الخميس، 31 ديسمبر 2009

الجدار الفولاذي الثلاثي الأبعاد ضد قطاع غزة


الجدار الفولاذي الثلاثي الأبعاد

ضد قطاع غزة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)}( القرآن المجيد ، الحشر ) .

استهلال

اشتد الحصار العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل والجامع على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هاشم ، الجناح الجنوبي الغربي من فلسطين ، بفعل الاحتلال الصهيوني منذ ستة عقود من الزمن ، وتزايد الضغوط المتعددة الأشكال والمذاقات المرة من الجارة الشقيقة مصر ضد أهل فلسطين المحاصرين في قطاع غزة منذ إنتفاضة الأقصى المجيدة ضد الاحتلال والمحتلين الصهاينة ومن والاهم ودعمهم من إمبراطورية الشر الأمريكية ومن دار في فلكها الدنيوي الشرير .
وللعلم تبلغ مساحة قطاع غزة 363 كم2 ، ويعيش في هذه البقعة الفلسطينية المحاصرة حوالي 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 5.3 مليون فلسطيني يعيشون في فلسطين الكبرى المحتلة وهو مفصول عن الضفة الغربية بحوالي 200 كم . وهذا القطاع كان تابعا للإدارة المصرية ما بين الأعوام 1967 – 1994 ، بعدما وقعت اتفاقية الحكم الذاتي في 13 أيلول 1993 ، وألحقت ما نسبته 63 % من مساحة قطاع غزة بمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، ( غزة وأريحا أولا ) وبقيت نسبة 37 % فيما يعرف بالمناطق ج التابعة أمنيا ومدنيا للاحتلال الصهيوني . وفي أيلول 2005 إنسحبت قوات الاحتلال الصهيوني بقيادة أرئيل شارون رئيس الحكومة الصهيونية سابقا ، من 21 مستعمرة استيطانية يهودية بسكانه البالغ عددهم حوالي 7 آلاف مستوطن وجندي يهودي وأطلق على المناطق المحررة ( المحررات ) وهي المستوطنات اليهودية السابقة . ومنذ ذلك الحين تتم محاصرة قطاع غزة بشكل دقيق بطرق شتى ، من الجهات الأربع البرية والمائية بالإضافة إلى الجهة العلوية عبر الطائرات الحربية والأقمار الصناعية الهادفة للتجسس على أهل قطاع غزة الفلسطينيين .

جدران فلسطين ..
الشائكة والاسمنتية والفولاذية


لقد تم تهجر أهل فلسطين الكبرى عدة مرات ، بالطرق الإرهابية السرية والعلنية ، على شكل لاجئين خارج فلسطين ونازحين داخل أرض الوطن الفلسطيني العزيز ، كأن أولاها : أيام نكبة فلسطين والاقتلاع الكبير في صيف 1948 ، وثانيها في صيف 1967 ، وثالثها في شتاء 2008/ 2009 ولا زال أكثر من حوالي مائة ألف فلسطيني يعيشون بين السماء والطارق بسبب العدوان الصهيوني قبل عام تقريبا وهدم بيوتهم وتشريدهم دون ذنب اقترفوه . وقد عانى قطاع غزة من العنجهية والوحشية العدوانية الصهيونية ، الكثير الكثير ، فتم تجميع مئات آلاف الفلسطينيين من مختلف المدن والقرى الفلسطينية ، في بقعة جغرافية صغيرة ولم يتركوا بحالهم بل تلاحقهم قوات الاحتلال الصهيوني بشتى الأسلحة البرية والبحرية والجوية ، في ظلم ثلاثي الأبعاد .
على العموم ، تحاصر قوات الاحتلال الصهيوني برا وبحرا وجوا قطاع غزة ، فمن الغرب على ساحل البحر الأبيض المتوسط تربض البوارج الحربية والزوارق العسكرية الصهيونية ، وتمنع أهل قطاع غزة من الصيد والتجارة والسياحة في المياه الإقليمية الفلسطينية ، ومن الشمال والشرق أحاطت قوات الاحتلال الصهيوني قطاع غزة بالأسلاك الكهربائية الشائكة ، وجوا تم تدمير مطار غزة الدولي بقذائف الطائرات الحربية الصهيونية ، وتقوم طائرات الاحتلال بطلعات جوية متكررة يوميا ، ليل نهار ، وبذلك أغلقت المنافذ الجوية لقطاع غزة هاشم الأشم ، منذ انتفاضة الأقصى الباسلة ، وبقيت جهة قطاع غزة الجنوبية مع الحدود العربية المصرية ، وعبر معبر رفح المغلق معظم أيام السنة إلا في حالات نادرة جدا لمعونات الإغاثة الغذائية الشحيحة ، أو للدراسة أو الاستشفاء أو الحج بشق الأنفس . وفي موسم الحج الماضي 1430 هـ / 2009 ، اتصلت بي حاجة ممنوعة من السفر ، بصفتي مسؤولا عن شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) لتسألني بشأن الحجاج الفلسطينيين المائتين العالقين على حدود غزة ، بين رفح وسيناء ، ما مصيرهم ، بسبب الإغلاق المصري لمعبر رفح ليتمكنوا من دخول مصر والذهاب لتأدية مناسك الحج ، ولكن المعبر الوحيد كان مغلقا فلم يتمكنوا من أداء مناسك الحج لهذا العام ، فمن يتحمل ذلك يا ترى ؟ بالتأكيد النظام المصري هو الذي يتحكم بالمعبر اليتيم ؟
إنني أعلم علم اليقين أن الشعب العربي المسلم في مصر لن يرضى عن هذه التصرفات الرسمية المصرية القهرية الفولاذية تجاه أبناء جلدته من أهل غزة هاشم ، فكلنا في الهم شرق ؟
وقد درج أهل قطاع غزة المرابطين كأسلوب من أساليب الدفاع الشرعي عن النفس إلى حفر الخنادق والأنفاق الأرضية من جهة قطاع غزة الملاصقة مع صحراء سيناء العربية المصرية ، وقامت قائمة الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة مطالبة مصر بسد هذا المنفذ الأرضي السري باتجاه سيناء . فنصبت حواجز التفتيش المصري أحيانا بآلاف الجنود المصريين ، والمشتركة أحيانا أخرى بدعم أمريكي وصهيوني ، وجرت مراقبة حدود قطاع غزة الصغيرة البالغة 13 كم جوا ، ودمرت طائرات الحرب الأمريكية الصنع إف 15 وإف 16 العديد من الأنفاق الأرضية السرية غير المكشوفة ، ووضعت خطة إرتجاج أرضية لتدمير الأنفاق ، فهبط عشرات الأنفاق الأرضية ، واستشهد عشرات الفلسطينيين الذين زاد عددهم عن المائتين خلال السنتين الماضيتين ، جراء بحثهم عن رزقهم من خبايا الأرض عبر الأنفاق السفلية ، في تحد غير مسبوق للاحتلال الصهيوني ووحشيته وعنجهيته المجرمة اللئيمة .


غزوة رفح جديدة لاحقة

ورد في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 309) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
في 20 كانون الأول – ديسمبر 2008 نظم أهل غزة غزوة رفح ضد الجدار الشائك بين قطاع غزة وصحراء سيناء ، ودخاوا عنوة بعد تفجير الجدار الاسمنتي والجدران الشائكة ودخول أرض سيناء العربية بشكل غير مسبوق حيث دخلت الجموع الفلسطينية بما يعادل 700 ألف فلسطيني ، خلال عدة أيام متصلة غير منفصلة ، وكان الفرج لعدة أيام تسوق فيها الغزيون من مختلف محافظات قطاع غزة ، من الأسواق المصرية في العريش والسويس ومدن مصرية أخرى استقبلتهم العابرين الجدد بالترحاب ، ووصل عشرات الآلاف منهم للقاهرة وبقية المدن المصرية مما حدا بقوات الأمن المصرية لوضع حواجز لمنع دخول الفلسطينيين للقاهرة .
وبعد الإغلاق الرسمي لمعبر رفح ، الرئة الصغيرة الفلسطينية الوحيدة للعالم ، من الجانب المصري بضغوط أوروبية وصهيونية وأمريكية ، بحجج أمنية والاتفاقيات المعقودة بين حكومة الاحتلال الصهيوني والحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصى ، عاش أهل قطاع غزة حياة الذل والهوان والإذلال فبحثوا عن الأنفاق الأرضية لتعويض جزء من حياتهم الطبيعية للتواصل المتصل مع مصر الشقيقة ، والشعب المصري الأبي .
وفي خريف 2009 ، خضعت الرئاسة والحكومة المصرية للإبتزاز الأمريكي والصهيوني المطالبين بضرورة إغلاق المنافذ الأرضية البدائية على الحدود الفلسطينية – المصرية ، بين قطاع غزة وصحراء سيناء ، علما بأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات اقتصادية سنوية بملياري دولار لمصر ، وبهذا فقد خضعت مصر الرسمية للضغوط الأمريكية والصهيونية ، ولجأت إلى تنفيذ عدة خطط لمنع دخول الفلسطينيين عبر باطن الأرض والتزود بالغذاء والكساء والألبسة ، وما يطلقون عليه الأسلحة الخفيفة لصد العدوان الصهيوني المتكرر على قطاع غزة دون رادع أو حتى تلويح علني أو سري مصري أو عربي أو إسلامي للذود عن حياض قطاع غزة المستباح صهيونيا . فجربت مصر إجراء سيول مائية على الحدود الفلسطينية – المصرية المشتركة ولكنها فقدت فعاليتها ، واقترح تسيير شبكة مجاري صرف صحي على الحدود المشتركة ولم تجد فعليا ، فالعبقرية والأيدي الفلسطينية أقوى من الخطط الجهنمية المصرية والصهيونية والأمريكية ، ففشلت تلك الخطط ووئدت في مهدها .

جدار بارليف جديد ..
الجدار الفولاذ الثلاثي لإبقاء الحصار الظالم


وفي فترة ما بين شهور : رمضان المبارك وذو القعدة وذو الحجة السابقة ، عيدي الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك 1430 – 1431 هـ / أيلول تشرين الثاني وكانون الأول 2009 م ، جرى التخطيط لنصب الجدار الفولاذي ( الحديدي ) الرادع على أرض الحدود الفلسطينية - المصرية بعمق يتراوح ما بين 20 – 50 مترا تحت الأرض للحيلولة دون دخول الفلسطينيين عبر الأنفاق الأرضية إلى الأرض المصرية ( صحراء سيناء ) في تحد جديد فرضته السياسة الثلاثية : الأمريكية – المصرية – الصهيونية ، بدعم مالي أمريكي كامل ، عبر المعونات العينية والمالية لمصر ، وخطط لقوة هذا الجدار الفولاذي لتكون بمثابة قوة ( جدار خط بارليف الصهيوني ) على قناة السويس المصرية ، الذي اخترقته القوات المصرية والعربية والفلسطينية في 6 تشرين الأول – أكتوبر 1973 ، وأصبح من مخلفات التاريخ المعاصر .

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

وغني عن القول ، إن الجدار الفولاذي نصب وأتم منه المرحلة الأولى ، وبقيت المراحل اللاحقة ، الفولاذية والمائية والكهربائية والإسمنتية وما يواكبها من خطط شيطانية إبليسية رجيمة . وفي حال إتمام بناء هذا الجدار الفولاذي على الحدود الفلسطينية – المصرية بطول 13 كم ، فسيعمل هذا الجدار على تقييد حرية الفلسطينيين الأرضية ، ولا يمكنه منعها بأي حال من الأحوال ، مهما وضعت من خطط استراتيجية وتكتيكية ، لأنه لكل فعل رد فعل مساو في المقدار ومعاكس له في الاتجاه .
فيا أهل مصر الرسميين ، لقد دعمتم بناء الجدار العنصر الفاصل بين محافظات فلسطين ، فلسطين المحتلة 1948 والضفة الغربية ، منذ عام 2001 بالاسمنت المصري ، وها أنتم تدعمون الآن بناء الجدار الفولاذي السميك والعميق ، مالكم لماذا هكذا تتصرفون وتسيرون باتجاه الجحيم ؟؟ ! أليس منكم رجل رشيد ؟ لا تلهثوا خلف الصليبيين الضالين والمغضوب عليهم في العالمين .
ونقول بالفم الملآن ، واللسان الطنان ذو البيان ، بلسان عربي مبين ، والسواعد السمراء المفتولة ، لمن خطط ومول وبنى ونفذ ، إن قدرتكم بسيطة أمام قدرة الله الواحد القهار ، وصفائح الفولاذ سيحمى عليها في نار جهنم لتكوي جباهكم وجنوبكم ، وظهوركم ، إن لم تتوبوا وتتراجعوا عن غيكم الأكيد الوليد ، لحبكم الذهب والفضة والدولار ، وستكون وبالا على حامليها وناقليها ومصمميها وواضعيها ومموليها وناصبيها ، وسيرتد مكرها وقهرها على نحورهم قريبا إن شاء الله تبارك وتعالى ، بقدرة الله العزيز الحكيم الذي لا إله إلا هو . يقول الله علام الغيوب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}( القرآن المبين ، التوبة ) .
فرغم الخطط المحكمة لمحاصرة قطاع غزة فإن أهل غزة هاشم المظلومين ، سينفذون لصحراء سيناء والنقب جنوبا وشرقا ، لأنهم أهل حق يدافعون عن أنفسهم ، وأما أهل الباطل الذين يغلقون منافذ غزة البرية والبحرية والجوية فسيغلبون في بضع شهور أو سنين ، عاجلا أو آجلا ، فالظلم ساعة والعدل إلى قيام الساعة . فأطمأنوا يا أهل قطاع غزة إن النصر مع الصبر ، وقد لاح إنبلاج فجر الحرية والخلاص من الظالمين ، يقول الله العزيز الحكيم عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)}( القرآن المجيد ، الأنفال ) . فسيأتيهم مطر السماء بالعذاب الأليم ، فالله يمهل ولا يهمل .

كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ

فلئن أغلقتم أيها الطغاة البغاة في الأرض المقدسة عموما وقطاع غزة خصوصا وما حولها ، فإن الذهنية الفلسطينية قادرة على إختراق جدرانكم الهشة ، البرية الاسمنتية والحديدية والفولاذية وجدرانكم المائية ، والتصدي لطائراتكم الحربية ، والزمن سيدور كالدولاب السريع ، ودوام الحال من المحال هكذا أعلمنا الله خالق الخلق أجمعين ، وعلمتنا قرون التاريخ الخالية ، فأسالوا أنفسكم ما بال القرون الأولى الخالية أين ذهب أممها وطغاتها وأباطرتها ، إنهم ذهبوا مع الريح وأصبحوا تحت الأرض فلم تعد لهم باقية . يقول الله الحي القيوم جل شأنه : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}( القرآن الحكيم ، المائدة ) .

أضرار الجدار الفولاذي على قطاع غزة

يقول الله العلي العظيم جل وعلا : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}( القرآن العظيم ، الحج ) .
فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ، أفتى أهل الحل والعقد والشورى المسلمين ، بتحريم بناء الجدار الفولاذي بين مصر وقطاع غزة ، كونه يسبب الألم الشديد لأهل قطاع غزة ، ويخنق الأرض والشعب ، ويغلق نوافذ أو أنفاق أرضية بسيطة صغيرة بدائية ، فتحت على المواطنين الفلسطينيين للضرورة القصوى والحاجة الماسة . كما ان قطاع غزة لا يشكل أي نوع من الخطر على مصر العربية ، ورغم ذلك فلا زالت المراحل لاستكمال بناء الجدار الفولاذي مستمرة ، ولا حياة لمن تنادي ، والشعب المصري عامة ، والجامع الأزهر خاصة ، ضد محاصرة الأهل في قطاع غزة مهما كانت الأسباب والظروف . فكيف لا ينصر أهل مصر الطيبين إخوانهم في قطاع غزة الذين هدمت بيوتهم ، ومساجدهم ، ومحلاتهم واستشهد وجرح أبناؤهم بفعل العدوان الصهيوني المتواصل ، وحوصروا من جميع الجهات حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وهم أهل العزة والكرامة والبشارة الكريمة . فصدرت فتوى شرعية إسلامية ، من ثلة طيبة من علماء الأزهر الشريف والدكتور الشيخ يوسف القرضاوي ، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، سبقهم في ذلك ، تحرم بناء الجدار الفولاذي المصري ظاهريا والأمريكي والصهيوني فعليا ، بحجة الحفاظ على الأمن القومي المصري ؟؟ فهل يا ترى من مقومات الأمن القومي المصري إحكام الحصار على الفلسطينيين المرابطين الصابرين في السجن الكبير المتمثل بقطاع غزة هاشم الأبي ، وأهله الأباة الصابرين على السراء والضراء ؟؟ ما لكم كيف تحكمون ؟؟ ثم أين البدائل لفك الحصار المضروب على قطاع غزة الذي تشاركون به ؟؟! يا ليتكم تعيشون في سجن كبير كسجن قطاع غزة المحكم ! سترون الحياة الكئيبة الضنكى إقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ونفسيا ، ولولا الإيمان الفلسطيني الراسخ القوي لأهل قطاع غزة ، لخرجوا وهربوا خارج فلسطين بل خارج مصر أيضا ، ولكن مبادئ الصبر والمصابرة والمرابطة في أرض الرباط المقدسة ، هي التي تعطي بوارق الأمل الكبير للتصدي والتحدي للطارئين الغرباء عن الديار الفلسطينية الذين تجمعوا من كل حدب وصوب لاحتلال الأرض المقدسة ( فلسطين ) أرض الآباء والأجداد .

طرق الأمن والأمان بإعادة المظالم لأصحابها ..
انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا


جاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 283) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ " .
وكما يعلم الجميع ، من أولي الألباب ، إن توفير الاستقرار والأمن والأمان لا يكون ببناء الجدران العدوانية سواء الجدران الكهربائية الشائكة حول فلسطين الكبرى من جميع الجهات أو الجدران الشائكة من الأسلاك الملتوية كعقول وضمائر ناصبيها ، أو الجدران الاسمنتية كالأفاعي المتلوية حول الضفة الغربية ، أو الجدران الفولاذية جنوب قطاع غزة الصامد رغم الجراح . بل يكون الأمن والأمان بإعادة المظالم إلى أصحابها الأصليين وتمكينهم من العيش الحر الكريم كبقية الشعوب في العالم ، لا المراوغة والخداع ونصب المكائد والدعاية الكذابة على الناس ؟؟
ومن مقومات الأمن القومي المصري الداخلي والخارجي هو أن تكون عمقا استراتيجيا لأهل فلسطين الأصليين ، وأن تكون أرض الكنانة مناصرة لهم ، لأنهم مظلومين ومستضعفين في الأرض ؟ وهل سأل المخططون الاستراتيجيون المصريون أنفسهم ، لماذا يلجأ إخوانهم أهل قطاع غزة لحفر الأنفاق ؟ فالجواب سهل وبسيط ، لأن الضرورات تبيح المحظورات كما يعلمنا الإسلام العظيم ، وعملية حفر الانفاق الأرضية متعب وشاق ، ولكن ليس هناك بدائل عملية وفعلية تغني عن هذا النفق الأرضي الصغير الذي يجد به الفلسطيني متنفسه من باطن الأرض لا من فوقها بسبب انتشار الظلم والظلام والحرمان والقهر الشامل والجامع ، وظهور الفساد والمفسدين والسفهاء في الأرض ، فيلجأ الفلسطيني لتعويض جزء من حقه بحفر الأنفاق ، فتأتي الجرافات المصرية لتهدم وتردم هذه المنافذ الأرضية الصغيرة على رؤوس أصحابها المغلوبين على أمرهم ؟؟ فلم يعد يسلم الفلسطيني البوائق والخذلان من جاره الرسمي المصري . فقد جاء في مسند أحمد - (ج 8 / ص 25) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالُوا وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيث " .

كلمة أخيرة

وختاما ، لا بد من تغليب المصلحة الفلسطينية العليا ، والمصلحة العربية العليا ، والمصلحة الإسلامية الأعلى على المصالح الفرعونية القطرية الضيقة ، فأفيقوا يا بناة الجدران الفولاذية والاسمنتية ، وأفتحوا منافذ قطاع غزة البرية والبحرية والجوية ، لتنالوا رضى الله في الأرض والسماء ، في الدنيا والآخرة ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فهذه الجدران ظالمة كل الظلم للمستضعفين الفلسطينيين العرب المسلمين في الأرض المقدسة يا أهل مصر الطيبين . والشعب المصري مدعو لنصرة أهل قطاع غزة ، والأخذ على يد الداعين لبناء الجدار الفولاذي اللعين . وكما جاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 161) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " .
وبشرى للمستضعفين في الأرض ، فإن الجدار الفولاذي لا يغني عن الحق شيئا ، وسيزول كما زال خط بارليف الأكبر منه ، والأوسع منه . وسيزول كما زال جدار برلين الأشق منه ، ولن يكون أقوى من جدار المنطقة الخضراء في بغداد ، ولن يكون كالجدران بين المكسيك والولايات المتحدة . فيا أهل مصر العزيزة انصروا غزة ، ولا تخذلوها بحق رب العزة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: