السبت، 31 أكتوبر 2009

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ .. زرعوا فأكلنا .. ونزرع فيأكلون .. استصلاح الأراضي في الضفة الغربية بفلسطين

وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ..

زرعوا فأكلنا .. ونزرع فيأكلون

حول عملية استصلاح وزراعة الأراضي

في الضفة الغربية بفلسطين


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . ويقول الله المحيي المميت عز وجل : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . ويقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) }( القرآن المجيد ، الأعراف ) .
وجاء في مسند أحمد - (ج 48 / ص 238) عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُمْ خَمْسَ مِائَةِ فَسِيلَةٍ فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ : " اغْرِسْ وَاشْتَرِطْ لَهُمْ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْرِسَ فَآذِنِّي " ، قَالَ فَآذَنْتُهُ قَالَ فَجَاءَ فَجَعَلَ يَغْرِسُ بِيَدِهِ إِلَّا وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا بِيَدَيَّ فَعَلِقْنَ إِلَّا الْوَاحِدَةَ " . وجاء في مسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " . وتشمل الفسيلة جميع أنواع الشجيرات المثمرة من النخيل والزيتون والأعناب والتين واللوز وغيرها .

موسم الشتاء هذا العام يبشر بالخير العميم ، إذ أن كميات الأمطار التي هطلت تشكل نسبة كبيرة جدا حيث تبلغ في بعض المناطق عشرة أضعاف ما كانت عليه في العام الماضي ، فالسنة الزراعية الحالية تبشر بموسم زراعي ممتاز إن شاء الله .
وفي فصل الشتاء يبدأ المزارع بحراثة أرضه وزراعتها بالمحاصيل الشتوية كالقمح أو الشعير أو العدس وغيرها من الحبوب أو الخضروات أو الأشجار المثمرة . وفي فصل الربيع تنمو هذه المزروعات على اختلاف أنواعها ، وقد ساعد التطور التقني على إختراع واكتشاف أساليب وطرق زراعية حديثة يمكننا من خلالها استغلال واستثمار الأرض بالطريقتين الرأسية العمودية والأفقية .
ويقصد بالراسية زيادة إنتاجية الدونم الواحد باستخدام الطرق الزراعية الحديثة كاستخدام التراكتورات بدلا من المحراث اليدوي الذي يجره الحيوان ( الحمار أو البغل أو الحصان ) ، واستعمال السماد الصناعي والمبيدات الحشرية لإبادة وقتل الحشائش والأعشاب الضارة وذلك لزيادة الكمية المنتجة بدون التوسع في مساحة الأراضي .
ويقصد بالطريقة الأفقية زيادة مساحة الأراضي المزروعة لزيادة الكمية المنتجة وهي ظاهرة استصلاح الأراضي .
وبالنسبة لزراعة الراضي في الأرض الفلسطينية المحتلة ، فمنذ شهدت هذه الأراضي ظاهرة إهمال واضح جريا وراء بعض الإغراءات وخاصة في نهاية العقد السابع وبداية العقد الثامن من القرن العشرين ، حيث إزدادت مساحة الراضي البور وغير المزروعة زيادة كبيرة جدا وملفتة للنظر وأخذ أهلنا في الريف يتركون زراعة الأرض متجهين صوب العمل في المصانع والورش والشركات أو العمل في مهن التجارة والصناعة والخدمات سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو مناطق فلسطين 1948 ، ناسين أو متناسين زراعة أراضيهم بحجة أن هذه الأراضي لا تعطي المردود والإنتاج الكافي الذي يمكن الفلاح الفلسطيني من إعالة أهله عند قطفه نتاج هذا المحصول . وهم بهذا لا يدركون أن هذا الإهمال سيؤدي بهم في نهاية المطاف إلى التهجير والترحيل خارج الوطن الفلسطيني ، وإستيلاء الشركات اليهودية على هذه الأراضي لإقامة المستوطنات اليهودية عليها ، هذه الشركات التي قامت من أجل تحقيق هد فواحد وهو الإيقاع ببعض المزارعين الفلسطينيين لشراء أراضيهم بحجة أنها غير صالحة للزراعة كما لجأت قوات الاحتلال الصهيوني أيضا على مصادرة أكث رمن 40 % من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة التي تبلغ مساحتها حوالي 6 آلاف كم2 .
وإزاء هذا الوضع صودرت الأراضي فقامة المستوطنات اليهودية ولأغراض العسكرية الصهيونية . وقد عمد أهلنا المزارعين في الريف في الآونة الأخيرة على زراعة واستصلاح أراضيهم سواء السهلية التي تركوها من أجل العمل والإغراءات المادية ، أو الجبلية التي أهملت في السابق بدعوى أنها تحتاج إلى بعض الجهد عند زراعتها .
وفي بداية موسم الشتاء ، هذا العام ، بدأ الفلاح هنا يهتم بزراعة أرضه سواء بالحبوب أو بالأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتين وغيرها حيث بدأ بعض المزارعين باستصلاح أراضيهم التي تركوها وأهملوها منذ عدة سنوات وتوجهوا بصحبة أولادهم وزوجاتهم حاملين المعاول والفؤوس صوب الأراضي البور يقتلعون الأشواك والنتش ويزيلون الحجارة صانعين منها جدرانا إستنادية ويزرعون الأراضي السهلية والجبلية على حد سواء .
وقد أخذ بعض المزارعين باستصلاح عشرات بل مئات الدونمات ( الدونم يساوي 1000 م2 ) التي يمتلكونها معتمدين على تحويلهم الخاص وهي سواعدهم غير منتظرين مساعدات وهبات الأنظمة العربية المتقاعسة والمعادية لأماني وتطلعات شعبنا الفلسطيني الوطنية متشدقين بدعم صمود الأهل داخل الأرض المحتلة .

طريقة المزارعة

من الجدير بالذكر أن بعض مزارعينا طالبوا أصحاب الراضي المجاورة السماح لهم بزراعتها على ( طريقة المزارعة ) أي أن يأخذ أحد المزارعين أرض مزارع آخر ويزرعها بالحبوب أو الزيتون مقابل أن يأخذ المزارع الذي يقوم باستصلاح الأرض جزءا أو نسبة مئوية تتراوح ما بين 40 % - 50 % .
ففي حالة الزراعة بالحبوب فإن الإنتاج يقسم في نهاية الموسم عند الانتهاء من الحصاد وفرز الحب عن القش ( التبن ) . وفي حالة زراعة الأراضي بالزيتون فإن المزارع المستصلح للأرض يقتسم الأرض مع صاحبها عندما تنتج وتثمر وتتراوح فترة إثمار شجيرة الزيتون ما بين 6 – 10 سنوات ، وذلك تبعا لنوعية الشجرة المزروعة هل هي شتلة على الطريقة الحديثة أو زر قرمية أخذت من بقايا شجرة معمرة أخرى .
وحسب اهتمام المزارع بالأرض من ناحية الحراثة والري والتسميد . وفي حالة زرع القرمية فإن الشجرة تنمو ويصبح عمرها سنتين فإن بإمكان المزارع تركيبها بالزيتون الجوي ( البلدي ) وهي تأخذ فترة أطول من طريقة الشتلة لتعطي أكلها وثمارها .
إن عملية استصلاح الأراضي البور التي تركت منذ عدة سنوات بدون زراعة تعود على المزارع الفلسطيني نفسه وعلى الاقتصاد المحلي ككل بعدة فوائد ومزايا اقتصادية ، وأهم هذه الفوائد على سبيل المثال لا الحصر :
أولا : استصلاح الراضي يساعد على تنمية الزراعة الفلسطينية التي تعتبر العمود الفقري والقلب النابض للاقتصاد الفلسطيني داخل الأرض المحتلة .
ثانيا : زيادة الإنتاج الزراعي وبالتالي زيادة الاهتمام بتربية المواشي كالأغنام والأبقار التي تحتاج على القش في أكلها وتعطينا مردودا كبيرا ومفيدا من منتجات الألبان والأصواف التي تغطي حاجتنا بدلا من استيرادها .
ثالثا : تمسك الفلاح الفلسطيني بأرضه والحفاظ عليها والدفاع عنها .
رابعا : توفير فرص عمل لدى الشباب العاطلين عن العمل والذين يعانون من البطالة وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية إذ أن المئات بل الآلاف من الدونمات في القرية الفلسطينية الواحدة من قرانا هي أراض بور غير مزروعة وبحاجة إلى عملية استصلاح .
خامسا : إن استصلاح الأراضي وزراعتها بالأشجار المثمرة كالزيتون يساعد على تلطي فالمناخ وعلى حفظ التربة من الإنجراف خللا فصل الشتاء الماطر ، كما يؤدي على زيادة المساحة الشجرية .
ظاهرة إهمال الأراضي ماذا تعني ؟

إن ظاهرة إهمال الراضي بلا اهتمام أو إعتناء وعدم زراعتها يعود على الفرد الفلسطيني خاصة والمجتمع الفلسطيني بشكل عام بعدة أمور سلبية أهمها :
أولا : إنخفاض الإنتاج الزراعي والذي يعتمد عليه المزارعون الفلسطينيون وبالتالي يؤدي إلى تدني مستوى المعيشة لديهم وإلى زيادة استيراد المواد الغذائية بأسعار باهظة .
ثانيا : إن إهمال الأراضي يجعلها لقمة سائغة للمصادرة اليهودية .
ثالثا : إن إهمال الناحية الزراعية يؤدي على زيادة تبعية الاقتصاد الفلسطيني أكثر وأكثر للاقتصاد الصهيوني .
وقد التقت ( الفجر ) المزارع إبراهيم محمد شحادة من قرية عزموط قرب نابلس الذي حدثنا عن ظاهرة استصلاح الأراضي قائلا :
يجب أن يقوم كل مزارع بعملية استصلاح أرضه البور ، فالأرض الجبلي مثلا تصلح لزراعة الأشجار المثمرة أكثر من صلاحيتها للزراعة بالحبوب ، وأنصح المزارعين زراعة الأرض الجبلية بأشجار الزيتون إما عن طريق الشتل أو القرامي ( الزرور ) وكذلك شجرة اللوز التي تصلح لزراعة واستصلاح الراضي الجبلية ، وهذه الشجرة غير مكلفة ز
ويتابع المزارع إبراهيم محمد شحادة قائلا : لماذا لا نزرع هذه الأراضي الواسعة المهملة بالأشجار المثمرة التي تعود علينا بالفائدة فعند زراعتنا لها فإننا نستفيد من إنتاجها في حياتنا المعيشية .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
................
ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 26 / 12 / 1986 ، العدد 4304 ، ص 8 و7 . تحقيق : كمال شحادة .

........................

نموذج كتاب مزارعة للأرض

سنن النسائي - (ج 12 / ص 265)
قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا كَانَا رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ فَسَمِعَ قَوْلَهُ لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ " .
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ كِتَابَةُ مُزَارَعَةٍ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْمُزَارِعِ رُبُعُ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازِ أَمْرٍ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إِنَّكَ دَفَعْتَ إِلَيَّ جَمِيعَ أَرْضِكَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا فِي مَدِينَةِ كَذَا مُزَارَعَةً وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُعْرَفُ بِكَذَا وَتَجْمَعُهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ يُحِيطُ بِهَا كُلِّهَا وَأَحَدُ تِلْكَ الْحُدُودِ بِأَسْرِهِ لَزِيقُ كَذَا وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ دَفَعْتَ إِلَيَّ جَمِيعَ أَرْضِكَ هَذِهِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِحُدُودِهَا الْمُحِيطَةِ بِهَا وَجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَشِرْبِهَا وَأَنْهَارِهَا وَسَوَاقِيهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ فَارِغَةً لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ غَرْسٍ وَلَا زَرْعٍ سَنَةً تَامَّةً أَوَّلُهَا مُسْتَهَلَّ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَآخِرُهَا انْسِلَاخُ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى أَنْ أَزْرَعَ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمَوْصُوفُ مَوْضِعُهَا فِيهِ هَذِهِ السَّنَةَ الْمُؤَقَّتَةَ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا كُلَّ مَا أَرَدْتُ وَبَدَا لِي أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مِنْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَمَاسِمَ وَأُرْزٍ وَأَقْطَانٍ وَرِطَابٍ وَبَاقِلَّا وَحِمَّصٍ وَلُوبْيَا وَعَدَسٍ وَمَقَاثِي وَمَبَاطِيخَ وَجَزَرٍ وَشَلْجَمٍ وَفُجْلٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ وَبُقُولٍ وَرَيَاحِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْغَلَّاتِ شِتَاءً وَصَيْفًا بِبُزُورِكَ وَبَذْرِكَ وَجَمِيعُهُ عَلَيْكَ دُونِي عَلَى أَنْ أَتَوَلَّى ذَلِكَ بِيَدِي وَبِمَنْ أَرَدْتُ مِنْ أَعْوَانِي وَأُجَرَائِي وَبَقَرِي وَأَدَوَاتِي وَإِلَى زِرَاعَةِ ذَلِكَ وَعِمَارَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ نَمَاؤُهُ وَمَصْلَحَتُهُ وَكِرَابُ أَرْضِهِ وَتَنْقِيَةُ حَشِيشِهَا وَسَقْيِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى سَقْيِهِ مِمَّا زُرِعَ وَتَسْمِيدِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى تَسْمِيدِهِ وَحَفْرِ سَوَاقِيهِ وَأَنْهَارِهِ وَاجْتِنَاءِ مَا يُجْتَنَى مِنْهُ وَالْقِيَامِ بِحَصَادِ مَا يُحْصَدُ مِنْهُ وَجَمْعِهِ وَدِيَاسَةِ مَا يُدَاسُ مِنْهُ وَتَذْرِيَتِهِ بِنَفَقَتِكَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ دُونِي وَأَعْمَلَ فِيهِ كُلِّهِ بِيَدِي وَأَعْوَانِي دُونَكَ عَلَى أَنَّ لَكَ مِنْ جَمِيعِ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَوْصُوفَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَلَكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِحَظِّ أَرْضِكَ وَشِرْبِكَ وَبَذْرِكَ وَنَفَقَاتِكَ وَلِي الرُّبُعُ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِزِرَاعَتِي وَعَمَلِي وَقِيَامِي عَلَى ذَلِكَ بِيَدِي وَأَعْوَانِي وَدَفَعْتَ إِلَيَّ جَمِيعَ أَرْضِكَ هَذِهِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا وَقَبَضْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْكَ يَوْمَ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا فَصَارَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي يَدِي لَكَ لَا مِلْكَ لِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا دَعْوَى وَلَا طَلِبَةَ إِلَّا هَذِهِ الْمُزَارَعَةَ الْمَوْصُوفَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُسَمَّاةِ فِيهِ فَإِذَا انْقَضَتْ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ إِلَيْكَ وَإِلَى يَدِكَ وَلَكَ أَنْ تُخْرِجَنِي بَعْدَ انْقِضَائِهَا مِنْهَا وَتُخْرِجَهَا مِنْ يَدِي وَيَدِ كُلِّ مَنْ صَارَتْ لَهُ فِيهَا يَدٌ بِسَبَبِي أَقَرَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَكُتِبَ هَذَا الْكِتَابُ نُسْخَتَيْنِ " .

هموم المزارعين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

هموم المزارعين الفلسطينيين

في الأرض المحتلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله المحيي المميت تبارك وتعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) }( القرآن المجيد ، الروم ) . ويقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}( القرآن الحكيم ، فاطر ) . ويقول الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}( القرآن العظيم ، يس ) . وجاء في مسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

الشعب الفلسطيني مثله مثل أي شعب من شعوب العالم ، في قارات أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا وأستراليا يتكون من العديد من الفئات الاجتماعية كفئات الفلاحين والعمال والطلاب والمهندسين والأطباء والمحامين والتجار والصيادلة .. إلخ .
والاقتصاد بدوره ينقسم إلى أربعة أقسام هي : الزراعة والصناع والتجارة والخدمات العامة . وتعتبر الزراعة في أي بلد من البلدان ن الأقسام الاقتصادية المهمة والهامة اللازمة لايجاد المجتمع المتماسك قوي البنيان ، فبدون الزراعة لا تكتب للإنسان الحياة ، فمن خلال الزراعة يستطيع الإنسان ايجاد المواد الغذائية اللازمة لبقائه على قيد الحياة ، ليس الإنسان فقط بل والحيوان أيضا .
والحركة الفلاحية ، في أي مكان وفي أي موقع هي التي تقوم بزراعة الأرض واستثمارها . أما الحركة الفلاحية الفلسطينية في الأرض المحتلة فهي التي تقف في الصف الأول للدفاع عن هذه الأرض والمحافظة عليها . وتعتبر هذه الحركة من الأجزاء الكبيرة التي لا تتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية في الأرض المحتلة ، بل هي الرافد الأقوى لهذه الأمة ولهذا الشعب .
ويعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الزراعية ، فالزراعة تشكل العمود الفقري والقلب النابض للاقتصاد الفلسطيني وبالرغم من صغر مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة حيث لا تتجاوز مساحتها الستة آلاف كم2 ( من أصل مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كم2 ) وبالرغم من قيام السلطات الاحتلالية الصهيونية بمصادرة حوالي 52 % من هذه المساحة الإجمالية للضفة والقطاع إلا أن الزراعة تبقى متربعة على عرشها مشكلة القطاع الاقتصادي الفلسطيني الأول ، ولهذا فإنه يتوجب على الفلاح الفلسطيني منح الأرض المعطاءة المزيد من الاهتمام ، فيقوم بزراعتها سواء أكانت الأرض أراض سهلية أو جبلية أو نصف جبلية ، ويقوم باستصلاح الأراضي البور بزراعتها بأحد المزروعات أو الأشجار المثمرة .
فالأراضي السهلية تزرع بالمحاصيل الشتوية أو الصيفية أما الأراضي الجبلية فتزرع بالأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتين والعنب وغيرها .
وفيما يلي أهم الأمور التي تساعد على زيادة الاهتمام بالزراعة والتي يجب على الفلاح الفلسطيني اتباعها لكي يستفيد من مزروعاته ويحافظ على أرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده .
أولا : القيام باستغلال الأراضي باستخدام طريقتي استغلال الأرض الأفقية والعمودية ( الرأسية ) وتتمثل الطريقة الأفقية في زيادة عدد الدونمات المزروعة سواء أكانت سهلية أم جبلية . أما الطريقة العمودية فتتمثل في استخدام الأساليب والطرق الزراعية العلمية لزيادة إنتاجية الدونم الواحد من الأرض وذلك كالتالي :
1. استخدام الري لسقي المزروعات . فالماء ضروري جدا لزيادة الإنتاج وهو عصب الحياة . ويقول الله العزيز الحكيم في الآية القرآنية الكريمة : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)}( القرآن المجيد ، الأنبياء ) . ويكون هذا باستخدام طرق التنقيط في الراضي السهلية والقيام بحفر آبار الجمع في الأراضي الجبلية لجمع المياه الهاطلة في فصل الشتاء واستخدامها في ري المزروعات . وبهذه الطريقة فإننا نكون قد أبعدنا مشكلة تذبذب هطول الأمطار والتي يترتب عليها تذبذب إنتاج المحصول تبعا لتذبذب كميات الأمطار السنوية .
2. استخدام الأسمدة الطبيعية والكيماوية : مع ملاحظة أن اثمان الأسمدة الطبيعية أرخص من أثمان الأسمدة الكيماوية بالإضافة إلى أن الأسمدة الكيماوية تعطي فائدة أكبر للمزروعات .
3. استخدام الأدوية والعلاجات : حيث يترتب على الفلاح الفلسطيني استخدام أسلوب الوقاية لتحاشي وقوع الأمراض والأوبئة بين المزروعات ، وكما يقول المثل ( درهم وقاية خير من قنطار علاج ) . فقيام الفلاح برش مزروعاته قبل حدوث المرض يقلل من احتمال تعرض المزروعات للأمراض التي تقلل من الإنتاج وبدرجة متفاوتة من مرض لآخر .
4. استخدام الآلات والجرارات الزراعية الحديثة : كالتراكتورات والحصادات والآت السماد والقضاء على الأعشاب الضارة بين المزروعات . فاستخدام هذه الآلات يساعد على تفكيك حبيبات التربة ويساهم في القضاء على البكتيريا الضارة وذلك بكشفها وتعريضها لأشعة الشمس وبالتالي تساعد على زيادة الإنتاج .
5. عمل مصدات الرياح بالقرب من المزروعات حيث تساعد على تثبيت جذور النبات في الأرض .
ثانيا : زيادة الاهتمام بتربية الثروة الحيوانية والطيور : فتربية المواشي مرتبطة وبدرجة كبيرة في الزراعة ، وذلك لأن المواشي تحتاج على المواد الغذائية التي توفرها الزراعة كالقش والعلف .
إن قيام الفلاح الفلسطيني في الأرض المحتلة بتربية المواشي والطيور إلى جانب اهتمامه بالزراعة يساعده على ايجاد مصدر دخل ثان بالإضافة إلى تصريف قش المواد الزراعية في تغذية الحيوانات التي يهتم بتربيتها . واستخدام الحيوانات كمصدر أساسي من مصادر الأسمدة التي يستخدمها الفلاح لزيادة إنتاجية الدونم الواحد .
وقد واجهت الحركة الفلاحية الفلسطينية في الأرض المحتلة ، وما زالت تواجه العديد من المشاكل والعقبات التي وقفت عقبة كأداء أمام النهوض بالزراعة ، وبشكل سلبي على الفلاح الفلسطيني مما حدا بالبعض على ترك فلاحة الأرض وزراعتها والتوجه للعمل في إحدى ورش البناء أو المصانع والمنشآت الاقتصادية سواء العربية منها في الضفة الغربية وقطاع غزة أو اليهودية في مناطق فلسطين 1948 .
وإزاء هذا الوضع ، وإزاء تعرض المنتجات الزراعية الفلسطينية لمنافسة المنتجات الزراعية الصهيونية بل وإغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية اليهودية الطبيعية منها أو المعلبة وبأسعار تكلفة المنتجات الزراعية الفلسطينية ، فإن الفلاح الفلسطيني وقع تحت تأثير ضغط سياسي واقتصادي كبير وأنه وقع بين فكي كماشة تريد الانقضاض عليه ، حيث يتعرض للخسارة في زراعته من جراء ارتفاع تكاليف المنتجات الزراعية ومن جراء المنافسة الصهيونية التي تحاول تحطيم المنتجات الزراعية الفلسطينية .
ومن جهة أخرى ، فإن غياب السلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي غياب مصادر الدعم الاقتصادي والمادي للفلاح الفلسطيني أدى إلى هجرة مساحات شاسعة من الأراضي السهلية قبل الجبلية .
وفيما يلي بعض المقترحات للنهوض بالزراعة الفلسطينية في الأرض المحتلة :
أولا : إيجاد المؤسسات الفلاحية الفلسطينية الفاعلة والفعالة للاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية وتطويرها وذلك بتوظيف الكفاءات العلمية المتخصصة في هذا المجال كالمهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين ، وتوظيف فلاحين متفرغين للإشراف على هذه المؤسسات الفلاحية وإدارة شؤونها .
ثانيا : إيجاد مصادر إقراض ودعم ثابتة ومنتظمة للفلاحين الفلسطينيين ، تساعد الفلاحين على إيجاد المزيد من مزارع الثروة الحيوانية ، وعلى تغطية الخسارة قدر الإمكان التي قد تنتج من جراء المنافسة الصهيونية للمنتجات الزراعية الفلسطينية ، أو تنتج من إصابة المزروعات بالأمراض الحادة .
ثالثا : فتح المحلات الزراعية المتخصصة داخل المدن لتصريف الإنتاج الزراعي ومنتجات الألبان واليت تحول دون استغلال الفلاح الفلسطيني .
رابعا ك فتح المحلات الزراعية والحيوانية المتخصصة في الأدوية والعلاجات النباتية والحيوانية وتخفيض أسعارها .
خامسا : تشجيع الفلاح الفلسطيني على استخدام الأساليب والطرق العلمية الحديثة في الزراعة لزيادة الإنتاج بتقديم التسهيلات الممكنة .
سادسا : إيجاد المؤسسات المتخصصة في تصدير وتسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الدول العربية والأوروبية والحيلولة دون استغلال الفلاحين وظلمهم .
سابعا : إتباع الدورات الزراعية وعدم التركيز على زراعة بعض المحاصيل دون غيرها .
ثامنا : إصدار النشرات الثقافية المتخصصة في الزراعة والثروة الحيوانية لزيادة وعي الفلاحين نظريا وعمليا مما يساعد على زيادة الإنتاج .
وارض خضراء في فلسطين يانعة وجميلة ، وإنتاجا غزيرا مربحا ووفيرا نرجوه لجميع المزارعين الفلسطيني في ارض فلسطين الطيبة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
..............

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 22 / 10 / 1987 ، ص 3 . بقلم . كمال شحادة .

المشاكل والعقبات التي تواجه الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

المشاكل والعقبات التي تواجه

الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}( القرآن العظيم ، يس ) . وجاء في مسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

يعتمد المجتمع الفلسطيني على الزراعة بالدرجة الأولى ، وذلك منذ غابر الأزمان ، فنرى الفلاح الفلسطيني في الأرض المحتلة يقبل ويعمل على زراعة أرضه بالأشجار المثمرة أو بالمحاصيل الشتوية أو الصيفية . وأثناء قيامه بزراعته أرضه واجه الفلاح الفلسطيني عدة مشاكل وعقبات تقف كحجر عثرة أمام فلاحة الأرض وزراعتها بالطرق البدائية التقليدية أو زيادة وتطوير إنتاجه باستخدام الطرق والأساليب الزراعية الحديثة . وتتعد المشكلات والعقبات التي تواجه الفلاح الفلسطيني إلى ثلاثة أنواع رئيسي هي : السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وفيما يلي استعراضا عاما موجزا لهذه المشكلات الأساسية .
أولا : المشاكل السياسية :
وهي ناجمة عن غياب السلطة الوطنية الفلسطينية الزراعية الحقيقية الموجهة للفلاح الفلسطيني حول كيفية المحافظة على أرضه بزراعتها وحراثتها ومنع إنجرافها بل على العكس من ذلك ، يتعرض هذا المواطن الفلسطيني المالك للأرض جدا عن أب وأبا عن جد لمصادرة أراضيه . فالاحتلال الصهيوني الجاثم على الأرض الفلسطينية منذ عام 1948 ، يسبب مشكلة عسكرية وسياسية متلاحقة تقض مضاجع الفلاحين الفلسطينيين وتحد من حريتهم في أراضيهم .
ثانيا : المشاكل الاقتصادية :
وهي بدورها تنقسم إلى عدة مشاكل وأهمها :
1. غزو المنتجات الزراعية الصهيونية للأسواق الفلسطينية :
عملت الشركات والمؤسسات والمزارعين الصهاينة على غزو الأسواق الفلسطينية بالأرض المحتلة وإغداقها بالمنتجات الزراعية وكافة أنواع البضائع ذات الماركة الصهيونية . وقد جاءت عملية الغزو الاقتصادي هذه بقوة وفعالية كبيرة حيث جاءت بأسعار وأثمان أرخص من المنتجات الزراعية الفلسطينية وذلك لكون الدعم الحكومي الصهيوني المقدم للمنتجات الزراعية الصهيونية كبير جدا ، وفي المقابل لوحظ غياب الدعم العربي والفلسطيني للمزارع الفلسطيني المغلوب على أمره بإعتباره شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني ، وإن كان هناك دعما فإنه دعم يسير ونزير جدا جدا ، هذا مع العلم أن هذه الفئة من فئات الشعب الفلسطيني تشكل نسبة كبيرة من إجمالي عدد المواطنين الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، إذ يمثل سكان الريف أكثر من 60 % من عدد السكان بفلسطين .
وإذا ما قارنا وقسنا درجة الاهتمام بهذا القطاع العريض ونسبته الإجمالية من تعداد الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل فإننا لا نجد أي وجه للقياس أو المقارنة بل يمكن أن نقول إنه تربطهما علاقة عكسية وليست طردية . وإزاء عدم الاهتمام الكافي بالفلاح الفلسطيني وأرضه فإن الزراعة أخذت تذوى شيئا فشيئا ، وأخذ الفلاح يترك أرضه بورا بلا زراعة ، مما سهل ابتلاعها المتسارع من الصهاينة ، متجها إلى قطاع العمل ليعمل به ليتمكن من إعالة أسرته وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والسائرة من سيء على أسوا وارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني المعرض للإنهيار وتبعيته شبه التامة له ، آخذين بعين الاعتبار تدهور الاقتصاد الصهيوني يوما بعد يوم وهبوط قيمة العملة الإسرائيلية المسماة الشيكل هبوطا مستمرا .
إذ أن تكاليف الزراعة ارتفعت كثيرا والإنتاج الزراعي الفلسطيني تعرض ويتعرض لمنافسة المنتجات الزراعية الصهيونية المدعومة التي تباع بأسعار اقل من أسعار تكلفة الزراعة في الريف الفلسطيني بسبب الدعم الحكومي الصهيوني ز
وقد ساعدت سياسة قمع المنتجات الزراعية الفلسطينية في الأرض المحتلة ومنافستها من قبل المنتجات الصهيونية على تحجيم الزراعة الفلسطينية وزيادة إهمال المزارع الفلسطيني لأرضه طبقا للمبدأ القائل ( مكره أخاك لا بطل ) أي رغما عنه .
أما بالنسبة للاهتمام بدعم المزارع أو الفلاح الفلسطيني من الناحيتين المادية والمعنوية فلم تكن على المستوى المطلوب ، بل يمكننا أن نقول إن معدومة أو شبه معدومة بشكل أدق ، مما يجعل آلاف الريفيين الفلسطينيين بعد الثقة والاعتماد على الزراعة كمصدر دخل أساسي ووحيد لهم وإعتبارها كمصدر دخل ثان أو ثالث بعد قطاعي العمل والخدمات .
2. الزراعة البعلية وعدم الاعتماد على الزراعة المروية :
تعتمد الزراعة الفلسطينية في الأرض المحتلة أكثر ما تعتمد على مياه الأمطار الهاطلة في فصل الشتاء فقط مما يجعل الزراعة خاضعة لذبذبات سقوط الأمطار سنة بعد أخرى . وهذا الأمر يؤدي إلى ضعف الإنتاج الزراعي وخاصة المزروعات التي تحتاج كميات كبيرة من المياه لريها وسقيها ، فالماء هو عصب الحياة حيث تقول الآية القرآنية المجيدة : { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}( القرآن الحكيم ، الأنبياء ) . فالماء عنصر أساسي ورئيسي من عناصر الزراعة . وهناك جزء يسير جدا من الأراضي المزروعة في الأرض المحتلة يستخدم المزارعون فيها المياه لريها ريا دائما أو متقطعا ، مما يجعلها تعطي إنتاجا زراعيا ضعيفا اقل من المستوى الجيد مما يزيد في أسعار التكلفة .
3. عدم وجود الطرق الزراعية :
إن أجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تنقصها الطرق الزراعية ، وهذه الطرق ضرورية جدا وخاصة إذا كانت الأرض تبعد مسافة كبيرة عن القرية – مسكن المزارع – حيث لا يمكن للمزارع حراثتها بالطرق الزراعية التقليدية أو الحديثة مما يزيد من تكلفة المزارع كلفة مادية كبيرة يجعل من احتمال أو إمكانية استصلاحه لأرضه صعبة وخاصة إذا كانت مساحة كبيرة مما يساعد على قلة الزراعة وتخلفها للوراء بدلا من تطويرها والنهوض بها .
4. الأراضي الجبلية :
هناك أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية أراض جبلية أو نصف جبلية تحتاج لزراعتها بالأشجار المثمرة كأشتال الزيتون واللوز وغيرها ، وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي الفلسطيني في الأرض المحتلة بسبب تبعية الاقتصاد الفلسطيني شبه الكاملة للاقتصاد الصهيوني المتدهور والسائر من سيء على أسوأ ، فإن الفلاح أو المزارع الفلسطيني لا يستطيع والحالة هذه من استصلاح أرضه ، إذ أن هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الجبلية أو نصف الجبلية بحاجة إلى أموال طائلة لا يملكها المزارع للاستصلاح كاثمان الأشتال إلى الحراثة إلى بناء الجدران الإستنادية حولها منعا وتلافيا لإنجراف التربة وفقدانها خصوبتها مع العلم أن هذه الطريقة من استصلاح الأراضي تحتاج على عامل الزمن والوقت قد يطول أن يقصر حسب طبيعة الشجرة أو المحاصيل المزروعة . فمثلا يحتاج شتل الزيتون إلى ما يقارب العشر سنين لكي يعطي أكله وثمره ، وهذا الأمر طبعا لا يلجأ إليه الفلاح الفلسطيني في غالب الأحيان إذ أن أوضاعه الاقتصادية لا يحسد عليها حيث يعاني من الرياح الشديدة والأعاصير القوية التي تهب عليه من كل حدب وصوب ، وهذا عدا عن حاجته إلى توفير قوته وقوت عياله اليومي . وهنا تكمن أسباب إقدام الفلاح الفلسطيني على استصلاح الأرض المهملة وخاصة الجبلية منها .
5. عدم إتباع التوسع العمودي ( الرأسي ) والأفقي في الزراعة . ويعني عدم التوسع الرأسي عدم تمكن الفلاح الفلسطيني من زيادة استخدام الأساليب والطرق الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاج الزراعي . ويعني عدم التوسع الأفقي عدم المقدرة على زيادة مساحة الأراضي المزروعة وهذا ناجم لعدة أسباب ، أهمها :
أ‌) عدم وجود التمويل المادي .
ب‌) عدم وجود المؤسسات أو الجمعيات الزراعية الحقيقية المتخصصة والتي تعمل على إرشاد المزارعين على كيفية الزراعة واستعمال الأسمدة المناسبة وعدم وجود نشرات ثقافية زراعية منتظمة تساعد المزارع على زيادة معرفته بالشؤون والقضايا الزراعية الحديثة كمعالجة الأمراض أو الآفات الزراعية التي تقضي على معظم الإنتاج في بعض الأحيان مما يسبب خسارة فادحة للمزارع الفلسطيني بشكل خاص والزراعة الفلسطينية بشكل عام .
ويؤدي عدم وجود المؤسسات الزراعية التي تعمل على إرشاد المزارعين إلى انتشار ظاهرة تركيز المزارعين على زراعة محصول معين وعدم الاعتماد أو إتباع الدورات الزراعية المتعاقبة إذ يتم الاهتمام بزراعة أحد المحاصيل دون الأخرى مما يؤدي إلى ضرب المزارعين وخسارتهم من جراء كثرة العرض وما يصاحبها من رخص الأسعار ، فالمبدأ الاقتصادي يقول : كلما كثر العرض كلما انخفض السعر ، وكلما قل العرض زاد السعر ، وبالتالي زادت الأرباح .
ثالثا : المشاكل الاجتماعية :
تتمثل في حرمان الفلاحين الفلسطينيين وأبنائهم من التأمينات الاجتماعية والصحية ، والتعليم وخاصة في المستويات والمراحل الثانوية والجامعية لوقوع الريف الفلسطيني في مناطق نائية عن المدن الفلسطينية ، وكذلك عدم السماح لهم بإنشاء المجالس القروية والجمعيات الخيرية أو النوادي الاجتماعية والرياضية والثقافية وكذلك المعاناة الكبيرة المتمثلة بالنقص أو الإنعدام في الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وتعبيد الطرق والشوارع وصعوبة المواصلات وعدم وجود الهواتف أو المستوصفات والعيادات الصحية وغيرها زمن الاحتلال الصهيوني .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
......................
ملاحظة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، العدد 4371 ، 4 / 3 / 1987 ص 6 . بقلم : كمال شحادة . وكان آنذاك يشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية للإتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة .



معاصر الزيتون في الضفة الغربية

معاصر الزيتون في الضفة الغربية

أصحاب المعاصر : نريد إتحادا عاما يحافظ على حقوقنا

د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية

فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}( القرآن المجيد ، النور ) . ويقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}( القرآن المجيد ، الأنعام ) . ويقول الله الرزاق ذو القوة المتين : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) }( القرآن المجيد ن الأنعام ) . ويقول الله العلي العظيم عز وجل : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)}( القرآن المجيد ، النحل ) . ويقول الله خالق الأكوان جل وعلا : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}( القرآن المجيد ، التين ) .

عندما ينتهي المزارع الفلسطيني من عملية قطف ثمار شجرة الزيتون المباركة التي ترمز إلى الخصب والجمال والقناعة والقداسة والبركة والسلام ، فإنه يذهب بزيتونه إلى معاصر عصر الزيتون لفرز الزيت الطيب الطعم والمذاق عن القشر يصبح صالحا للاستعمال كغذاء أو كدواء أو غيرها . وقد أصبحت معاصر الزيتون منتشرة بشكل كبير جدا في المدن والقرى الفلسطينية بحيث أضحت لكثرتها تشكل تنافسا اقتصاديا يعود بالخسارة من الناحية الاقتصادية . ورغم عمل بعض التجار على إنشاء معاصر جديدة بنوعيها الأوتوماتيك الكامل أو نصل الأوتوماتيك ولكونها أصبحت غير مجدية لأن المعاصر تحتاج إلى أموال طائلة لإنشائها في حين أنها لا تستخدم طيلة أيام السنة بل تستخدم فقط في موسم جني ثمار الزيتون والذي يبلغ شهرين كحد أقصى . أما في العشرة شهور الباقية من السنة فإنها تكون معطلة . فقد كان بالإمكان إنشاء مشروع تجاري مجد من الناحية الاقتصادية يستمر في عمله وعطائه طيلة أيام السنة ، ويستوعب العديد من الأيدي العاملة إلا أن عدم التخطيط ودراسة الجدوى الاقتصادية ومدى الحاجة للمعاصر أدى على تضخم عدد المعاصر دون أن يوازيها إزدياد في أعواد شجر الزيتون المغروس عاما بعد عام مما أدى على خسارة أصحاب المعاصر .

على أي حال ، لقد مرت معاصر زيت الزيتون بأربع مراحل رئيسية هي :

المرحلة الأولى : وهي مرحلة قديمة قدم وجود أشجار الزيتون وتسمى المعصرة في هذا العصر ( البد - حجر العصر الكبير ) وكان يعتمد في تشغيله على الخيول والمكبس اليدوي على طريقة المسننات .

المرحلة الثانية : تطورت عملية عصر الزيتون في هذه المرحلة عن المرحلة السابقة ، وجاءت نتيجة لتطور الإنسان وإختراع الآلة البخارية والقوة الميكانيكية حيث يستخدم في هذه المرحلة الموتور وتنتقل الحركة ميكانيكيا إلى الحجارة الكبيرة والكبس بطريقة بدائية عن طريق مضخة وقشاط ، والفرازات عادية حيث كانت تفك كل ساعة أو ساعتين لتنظيفها ، وكانت هذه الطريقة مستعملة لغاية العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين .

المرحلة الثالثة : طريق النصف أتوماتيك : حيث يدار الزيتون في حوض خاص يرتفع بواسطة لولب إلى الغسالة في الماء البارد ، ومن ثم ينتقل إلى لولب آخر لجرشه بالجاروشة الخاصة ومن ثم ينزل إلى خلاط صغير وهناك فرازة تنزل كمية دريس – زيتون مطحون – متساوية ثم يرفع العمال القفاف إلى عربة المكبس فيضغط عليها المكبس وتنزل الزيت إلى الفرازة .

المرحلة الرابعة : وهي طريقة الأتوتاتيك الكامل ، حيث يتم وضع حب الزيتون في حوض خاص ثم يرفع بواسطة حامل – قشاط – ويغسل وينقى من الورق والشوائب العالقة به كالتراب والحجارة والحديد والعيدان . وبعد الغسيل يرفع على الجاروشة كما في المرحلة الثالثة السابقة ومن ثم على الخلاطات حيث يوجد ثلاث خلاطات – عجانات – ومن هناك يتم دفعه بواسطة أنابيب إلى التوربيدات ( السنتر فيج ) حيث تتم داخل التوربيدات عملية فرز الزيت عن كافة الشوائب ، ويرفع الجفت بواسطة لولب إلى الخارج ، وأما الزيبار والماء فينزلان من جهة واحدة وينزل الزيت الصافي بنسبة 95 % من جهة أخرى ، حيث يتم فرز الزيت بواسطة فرازة خاصة وفرز الزيبار والماء بفرازة أخرى . وتقوم كل فرازة بمراقبة عمل الفرازة الأخرى ، وتمتاز طريقة عصر الزيتون بالمعصرة الأوتوماتيك الكاملة على المعاصر الأخرى بما يلي :

أولا : تنقية الزيتون من كافة الشوائب كالأتربة والأوراق أو قطع الحديد والمعادن والحجارة الصغيرة .

ثانيا : أثبتت التجارب العلمية والدراسات أن كمية الزيت المفرز – المستخرج من حب الزيتون – قد إزدادت نسبته عنه في المعاصر التقليدية التي مر ذكرها حيث أن نسبة الزيت تزيد في حالة العصر في المعصرة الأوتوماتيك الكامل بنسبة 3 % .

ثالثا : إن نسبة الحموضة في الزيت تقل في الزيت المعصور بالمعاصر الأوتوماتيك بنسبة تتراوح ما بين 1.7 – 1.9 % بينما تصل نسبة الحموضة ما بين 2.5 – 4.5 % في غيرها من المعاصر .

وقد التقت ( الفجر ) بهجت عبد العزيز الأقطش من قرية بيتا جنوب نابلس ، وهو خريج جامعة النجاح الوطنية ، ويمتلك وإخوانه معصرتين لعصر الزيتون ، إحداهما معصرة نصف أتوماتيك ، والأخرى أوتواتيك كامل ، فحدثنا عن إزدياد عدد المعاصر ومطلب أصحاب المعاصر والمشاكل التي يواجهونها ، قائلا :

لقد إزداد عدد المعاصر في الضفة الغربية في النصف الأول من العقد الثامن من القرن العشرين بنسبة كبيرة جدا تصل على ضعف عدد المعاصر التي كانت موجودة في السابق . فمثلا إزداد عدد معاصر الزيتون بنوعيها الاتوماتيك والنصف اوتوماتيك في القرى الواقعة شرق وجنوب نابلس مثل : بيتا وعقربا وعورتا وقبلان وحوارة وعوريف وخربة أبو فلاح وبيت فوريك وياسوف وسكاكا وجماعين وكفر حارس ، حيث وصل عدد المعاصر في هذه القرى 25 معصرة مع العلم أن بإمكان كل قرية أن تستوعب معصرة واحدة ، فمثلا يوجد في بيتا خمس معاصر زيتون ، وفي عربا 3 معاصر زيتون ، وقد أنشأت هذه المعاصر بدون تخطيط أو معرفة الحاجة لإنشاء المزيد من المعاصر .

ويتابع بهجت الأقطش قائلا : وبالرغم من أن هذه السنة ( 1986 ) من السنوات التي أنتجت فيها أشجار الزيتون ثمارا كميتها أكثر من الأعوام الماضية إلا أنني اعتبر أن هذا العام هو عام نكبة المعاصر لعدة اساب هي :

1. إزدياد عدد المعاصر لدرجة أن عمل المعصرة من الناحية الاقتصادية أصبح غير مجد أو مفيد وهذا يعود لعدم وجود الرقابة الجدية على استيراد وتركيب المعاصر .

2. أسعار الزيت هذا العام متدنية بالقياس مع العامين الماضيين ، حيث يبلغ سعر كيلو زيت الذرة 90 قرشا أردنيا وسعر كيلو زيت لزيتون بمعدل 110 قروش أردنية .

3. أسعار المعاصر شبة الخيالية ، حيث يبلغ ثمن المعصرة النصف اوتوماتيك من 38 – 40 ألف دينار أردني ، وتكلف مع الأرض والبناء ما بين 50 – 60 ألف دينار أردني . والمعاصر الاتوتوماتيك تكلف ما بين 95 – 100 ألف دينار أردني مع أرضها وبنائها ما بين 130 – 150 ألف دينار أردني .

4. المضاربات في حصة صاحب المعصرة من الزيتون ( الرد هو بدل استخدام الفلاح المعصرة لعصر الزيتون ) بسبب إزدياد عدد المعاصر بشكل كبير جدا ، فمثلا تأخذ بعض المعاصر ، كل 15 كغم زيت زيتون 1 كغم التي تشكل 6.5 % ووصل في بعض الأحيان إلى 5 % ، وهذا يعني بالنتيجة خسارة حقيقية لصحاب المعاصر ، وهذا يؤدي إلى عدم تمكين أصحاب المعاصر من تسديد الأقساط المالية المترتبة عليهم . وحسب اعتقادي فإن هذا يؤدي إلى إفلاس العديد من أصحاب المعاصر ، وهذا سيؤدي حتما إلى إفلاس بعض وكلاء المعاصر في الضفة الغربية وعدم تمكن الوكلاء بدورهم من تسديد الأقساط والإلتزامات المالية المترتبة عليهم للشركة الأجنبية المنتجة لآلات المعاصر وكذلك ارتفاع سعر العملة الإيطالية ( اللير الإيطالي ) لكون إيطاليا البلد المنتج الوحيد لمعاصر الزيتون والمصدر الوحيد للمعاصر في الأرض المحتلة بأنواعها الرئيسية الإيطالية الثلاث ، وهي : ماركة البير اليزي ، وماريكة فيراشي ، وماركة رابانيلي . وهناك أنواع معاصر أخرى مثل : الفلافال الإيطالي ، ونوع آخر ألماني .

مطالب أصحاب المعاصر

يقول بهجت الأقطش : إن مطالب أصحاب المعاصر تتلخص في إنشاء إتحاد عام يجمع أصحاب معاصر الزيتون تحت لوائه ويشرف على الأمور التالية :

1. مراقبة أسعار قطع الغيار وأعمال المعاصر نفسها بإيجاد سجلات رسمية تحوي كمية الزيت الموجودة ونسبة الزيتون في كافة المناط في الضفة الغربية .

2. إرسال متدربين إلى إيطاليا لسد الفراغ الرهيب في الخبرة اللازمة لتشغيل وتصليح الآلات الحديثة .

3. أن تكون حصة صاحب المعصرة في عصر الزيتون موحدة في كافة المعاصر .

4. أن يكون لهذا الإتحاد رأي أو توصية في عملية استيراد المعاصر في فلسطين .

5. التنسيق المسبق لتحديد أسعار الزيت حيث يلتقي هذا المطلب مع مصلحة المزارعين في الراضي المحتلة التي تعلو ولا يعلى عليها .

ثم التقينا موسى سليمان موسى من قرية جماعين جنوب نابلس وصاحب مصعرة نصف أتوماتيك الذي حدثنا عن المشاكل التي يواجهها أصحاب معاصر الزيتون قائلا :

يواجه أصحاب معاصر الزيتون في الضفة الغربية عدة مشاكل أهمها :

1. عملية المضاربة حيث يتنافس أصحاب المعاصر في كمية الرد وهي الكمية المأخوذة كأجرة على عصر الزيتون .

2. إرتفاع أجرة العمال .

3. عملية الفراغات حيث يأخذ المزارعين أكياسا يعبئون بها زيتونهم ولا يعيدونها .

ولهذا نطالب بإنشاء إتحاد عام لأصحاب معاصر الزيتون يحافظ على حقوقنا وحقوق المزارعين ويحد من استيراد المزيد من المعاصر لأن هناك تضخم في عدد المعاصر ويجب توجيه الأموال المحددة نشاء معصرة نحو إنشاء مشاريع اقتصادية تعمل طيلة أيام السنة تعود بالفائدة على أصحاب رؤوس الأموال والمجتمع ككل ، فالاتحاد والتنسيق بين أصحاب المعاصر ضروري جدا .

كما التقينا العديد من أصحاب المعاصر حيث أجمعوا على ضرورة إنشاء إتحاد عام لصحاب المعاصر في الضفة الغربية يهتم بشؤون المعاصر وأصحابها .

علاقة أصحاب المعاصر بالوكلاء

أجمع أصحاب المعاصر الذين إلتقيناهم على العلاقة بين أصحاب معاصر الزيتون والوكلاء الذين يقومون باستيراد المعاصر الإيطالية بأنها علاقة غير متكافئة أصلا ، واحتكارية حيث لا يوجد إرشاد لدى غالبية أصحاب المعاصر . فمعرفتهم شبه معدومة إضافة إلى تحكم الوكلاء في أسعار قطع الغيار ، فلا يوجد لصحاب المعاصر أية حقوق سوى دفع الإلتزامات المالية المترتبة عليهم للوكلاء . أما بالنسبة لعلاقة أصحاب المعاصر مع المزارعين فإنه نتيجة لإزدياد عدد المعاصر أصبحت العلاقة مشوبة بالحذر حيث يتنافس أصحاب المعاصر على تقديم الخدمات للمزارعين وهذا لا ضير عليه بل يعود بالفائدة على المزارعين إلا أنه يحدث تنافسا كبيرا بين أصحاب المعاصر .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

...............

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 14 / 12 / 1986 ، العدد 4292 ، ص 3 . تحقيق : كمال شحادة .

عودة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) على الانتر نت بعد الإنتهاء من أعمال الصيانة العادية 31 تشرين الأول 2009

عودة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

على الانتر نت بعد الإنتهاء من أعمال الصيانة العادية

31 تشرين الأول 2009

www.israj.net

فلسطين - الأرض المقدسة ( إسراج ) أعلنت شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) العالمية التي تنطلق من فلسطين الأرض المقدسة نحو الفضاء العالمي أنها ستعود لمكانها على الانتر نت بعد الانتهاء من أعمال الصيانة على السيرفر المستضيف لها كالمعتاد خلال 24 ساعة كحد أقصى .
وكانت الشبكة المستضيفة بفلسطين قد أعلمت إلكترونيا الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) د. كمال علاونه بعد ظهر هذا اليوم السبت 31 تشرين الأول- أكتوبر 2009 أن إعادة الشبكة سيكون خلال 24 ساعة كحد اقصى لتعود الشبكة كبقية المواقع المستضافة على الشركة الإلكترتونية المستضيفة . وقد ابدت الشركة المستضيفة إعتذارها على طول أعمال الصيانة والتحديث على السيرفر .
ووجهت ( إسراج ) بهذه المناسبة الإعتذار والأسف للزوار والمشاهدين الكرام المتضررين عن غياب الشبكة على الانتر نت لضرورة أعمال الصيانة الإلكترونية منذ صلاة المغرب ليوم الخميس 29 تشرين الأول - أكتوبر 2009 حتى ظهور الشبكة على الانتر نت ، على الهواء مباشرة في فضاء الشبكة العنكبوتية الدولية .
ويذكر أن شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) شبكة فتية إعلامية مطبوعة ومسموعة ومرئية ، زارها منذ نشأتها قبل عام ونيف من 151 دولة أكثر من مليون زائر لمنتدياتها الستة والستين العامة والخاصة الشاملة والجامعية لجميع الشؤون الحياتية الدنيوية والأخروية .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الخميس، 15 أكتوبر 2009

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ .. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ .. الابتعاد عن الكبائر في الإسلام

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ .. وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ

الابتعاد عن الكبائر في الإسلام


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة


يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) }( القرآن المجيد ، الفرقان ) .

الكبائر هي المعاصي أو الذنوب الكبرى التي توجب لأصحابها الخلود في نار جهنم بعد حساب يوم القيامة . والكبائر هي ممارسة الأمور الخسيسة التي تؤدي إلى المهالك دينا ودنيا وآخرة . وتعتبر الكبائر من الأمور العظام في الفسوق والعصيان والتمرد على الإسلام ، وهي نقيض الصغائر . والكبائر يمكن أن يقال عنها أنها الفواحش والآثام الكبرى الجسام المخزية لأهلها في الدنيا والآخرة .
والكَبيرة : الفَعْلَة القَبيحة من الذُّنوب المَنْهِيّ عنها شَرْعَاً العَظيم أَمْرُها ومن أكبَرُ الكَبائِر الإشراكُ بالله وعُقوق الوالِدَين وقَتْلُ النّفْس واليَمين الغَموس والزِّنا والفِرار من الزَّحْفِ وشهادة الزور وغير ذلك وهي من الصِّفات الغالِبَة وجَمْعُها الكَبائر .
يقول الله تبارك تعالى : { إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) }( القرآن المجيد ، المائدة ) . ويقول الله الحليم العظيم : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) }( القرآن الحكيم ، النساء ) . ويقول الله القوي العزيز : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) }( القرآن المبين ، النساء ) .
ويقول الله الغني الحميد : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}( القرآن العظيم ، النساء ) .
ويقول الله الحي القيوم جل شأنه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}( القرآن المجيد ، الحج ) . ويقول الله السميع العليم عز وجل : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}( القرآن المجيد ، المائدة ) . ويقول الله ذو الجلال والإكرام : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}( القرآن العظيم ، الأنعام ) .
ويقول الله القوي العزيز : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) }( القرآن الكريم ، النور ) . والرمي والقذف : الاتهام بالزنا دون شهود ولا بينة . والمحصنة : العفيفة .
ويقول الله سبحانه وتعالى : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) }( القرآن المجيد ، الحج ) . ويقول الله الواسع العليم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }( القرآن العظيم ، الأنفال ) . ويقول الله الحميد المجيد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}( القرآن العظيم ، التوبة ) . ويقول الله الواحد القهار : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) }( القرآن المجيد ، الأنعام ) . ويقول الله مالك الملك : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) }( القرآن المجيد ، النساء ) .
وفي السياق النبوي الإسلامي الطاهر ، جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 136) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ " . والعقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما .
وفي حديث آخر ، ورد بصحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ" .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 238) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ" . وجاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 245) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ " .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 2 / ص 23) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" .
وورد في سنن أبي داود - (ج 8 / ص 68) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ " . قَالَ أَبُو دَاوُد أَبُو الْغَيْثِ سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوْزَجَانِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ فَقَالَ هُنَّ تِسْعٌ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ زَادَ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا " . وفي حديث آخر ، سنن أبي داود - (ج 13 / ص 21) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنْ الْكَبَائِرِ السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ " .
وجاء في سنن الترمذي - (ج 12 / ص 15) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " . وورد في سنن النسائي - (ج 8 / ص 154) خَطَب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَكَبَّ فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي لَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فِي وَجْهِهِ الْبُشْرَى فَكَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ إِلَّا فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَقِيلَ لَهُ ادْخُلْ بِسَلَامٍ " . وورد في تجنب قول الزور كما ورد بسنن أبي داود - (ج 9 / ص 498) عَنْ حَبِيبِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَسَدِيِّ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَرَأَ { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } . وجاء في المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 367) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:الْخَمْرُ أُمُّ الْفَوَاحِشِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ مَنْ شَرِبَهَا وَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ " .
وجاء في المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 438) قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : " إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الَّتِي كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيَحْتَسِبُ صَوْمَهُ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ يَحْتَسِبُهَا، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَمِ الْكَبَائِرُ؟ قَالَ:"هِيَ تِسْعٌ: أَعْظَمُهُنَّ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَعَقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَإِحْلالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، لا يَمُوتُ رَجُلٌ لا يَعْمَلُ هَذِهِ الْكَبَائِرَ، وَيُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، إِلا رَافَقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَحْبُوحَةِ جَنَّةٍ أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ الذَّهَبِ " .
وأخيرا ، وفيما يتعلق بكبيرة شهادة الزور وقول الزور ، إن واجب الإنسان المسلم إتباع كلام الحق تبارك وتعالى ، واجتناب قول الزور أو شهادة الزور ، مهما كانت أساليب الترغيب والترهيب ، لأن الزور كبيرة من الكبائر الموبقة ، التي تهدم المجتمع ، وتساهم في نشر الفساد والإفساد في ثنايا المجتمع ، وتحاول إخفاء الحق وإظهار الباطل في الحياة الدنيا الزائلة ، وتوهم الناس بالباطل وتصادر العدالة العامة والخاصة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ، بين البشر ، وتستند للباطل في منح أناس معينين امتيازات وهمية زائلة ، متأرجحة تقوم على البغي والعسف والظلم والعدوان ، وهي خطيئة يعاقب عليها شاهد الزور ، من الله ذا الطول شديد العقاب ، عقابا شديدا . فابتعدوا عن قول الزور أو شهادة الزور ، وكونوا حريصين وحذرين كل الحذر لتجنب ويلاتها وعقابها في الدنيا والآخرة . فلا تشهد أيها الإنسان مع غيرك إلا بالحق ، ولا تؤازر الباطل بأي حال من الأحوال ، لأن مصير الباطل إلى الزوال سواء أكان ذلك عاجلا أم آجلا .
وهناك من يشهد شهادة زور باطلة تزوى الحقيقة الساطعة ، ولكن هيهات .. هيهات فإن جند الله بالمرصاد ، ورقيب وعتيد يسجلون كل كبيرة وصغيرة ، ولو كانت مثقال حبة من خردل في صخرة جلمود ، ولن تفيد شهادة الزور وقول الزور ، كونه دجل بل كذب مضاعف مفترى ، في سبيل كسب دنيوي ، كالمال أو الجاه أو مداهنة قبلية أو عائلية أو عشائرية ، أو صداقة اجتماعية ، وهي من الأمور المهلكة للشخصين نفسيهما ،الشاهد والمشهود له بالزور والبهتان ، في الحياة الدنيا والآخرة ، فالله يمهل ولا يهمل . فمثلا يلجا بعض الناس لإنقاذ شخص أو مسؤول معين ، بتقديم شهادة كاذبة غير حقيقية للتدليس والدهن والمصانعة ، فيقول إنه سريع الانجاز كسرعة البرق ، لمدح شخص ما ، وهو لا يعلم أنه يهلكه بذلك ، لأن سرعة البرق أو الضوء تعادل 300 كم / ثانية ، فيكف ستكون هذه الشهادة الباطلة واقعية أو حقيقية لإنسان ضعيف القوة أمام جبروت الله الواحد القهار ، ولا يمكن أن يكون الإنسان سريعا بهذه الصفة بأي حال من الأحوال ، فسرعته في الانجاز بطيئة كثيرا مقارنة بالبرق الذي يخلقه الله عز وجل تمهيدا لهطول المطر . فاتقوا الله في شهاداتكم وأقوالكم ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم المولى عز وجل في عليائه يوم الحساب العظيم ، حيث يقول الله عن ذلك اليوم الرهيب على الظالمين والكافرين والمنافقين والفاسقين : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) }( القرآن المجيد ، طه ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 19 / ص 45) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " . فالصدق هو المنجي في الدنيا والآخرة ، وهو باني المجتمع المسلم السليم من الشوائب والأمراض الاجتماعية ، فيضخ الصدق الثوابت والقيم السامية الفضلى والأخلاق العامة للفرد وللأسرة والشعب والأمة ، وعلى نقيضه الكذب والزور هو الزوغان عن طريق الحق وإتباع سبيل الباطل ، الذي تسلكه شياطين الإنس والجن فسوف يلقون غيا . فانظر أخي المؤمن .. أختي المؤمنة ، في أي زمرة تريد أن يحسبك الله البارئ المصور له الأسماء الحسنى ، بديع السماوات والأرض ، وجنده في الأرض والسماء ؟؟ نرجو منك أن من جند الله الصالحين بعيدا عن شر الشرار والشريرين ؟ وأن تعد نفسك من الصديقين الصادقين وليس من الكاذبين الكفرة الفجرة .
فالخبث والمكر والمكائد تنجم عن قول الزور وشهادة الزور ، والمؤمنون منزهون عن الكذب والدجل على الآخرين ، بينما تعتبر شهادة الباطل وقول الزور من سمات وصفات المنافقين والكفار الملاحدة والفاسقين والظالمين والعدوانيين والمرتشين ، يقول الله خالق الخلق أجمعين : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}( القرآن العظيم ، إبراهيم ) .
والله نسأل أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ويوم يقوم الأشهاد وأن نقول الحق ولو على أنفسنا أو غيرنا إنه سميع قريب مجيب الدعوات حتى نتمكن من دخول الجنة من أبوابها الثمانية ونتجنب ورود أي باب من أبواب جهنم السبعة والعياذ بالله من سعير جهنم .
{ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) }( القرآن المجيد ، الأعراف ) .
نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

النِّفاقُ وَسُوءُ الْأَخْلَاقِ .. إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا

النِّفاقُ وَسُوءُ الْأَخْلَاقِ ..

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ

وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) }( القرآن المجيد ، التوبة ) .
جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 59) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " .

النفاق أو الرماق أو التملق هو المُصانَعة أو المُداراةِ . والمُساناةُ الملاينةُ في المُطالَبة والمُساناةُ المُصانَعَة وهي المُداراة . ويعني النفاق كذلك قول الإنسان في الظاهر غير الباطن ، والتداعي للمنكرات والابتعاد عن الخير العام والمعروف العام ، وعدم الالتزام بالمواعيد والوعود والعهود ، واعتبارها غير مقدسة ، وممارسة الكذب والدجل ، والخصام والفجور والبغي على الآخرين .
ولا بد من القول ، إن النفاق مرض اجتماعي يصيب ضعاف القلوب الذي يدهنون على الناس بخلاف مبادئهم الحقيقية الخبيثة ، وهدف النفاق التمويه وإيهام الآخرين بالموالاة لهم ولكن في حقيقة الأمر ، يكون المرء على غير ذلك وذلك بغية تحصل مكاسب دنيوية زائلة ، والنفاق إمتهان للكرامة الشخصية والإنسانية والوطنية ، ولا يمكن أن يكون المسلم منافقا ، لأن صفة النفاق تتنافى بصورة مطلقة من النفاق والمنافقين .
ويعني النفاق أيضا هو : " المُداهَنةُ والإدْهانُ : المصانعة ، وقيل : المداهنة : إظهار خلاف ما تضمر " . فالمصانعة غير محمودة بل هي ذات نتائج وبيلة عند إكتشاف المنافق السري أو العلني ، والوجوه المتعددة هي من صفات المنافين الذين يذلون أنفسهم في سبيل تحقيق مناصب زائفة أو مراكز اجتماعية واهية ، أو الجلوس على كرسي مهتز القوائم ولو بعد حين . ويجب أن يقول الإنسان المسلم المستقيم الحق ولا يخاف في الله لومة لائم . وقيل عن النفاق أيضا هو الكفر كشكل من أشكال الأمراض الاجتماعية التي توهن إرادة الإنسان وتجعل منه إمعة ، تلوكه الألسن : " والكُفْرُ باللّهِ على أرْبَعَةِ أصْنَافٍ : كُفْرُ الجُحُودِ ، وكُفْرُ المُعَانَدَةِ ، وكُفْرُ النِّفَاق ، وكُفْرُ القَلْبِ واللِّسانِ " . وفي النفاق تبرز المداراة وبالتالي تغلب الرذائل على الفضائل .
يقول الله العزيز الحكيم تبارك وتعالى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) }( القرآن المجيد ، النساء ) .
وقد أوصى الله القوي العزيز رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يحذره من النفاق والمنافقين لأنهم يشكلون خطرا داهما على المجتمع المسلم والرسالة الإسلامية العامة. وتحمل سورة خاصة اسم ( المنافقون ) من القرآن الحكيم من أصل 114 سورة قرآنية مجيدة ، وعدد آيات هذه السورة 11 آية كريمة .
يقول الله عز وجل : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) }( القرآن المجيد ، المنافقون ) .
ولا تكون ولاية الإنسان المسلم للمنافقين بأي حال من الأحوال ، وتحت أي ظرف من الظروف ، لأن المنافقين أولياء بعض ، يصدون عن المعروف ويتصنعون ويخلطون الحابل بالنابل ويبيعون أنفسهم وكرامتهم بثمن بخس مناصب أو دراهم أو كراسي ملتوية أو أرباح وهمية زائلة . وبالتالي فإن المنافقين ينفقون كلامهم المعسول ، وهم يدركون ذلك ، فترى في أنفسهم الحسرة والمرارة حسدا للناس الأسوياء الصادقين مع ربهم ثم مع أنفسهم والناس الآخرين . وصديق الإنسان هو من يصدقه ولا يخذله ، وليس من نافقه ونافق له تحت أي غطاء أو مسمى ، والمنافق مكشوف السر والسريرة ، لأن الله موهن كيد المنافقين ، وجعل عذابهم مضاعفا ، وخصص لهم قعر النار ، ( الدرك الأسفل من النار ) ، لأن المنافقين زملاء للشياطين الكفرة الفجرة ، وهم أخطر على المجتمع ، والحياة العامة من الأعداء المعروفين ، ذلك أن المنافق ، هو عدو الله أولا ، ثم عدو نفسه ثانيا ، وعدو غيره ثالثا ، حيث يلجأ للدجل والشعوذة ، والظهور بمظهر المدافع والحامي لفكرة المسؤول الذي يكبره منصبا ، لجني فتات الفتات من هذا المسؤول أو ذاك . ولهذا نقول للجميع إحذروا النفاق والمنافقين .
يقول الله السميع العليم جل شأنه : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}( القرآن الحكيم ، التوبة ) .
وللتحذير النبوي الشريف من خصال وصفات المنافقين ، فقد بينها تبيانا واضحا وصريحا وجليا ، فقد حدث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عن صفات وعلامات وخصال المنافق ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 58) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " .
جاء في صحيح البخاري - (ج 15 / ص 486) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ وَرِيحُهَا مُرٌّ " .

وفي حديث آخر ، ورد بصحيح البخاري - (ج 17 / ص 375) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالْأَرْزَةِ لَا تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً " .
فالفرق بعيد وشاسع بين المسلم والمنافق ، وبعد إنكشاف أمر المنافق فسرعان ما يلجأ لطرف آخر لينافق له ، ويشتغل بالنميمة والكذب والدجل ، ومحاولة تبرئة نفسه من خطيئة الكذب والدجل على الآخرين .
وفي وصف آخر للمنافق ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً " ، وعند أحمد والنسائي : " لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا تَتْبَعُ " ، كما جاءت بصحيح مسلم ، الجزء 13 ، ص 366 . ومسند أحمد ، الجزء 12 ، ص 65 . وسنن النسائي ، الجزء 15 ، ص 247 . فأنظروا لهذا الوصف النبوي الشريف للمنافق ، حيث شبهه بالغنمة العائرة ، لا تتبع هذا أو ذاك ، بل تتبع مصالحها ، وتغرز قرونها في غيرها متى قويت وتمكنت من ذلك بأقرب فرصة زمنية ممكنة .
وورد بصحيح البخاري - (ج 1 / ص 59) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" . . وهي علامات بارزة للعيان للتعرف على أهل النفاق وأئمته ، من الكالحي الوجوه ، ولا يقتصر النفاق على الذكور بل إن المنافقات يساوين مع المنافقين في الأساليب والطرق الخبيثة الملتوية ، في التودد للمسؤولين ، الذي سرعان ما تهوى بهم الكراسي ، وينزلون إلى أودية سحيقة .
وورد في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 86) حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبَا وَائِلٍ فِي وَلِيمَةٍ فَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ يَتَلَعَّبُونَ يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وَائِلٍ حَبْوَتَهُ وَقَالَ سَمِعْتْ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ " .
وكما يقول المثل الشعبي ( الدنيا كالدولاب ) ، فتارة يكون الإنسان في أعلى الدولاب وتارة أخرى في أسفله ، وهذا ابتلاء من الله عز وجل لفرز المؤمنين من المنافقين . فالمنافقين ، كالحي الوجوة ، يتعاملون مع الناس عامة والقياديين خاصة بمراءاة ورياء ودونية لنيل مبتغاهم ، وإذا سنحت لهم الفرصة بالإنقضاض على الفريسة المفترضة فإنهم لا يتوانون دقيقة واحدة .
وجاء بصحيح البخاري - (ج 11 / ص 314) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَيَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " . فأنظروا كيف شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفئة الضالة المضللة ، والمضللة في الوقت ذاته ، إنهم المنافقين الذين يأتون هذا بوجه وذاك بوجه آخر ، مخالف للآخر ، بغية الفساد والإفساد بين بني آدم .
وفي صحيح البخاري - (ج 19 / ص 2) أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَارًا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا " .
وجاء في الأحاديث النبوية الشريفة ، وصف للفجرة والمنافقين ، بصورة عميقة وصريحة كل الصراحة ، كما ورد بصحيح البخاري - (ج 23 / ص 102) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ قَالَ سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ " . وفي صحيح البخاري - (ج 15 / ص 485) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ" .
وفي رواية أخرى ، جاء بصحيح البخاري - (ج 11 / ص 443) قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وجاء في مسند أحمد - (ج 38 / ص 453) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : " يَوْمُ الْخَلَاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ يَوْمُ الْخَلَاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ يَوْمُ الْخَلَاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ ثَلَاثًا فَقِيلَ لَهُ وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ قَالَ يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْحَرْفِ فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا فَاسِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلَاصِ" .
والله نسأل أن يبعد عنا وعنكم أهل النفاق والشقاق وسوء الأخلاق إنه قريب مجيب الدعاء . وعن جوامع النفاق والمنافقين جاء في سنن الترمذي - (ج 7 / ص 327) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ " . وورد في مسند أحمد - (ج 22 / ص 250) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ " . وورد في مسند أحمد - (ج 29 / ص 198) حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ غَزَوْا غَزْوَةً فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهَاجَتْ عَلَيْهِمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ حَتَّى دَفَعَتْ الرِّجَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا لِمَوْتِ الْمُنَافِقِ فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَجَدْنَاهُ مُنَافِقًا عَظِيمَ النِّفَاقِ قَدْ مَاتَ " .
وجاء في مسند أحمد - (ج 36 / ص 55) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْقَتْلُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ لَا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلَّا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ السَّيْفُ لَا يَمْحُو النِّفَاقَ " .
وهناك وصية من وصايا رسول الله المصطفى حول سبل الابتعاد عن النفاق ، المتمثل بممارسة الصدق ، والتعود على الصلاة بجماعة ، فقد جاء في سنن الترمذي - (ج 1 / ص 407) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " .
ولا بد من التذكير أن مصير المنافقين نار جهنم خالدين فيها هي مولاهم وبئس المصير ، يقول الله الحميد المجيد جل شأنه : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}( القرآن المجيد ، الحديد ) .
وأخيرا ، فلنتعوذ من النفاق والمنافقين ، كما ورد في سنن أبي داود - (ج 4 / ص 345) إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ " .
نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

رسالة مفتوحة إلى الأستاذ الدكتور داود الزعتري رئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري )

رسالة مفتوحة إلى الأستاذ الدكتور داود الزعتري المحترم

رئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري )

د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية

جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

الموضوع : شؤون جامعة فلسطين التقنية بطولكرم

أكاديميا وماليا وإداريا وعمرانيا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وكفى ، والصلاة والسلام على إمام المتقين والمرسلين محمد بن عبد الله المصطفى ، ومن تبع هداه إلى يوم الدين وعلى أثره إقتفى ، أما بعد ،

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}( القرآن المجيد ، الصف ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 253) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .

بداية ، أود أن أقدم لك تحياتي الطيبة عبر أثير الانتر نت ، كزميل لي بالجامعة ، ورئيس لجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري ) ، التي أعمل بها قبلك بسنوات ، وبصفتي حائزا على درجة ( مدير أ ) من الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات طيب الله ثراه ، منذ عام 2000 ، وبصفتك تحمل أيضا ، تعيينا رئاسيا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بناء على تنسيب وزيرة التعليم العالي برام الله ، فقليل ما نراك ، رغم قدومك للجامعة منذ 19 آب 2008 ، لأنك دائما مشغولا بالقضايا الإدارية والجامعية والوزارة متنقلا بين الخليل ورام الله وطولكرم ، وغير متفرغ لإدارة شؤون الجامعة الحكومية الفتية الوحيدة بالضفة الغربية ، ولا نستطيع مقابلتك إلا بشق الأنفس أو على الأدراج .

وفيما يتعلق بشؤون جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، فإن لي بعض الملاحظات والانطباعات التالية ، كموظف في هذه الجامعة منذ ست سنوات ونيف ، وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة ، وحاصلا على رتبة مدير ( أ) من الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات ( أبو عمار ) رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، ورئيس سابق لنقابة العاملين بالجامعة ، وقائم بأعمال نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والمالية سابقا ، قبل تقديم استقالتي منهما ، علما بأنني أسعى لقول كلمة الحق وتصحيح الإهمال وزيغ القلوب والعقول ، ولا أخاف في الله لومة لائم . وإنني اقتدي ، بأحد أنبياء الله عز وجل ، كما خاطب شعيب قومه ، إذ نطقت الآيات القرآنية المجيدة بالقول : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }( القرآن العظيم ، هود ) . وأذكر الجميع ، طاقم وزارة التعليم العالي وإدارة جامعة وموظفين وعاملين وطلبة ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، يقول الله العليم الخبير : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}( القرآن المبين ، البقرة ) .

وأرغب في توضيح الانطباعات والأمور السائدة في الحرم الجامعي بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم وخارجه وهي ليست سرا من الأسرار على أي حال ، كالتالي :

أولا : المسائل الأكاديمية

1. اسم الجامعة : اسم الجامعة يجب أن يكون ( جامعة فلسطين للعلوم والتكنولوجيا ) وليس التقنية ، أو جامعة خضوري ، لأن خضوري أسم يهودي وهذه أرض إسلامية عربية فلسطينية بحتة . وهذه الجامعة هي جامعة حكومية .

2. العمل الحثيث على استكمال بناء المرافق الجامعية اللازمة لمتطلبات التطوير والاستنهاض العلمي وعدم الاكتفاء بالمباني الجامعية الحالية . فمثلا لا يمكن أن ينفع وضع حجر الأساس لمكتبة الجامعة وسط بهرجة إعلامية فارغة من المضمون ، وحجر الأساس الموضوع في الجهة الجنوبية اكبر دليل على ذلك . وكذلك لماذا لا يتم تشطيب وإنجاز بقية طوابق المبنى الجديد لإضافة قاعات تدريس جديدة واستيعاب مئات الطلبة الجدد والعاملين الجدد أيضا .

3. الترقيات العلمية : كما تعلم ، وبصفتك حائزا على رتبة الأستاذية الجامعية ، يحتاج الأساتذة المساعدون من حملة الدكتوراه العاملون في الجامعة الذين أعدوا أبحاثا ودراسات علمية للترقية العلمية الأكاديمية ، وكنا نأمل أن تضع اللوائح للترقيات ولكن خاب ظننا فيك حتى الآن أقولها بصراحة وبمرارة نفسية وأكاديمية .

3. إتباع مبدأ التخصص والتخصيص العلمي والأكاديمي في تدريس المواد والمساقات الدراسية النظرية والعملية ، واستقطاب كفاءات جديدة لهذا الأمر لسد الفراغ الموجود .

4. العمل على إعداد المقررات الدراسية الخاصة بجامعة فلسطين التقنية ، وتشجيع البحث العلمي لتكون جامعة مميزة بحق وحقيق ، ولا تسترشد بالمقررات الجامعية الخارجية . والعمل على تبني حكومي من أموال الجامعة لطباعة هذه الكتب الأكاديمية لجميع التخصصات العلمية والإنسانية على السواء .

5. العمل على إصدار دورية كمجلة علمية محكمة متخصصة لنشر الأبحاث والإبداعات الجامعية للعاملين بالجامعة وغيرهم من الجامعات الأخرى .

6. العمل على تنظيم المؤتمرات العلمية والندوات المتعددة في الحرم الجامعي ، لتأخذ الجامعة طريقها في التفاعل العلمي والمجتمعي في فلسطين وخارجها .

7. تخصيص قسم جديد للأساتذة والمحاضرين لمواد الثقافة العامة بالجامعة أو إلحاقها بالكليات المناسبة : مثل القضية الفلسطينية واللغة العربية والثقافة الإسلامية وهي متطلبات جامعة إجباري لجميع طلبة درجة البكالوريوس بلا استثناء ، فلقد أخطأت إدارة الجامعة في عدم استيعاب الأساتذة والمحاضرين بهذا المجال ، وحولتهم لكلية العلوم التطبيقية ، فلماذا هذا التخبط الأكاديمي ، فالقضية الفلسطينية تكون تابعة لكلية العلوم المالية والمصرفية ، أسوة ببقية كليات الاقتصاد والعلوم الإدارية التي تطرح هذا المساق كمتطلب جامعي فلسطيني إجباري لطلبة البكالوريوس في جميع الجامعات الفلسطينية ، واللغة العربية والثقافة الإسلامية كانت تابعة لكلية التربية وهذا هو الأصح ، فما لكم كيف تحكمون ؟ أم أنه ليس لديكم الوقت الكافي لمناقشة هذا الأمر وتصويبه بالاتجاه الصحيح .

8. استكمال البناء الأكاديمي العام بإفتتاح كليات وأقسام جديدة ، لدرجات البكالوريوس والماجستير .

9. تفعيل نظام البعثات والمنح الدراسية للعاملين لتطوير درجاتهم ومؤهلاتهم العليا .

ثانيا : المسائل المالية

جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " . هناك بعض الأمور التي هي بحاجة لتوضيح ومتابعة من الجميع وللجميع ومن أجل الجميع ، على الصعيدين الذاتي والجماعي وهي كالتالي :

أ) مزايا رئيس الجامعة : لقد جئت يا دكتور داود اسحق الزعتري كرئيس لجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( ورحبنا بك ترحيبا كبيرا ) لتحقيق الآمال والأماني ، فأتيت بعقد عمل مميز متميز ، لمدة أربع سنوات ( 2008 – 2012 م ) ، وهو مجز ماليا ، حيث تتقاضى شهريا من مالية جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، حوالي 6500 دولار أمريكي ، أو ما يعادل 4500 دينار أردني ، أو أكثر من 23 ألف شيكل شهريا ، واستجيب لطلبك بالعقد لدفع مكافأة نهاية الخدمة بواقع بدل مالي شهرين عن كل سنة خدمة ، حسب آخر قسيمة راتب ، ويتم احتساب الراتب السنوي عن 14 شهرا وليس 12 شهرا ( بمعنى أنك تتقاضى 16 راتبا سنويا ) بينما غيرك بالجامعة يتقاضى راتبا سنويا ل 12 شهرا فقط ، ويصرف لك 6 % من راتب كل شهر لأغراض صندوق التوفير مع انتهاء مدة العقد بالإضافة للسكن المؤقت خلال فترة العقد ، وهو سكن فاخر وكأنه فندق 5 نجوم ، ولكنك لا تستخدمه لا نادرا لبذل المزيد من الاهتمام بشؤون الجامعة ، ولك إمتيازات مالية وتسهيلية أخرى تتمثل بتسديد أثمان المياه والكهرباء وفواتير الهاتف الثابت والجوال وتوفير سيارة خاصة ( جيب ) على أحدث طراز وموديل ، وسائق مرافق على حساب ميزانية الجامعة ، وبالعقد مادة قانونية توجب دفع مخصصات أربع سنوات إذا أرادت الوزارة الاستغناء عن خدماتك كرئيس للجامعة . بمعنى أن راتبك السنوي يعادل راتب حوالي 10 أساتذة من الجامعة ، أو 4 وزراء في الحكومة الفلسطينية ، وأعلى راتب رئيس جامعة فلسطينية على الإطلاق رغم أن جامعة فلسطين التقنية هي أصغر جامعة في فلسطين حتى الآن لا يتجاوز عدد طاقمها حوالي 200 موظف من حملة جميع الشهادات الجامعية ، وعدد طلبتها لا يتجاوز 2000 طالب جامعي لدرجتي البكالوريوس والدبلوم المتوسط . وبمقارنة هزلية بسيطة فإن راتبك الآن يفوق راتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو !!! فهل هذه رواتب أعضاء الطريق الثالث يا ترى ؟؟؟ وإعلم يا د. زعتري أن من يحفظ حق نفسه يجب أن يحافظ على حقوق الآخرين ، ولنا قدوة حسنة في ذلك ، فقد كان الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات رحمه الله يؤثر الناس على نفسه ، ويبذل الجهود الجبارة لإسعاد الآخرين ، فكان كشمعة تحترق كي تضيء طريق الآخرين ، فأين رئاسة الجامعة من ذلك ؟؟ نرجو الابتعاد عن الأنانية المفرطة .

ب) ولكن رغم تقاضيك هذا الراتب العالي الفريد من نوعه في فلسطين وخاصة بالقطاع الحكومي ، فإنك لم تولي مسالة تحسين رواتب الموظفين في الجامعة الرعاية التامة بأي حال من الأحوال ، ولا يشعر الموظفين وأنا منهم بأنك حريص على مصالحهم العامة ، فكنت تعمل لمصلحتك فقط ، دونما رعاية شؤون الموظفين الرعاية المناسبة ، بل كنت مماطلا بصورة متواصلة غريبة وعجيبة . ويحس الموظفون بأنك تتعامل معهم بتكبر وتعالى غير مبررة ، وتحب المرائين والمنافقين الذين يكيلون لك المديح تلو المديح ؟؟ فلم تكلف نفسك مجاملة زملائك ، وكأنك في برج عاجي ، بعيدا عنهم ، ولهذا فهم بعيدين عنك ، ولا تربطك بهم سوى علاقات العمل الروتينية ، فثملا لم تكلف نفسك إجراء مكالمة هاتفية مع زميل لك للتعزية ، أو الإطمئنان على صحته عندما يمرض ، أو الاستماع لرأي عامة الموظفين ، وفي بعض اللقاءات المفتوحة التي نظمتها نقابة العاملين السابقة كنت تعيد نفس الأسطوانة المشروخة بلا رصيد فعلي على أرض الواقع ، فلماذا هذا التكبر والتعالي على الآخرين ؟؟؟ !!! وأين مسؤوليتك عن رعيتك ، والتعاون معهم وحل مشاكلهم ، والوقوف معهم في الملمات والأفراح والأحزان ، أم أنك من كوكب آخر ؟؟؟ جاء في سنن ابن ماجه - (ج 7 / ص 294) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " . وورد ب مسند أحمد - (ج 10 / ص 316) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " .

ج) وإزاء هذه البيانات الرقمية والمالية لرئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، فإن الموظفين الأكاديميين والإداريين والخدميين ، لهم المطالب الحقوقية البسيطة ، وهي :

1. الكادر الوظيفي للعاملين في الجامعة : أكاديميين وإداريين وخدمات عامة . لقد وعدتنا عدة وعود غير مقدسة بتطوير العمل بالكادر الوظيفي الموحد لجميع العاملين بالجامعة ، ولكن كل هذه الوعود ذهبت أدارج الرياح ، فيبدو أن مواعيدك غير مقدسة ، بل هي كذلك ، وهذا ما اكتشفته شخصيا وجماعيا عندما كنت رئيسا لنقابة العاملين سابقا ، منذ البداية فقد قدمنا لك عدة مطالب أكاديمية وإدارية ومالية ولكنك تلكأت في التجاوب الايجابي معها ، ولم تحقق بعضا منها حتى الآن ، فكنت مماطلا ومسوفا من الطراز الأول ، إذ فاجأ زملائي النقابيين والموظفين ، حيث كنت في أحد المداخلات النقابية نوهت لك ولجميع العاملين أن لا تتبع أسلوب المماطلة والتسويف ( س .. س .. س .. سوف .. سوف .. سوف أعمل كذا وكذا ) وهذا ما فاجأني ، إذ لا أستوعب أن شخصا بمقامكم الكريم لا يلتزم بتعهداته ووعوده ، فكانت تلك الوعود والمناقشات معك مضيعة للوقت ، واستنزافا للجهود البدنية والنفسية والعقلية الفردية والجماعية في الآن ذاته ، فقدمت استقالتي من رئاسة نقابة العاملين في 18 كانون الأول 2008 ، بعد أن كنت رئيسا للنقابة منذ 26 أيار 2007 ، رغم محاولتك ثنيي وإقناعي بعدم تقديم الاستقالة ، لتجعل من النقابة حصان طروادة الذي تسكت بها الموظفين الإداريين والأكاديميين والخدميين على السواء ، بسبب مماطلتك وعدم المتابعة الحثيثة مع طاقم وزارة التعليم العالي برام الله ، وإلتفافك على النقابة ، ومحاولة محاصرتها ، فأردت أن لا أصطدم معك ، ولكنك أبيت إلا الصدام ، وإفراغ العمل النقابي من مضمونه ، في تحقيق أي مطلب من مطالب العاملين ولو بسيطا ، وهذا الأمر أفقد رئيس الجامعة مصداقيته أمام السواد الأعظم من العاملين باستثناء بعض المنافقين من هنا وهناك . وفي ظل الوعود غير المقدسة ، والخيارات غير الجدية والمجدية التي تلهي بها العاملين بالجامعة بين الحين والآخر ، لكسب المزيد من الوقت ، وإنهاء فترة عملك الوظيفي دون تحقيق مطالب العاملين الحقوقية ، آملا من حضرتكم العمل على تحقيق الآتي :

أ‌) تطبيق تقاعد وظيفي لجميع العاملين لمن عمل منذ قيام سلطتنا الوطنية الفلسطينية ، على أساس قانوني كامل ومتكامل لا يقل عن 70 % .

ب‌) إعادة تعيين العاملين في الجامعة على أساس الكادر الوظيفي الموحد للجامعات الفلسطينية .

ت‌) احتساب سنوات الخبرة عند إعادة التعيين الجامعي الإداري والأكاديمي والخدمي .

2. العلاوات الإدارية غير المدفوعة ل 11 موظفا ، وأنا من بينهم ، وهذه العلاوات تم توقيفها منذ آذار 2006 حتى الآن ، وإن دفع جزءا منها لثلاثة موظفين فهي غير مكتملة وبحاجة لمتابعة .

3. هناك بقايا سلف لإدارة الجامعة على عشرات الموظفين ، الذين كانوا لا يتقاضون رواتبهم إبان الحصار المالي على الحكومة الفلسطينية العاشرة ، التي شكلتها حركة حماس وحدها ، فكانوا يأخذون سلفا شهرية قدرها ألف شيكل والبعض منهم سدد ما ترتب عليه بعد تسوية أوضاعه المالية من وزارة المالية ، ومنهم من لم يسدد ، وقد أختلط الحابل بالنابل ، فوجه القائم بأعمال النائب الإداري والمالي د. عزمي عوض كتبا تطالب جميع الموظفين الذين عليهم استحقاقات مالية بضرورة تسديد المبالغ المترتبة عليهم ، وهذا لا ضير عليه ويجب أن يتم تسوية أمور هؤلاء الموظفين المالية ما لهم وما عليهم حسب راحة الموظف المالية لأنه هل جزاء الإحسان إلا الإحسان !!. ولكن مهزلة المهازل أن يتم توجيه كتب للموظفين الذين ما زالوا لم يتقاضوا بقايا مستحقاتهم المالية ( التي تتراوح ما بين 10 – 17 ألف شكل للواحد ) إخطارات تطالبهم بضرورة تسديد ما عليهم للجامعة وهي مبالغ تتراوح ما بين 2000 – 2500 شيكل ، بينما لهم أرصدة مالية أعظم من ذلك بأضعاف مضاعفة مما عليهم ، فأين العدل ؟ وأين المتابعة ؟ هذه قسمة ضيزى ظالمة يفترض أن لا يكون مكان لها في جامعة تحمل اسم ( جامعة فلسطين التقنية ) في مدينة عريقة كمدينة طولكرم . علما بأن مجمل المبالغ المتبقية للموظفين لا تتجاوز 130 ألف شيكل . يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)}0 القرآن المجيد ، النساء ) .

وفيما يلي قائمة بأسماء الموظفين في جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، الذين حجبت عنهم العلاوات الإدارية ظلما دون وجه حق ، منذ آذار 2006 حتى تشرين الأول 2009 :

- المهندس منصور حسن حضيري – مدير متقاعد الآن ، كان يشغل منصب النائب الأكاديمي .

- الأستاذ ماهر محمد زكي قمحاوي ، رئيس قسم شؤون الطلبة .

- الأستاذ رشيد مصطفى الراميني رئيس قسم العلاقات العامة .

- الأستاذ مجدي صبيح صلاح – رئيس قسم الديوان في الجامعة .

- المهندس حسام يوسف قصراوي – رئيس قسم التخطيط والتطوير .

- أحمد حسين خساتي – رئيس قسم القبول والتسجيل .

- الدكتور إبراهيم خليل خضر رئيس قسم المكتبة .

- المحاسب دوسم محمد سعيد أبو سعدة – رئيس قسم التدقيق .

- المهندس نعيم أحمد حمايدي رئيس قسم الصيانة والخدمات .

- السيد وائل محمد علي الجدع رئيس شعبة الصيانة .

- الدكتور كمال إبراهيم علاونه – مدير بدرجة ( أ ) منذ حزيران 2000 . أستاذ العلوم السياسية بالجامعة .

وبهذا الصدد فإنني لا أعفي الوزيرة برام الله الأستاذة لميس العلمي ووكيل الوزارة الأستاذ والنقابي السابق محمد أبو زيد ووكيل مساعد التعليم العالي د. فاهوم شلبي ، ودائرة الشؤون الإدارية بجناحي الوزارة : التربية والتعليم ، والتعليم العالي ، والجهات المختصة بالوزارة ورئيس جامعة فلسطين التقنية والقائم بأعمال النائب الإداري والمالي وديوان الموظفين العام ، من التقصير والإهمال في تحقيق حقوق الموظفين بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، كجامعة فتية تكافح من أجل البقاء ، وتساهم في مرابطة أهل محافظة طولكرم في ديارهم وأرض فلسطين الأبية ، أرض آبائهم وأجدادهم . آملين منهم المساهمة في تصليب عود الجامعة الحكومية الفتية ، وتثبيت الكفاءات والأدمغة لا تهجيرها ، بل ينبغي العمل الجاد من أجل استقطاب الكفاءات والخبرات والعقول لا تيئيسها . وأن يكونوا على قدر المسؤولية واستحقاقاتها الأكاديمية والإدارية والمالية والسياسية والفكرية والحضارية .

4. البدل المالي للساعات الإضافية التي يؤديها الأساتذة والمحاضرون ، فيجب أن تكون متشابهة مع الجامعات الفلسطينية الأخرى ، وهي 19 دينارا أردنيا / ساعة زمنية لحملة الدكتوراه ، و15 دينارا أردنيا لحملة الماجستير ، و12 دينار أردنيا لحملة البكالوريوس وهكذا .

5. ضرورة دفع استحقاقات الموظفين الذين لا زالوا يتقاضون سلفا مالية وليس رواتب منذ عدة شهور وسنوات .

6. حل مشكلة توقيف رواتب بعض الموظفين منذ حوالي سنتين مثل الأستاذ محمد اشتيوي ، وتجميد العلاوات الإدارية ل 11 موظفا أحدهم تقاعد ولم يأخذ مخصصاته الإدارية . ويفترض العمل على حل القضايا الجزئية البسيطة المتأخرة لدى شؤون الموظفين .

وكلمة لا بد منها إنه لا يعقل أن يبقى الدكتور في الجامعة يتقاضى ما بين 60 – 65 % من راتب زميله في الجامعة الفلسطينية القريبة منه كالنجاح أو بير زيت أو القدس المفتوحة ، وحملة الماجستير يتقاضون راتبا موازيا للمراسل أو الفراش في جامعة النجاح الوطنية أو جامعة بير زيت ، وأما الفئات الأخرى فمسحوقة ماليا بلا جدال ، فانظر إلى قسائم رواتب الموظفين الشهرية وأحكم بنفسك إن كنت مهتما بحقوق الموظفين أو لديك الوقت الكافي لذلك ؟؟؟!.

ثالثا : المسائل الإدارية

1) ضرورة إتباع مبدأ التعددية والهرمية الإدارية منن أطياف وفسيفساء الطيف السياسي الفلسطيني في إدارة الجامعة والتعيينات الوظيفية ، ومنح الصلاحيات والمهام وعدم إتباع مبدأ المركزية المطلقة . وعدم تغليب وتفضيل ممن هم من أنصار وأتباع الطريق الثالث أو الولاءات الشخصية والقبلية والصداقات بالتوظيف دون وجه حق .

2) إبقاء سياسة الباب المفتوح للعاملين ، وليس الأبواب الموصدة ، قلبا وقالبا ، وذلك من أجل إمتصاص النقمة المتصاعدة ضد إدارة الجامعة المتمثلة بشخصكم الكريم .

3) وكما تعلم د. داود الزعتري .. فإن هناك بيانات حزبية تعرضت لشخصك الكريم ، عند بداية قدومك للجامعة كونك تنسق بشكل حثيث مع قائمة الطريق الثالث ، وتستجيب لرغباتها وإملاءاتها ، حسب ما يعتقد الكثير من الموظفين والطلبة ، ووقفنا ضد الحملات التشهيرية ضدك ، كنقابة عاملين وكأشخاص ، دفاعا عنك كأحد موظفي الجامعة ، وما زلنا ندافع عنك بالحق وللحق ، ولتطوير الجامعة ، ولكن يبدو أننا في واد وأنت في واد آخر ، فقد أهملت حقوق الموظفين المتعددة ، وتناسيت وعودك العنكبوتية للنقابة والموظفين ، ولا تلقي بالا للهيئات التمثيلية الطلابية علما بان من حق الطلبة والعاملين إجراء الانتخابات الطلابية المنتظمة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم أسوة ببقية الجامعات الفلسطينية .

4) هناك نقمة شديدة متزايدة ضد إدارة الجامعة وضد طاقم وزارة التعليم العالي الذي لم يزر الحرم الجامعي ويستمع للموظفين ، ونكثهم بوعودهم لتحسين الرواتب كما وعدوا في كانون الثاني 2008 وما تلا بعد ذلك .

5) ضرورة إيلاء الكفاءة العلمية والخبرة العملية والحاجة المادية الاهتمام الكافي في استقطاب الأكاديميين غير المتفرغين ، بعيدا عن الشللية والمحسوبية والعشائرية وشخصنة الأمور .

6) هناك توجهات لدى الموظفين بخوض إضراب عام في الجامعة لتحقيق حقوقهم المطلبية والأكاديمية والإدارية والمالية بالتنسيق مع نقابات كليات فلسطين التقنية وجامعة الأقصى الحكومية بغزة ، مما يسبب إرباكا للحياة الجامعية مستقبلا . فلتستبقوا الأمور وتعطوا الموظفين أجورهم قبل جفاف عرقهم .

رابعا : المسائل العمرانية والتجهيزات

1. لا بد من إضافة مبان جامعية جديدة للحرم الجامعي ، فجامعة فلسطين التقنية ، تمتلك مقومات الجامعة الكبيرة ، كالأراضي الواسعة ، ولكنها للأسف لا زالت في طور نواة الجامعة ، وليس الجامعة الحكومية التكنولوجية المنشودة ، في المحافظة خصوصا وفلسطين عموما . فمباني الكليات الموجودة ( الهندسة والتكنولوجيا ، التربية والتكنولوجيا ، العلوم التطبيقية ، العلوم المالية والمصرفية ، الكلية المتوسطة ) بقيت كما هي بيافطات جديدة ملونة فقط ، ولا يبدو أن هناك شيئا جديدا في الأفق المنظور . فلا تفاعل ولا تعاون شعبي ورسمي ومجتمعي لإضافة مبان جديدة تستوعب آلاف الطلبة المستقبليين ، والوضع لا زال وفق سياسة ( مكانك قف ) كدليل على غياب التطوير والتوسيع العمراني الأفقي والعمودي الفعلي ، أو وفق سياسة ( مكانك سر ) ليوهم المسؤول نفسه بأنه يعمل ولكنه يبقى يسير ويسير مكانه دونما حلحلة أو تطوير وتوسيع ملموس جديد .

2. لا بد من إدخال التكنولوجيا العصرية لفعاليات الجامعة ، كاستخدام الانتر نت في التسجيل والإعمامات الإدارية والأكاديمية إلى الطلبة والعاملين على السواء ، سواء بسواء .

وأخيرا ، لقد وضعت هذه المعطيات أمامك كرئيس لجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، ولتمكين الإخوة في وزارة التعليم العالي ، الوزيرة والوكيل والوكيل المساعد والمدراء العامين ، من معرفة ما يجري في أروقة الجامعة ، لتجنب الصدام المستقبلي ، بين العاملين من جهة وإدارة الجامعة والوزارة من جهة ثانية ، وإنقاذ الأمر قبل فوات الأوان ، وقبل إعلان إضرابات للعاملين وللطلبة أيضا لأنهم متضررون من عدم تفرغ رئيس الجامعة وإهمال الكثير من مطالبهم المتعددة .

وأقول لك يا د. داود الزعتري ، يا أبا اسحق ، بصدق ومسؤولية ، وحرص على هذا الصرح الجامعي الحكومي الفتي ، لأن صديقك من صدقك ، وليس من نافقك ونافق لك ، وأظهر لك الأمور على غير مسيرتها وسيرتها الكائنة ، فأنقل لك كما هو كائن الآن تجاه إدارتك للجامعة ، أن لا بد من التعامل بجدية وصدق مع الموظفين والطلبة ، وتجنب المماطلة والتسويف بصورة قطعية ، وتلبية حقوق ومطالب الجميع بلا استثناء أو إثناء ، وعدم ترحيل ملفات العاملين بجميع فئاتهم : الأكاديميين والإداريين والخدميين ، للشهر المقبل ، وللذي بعده ، ولما بعد عيد الفطر السعيد ، ولما بعد عيد الأضحى المبارك ، وللسنة القادمة والتي تليها ، وكلها مواعيد غير مقدسة ، وتصبح نسيا منسيا ، فالأمر لم يعد يحتمل لديهم وأنا استمع منهم يوميا ، فقد تنقلب الأمور رأسا على عقب ، فنرجو تدارك الأمر قبل أن تحل مشاكل معقدة ليست في صالح الجامعة أو الصالح العام تحت أي ظرف من الظروف . يقول الله السميع العليم جل شأنه : { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) }( القرآن الكريم ، الإسراء ) .

وأعلم يا رئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، أن الأيام دول ، وأن الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فاتق الله في رعيتك وفي موقعك الإداري المتقدم في الجامعة ، ويفترض أن تكون أسرة الجامعة ، أسرة واحدة ، بإدارتك متكاملة ومتكافلة في السراء والضراء ، لا متنافرة ومتباغضة ، وتتربص بأفرادها وبإدارتها دوائر السوء ، والراعي هو من يرعى ويهتم برعيته الاهتمام المناسب لا أن يضيع حقوقها ، ويتركها فريسة سائغة للأزمات المالية ، والحياة الضنكى ، فيسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، وكن مع العاملين ولا تكن عليهم ، وأعنهم ولا تعن عليهم لتنال رضى الله ثم رضى العاملين وأسرهم وطلبتهم وتستطيع تقديم كل جديد على الساحة الجامعية .

آملين من حضرتكم العمل على متابعة هذه المواضيع ، والتفرغ لشؤون جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، والابتعاد عن المثلث الجامعي الهلامي الذي تعمل به دون إنتاج ملموس يذكر : كرئيس لجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، وعضو مجس تعليم عالي ، ومستشار وزارة التعليم العالي ، ومسؤول المشروع الفرنسي بوزارة التعليم العالي ، هذا عدا عن تنقلك المستمر دون إنقطاع بين الخليل ورام الله وطولكرم يوميا ، وكله طبعا هذا على حساب وقت الجامعة ، ووقت العاملين فيها ، ووقت طلبة الجامعة ، لأن هذه الجامعة الحكومية الفلسطينية الناهضة ، وهذه المحافظة الفلسطينية الكرمية ، تستحق الرعاية والاهتمام المناسب ، علميا وإداريا وأكاديميا وماليا ، ومعنويا ، بعيدا عن اللامبالاة العامة والخاصة .

الأستاذ الدكتور داود الزعتري رئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم .. إعمل حثيثا وسريعا من أجل أن ينال ذوي الكفاءة درجة الأستاذية مثلك من العاملين بالجامعة فليس الاستيراد الخارجي هو الطريقة المثلى لذلك ، ولا تجعلها محتكرة عليك وحدك في الجامعة التي تتبوأ فيها القيادة الإدارية العليا ، جاء في صحيح مسلم - (ج 8 / ص 313) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ " ، وفي رواية أخرى ، جاءت بمسند أحمد - (ج 31 / ص 393) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا الْأَخَاطُ " ، فأسع لتطوير وترقية العاملين وأكسبهم لصفك ، صف التقدم والتطوير ولا تلق بهم بمهاوى اليأس والتيئيس من سياستك المتأرجحة الغامضة حتى الآن .

وتأكد تماما أن هذه الرسالة المفتوحة ، هي للمصلحة الفلسطينية والإسلامية العليا ، وأنني زاهد في المناصب العليا كما تعلم أكثر من غيرك ، ولا أريد منها شيئا ، فالدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، وقدمت استقالتي من العديد من المواقع المتقدمة داخل الجامعة وخارجها ، أو انتقلت من مواقع لأخرى لإيماني أن خدمة شعبي المرابط في أرض الرباط المقدسة ، هي الأهم والأجدى والأفضل ، بعيدا عن الكراسي المهترئة ، بلا قوائم فعلية على أرض الواقع ، لعدم رضائي عما يجري حولي من هرطقات جانبية ، وتأتي هذه الرسالة المفتوحة ، ضمن حرصي وإهتمامي الشخصي والوطني والإسلامي لتطوير وتفعيل هذه المؤسسة التعليمية العليا بفلسطين الأرض المقدسة ، لمواجهة التحديات المصيرية خاصة وأن الجامعة تقع على تماس مباشر مع جدار الفصل العنصري الصهيوني البغيض ، على جانبي ما يسمى بالخط الأخضر الفاصل في أرض الوطن الفلسطيني ، الذي هو بحاجة لتضافر جميع الجهود للبناء والنماء ، وفق مبدأ النقد البناء ، والنقد والنقد الذاتي . وكذلك من أجل المصلحة العامة والصالح الوطني الفلسطيني العام ، وأن هذا الأمر ربما لا يروق لك ، بهذه الطريقة من الرسائل المفتوحة ، ولكنك أنت من أخترت ذلك وأجبرتني على سلك هذا السلوك الإعلامي الطارئ ، بسبب إدارتك ظهرك للعاملين والطلبة ، وممثليهم ، منذ أكثر من سنة لتوليك مهام رئاسة الجامعة ، ( أول رئيس للجامعة ) حيث وضعت لوحة خاصة بذلك داخل مبنى الإدارة ، على يسارك وأنت داخل لمبنى الإدارة على واجهة غرفة العلاقات العامة الصغيرة ، وإعلم أن من يحمي حقوق الموظف سواء أكان رئيس جامعة أو موظف عادي ، هو الله الرزاق ذو القوة المتين أولا ، لأنه : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}( القرآن الحكيم ، الطلاق ) . وليس عقد مكتوب ومبرم في أروقة التعليم العالي لمدة أربع سنوات متصلة غير منفصلة ، ثم كفاءة وخبرة وشعبية ومعاملة المسؤول في المكان الذي يعمل به ، وإلتفاف الناس من حوله ، يقودهم بالخير ونحو الخير للجميع بلا استثناء ، ويتقاسم فيه رغيف الخبر مع الجوعى ، وليس المشاركة أو السكوت على ظلم وتجويع الموظفين وإحباطهم وتيئيسهم من الحياة الجامعية والوظيفية ، ولا تنتظر من المظلومين الإصطفاف خلفك إذا لم تدافع عن حقوقهم المهضومة .

ولا نقول وداعا .. ولكن إلى اللقاء في رسالة أثيرية مؤثرة قادمة عبر الانتر نت إن شاء الله تبارك وتعالى بعد تصحيح الأوضاع الأكاديمية والإدارية والمالية ، وتطوير مباني الحرم الجامعي المتواضع بشكل يليق بجامعة فلسطين التقنية ، الحكومية في محافظة طولكرم ، محافظة المتفوقين من طلبة الثانوية العامة بصورة دورية ، كحبة لؤلؤ تنتشر على خريطة فلسطين المباركة من الله الحميد المجيد .

وإلى الأمام دائما .

{ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد ، نوح ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وتفضلوا بقبول التحية والاحترام ،،،

التوقيع

د. كمال إبراهيم علاونه

جامعة فلسطين التقنية / طولكرم – فلسطين

جوال 0598900198

نسخة : السيد الرئيس محمود عباس .

نسخة : اللجنة المركزية لحركة فتح .

نسخة : وزيرة التعليم العالي برام الله .

نسخة : وكيل وزارة التعليم العالي برام الله .

نسخة : الوكيل المساعد لوزارة التعليم العالي برام الله .

نسخة : وكالات أنباء إلكترونية على الانتر نت .