الاثنين، 7 ديسمبر 2009

الفساد والمفسدون في العالم .. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ

الفساد والمفسدون في العالم ..

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ..

وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . وجاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " .

إستهلال

بادئ ذي بدء ، الفساد هو الزيغ عن الحق وإتباع الباطل ، وإرتكاب الخطايا والآثام والإستيلاء على حقوق الغير بلا حق ديني أو سند قانوني ، وتجميع السيئات من الأقوال الباطلة والأفعال القبيحة ، والفساد هو استبدال الخير العام بصناعة الشر العام . ويعتبر الفساد من الآفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية الشاملة ، حيث أنه بمجرد دخوله لمجال معين من المجالات يترك الآثار السلبية المدمرة على الفرد والجماعة والشعب والأمة ، أية أمة من الأمم في العالم .
ويختلف العلماء على تفسير معني ومصطلح كلمة الفساد ، فالبعض يعتبر الفساد هو السلوك الاجتماعي غير السوي ، والبعض الآخر يعتبر الفساد المتعدد الأشكال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية ، والبعض الثالث يعتقد أن الفساد يمثل المكر والخداع والهيمنة غير المشروعة ، على البشر والشجر والحجر . وهناك من يجمع بين كل هذه المعاني والكلمات أو يضيف عليها بعض الكلمات والتعابير .
والفساد يطرق العديد من الوسائل والطرق الخبيثة الملتوية الماكرة والخادعة ، وأحيانا يتقمص الفضيلة والنبل والأخلاق السامية والقيم العليا ، ويظهر غير ما يبطن ، ويسر غير ما يعلن ، وكل ذلك لجب المنافع وإرساء المضار المباشرة أو السرية غير المباشرة ضد الغير والاستحواذ على المركز والجاه الاجتماعي والامتلاء الاقتصادي ، عبر تسخير المؤسسات والشركات والأشخاص لخدمة هدف معين ، وهو هدف فاسد ، يستخدمه الفاسدون والسفهاء والخبثاء والماكرون ، بالاستهواء والترغيب والترهيب ، لتحقيق ما يصبو إليه الشخص الفاسد أو البؤرة الفاسدة ، أو الزمرة السفيهة ومن يلف حولها ، ويسعى الشخص الفاسد ، ذكرا أو أنثى ، لتحقيق مآربه وأهدافه بالتناغم أو التنسيق أو التعاون معها .
وفي الآونة الراهنة ، ينتشر الفساد بشتى أنواعه وأصنافه في معظم دول العالم في السواد الأعظم من الوزارات والمؤسسات والشركات والمنشآت والمصانع والمدارس والجامعات والجيوش ، ليلقي بظلاله الحزينة والكئيبة على حياة عموم الناس .

أبرز أشكال الطرق الفاسدة

جاء في مسند أحمد - (ج 16 / ص 112) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " .
وهناك عدة طرق فاسدة لجأ ويلجأ إليها الفاسدون عبر التاريخ البشري ، ومن أهمها :
أولا : الفساد السياسي : عبر تسخير القوانين والمعاهدات والدساتير لخدمة فئة معينة تسيطر على الأوضاع السياسية العامة في البلاد . وتشمل مظاهر الفساد السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية فينغص الفساد الحياة السياسية في البلاد ويقزم الأحزاب السياسية . وهذا النوع من الفساد هو أعلى مراتب الفساد العالمي لأنه يتبعه فروع وأجنحة فساد تابعة له . فإذا فسد الرأس فإن جميع أجزاء الجسد تتداعى وتخضع للفساد والمفسدين ، وإذا عم الفساد في البلاد فقد حق عليها القول والعذاب من رب العالمين . وبهذا فإن الفساد السياسي له تأثير قوي وبالغ الحساسية على مجمل الحياة العامة للشعب والأمة ، والأقليات .
ثانيا : الفساد الاقتصادي : بتسخير جميع أجنة الاقتصاد أو بعضها لمنافع فئة معينة في المجتمع ، تمسك بزمام الاقتصاد المحلي أو الإقليمي أو العالمي ، وتعيث فسادا وإفسادا ، وتغرق البلاد والعباد بالديون والابتزاز الشامل والجامع . وتتحكم في هذا النوع من الفساد طغمة أو لوبي أو جماعات مصالح معينة ، في مصير الاقتصاد بفروعه الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية والسياحية وما ينجم عنها من معاملات مالية . ومن ابرز ملامح الفساد الاقتصادي : الرشاوى المالية ، والربا الاقتصادي ، والغش في البضائع والسلع ، والاحتكار ، والتلاعب بالأسعار والموازين وتطفيف الموازين والمكاييل ، ومعاملة البشر كعبيد ، وغيرها من الأشكال .
ثالثا : الفساد الاجتماعي : وذلك عبر نشر وانتشار الانحلال الأخلاقي والقيمي ، شخصيا وعبر الفضائيات والانتر نت ووسائل الإعلام الأخرى ، ويشمل الفساد حالات التمييز العنصري والغش بشتى صورها وأشكالها ، والرشاوى وما يسمى بهدايا المصالح ويضم الفساد الاجتماعي لحاشيته الزنا واللواط والسحاق والكبائر والموبقات ، والنفاق والكذب والعصيان ، وعقوق الوالدين ، وتسلط القوى على الضعيف وغيرها من الأشكال .
وتتجمع صور الفساد الرئيسية في حرمان الأمم والشعوب من تقرير مصيرها ، وبث الإباحية بين البشر ، وقتل الناس وسفك دمائهم ، وهدم بيوتهم ، وإقتلاع أشجارهم ، والإعتداء على حرمات البيوت ، وهتك الأعراض ، والتدمير الاقتصادي المتعدد الأوجه والأشكال ، والتزوير والتزييف العام والخاص للحقائق ، والرشاوى والإغراءات المادية والعينية والجنسية ، وكل ذلك بهدف الهيمنة العامة ونهب وإمتلاك مال الغير والسيطرة على الأمم والشعوب ، وأمتلاك الثروات الطبيعية كالذهب والمواد الخام ، والنفط وغيرها .
وتتبوأ إمبراطورية الشر الولايات المتحدة الأمريكية ، عن جدارة وإستحاق وسبق الإصرار والترصد ، المركز الأول في الفساد والمفسدين في العالم ، حيث تعيث فسادا وإفسادا في مختلف أنحاء الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها بالرشاوى والترغيب والترهيب الاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي والإعلامي ، ويساندها في ذلك دول ما تسمى الدول الثماني الكبار ، التي تمارس كل منها طريقتها الخاصة في نشر الفساد في الأرض ما استطاعت إلى ذلك سبيلا . ومن أنجح السبل الاستعمارية في بث الفساد هي وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية للتشجيع على الملكية والتمليك الاقتصادي والربح المادي غير المحدود ، عبر إفتعال ونشر الفتن والحروب الأهلية وشن الحرب النفسية على ما يطلق عليهم الأعداء .

الفساد في الوزارات والمؤسسات في العالم

ينتشر الفساد في معظم الوزارات والمؤسسات في العالم ، بدرجات متفاوتة ، وبنسب مختلفة ولعوامل وأسباب شتى ، والفساد المنتشر في القطاع الحكومي العام يكون أكثر تأثيرا من الفساد الموجود في القطاع الخاص حسب الاستفتاءات والاستطلاعات للرأي العام في شتى دول العالم . ومن أمثلة مظاهر الفساد الوزاري والمؤسساتي الآتي :
أولا : التسيب الوظيفي ، وعدم الإلتزام بمواعيد العمل وإنخفاض الإنتاجية .
ثانيا : وضع الأشخاص غير المؤهلين في الإدارات المتوسطة العليا ، بالإرتكاز على المحسوبية والرشاوى والشللية والاستزلام .
ثالثا : السرقات من الممتلكات العامة ماليا وعينيا .
رابعا : الاستهلاك المفرط في الممتلكات العامة .
خامسا : التمييز في دفع الأجور والترقيات الإدارية ، والتنكر لحقوق الآخرين .
سادسا : إستخدام المركبات العامة للاستعمال الشخصي بعد أوقات الدوام الرسمية ، وكأن المركبة ملكا شخصيا لمن يسوقها .
سابعا : الإفراط في أنظمة الثواب والعقاب .

الفساد في الجامعات في العالم

ينتشر الفساد في مؤسسات التعليم العالي المتوسطة والعليا ، من الكليات والمعاهد العليا والجامعات التي تمنح مختلف الدرجات الجامعية ، ومن مظاهر الفساد الجامعي العالمي :
أولا : الاختلاط بين الجنسين ، الذكور والإناث ، وما ينجم عنه من فساد أخلاقي واجتماعي . وانتشار الفواحش كالزنا ومثيليي الجنس .
ثانيا : التلاعب بالعلامات الجامعية : وتظهر مظاهر الفساد في هذا المجال من قبل بعض الأساتذة ، حيث يتم التمييز للصالح الحزبي أو العشائري أو التمييز بين الطلبة الذكور والإناث ، وتفضيل الإناث لدى البعض أو العكس أحيانا أخرى .
ثالثا : ابتزاز الطلبة للأساتذة والمحاضرين ، عبر التهديد والوعيد والتخويف ، أو تقديم خدمات معينة ، وإجبار بعض الأساتذة من ذوي النفوس المريضة والضعيفة على منح طلبة متنفذين علامات مرتفعة علما بأنهم لا يستحقونها .
رابعا : إبتزاز بعض الأساتذة للطالبات ، وهذه ظاهرة عالمية .
خامسا : التمييز في دفع الأجور بالعملات المختلفة ، والتمييز في الترقيات الإدارية والأكاديمية بين العاملين من ذوي الشهادات المتشابهة .
سادسا : التدخلات الحزبية في الشؤون الجامعية للضغط على الإدارات أو الهيئات الأكاديمية والإدارية والطلبة ولكن بدرجات مختلفة .
سابعا : التوزيع غير السوي للبعثات والمنح والقروض الجامعية .
ثامنا : منح شهادات جامعية مزيفة لطالبيها بالمال .

الفساد في الاقتصاد ( الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والخدمات )

تكثر عمليات الفساد الاقتصادي في الأجنحة الاقتصادية المختلفة ، في القطاعين العام والأهلي والتعاوني والخاص ومن أهمها :
أولا : الغش في الإنتاج والتسويق والتوزيع .
ثانيا : الإحتكار للسلع والبضائع .
ثالثا : الاستهلاك المفرط لوسائل الإنتاج والزائد عن الحد .
رابعا : التمييز في الأجور والتأخر في دفعها للعاملين ولأصحاب البضائع .
خامسا : التنكر لحقوق العاملين القانونية والدينية في المصنع والمنشآت الاقتصادية .
سادسا : عدم الإلتزام بمواعيد الدفعات المالية .
سابعا : تقديم السلع المشابهة رديئة الجودة ، كبدائل السلع عن السلع الأصلية .
ثامنا : تفضيل الأجانب على الأشقاء من أبناء الأمة الواحدة في التشغيل .
تاسعا : أكل حقوق الميراث للإخوة والأخوات والأيتام والأرامل والأقارب . يقول الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .

نتائج وآثار الفساد

ينتشر الفساد البشري في اليابسة في الجبال والسهول والهضاب والأدوية ، والبحار والبحيرات الأنهار والمحيطات ، كما انتشر الفساد الجوي بعد اختراع الطائرات والأقمار الصناعية .
يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) }( القرآن المجيد ، الروم ) .
وغني عن القول ، إنه في حالة استشراء ظاهرة ومظاهر الفساد في الأرض ، فإن لعنة الله وغضبه وعقابه وعذابه سيحلان بالفاسدين ، إن عاجلا أو آجلا ، والله يمهل ولا يهمل . إلى ذلك يشير الله الواحد القهار : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) }( القرآن العظيم ، الإسراء ) . وتشتمل مظاهر الفساد البشري شتى أصناف الحياة ، وتؤدي على الهلاك والبوار ، وعدم التقدم والإزدهار .

مؤتمرات الشفافية ومكافحة الفساد العالمي

تنظم حكومات أو وزارات أو هيئات ومؤسسات وجمعيات مكافحة الفساد المؤتمرات والندوات والمهرجانات ، وورش العمل ، في شتى العواصم في العالم وبأزمنة متقاربة أو متباعدة . ولا نبالغ القول إن قلنا ، إن بعض هذه المؤسسات التي تدعي مقاومة الفساد هي ذاتها تمارس الفساد ولكن بطرق خفية أو علنية وتعتبرها طرقا سوية ونزيهة وشرعية ، وهذه مهزلة المهازل ، فشمس الحقيقة لا تغطى بغربال . ومما يزيد الطين بله ، تكليف بعض الفاسدين لتصحيح الأوضاع وممارسة وتطبيق سياسة الإصلاح الشامل والمتكامل ، وفي مبدأ ( فاسد يبث الفساد ويدعو للإصلاح ) وهذا يؤدي إلى حماية الفساد والمفسدين ويضفي شرعية قانونية ومظلة دستورية عليهم . وكثير من الأحزاب السياسية تدافع عن المفسدين فيها ، وفق سياسة حزبية فئوية وقبلية بغيضة ومقيتة ، مما يساهم في تدهور الأوضاع ومضاعفة الفساد أضعافا مضاعفة دون وجه حق . ويتعرض الساعين لمكافحة الفساد إلى الملاحقات من جماعات المصالح والطغاة البغاة والمتنفذين في شتى أجهزة الدول في شتى قارات العالم بل إن بعض المصلحين المعروفين بالبر والتقوى والإحسان يتهمون بأنهم فاسدين ، فتنقلب الأمور رأسا على عقب .
وهناك منظمة تدعى ( منظمة الشفافية الدولية ) أعلنت في تقريرها لعام 1430 هـ / 2009 م ، وكشفت بأنه ينفق على الرشاوى ( المالية والعينية ) حوالي 40 مليار دولار سنويا في العالم ، في القطاعين العام والخاص ، وذلك بغية الحصول على الخدمات والتنمية . وتحتل دول قارة إفريقيا المرتبة الأولى في الفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، بينما تحتل الدول الغربية كالولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الروسي المرتبة الأولى في الفساد العسكري والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي . حيث تمارس الدول الفاسدة عسكريا في قارتي أمريكا الشمالية وأوروبا شتى أساليب الهيمنة والسيطرة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة على الأمم والشعوب في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وتذيق أهل هذه القارات وشعوبها الويلات المتعددة الأصناف من العذابات الجسدية والنفسية والانهيارات الاقتصادية وغيرها ، وفق منطق ( شريعة الغاب ) المستشرية في العالم التي يأكل فيها القوي الضعيف .


الوصايا الإسلامية للوقاية من الفساد والمفسدين

يقول الله الحي القيوم سبحانه وتعالى : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) }( القرآن المجيد ، القصص ) .
كما رأينا في الآيات الكريمة السابقة ، ضرب الله عز وجل مثلا لبني البشر ، قارون من قوم نبي الله موسى عليه السلام ، في مصر ، حيث طغى وبغى ، فنصحه قومه بإتباع سبل النزاهة والسوية والسير على الصراط المستقيم ، وعدم اللجوء إلى الفساد ، والتوجه لرب العالمين ، وإبتغاء الدار الآخرة ، وعدم نسيان نصيبه في الحياة الدنيا ، واتباع الإحسان كما أحسن الله إليه بمنحه الأموال الضخمة ، ففضل الدنيا على الآخرة ، فهلك وخسف الله به وبدراه الأرض ، ولم يفضل دار الخلود الأبدي ، لأن الآخرة خير وأبقى ، فرفض نصيحة قومه فكان جزاء الفساد الهلاك والتدمير النفسي والاقتصادي .


ثمود والإكثار من الفساد

يقول الله العظيم الحليم عز وجل : { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}( القرآن الحكيم ، الفجر ) .
كما ضرب الله مثلا آخر للناس ، وهي قصة ثمود الطغاة البغاة ، الذين نشروا الفساد واستزادوا منه ، فكانت النتيجة الإلهية الحتمية وهي صب العذاب الأليم وإنزاله بهؤلاء القوم الفاسدين والمفسدين في الأرض ، وجعلهم عبرة لغيرهم من الأقوام والأمم عبر التاريخ ، وذكرهم بأن نتيجة الفساد وخيمة جدا وهي الإنهاء والعذاب الأليم من رب العالمين .
وبهذا فإن المسلم يجب أن يسلك الصراط السوي في الدنيا ليجتاز الصراط المستقيم في الآخرة ، فيتوجب عليه أن يبتعد عن الفساد والمفسدين والسفهاء والعابثين بخيرات البلاد والعباد ، وينبغي عليه أن ينهى عن الفساد . يقول الله السميع العليم جل شأنه : { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) }( القرآن العظيم ، هود ) .

الإصرار على الفساد ..

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ

إن المفسد في الأرض ، يعلم علم اليقين ، إنه فاسد ومفسد في الأرض ، فالكافر يعلم أنه يمارس الفساد في الأرض ، فمثلا ، إن معاقر الخمر يعلم أنه على خطأ لأنه يضيع عقله وماله دون فائدة ، فيصبح يهذي هذيانا ، ومتعاطي المخدرات يعرف أنه على ضلال وفساد ، يضر بنفسه وبغيره من البشر ولكن هذين الصنفين يعتبران نفسيهما على صواب ، لينالا من ملذات زائلة ، ومتاع دنيوي فاني . ومن مظاهر وصور وأشكال الفساد الديني ، الكفر بالله الواحد القهار ، وإتباع النزوات والشهوات والإبتعاد عن الفطرة البشرية . وهناك فئة ضالة ومضلة ، تمارس الرذائل والفساد والأخلاق السافلة ، وتدعي أنها على صواب وغيرها على باطل ، فهذا هو قمة الفساد ، فهم كالنعامة التي تغطي رأسها في الرمال ويبقى جسدها خارج التراب ، وتظن أنه لا يراها أحدا ، فهذا غباء مضاعف . يقول الله الحميد المجيد جل ثناؤه : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}( القرآن المبين ، البقرة ) .
سبل مكافحة الفساد العالمي

هناك العديد من الطرق والوسائل للقضاء على الفساد أو على الأقل تحجيمه ، ومن أهمها :
أولا : الرقابة الإلهية : بالشعور أن هناك يوم الحساب للثواب أو العقاب ، وهذه الرقابة من أشد صرامة لدى المؤمنين . يقول الله اللطيف الخبير : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)}( القرآن العظيم ، ق ) .
ثانيا : الرقابة الإعلامية : عبر مراقبة وسائل الإعلام ، ونشر مظاهر الفساد والتشهير بها للحد منها وتحجيمها ، وجعل الفاسدين عبرة لأولى الأبصار والألباب .
ثالثا : الرقابة البرلمانية : يفترض أن يقوم البرلمان بمراقبة عمل الأشخاص والوزارات والمؤسسات وغيرها ومحاسبتها عبر الاستجواب والمساءلة البرلمانية .
رابعا : الرقابة القضائية : بمقاضاة الفاسدين ، أمام المحاكم المختصة وإصدار الأحكام بالسجن أو الغرامات المالية أو كليهما .
خامسا : الرقابة الشعبية : من أفراد الشعب والمؤسسات والجمعيات التي تنادي بالنزاهة والشفافية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها .
سادسا : الرقابة الذاتية أو صحوة الضمير ولو بعد حين . جاء في سنن الترمذي - (ج 8 / ص 499) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " . قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا " . وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : " لَا يَكُونُ الْعَبْدُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ " .
سابعا : الرقابة الداخلية : وخاصة في الوزارات والمؤسسات والجمعيات الخيرية وغيرها .

وهذه الوسائل الرقابية السابقة ، قد تكون مجتمعة أو متفرقة ، وقد تكون فعالة وفاعلة ، وقد تكون هزيلة ليس لها دورا كبيرا ، ورغم هذا وذاك فإن الفساد يستشري في الكثير من المجتمعات المنحلة أخلاقيا ، والمستهترة اقتصاديا والظالمة سياسيا ، والمهيمنة عسكريا والباغية والطاغية في كافة شؤون الحياة الدنيا . وترتكز مظاهر الفساد والبذخ والترف لدى الأثرياء المسرفين وجماعات الضغط والأحزاب السياسية ، وتكثر مظاهر الفساد أيضا لدى الفقراء حيث يلجأ بعضهم للسرقة والدجل والنفاق ، بينما يكثر الفساد والنفاق وسوء الأخلاق في البارات والملاهي الفاضحة والمواخير الليلية وغيرها .
وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد الديني ، هي من مظاهر الإيمان في الإسلام ، يقول الله عز وجل : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}( القرآن الكريم ، آل عمران ) . كما يقول الله تبارك وتعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) }( القرآن العظيم ، التوبة ) .
ويقول الله العليم الخبير : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}( القرآن المجيد ، الحج ) .
وبهذا فإن تمكين الله للفئة المؤمنة في أرض الله الواسعة ، يساعد في القضاء على الفساد ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتطبيق شرع الله في جميع الأحوال والحالات البشرية . ويعتبر المجتمع المسلم الذي يطبق الإسلام ، من أنقى المجتمعات البشرية ، حيث يخلو من الفساد والفاسدين أو يكاد ، وتظهر مظاهر الإلتزام الإسلامي بكل ما في الكلمة من معنى .
وختاما ، نورد هذه الآيات القرآنية المجيدة للتذكير والذكرى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}( القرآن المبين ، هود ) .
عافانا الله جميعا وإياكم من الفساد وحبائله وأجنحته وشياطينه ، وألهمنا سبل الرشاد وهي سبل أهل الحكمة والموعظة الحسنة وإتباع درب الحسنات والابتعاد عن درب السيئات والمنكرات والكبائر والموبقات . { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .

نترككم في أمان الله ورعايته .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: