السبت، 31 أكتوبر 2009

المشاكل والعقبات التي تواجه الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

المشاكل والعقبات التي تواجه

الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}( القرآن العظيم ، يس ) . وجاء في مسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

يعتمد المجتمع الفلسطيني على الزراعة بالدرجة الأولى ، وذلك منذ غابر الأزمان ، فنرى الفلاح الفلسطيني في الأرض المحتلة يقبل ويعمل على زراعة أرضه بالأشجار المثمرة أو بالمحاصيل الشتوية أو الصيفية . وأثناء قيامه بزراعته أرضه واجه الفلاح الفلسطيني عدة مشاكل وعقبات تقف كحجر عثرة أمام فلاحة الأرض وزراعتها بالطرق البدائية التقليدية أو زيادة وتطوير إنتاجه باستخدام الطرق والأساليب الزراعية الحديثة . وتتعد المشكلات والعقبات التي تواجه الفلاح الفلسطيني إلى ثلاثة أنواع رئيسي هي : السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وفيما يلي استعراضا عاما موجزا لهذه المشكلات الأساسية .
أولا : المشاكل السياسية :
وهي ناجمة عن غياب السلطة الوطنية الفلسطينية الزراعية الحقيقية الموجهة للفلاح الفلسطيني حول كيفية المحافظة على أرضه بزراعتها وحراثتها ومنع إنجرافها بل على العكس من ذلك ، يتعرض هذا المواطن الفلسطيني المالك للأرض جدا عن أب وأبا عن جد لمصادرة أراضيه . فالاحتلال الصهيوني الجاثم على الأرض الفلسطينية منذ عام 1948 ، يسبب مشكلة عسكرية وسياسية متلاحقة تقض مضاجع الفلاحين الفلسطينيين وتحد من حريتهم في أراضيهم .
ثانيا : المشاكل الاقتصادية :
وهي بدورها تنقسم إلى عدة مشاكل وأهمها :
1. غزو المنتجات الزراعية الصهيونية للأسواق الفلسطينية :
عملت الشركات والمؤسسات والمزارعين الصهاينة على غزو الأسواق الفلسطينية بالأرض المحتلة وإغداقها بالمنتجات الزراعية وكافة أنواع البضائع ذات الماركة الصهيونية . وقد جاءت عملية الغزو الاقتصادي هذه بقوة وفعالية كبيرة حيث جاءت بأسعار وأثمان أرخص من المنتجات الزراعية الفلسطينية وذلك لكون الدعم الحكومي الصهيوني المقدم للمنتجات الزراعية الصهيونية كبير جدا ، وفي المقابل لوحظ غياب الدعم العربي والفلسطيني للمزارع الفلسطيني المغلوب على أمره بإعتباره شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني ، وإن كان هناك دعما فإنه دعم يسير ونزير جدا جدا ، هذا مع العلم أن هذه الفئة من فئات الشعب الفلسطيني تشكل نسبة كبيرة من إجمالي عدد المواطنين الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، إذ يمثل سكان الريف أكثر من 60 % من عدد السكان بفلسطين .
وإذا ما قارنا وقسنا درجة الاهتمام بهذا القطاع العريض ونسبته الإجمالية من تعداد الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل فإننا لا نجد أي وجه للقياس أو المقارنة بل يمكن أن نقول إنه تربطهما علاقة عكسية وليست طردية . وإزاء عدم الاهتمام الكافي بالفلاح الفلسطيني وأرضه فإن الزراعة أخذت تذوى شيئا فشيئا ، وأخذ الفلاح يترك أرضه بورا بلا زراعة ، مما سهل ابتلاعها المتسارع من الصهاينة ، متجها إلى قطاع العمل ليعمل به ليتمكن من إعالة أسرته وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والسائرة من سيء على أسوا وارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني المعرض للإنهيار وتبعيته شبه التامة له ، آخذين بعين الاعتبار تدهور الاقتصاد الصهيوني يوما بعد يوم وهبوط قيمة العملة الإسرائيلية المسماة الشيكل هبوطا مستمرا .
إذ أن تكاليف الزراعة ارتفعت كثيرا والإنتاج الزراعي الفلسطيني تعرض ويتعرض لمنافسة المنتجات الزراعية الصهيونية المدعومة التي تباع بأسعار اقل من أسعار تكلفة الزراعة في الريف الفلسطيني بسبب الدعم الحكومي الصهيوني ز
وقد ساعدت سياسة قمع المنتجات الزراعية الفلسطينية في الأرض المحتلة ومنافستها من قبل المنتجات الصهيونية على تحجيم الزراعة الفلسطينية وزيادة إهمال المزارع الفلسطيني لأرضه طبقا للمبدأ القائل ( مكره أخاك لا بطل ) أي رغما عنه .
أما بالنسبة للاهتمام بدعم المزارع أو الفلاح الفلسطيني من الناحيتين المادية والمعنوية فلم تكن على المستوى المطلوب ، بل يمكننا أن نقول إن معدومة أو شبه معدومة بشكل أدق ، مما يجعل آلاف الريفيين الفلسطينيين بعد الثقة والاعتماد على الزراعة كمصدر دخل أساسي ووحيد لهم وإعتبارها كمصدر دخل ثان أو ثالث بعد قطاعي العمل والخدمات .
2. الزراعة البعلية وعدم الاعتماد على الزراعة المروية :
تعتمد الزراعة الفلسطينية في الأرض المحتلة أكثر ما تعتمد على مياه الأمطار الهاطلة في فصل الشتاء فقط مما يجعل الزراعة خاضعة لذبذبات سقوط الأمطار سنة بعد أخرى . وهذا الأمر يؤدي إلى ضعف الإنتاج الزراعي وخاصة المزروعات التي تحتاج كميات كبيرة من المياه لريها وسقيها ، فالماء هو عصب الحياة حيث تقول الآية القرآنية المجيدة : { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}( القرآن الحكيم ، الأنبياء ) . فالماء عنصر أساسي ورئيسي من عناصر الزراعة . وهناك جزء يسير جدا من الأراضي المزروعة في الأرض المحتلة يستخدم المزارعون فيها المياه لريها ريا دائما أو متقطعا ، مما يجعلها تعطي إنتاجا زراعيا ضعيفا اقل من المستوى الجيد مما يزيد في أسعار التكلفة .
3. عدم وجود الطرق الزراعية :
إن أجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تنقصها الطرق الزراعية ، وهذه الطرق ضرورية جدا وخاصة إذا كانت الأرض تبعد مسافة كبيرة عن القرية – مسكن المزارع – حيث لا يمكن للمزارع حراثتها بالطرق الزراعية التقليدية أو الحديثة مما يزيد من تكلفة المزارع كلفة مادية كبيرة يجعل من احتمال أو إمكانية استصلاحه لأرضه صعبة وخاصة إذا كانت مساحة كبيرة مما يساعد على قلة الزراعة وتخلفها للوراء بدلا من تطويرها والنهوض بها .
4. الأراضي الجبلية :
هناك أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية أراض جبلية أو نصف جبلية تحتاج لزراعتها بالأشجار المثمرة كأشتال الزيتون واللوز وغيرها ، وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي الفلسطيني في الأرض المحتلة بسبب تبعية الاقتصاد الفلسطيني شبه الكاملة للاقتصاد الصهيوني المتدهور والسائر من سيء على أسوأ ، فإن الفلاح أو المزارع الفلسطيني لا يستطيع والحالة هذه من استصلاح أرضه ، إذ أن هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الجبلية أو نصف الجبلية بحاجة إلى أموال طائلة لا يملكها المزارع للاستصلاح كاثمان الأشتال إلى الحراثة إلى بناء الجدران الإستنادية حولها منعا وتلافيا لإنجراف التربة وفقدانها خصوبتها مع العلم أن هذه الطريقة من استصلاح الأراضي تحتاج على عامل الزمن والوقت قد يطول أن يقصر حسب طبيعة الشجرة أو المحاصيل المزروعة . فمثلا يحتاج شتل الزيتون إلى ما يقارب العشر سنين لكي يعطي أكله وثمره ، وهذا الأمر طبعا لا يلجأ إليه الفلاح الفلسطيني في غالب الأحيان إذ أن أوضاعه الاقتصادية لا يحسد عليها حيث يعاني من الرياح الشديدة والأعاصير القوية التي تهب عليه من كل حدب وصوب ، وهذا عدا عن حاجته إلى توفير قوته وقوت عياله اليومي . وهنا تكمن أسباب إقدام الفلاح الفلسطيني على استصلاح الأرض المهملة وخاصة الجبلية منها .
5. عدم إتباع التوسع العمودي ( الرأسي ) والأفقي في الزراعة . ويعني عدم التوسع الرأسي عدم تمكن الفلاح الفلسطيني من زيادة استخدام الأساليب والطرق الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاج الزراعي . ويعني عدم التوسع الأفقي عدم المقدرة على زيادة مساحة الأراضي المزروعة وهذا ناجم لعدة أسباب ، أهمها :
أ‌) عدم وجود التمويل المادي .
ب‌) عدم وجود المؤسسات أو الجمعيات الزراعية الحقيقية المتخصصة والتي تعمل على إرشاد المزارعين على كيفية الزراعة واستعمال الأسمدة المناسبة وعدم وجود نشرات ثقافية زراعية منتظمة تساعد المزارع على زيادة معرفته بالشؤون والقضايا الزراعية الحديثة كمعالجة الأمراض أو الآفات الزراعية التي تقضي على معظم الإنتاج في بعض الأحيان مما يسبب خسارة فادحة للمزارع الفلسطيني بشكل خاص والزراعة الفلسطينية بشكل عام .
ويؤدي عدم وجود المؤسسات الزراعية التي تعمل على إرشاد المزارعين إلى انتشار ظاهرة تركيز المزارعين على زراعة محصول معين وعدم الاعتماد أو إتباع الدورات الزراعية المتعاقبة إذ يتم الاهتمام بزراعة أحد المحاصيل دون الأخرى مما يؤدي إلى ضرب المزارعين وخسارتهم من جراء كثرة العرض وما يصاحبها من رخص الأسعار ، فالمبدأ الاقتصادي يقول : كلما كثر العرض كلما انخفض السعر ، وكلما قل العرض زاد السعر ، وبالتالي زادت الأرباح .
ثالثا : المشاكل الاجتماعية :
تتمثل في حرمان الفلاحين الفلسطينيين وأبنائهم من التأمينات الاجتماعية والصحية ، والتعليم وخاصة في المستويات والمراحل الثانوية والجامعية لوقوع الريف الفلسطيني في مناطق نائية عن المدن الفلسطينية ، وكذلك عدم السماح لهم بإنشاء المجالس القروية والجمعيات الخيرية أو النوادي الاجتماعية والرياضية والثقافية وكذلك المعاناة الكبيرة المتمثلة بالنقص أو الإنعدام في الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وتعبيد الطرق والشوارع وصعوبة المواصلات وعدم وجود الهواتف أو المستوصفات والعيادات الصحية وغيرها زمن الاحتلال الصهيوني .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
......................
ملاحظة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، العدد 4371 ، 4 / 3 / 1987 ص 6 . بقلم : كمال شحادة . وكان آنذاك يشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية للإتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة .



ليست هناك تعليقات: