السبت، 2 يناير 2010

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ .. العدل في توزيع الإرث الإسلامي بفلسطين والعالم

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ..
العدل في توزيع الإرث الإسلامي بفلسطين والعالم
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله العدل الوارث العزيز الحكيم جل جلاله : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) }( القرآن المجيد ، النساء ) . ويقول الله العلي العظيم : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
استهلال

لقد عين الله عز وجل نصيب الذكور والإناث من المواريث بعد وفاة أحد الأقرباء في الأسرة أو العائلة ، كالأب أو الأم وغيرهما ، وفرض لكل واحد من الورثة نصيبا مفروضا ، غير قابل للتأويل والتحويل والتغيير ، وهذا الكلام الإلهي يجب أن يتم تطبيقه لتستقر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية بين الأقارب أولا وبين الأسر ثانيا وفي ثنايا المجتمع ثالثا ويسود السلام والأمن في البلاد بين العباد . ونرى من الآيات القرآنية الكريمة السابقة ، أن الميراث يشمل الذكور والإناث ( الرجال والنساء ) بغض النظر عن أعمارهم وسنهم ، فلكل واحد من الرجال والنساء ، صغيرا أو كبيرا ، نصيب معين ، ولا يؤخذ في توزيع الميراث عمر أو سن الرجل أو المرأة ، وليدا صغيرا ذو يوم واحد ، أو شابا ، أو مسنا ، ولكن بشرط أن يكون مذكورا ومشمولا في النظام الإرثي القرآني العظيم . والهدف من التحديد الإلهي لتوزيع الميراث بهذه الصورة هو تحقيق العدالة الإسلامية الشاملة ، والحفاظ على تماسك الأسرة والأفراد ، وبناء المجتمع الإسلامي المرصوص يشد بعضه بعضا في السراء والضراء ، وتمكين الفرد من الملكية الفردية التي يتصرف بها إن كان بالغا عاقلا . وكذلك فإن توزيع الإرث في الإسلام ، واجب للجميع دون استثناء ، بغض النظر عن قيمة هذا الميراث بمئات الدنانير أو الآلاف أو الملايين ، وسواء أكان أموالا عينية ثابتة كالعقارات من المباني وقطع الأراضي ، أو سيارات وطائرات وسكك حديدية أو محلات تجارية أو أموال سائلة نقدية في المشاريع الاستثمارية وغيرها . وتبدأ عملية توزيع الميراث حسب الأصول الإسلامية في الفئات المذكورة في القرآن المجيد ، بعد وفاة المالك للأموال بوقت قصير أو طويل حسب الظروف والمستجدات . فمثلا ، في حالة وفاة الأب ، فإنه يجب تنفيذ الوصية الشرعية الإسلامية ، وتسديد الديون على المتوفى ، وإن بقي أموال كتركة للورثة فإنه ثم يتم إخراج نصيب الزوجة الأم أو زوجة الأب أولا ، قبل توزيع الميراث على الأبناء ، ونصيب الوالد والوالدة أن كانوا أحياء ، ثم يتم تجميع الحصص الإرثية لتقسم على أرقام صحيحة ونسب صحيحة لتسهيل وتبسيط عملية التوزيع .
آلية توزيع الميراث الإسلامي في فلسطين

يتم توزيع الميراث الإسلامي في فلسطين على الورثة بإعداد ( حجة حصر إرث ) في المحاكم الشرعية الإسلامية المنتشرة في المحافظات الفلسطينية التي تتبع قاضية القضاة الشرعيين في فلسطين ( ومجلس القضاء الشرعي الأعلى ) ، وذلك بعد وفاة الشخص المتوفى ، والقيام بإجراءات مكتوبة وموثقة ، ينفذها ويتابعها أحد الورثة متبرعا ، أو بوساطة محام للعائلة ، وتحتاج لوقت زمني لا يقل عن ثلاثة شهور أو أكثر أو أقل ، وذلك على النحو الآتي :
أولا : التبليغ عن الشخص المتوفى لدى الدائرة المعنية بوزارة الصحة ، وتسليم البطاقة الشخصية ( الهوية الخضراء أو البرتقالية ) للمتوفى بعد انتهاء أيام بيت الأجر ( العزاء ) . ثم مراجعة وزارة الداخلية بعد أسبوع أو أسبوعين لتسلم شهادة الوفاة .
ثانيا : تعبئة طلب حصر إرث مطبوعا لدى كاتب المحكمة الشرعية ويشتمل الطلب على شهادة وفاة المتوفى ( الوالد أو الوالدة ) أو شهادة اثنين بوفاة الشخص المعني أمام القاضي الشرعي ، وصورة عن هوية الورثة أو الوارث مقدم الطلب
ثالثا : وضع طوابع معينة مخصصة على طلب حصر الإرث ، و التوجه لقاضي المحكمة الشرعية في منطقة الأسرة ، وتقديم الطلب للقاضي فيحوله القاضي لقلم المحكمة ويتم إجراء اللازم بشأنه . فيتسلم مقدم طلب حصر الإرث ، ورقة عن قلم المحكمة للإعلان عن وفاة المتوفى وأسماء الورثة المحتملين في بداية الأمر .
رابعا : يطلب قلم المحكمة الشرعية من الوارث مقدم الطلب أو وكيله ، تعليق نسخة من بلاغ حصر الإرث على أبواب المسجد القريب في القرية أو الحي بالمدينة أو المخيم الفلسطيني ، الذي يصلي فيه الورثة أو بالقرب من مكان وفاة الميت ، لمدة أسبوع للاطلاع والمراجعة وإضافة أسماء ورثة مفترضين إن لم يكونوا مشمولين سواء عن طريق النسيان أو حذفوا عن سبق الإصرار والترصد . ويوقع ويمضي عليه إمام المسجد في القرية أو المدينة أو المخيم بعد نهاية فترة الإعلان المسجدي .
خامسا : يتم إرجاع طلب حصر الإرث إلى المحكمة الشرعية ذاتها ، فتطلب المحكمة من الوارث أو وكيله مقدم الطلب إحضار شاهدين للتعريف بالمتوفى ، عن تاريخ الوفاة واسم المتوفى ، وأسماء الورثة ، فيوثق القاضي بنفسه أو من ينوب عنه أسماء الشاهدين رباعيا وأرقام هويتهما ، ويسألهما القاضي بنفسه عن ذلك لزيادة التأكيد وحصر أسماء الورثة . وهنا لا بد من إدراج أسماء جميع الورثة ذكورا وإناثا ، صغارا وكبارا دون استثناء . لأنه إذا لم يدرج اسم وارث من الورثة ستعاد الكرة من جديد للإثباتات وتسبب إشكالات للورثة والشاهدين هم في غنى عنها ، والحق أحق أن يتبع .
سادسا : بعد استكمال شهادة الشاهدين ، الذكرين أو الذكر والأنثيين ، حسب الإسلام ، فإن القاضي يوجه خطابا لدائرة الأراضي في المحافظة الفلسطينية المعنية ، للتأكد من وجود قطع أراضي مسجلة باسم المتوفى ، وهل هي مطابقة لاسم الشخص المتوفى فيوقعها مدير الدائرة حسب الأصول .
سابعا : تعاد معاملة حصر الإرث للمحكمة الشرعية المعنية بالأمر ، ويتم تحويلها لدائرة القلم ، وتصدر حجة حصر الإرث أصلية مطبوعة وموقعة من القاضي حسب الأصول ويظهر فيها نصيب كل من الورثة المحددين في المعاملة ، وعادة ما تقسم الحصص إلى 120 حصة ، في حالة وفاة الوالد وتركه خلفه الزوجة والأبناء الذكور والإناث ، وذلك لتسهيل منح الزوجة نصيب الثمن ( 12.5 % فيصبح نصيب الزوجة 15 حصة من أصل 120 حصة ونصيب الذكر من الأبناء 14 حصة ، ونصيب الابنة الأنثى 7 حصص من أصل 120 حصة ) . ويتم دفع رسوم مالية معينة مقابل إصدار حجة الإرث الأصلية وهي مبالغ بسيطة لا تتجاوز 10 دنانير أردنية للنسخة الواحدة . وينصح عادة باستخراج نسختين أو أكثر وتصويرهما للحاجة والضرورة المستقبلية . ويفترض توزيع نسخة من حجة حصر الإرث الصادرة رسميا عن المحكمة الشرعية ، على جميع الورثة ذكورا وإناثا .
ثامنا : في حالة وجود قطع أراضي تابعة لمناطق ( أ + ب ) الخاضعة أمنيا ومدنيا أو مدنيا فقط للسلطة الوطنية الفلسطينية ، وقطع أراضي تابعة للاحتلال الصهيوني في مناطق ج ، فيتم إصدار حجة إرث مستقلة لكل منهما ، حيث تروس حجة حصر الإرث للسلطة الوطنية الفلسطينية باسم ( دولة فلسطين ) بينما تروس حجة حصر الإرث للمناطق الخاضعة لسلطة الأراضي الإسرائيلية ب ( السلطة الفلسطينية )
تاسعا : التوجه لدائرة سلطة الأراضي الفلسطيني في المحافظة ، كنابلس مثلا أو رام الله أو الخليل أو غزة أو خانيونس وغيرها ، واصطحاب صورة عن بطاقة هوية الوارث وحجة الإرث الأصلية ليتم إصدار كواشين طابو بقطع الأراضي التي يمتلكها الشخص الميت مقابل 27 أو 22 شيكلا لكل كوشان طابو لأي قطعة من قطع الأراضي . وذلك بعد تحديد ومعرفة أرقام قطع الأراضي التي يمتلكها المتوفى عبر إحضار أرقام القطع والأحواض من البلدية أو المجلس القروي أو الجهة المختصة .
عاشرا : تطلب دائرة الأراضي الفلسطينية من مقدم طلب نقل الأراضي من اسم المتوفى لاسم الورثة الجدد مراجعة دائرة المالية والضرائب لدفع الضرائب إن كان عليها ضرائب أو رسوم مالية سابقة .
حادي عشر : العودة مجددا لدائرة الأراضي الفلسطينية ، ليتم فتح ( ملف الإرث ) الجديد وإجراء تحويل أرقام قطع الأراضي مرفقة بجميع الأوراق الثبوتية ، كواشين الطابو باسم الشخص المتوفى ، وحلف يمين لتشابه الاسم ، الثلاثي مع الاسم الرباعي ، وشهادة من البلدية أو المجلس القروي تفيد بأن الشخص المسجلة باسمه قطع الأراضي هو نفسه الشخص الوارد بشهادة الوفاة باسمه الرباعي وبراءة ذمة مالية من الدوائر المختصة
ثاني عشر : تطلب دائرة الأراضي الفلسطينية ، من مقدم الطلب إحضار وصف لقطع الأراضي من البلدية أو المجلس القروي ، مختوما بالختم الرسمي منها ، وتتولى دائرة الأراضي تقدير قيمة المتر المربع الواحد ، ثم موافقة الوارث مقدم الطلب على التقدير المالي ، وإذا لم يوافق فله أن يحتج ويطلب إعادة التقييم المالي مرة ثانية ، ولكن عليه أن يمضي ويوقع أخيرا على ما يتم تداوله من تقدير الأراضي من موظفي الدائرة ، كإجراء روتيني لنقل أملاك المتوفى للورثة .
ثالث عشر : يتم دفع الرسوم المالية داخل دائرة سلطة الأراضي بالشيكل الإسرائيلي ، وهي العملة المتداولة في فلسطين ، وهي رسوم بسيطة ، وفي حالة تقديم معاملة حصر الإرث خلال ستة شهور لدائرة الأراضي الفلسطينية فإن الورثة يعفون من دفع نسبة 1 % أو نسبة 1 في الألف من قيمة الأرضي المنقولة لأسماء الورثة الجدد إذا تمت المعاملات خلال الشهور الستة الأولى لوفاة قريب الورثة . ولكن في حالات كون قطع الأراضي تابعة لسلطة الأراضي اليهودية ( الإسرائيلية ) فإن المعاملات تتأخر كثيرا لأسابيع بل لشهور ، بسبب تحويلها لما يسمى ( دائرة أملاك الغائبين ) ويخضع الورثة لابتزاز وتحكم ضباط جيش الاحتلال الصهيوني ، والموظفين العرب العاملين في دوائر الأراضي ، ويجب التمهل والانتباه وعدم الخضوع لابتزازات الموظفين العاملين في تلك الدوائر حيث يلجأون إلى تأخير المعاملات ، مقابل الحصول على منافع مالية أو جزء من قطع الأراضي أو أشجار الزيتون أو غيرها كما يحصل في الريف الفلسطيني ذات المناطق ج . ويتم دفع نسبة رسوم مالية 1 % لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في حالة البيع أو انتقال عقارات الميت للورثة بعد مضي ستة شهور ، أو نقل العقارات ضمن دائرة الهيمنة اليهودية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية . ويتم دفع نسبة 5 % لسلطة الأراضي ( الإسرائيلية ) لمناطق ج في حالة الرغبة لنقل الميراث بعد ستة شهور أو البيع أو النقل من وراث لأخيه أو أخته أو أمه أو العكس .
رابع عشر : يتم استخراج قيود جديدة لقطع الأراضي ، وتحويل ملكية قطع الأراضي التي كان يمتلكها المتوفى ، ذكرا أو أنثى ، للمالكين الجدد من الورثة تبين نصيب كل واحد من الورثة حسب الأصول المرعية . فيوضع عليها نسب الحصص التي وردت في بيان حصر الإرث الصادر عن المحكمة الشرعية الإسلامية . ويفترض تصوير نسخ عن النسخة الأصلية عن جميع قطع الأراضي والأملاك وتسليمها لكل وارث ووارثة حتى يطمأن الجميع على حقوقه
خامس عشر : يتم الاتفاق بين الورثة لتبديل وتحويل قطع أراضي أو أملاك من الوارث الجديد لوريث آخر ، لتسهيل عملية الاستعمال والاستخدام أو البيع . وفي هذه المرحلة ينتشر الظلم الكبير حيث يجري في كثير من الأحيان هضم حقوق الإناث ، من الأخوات والأمهات وغيرهن من القريبات ، فيطلب منهن بعض الإخوة من أصحاب الضمائر المريضة ، التخلي عن حصصهن مقابل مبلغ مالي بخس دنانير ، بحجة أن ملكية الأراضي والمباني يجب أن تحول للذكور زورا وبهتانا وإفتراء لتبقى في نطاق أسرة الوالد المتوفى ، وهني دعوات جاهلية حقيرة مغرضة لا يجب التعامل معها بل محاربتها بكل الصور والأشكال . والإناث مطالبات للحفاظ على حقوقهن بعدم التنازل لإخوتهن الذكور بأي حال من الأحوال لأن نصيب المواريث حددها الله عز وجل في القرآن العظيم ، ولا يجوز لأي كان حرمان وارث آخر بالابتزاز والضغوط والتهديد والوعيد أو الترغيب والتهديد بالقطيعة وعدم التواصل الأسرى أو الزيارات وما إلى ذلك من أساليب تخويفية منحطة وسافلة للقريبات .

أبرز صور حرمان الإناث من الميراث .. اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ

ينقسم هذا الحرمان في الميراث في المجتمع ، أي مجتمع ، فلسطيني أو عربي أو مسلم أو غربي ، إلى جناحين :

أولا : حرمان الإناث من الميراث في حياة الآباء والأمهات

يلجأ بعض الآباء والأمهات لتسجيل وتوزيع أملاكهم أو جزءا منها ، عقارية من مباني وأراضي أو أموال سائلة في البنوك وغيرها ، بتسجيلها بأسماء بعض الأبناء الذكور في دوائر الأراضي على شكل صفقات بيع وهمية ، أو كتابة وصايا لأبنائهم الذكور ، أو عمل وكالات دورية لهم ، لمدة 15 سنة أو أكثر أو أقل ، وحرمان بناتهم منها في حياتهم ومماتهم ، وهذا أمر خطير جدا ، كونه يبتعد عن نظام المواريث الإسلامية ، ويسبب توليد الأحقاد والضغائن بين أبناء الأسرة الواحدة ، فتصبح العلاقات مخلخلة تذروها الرياح كلما هبت يمينا أو شمالا ، بسبب التمييز العنصري بين الذكور والإناث . وهذا ينم عن جهل مطبق يجعل بعض الورثة يكيلون السباب والشتائم للأب المتوفى أو الأم المتوفية ويكرس عملية تفضيل الأبناء الذكور على البنات وهو أمر غير سوي .وورد في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 37) بَاب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ الْآخَرِينَ مِثْلَهُ وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَعَدَّى " . وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ : " اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ " . وجاء بمسند أحمد - (ج 37 / ص 405) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ " . وننوه بهذا الصدد إلى أن الإسلام حرم الوصية لأي وارث أو وارثة ، وطلب العدل بين الأبناء ، ذكورا وإناثا . جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 280) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ " . وورد في سنن الترمذي - (ج 7 / ص 492) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ رَغْبَةً عَنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا " .

ثانيا : الحرمان من الميراث بعد وفاة الآباء والأمهات

يقوم بعض الورثة من الإخوة المتنفذين أو قل ( الزعران ) بممارسة الضغوط النفسية والابتزاز الاجتماعي على أخواتهم المستضعفات في الأرض ، لتحصيل أكبر حصة إرثية له فيطلب منهن التنازل قسرا أو طوعا بما يسمى عملية التراضي والإرضاء ، حيث يتم دفع مبالغ مالية صغيرة رمزية للوارثات مقابل تنازلهن عن حصصهن الحقيقية في الميراث الشرعي الإسلامي ، أو إجراء صفقات بيع وهمية يدفع فيها بعض الإخوة لقريباتهم فتات النقود مقابل التنازل لهم عن حقهن الشرعي الإسلامي في الميراث . وهو اعتداء سافر على حق هؤلاء النسوة وظلم كبير ، يستفيد منه الظالم وتغتصب فيه حقوق الأنثى دون وجه حق ، فيعيش الذكر في بحبوحة ورغد من العيش في المأوى والمأكل والملبس ، وتعيش الأنثى في ضيق وفقر مدقع . وهذا الأمر من الأمور ، التي يجب محاربتها ، والصحيح الأصح أن ينال كل واحد من الورثة حقه الشرعي دون نقص أو انتقاص أو بخس ، فآيات المواريث الإلهية القرآنية ، واضحة وضوح الشمس ، ولا داعي للتحايل عليها أو الابتعاد عن تنفيذ بنودها بأي حال من الأحوال . وهناك بعض الفذلكات والجدل النسوي ، فتطالب أحيانا نساء يسرن على النظام الغربي في توزيع الميراث ، يتمثل بضرورة أن تنال الأنثى نفس نصيب الذكر في الميراث ، وهذا بعيد عن الإسلام بصورة واضحة ، ويحاول تقويض النظام الإلهي المقدس ، في الإسلام الرجال قوامون على النساء ، ولهن عليهم الحقوق في كل شيء ، بينما يسود التنابذ والتنابز بين الأقارب في المجتمعات الغربية ، وكل واحد منهم لا تعنيه القرابة الاجتماعية بأي صورة من الصور بعكس الإسلام الذي يكرس صلة الرحم ويعتبرها معلقة بعرش الرحمن عز وجل . وفي فلسطين تلجأ الكثير من الطوائف النصرانية ( المسيحية ) للنظام الإسلامي لتوزيع المواريث ، سواء بالاسترشاد من أئمة المساجد أو القضاة الشرعيين أو المحاكم الشرعية الإسلامية .

الميراث الإسلامي ليس دائما للذكر مثل حظ الأنثيين
على أي حال ، يساء فهم الدين الإسلامي في العالم الغربي في معظم الأحيان والوطن العربي في بعض الأحيان ، فالأنثى لا تأخذ نصيبا ثابتا من الميراث ، بل تتعدد صور الميراث النسوية في الإسلام ما بين للذكر مثل حظ الأنثيين ، أو النصف أو الثلث أو الربع أو السدس أو الثمن وما إلى ذلك . وفي بعض الأحيان تأخذ الأنثى أكثر من الذكر ، فانظروا وتمنعوا جيدا في هذه الآيات القرآنية الكريمة : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}( القرآن الحكيم ، النساء ) .
فهذه هي آلية توزيع المواريث في الإسلام ، وردت بسورة النساء ، وهي رابع سورة قرآنية حكيمة ، ورودا بالقرآن العظيم ، لإرشاد وتدليل الناس على حسن التوزيع الإرثي الرباني ، بصورة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، في داعي لتغييبها أو الالتفاف عليها أو حولها ، وحرمان أي من الورثة ذكورا أو إناثا في حياة أو بعد ممات المالك المؤقت لهذه الأموال الثابتة أو المنقولة . ولا بد من القول ، إن تطبيق النظام الإرثي في الإسلام يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، من رب العالمين في الدنيا والآخرة على السواء . يقول الله مالك الملك ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}( القرآن العظيم ، النساء ) . فأطيعوا الله ورسوله ولا تجتازوا حدود الإسلام الحمراء دون وجه حق ، ففي التزامكم بالنهج الإلهي القويم وإطاعة الله يؤدي بكم إلى دخول النعيم المقيم بجنات الخلد وذلك هو الفوز المبين ، ولا تعصوا الله ورسوله وتتعدوا حدود الله الذي لا إله إلا هو ، لئلا تدخلوا النار خالدين مخلدين فيها والعياذ بالله من نار جهنم فتكونوا من الخاسرين خسرانا مبينا .
وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ
أيها المورثون والوارثون على السواء .. أتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، فاتقوا دعوات المظلومين والمظلومات في الأرض تحت السماوات ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب . جاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 356) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ : " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ " .
أمثلة حية على الظلم في توزيع الميراث
يسود جهل في المجتمعات العربية والإسلامية والغربية ، في مبادئ وأسس وقواعد توزيع الميراث حسب النظام الإسلامي الحنيف . فالإسلام يبدأ بتوزيع الحصص على النساء كالزوجة والأم وغيرهن من ذوي الحقوق البائنة حسب تصنيفات الورثة ، ليتمكن من تعيين حصص ونصيب كل واحد من أفراد الأسرة والأقرباء من الميراث الإسلامي ، وهذا إنصاف حقيقي لها ، ولا يحرم الإسلام المرأة من الإرث ، بأي حال من الأحوال ,والحالة الوحيدة التي يحرم فيها الوارث هي قتل المتوفى للتسريع الظالم في توزيع الميراث . فإذا رأينا ، بعض الطماعين الذين يحاولون أن يحوزوا ويفوزوا بأكبر نصيب من الميراث ، من الذين يلجأون لحرمان أخواتهم أو أمهاتهم أو زوجات آبائهم ، من الناس العاديين مسلمين أو غيرهم ، وحتى من المسلمين الذين يصلون بالصف الأول في المساجد فإن ذلك ليس عيبا في الإسلام بل العيب كل العيب والعار كل العار لهؤلاء الطماعين ، الجهلة الموتورين ، الذين يحاولون نهب وسلب أملاك وحقوق غيرهم بالابتزاز والضغوط والتجاهل والإهمال للورثة الآخرين وخاصة من الوارثات .
إرضى لغيرك ما ترضاه لنفسك
جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 21) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " . لقد لاحظت شخصيا ، أمثلة جاهلية حية ، تسير وتزحف كالثعابين في الأسر المسلمة ، في المجتمع الريفي في قرية عزموط وغيرها بمحافظة نابلس في فلسطين ، بعد وفاة الكثير من الآباء الذين بلغوا من الكبر عتيا ، أو نكسوا في الخلق وردوا إلى أرذل العمر ، حيث حاول بعض الورثة حرمان أخواتهم الصغيرات أو الكبيرات ، العزباوات أو المتزوجات أو الأرامل ، وبعضهم يصلي في المسجد ويسابق على الصفوف الأولى ، والبعض الآخر لا يدخل بيت الله بتاتا ، إلا وقت الصلاة عليه عند مماته ، حاولوا حرمان قريباتهم المنصوص لهن بالقرآن العظيم بحق الميراث الشرعي ، فبعض هؤلاء مالوا لمنع توريث أخواتهم أو زوجات آبائهم أو كليهن معا ، وقد حرمت عشرات الإناث من الميراث وفي حالات معينة ، نفذت التعاليم الإرثية الإسلامية من إخوة يعرفون ويعملون بتعاليم الإسلام ، ومدركين لبواطن التوزيع الشرعي الإسلامي للميراث رفضوا سياسة الحرمان ، وطبقوا شرع الله القويم كونه الأعدل في التوزيع ، ونفذوا حصر الإرث كما يجب أن يكون إسلاميا . وقد حدثت حوادث عدة ، توفي فيها والد زوجة بعضهم ، فتعرضوا لنفس سياسة الجهل ومحاولة الحرمان ، فأخذوا يسخطون ويخبطون الأرض ويلجأون لأئمة المساجد والشيوخ والقضاة السابقين والحاليين لإنصافهم .. فأي انفصام في الشخصية يعاني هؤلاء ؟؟ وأي جهل يمارسونه ؟ مالهم كيف يعيشون ويسيرون ويحكمون ؟؟؟ الحق أحق أن يتبع ، وما تحبه لنفسك أحبه لإخوانك المسلمين !!! . فالقرآن الحكيم ، كلام الله المقدس ، هو أعدل العادلين في التوزيع الإرثي والحياتي ، فالله هو خالق الخلق أجمعين وهو أعلم بخلقه ، فقرر التوزيع العادل للميراث وما على الجميع إلا تنفيذ بنود الدستور الإلهي الخالد أبد الدهر ليعيش الجميع سعداء حمداء متعاونين متكاتفين ، في أرض الله الواسعة ، يمتلكون المال العيني والنقدي لفترة مؤقتة لينتقل لورثتهم من بعدهم . وحدثني بعضهم ، أحاديث خاصة ، ممن حرموا أخواتهم العازبات والمتزوجات ، أنهم نادمون على فعلتهم القبيحة عندما فعلوها عن جهل وسفاهة وظلم ، حيث أنهم عندما باعوا بعض قطع الأراضي ، بأثمان غالية الثمن ، فإن ثمنها الباهظ ذهب هباء منثورا فلم يستفيدوا منه شيئا ، فمنهم من مرض ودفع مبلغا كبيرا من المال للإنفاق على المرض ومنهم من تزوج ولم ينجب أبنائه بفعل دعوة المظلومات من أخواته الكثيرات . وممن حرم قريباته من الميراث الإسلامي ، باع جزءا من أرضه بثمن بخس ، وأنفقه في متاهات الحياة الدنيا ، في الملاهي وشراء السيارات الفارهة ، فأصبحت كومة من الحديد السكراب أو باعها بأبخس الأثمان .. فاتقوا الله يا عباد الله في تطبيق شرع الله .
لماذا يحرم الأخ أخته أو أمه أو أخاه ؟
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}( القرآن العظيم ، النساء ) .
يلجا بعض الناس من ذوي النفوس المريضة ، والأفعال والأقوال القبيحة ، باستخدام الطريق الأعوج المعوج ، طريق الشيطان الرجيم ، لحرمان أمه أو أخته أو زوجه أبيه أو إخوته اليتامى الصغار ، من الميراث الإسلامي ، الذي تركه لهم الوالد المتوفى لعدة مبررات واهية باطلة بطلانا مطلقا من أبرزها :
أولا : الإدعاء بأنه الأحق والأقدر على الاحتفاظ بمال الأسرة أو مال أبيه . لأنه يحمل اسم الأسرة بينما تحمل أخته المتزوجة من قريب أو غريب تحمل اسم عائلة ثانية في آخر اسم عائلتها بعد زواجها .
ثانيا : الابن الوحيد بين عدة أخوات : حيث يدعى هذا الوارث أنه وحده ذكرا وبقية الورثة أمه وأخواته من الإناث ، وهو أحق بالميراث منهن لأنه ينفق عليهن . وهو إدعاء سخيف مثل مدعية لأنه لا ينم إلا عن جهل برزق الله لجميع خلقه .
ثالثا : مناصرة أقربائه المنافقين له ، لحرمان زوجته من ميراث أبيهم عندما يتوفى .
رابعا : العادات والتقاليد القبلية الجاهلية السابقة .
خامسا : الإدعاء بأنه أكبر إخوته وأخواته ، وهو الآمر الناهي في الأسرة بعد وفاة أبيه .
سادسا : وجود الإخوة والأخوات الصغار اليتامى بعد موت والدهم ، فهو يحرم اليتامى دون وجه حق بدعاوى الإنفاق عليهم .
سابعا : تأخذ البعض العزة بالإثم والعدوان فيستولى على أموال الورثة الآخرين .
وبهذا عليك أيها الإنسان ، أن تكون حكيم نفسك ، وتحاسب نفسك قبل أن يحاسبك الآخرون ، وقبل أن يحاسبك الله العدل العظيم في الدنيا والآخرة بيوم الحساب العظيم .
حرمان قاتل أبيه وأمه من الميراث
حسب الدين الإسلامي ، يحرم من الميراث الإسلامي الشخص المجرم ، ذكرا أو أنثى ، قاتل أبيه أو أمه بقصد تسريع الميراث أو لعقوقهما . جاء في مسند أحمد - (ج 1 / ص 333) قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ لَوَرَّثْتُكَ قَالَ وَدَعَا خَالَ الْمَقْتُولِ فَأَعْطَاهُ الْإِبِلَ " . حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ أَخَذَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ قَالَ ثُمَّ دَعَا أَخَا الْمَقْتُولِ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ دُونَ أَبِيهِ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ " .
كلمة أخيرة .. أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ
وأخيرا ، نقول ، رحم الله الأموات ، الذين ورثوا أبناؤهم وبناتهم وزوجاتهم أموالا عينية ثابتة وأموالا منقولة ، ورحم الله الموتى المتوفين الذين لم يورثوا دينارا أو متاعا أو أرضا أو عقارا لأنه رزقهم كان كفافا أولا بأول وكذلك رحم الله الموتى الذين خلفوا ديونا عليهم فواجب تحملها على الورثة وفق نسبة كنسب حصص الميراث إن أمكن ، وساعد الله المسددين لديون آبائهم وأمهاتهم فهم ممن يمارس بر الوالدين أحياء وأمواتا وجزائهم الجزيل عند رب العالمين . فاتقوا الله يا أيها الناس حق تقاته ، وينبغي أن يتذكر الجميع أن الملك لله الواحد القهار ، فهو مالك يوم الدين ، ولن تغني أموال الدنيا عن الحياة الآخرة بأي حال من الأحوال ، ويجب أن ينال كل ذي حق حقه ، دون غموض أو إبتزاز من أحد الورثة ، فالموت كاس سيمر على كل الناس عاجلا أو آجلا ، وكما ورثنا من آبائنا وأمهاتنا ، فإن أولادنا سيرثوننا لاحقا ، وأحفادنا سيرثون آبائهم أيضا وهكذا هي حلقة الميراث والوراثة في الإسلام ، ولكن الأرض يرثها الله العدل الوارث العزيز الحكيم . فالعدل والوارث هما اسمين من أسماء الله الحسنى ، ويجب أن نتبع العدل والعدالة فيما بيننا ، وأن نوزع المواريث الدنيوية حسب الإسلام كما رضيها الله الوارث لنا ، والله هو الذي يرث الأرض ومن عليها . يقول الله الوارث الحكيم جل شأنه : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)}( القرآن المجيد ، مريم ) . وما تقوم به القبائل في الوطن العربي أو غيره من بقاع العالم ، من حرمان السلاليات من حق امتلاك قطع الأراضي هو باطل بطلانا مطلقا ، وعليهم إعادة المظالم إلى أصحابها . وإعلموا أيها الناس .. أن من يرث الفردوس الأعلى هو الوارث الحقيقي ، وليس من يرث الأموال الفانية الزائلة ، التي ورثها عن والديه ، أو أقاربه ، أو حازها بنفسه أو بواسطة غيره . يقول الله الحميد المجيد عز وجل : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}( القرآن الكريم ، المؤمنون ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: