الخميس، 18 فبراير 2010

الإتحاد المغاربي العربي الكبير 17 / 2 / 1989 - 2010


الإتحاد المغاربي العربي الكبير

17 / 2 / 1989 - 2010

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم الوهاب جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) . وجاء في سنن الترمذي - (ج 8 / ص 70) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ " .

استهلال

صادف يوم 17 شباط – فبراير( 1989 – 2010 ) الذكرى الحادية والعشرون لإعلان ولادة إتحاد المغرب العربي ( أ م ع UMA The Arab Maghreb Union -) الذي يضم خمس دول عربية شمالية في قارة إفريقيا هي : المغرب وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا حيث وقع قادة الدول الخمس المذكورة ( الملك المغربي الحسن الثاني ، والرئيس الليبي معمر القذافي ، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي ، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد ، والرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطائع ) إعلان أو إتفاق قمة مراكش المغربية للبدء بتوحيد شمال إفريقيا العربية رغم إختلاف النظم والأنظمة السياسية فيها من الجماهيرية إلى الجمهورية إلى الملكية ، ورغم السماح بالتعددية الانتخابية أو الحزبية أو منع الأحزاب السياسية كما هو حال ليبيا .
واليوم ونحن في شهر شباط 2010 ، بعد مرور 21 عاما من ذلك الإعلان السياسي الجميل الذي ألهب مشاعر هذه المنطقة العربية المسلمة ، لا زلنا نتوق لسماع أخبار هذا الاتحاد المغاربي النظري على الأقل في الأفعال والأقوال المتعددة ولكن دون جدوى .
ومن المعلوم أنه يعيش في هذه البقعة الجغرافية العربية الإسلامية أكثر من ربع المواطنين العرب في الوطن العربي الكبير الذي يمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا ، بين قارتي آسيا وإفريقيا . وهذه الربع السكاني يعادل أكثر من 85 مليون نسمة ينتظرون الوحدة الحقيقية والابتعاد عن القبلية السياسية والشرذمة والإنقسام والخضوع للهيمنة الغربية القريبة والبعيدة ، ويتطلعون للغد المغاربي الأفضل نحو الحياة الفضلى ، للتعاون والتكافل والتكامل في جميع المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والفنية والحضارية العامة لمصلحة المواطنين وللمصلحة العربية والإسلامية العليا .

أهداف الإتحاد المغاربي

يهدف الاتحاد المغاربي العربي إلى فتح الحدود بين الدول العربية الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ، والتنسيق الأمني ، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين ، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها .
مبادئ الاتحاد المغاربي العربي
من أهم مبادئ اتحاد المغرب العربي كاتحاد كونفدرالي جزئي لا اتحادي كلي ، تمثلت بعدة أهداف وردت في اتفاقية الاتحاد وما نجم من اجتماع القمة المغربية العربية الخماسية ، في مقدمتها :
1- تمتين أواصر الإخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض وتحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها .
2- المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف .
3- نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين .
4- العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها .
وتهدف السياسة المشتركة للمغرب العربي الموحد ، إلى تحقيق الأغراض التالية :
أولا : في الميدان الدولي : تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار .
ثانيا : في ميدان الدفاع : صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء .
ثالثا : في الميدان الاقتصادي : تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.
رابعا : في الميدان الثقافي : إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف ، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء .
أجهزة الاتحاد المغاربي العربي

يتكون الاتحاد المغاربي العربي من عدة أجهزة ومؤسسات سياسية وتشريعية وقضائية واقتصادية وجامعية وعلمية ، رئاسية ووزارية وعامة ، أهمها :
أ‌) أجهزة الإتحاد : مجلس الرئاسة : يكون بالتناوب بين رؤساء الدول الخمس . ومجلس وزراء الخارجية ، لجنة المتابعة ، اللجان الوزارية المتخصصة ( لجنة الأمن الغذائي ، لجنة الاقتصاد والمالية ، لجنة البنية الأساسية ، لجنة الموارد البشرية ) ما يتبع لكل لجنة من فروع ولوائح للتطبيق على أرض الواقع .
ب‌) مؤسسات الإتحاد : الأمانة العامة ( مقرها بالرباط ) ، مجلس الشورى ( 150 عضوا بواقع 30 عضوا لكل دولة من الدول الخمس ومقره في الجزائر ) ، الهيئة القضائية ( 10 قضاة بواقع قاضيين من كل دولة من الدول الخمس مقرها في نواكشوط الموريتانية ) ، الأكاديمية المغاربية للعلوم ( التعاون بين مؤسسات البحث العلمي للبحوث العلمية والتكنولوجية مقرها بطرابلس الليبية ) ، الجامعة المغاربية ( مقرها بطرابلس الليبية ) ، المصرف المغاربي للإستثمار والتجارة الخارجية ( مقره في تونس ) .

نشيد الاتحاد المغاربي
وضع نشيد خاص للاتحاد المغاربي لتمجيد الاتحاد المغاربي والوحدة الكونفدرالية لإنشاده في المهرجانات والمناسبات القومية والوطنية ، وهذا النشيد المغاربي العربي هو من نظم ( محمد لخضر السايحي ) من الجزائر ، وموسيقى ( سمير العقربي ) من تونس :

نشيد اتحاد المغرب العربي


حلم جدي حلم أمي وأبي

حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقــة

وارفعوها فوق هام السحب
واهتفوا يحيى اتحاد المغرب
عقبة الفهري وحسان العظيم

أسّسا الوحدة من عهد قديم
وحّدا الأنساب في تاريخـنا

بلسان العرب والدين القويم
فإذا نحن لأم وأب
نضع الأيدي على الأيدي ونسير

جمّع الأوطان ماض ومصير
و مرام واحــد نطلبه

هو هذا المغرب الحرّ الكبير
مـغرب نسبته للعرب
فاحرصوا العزة فيه والإباء

واجعلوا القوة فيه مطلبـا
وازرعوا الإخلاص في كل القلوب

ليس كالإخلاص يعلى الرّتبا
وهو سرّ النصر سرّ الغلب
بالتلاقــي التآخي والوئام

نبتغي للمغرب الحرّ السلام
ونصون الحبّ في أبنائنــا

لبلاد حققت هذا المــرام
شيّدت وحدة هذا المغرب



الاتحاد المغاربي في الذكرى الحادية والعشرين
17 شباط 2010
مر يوم السابع عشر من شباط – فبراير 2010 كغيره من الأيام الخالية ، دون إلتفاته فعلية أو حقيقية ولو بسيطة لما آل إليه واقع هذا الاتحاد المغاربي النظري ، دون العملي . فمؤسسات هذا الإتحاد لا زالت غير جادة وغير مسموح لها النمو والتطور وأخذ الدور الفعال والخلاق في سماء وفضاء بالجزء العربي في شمال قارة إفريقيا السمراء ، ولا زالت دول هذا الإتحاد تهرب أو تتهرب من التطبيق الفعلي على أرض الواقع لمؤسسات وأجهزة هذا الاتحاد الذي بلغ سن الرشد الزمني ولم يتح له المجال للنمو الطبيعي المؤسسي الفعال لتحيق جزءا من آمال وأماني وتطلعات هذه الشعوب العربية الإسلامية في منطقة حساسة في العالم ، في حوض البحر الأبيض المتوسط . فقد أغفل هذا الاتحاد ردحا من الزمن ، وتطلعت قيادات هذه المجموعة العربية في شمال قارة إفريقيا ، للانخراط في اتحادات إقليمية وعالمية أخرى ، وتركت الإتحاد المغاربي ليكون في بطون كتب التاريخ ، ليس أكثر من ذلك ، وهذا ما يقض مضاجع العرب والمسلمين في هذه البقعة الجغرافية المتعددة الأهواء والهوايات والثروات الطبيعية والصناعية . فأصاب الوهن الذي طغى على سير شؤون الاتحاد المغاربي الوحدة العربية الكبرى الحقيقية بالهزال والكسل فوق هزالها . ولا زالت الحدود مغلقة بين الجزائر وليبيا إلا في بعض المناسبات ، وما فتئت الحدود الوهمية السياسية تفصل بين أبناء الوطن الواحد ، ولا زال المواطن العربي والمسلم يئن من صعوبة التنقل والعيش الكريم في ربوع هذه الجغرافية العربية الممتدة جغرافيا والمقيدة سياسيا .
وتتعدد عوامل تراجع وعدم تطور مؤسسات الاتحاد المغاربي في قارة شمال إفريقيا ، لتتركز المجالات الآتية على سبيل المثال لا الحصر :
أولا : غياب الإرادة السياسية الحقيقية للوحدة . وكل بلد في متاهاته يسبح في عالم الفضاء القطري والإقليمي والخارجي الأجنبي .
ثانيا : تناسي سنوات الثورة ضد الغزاة الأجانب من الاحتلال الفرنسي والإيطالي والإسباني والألماني ، ومحاولات التغريب الأوروبي للمواطنين العرب المسلمين في هذه الديار .
ثالثا : ضعف الضغط الشعبي الجماهيري والإعلامي على المؤسسات القطرية في كل دولة من الدول العربية الخمس ، وبالتالي طغيان القطرية على المغاربية الكبيرة ، مما ألحق خسائر جسيمة بهذا الاتحاد ومواطنيه الذي كان يفترض أن يرى النور على أرض الواقع ليجعل من هذه المنطقة الجغرافية وحدة سياسية واقتصادية شاملة وجامعة .
رابعا : التدخلات الاستعمارية الأجنبية الكبرى كالتدخلات الأمريكية والفرنسية والإسبانية والأوروبية عموما ، في دول هذا الاتحاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، والحيلولة دون تطبيقه على أرض الواقع . وذلك لتسهيل عملية الهيمنة الخارجية على البحر الأبيض المتوسط وحذف التأثير العربي الإسلامي في هذا المضمار .
خامسا : التوجهات الإقليمية الأكبر من الإتحاد المغاربي مثل الاتحاد الإفريقي ، والاتحادات المتوسطية بالشراكة مع أوروبا الاستعمارية بأوجهها الاستعمارية العصرية ، وإهمال الاتحاد المغاربي الذي لو سطع نوره لكان نواة قيادية في الوطن العربي الكبير والمنطقة الإقليمية والعالم أجمع .
سادسا : الخلاف حول الصحراء الغربية ( الساقية الحمراء ) على ساحل المحيط الأطلسي ، وخاصة بين الجزائر والمغرب ، والغريب في الأمر مواصلة سعي البعض لتجزئة المغرب ، فكيف تتفق هذه السياسة مع سياسة التوحيد المغاربية ؟ والأجدى أن يمنح شعب الصحراء الغربية الحكم الذاتي الموسع ، في ظل المغرب أولا ثم في ظل الاتحاد المغاربي الأكبر امتدادا جغرافيا واقتصاديا وسكانيا .
على أي حال ، نحن كعرب ومسلمين ، كنا نتطلع للغد المستقبلي العربي الكبير ، ليكون العرب في وحدة واحدة موحدة من أجل المصلحة العربية العليا ، والمصلحة الإسلامية الأعلى ، وذلك بالتدريج في توحيد الجغرافيا للتلامس مع التاريخ الإسلامي المجيد ، في قلب العالم أجمع ، وكان الأمل يحدونا بأن يتم توحيد العرب في إتحادات جغرافية متقاربة أولا ثم تعميمها على الوطن العربي الكبير ، وهذه الاتحادات الجزئية مثل مجلس التعاون الخليجي ، وضم اليمن له في شبة الجزيرة العربية ، والهلال الخصيب الذي يضم العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين ، ووادي النيل الذي يضم مصر والسودان ، والقرن الإفريقي الذي يضم الصومال وجيبوتي وجزر القمر بالإضافة إلى الاتحاد المغاربي الذيي يضم الدول الخمس : ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ، فالحل الأمثل الوحيد الجزئي للمرور والارتقاء نحو التوحيد الكلي للوطن العربي الكبير ليتبوأ الدور الفعال والبارز في الحياة العالمية بشتى شؤونها وشجونها .
آملين تطبيق الوحدة الفعالة في الاتحاد المغاربي العربي والإسلامي ، لينعم جميع المواطنين العرب والمسلمين في هذه المنطقة بجميع الأطياف الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية بالحياة الفضلى وفق أسس وقواعد التعاون الشامل والجامع .
فليتم تفعيل وتنشيط المؤسسات الشاملة في الاتحاد المغاربي : سياسيا وإقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وإعلاميا وفق الرؤى المستقبلية الثابتة للتطور والنمو باتجاه العلى وليس التراجع والانحدار نحو الهاوية .
يقول الله الحي القيوم عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }( القرآن الحكيم ، المائدة ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: