الخميس، 14 يناير 2010

جزيرة هاييتي والزلزال الكبير 2010

جزيرة هاييتي والزلزال الكبير 2010

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}( القرآن المجيد ، الزلزلة ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 146) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ " .

إستهلال

جزيرة هاييتي ( هايتي Haiti ) في بحر الكاريبي ، جنوب قارة أمريكيا الشمالية ، كانت مستعمرة إسبانية ، ثم مستعمرة فرنسية ثم ألحقت بالحماية الأمريكية . وتبلغ مساحة هايتي حوالي 27.750 كم2 ، أكثر من مساحة فلسطين الكبرى بقليل . وعاصمة البلاد هي بورت أو برانس . ويبلغ عدد السكان حوالي 9 ملايين نسمة والسواد الأعظم منهم من الزنوج السود والهنود الحمر . ويتكلم السكان الفرنسية والهايتية . ويدين السكان بالمسيحية إذ يشكل الروم الكاثوليك 80 % و16 % من البروتستانت وديانة الفودو ، وبها أقلية مسلمة يتركزون في عاصمة الجزيرة بورت أو برانس .

زلزال كبير بجزيرة هاييتي الصغيرة

ضرب زلزال جغرافي قوي عنيف بقوة 7.3 درجة على مقياس ريختر جزيرة هاييتي وسط البحر الكاريبي جنوبي قارة أمريكا الشمالية في ساعة متأخرة من يوم الثلاثاء 12 كانون الثاني – يناير 2010 . واستمرت الضربة الكبرى دقيقة واحدة فقط تلتها ضربات زلزالية إرتدادية أصبح بعدها حوالي 3 ملايين شخص يشكلون ثلث سكان جزيرة هايتي ، ما بين قتيل وجريح ومشرد في عاصمة البلاد ( بور او برنس ) والمنطقة المحيطة المجاورة تحت أنقاض الزلزال الكبير . وقد هدمت معظم الأحياء والبيوت بصورة كاملة كما دمر القصر الرئاسي ومقر البرلمان الوطني ومدارس ومستشفيات ومبان حكومية وأهلية خاصة ، وبعثة الأمم المتحدة في هايتي ، وانقطع التيار الكهربائي والاتصالات الهاتفية ، وأصبح الجميع في ( حيص بيص ) لا يدرون ماذا يفعلون . وهرعت فرق الإسعاف والدفاع المدني من البلاد والعديد من بلدان العالم والمنظمات الدولية ، التي هبت لنجدة المنكوبين بهذه الكارثة الطبيعية التي حلت في الجزيرة ودولتها الفقيرة . والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل هذا زلزال طبيعي عادي ؟ أم أنه زلزال بفعل تفجيرات نووية في البحر الكاريبي ؟ فالأيام القادم ستثبت السبب الحقيقي وراء هذه الكارثة الكبيرة التي حلت بالشعب الهايتي جنوبي قارة أمريكا الشمالية .
والمتجول في شوارع عاصمة هايتي يرى الجثث الملقاة على الأرصفة والشوارع والأحياء وتحت الأنقاض وتتعالى الصيحات من الجرحى من الأطفال والنساء والكبار في السن والشباب ، تحت الهدم والردم والبعض الآخر من المواطنين المكلومين يفتش عن أسرته وأقربائه ، فترى فيها القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ، ما ترى لهم من باقية .

العبر والعظات من الزلازل

على العموم ، إن الزلازل أو البراكين أو خسف الأرض الباطني هي بمثابة قيامة صغرى ، والفزع الأصغر ، ترشدنا ليوم الفزع الأكبر ويوم القيامة العظمى ، التي ستأتي حتما بصورة لا شك فيها . فالقيامة الصغرى دليل وبرهان جغرافي وبشري عما سيحدث يوم الضربة الأخيرة القاضية ، تمهيدا لتجميع البشر بين يدي الله المحيي المميت سبحانه وتعالى عما يشركون ويصفون وجزاءهم بالحساب الأوفى .
على أي حال ، يمكننا استخلاص العبر والعظات الكبرى بل العظمى ، من هذا الزلزال المدمر الكبير بالقرب من مثلث الرعب الكاريبي ( مثلث برمودا ) ، كالآتي :

أولا : ضرورة أن يكون الإنسان مستعدا للموت في أي لحظة ، لأن الأجل محتوم فلا يستأخر الإنسان ولا يستقدم ساعة . فكل بداية لها نهاية ، فالوضع الآمن سرعان ما ينقلب إلى وضع شائن بين لحظة وأخرى . وفي الزلزال تبرز ثنائية متناقضة تتمثل في الاستمرار في مسيرة الحياة والانتهاء والالتحاق بمسيرة الموت ، علما بأن شخصين يكونان في مكان واحد فهذا يعيش ويبقى لإكمال عمره الذي حدده له البارئ عز وجل ، وهذا ينتزع ملك الموت عزرائيل روحه من جسده فينضم لقافلة الأموات ، لإنتهاء أجله المكتوب ، فسبحان الله المحيي المميت ، وسبحان ذي الملك والملكوت ذي العزة والجبروت الحي الذي لا يموت ، وهي علامة من علامات قدرة الله الحي القيوم جل جلاله لتوضيحها وتبيانها كالشمس في رابعة النهار لبني الإنسان .

ثانيا : الإستعداد المثالي الحقيقي للموت يكون بالإيمان بالله الواحد الأحد ، لكي لا يموت كافرا والعياذ بالله الحي القيوم من الكفر والكافرين الملحدين .

ثالثا : الزلازل عذاب دنيوي معجل غير مؤجل لأناس محددين أو منطقة جغرافية معينة . حيث تنقلب التضاريس الجغرافية رأسا على عقب ، وتخرج الأرض جزءا من باطنها ، لتعذيب أناس كفرة فجرة فيصيبهم الذعر والخوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات . يقول الله السميع العليم عز وجل : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}( القرآن العظيم ، النحل ) .

رابعا : إبتلاء للمؤمنين لصلاة ربهم ورحمته عليهم وتبيان المهتدين منهم ومنح بعض المسلمين مرتبة الشهداء : وقد تكون الزلزال إبتلاء من الله العلي القدير للمؤمنين وإنهاء لحياة أناس تمنوا نهاية الحياة الدنيا للدخول من أبواب الحياة الآخرة ، فيثاب الصابرون والمسترجعون . يقول الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن المبين ، البقرة ) . وصاحب الهدم في الإسلام هو من الشهداء الذين عند ربهم يرزقون . فقد ورد في صحيح البخاري - (ج 3 / ص 42) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " .

خامسا : ضرورة نجدة الآخرين المنكوبين والملهوفين نقديا وعينيا بكافة السبل المتاحة ، من هذا العقاب الدنيوي الصغير . فإذا أنقذنا هذا العدد المحدود من الملايين من تبعات الهول والفزع الأصغر فمن ينجي مليارات مليارات الناس من الأقوام والقرون الحالية والخالية من الكفرة الفجرة من العذاب الأليم بعد يوم الحساب العظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين .

سادسا : ضرورة الاستعداد ليوم الرحيل الفردي أو الجماعي ، والإيمان بسورة الزلزلة في القرآن الحكيم . فإذا وقع زلزال كبير بهذه المنطقة الصغيرة ، فما بالكم بالزلزال الإلهي العظيم الذي سيضرب الأرض حين تزلزل الأرض بمساحتها قاطبة زلزالها العميق النهائي وتخرج الأرض أثقالها من جميع المخلوقات الحية ؟ كما يقول الله العلي العظيم عز وجل : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}( القرآن المجيد ، الزلزلة ) . فإذا وقع الزلزال الأرضي العظيم وأخرجت الأرض ما في باطنها ، يتساءل المرء عن السبب والمسبب ، فتأتي أنباء أو أخبار الأرض والبشرية جمعاء منذ بدء الخليقة وحتى ساعة الإنذار والضربة النهائية لليابسة والماء على السواء ، سواء بسواء ، ويعلم حين ذاك الإنسان إن الزلزلة القادمة لا ريب فيها كانت بإيحاء إلهي عظيم ، حيث يتفرق الناس فرقا وزرافات وزمرا وجماعات وأفواجا تلو الأفواج ليشاهدوا صفحات حياتهم من المحسنين والمسيئين ، فذلك يوم القيامة ، لينال كل إنسان حسابه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، والله نسأل أن نكون من أصحاب الميمنة لا من أصحاب المشئمة ، لنأخذ النتيجة الصالحة وندخل جنات النعيم .

سابعا : الزلازل هي من العلامات النبوية المبشرة بقرب قيام الخلافة الإسلامية في الأرض المقدسة . وكثرة الزلازل القوية في مختلف أنحاء المعمورة ، وتزايد الحروب والمشاحنات وإنتشار الفتن الدنيوية تدلل على قرب قيام الخلافة الإسلامية في بيت المقدس بالأرض المقدسة ( فلسطين ) ، فلنتفكر في الحديث النبوي الشريف قبل خمسة عشر قرنا من الزمن . فقد ورد في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 68) حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي ضَمْرَةُ أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ فَقَالَ لِي بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ قَالَ عَلَى هَامَتِي ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ " . فها هي الزلازل تتزايد عاما بعد آخر ، وتنتشر الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن في شتى قارات العالم ، وهذا نذير من النذر الأولى لبني آدم أجمعين ليعودوا إلى جادة الصواب بعد الغفلة والتجاهل والإهمال في عبادة الله خالق الخلق أجمعين .

ثامنا : تحقيق كلام الله الأزلي المقدس . فتفكروا في كلام الله المقدس ، في عملية الإنهاء الحتمي للبشرية ، قرى ومدن وجزر ويابسة ، حيث يقول البارئ عز وجل : { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) }( القرآن العظيم ، الإسراء ) .

أهوال زلزال يوم القيامة

وغني عن القول ، إن الزلزلة الربانية القادمة التي أنبأنا عنها رب العالمين ، هي حتمية ونهائية ، لا تقتصر على الكرة الأرضية فقط ، بل تشتمل على السماوات والأرض والنجوم والكواكب وغيرها ، فتمثل الفزع الأكبر ، فيطوى الرب السجل كما يطوى سجل الكتب . يقول الله الواحد القهار جل ثناؤه : { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}( القرآن المجيد ، القيامة ) .
وبناء عليه ، فيا أيها الناس لا تكونوا من الفئات اللوامة ، التي تلوم غيرها ، فلوموا أنفسكم قبل أن تلوموا غيركم ، واعتبروا يا أولي الألباب قبل فوات الأوان . فأفيقوا من غفلتكم واستعدوا ليوم الرحيل المبين ، بالأعمال الطيبة الصالحة ، وعدم أخذ حقوق الآخرين ، فقد رأيتم العقارات من الأراضي والممتلكات عبر شاشات التلفزة كيف سويت بالأرض ، وتطايرت سيارات في الشوارع وساد الغبار الأبيض المنطقة ، وأصبح الإنسان هائما على وجهه في جزيرة صغيرة لا يملك إلا نفسه وروحه ، وأصبح مجردا من جميع أمواله التي كد وتعب في تجميعها ؟ وكل همه هو النجاة من الزلزال المدمر ليقي نفسه الهدم والردم الذي حل بلحظة صغيرة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة . يقول الله الحكيم الخبير تبارك وتعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}( القرآن الحكيم ، الأنعام ) .

دعاء نبوي لإتقاء شر الزلازل

وأخيرا ، لقد كان المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء لحفظه من الخسف والزلازل ، كما جاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 269) لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَقَالَ عُثْمَانُ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي " . قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي الْخَسْفَ .
فلا تخافوا يا معشر الناس من الزلازل والبراكين ، بل خافوا من الله العلي القدير الحميد المجيد في الدنيا والآخرة ، وكونوا من الأتقياء المحسنين الأبرار ، لتنالوا رضى الله الرحمن الرحيم الغفور الشكور ، وتدخلوا جنان النعيم المقيم في الفردوس الأعلى إن شاء الله رب العالمين .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: