الاثنين، 30 نوفمبر 2009

أهلاً وسهلاً بحجاج بيت الله الحرام .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ .. حجا مبرورا .. وسعيا مشكورا

أهلاً وسهلاً بحجاج بيت الله الحرام ..

الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ ..

حجا مبرورا .. وسعيا مشكورا


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .

تشهد هذه الأيام عودة قوافل وأفواج حجاج بيت الله الحرام التي إنطلقت متوجهة من الأرض الفلسطينية المباركة ، من أرض أولى القبلتين وثاني المسجدين الشريفين ، من أرض المسجد الأقصى المبارك وأكناف بيت المقدس ، إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة ، لتعود وقد أدت ركنا هاما من أركان الإسلام الخمسة ألا وهو الحج إلى بيت الله الحرام وممارسة الشعائر الدينية الإسلامية التي نص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على إتباعها من أجل أن تكون هذه العبادة ، عبادة حية خالصة لوجه الله تعالى . يعود الحجاج وقد ذكروا الله كثيرا ، في البقاع المقدسة ، وتخلصوا من المعاصي والآثام ، واقترن المسلم منهم باسم الحاج فلان أو الحاجة فلانة عن جدارة واستحقاق إسلامي فيجب الحفاظ على هذه الكنية الدينية المقدسة .
وللحج معنيين اثنين لا ثالث لهما : أولهما لغوي ، حيث يعني الحج في هذا المعنى القصد إلى معظم ومقدس وقيل حج البيت لأن الناس يأتون في كل سنة مرة واحدة . وثانيهما : هو المعنى الشرعي حيث يعرف بأنه قصد البيت العتيق أو الكعبة المشرفة في مكة المكرمة في الديار الحجازية للزيارة والنسك على وجه التعظيم ، تعظيم الله تعالى بأفعال مخصوصة ومميزة وفي أشهر معلومة ومحددة هي شوال وذو القعدة عشرة من ذي الحجة استجابة لأمر الله عز وجل وإبتغاء مرضاته وطمعا في مغفرته وحسن ثوابه ونيل جناته .
والحج من أركان الإسلام الخمسة ، فرض على كل مسلم ومسلمة إن استطاع إليه سبيلا ، حيث يقول الله عز وجل : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) . ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 400) : " مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " . كما ورد بصحيح البخاري - (ج 5 / ص 398) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ " . وجاء في مسند أحمد - (ج 29 / ص 7) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ قَالَ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ " . وورد بمسند أحمد - (ج 49 / ص 442) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَخْرُجُ نُجَاهِدُ مَعَكُمْ قَالَ : " لَا جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ وَهُوَ لَكُنَّ جِهَادٌ " .
فالحج واجب فرض على المسلم المقتدر من الناحيتين المادية والجسمية . والحج عبادة تنتظم من الإنسان ، قلبه وبدنه وماله ، وتعود عليه بالفائدة حيث يقول الله عز وجل : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}( القرآن الحكيم ، الحج ) .


فوائد الحج

للحج عدة أهداف وغايات وفوائد دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، أهمها :
أولا : الناحية الدينية : يطوف المسلمون حول الكعبة المشرفة لا فرق بين عربي وعجمي أو إيراني وباكستاني وصيني أو سوفياتي ، ويتجمعون في جبل عرفات ومنى والمزدلفة ، والمشاعر المقدسة ، والبيت العتيق ، ويسعون بين الصفا والمروة ، وغيرها من المناسك في الحج ، ويرددون أذكارا ودعوات متطابقة ، وبهذا فالمسلمون سواسية كأسنان المشط .
ثانيا : من الناحية الاقتصادية : يتوجه مئات آلاف الحجاج من شتى بقاع العالم ، مستخدمين وسائل النقل الجوي والبري والبحري ، إلى الديار الحجازية بشبة الجزيرة العربية ، وهو تنشيط الحياة الاقتصادية في البلاد ، ويذبح الحجاج المسلمون الذبائح التي تسمى الأضاحي في عيد الأضحى المبارك – عيد الحج – تقربا لوجه الله تعالى ، وبعد الانتهاء من موسم الحج والحجيج توزع بقايا الذبائح على الفقراء والمحتاجين في السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى . وكذلك يمارس جزءا كبير من الحجاج التجارة قبل وبعد موسم الحج .
ثالثا : من الناحية السياسية : يأتي المسلمون من كل فج عميق ومن كل أصقاع المعمورة من الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب إلى الديار الحجازية المقدسة حيث يتوافدون على هذه البقعة من العالم وفي أغلب الأحيان يربو عددهم على مليوني حاج وحاجة يأتون من مختلف الدول بقاراتها الست وبأنظمتها المختلفة والمتنوعة من ديكتاتورية وديموقراطية واشتراكية ورأسمالية وإسلامية ، فيأتون يتدارسون في شؤون دينهم ودنياهم . ففي الحج يجتمع المسلمون حيث تجمعهم رابطة إسلامية واحدة وهدف واحد موحد ويرددون بصوت عال كما جاء صحيح البخاري - (ج 5 / ص 445) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ " . تجمعهم الإخوة والمحبة والتعاون فلا كراهية ولا بغضاء بينهم بل صفاء ونقاء في الروح والوجدان .
وبعد قضاء الحجيج الفترة المحددة والمعينة في الديار الحجازية في العربية السعودية في أم القرى ، مكة المكرمة ، في المسجد الحرام وعلى جبل عرفات وغيره من المشاعر المقدسة ، وفي مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( المدينة المنورة ) ، يأتي ويعود الحجاج إلى أوطانهم وأراضيهم وأنفسهم زاخرة ومليئة بذكر الله وعبادته حيث يتعبدون آناء الليل وأطراف النهار تقربا لوجه الله تعالى وطمعا في نيل رضوانه ومغفرته ودخول جنات النعيم .
وقديما عندما كان الحجاج ينوون أو يتوجهون إلى الكعبة المشرفة كانوا يلاقون صعاب وعقبات كثيرة خاصة وأنهم يستخدمون طرق وأساليب المواصلات التقليدية كالجمال والجياد ( الخيول ) للوصول إلى البيت العتيق ، فكانوا يمضون أوقاتا طويلة من أجل زيارة الكعبة وممارسة شعائرهم الدينية . وفي أيامنا هذه ، فقد تيسر تقدم التنقل من بلد لآخر بغض النظر عن بعده أو قربه ، فساعد تطور المواصلات في تسهيل الاتصال بالعالم الخارجي ولعبت دورا فعالا وحاسما ، فساعد تطور المواصلات الحجاج في عدة أمور من أهمها : تخفيض التكاليف المادية ، ووفرت في الوقت من الناحية الزمنية ، ومكنت المسنين والكبار في السن والنساء من الحج في اقل جهد ممكن مما يساهم في راحتهم النفسية والجسدية ، فالسفر في الطائرة يختصر الوقت إلى حد كبير ، وكذلك السفر عن طريق البر في الباصات المكيفة عمل على تقليص الوقت .
وعند عودة الحجاج إلى الأرض الفلسطينية المقدسة ، يستقبلهم الأهل والأصدقاء بالترحاب والفرح والسرور حيث تتزين أبواب البيوت وتعلوها اليافطات المعدنية والقماشية بعبارات تهنئ الحجاج لمناسبة أداءهم فريضة الحج وعودتهم سالمين ( أهلا وسهلا بحجاج بيت الله الحرام ) . وهناك من الناس من يبالغ في الإعدادات والاستعدادات لإستقبال الحجاج ، فتزين البيوت بمصابيح الكهرباء الملونة وقد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة مصباح تستمر مضاءة ليلا لمدة تزيد عن الأسبوع ، فلماذا يا ترى هذا ؟ هل نحن في وضع يسمح لنا بذلك ؟ طبعا لا ، فالاحتفال بعودة الحجاج يكون في القلب ، وتطبيق تعالم الإسلام العظيم ، فلماذا المبالغة في هذا الأمر ؟ جاء في صحيح مسلم - (ج 4 / ص 359) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ : " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ " . وورد في سنن الترمذي - (ج 9 / ص 288) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ : " اعْلَمْ قَالَ مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اعْلَمْ يَا بِلَالُ قَالَ مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا " .
فلنبتعد عن البدع الضالة المضلة والمضللة فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، فلماذا كل هذه الضجة فالأوضاع الاقتصادية والسياسية تسير من سيء على أسوأ ، إذا لا داعي للمبالغة في الاستقبال من منطلق إسلامي ووطني .
حج مبرور ، وسعي مشكور ، وذنب مغفور ، وتجارة لن تبور إن شاء الله تبارك وتعالى .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

..........................
ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية بتصرف ، العدد 4181 ، 29 / 8 / 1986 ، ص 8 . بقلم : كمال شحادة .

الخميس، 26 نوفمبر 2009

بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً .. الإعلام والحج الإسلامي

بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ..

الإعلام والحج الإسلامي

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال جل جلاله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 277 ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " .
تتوزع أركان الإسلام الخمسة على مدار الساعات والأيام والليالي والأسابيع والشهور والفصول بالسنة القمرية والشمسية على السواء ، ويبدأ موسم الحج الإسلامي السنوي كركن خامس من أركان الإسلام الخمسة في نهاية شهر ذو القعدة من العام الهجري القمري ، وهو الشهر الحادي عشر من أشهر السنة القمرية ، حيث تأتي وفود الرحمن أفواجا أفواجا ، برا وبحرا وجوا ، من كل فج عميق من شتى قارات العالم ، لتأدية هذا الركن وهذه الفريضة الإسلامية الخامسة ، ويشهدوا منافع لهم دينية وأمنية ونفسية ومعنوية ومادية ، حيث ينتشر المسلمون على الجغرافية العالمية ( الأرض ) كحبات اللؤلؤ والمرجان ، في مختلف أنحاء الكرة الأرضية .
وكمقدمة لتأدية مناسك الحج يزور الحجاج المسلمون المدينة المنورة لعبادة الله رب العالمين ، والصلاة بالمسجد النبوي الشريف ، وزيارة قبر المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد عدة أيام ، من السكن والعبادة بالمدينة المنورة ، يتم تفويج الحجاج المسلمين بمعنى ترحيلهم من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة لأداء طقوس ومشاعر الحج ، إذ تعتبر مكة المكرمة هي العاصمة المقدسة لجميع المسلمين ، ويتركز موسم الحج إعتبارا من يوم التروية وهو الثامن من شهر ذي الحجة سنويا ، وينتهي في يوم 13 ذو الحجة من العام القمري الإسلامي . وبهذا من الممكن أن يتواصل موسم الحج الإسلامي لفترة تتراوح ما بين الشهر والثلاثة أسابيع .
ويتراوح عدد الحجاج المسلمين السنوي ما بين 3 – 6 ملايين حاج من أصل حوالي 1.57 مليار ( بليون ) مسلم في العالم جرى الاتفاق في العقود الخالية عبر منظمة المؤتمر الإسلامي بتخصص مقعد حج لكل ألف مواطن مسلم في العالم باستثناء فلسطين حيث خصص لها ما نسبته 2 في الألف كونها الأرض المقدسة وتعاني من ويلات الاحتلال الصهيوني – اليهودي العالمي منذ عام 1948 وما سبقها من احتلال بريطاني بغيض . ويتكون من توافد وفود الرحمن إلى الديار الحجازية في أيام قليلة ، مدينة إسلامية بشرية متنقلة ، في بقعة جغرافية محددة بالديار الحجازية المقدسة ، وبالتالي فإن هذا العدد الكبير من الآدميين المسلمين ، تحتاج إلى التنظيم الإداري والديني والاقتصادي والمروري الدقيق ، وتشرف فرق البعثات العربية والإسلامية المنتدبة والمختصة بهذا المجال على تسيير شؤون هذه القافلة الإسلامية السنوية طيلة فترة موسم الحج تحت إمرة مسؤولية الحج الكبرى السعودية . ولولا الإلتزام العلني والسري الصريح بتعاليم الإسلام العظيم ، لحدثت الفواجع السنوية في هذا المؤتمر أو المهرجان الإسلامي الخالد .
ويقوم الإعلام الجماهيري على اختلاف أشكاله وأنواعه المطبوع والمسموع والمرئي والانتر نت ، من صحف ومجلات ومحطات إذاعة وتلفزيونات وفضائيات ومواقع ومنتديات إلكترونية على الانتر نت ، وما بينها ، المصاحب لموسم الحج بدور جليل وهام جدا ، في نقل الأحداث والوقائع الإسلامية المتمثلة بتأدية مناسك الحج والعمرة ، في هذا الوقت القصير والمحدود من السنة القمرية والشمسية على السواء .
وترسل وزارات الإعلام والفضائيات العالمية ومحطات الإذاعة والتلفزة ووكالات الأنباء والصحف والمجلات من وسائل الإعلام المطبوعة ووسائل الإعلام الإلكترونية على الانتر نت في شتى دول العالم في الوطن الإسلامي الكبير وغيرها من الدول المهتمة بالشؤون الإسلامية العامة المندوبين الصحافيين والمحررين والمراسلين والمصورين من ذوي الخبرة والكفاءة لنقل وقائع موسم الحج السنوي لدى الأمة الإسلامية ، خير أمة أخرجت للناس .
وتتسابق وتتنافس وسائل الإعلام العربية والإسلامية ، لتغطية مناسك الحج والعمرة لدى وفود الرحمن من حجاج بيت الله الحرام أثناء تنقلهم في المشاعر الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمسجد الحرام بالإضافة إلى الصلاة التي تسبق الحج في المدينة المنورة وخاصة في المسجد النبوي الشريف .
وتلعب وسائل الإعلام المحلية والعربية والإسلامية والإقليمية والعالمية ، دورا مهما ومتميزا في نقل مناسك الحج الإسلامية عبر وسائل الإعلام أولا بأول ولحظة بلحظة في نقل حي ومباشر من البقعة الجغرافية التي يتواجد بها أفواج الحجيج ، وتنقل كل وسيلة إعلام ما يهم قافلتها للحج ، من أنباء الحجاج وإجراء اللقاءات المسجلة بالصوت والصورة أو المدونة طباعيا أو يدويا ، فيتم نقل رسائل مبثوثة لأهالي الحجاج المسلمين في شتى بقاع تواجدهم ، بجهات الكون الأربعة ، وهناك بث حي ومباشر مركزي عبر الفضائيات ومحطات الإذاعة والتلفزة ليصل لجميع أنحاء العالم عبر الأقمار الصناعية يتناوب فيه الإعلاميون العرب والمسلمون الحديث بالإسلام وللإسلام ومن أجل الإسلام دين الله السلام المؤمن المهين له الأسماء الحسنى .
وتتمتع الفضائيات والتلفزيونات بأهمية خاصة كونها تجمع الصوت والصورة في التلبية والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة وترديد الأدعية التي تخرج من قلوب وعقول وأفواه الإعلاميين الدعاة المبلغين ، ومن قلوب وعقول وأفواه الحجاج المسلمين فتكون أكثر ديناميكية وأعظم تأثيرا على المستمعين والمشاهدين عبر آلاف الأميال .
على أي حال ، يعتبر موسم الحج ، في شهري ذي القعدة وذي الحجة ، أحد المهرجانات والمواسم الإيمانية الإسلامية الجليلة الخالدة في الحياة العامة والخاصة ، التي تساعد في إعادة شحن النفوس البشرية بتعاليم الرسالة الإسلامية السمحة ، ونشرها على الملأ ، المسلمين والكفار وغيرهم ، أينما كانوا وحيثما حلوا ، في بلاد الله الواسعة ، فتعيد للأذهان مسيرة الإسلام الأولى ، في تكرار منظم غير ممل ، بل يمتلأ بالشوق والعزة والكرامة والعنفوان الإسلامي العظيم .
وتقدم وسائل الإعلام المتعددة الأشكال والأنواع ، الحكومية والعامة والأهلية والتعاونية والخاصة ، خدمات كبيرة للمسلمين خارج بقعة الحج ، تشحذ الهمم وتغذي الرغبة في تأدية ركن إسلامي هام من أركان الإسلام الخمسة بوتيرة إيمانية متصاعدة من بقعة لأخرى في نظام منظم رتيب بعيدا عن الفوضى والعفوية .
كما يساهم الإعلام في تبيان المواقع الجغرافية الإسلامية المقدسة من المسجد الحرام والكعبة المشرفة ، ومنى وجبل عرفة ومزدلفة والمشعر الحرام ، والصفا والمروة ، ومكة المكرمة بصورة إجمالية ، كعاصمة مقدسة لدى جميع المسلمين ، والمدينة المنورة نواة الإسلام الفعلي الأولى ، وترسيخها وتعزيزها في عقول وقلوب وأفئدة المسلمين في جميع أنحاء العالم ، التي تهوي للبقاع الإسلامية المقدسة ، في المدينة المنورة ومكة المكرمة ، مدينتي الإسلام الألويتين .
بالإضافة إلى ذلك ، فإن التواصل الإعلامي بين الإعلاميين ، من صحافيين ومندوبين ومراسلين وفنيين ومخرجين ومهندسين ومرشدين وغيرهم ، في أعقاب انتهاء موسم الحج بين جمهور وطاقم الإعلاميين المرافقين لبعثات الحج الوزارية والخاصة ، لهو دليل على تعميق الروابط الإعلامية الإسلامية والترابط الصحفي مستقبلا لتبادل الخدمات الإعلامية المتنوعة والمتعددة الصور والأشكال .
وغني عن القول ، إن المساحات الزمنية التي تخصص لبث ونشر البرامج الإسلامية ، ومناسك الحج والصلوات والأدعية والاستغفار وسواها ، عبر وسائل الإعلام الجماهيرية ، في موسم الحج ، تقلل من المساحات الزمنية المخصصة للهو والمجون والغفلة عن ذكر الله خالق الخلق أجمعين ، وبالتالي يقلص هذا الأمر ، من الخطايا والموبقات والكبائر الإعلامية التي تبث على مدار اليوم والليلة في الأيام العادية عبر الأثير والفضاء الإعلامي العصري الحديث ، فيكون الحنين للإسلام ، وإلى الدستور الرباني العظيم ، المتمثل بالقرآن المجيد ، وما يتبعه من التمسك بأهداب الدين ، والاعتصام بحب الله المتين ، والوحدة الإسلامية ، في مكان واحد وزمان واحد وزي رجالي واحد ، وموقف إيماني واحد موحد يردد التلبية ذاته والصلوات ذاتها ، والأدعية ذاتها تقريبا وتوحيد الله الواحد الأحد الذي لا إله غيره . يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)}( القرآن الحكيم ، التوبة ) .
وكذلك يساعد الإعلام وخاصة المرئي والمسموع في توصيل رسائل وأنباء الحجيج عبر الأثير من الحجاج إلى ذويهم ، فيساهم في بث الاستقرار النفسي والطمأنينة الاجتماعية عند حدوث الكوارث الطبيعية أو الوفاة الطبيعية أو بسبب مرض مزمن أو لأية أسباب أخرى .
وتؤدي وسائل الإعلام كذلك ، دورا فعالا في الترابط الإسلامي العضوي بين شتى الشعوب التي تتألف منها الأمة الإسلامية الكبيرة في مختلف قارات العالم القديمة والحديثة عبر التعرف على الأحوال العامة والخاصة لهؤلاء الحجاج ، والشعور بمشاعرهم في المشاعر المقدسة . فينقل ويبث الإعلامي الحياة الطبيعية الإيمانية التي تسود أيام الحج بالابتعاد عن المنافسات الدنيوية ، وترك الفسوق والجدال المنبوذة في موسم الحج ، فالأيام المباركة والطيبة في الحج تبقى تؤثر على النفوس والقلوب والعقول لأولي الألباب ، فيكون الحج بأيامه القليلة المعدودة ، دورة إسلامية إيمانية وقائية وعلاجية عميقة تترك مفعولها المستقبلي على الفرد والجماعة والمجتمع الإسلامي ، لتعزز التكافل الاجتماعي والتعاضد الكلي والتواصل الإيماني والاعتصام بحبل الله المتين ، وذكر اله الكثير ، في السر والعلن ، والعبادة الجماعية في الأذكار والدعوات والصلوات والإنفاق ، ليكون المسلم ، من المفردين في العبادة ، وليس حمل لقب الحاج فقط كلقب أو كنية إسلامية جديدة محبذة لدى جميع الناس . يقول الله العلي العظيم عز وجل : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
فطوبى للإعلاميين العرب والمسلمين ، الناطقين بالعربية وغيرها من اللغات العالمية لنقل وبث مناسك الحج ، فكل واحد يقدم مساهمته في نشر الإسلام ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، فيظهر الإسلام ناصع البياض ، عبر اللباس الإسلامي الموحد ، الخالي من اللباس المخيطة للرجال واللباس المخيطة للنساء ، في مساواة وعدالة اجتماعية ربانية بين جميع الناس على صعيد واحد ولباس واحد . كما يكرس الحج مسألة الولاية في الرحم بضرورة اصطحاب النساء للمحارم في السفر ، حتى في تأدية العبادات الإسلامية الواجبة على الجميع ، وخاصة فرض الحج لمن إستطاع إلى ذلك سبيلا .
وتجربتي الخاصة ، في الإعلام الإذاعي ، وقد جربت ذلك فعليا ، في أحد مواسم الحج الإسلامي العظيم ، كوني كنت عضوا في البعثة الإعلامية الفلسطينية ، لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية مندوبا عن هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية الحكومية ، لعام 1419 هـ / 1999 م ، جربت الدور المطلوب والمناط بالإعلامي الناجح كمرشد إسلامي أولا لمن حوله ، ومرشد على مستوى الشعب والأمة ، لمن هو بعيد عنه من وراء حجاب ، من اليابسة والماء ، من خلف صحاري وجبال وسهول وبحار ومحيطات وبحيرات ، يشارك مشاركة فعالة ، في بث الرسالة الإعلامية الإسلامية المؤثرة .
فالإعلامي هو عبارة عن معلم وداعية إسلامي ومبلغ إسلامي متنقل ، ينقل ويذيع كلام الله عز وجل ، ويبث الأحاديث النبوية الشريفة ، في المناسك والتلبية والأدعية المؤثرة المجابة ، والإعلامي الحاج يتحرك مع الحجاج كحاج ومبلغ ومبشر بالإسلام العظيم ، ومنبه لمواطن وبواطن الإيمان العظيم ، وهو يلفت الناس والحجاج للصواب في تأدية المناسك العظيمة في أيام الحج الأكبر . يقول الله اللطيف الخبير جل شأنه : { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) }( القرآن العظيم ، إبراهيم ) .
ولا تقتصر مهام وواجبات الحاج الإعلامي على بث الرسائل المرسلة من الحجاج والمراسلة ونقل الوقائع بل يساهم أيضا البعض في إعداد البرامج الدينية الإسلامية الدسمة باللغة العربية ، لغة القرآن المجيد ، واللغات المحلية والعالمية التي تنطق بها الأمة الإسلامية ، عن طبيعة الحج وكيفيته ، وعن يوم عرفة ويوم النحر ( عيد الأضحى المبارك ) وما يرافقه من تعارف إيماني جماعي ، وترديد الأذكار المتعددة ، يرسخ الإسلام في النفوس .
وبهذا ، فإن الإعلامي يقوم بمهمتين أساسيتين هما : الأولى : تأدية مناسك الحج الإسلامي ، ليعمل على إكتمال أركان الإسلام الخمسة المفروضة عليه ويحصن نفسه بالإيمان ، فيشهد منافع له بالحج ، ويساهم في إطعام المساكين من أضحيته ، ويحضر الهدايا لأهله وذويه ومن أبرزها الرموز الإسلامية ويتعارف على إخوانه الحجاج الآتين من بلاد قريبة أو بعيدة . والثانية : القيام بالواجبات والمهام الإعلامية في نشر الإسلام بين الآخرين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهو بذلك يقوم بمتابعة بث الرسالة الإسلامية عبر العصور والقرون ، التي حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببثها والتبليغ عنه لننال رضا الله وندخل جنات النعيم . يقول الله العظيم الحليم جل ثناؤه : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)}( القرآن المبين ، الأحزاب ) .
على العموم ، تجتاح الإعلامي رغبة إعلامية عظيمة في كل عام لما أداه في هذه المناسبة الإسلامية السنوية الكبيرة ، ويود لو يتاح له المجال سنويا للخروج في سبيل الله ، وممارسة مهمة التبليغ والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبث الكلم الطيب النافع للجميع بلا استثناء . ولكن هيهات .. هيهات .. فالتناوب الإعلامي ضروري ومباح للمسلمين ، من الجميع وللجميع ومن أجل الجميع ليحظى الإعلامي الحاج بحب الله الحميد المجيد الودود .
وحجا مبرورا وسعيا مشكور وذنبا مغفور ، وتجارة لن تبور ، إن شاء الله تبارك وتعالى ، وعيدا مباركا للجميع وعلى الجميع ، للحجاج جمعيا بلا استثناء عامة ، ولطواقم الإعلام المتعدد في هذا الموسم وغيره من المواسم الجليلة ، وعبادة متقبلة في الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة من الأشهر المحرم ، وتقبل الله حجكم وطاعاتكم . نترككم في أمان الله ورعايته .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة، 20 نوفمبر 2009

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .. تجربتي في الحج والعمرة إلى مكة المكرمة 1419 هـ / 1999 م

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ..

تجربتي في الحج والعمرة إلى مكة المكرمة

1419 هـ / 1999 م



د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، وأصلي واسلم على سيد الخلق إمام المتقين في الأولين والآخرين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ،
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 11) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " . وجاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 445) أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ " .

استهلال

يقول الله الحي القيوم عز وجل : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .
الحج فرض وركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة ، يجب على الإنسان المسلم البالغ العاقل المستطيع جسديا وماليا أن يتقيد به لينال رضى الله سبحانه وتعالى في الدارين : الحياة الدنيا الفانية ، والحياة الآخرة الباقية ، ويكون سعيدا حميدا بين الخلائق والأمم . ومن يفرض الحج من الأرض المقدسة ، فإنه يكون قد شد الرحال لثلاثة مساجد عظيمة من بيوت الله في الأرض في أقدس بقاع الله ، أحب أرض الله إلى الله جل شأنه وهي المسجد الأقصى المبارك والمسجد النبوي الشريف والمسجد الحرام .



الإستعداد للحج الإسلامي

وكتجربة شخصية لي ، رغبت في الحج ، رغم أنني كنت صغيرا في السن إلى حد ما ( 37.5 سنة ) حيث كنت معدا ومقدما للبرامج في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية من الفوج الأول المؤسس في تموز 1994 . وقد اخترت أن أكون ممن يعد ويقدم البرامج والمواد الإعلامية الإسلامية في إذاعة ( صوت فلسطين ) التي انطلقت من أريحا ثم انتقلت لمدينة رام الله وسط فلسطين ، ضمن البرامج العامة العديدة ، اليومية والأسبوعية ، الموجهة التي كنت أعدها وأقدمها وحدي دون مشاركة أي من الزملاء ، وكان شعاري الأول دائما : ( كن مبنيا للمعلوم وليس للمجهول ) بمعنى أنتج وأعد للبرامج وأخرجها بنفسك ، وأذع وقدم ما تعده بصوتك وتحدث عبر أثير الإذاعة . والشعار الثاني ( في هذا الزمن العجيب يطيب للإنسان ما لا يطيب ) ، بمعنى يجب أن يكون الإنسان مرنا مع الجميع وأن يصبر ويكظم غيظه ، لأن رضا الناس لا ولم ولن تدرك بأي حال من الأحوال . على أي حال ، قدمت برنامج ( حديث الروح ) الإسلامي ، وغيره من البرامج الإسلامية ( مجلة آفاق إيمانية ) ، وكان الطابع العام لبرامجي الإذاعية الطابع الإسلامي الواضح كوضوح الشمس . فقد أحببت الإسلام منذ نعومة أظفاري ، وكنت مؤمنا مؤديا لما يتطلبه الإسلام من كل مسلم .
وفي عام 1999 م رغب والدي إبراهيم محمد شحادة ، من قرية عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، بأداء ركن وفريضة الحج الإسلامية ، فبادرنا وسجلنا له في مقر وزارة الأوقاف بمديرية نابلس ، وأجريت القرعة بين المسجلين للحج ، كل في محافظته وكان نصيبه الموافقة لكبر سنه حيث كان يبلغ 72 عاما ،( 1927 – 1999 ) وخروج اسمه في القرعة ، وبدا لي أن الأمور تسير على ما يرام إن شاء الله العلي العظيم تبارك وتعالى ، حيث سافرت قافلة الحجاج الفلسطينيين البرية في 8 آذار – مارس 1999 / .
وبالنسبة لحجي ، ففي عام 1999 م / 1419 هـ ، كعادتها أرادت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ( برئاسة رضوان أبو عياش ) أن تنتدب صحفيين ومهندسين لمواكبة موسم الحج الإسلامي الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، فتقدمت وطلبت من مدير عام الإذاعة ( باسم أبو سمية ) وقلت له أنا أولى بالذهاب للحج ، لرغبتي الشديدة في تأدية ركن وفرض الحج الإسلامي ، وليس مهما التسمية مذيعا أو معدا أو مرافقا للحجاج ، فوافقني الأمر ، وشجعني ، وطلب مني إعداد الأوراق الثبوتية اللازمة للسفر ، ودخل على الخط زميلين آخرين لي هما : الأستاذ عبد السلام العابد ، مدقق البرامج لغويا ، ومعد بعض البرامج الثقافية ، والمهندس جواد مبسلط من دائرة الهندسة الإذاعية . اتفقنا ثلاثتنا عندما تمت الموافقة المبدئية علينا مع مدير عام إذاعة ( صوت فلسطين ) ، وجهزنا ما يلزم من عملية السفر ، وكنا نذهب بسيارتي لمقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية بالعيزرية قرب القدس المحتلة ، وأنجزنا كل شيء تقريبا ، فتم تصنيفي وتصنيف الزميل جواد المبسلط على حساب استضافة وزارة الأوقاف الفلسطينية وتصنيف الزميل عبد السلام العابد على أساس وزارة الإعلام السعودية كمذيع تلفزيوني عام لبضعة دقائق في محطات التلفزة والإذاعات العربية والإسلامية .
وفي عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، وكعادة الحجاج الفلسطينيين الذين يسافرون لتأدية مناسك الحج ، يتم تنظيم حفلة وداع الحاج ، فنظمت حفلة وادع لي ولوالدي إبراهيم محمد شحادة علاونه ، في بيتي قرب مدرسة بنات عزموط الثانوية ، قبل يومين من السفر ، فهرع معظم أبناء القرية لوداعنا ، فكان إرهاقا فوق إرهاق ، ولكنها عادة لا بد منها ، والمودعين يأتون لبضع دقائق ، ولكن العدد الهائل من الزوار بالمئات جعلني استعين ببعض أقاربي في استكمال تجهيز الأمتعة والأوراق الثبوتية ، وخاصة فيما يتعلق بتذاكر الطائرة التي كنت أتابعها أنا من ناحيتي ، وكذلك بالنسبة لترتيب سفر والدي برا مع شركة حج من نابلس بصحبه حجاج من قريتنا علي راتب ياسين وأمه وأخته .
أعددنا جميع الأوراق الثبوتية من جوازات سفر ، ونسقنا أمرنا مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، وكان اسمي في أول القائمة ( الوفد الإعلامي الفلسطيني ) ، وأخذنا إثباتا بذلك من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وهذا يعني أننا ضمن وفد فلسطين العام للحج ، ووفد فلسطين الإعلامي خاصة ، وإنا معفيين من دفع رسوم الحج بالسفر برا التي تبلغ 577 دينار أردنيا للعام 1419 هـ / 1999 م ، وهي بدل الإقامة والسكن بالمدينة المنورة ومكة المكرمة . ثم اتفقنا ثلاثتنا على أن نذهب لتأدية مناسك الحج بالطائرة ، ووافقت لنا إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية برام الله على ذلك ، ونسقنا أمورنا مع وزارة المالية الفلسطينية ، ومنحتنا تذاكر سفر بالطائرة ، وحجزنا ب ( الملكية الأردنية ) من رام الله ، ثم سافرنا للعاصمة الأردنية عمان ، في الوقت المحدد صباح يوم 9 آذار 1999 م ، وأكدنا الحجز بالطائرة وذهبنا لختم جوازات السفر الفلسطينية وختمت لنا فيزا دخول للسعودية . وفي ساعات المساء ركبنا الطائرة متوكلين على الله متجهين لمطار جدة شمال مكة المكرمة بالسعودية ودفع كل واحد فينا رسوم مغادرة قيمتها 10 دنانير أردنية . وكنت أعددت نفسي محرما للعمرة من مطار عمان بالأردن ، وبعد ساعات قصيرة من الطيران تقريبا هبطت الطائرة في مطار جدة الدولي ، واستقبلنا بعض موظفي سفارة فلسطين في الرياض ، وخاصة موظفي القنصلية الفلسطينية بمدينة جدة .
أعلمنا طاقم السفارة الفلسطينية بمطار جدة أننا من الوفد الإعلامي الفلسطيني من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، فرحبوا بنا كثيرا ، وأخبرناهم أنا وجواد أننا باستضافة وزارة الأوقاف الفلسطينية ، وعبد السلام باستضافة وزارة الإعلام السعودية ، فنفوا هذا الأمر ، وقالوا لنا إننا جميعا على حساب وزارة الأوقاف الفلسطينية ، فغضب زميلنا عبد السلام وهدد بالعودة من المطار ، واقنعناه جواد وأنا ، أن إنوي حج بيت الله الحرام ، وليس مهما من يتبناك ، ( وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية أو وزارة الإعلام السعودية ) المهم أن تؤدي ركن وفريضة الحج لله تبارك وتعالى ، وعرضت عليه أن يساعدني في التغطية الإعلامية لحجاج بيت الله الحرام لصوت فلسطين ، وبعد تردد وافق على الأمر ، حيث شعر بغصة جراء تحويل مساره من إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون بطريقة خاطئة ، وهذا ما كان .
كنت قد خططت وبرمجت نفسي لأداء العمرة في مكة المكرمة قبل توجهي للمدينة المنورة والالتحاق بموكب حجاج فلسطين ، في العام 1419 هـ / 1999 ، فلبست لباس الإحرام قبل أن استقل الطائرة من عمان لجدة بالسعودية ، وعندما وصلنا مطار جدة ، قلت لزميلي أني سأذهب لمكة المكرمة لأداء العمرة أولا ، ثم سألحق بكما للفندق بالمدينة المنورة ، حملت أمتعتي وركبت سيارة عمومي من جدة لمكة المكرمة ، وذهبت لمقر بعثة الحج الفلسطينية جنوبي مكة المكرمة لوضع أمتعتي ، في حي المسفلة قرب دوار كدي ولكنني لم أجد أحدا ، فاتجهت صوب المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وبالقرب من البيت العتيق ، وضعت أمتعتي عند صاحب محل لا أعرفه ولا يعرفني ، ولكنني عرفته على نفسي ، وأريته جواز سفري ، وأنني من البعثة الإعلامية لحجاج فلسطين لهاذ العام ، وفتحت له الأمتعة ليكون مطمئنا ، فوافقني ، وقال لي توكل على الله ، أد العمرة وأدع لنا ، ثم عد لأخذ أمتعتك لتذهب أين ما تريد . ذهبت فرحا وأديت مناسك العمرة الإسلامية ، في بضع ساعات ، ثم عدت للمحل الذي وضعت به أمتعتي ، وقدمت شكري للذي استضاف الأمتعة ، ثم اتجهت صوب السيارات العمومية التي تذهب للمدينة المنورة على ساكنها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام ، وبعد طول سفر استمر أكثر من نصف يوم برا التحقت بزملائي بالمدينة المنورة ، وقد لحقت بهم في ساعة متأخرة من ذلك اليوم المبارك الذي تمكنت فيه من أداء العمرة ، والالتحاق بركب حجاج فلسطين بالقرب من المسجد النبوي الشريف .
وفيما يخص الوفد الإعلامي الفلسطيني من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية فكان يتألف من وفد إذاعة ( صوت فلسطين ) من رام الله بالضفة الغربية ووفد تلفزيون فلسطين من قطاع غزة ، وممثل وكالة الأنباء الفلسطينية ( وفا ) ، واجتمعنا ثلاثتنا عبد السلام وجواد وأنا ، وقلت لهم لنتخذ أميرا علينا ، حسب السنة النبوية الشريفة ، وذكرت لهم الحديث النبوي ، كما جاء في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " . فقالا لي أنت أميرنا في الحج ، فوافقت على ذلك ، لنكون يدا واحدة وجماعة واحدة تتعاون فيما بينها تعاونا تاما في كل شيء ، وكانت لدي تجربة سابقة بزيارة الأراضي المقدسة عندما أتيت لتأدية مناسك العمرة في العشر الأواخر من رمضان قبل ذلك بثلاث سنوات ، أي في عام 1996 . وفي المقابل كان يسكن بالقرب منا راسم عبد الواحد من وكالة ( وفا ) الفلسطينية ، حيث سرق أثناء وضوئه بالقرب من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ولم يكن يلتزم معنا في ذلك ، رغم معرفتنا لبعضنا بعضا مسبقا .

العبادة في المسجد الحرام المدينة المنورة


على أي حال ، لقد كنت حريصا على أن أقوم بتأدية جميع الصلوات الخمس في المسجد النبوي الشريف وافرغ نفسي تماما لذلك ، رغم كثر الشغل والمشاغل ، وكان جل همي عبادة الله في أقدس البقاع الإسلامية وتأدية الصلاة في أوقاتها جماعة لما لذلك من ثواب جزيل . فقد ورد في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 377) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " . وجاء في سنن ابن ماجه - (ج 4 / ص 333) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ " .
علما بأن أبواب المسجد النبوي الشريف تغلق بعد صلاة العشاء بوقت قصير ، فتعمل شرطة المسجد على إخراج جميع المصلين بعد الانتهاء من صلاة العشاء ، ويمنع منعا باتا مكوث الناس فيه ، يبدو للحفاظ على أمن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل المسجد النبوي . وكنا ثلاثتنا : عبد السلام وجواد وأنا ، نأكل معا ، وننام في غرفة واحدة بالفندق ، وأوقاتنا متفقة أو متباعدة أحيانا ، ولكن زياراتنا كانت كثيرة للتنسيق الإعلامي وإجراء لقاءات إذاعية مع حجاج فلسطين من مختلف المحافظات ، من القدس ونابلس ورام الله والخليل وبيت لحم وجنين وطولكرم وقلقيلية وأريحا وغزة وخانيونس ورفح ودير البلح ، من المدن والقرى والمخيمات ، في فسيفساء جغرافية متناغمة ومتباينة ، نتناوب فيها أنا وزميلي الصحفي عبد السلام العابد مع زميلنا المهندس جواد لتسجيل تحيات وسلامات حجاج فلسطين لذويهم في فلسطين الأرض المقدسة عبر أثير صوت فلسطين . فقد كنا نجرى اللقاءات الإذاعية مع الحجاج والمسؤولين ونسجلها صباحا بعد صلاة الفجر ، وليلا بين صلاتي العشاء والفجر ، على كاسيتات ثم يعيد زميلنا جواد إرسالها لاستوديوهات إذاعة صوت فلسطين في رام الله بفلسطين فتنطلق في ساعات الظهيرة والمساء مرتين ليستمع لها أهل الحجاج في شتى المحافظات الفلسطينية بأرض الوطن .

العبادة في مكة المكرمة ( الحج والعمرة ) والصلاة

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ

إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ

جاء في صحيح مسلم - (ج 7 / ص 42) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا " . فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " .
وجاء في مسند أحمد - (ج 30 / ص 283) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ" .
من المعلوم أن أعمال الحج ثلاثة أقسام : أركان وواجبات وسنن . أما الأركان فخمسة : الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة والحلق . أما الواجبات فاثنان متفق عليهما ، فإنشاء الإحرام من الميقات والرمي واجبات متفق عليهما . وأما الأربعة المختلف عليهما فاحدهما الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة والثاني المبيت بمزدلفة والثالث مبيت ليالي منى للرمي والرابع طواف الوداع والأصح وجوب الأربعة . وأما السنن فجميع ما يؤمر به الحاج سوى الأركان والواجبات وذلك كطواف القدوم والأذكار والأدعية واستلام الحجر الأسود والرمل والإضطباع وسائر ما ندب من الهيئات السابقة .
بعد عدة أيام من قدومنا لمكة المكرمة ، من المدينة المنورة ، جرى تفويج ( أفواجا أفواجا ) حجاج فلسطين لبيت الله الحرام بمكة المكرمة ، فسافرنا في صبيحة ذات يوم ووصلنا مساء لمكة المكرمة ، ونزلنا في مقر بعثة الحج الفلسطينية ، في حي المسفلة قرب دوار كدي ، وخصصت لنا وزارة الأوقاف غرفة خاصة ، في أحد الطوابق قرب دوار كدي جنوب مكة المكرمة ، حيث يبعد مقر بعثة الحج الفلسطينية ، والحجيج حوالي 3 كم عن المسجد الحرام ، وتنظم وزارة الأوقاف الفلسطينية ، حافلات منتظمة لنقل حجاج فلسطين من السكن المؤقت إلى المسجد الحرام ، منذ ساعات الفجر الأولى لتأدية صلاة الفجر بالبيت العتيق ، وحتى ساعات ما بعد صلاة العشاء .
وكبعثة حج إعلامية من إذاعة ( صوت فلسطين ) ، لقد نسقنا برامجنا للعمل وتأدية الصلوات في المسجد الحرام ، وحرصت دائما على تأدية جميع الصلوات اليومية الخمسة بالمسجد الحرام وبالقرب من الكعبة المشرفة خاصة ، لما لها من وقع إيماني عميق في قلبي ، وحنين أبدي للصلاة بجميع اتجاهات القبلة من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، لقد شغفت حبا بالطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة وتأدية الصلاة المفروضة والمسنونة حول الكعبة المشرفة في صحن المسجد الحرام ، أقدس بقاع الأرض لدى الله رب العالمين . وكما هو معلوم فإن أبواب المسجد الحرام تبقى مفتوحة أمام جميع المصلين ، طيلة اليوم والليلة ( 24 ساعة يوميا ) بعكس المسجد النبوي الذي تغلق أبوابه بعد صلاة العشاء بوقت قصير لا يتجاوز ساعة .
وقبل النفير العام للحج ، أديت مناسك العمرة للمرة الثانية ، بصحبة والدي ، قبل أن ننضم لمسيرة الحج الرسمية ، ثم أديت مناسك العمرة بعد إتمام مناسك الحج الرسمية ، بصحبة والدي مرة ثانية ، ولكن هذه المرة نيابة عن والدتي المقعدة ( سهيلة ) في بيت الأسرة في قرية عزموط بنابلس بفلسطين المباركة ، كما طلبت من والدي تأدية مناسك العمرة عن والدته ( جدتي لأبي ) حليمة رحمها الله ، وهذا ما كان ، كل واحد منا أدى مناسك العمرة عن والدته ، كنوع من الإنصاف والعرفان بالجميل لهما .
لقد كنت دائب الحركة ، نشيطا في المجالين الديني الإسلامي بالصلاة والدعاء في المسجد الحرام ، وعدم تفليت أي وقت صلاة مني فحرصت على تأدية جميع الأوقات جماعة بالمسجد الحرام ، بعكس أعدادا كبيرة من الحجاج الذين كانوا يصلون في السكنات في حي المسفلة ، وكانوا يقضون وقتا طويلا في التسوق بأسواق مكة المكرمة ، وكنت ألجا فرديا أو جماعيا ، للخروج للصلاة قبل وقتها ، والانتظار في صحن المسجد الحرام بالقرب من الكعبة الشريفة ، مستعينا في ذلك بباصات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، أو المواصلات العامة حسب الحاجة ، والوقت الزمني ، وأحيانا كنت أركب بشاحنات أو مركبات صغيرة بأجرة مضاعفة عدة مرات ، وأنزل من المركبة في حالة الاختناق المروري الشديد ، أو بحافلات ( باصات ) تركية تتسع لخمسين راكبا ، تقف بالقرب منا ، بعد الاستئذان من الوفد التركي والسائق التركي الذي كان يرحب بي ، وفي الوقت ذاته ، كنت أعد اللقاءات الإذاعية مع الحجاج ومع المسؤولين في بعثة الحج الفلسطينية سواء من الضفة الغربية أو قطاع غزة بالإضافة إلى استكمال إعدادي وتقديمي للبرامج الإسلامية الأسبوعية والخاصة الإذاعية التي كنت أعدها وأقدمها من رام الله ، ولكن هذه المرة ، كنت أتعمد ذكر اسم مكة المكرمة للتدليل أن هذه البرامج جرى إعدادها وتقديمها عبر أثير ( صوت فلسطين ) من العاصمة الإسلامية الأولى المقدسة في العالم وهي مكة المكرمة بالقرب من المسجد الحرام والكعبة المشرفة . وكانت عبارة عن برنامج ( آفاق إيمانية ) وهو برنامج إذاعي أسبوعي تتراوح مدته ما بين 45 – 55 دقيقة ، وبرامج خاصة عن وقفة يوم عرفة ، وعيد الأضحى المبارك ، وتقارير إخبارية عن أوضاع الحجاج الفلسطينيين . وكان يتألف البرنامج من الفقرات التالية : كلمة الحج ، أخبار الحجاج من فلسطين والعالم ، أوضاع الحجاج في مكة المكرمة ، لقاءات وإرشادات للحجاج ، وأدعية إسلامية ، بالإضافة إلى لقاءات مع المسؤولين في الحج ، مثل الشيخ يوسف جمعة سلامة ، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، ورئيس بعثة الحج الفلسطينية ، والشيخ رشيد منصور ، مدير عام المساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وعثمان دويكات ( أبو رامي ) وزهير الدبعي مدير أوقاف نابلس ، والدكتور الشيخ إسماعيل نواهضة ، عميد كلية القرآن والدراسات الإسلامية بجامعة القدس ، عضو مجلس الفتوى الأعلى بفلسطين ، والمرافق لبعثة الحج الفلسطينية وغيرهم .
في يوم التروية وهي 8 ذي الحجة 1419 هـ / أزفت الآزفة ، للعمل على إنتقال حجاج بيت الله الحرام باتجاه ( جبل عرفات ) بالملايين ، ( وكان يوم عرفة – يوم الحج الأكبر 9 ذي الحجة 1419 هـ ) عبر حافلات عامة خاصة ، وكنا دفعنا قبل ذلك بدل أضحية لمصرف الراجحي ، وهي عبارة عن مائة دولار أمريكي ، لتنوب عنا تلك المؤسسة في عملية ذبح الأضحية ، وجهزنا أنفسنا وأنطلقنا لتفويج الحجاج لجبل عرفات الله ، بالقرب من مكة المكرمة ، ومكثنا يوما هناك ، نقرأ القرآن العظيم ، وندعو بالأدعية الشخصية والجماعية ، وأن يعفو الله عنا ( اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا ) ، فقد جاء في سنن الترمذي - (ج 12 / ص 8) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
وقد مرضت قبل انتقالنا لجبل عرفات وكانت درجة حرارتي مرتفعة ، جراء الرشح والإنفلونزا بسبب تغير تقلبات المناخ والطقس ، وسفري الدائم ، وعرقي الدائم ، فكنت في سباق ديني مع العبادة والزمن . وكنا حذرين أنا وزملائي في البعثة الإعلامية من تناول السوائل والأطعمة مهما كان نوعها وشكلها ، لنحافظ على وضوئنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، لأن عملية قضاء الحاجة ليست من الأمور اليسيرة في ظل الإزدحام في جبل عرفة ( يوم الحج الأكبر ) وقد افترشنا فرشات منفوخة خاصة بجبل عرفات ، وتلحفنا الفضاء ، ولم ننم في تلك الليلة وتسلقنا جبل عرفة . وفي مساء اليوم التالي ( يوم عرفة ) انتقلنا للمشاعر الحرام بمزدلفة ، ومكثنا هناك ، ندعو الله ونقرأ القرآن المجيد ، ثم انتقلنا لمنى صبيحة ( يوم النحر – عيد الأضحى 10 ذي الحجة 1419 هـ ) حيث الخيم المعدة لذلك ، فلم نسكن في هذه الخيام ، بل كنا نسهر لساعات متأخرة من الليل ثم نمضي للسكن في مكة المكرمة ، ثم نعود وهكذا .
وبعد الانتهاء من المكوث بمنى ، انتظرنا مركبات أو حافلات لنتنقل إلى المسجد الحرام ، يوم عيد الأضحى المبارك ، ولكننا لم نفلح في ركوب سيارات فاضطررنا أن نركب شاحنة ، ونصعد على ظهرها وكان عددنا يقارب 30 حاجا من فلسطين ، ونزلنا بالقرب من المسجد الحرام ، ثم مارسنا الطواف سبعة أشواط ، استغرقت معنا حوالي 45 دقيقة ، فلم ننجح في الطواف بالقرب من الكعبة وإنما تمكنا من الدخول بالدور الثالث للمسجد الحرام ، ثم أنهينا الطواف والسعي بين الصفا والمروة ، حيث أنا تعرضت للسرقة أثناء سعيي بين جبلي الصفا والمروة وتسبيحي بمسبحة مائة حبة ، ( سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) في أحد أجنحة المسجد الحرام ، ولكن عملية السرقة من شخص اقترب مني ، وأخذ يحتضنني لمعرفة مكان أموالي ، فشلت فشلا ذريعا ، وهرب وتراجع القهقرى ، إذ أنني كنت وضعت محفظتي ونقودي وهويتي في قشط ( سبك ) سري غير مخيط تحت ملابس الإحرام البيضاء ، وهي عبارة عن منشفتين غير مخيطتين ، ثم انهينا الصلاة وقصصنا الشعر ، ثم تحللنا من الإحرام . وكانت ذبحت عنا الأضاحي دون أن نراها ، ولم نأكل منها شيئا كذلك ، وهذا جائز إسلاميا في مناسك الحج . وبعد التحلل من ملابس الإحرام ، بعد إنهائنا يوم القر 11 ذي الحجة ، ويوم النفير الأول 12 ذي الحجة ويوم النفير الثاني 13 ذي الحجة 1419 هـ ، وإنهائنا الحج العظيم ، تعانقنا وقلنا لبعضنا بعضا ، حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور ، وتجارة لن تبور إن شاء الله العزيز الحكيم جل جلاله .
ثم ذهبنا للسكن في الغرفة الخاصة التي خصصتها لنا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وأخذنا معنا ، دجاج مشوي وبعض الفواكه ، وما خطر على بالنا من مأكل ومشرب إسلامي لذيذ ، فقلت لهم تحللوا من الإحرام وكلوا ما شئتم الآن من الطعام ، فقد أنهينا مناسك الحج الإسلامي بفضل الله العلي العظيم ولن تخافوا الذهاب للحمام أو غيره .
وبعد ذلك ، جهزنا أنفسنا وأعدنا تأكيد الحجز في الطائرة للعودة الميمونة من رحلة الإيمان العظيمة للمسجد الحرام ومكة المكرمة والمدينة المنورة ، وتوجهنا لمطار جدة ، ووصلنا في 2 نيسان – إبريل 1999 لمطار عمان ، ثم انتقلنا مباشرة لنابلس ، ووصلت مساء ، حيث استقبلني الأهل والأحبة ، ثم لحق بي والدي في اليوم التالي وأقمنا حفلا كبيرا للاستقبال ، وزعنا فيه : ماء زمزم ، وحب تمر ، ومصليات ، ومصاحف ومسابح من فئه 33 حبة و66 حبة و99 حبة وملابس للأبناء والأخوات والأم وغيرها من جميع الأنواع والأشكال ، وكنت أشتريت الهدايا والمباركات والأضواء التي تبشر بعودة الحجاج لوضعها فوق سطح المنزل ، منزلي ، بالتعاون والتنسيق مع والدي قبل سفرنا للحج من نابلس مسبقا أو من مكة والمدينة المنورة من الديار الحجازية .

مشاهدات وإنطباعات في رحلة الحج


لاحظت أثناء رحلتي الأولى للحج والعمرة معا عام 1999 ، وأثناء رحلتي الأولى للعمرة عام 1996 ، للديار الحجازية ، ما يلي :
أولا : إهتمام المسلمين بتأدية مناسك الحج والعمرة حيث يأتون من كل فج عميق . وقد لامست قدرا لا باس به من التفاعل بين الحجاج المسلمين من شتى الأقطار والبلدان العربية والإسلامية . فمثلا جلست في عدة حلقات لحجاج أتراك وجزائريين وأردنيين وأفغانيين ، ولاحظت أن الكثير من الحجاج المسلمين الأتراك والأفغان يعرفون اللغة العربية ولا يرغبون الحديث بها . فعقب الانتهاء من صلاة جماعة بالمسجد النبوي الشرف جلس بجانبي حاج كبير في السن ولحيته طويلة وسألني من أين الأخ الحاج ؟ فعرفته على نفسي ، الحاج كمال من فلسطين بالقرب من المسجد الأقصى المبارك ، فأثنى علي خيرا ، ودعا لي ولأهل فلسطين بالنصر والتوفيق باللغة العربية ، وسألته من أين أنت يا حاج ؟ فقال لي : من أفغانستان ، فسررت كثيرا ، بمنطقه وحديثه وإتقانه للغة العربية المجيدة . وفي إحدى جلسات النقاش ضمت حجاجا جزائريين وأتراك وفلسطينيين ، سألت الجزائريين عن أحمد بن بلا فأثنوا عليه خيرا . وسألت حجاج من الأتراك عن مصطفى كمال أتاتورك وقبل صلاة الجمعة بقليل بعد انتهاء الجلسة التعارفية وصف حاج تركي أتاتورك قائلا : { أولئك هم الكفرة الفجرة ) وهي آية قرآنية ، مما أسعدني كثيرا ، وكنت لا أخاله يتحدث باللغة العربية .
ثانيا : تأدية مناسك الحج دون الاستعانة بالآخرين قدر الإمكان : وخاصة لذوي الحاجات الخاصة ، فنرى الكثير من الحجاج ينقلون على العربات أو محمولين على الأكتاف ، فالأفضل للحاج الانتقال على رجليه والاعتماد على نفسه دون أن يرهق الآخرين ، والأجر والثواب على قدر المشقة .
ثالثا : الغلاء الفاحش ، واستغلال بعض السائقين للحجاج من الناحية المادية حيث يطلبون مبالغ مالية خيالية لنقلهم من مكان لآخر ، والأجهزة الأمنية السعودية لا تقدر أن تلاحق جميع هؤلاء المستغلين من ذوي النفوس المريضة الذين لا يلتزمون بالتسعيرة المالية المحددة بالريال السعودي .
رابعا : ضرورة تبديل العملات العربية أو الأجنبية بالعملة السعودية المحلية ، والدولار هو العملة التي يمكن الاستفادة منها في شراء الحاجيات والتمكن من صرافتها في جميع محلات الصرافة والبنوك ، ويا حبذا لو تكون هناك عملة عربية أو إسلامية تستغني عن هذه العملة الأمريكية الأجنبية .
خامسا : لجوء فئات حقيرة لسرقة الحجاج ، وهي ظاهرة صغيرة إلا أنها ملفتة للنظر ، فقد شاهدت أناس وشرطة يضربون شخصا ابيض البشرة يحاول سرقة الحجاج والمصلين داخل أروقة المسجد الحرام بمكة المكرمة وشاهدت آخرين يلحقون بشخص أسود عند رمي الجمرات .
سادسا : الخشوع لله في الصلاة بالحرمين : المسجد الحرام بمكة المكرمة ، فقد خشعت كثيرا وبكيت كثيرا في معظم صلواتي خلف الإمام الشيخ عبد الرحمن السديس ، وكذلك الحال في معظم صلواتي بالمسجد النبوي الشريف ، وقد لاحظ زملائي من بعثة الحج الإعلامية الفلسطينية أحيانا بكائي فسألوني عن ذلك فقلت لهم خشوعا لله رب العالمين ، ولا أبكي خوفا على مال أو حياة بل حبا في الله جل جلاله .
لقد كانت رحلة إسلامية إيمانية رائعة بحق وحقيق ، انتقلنا فيها بين جناحي أرض الإسراء والمعراج ، الجنوبية والشمالية ، من الأرض المقدسة ( فلسطين ) إلى الأرض المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالديار الحجازية بشبة الجزيرة العربية . والشوق دائم والأمل يحدونا لإعادة الكرة مرة ثانية وثالثة وعاشرة لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة المسجد الحرام والكعبة المشرفة بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة في أي وقت نتمكن من ذلك ويشاء لنا الله سبحانه وتعالى ذلك .

نصائح للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ


يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}( القرآن المجيد ، التوبة ) .
هذه طائفة من النصائح لحجاج بيت الله الحرام قبل وأثناء وبعد التوجه لمكة المكرمة والمدينة المنورة بالديار الحجازية ، من أهمها :
أولا : شد الرحال للحج الإسلامي في سنين الشباب مع الرفقة الطيبة ، والجماعة الصالحة ، التي تذهب لعبادة الله وتأدية مناسك الحج والعمرة ، والصلاة جماعة في جميع أوقات الصلاة في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة والمسجد الحرام بمكة المكرمة . جاء في مسند أحمد - (ج 6 / ص 253) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ " .
ثانيا : الإهتمام بتأدية وإتمام مناسك الحج بخشوع وروية ، وعدم الإلتهاء بشراء الأمتعة من الأسواق التجارية في المدينة المنورة ومكة المكرمة . ولا مانع من شراء بعض الحاجيات اللازمة والهدايا قبل أو بعد الانتهاء من مناسك الحج لأن الأسعار تكون رخيصة . والشراء من المدينة المنورة قبل أداء مناسك الحج ، هو ارخص ثمنا وأطيب تعاملا . يقول الله العلي العظيم سبحانه وتعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
ثالثا : الحذر والانتباه من السرقات ، في جميع الحالات وخاصة في أمكنة الزحام . فالسرقة مهنة يمتهنها بعض ذوي النفوس المريضة في جميع مناسك الحج ، سواء في الحمامات أو الطواف حول الكعبة أو السعي بين الصفا والمروة أو رمي الجمرات أو النوم ، فالمسلم يقظ دائما ، يحافظ على نفسه وماله ، ومال غيره . وتشمل السرقات الأموال المنقولة ، والمصاحف المحمولة ، والأمتعة في المساكن والفنادق .
رابعا : الابتعاد عن أمكنة الزحام والخصام والمخاصمة والانتظار قليلا للعودة للديار الأصلية . وأن يكون الإنسان الحاج مرنا ويعفو عن زلات الآخرين ، وأن يصفح ويغفر للمذنبين.
خامسا : السفر بالطائرة أسهل كثيرا ، رغم ارتفاع أسعار تذاكر السفر الجوية . بينما يعتبر السفر البري أكثر مشقة وتعبا على الحدود بين الدول العربية ، وفي المقابل يعتبر السفر البحري أكثر خطورة واقل أمنا .
سادسا : تقديم المساعدة لكل من يحتاجها في مناسك الحج ، وفي حالة وقوع بعض الحجاج أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة أو رمي الجمرات فيجب أن لا تداس أجسامهم بل مساعدتهم في النهوض وعمل دائرة حولهم لتحاشي إيذائهم أو إصابتهم أو موتهم .
سابعا : عدم التنويع والتشكيل في المأكل والمشرب ، في أيام الحج ، لأن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى الإسهال أو الإمساك ، أو المرض ، وهذه مشكلة عويصة للحاج . فنصيحة للحجاج المسلمين بأن لا يأكلوا من لحوم الأضاحي قبل الانتهاء من تأدية مناسك الحج .
ثامنا : التسجيل في شركات الحج ذات الخدمة الممتازة ، وذات الحافلات الحديثة ، لمن يسافرون برا ، والسفر بالطائرة الحديثة للمسافرين جوا ، وتقليل السفر بحرا إلا للمضطرين .
تاسعا : الإتفاق بين رفقة الحج على الالتقاء في مكان معين إذا تاه بعضهم عن بعض ، ويكون ذلك بالتفاهم المسبق لئلا تنقلب حياة الإنسان إلى هم وغم ، فريق يبحث عن الآخر وسط جموع الملايين الغفيرة التي أتت من كل فج عميق لعبادة الله خالق الخلق أجمعين ، تبارك وتعالى .
عاشرا : الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل والذين يتعرضون للسرقة وغيره من الفئات المكلومة .
حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور إن شاء الله .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأحد، 15 نوفمبر 2009

حجب شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )عن القراء في فلسطين


حجب شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

عن القراء في فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان صادر عن شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

الأحد 15 تشرين الثاني 2009 م / 28 ذو القعدة 1430 هـ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}( القرآن المجيد ، الحجرات ) .
قامت جهة مجهولة حتى الآن بحجب الموقع الإلكتروني الفلسطيني العربي الإسلامي ( شبكة الإسراء والمعراج - إسراج ) عن الشبكة العنكبوتية منذ مساء يوم الخميس 12 / 11 / 2009 لأسباب غير معلومة ، دون مراجعة إدارة ( إسراج ) علما بأن الموقع مستقل تمام الاستقلالية ، ولا يعود لأي جهة حزبية أو سياسية معينة ، فلسطينية أو عربية أو إسلامية ، ويؤمن بالتعددية السياسية ، الرأي والرأي الآخر ، وينشر الأنباء التي تعود للسلطة الوطنية الفلسطينية والرئاسة الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والفعاليات الوزارية الأخرى ، وينشر الأنباء العربية والإسلامية والعالمية بالخرائط والصور والمعلومات المفيدة ، بصورة متواصلة دون تحيز لأحد أو تبني لموقف تيار سياسي محدد ولا يسيء لأحد كائنا من كان . والمقالات التي تنشر بأسماء أصحابها لا تعبر بالضرورة عن موقف إدارة الشبكة بأي حال من الأحوال . وكما هو معلن في نهاية الشبكة { المواضيع التي تنشر بأسماء أصحابها لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) } .
وتهتم شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) بصورة خاصة بفلسطين ، أرض الإسراء والمعراج ( إسراج ) ، والمسجد الأقصى المبارك بالمدينة المقدسة المحتلة خصوصا . وتستعد في هذه الأيام لتغطية فعاليات ذكرى يوم الاستقلال الوطني الفلسطيني ، كرمز للعزة والكرامة الفلسطينية التي جسدها الشهيد أبو عمار رحمه الله ، وتغطية موسم الحج الإسلامي في مكة المكرمة والمسجد الحرام والكعبة المشرفة 1430 هـ / 2009 م .

وبهذا الخصوص ، فإن إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) بفلسطين تدعو من يقف وراء هذا الحجب الإلكتروني سواء أكانت شركة الاتصالات الفلسطينية أو وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية ، أو الشركة المستضيفة ، إتاحة المجال أمام القراء في بلادنا المقدسة التي باركها الله عز وجل ، لمشاهدة محتويات الشبكة دون إخفاء أو حجب ، وذلك لأن عملية الحجب المذكورة لن تفيد أحدا سوى أعداء فلسطين ، وأعداء الأمتين العربية والإسلامية ، وندعو الجهة التي تخفي نفسها حتى الآن ، للتراجع عن هذه الفعلة الفنية الإلكترونية لأنها تشكل مساسا بالحرية الصحفية ، ولا يمكن حجب الحقائق بغربال ، وخاصة عبر الانتر نت ، والموقع كما هي سياسته جاهز لنشر جميع الآراء العربية والإسلامية والإنسانية العالمية ، كما أعلناها سابقا ، وفق الضوابط والمعايير الإعلامية والإنسانية .
من جهة أخرى ، فإن نسبة عدد القراء المشاهدين لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) بفلسطين هي عبارة عن حوالي 35 % من العدد الإجمالي لمشاهدي الشبكة ، و65 % من المشاهدين هم من 151 دولة من قارات العالم . وحسب آخر الأرقام فإنه بلغ عدد المشاهدين منذ نشأة الشبكة الأولى 30 / 7 / 2008 حتى الآن هو مليون ومائة وسبعة آلاف زائر بمعدل يومي يصل إلى 8 آلاف زائر كريم .

ونحن في ظل ذكرى إعلان وثيقة الإستقلال الوطني الفلسطيني الحادية والعشرين ( 15 / 11 / 1988 - 15 / 11 / 2009 ) التي أعلنها الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات ، ندعو جميع أبناء الشعب العربي الفلسطيني لرص الصفوف والوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة ، والاعتصام بحبل الله المتين ، وتوقيع ورقة المصالحة المصرية ، للمصلحة الوطنية الفلسطينية والمصلحة القومية العربية والمصلحة الإسلامية العليا ، والعمل على تطبيق الدعوة الرئاسية الفلسطينية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية في 24 / 1 / 2010 لمصلحة الجميع .

والله ولي التوفيق .

إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

السبت، 14 نوفمبر 2009

الكيل بمكيالين .. وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ

الكيل بمكيالين .. وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ

الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ

وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ .. زِنْ وَأَرْجِحْ


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)}( القرآن المجيد ، المطففين ) .

ويقول الله ذو الجلال والإكرام جل وعلا : { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) }( القرآن الكريم ، يوسف ) . ويقول الله الواسع الحكيم : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)}( القرآن الكريم ، يوسف ) .

ويقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) }( القرآن المجيد ، الإسراء ) .

ويقول الله العظيم الحليم : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)}( القرآن المجيد ، هود ) .

بادئ ذي بدء ، يقصد بالتطفيف البَخْس في المكيال والميزان المادي والمعنوي ، بزيادة الأمر عندما يكون له ، وتقليله وتبخيسه إذا لكان للآخرين ، وقد توعد الله العدل عز وجل المطففين بالاتجاهين الايجابي والسلبي ، الزيادة والنقصان ، بالهلاك والبوار في الدنيا والآخرة ، ويتمثل العقاب بالدنيا الخسران المبين في التجارة ، وفقد ثقة الناس بالمطفف ، وعقاب الآخرة أشد وطأة من عذاب الدنيا ، فيوم الحساب العظيم يحاسب فيه الإنسان على مثاقيل الذر ، وكفى الله حاسبا وعادلا .
على أي حال ، قال بعض المفسرين إن ويل هو وادي عميق يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يُطَففون ، أي الذين ينقصون الناس ، ويبخسون حقوق الناس في المكاييل إذا كالوهم ، أو وزنوهم ، وكلمة ويل هي زجر وتهديد إلهي للذين يتلاعبون بالأوزان والمعاملات ، فالأصل هو أن يرضى الإنسان لغيره كما يرضى لنفسه ، حتى يكون عادلا ولا يبخس الناس أشياءهم . ومن حكمة الله العدل العادلة بين جميع خلقه هو الميزان الحق ، لا زيادة ولا نقصان ، ولو كان نزرا يسيرا ، فاحرصوا عندما تشترون وتتولون عملية التوزين أن لا يزيد ولا ينقص الميزان قدر الإمكان . والموازين المعمول بها الآن ، حيث وحدات الكيلو غرام الفرنسي الاختراع أو الرطل الإنجليزي للوزن ، أو الأمتار والكيلومترات أو الأميال للمسافات ، أو العدالة الاجتماعية للحكم بين الناس إذا طلب من شخص أن يحكم بين متخاصمين أو متشاجرين فرادى وجماعات وشعوب وأمم .
ولا بد من القول ، إن كل إنسان هو حاكم نفسه ، وقاضي نفسه والآخرين ، ومحاسب نفسه وبنفسه لنفسه ولغيره من الناس الآخرين ، إن كان من أهل الصلاح والإصلاح ، وهو يعلم علم اليقين الحق من الباطل ، والغث من السمين . وما نراه من صراع بين الناس على أمور تافهة ، لا تنم إلا عن جهل مطبق . والأصل الصحيح أن يكون الوزن القسط العدل بأدق الموازين الاقتصادية والاجتماعية والنفسية ليعيش المجتمع المسلم على أكمل وجه ، بعيدا عن المغالاة ، وبعيدا عن الشح والبخل والتقتير ، وبعيدا عن الإسراف والتبذير والإمتلاء الفاسد غير المبرر .


نماذج معاصرة على التطفيف

أولا : في البيع والشراء والتجارة

يقول الله الحي القيوم سبحانه وتعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)}( القرآن المجيد ، الأعراف ) .

هناك بعض النفوس المريضة التي تلجأ لسياسة التطفيف ، زيادة أو نقصانا ، في عمليات البيع والشراء في سوق الخضار المركزي والبقالات والسوبر ماركات ، والمحلات التجارية والشركات الخدمية والمؤسسات العامة والخاصة ، عبر عدة أساليب ، أهمها : التلاعب بعيارات الموازين ، فيضعون عيارات للكيلو غرام بأقل من ألف غرام ، أو وضع مغناطيس أسفل بيضة القبان الكبير ليكون عند الوزن توزينا أقل بأسعار مماثلة لسعر السوق ، وكذلك عدم تساوى كفتي الميزان التقليدي ، أو التلاعب بالأوزان الإلكترونية بالعبوات الفارغة والممتلئة . وكل هذه المسائل تطفيف يحرمه الإسلام العظيم . جاء في سنن الترمذي - (ج 5 / ص 125) عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوَزَّانِ : " زِنْ وَأَرْجِحْ " .

ثانيا : التطفيف في التصنيع

يقول الله ذو الفضل العظيم : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}( القرآن العظيم ، الحديد ) .

تقوم مصانع التعليب ، أو الشركات الخدمية ، لجميع المواد الغذائية والاستهلاكية ، الضرورية للحياة البشرية ، كالمعلبات الغذائية وأكياس الطحين والقمح والعدس والفول والحمص والذرة ، والمشروبات الخفيفة ، ومعلبات الشاي والقهوة والبزورات ، والمخلالات ، والعصائر ، والبسكويت ، والحلويات ، ومنتجات الألبان ، واللحوم ، والخضروات والفواكه ، وزيوت ووقود السيارات وسواها ، بأوزان معينة ، بقبان حديدي أو ميزان حديد إلكتروني ، أو ميزان متنقل . فعتبأ العبوات الحديدية أو البلاستيكية أو الكرتونية ، أو الورقية ، الجاهزة ، وإيهام الناس أن عبوة كذا ، كالزيت مثلا ، هي عبارة عن 5 لتر أو 3 لتر أو 2 لتر أو 1 لتر ، وهي في حقيقة الأمر تنقص عن ذلك ، فبدلا من كونها الأصلي 5 لتر يفاجأ المشترى بأنها 4.5 لتر ، وهو تطفيف بإنقاص الوزن بنصف لتر أو أقل في كل عبوة ، وهذا حرام إسلاميا . ومثال آخر ، يقوم المستهلك بشراء علبة بندورة معلبة عيار مركز 28 – 30 غم ، فيفاجأ بعد ذلك بأنها من عيار 20 – 22 غم ، وهو تزييف وتطفيف يحاسب عليه الإنسان أو تغيير مدة صلاحية العبوة ، للتمويه والاستخفاف . جاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 326) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ " . وجاء في سنن أبي داود - (ج 9 / ص 170) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ : جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ فَبِعْنَاهُ وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " زِنْ وَأَرْجِحْ " .

ثالثا : التطفيف الدولي

يقول الله الواحد القهار : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }( القرآن المجيد ، المائدة ) .
ويظهر هذا الأمر عبر التطفيف ، وأساليب الحرمان والقمع الدولية لشعوب وأمم العالم في تقرير مصيرها ، وإنشاء البنى التحتية والفوقية في جميع الاتجاهات ، وتفضيل الكيانات الطائفية المستعمرة على السكان الأصليين ، كما هو الحال في فلسطين حيث تمارس الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية سياسة التطفيف ضد المواطنين الفلسطينيين أهل البلاد الأصليين . وتعاملهم بلا إنسانية وتشن عليهم جرائم الحرب تلو جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتأتي الدول المطففة في ما يسمى بمجلس الأمن الدولي ، وتكيل بمكيالين ، مكيال التفضيل للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ، ومكيال التبخيس للشعب الفلسطيني حيث يحرم شعب فلسطين من أبسط حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية العامة في أرض الآباء والأجداد .
وهناك مكيال التمييز العرقي العنصري للتعامل العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي من الدول الاستعمارية للشعوب الصغيرة المغلوبة على أمرها ، فتقوم الثورات والانتفاضات وتنظم المسيرات والمظاهرات لتصحيح وإصلاح الموازين الاجتماعية والسياسية ، للاحتجاج على التمييز والظلم والطغيان تجاهها والتعبير عن عدم رضاها عن الواقع المرير الذي يصنعه الجلادون ضدها . والأمثلة كثيرة في هذا المضمار تجاه الأمتين العربية والإسلامية والشعوب الإفريقية وشعوب أمريكا اللاتينية من مجلس الأمن الدولي الذي يمارس سياسة الكيل بمكيالين ، مكيال تفضيلي ترجيحي ، ومكيال تفريطي تبخيسي وتنقيصي لحقوق الآخرين . ويعود ذلك تبعا لتوافق الأهواء والمنافع والمصالح الاقتصادية والتجاذبات السياسية والتكتلات العسكرية والتلاقيات الثقافية وغيرها .

رابعا : التطفيف الجامعي

يقول الله الحميد المجيد عز وجل : { أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)}( القرآن الحكيم ، الشعراء ) .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 4) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } " .
وهذا النوع من أحدث أنواع التطفيف والتبخيس ، وأشد وطأة على المجتمع الإسلامي ، وأكثر تدميرا ، وهو موجود بكثرة في فلسطين والوطن العربي وبعض البلدان الإسلامية والعالمية الفقيرة المال والقلب والعقل معا ، بسبب غياب الرقابة الفعلية وفقدان الضمائر الحية ، وانتشار المحسوبيات والعشائرية والحزبية والقبلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية على مؤسسات التعليم العالي ومشاركة الوزارة في ظلم الناس .
ويتمثل هذا التطفيف بعدة صور لعل من أبرزها :
1. عدم احتساب الشهادة الحقيقية للشخص : فمثلا المتخرجين من الجامعات الهندية والروسية ودول الكتلة الشرقية سابقا ، وبعض الجامعات الآسيوية بدرجة البكالوريوس يحتسب لهم شهادة دبلوم متوسط ، والمتخرجين بدرجة الماجستير ( الشهادة الجامعية الثانية ) تحتسب لهم درجة البكالوريوس ( الدرجة الجامعية الأولى ) ، والمتخرجين من درجة الدكتوراه ( الدرجة الجامعية الثالثة ) يحتسب لهم زورا وبهتانا وتطفيفا وكأنهم حاملين لشهادات الماجستير ، فتبا لهكذا أمر ، وهذا تطفيف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار . وهذا تقليل من شأن الناس المتخرجين ، وظلم كبير يقع عليهم ، ويؤدي إلى صدامات خفية وعلنية أحيانا تطفو على السطح .
2. الاحتساب المالي : بعد التطفيف بالاحتساب العام للشهادة بالتبخيس والتنقيص من حقوق الناس ، يتبعه تطفيف مالي ، فيحاسب حامل الدكتوراه على كادر شهادة الماجستير ، وحامل الماجستير على كادر شهادة البكالوريوس ، فأي ظلم هذا وأي استهتار ، بحق هؤلاء الأشخاص ، ذكورا أو إناثا ، وكل ذلك بهدف توفير إدارات الجامعة لدراهم بخسة ومعدودة ، وحرمان عائلات هؤلاء الناس من حقوقهم المالية .
3. الإمتلاء للبعض والتنقيص للبعض الآخر : فتلجأ بعض إدارات الجامعات الفلسطينية ، والعربية أحيانا ، إلى منح خريجين من روسيا أو دول الكتلة الشرقية سابقا ، من حملة الدكتوراه رواتب معادلة لزملائهم من خريجي الجامعات الغربية كالأمريكية والأوروبية ، وحرمان الآخرين من هذا الحق ، فيمكن أن يكون خريجين اثنين من جامعة واحدة ، هذا يأخذ راتب الكادر الوظيفي للدكتوراه وذالك يأخذ راتب الكادر الوظيفي للماجستير ، والأمر واضح للعيان ولا يمكن تفسيره إلا بكلام الله عز وجل المتمثل بالتطفيف المحرم إسلاميا بصورة قطعية .
4. والتطفيف واضح في عديد الجامعات الفلسطينية من جهة اعتماد الشهادات العلمية ، رغم أن فلسطين لم تفتتح برامج دكتوراه إلا برنامجا يتيما لا أب له ولا أم ، في الكيمياء في جامعة واحدة ويقبل خمسة طلاب كل سنتين . فإدارات بعض الجامعات المطففة تلجأ لاحتساب شهادات الدكتوراه الصادرة عن بعض الدول العربية كالعراق ومصر والسودان وروسيا وغيرها بشهادات ماجستير رغم أن وزارة التعليم العالي بفلسطين عادلت شهاداتهم كما هي الدكتوراه كدكتوراه ، والماجستير كماجستير ، ولكن ضعف طاقم الوزارة أو لا مبالاته وعدم رغبته وقلة سطوة الوزارة تجعل من بعض الجامعات الفلسطينية لا تلقي بالا لهذا الأمر ، علما بأن لديها سلطة كبيرة على الجامعات تتمثل في إصدار التراخيص الجامعية للكليات والبرامج والأقسام الأكاديمية والتقنية ، وكذلك تخصيص ميزانيات سنوية وبعثات أكاديمية ودورات تدريبية لهذه الجامعات .
وبهذا يمكن أن يحتمل الأمر احتمالين : الأول مشاركة وزارة التعليم العالي مع إدارات تلك الجامعات في التطفيف الأكاديمي والإداري والمالي .
والثاني : إهتزاز هيبة طاقم الوزارة أمام إدارات هذه الجامعات .
وكليهما أمر أسوأ من الآخر ، ولا يبشر بوضع سوي يسير على الصراط المستقيم بل يسير على صراط الجحيم والعياذ بالله . فليتذكر هؤلاء الموت والنزول للقبر ، والحساب يوم البعث العظيم ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
5. التطفيف بين الجامعات الغربية والعربية : هناك نوع آخر من التطفيف ، يتمثل في التفريق بين خريجي الجامعات العربية والغربية كالأمريكية والأوروبية ، وهو تطفيف ماحق ، وزاهق زهوق الباطل ، يسبب التناحر والتقليل من قيمة مؤسسات التعليم العالي العربية بجميع الميادين ، ويؤدي إلى عدم ثقة المواطن العربي والمسلم بالجامعات العربية وخذلان لهؤلاء الناس ، وتهميش للتعليم العالي العربي والإسلامي .
وكلمة لا بد منها ، إنه من الناحية الإسلامية ، وإن فرض التطفيف على الإنسان ، في لحظة الحاجة المادية لإعالة الأسرة وعدم توفر فرص العمل المؤاتية ، وقبل به فإنه لا يسقط حق التطفيف عن أهل التطفيف ، لأن هؤلاء لا يحكمون بالسوية . والإنسان يحكم عليه من شهاداته وخبرته وإنتاجه ، وعدم التسرع والحكم على جميع خريجي هذه الجامعات ، سواء أكانت أمريكية أو غربية أو عربية بمستوى واحد ، فإن كان شخص ما غير مؤهل علميا لسبب أو لآخر ، فليعلم الجميع أن هناك جامعات بريطانية وأمريكية تمنح شهادات مزيفة بقيمة ما بين 8 – 10 آلاف دولار . فما لكم كيف تحكمون ؟؟ .

وللقضاء على التطفيف المذكور لا بد من إتباع الخطوات الآتية على سبيل المثال لا الحصر :
أولا : تنحية إدارات الجامعات العربية والفلسطينية التي تتبع هذا النمط من التطفيف . ومجالس الأمناء في هذه الجامعات يجب أن يكون لهم رأي رادع في هذا المجال .
ثانيا : عدم إعتراف إتحاد الجامعات العربية بتواقيع إدارات هذه الجامعات حتى تعود عن غيها وسلاطتها وعنجهيتها السادرة فيها ، وإنصاف المظلومين . وعدم استقبال إدارات هذه الجامعات في اجتماعاتها .
ثالثا : المعاملة بالمثل : عدم إعتراف إتحاد الجامعات العالمية والآسيوية والإقليمية بتواقيع إدارات هذه الجامعات المطففة دون وجه حق .
رابعا : يجب على إتحاد نقابات أساتذة الجامعات والمعاهد العليا إعلان الإضراب العام الشامل للجم التطفيف والتحقير الذي يكيل بمكيالين غير نظيفين وغير مستقيمين .
خامسا : دعم السفارات في الدول العربية لمعادلة الشهادات العلمية ومناقشة الأمور على أعلى المستويات الأكاديمية والإدارية والسياسية .
سادسا : إدخال السلطة التشريعية على الخط وقيام النواب باستجواب المعنيين ، وملاحقة المتنكرين لغيرهم بحقوقهم العلمية التي دفعوا في تحقيقها الأموال الطائلة .
سابعا : شن حملات إعلامية منتظمة ومكثفة لردع هؤلاء وثنيهم عن ظلمهم لزملائهم الآخرين في الحرم الجامعي ، الذي يجب على الجميع احترامه بكل معنى الكلمة ، وعدم التنكر للآخرين ، وممارسة القمع الفكري وحظر حرية التعبير عن الرأي .
يقول الله العلي العظيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }( القرآن المجيد ، المائدة ) .

الفئات المستهدفة في التطفيف

يقول الله السميع العليم جل شأنه : { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}( القرآن المبين ، الأنعام ) .
جميع الفئات الاجتماعية في المجتمع ، أي مجتمع ، مستهدفة في سياسة التطفيف ، ولا يمارس سياسة التطفيف إلا ذوي النفوس المريضة ، الذين يرغبون في سرقة جهد ووقت وأموال غيرهم ظلما وعدوانا ، ويستغفلون الآخرين ، ولديهم نقص نفسي ، وسادية وتلذذ في تعذيب الآخرين ، والانتقام من زملائهم الذين لا يماثلونهم الرأي والمكر والمكيدة ، ولا ينافقون لهم ، والزعم بالتوفير على المؤسسة ، علما بأنهم يكونون من المبذرين في نشاطات أخرى ، فيلجأون لتغطية نقصهم ، بسياسة التطفيف السلبية ، فيأكلون حقوق العباد ظلما وعدوانا ، والمضطهدين ينافقون لهم ويجاملونهم ويتربصون بهم الدوائر ، ويبقون يبلعون المر ، طيلة فترة العذاب النفسي والاجتماعي والحبس اللاداري الذي يمارسه غيرهم ضدهم ، والبعض ينتفض أمام هؤلاء الظالمين من الطغاة البغاة ، المستأسدين على ذوي الحاجة ، فينالون حقوقهم ، ويشنون حملات دعاية وإعلام وعلاقات عامة مكثفة ومبرمجة ناجحة فتعاطف معهم الناس ، ويهدأون من روعهم ، ويطالبونهم بالصبر والبعض ينصحهم بترك العمل وإعلان الإضراب وهكذا . وتعتبر فئة المقاومين للظلم بشتى صوره ، فئة مقاتلة من أجل الحرية والحق ، وتنال أمانيها ومطالبها في نهاية المطاف على استحياء أو بصورة علنية .
وعلى الإجمال ، تتركز الفئات المستهدفة في التطفيف في الشرائح الاجتماعية الآتية :
أولا : جميع الناس ، الذين لا يعرفون المكاييل والمقاييس ويجهلون مقاديرها ، فيخذون على حين غرة .
ثانيا : الفقراء والمحتاجين : الذين لا حول لهم ولا قوة ، فيميلون لقبول الأمر الواقع كما هو ، ويجعلون من أنفسهم تجارب للآخرين .
ثالثا : النساء : في التنكر لحقوقها ، وعدم إيلائها الاهتمام المناسب فتضطر شريحة كبيرة من النسوة للخضوع والخنوع لما يملى عليهن ، بدعاوى أن ليس باليد حيلة .
رابعا : الفئات الصغيرة : كالأطفال والأيتام .
خامسا : الفئات المتعلمة : وهي الفئات المغلوبة على أمرها ، من الأكاديميين والإداريين الضعفاء ، وليس من يساندهم أو ليس لديهم ظهر قوي يحميهم ، وهؤلاء كمن هو ساكت عن حقه مثله مثل الشيطان الأخرس الساكت عن الحق . ويخافون كل صيحة عليهم هم العدو ، ويتحاشون طردهم من عملهم ، لضعف إيمانهم بالله الرزاق ذو القوة المتين .
وأخير ، فإن المساواة والعدل والعدالة الاجتماعية ، والاحترام والإحترام المتبادل ، والتعاون الأخوي يجب أن يسود بين أبناء المجتمع الواحد ، سواء أكان مجتمعا عربيا أو إسلاميا أو إنسانيا عالميا ، وإلا لعمت الفوضى ، وتربصت الفئات الاجتماعية ببعضها البعض ، للاقتناص والقصاص ، والدهر كالدولاب ، يدور ولا يبقي أحدا على حاله ، لأن دوام الحال من المحال . فاتقوا جميعا وقولا قولا سديدا وردوا المظالم لأصحابها قبل فوات الأوان .
وورد في سنن أبي داود - (ج 12 / ص 472) أَنَّ عَائِشَةَ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة، 13 نوفمبر 2009

رسالة مفتوحة إلى توني بلير منسق اللجنة الرباعية للسلام في ( الشرق الأوسط )

رسالة مفتوحة إلى توني بلير

منسق اللجنة الرباعية للسلام في ( الشرق الأوسط )


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حضرة توني بلير عظيم البريطانيين السابق

السلام على من اتبع الهدى في العالمين ، أما بعد ،


الموضوع : ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ


توني بلير تارك الكنيسة الانجيلية والملتحق بالكاثوليكية

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .

فإنني أوجه لك هذه الرسالة المفتوحة عبر أثير الانتر نت ، بصفتك المنسق العام للجنة الرباعية الدولية التي تضم ممثلين من كل من : الولايات المتحدة الأمريكية ، والإتحاد الأوروبي ، والإتحاد الروسي ، والأمم المتحدة ، بعد إخراجك من منصب رئيس الوزراء البريطاني مذموما مدحورا ، وبصفتك مرشحا لتولي منصب رئيس الإتحاد الأوروبي مستقبلا ..
لقد تبوأت هذا المنصب ، بقرار استعماري جديد ، حيث كنت ذيلا للولايات المتحدة زمن جورج بوش الصغير ، عظيم الأمريكيين سابقا ، علما بأن الولايات المتحدة هي عبارة عن مستعمرات أوروبية عامة ، وبريطانية خاصة ، منذ سابق العصر والأوان .
المحامي توني بلير .. Tony Blair المتنكر لحقوق الإنسان
إن تاريخك القانوني والبرلماني والسياسي في المملكة المتحدة ، حافل وكبير حيث عملت في سلك المحاماة ، ما بين الأعوام 1976 – 1983 ، ثم توليت رئاسة الحكومة البريطانية لثلاث فترات متوالية ما بين 1997 – 2007 ، عندما كنت زعيما لحزب العمال البريطاني ما بين 1994 – 2007 ، ثم استقلت مكرها من رئاسة الحكومة البريطانية والبرلمان البريطاني ، ورئاسة حزب العمال البريطاني في 27 حزيران – يونيو 2007 ، وفي اليوم ذاته قلدك معلمك الأكبر الدجال الكبير جورج بوش الصغير إمبراطور الولايات المتحدة المخلوع من شعبه ، لتكون مبعوثا للجنة الرباعية الدولية لما يسمى السلام في الشرق الأوسط . وجاء هذا التعيين الجديد مكافأة لك على خدماتك الاستعمارية في كل من أفغانستان والعراق ومناهضة روسيا ، ودعمك توسع حلف شمال الأطلسي شرقا ، حيث كنت ذراع بوش الأيمن التي يضرب بها المسلمين ، فرملت النساء ويتمت الأطفال ، وقتلت الصغير والكبير بلا رحمة أو تمييز ، علما بأنك لا تصلح أن تكون وسيطا ، فأنت محام وتعرف القانون البريطاني والدولي ، ولا تعترف بحقوق الإنسان العربي والمسلم ، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، طيلة فترة رئاستك للحكومة البريطانية ، على مدى عقد من الزمن ، وتعلم علم اليقين ، استهتارك بالعرب والمسلمين ، وليس لديك النزاهة والشفافية ، لأنك متحيز للإمبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية في فلسطين المحتلة بفعل دعمكم اللا محدود لهذا الكيان الصهيوني المصطنع في المشرق العربي .
ورغم أنك محام ، فإنك لا تحكم بالعدل أبدا ، وتناصر العدوان الصهيوني على فلسطين خاصة والأمة الإسلامية عام، وقد أمر الله العدل ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى بتطبيق العدالة بين جميع البشر قائلا : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}( القرآن الحكيم ، النساء ) .
لقد جئت لتتابع الخطة الجهنمية البريطانية خاصة والأمريكية عامة ، التي تتمثل بسياسة ( فرق تسد ) ، فسعيت ولا زلت تسعى إلى إرهاق الفلسطينيين الجدد ، جغرافيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ونفسيا ، بعدما أرهقت وأزهقت الحكومات البريطانية السابقة ، فلسطين الأرض المقدسة ، وأهل فلسطين الأصليين الحقيقيين . فكانت وزارة الخارجية البريطانية الشريرة ، منحت وعد بلفور ، من جيمس أرثر بلفور ، رئيس الدبلوماسية البريطانية ، في 2 تشرين الثاني – نوفمبر 1917 م ، الذي قضى زورا وبهتانا بإيجاد ما يسمى ( وطن قومي لليهود في فلسطين ) ، وجاء نص وعد بلفور البريطاني لليهود موجها لثري من أثرياء اليهود البريطانيين البارزين وهو روتشيلد :
عزيزي اللورد روتشيلد :
" يسرني جدا أن أبعث إليكم باسم حكومة جلالة الملك بالتصريح التالي ، تصريح العطف على الأماني اليهودية الصهيونية ، الذي رفع إلى الوزارة ووافقت عليه . إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي ، وسوف تبذل أفضل جهودها لتسهيل بلوغ هذه الغاية ، على أن يفهم جليا أنه لا يجوز عمل شيء قد يضير الحقوق المدنية والدينية التي للطوائف غير اليهودية في فلسطين ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به في أي بلاد غيرها " .
وكان الهدف من إصدار هذا الوعد المشؤوم المنحوس من إمبراطوريتكم الشريرة ، عدة أهداف لعل من أبرزها : استقطاب يهود العالم وخاصة يهود أوروبا والولايات المتحدة لصالح الحلفاء بالحرب العالمية الأولى ، وإغداق الأموال على جيشكم إبان تلك الحرب القذرة ضد شعوب العالم ، وإيجاد كيان يهودي استعماري لحماية قناة السويس شريان الحياة الاقتصادية العالمية بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا ، وإشغال العرب والمسلمين بهذا الكيان الصهيوني – اليهودي المصطنع في قلب الوطن العربي ، وقلب الوطن الإسلامي الكبير . لقد أعطت إمبراطوريتكم الشريرة وعد بلفور ، لمن لا يستحق ، وهي المنظمة الصهيونية الإرهابية ، علما بأنكم لا لم تكونوا في يوم من الأيام ، تملكون فلسطين بأي حال من الأحوال .
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ، قررت ما سمي آنذاك ب ( عصبة الأمم ) صنيعة الاستعمار العالمي الحديث ، تولي بريطانيا الاستعمارية احتلال أرض فلسطين الكبرى ، من بحرها إلى بحرها ، من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الميت ، وأطلقتم عليه ، آنذاك ( الانتداب البريطاني ) لتحسين الصورة وعدم تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ، واستمر احتلالكم للأرض المقدسة ، حتى 14 أيار – مايو 1948 ، حيث مكنتم خلال هذه الفترة العصيبة ما بين ( 1917 – 1948 ) من حياة فلسطين وأهلها ، يهود العالم بالتوافد على فلسطين ، واستعمارها واحتلالها وحرمان أهلها منها ، دون ذنب اقترفوه بحقكم ، فكنتم المعتدين والعدوانيين في الآن ذاته ، بالتعاون والتنسيق الكامل مع المنظمة الصهيونية العالمية ، التي عاثت معكم فسادا وإفسادا في البلاد ، دون وجه حق ، وساهمتم في إعلان الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بأرض الغير ، زورا وبهتانا . واستشهد في تلك الحقبة الزمنية من أهل فلسطين ، آلاف الشهداء ، وعملتم على تغيير الوقائع الديموغرافية والجغرافية ، ومكنتم يهود العالم من إقامة ما يسمى بالحكومة اليهودية – الصهيونية العالمية ، بأرض آباء وأجداد الفلسطينيين . ولا ننسى كذلك تمكينكم عبر مندوبكم السامي ، غير السامي ، وحكومتكم غير الرشيدة ، ليهود فلسطين المحتلة عام 1929 إبان احتلالكم الأرض المقدسة ، من الاستيلاء على حائط البراق الإسلامي كجزء هام من المسجد الأقصى المبارك ، وتسميه زورا وبهتانا ( حائط المبكى ) .
الطريد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق
لقد استعمرت بلادكم ، بلادنا ، في العديد من البلدان الإسلامية ، مثل مصر والسودان ، وفلسطين والأردن ، والعراق ، وأراضي شاسعة من أرض الجزيرة العربية ، كجنوب اليمن والإمارات العربية ، والكويت ، بالإضافة إلى أفغانستان ، وباكستان ، وغيرها من البلدان الإسلامية . وحاولت تشويه الإسلام العظيم عبر الجماعات المرتدة التي تزعم أنها مسلمة ، كالأحمدية والقاديانية وغيرهما .
وبعد الثورات المجاهدة في هذه البلدان العربية والإسلامية ، تحررت العديد من الأراضي العربية والإسلامية ، وأعلنت فيها الدول المستقلة سياسيا ، والمستعمرة إقتصاديا ، ولكن شعوب هذه البلدان لا ولم ولن تنسى استعماركم وقتل عشرات آلاف الشهداء ، وتريد الاعتذار والتعويض المعنوي والمادي عما اجترحتموه من سيئات وخطايا ماحقة بحقهم ، وسيأتي اليوم الذي تدفع فيه مملكتكم الخاطئة ، المملكة المتحدة ، الثمن باهظا، وسيتم فيه تقسيم بلادكم إلى ولايات أو دول مستقلة مثل لندن ، إنجلترا ، اسكتلندا ، وويلز ، ومنح الحرية لايرلندا الشمالية المحتلة من قبلكم لتكون جزءا من الوطن الأم . وسنوصي أبناءنا وأحفادنا المسلمين ، بأن يعملوا على تقسيم بلادكم لمناطق أمنية ومدنية ومحميات طبيعية ، ومناطق برية ومناطق بحرية وهكذا ، وغيرها .
وفي خاتمة النهايات سيظهر الإسلام في جميع أنحاء العالم ، وستدفعون الثمن عاليا ، إن لم تعلنوا إسلامكم ، فالجزية ستدفعونها عن يد وأنتم صاغرون ، أو إفناءكم ، على أيدي المسلمين ‘ عاجلا أو آجلا ، وستعلمون نبأه بعد حين .
ولا بد من التنويه لك ، أنك كما طردت من رئاسة الوزراء فإنك ستطرد من ما يسمى باللجنة الرباعية الظالمة ، التي تكيل بمكيالين ، فنحن لسنا بحاجة إلى فتات الفتات ، من صدقاتكم المزيفة ، بل نحن بحاجة إلى استقلال فلسطين قلبا وقالبا ، والتوبة والعودة عن الخطيئة الكبرى ، بإلغاء الكيان الصهيوني وبناء دولة فلسطين الواحدة الموحدة العتيدة .
إعلان الإسلام العظيم
إعلم يا توني بلير ، إن الدين عند الله هو الإسلام العظيم ، وما عليك إلا ترك المسيحية الكاثوليكية كما تركت الانجيلية أو الطائفة التي ستغير بها كنيستك التي ستكنسك يوم القيامة كنسا كما يكنس المجاهدون الاحتلال عن التراب الإسلامي ، حيث التحقت بالكاثوليكية دين زوجتك وأولادك ، بعد الإطاحة بك من عل ، من رئاسة الحكومة البريطانية وزعامة حزب العمال البريطاني ، والأجدى لك أن تلتحق بالإسلام لأنه النور الساطع البهي ، والصراط المستقيم وهو خاتمة الرسالات السماوية للبشرية جمعاء . ونعرف أنك تقرأ القرآن المجيد ( الدستور الرباني للخلق أجمعين ) يوميا لمعرفة ما يدور في المشرق العربي الإسلامي ، ووصفت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ( قوة حضارية هائلة ) ، وأسأل المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام ، الذي يحترمه المسلمون في جميع أنحاء العالم ، إن كنت مشككا بذلك حيث يقول : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}( القرآن العظيم ، الصف ) . فتوجه يا توني بلير للقبلة الإسلامية بإتجاه الكعبة المشرفة والمسجد الحرام بمكة المكرمة ، وأعلن يا توني بلير إسلامك جهارا نهارا وأهجر قبلة لندن وواشنطن وروما هجرا مليا أزليا ، قبل أن ينالك عذاب عظيم وشديد من الله القهار الجبار .
ويقول الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
ويقول الله العلي العظيم جل شأنه : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
ويقول الله الحميد المجيد عز وجل : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
الطاغية توني بلير .. أنت مدعو لإعلان إسلامك ، ليتبعك الآخرون من الملكة اليزابيت ملكة مملكتكم ، المملكة المتحدة ، وخليفتكم في رئاسة الوزراء غوردون براون ، بصفتك خبيرا وضليعا أكثر منهم في هذه المسألة ، وقيادات الاتحاد الأوروبي ، والدول أل 27 المنضوية تحت لواء الإتحاد الأوروبي المزعوم ، ودعوكم من الإلحاد والكفر والعلمانية والإشراك بالله الواحد الأحد ، والديموقراطية المزيفة . فأي ديموقراطية تدعون ، ومملكتكم الشريرة ، عضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي ، وهو المجلس الإرهابي العالمي ضد أبناء الأمتين العربية والإسلامية ، ومن المعلوم أن الديموقراطية تتنافى مع العضوية الدائمة بمجلس الأمن ، كون أن أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية يستطيع أن يعترض تمام الإعتراض ، ويستجاب له ، ولا تنفذ ولا تتخذ قرارات أممية ظالمة دون موافقة هذا العضو دائم التسلط والتجبر بالأمم المتحدة . فلا تصفوا المسلمين بالإرهاب وأنتم خير من يمثل الإرهاب في العالم عبر التاريخ البشري .
يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}( القرآن المجيد ، الأنفال ) .
أيها الظالم توني بلير زعيم الأوروبيين المنتظر ...
ليكن في علمك ، إن الأمة العربية ، والأمة الإسلامية ، خير أمة أخرجت للناس ، ستحاسبكم حسابا عسيرا قبل الحساب الرباني العظيم يوم القيامة ، حيث ستخلدون في سعير نار جهنم وساءت مصيرا ، إن لم تتوبوا توبة نصوحا ، وتردوا المظالم إلى أهلها ، ولا تبقوا تكيلوا بمكيالين غير متجانسين . يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) }( القرآن المجيد ، المطففين ) .
أيها المسئولون البريطانيون وأنت توني بلير في مقدمتهم ..
لقد مكنتم يهود العالم من إقامة دولة صهيونية علمانية خاصة بهم فيما يطلق وتطلقون عليه ( إسرائيل ) ، وهي في حقيقة الأمر ( دولة هرتزل ) وليست دولة ( إسرائيل ) ، فنبي الله يعقوب ( إسرائيل ) بن اسحاق برئ من هذا الكيان المصطنع ، لتكون بديلا عن الدولة الصليبية ( مملكة القدس اللاتينية وعاصمتها أورشليم ) التي أسر ملكها ( غي لوزنيان ) السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187 م التي استمرت أقل من يومين وانتهى الوجود الصليب الأوروبي عام 1244 م على يد نجم الدين أيوب . ومصير هذه المملكة اليهودية الخاطئة ، إلى زوال كما زالت مملكة الصليبيين على أيدي النشامى المسلمين ، وأنصحك بقراءة التاريخ في القرون الوسطى والغزوات الصليبية للأرض المقدسة . فالتاريخ البشري لا يرحم ، ولن يرحمكم ، ولن ترحمكم الأمة الإسلامية المجيدة ، بأي حال من الأحوال ، وأنت شخصيا ستتحمل ما افتعلته أيام حكمك وطغيانك الأسود ضد العرب والمسلمين ، ومشاركة جيشكم في الحرب العدوانية الاستعمارية على أفغانستان عام 2001 ، وعلى العراق 2003 ، واستمراركم في غيكم ومناصرة أصحاب السبت ، المغضوب عليهم ، وأهل السفاهة والظلم والظلام ، في الأرض المقدسة – فلسطين وستدفعون الثمن باهظا جراء ذلك . يقول الله القادر القهار : { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}( القرآن المجيد ، المعارج ) .
توني بلير .. رئيس المجلس الأوروبي المقبل
عظيم البريطانيين سابقا ، وعظيم الأوروبيين لاحقا ، لا تبغ الفساد في الأرض ، كأسلافك أباطرة المملكة المتحدة السابقين ، من الكفرة الفجرة ، وكفاكم طغيانا وظلما للعالمين تحت أسماء ومسميات شتى منها : الديمقراطية والحرية الفردية ، وحرية المرأة وغيرها ، وتنكرتم لحقوق المسلمين الأساسية في الحياة الطبيعية الآمنة ، لقد أذقتم أبناء الأمة الإسلامية الويلات جراء حروبكم الوحشية الهمجية ، المباشرة أو غير المباشرة بالوكالة عنكم ، ولم تسلم منكم الشعوب غير الإسلامية أيضا قبل وبعد ميلادك عام 1953 ، في ألمانيا واليابان والصين وكوريا الشمالية وغيرها . ولن تسامحكم أجيال المسلمين المتعاقبة على أفعالكم .
يا أصحاب الأحد ، لقد بطشتم جبارين وطغيتم في فلسطين وحولتموها لمستعمرة لأصحاب السبت ، ومحمية يهودية تابعة لصليبكم المزعوم ، وشمعدانهم المهزوم ، ودمرتم أفغانستان فيما بعد ، وها أنتم تدمرون العراق الإسلامي ، عن سبق الإصرار والترصد ، وتفتعلون الفتن والحروب في الصومال والسودان وإيران وباكستان والهند بين المسلمين والهندوس وسواها من أنحاء الكرة الأرضية ، أرض الله الواسعة . لا تأخذكم العزة بالإثم ، فأصحوا من سباتكم العميق ، وتراجعوا عن غيكم وباطلكم ، الذي دنستم به أجزاء الوطن الإسلامي . يقول الله الواسع الكبير : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
توني بلير ، الشرير البريطاني الأول سابقا ولاحقا .. الإعتذار الرسمي
أنت مدعو ومملكتكم لتقديم الإعتذار والأسف لأبناء الأمتين العربية والإسلامية ، لأن مملكتكم الخاطئة قتلت عشرات آلاف العرب والمسلمين طيلة فترة حكمكم الشرير وسيطرتكم الظالمة على مقدرات هذه الشعوب كجزء من الأمة الإسلامية ، فنهبتم خيرات الوطن الإسلامي ، ولا زلتم تنهبون خيرات أفغانستان وباكستان والعراق والسودان وتذيقون شعوبها الظلم والعذاب الشديد . وهذا يستدعي منكم الإنسحاب الفوري من جميع بلاد المسلمين المستعمرة منكم ومن الإمبراطورية الأمريكية الشريرة ، وسياسة فرق تسد التي تتبعونها سيأتي اليوم الذي تخضعون لها ، وتقسم بلادكم إلى كانتونات ومعازل دينية وطائفية وجغرافية مثل فلسطين : ( مناطق أ ، ب ، ج ، د ) جزاء وفاقا لكم ، لأن الدهر يومان ، يوم لكم ويوم عليكم ، وقد ذهب اليوم الذي لكم ، وجاء يومكم الذي عليكم فانتظروه وما هو منكم ببعيد .
توني بلير .. وزير الخزنة البريطانية السابق .. التعويض المالي
لقد اقترب حسابكم ، وما عليكم إلا تقديم الإعتذار الرسمي والأسف السياسي والدبلوماسي والتعويض الاقتصادي والتراجع القهقرى للخلف ، والمبادرة لتعويض المظلومين من مملكتكم الشريرة عبر التاريخ ، والتعويضات السياسية والمادية المطلوبة عن الحقبة الاستعمارية ، بحدها الأدنى هي كالتالي :
أولا : تعويض أهل فلسطين ، عن الفترة التي أخضعتم فيها فلسطين ( الأرض المقدسة ) للاحتلال البريطاني ما بين 1917 – 1948 ، طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، وجلبتم فيها أكثر من 600 ألف يهودي لإقامة مملكة صهيون الخاطئة ، وأنتم تعرفون أن هؤلاء الصهاينة هم من يهود أوروبا وأمريكا الشمالية في غالبيتهم ، أي أنهم مستعمرين ومستوطنين أوروبيين مثلهم مثل مستوطني أمريكا الشمالية ( البلاد الجديدة ) وليس لهم أدنى علاقة بفلسطين ، دينيا وتاريخيا وجغرافيا وسياسيا .
1. ترحيل يهود فلسطين المحتلة لمواطنهم الأصلية بمساهمتكم البريطانية والأوروبية المالية في قارات أوروبا وآسيا والأمريكتين الشمالية والجنوبية وإفريقيا وأستراليا ، حيث جاؤوا من 102 دولة ويتحدثون 82 لغة ، فيعودوا إليها .
2. تمكين الشعب المسلم العربي الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ، ليس وفقا لخطة خريطة الطريق التي أكل عليها الدهر وشرب ، المطروحة منذ نهاية 2002 ، إبان انتفاضة الأقصى الفلسطينية المجيدة ، بل وفق المنطق والحق التاريخي والقومي والديني للعرب والمسلمين في الأرض المقدسة .
3. قيمة التعويضات المالية المطلوبة لأهل فلسطين تساوي 92 مليار جنيه إسترليني ، بواقع مليار جنيه إسترليني عن كل عام مضى على وعد بلفور المشئوم منذ 1917 – 2009 بواقع 92 عاما . وتكون هذه التعويضات نقدية وعينية في الآن ذاته ، للمساهمة في بناء دولة فلسطين العربية المسلمة . وبالجنيه الإسترليني الذي تحبون التعامل به بعكس دول الإتحاد الأوروبي التي ألغت عملاتها المحلية والتزمت باليورو الأوروبي .
4. هذا بالإضافة إلى ضرورة السماح بإقامة المساجد الإسلامية والمدارس والمؤسسات الإسلامية في المملكة المتحدة ، والسماح بنشر الرسالة الإسلامية السمحة في بلادكم ، وعدم ملاحقة أئمة المسلمين فيها دون أي وجه حق بحقهم .
5. وكذلك عليكم تفكيك ونقل ساعة بيغ بن ، من قلب لندن باعتبارها ساعة التوقيت الدولي ( غرينتش ) للقدس المحتلة باعتبارها عاصمة فلسطين العربية الإسلامية المنتظرة ، وعاصمة الدولة الإسلامية العظمى المقبلة في العالم ، وذلك كجزء من التعويض المعنوي والمادي لأهل فلسطين المحتلة منذ عام 1917 حتى الآن ، حيث كان احتلالكم مباشرا لها ما بين 1917 – 1948 ، ثم تولى استعمارها وكلاء يهود صهاينة عنكم منذ 1948 – 2009 .
6. فتح الجامعات البريطانية أمام طلبة فلسطين مجانا ، بالإعفاء من الرسوم والأقساط الجامعية والمصاريف العامة بصورة كاملة ، وذلك عبر إدخال التسهيلات لقبولهم في جامعاتكم ، بصورة لا تقل عن 10 آلاف طالب سنويا ، كتعويض علمي وأكاديمي لما ألحقتموه بأهل فلسطين من خسائر أكاديمية ، وذلك بالاستفادة من التعويضات الألمانية ليهود أوروبا بسبب النازية البائدة في ألمانيا .
ثانيا : تعويض الشعوب التي استعمرتها بريطانيا أو وضعتم بها قواعد عسكرية من بلاد المسلمين بواقع ثلاثة مليارات جنية إسترليني سنويا ، بعدد سنوات الحقبة الاستعمارية ، في كل بلد من بلاد المسلمين مثل : مصر والسودان وأفغانستان والعراق ، ولبنان ، وأجزاء من شبة الجزيرة العربية ، على سبيل المثال لا الحصر .
الطاغية توني بلير .. راشي الوزراء البريطانيين
تذكر يا توني بلير ، أنك أحد الفاسدين والمفسدين في أرض الله الواسعة عموما ، وأرض بريطانيا خصوصا ، حيث كنت توزع مائة ألف جنيه إسترليني سنويا ، على مناصريك من الوزراء والبرلمانيين وكبار البريطانيين لتمرير سياستك العدوانية ، والسير باتجاه البوصلة الاستعمارية الأمريكية في العالم ، فكنت كذيل لجورج بوش الصغير أو حجر شطرنج بيده .
وربما تظن أن هذه رسالة هزلية ، وسطحية ، ولا تأثير لها عليك وعلى مملكتكم الخاطئة ، بالحياة العامة في المملكة المتحدة ، وتأكد أن هذه البيانات هي ما ستؤول إليه أوضاعكم لاحقا ، سواء قصرت المدة الزمنية أم طالت لتنفيذها على أرض الواقع إن شاء الله العلي العظيم . وإذا كنت حيا مستقبلا ، فإنه سيتم تعيينك أو أحد أبناءك أو أحد أحفادك ، منسقا عاما لتصفية الوجود البريطاني في العالم من أقصاه إلى أقصاه ، مقابل تسلمك زمام تصفية البقية الباقية من فلسطين ليهود فلسطين المحتلة الآتين من كل فج عميق ، وحرمان أهلها من الحرية والاستقلال الوطني الناجز ، وشن العدوان المتواصل على الأمة الإسلامية عموما ، وأفغانستان والعراق خصوصا . وستدفع بلادكم الجزية عن يد وأنتم صاغرون . ولسان حال الآيات القرآنية الربانية المجيدة يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }( القرآن المجيد ، التوبة ) .
نذكرك يا توني بلير .. إن المسلمين خاضوا معركة مؤتة عام 629 م زمن المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم خاض المسلمون معركة اليرموك عام 636 م بحوالي 40 ألف جندي مسلم ، بينما كان عدد جنود الإمبراطورية الرومانية 240 ألف جندي ، ورغم ذلك فقد هزمت فيها إمبراطورية الشر الرومانية شر هزيمة وقتل فيها قرابة 120 ألف جندي صليبي ، وتحررت بقاع العرب والمسلمين من نير الاحتلال الروماني الأوروبي ، وهذا هو موعدكم مع جحافل المسلمين القادمين ، حيث ستذوى الإمبراطوريات الأوروبية والأمريكية وسيدخل الإسلام العظيم ، جميع البيوت طوعا أو كرها ، وإنا لصادقون ، فانتظروا إنا منتظرون .
يقول الله الغني الحميد جل جلاله : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}( القرآن المبين النساء ) . وجاء في مسند أحمد - (ج 34 / ص 308) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ " . وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ .
وإلى الله الرجعى والمنتهى .
تحريرا في يوم الجمعة 26 ذو القعدة 1430 هـ / 13 تشرين الثاني 2009 م .
والسلام على من اتبع الهدى في العالمين .

التوقيع
د. كمال إبراهيم علاونه
أكاديمي مسلم عربي فلسطيني
ابن الأرض المقدسة