذ بالله العزيز الحكيم من الكفر والكافرين والفاسقين والظالمين لأنفسه وغيرهم . وهناك فئة من الناس عندما تتعرض لمصيبة بفاجعة أو نكسة مؤلمة يعود لدين الله الخالد القويم وهو الإسلام العظيم ، وهناك من يكون مؤمنا فيعود للكفر فيرسب في الفحص الرباني في لحظة من لحظات حياته ، فتضيع حياته وتصبح هباء منثورا .

إبتلاء الأنبياء والرسل

إبتلى ويبتلى الله العلي العظيم سبحانه وتعالى ، الخلق أجمعين بالسراء والضراء ، ومن جملة الذين إبتلاهم الأنبياء والرسل على مدى القرون الخالية . فمثلا إبتلى آدم وحواء بالخروج من الجنة بعد أن أزلهما الشيطان الرجيم إبليس اللعين ، ثم بقتل ابنهما لأخيه الآخر ، وابتلى نوح في عدم استجابة قومه له ومقارعتهم له ، والطوفان وصنع السفينة ، وعدم إنصياع ابنه للإسلام وغرقه ، وابتلى إبراهيم عليه السلام بالنار وإخراجه منها معافى لا أثر لها عليه ، ثم وضعه زوجته هاجر وابنه إسماعيل بمكة المكرمة ، وبناء الكعبة بالمسجد الحرام ، وإبتلاء لوط عليه السلام بقومه الذين كانوا يأتون الذكران من العالمين ، وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد ، ومعاداة إمرأته له ، وخسف الأض سافلها بعاليها وبروز البحر الميت شرقي فلسطين الأرض المقدسة ، وابتلى يونس عليه السلام في قومه بالعراق وهروبه منهم وركبه السفينة بالبحر فابتلعه الحوت وسجن في بطنه ثم أخرجه الله منه معافى . وكذلك ابتلى الله نبيه أيوب عليه السلام بالمرض المزمن ثم شفاؤه وتعويضه الأكيد . وابتلى يوسف عليه السلام بالسجن في مصر ، وإبتلى أبيه يعقوب عليه السلام بفقدان الابن العزيز وهو يوسف ، ثم تمكينه من خزائن الأرض بمصر ، وكذلك ابتلى موسى برميه في التابوت في البحر ، ثم عيشه في دار فرعون ، وقتله رجل مصري ، كما ابتلى موسى وهارون عليهما السلام بقومهما والعصا التي ابتلعت عصي وحبال سحرة فرعون ، ثم إيمانهم ، وخروجهم من مصر آمنين ، ومياه البحر الأحمر ، وإجتيازهم مع قومهم وإغراق فرعون بالماء . كما ابتلى الله داود عليه السلام بالنعجة وصاحب التسعة والتسعين نعجة الذي يريد ضم النعجة للمائة ، وابتلى سليمان عليه السلام ، بالطير والخيل والهدهد وإسلام ملكة سبأ اليمنية ، وابتلى عيسى ابن مريم عليهما السلام بمحاولات الصلب والقتل وإغاثته ورفعه إلى السماء قبل أن يتمكنوا من صلبه وقتله بالمدينة المقدسة في الأرض المقدسة . وابتلى محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مسقط رأسه مكة المكرمة للمدينة المنورة ثم عدم انتصاره في بعض المعارك كأحد وحنين ثم تمكينهم ونشر الإسلام العظيم ليملأ الآفاق حتى يومنا هذا .
وهؤلاء الأنبياء والمرسلون سبقوا المؤمنين والصالحين والأولياء والمتقين والمحسنين في الإبتلاء والبلاء ، وبعد الإبتلاء يأتي التمكين للمؤمنين الأخيار المتقين ، بعد الصبر والمصابرة والمرابطة . وهذه بشرى للصابرين المتقين إلى قيام الساعة بأن النصر سيكون حليفهم .
وفي نهاية النهايات يكون الانتصار المدوي والنصر المبين للأنبياء والرسل والأولياء والأتقياء وجند الله الصابرين المجاهدين المرابطين في أرض الرباط . يقول الله العزيز الحكيم ناصر المؤمنين المستضعفين في الأرض ولو بعد حين : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) }( القرآن المجيد ، الصافات ) .

الابتلاء في البأساء والضراء

بناء عليه ، فإن الابتلاء يكون بالاتجاهين إما الإغراق في النعيم أو الإغراق في قلة ذات اليد والحيلة ، ولكن الناس الذي ينعمون بالخيرات المادية والمعنوية والنفسية ، قد يظنون أن الله رضي عليهم ، وتقبلهم بقبول حسن ، ولم يدركوا أن الأمر لن يكون كذلك بل قد يكون هذا إبتلاء للإنسان ليميز الله الخبيث من الطيب والسمين من الغث ويختار الله بين الصالح والطالح . يقول الله السميع العليم ، إله العالمين أجمعين : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن العظيم ، البقرة ) .
وبذلك فإن الابتلاء الإلهي ، حدده رب العالمين بخمسة بنود هي : الخوف والحيرة من النفس ومن الآخرين الأقارب والأباعد ، والخوف من الامتحان بالمدرسة والمؤسسة والوزارة والأجهزة الأمنية في البلد أو في العالم ، والجوع بنقص الطعام والشراب وعدم امتلاء المعدة والبطن ، ونقص في الأموال الثابتة والمنقولة ، والنقص في الأنفس وهم الأشخاص ، من أولي القربى والأصدقاء والأحباء ، كالوالدين والإخوة والأخوات والأبناء والبنات ، وكذلك النقص في حب الحصيد والثمار والزروع من الأشجار المثمرة والخضار والفواكه وما شابهها . وهذا الابتلاء الرباني للمؤمن يكون بمثابة الأجر والثواب الجزيل لمن يصبر ويسترجع إلى الله ذو الجلال والإكرام ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) . ولم يترك الله الشافي الكافي العلاج للمؤمنين مبهما غير واضح ، بل قرنه وبينه واضحا جليا كعين الشمس في كبد النهار في عز الصيف ، بالابتلاء وهو الاسترجاع لله عز وجل ، فجاء البشير الكلامي المقدس : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} ، فهذا هو العلاج الرباني القريب ، حيث خص به المصابين بالداء بالرجوع إلى الله المداوي كاشف البلاء والابتلاء ، فالذين يسترجعون لله ، يأتي الوصف الرباني لهم بأن عليهم صلوات من ربهم ورحمة والاهتداء ، في ثلاثي إسلامي قويم لا مفر من وقوعه عاجلا أو آجلا .
وفي هذا السياق ، ورد في مسند أحمد - (ج 3 / ص 410) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " .
على العموم ، إن المرض الشديد قد يكون من إبتلاء المؤمنين والصالحين والأولياء والمحسنين والمتقين الأبرار أو الكفار الفجار ، ولكل نصيب من الابتلاء ، فالابتلاء للمؤمنين يكون لتكفير الخطايا والذنوب وتمحيص المؤمنين والكافرين ، والصابرين على السراء والضراء ، والشاكرين والحامدين لربهم الحميد المجيد .
فمثلا ، مرض رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ذات مرة مرضا شديد ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 382) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ : " أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا " .
وهذا المصاب الجلل أو النقص في المال والتجارة والخسران والفشل النفسي والمدرسي والجامعي والاجتماعي والاقتصادي وغيره ، أو مكر الماكرين ، وتخاذل الأنصار والموالين لنصرة الحق والمستضعفين ، لتكفير السيئات وتكثير الحسنات والدعوة لله العزيز الحكيم جل جلاله . وفي هذا المجال ، ورد في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 373) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا " .
والمؤمن يجب أن يتقبل البلاء والابتلاء ، وأن يأخذ بالأسباب للعلاج والدواء ، النفسي والجسدي ، الفردي والجماعي والأممي . وليعلم المؤمن أن الله عالم الغيب والشهادة ، هو كاشف الهم والغم الذي كتبه على المؤمن لتمحيصه . يقول الله الحي القيوم عز وجل : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) }( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 376) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ وَالْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ " . كما ورد بصحيح البخاري - (ج 17 / ص 377) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ " .
من جهة أخرى ، فإن تعذيب الكفرة الفجرة في الحياة الدنيا قبل الآخرة ، يكون بنوعين من العذاب : الأول : الإغداق الصحي والإغراق المالي . والثاني : البلاء في النفس والأهل والأموال . وتكون المصائب التي تصيب الكافرين والفاجرين ، هي عذاب رباني معجل غير العذاب المؤجل لهذه الفئة الشريرة من الناس ، على مدى العقود والقرون . يقول الله الواسع الحكيم تبارك وتعالى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}( القرآن المبين ، آل عمران ) .
وكذلك هناك عذاب شديد أليم مؤجل للمنافقين والكافرين والفاجرين ، يوم القيامة وسيخلدون في نار جهنم أبدا وبئس المصير . يقول الله القوي العزيز جل شأنه : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .

أدعية البلاء والإبتلاء

فيا أيها المؤمنون الذين يتعرضون للإبتلاء بين الحين والأخر أو الإبتلاء لمرة واحدة لا تنسوا أن ترددوا في جميع الأوقات : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) و ( الحمد لله على كل حال ) . وأكثروا من الاستغفار ، فقد جاء في سنن الترمذي - (ج 11 / ص 261) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ : " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا : .
وأدعوا بهذه الأدعية من جملة الأدعية الإسلامية المستجابة من رب العالمين :

- { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) }( القرآن الحكيم ، نوح ) .
- { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}( القرآن المجيد ، هود ) .
- { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) }( القرآن العظيم ، هود ) .
- { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)}( القرآن الحكيم ، الشعراء ) .
- { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
- { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}( القرآن العظيم ، الأنبياء ) .
- صحيح البخاري - (ج 19 / ص 461) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " .
- صحيح البخاري - (ج 18 / ص 25) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " .
- صحيح مسلم - (ج 4 / ص 475) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا " . قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ فَقُلْتُ إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَالَ أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ " .
- مسند أحمد - (ج 8 / ص 63) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا " . قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا " .
- المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 4 / ص 445) عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : دخل علي أبو بكر ، فقال : « هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه ؟ » قلت : ما هو ؟ قال : « كان عيسى ابن مريم يعلمه أصحابه قال : لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا ، فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه : اللهم فارج الهم ، كاشف الغم ، مجيب دعوة المضطرين ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أنت ترحمني ، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك » . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : وكانت علي بقية من الدين ، وكنت للدين كارها ، فكنت أدعو بذلك ، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني ، قالت عائشة : « كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها لأني لا أجد ما أقضيها ، فكنت أدعو بذلك فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا ما هو بصدقة تصدق بها علي ، ولا ميراث ورثته فقضاه الله عني ، وقسمت في أهلي قسما حسنا ، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق وفضل لنا فضل حسن » .

فيا أيها الناس ، لا تستثنوا الدعاء ، ففيه استجابة ربانية لرد البلاء والابتلاء ، فكم من عازب تزوج بعدما ظن بنفسه الفناء ، وكم من عانس رزقها الله فارس الأحلام بعد طول الجفاء ، وكم من عاقر رزقه الخالق الذرية الطيبة بعد الكثير من العناء ، وكم من مريض ومكلوم رزقه الله الصحة بعد الوباء ، فأصبح صحيح الجسم والعقل والفؤاد بلا مرض فانضم لقافلة الأصحاء ، وكم من قاصد لتجارة واقتصاد استجاب له البارئ الدعاء ، فلا تنسوا مناجاة ربكم بعد الأخذ بالأسباب والدواء ، ولتعملوا على كسب الإخوة والأصدقاء ، ولو بعد طول زمن ومكابدة وعناء . وكم من فاشل في تحصيل مال ناله بلا انتظار فسقط رزقه من السماء ، وكم من طويت له الأرض طوية فوق طوية في طواء ، فلا تبخسوا ولا تبخلوا بالاستغاثة من ربكم صباح مساء . فلا تنسوا الدعاء .. فلا تيأسوا وواصلوا الدعاء .. فأكثروا من الدعاء .. فجرا وصباحا وظهرا وعصرا ومغربا ومساء .. قياما وقعودا وعلى جنوبكم وسجودا وتوجهوا نحو السماء .. صبيانا وشبابا ورجالا ونساء .. فواصلوا الطلب من رب العباد ، لتنالوا الدرجات العلى بين الأصفياء .. فساعات الأسحار ، وبعد الصلوات المكتوبة ، وفي السجود ، ونزول الغيث ، والتحام المعارك ، وساعات العسرة والظلم والرخاء .. فلا يرد الله الدعاء .. فلا يرد القضاء إلا الدعاء .. لتنالوا درجة الصالحين الصادقين المباركين المحسنين البارين : الأولياء والاتقياء والأنقياء والأصفياء والشهداء بدرجة الأنبياء .

كلمة أخيرة .. للأصفياء والأنقياء
وأخيرا ، يمكننا القول ، إن البلاء والابتلاء في البأساء والضراء ، للكفرة والفجرة من جهة والأصفياء والاتقياء ، والمحسنين الأولياء من جهة أخرى ، هي سمة من سمات الاختبار الإلهي لجميع خلقه . فيعرف المؤمن التقي من الكافر الخفي ، ويكون جزاء وثواب ومكافأة كل واحد منهم حسب صبره وجلده ، وشكره لأنعم الله أو نكرانها ، ولكل مجتهد نصيب .
يقول الله الغفور الرحيم تبارك وتعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) }( القرآن العظيم ، يونس ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: