الأحد، 31 مايو 2009

اليوم العالمي لمكافحة التدخين 31 أيار .. وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .. ولا تنفقوا في سبيل الشيطان ممنوع التدخين NO SMOKING


اليوم العالمي لمكافحة التدخين 31 أيار ..
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ..
ولا تنفقوا في سبيل الشيطان
ممنوع التدخين NO SMOKING
د. كمال إبراهيم علاونه
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله الحي القيوم عز وجل : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . وورد في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 214) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " .
انتشار التدخين في المجتمعات
تنتشر آفة التدخين غير الصحية وغير الاجتماعية على النطاق العالمي ، حيث يلجأ بعض البشر لاستخدام وسيلة التدخين للقضاء على صحتهم وتفريغ جيوبهم من الأموال ، وقتل أوقات فراغهم بالنفخ والنفث ، وكأن هؤلاء مداخن متنقلة ، أو بالمثل الشعبي الفلسطيني ( طابون بلدي مدخن ) . وغني عن القول ، إن للتدخين ، سواء للذكور أو الإناث ، صغارا وكبارا ، العديد من المضار الاجتماعية والصحية والاقتصادية ، فهم كنافخي الكير المتنقلين في البيئة الطبيعية ، فيعمدون إلى تلويثها ، بكل ما أوتوا من سجائر ملوثة وتبغ فاسد ومفسد ، للجسم البشري والبناء الحجري والنماء الشجري . وقد أنشأت العديد من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية لمكافحة آفة التدخين المستشرية بين ظهراني البشرية في جميع أصقاع الكرة الأرضية ، من المشرق للمغرب ، ومن الشمال للجنوب . ومن أبرز هذه المنظمات : منظمة الصحة العالمية ، وما تفرع عنها من ( المنظمة العالمية لمكافحة التدخين ) بمقرها وفروعها في شتى البلدان المنتشرة في قارات العالم .
أنواع التبغ
يقوم بزراعة التبغ ملايين الأشخاص في العالم ، ويفترض الحد من زراعة هذه المادة الضارة بالإنسان والبيئة الطبيعية الخضراء . والعمل على تعويض المزارعين الذين يزرعون التبغ ، واستبدال هذه الزراعة بزراعات من المحاصيل والخضروات والفواكه والأشجار المثمرة ، وتجنب زراعة هذه المادة التي تسبب المآسي للأفراد والمجتمع على السواء . وهناك العديد من أنواع التبغ العربي والإفرنجي ، الذي يباع في الأسواق ، ويتم تهريبه عبر الحدود الدولية وجني الأرباح الطائلة من مادة مهلكة للإنسان جسديا وماليا ونفسيا . وفي كثير من الأحيان يتم خلط مواد أخرى غير التبغ لكثير سجائر الدخان ، مما يضاعف من الآفات والأمراض المزمنة لدى المدخنين . ويأخذ التبغ كسلعة قاتلة للخلايا والنفس البشرية ، عدة أشكال من أهمها : 1. التبغ الجاف أو التبغ الورقي . 2. ثانيا : الغليون . 3. الدخان العربي . 4. الشيشة . 5. المعسل . 6. السيجار .
أسباب التدخين
يلجأ المدخنون لإشعال سجائر الموت الرهيبة ، لعدة أسباب أولية وثانوية ، فتصبح عادة أو ظاهرة مقيتة ، ومن أهم أسباب ودواعي التدخين الآتي : 1. محاكاة الآخرين وتقليدهم : مثل تقليد الآباء والأمهات ، أو الإخوة والأخوات ، والأقارب والضيوف وما إلى ذلك . 2. الهروب العام : الإدعاء بأن المدخن يفرغ كبته وغضبه وغيظه من تصرفات معينة . وهذا الزعم غير الصحيح ، يولد للإنسان التعب والمشقة ، فلا يمكن أن يكون الدخان للتنفيس عن الفرد ، بل يزيد الدخان من توتر المدخن ، ويزيد من حاجته للأوكسجين اللازم للحياة البشرية . 3. مصاحبة الأشقياء : من أتراب الشخص أو ممن يكبرونه سنا ، فيقدم المدخن ضيافته غير السوية لشخص يرافقه في مناسبة معينة ، فتنتقل عدوى التدخين لهذا الشخص الذي لم يكن يدرك الضرر البالغ الذي سيلحق به لاحقا ويدمر مستقبله . 4. المباهاة الزائفة : تتمثل في التفاخر لدى الأطفال والمراهقين والناس غير الأسوياء ، بامتلاك أصناف فاخرة من الدخان وشربها على الملأ ، وهذه النقطة تعبر عن الكبر والتكبر والمفاخرة الزائفة الزائلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع . وكلمة لا بد منها ، وهي أن الكثير من الحيوانات أكلة العشب الأخضر واليابس ، لا تأكل ولا تستسيغ مضغ التبغ ، وهي حيوانات عجماء ، فما أحرى ببني الإنسان ، أن يأخذ العبرة والعظمة من هذه الحيوانات التي لا تتعاطى التبغ أو مادة التدخين .

مضار ومساوئ التدخين
كما هو معلوم ، للتدخين مضار لا تخفى على أحد ، وفي مقدمتهم ، أهل السيجارة الطيارة ، فالتدخين هو نوع من الانتحار البطيء الذي يجلب الحزن والأسى للمدخن وذويه ، والمدخن هو منتحر مع وقف التنفيذ على مراحل وفترات متلاحقة . ومن أهم هذه المضار الآتي : أولا : الضرر البدني للشخص المدخن . فجميع أجزاء وأجهزة جسم الإنسان من الأجهزة الهضمية والتنفسية والتناسلية وسواها للمدخن تتأثر بصور متدرجة ومتدحرجة فيصاب المدخن بشتى الأمراض المؤقتة والمزمنة على السواء ، من ضيق التنفس والسرطان ، والسعال ، والرائحة الكريهة ، والضعف الجنسي ، وقلة الشهية للطعام ، وضيق الشرايين ، والقلق والأرق وإحساس بالتعب والإرهاق من ممارسة أي جهد عضلي بسيط أو مشي سريع إلى حد ما وغيرها . وتتضاعف هذه الأضرار في حالة كون المدخن أسيرا لدى الاحتلال الصهيوني أو الأمريكي أو غيره من أشكال وصور الاحتلال الترغيبي الأجنبي ، حيث يتم تقديم نوعيات سيئة من الدخان للمساهمة في قتل الإنسان المجاهد أو المناضل ضد الاحتلال . ثانيا : الضرر الأسري والجيران والزملاء والمرافقين . من أفراد الأسرة والأقارب والجيران . فالمرافقون للمدخنين يتلقون المضار المباشرة السلبية أكثر من المدخنين أنفسهم . ثالثا : الضرر العام للبيئة : من المجتمع الإنساني ، ومملكة الحيوان ومملكة النبات . وهذا الضرر ينتج عن الدخان المتصاعد من فم ورئة المدخن ، المتجهة بنحو الأعلى أو على المستويات الهوائية الملاصقة . فيختلط الدخان المنبعث من السجائر مع الأغبرة والغازات المنتشرة في المعمورة فتسبب الأمراض لبني البشر وغيرهم من الكائنات الحية .

نماذج من المدخنين
كثيرة ومتعددة هي النماذج الصارخة في عالم التدخين والمدخنين ، ومن هذه النماذج الحية : 1. طلبة مدارس أو جامعات : يلجأون للتدخين على حساب والديهم ، فينفقون مصروفهم الشخصي على مضرات لهم ، بدلا من أن يشتروا مأكولات ومشروبات تساهم في تقوية وبناء أجسامهم ، فيكونون عالة على أسرهم ، فيفكرون أن التدخين هو من سمات الرجولة أو الانوثة الحقة ، وهي ليست كذلك ، بل هي تصحب بصاحبها لجحيم الشهوات والغي ، والمباهاة والتقليد الأعمى الذي لا طائل ولا جدوى منه . وكنا نشاهد عشرات الطلبة في المدارس ممن يدخنون في الحمامات والمراحيض خوفا من ملاحقة المدير والمناوبين في فترات الاستراحة المدرسية ، وهذا نوع من القذارة والسخافة لدى هؤلاء الطلبة . 2. عمال أو موظفين : إذ تلجأ هذه الفئات أكثر من غيرها للتدخين لما تسميه التنفيس عن الروح والنفس ، وفي الحقيقة هي تلجأ لتكبيل وتصفيد نفسها بنفسها ، فتنفق من مالها رئاء الناس ، وتبخل على أبناء أسرتها ، وإذا سأل المدخن أحد أبنائه للمصروف الشخصي فيجيبه أن ليس لديه المال لمنحه ذلك المصروف اليسير . فهنا تبرز ظاهرة البخل والتبذير في الآن ذاته ، البخل على الأسرة والتبذير على شراء التبغ للتدخين والنفخ والنفث . وفي حالة ضيق ذات اليد من المال فإن الأولوية تكون لجلب وشراء الدخان بالعلب الكبيرة ، بالتخزين ليوم الفقر وعدم توفر المال ، وعلى النقيض من ذلك فإن ظاهرة البخل تنتشر بصورة فظيعة ومفزعة بين المدخنين وخاصة بعد منتصف الشهر عندما ينتهي الراتب الشهري أو المعاش . 3. الأسرى في سجون الاحتلال : تلجأ إدارات ومصالح السجون في الكثير من الاحتلالات لتوزيع السجائر من النوع الردئ جدا على السجناء السياسيين ، مما يشكل مضاعفة لعذابهم وهزالة أجسامهم ، وهناك الكثير ممن مورس عليه الضغط النفسي والحرمان من سجائر الدخان لإجباره على الاعتراف بقضايا وجنح وجرائم لم يرتكبها . وهذا هو الخسران المبين . وفي بعض الأحيان يلجا المحققون لتوزيع دخان مغشوش مخلوط بالمخدرات لتخدير جسم الأسير وجعله يتصرف بهلوسة رهيبة كنوع من التعذيب النفسي والجسدي ، لقهره وانتزاع الاعترافات منه وهو في عالم الغيبوبة . 4. تدخين السيجارة الإلكترونية : وقد تبين أن للسيجارة الإلكترونية الضرر البالغ أيضا ، فينبغي تركها لتحاشي هبوط الأمراض المتعددة على جسم الإنسان من حيث يحتسب ولا يحتسب على مر الأيام .

التدخين يعطل المصالح البشرية
التقيت ذات مرة ، مع أحد أقربائي المدخنين ، وأخذنا الحديث باتجاه الدخان والمدخنين ، فقال لي إنه يدخن السجائر منذ 15 سنة ، بمعدل يومي ، علبتي سجائر أو ما يعادل 40 سيجارة يوميا ، وثمن علبة السجائر الواحدة دولارين ونصف ، وهي من النوع المتوسط النكهة والمذاق ، وبهذا فهو ينفق شهريا ما معدلة 60 علبة سجائر ، أو ما يعادل ماليا ، 150 دولارا أمريكيا ، وأنا شخصيا لا أدخن بتاتا . وبمتوالية حسابية وهندسية مع بعضها البعض تبين لنا ، أن هذا المدخن ينفق حوالي 1800 دولار سنويا ، ويكون حاصل التجميع المالي الكلي طيلة الخمسة عشرة عاما ( 1800 $ × 15 سنة = 27 ألف دولار ) وهذا المبلغ المالي كفيل بشراء سيارة أحدث طراز من النوع الممتاز ، أو بناء بيت أو شراء شقة متواضعة مناسبة للأسرة بدل أن يعيش الإنسان في غرفة أو غرفتين ، أو يدفع أجرة سنوية بدل المأوى في شقة معينة للآخرين يقف فيها المؤجر على باب المستأجر شهريا أو نهاية كل عام . فمن الأصوب إذن من يدخن أو من لا يدخن ؟ بالطبع الأمر ليس بحاجة لمقارنة هنا في هذا المجال . ونصيحة خالصة لله تعالى لا تكن من المدخنين ، بأي حالة من الحالات أو أي صورة من الصور .

التبغ والمكاسب المادية الطائلة
على كل حال ، إن تبغ الدخان والتدخين وسيلة من وسائل الاستغلال الاقتصادي والظلم الاجتماعي والاستعباد السياسي ، فهو يجلب ويدر الأموال الطائلة على المخدوعين بهذا النوع من أنواع المضرات الجسدية والمادية والمعنوية ، فهناك عشرات الملايين ممن يستفيدون من زراعة التبغ وتصنيعه وتسويقه وترويجه وتوزيعه ، والهدف هو المدخن الغلبان المخدوع بزيف إشباع الرغبات والشهوات بالوقت الحرام والمأكل الحرام والمشرب الحرام ، والإنفاق المسرف . وتجني هذه الفئات الآنفة الذكر ، عشرات المليارات من الأموال سنويا في سبيل إرواء ظمأها ونهمها للمال ، وليس مهما لديها إن كانت تسبب الأذى والمضرة لنفسها أو غيرها ، فهذا نوع من أنواع الانتحار الفردي والجماعي البطيء .
أبرز طرق مكافحة التدخين
هناك العديد من الطرق والأساليب التي تلجأ لها منظمات ومؤسسات مقاومة انتشار التدخين ، للحد منه أو وقفه قدر الإمكان ، ومن أهم هذه الطرق الآتي : 1
. الإرداة القوية والإيمان بأن التدخين ظاهرة مؤذية للنفس البشرية ، والتصميم على ترك هذه العادة القبيحة ، وكذلك الإيمان بأن الدخان والتدخين حرام من وجهة النظر الإسلامية .
2. منع زراعة التبغ في العالم ، وإصدار قوانين ملزمة بذلك ، واعتبار التبغ مادة من المواد الضارة للصحة الإنسانية الخاصة والعامة .
3. التحريم الديني : ينبغي العمل على استخدام الدين وخاصة الإسلام في رفض ظاهرة التدخين ومحاربتها . وفق المبدأ الإلهي القويم ، إذ يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
4. فرض الضرائب الباهظة على التبغ . في الاستيراد والتصدير والتصنيع والترويج والتوزيع والتجارة للعمل على زيادة أثمان علب السجائر ، وبالتالي الحد من انتشار ظاهرة التدخين المؤذية للبشرية جمعاء .
5. تشجيع المدخنين على الترك الترغيبي : وذلك بتشجيع المدخنين على ترك عادة التدخين السيئة والضارة لأنفسهم وغيرهم ، وإيجاد بدائل عملية لهم كالبزورات والمأكولات الخفيفة ، والعلكة والحلويات والسكاكر الخفيفة . وكذلك تخصيص جوائز مالية وعينية كثيرة مجزية لتحفيز الإقلاع عن التدخين .
6. الإلزام القانوني الترهيبي : عبر سن تشريعات قانونية ملزمة بعدم التدخين ، في المؤسسات والأماكن العامة والحافلات والقطارات وسواها . وفرض غرامات مالية عالية على كل من يخالف هذه التعليمات القانونية .
7. معالجة الإدمان بطرق متعددة ، وتحفيز المدخنين على إتباع عادات جديدة للتخلص من تبعات التدخين المريرة .
8. شن حملة إعلامية واسعة ، وقائية وعلاجية في الآن ذاته ، في جميع أيام السنة ، وليس فقط في يوم مكافحة التدخين العالمي الذي يصادف 31 أيار – مايو السنوي . وتكون هذه الحملة بمحاولة إقناع المدخنين على ترك عادة التدخين القبيحة والتحول من شخص سلبي على شخص إيجابي يسعى لترك الدخان . وتستعمل بعض منظمات مكافحة التدخين المدنية والقانونية والصحية ممن سبق ولجأوا للتدخين ثم تركوه لمساوئه المتعددة . ويكون ذلك بإظهار الأمراض التي تسبب التدخين لهم ، من آفات مزمنة صحيا ، ومن فقر مالي مدقع ، ومن تفضيل شراء سجائر التدخين على شراء مستلزمات واحتياجات الأسرة البشرية
9. تخصيص دوائر ومؤسسات حكومية لمكافحة آفة التدخين .
10. تنظيم أيام صحية في المدارس والجامعات والمؤسسات والشركات والتجمعات العامة لشرح مضار التدخين .
11. فرض رقابة أسرية مشددة على الأطفال . فالأسرة والعائلة هي الأساس الأولي في مقارعة انتشار عادة التدخين القبيحة .
12. طباعة ورسم بوسترات وصور شعبية ورسمية وشعارات لمقاومة التدخين . ففي كل عام يتم تجهيز شعار لمكافحة هذه الآفة المستشرية في المجتمعات . فمثلا كان شعار عام 2008 ( شباب بلا تبغ ) حيث جرى التركيز على الفئات الشبابية لأنها هي التي تبدأ بالتدخين ، فالمقاومة الصحية والصحيحة للتدخين تبدأ من الفئات الشبابية ، في المدارس الأساسية ، والجامعات .
13. منع الأطباء والممرضين والعاملين في الشؤون الصحية من التدخين ، لتحاشي تقليدهم ، فيجادل المريض فيقول بأن الطبيب الذي يرشدني لمنع التدخين والإقلاع عنه يمارس هذه الظاهرة أمامي وأمام الجميع .
14. تخصيص ميزانيات مناسبة سنويا للقضاء على وباء التدخين العالمي ، وذلك لدى الوزارات الحكومية والمؤسسات الطوعية والأهلية .
15. منع تقديم الضيافة من الدخان أيام الأفراح والأتراح ( الأعراس والحزن ) . ففي كثير من الحفلات الشعبية أو بيوت العزاء لدى بعض المجتمعات ، يتم تقديم سجائر الدخان كضيافة للمدعوين وهي عادة سيئة ، تساهم في تعويد الأطفال والفتيان على تذوق طعم السجائر الخادعة .
16. منع شركات الدخان من الترويج للتبغ عبر وسائل الإعلام ، ومنع الرعاية الاقتصادية والاجتماعية لفعاليات الجماهيرية والشبابية كي لا تخترق نفسيات الشباب وتغريهم المسليات التافهة كالتدخين فيكونوا من المدجنين في مثل هذه الرعاية الباطلة للنشاطات الجماعية الرياضية أو الفنية وسواها .

الإسلام والتدخين
يقوم الإسلام على تحريم كل ما من شأنه أن يلحق الأذى والضرر ببني البشر ، سواء أكان هذا الضرر اقتصاديا أو جسديا أو نفسيا ، وموقف الإسلام الحنيف واضح وصريح ، في هذه المسائل ، وينطبق على التدخين المبادئ الإسلامية الفاضلة الآتية :
أولا : الابتعاد عن المهالك المهلكة : فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة : فالتدخين بالتبغ وبشتى الأنواع والأصناف يلحق الضرر ويؤدي إلى التهلكة الصحية كما هو مثبت علميا وواقعيا ، ولهذا فإن الإسلام دعا الإنسان إلى اجتناب المهالك التي تهلك الحرث والنسل . يقول الله العزيز العليم تبارك وتعالى : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . والإنفاق على التدخين هو ابتعاد عن الإنفاق في سبيل الله ودخول فعلي في الإنفاق في سبيل الشيطان والطاغوت ، وبهذا فإنه حرام قطعيا بلا جدال أو مجادلة لا جدوى منها .
ثانيا : الاعتدال في الإنفاق الحلال والابتعاد عن الحرام : فالتدخين مجال من مجالات التبذير المضر بالإنسان . يقول الله جل وعلا : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) }( القرآن الحكيم ، الإسراء ) . فإذا كان الله سبحانه وتعالى ينهى عن التبذير في الأكل الحلال والشرب الحلال واللبس الحلال ، فإنه من باب أولى ينهى نهيا كليا وقطعيا عن التبذير للإنفاق على التدخين لأن شراء التبغ هو نوع من بسط اليد بصورة شمولية لا داعي لها يمكن الاستغناء عنها . فالتدخين من الناحية المالية كله تبذير في تبذير في تبذير من أجل نزوات الشيطان الرجيم .
ثالثا : الاقتراب من الريح الطيبة والابتعاد عن نفخ الكير : فالتدخين يسبب خروج الريح الخبيثة ، من فم المدخن ، وهذا يؤذي المجاورين للمدخنين في العمل والدراسة والحديث والمسجد وفي الشارع العام والمؤسسات العامة والخاصة ، فينبغي على الشخص أن لا يبادر لإيذاء الآخرين ، فإن رضي لنفسه الأذية فلا داعي لإيذاء ممن حوله . جاء في صحيح البخاري - (ج 17 / ص 214) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " . وورد في سنن أبي داود - (ج 12 / ص 457) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مَرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ " .
رابعا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : فالتدخين نوع من أنواع المنكر الواجب النهي عنها واجتناب تعاطي الدخان بأي حال من الأحوال للضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بالإنسان والجماعة والمجتمع المسلم . يقول الله الجليل الكبير سبحانه وتعالى : { لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}( القرآن العظيم ، آل عمران ) .

التخلص من آفة الإدمان على التدخين
يتنوع الناس ما بين أصحاب الإرادة القوية والمتوسطة والضعيفة ، فأصحاب الإرادة القوية الثابتة ، هم من يستطع ترك التدخين عند التخطيط والتصميم وتوفر الإرادة دفعة واحدة دون مراحل . وأصحاب الإرادة المتوسطة يمكنهم ترك التدخين عبر مراحل متعددة ، المرحلة الأولى : التدخين علبة واحدة بدل علبتين . والمرحلة الثانية تدخين عدد من السجائر بدل علبة دخان ( التي تحتوي على 20 سيجارة ) . والمرحلة الثالثة هي الإقلاع عن التدخين كليا خلال فترة لا تتجاوز شهر . وفي المقابل يحتاج أصحاب الإرادة الضعيفة المترددة ، المهزوزة لفترة طويلة من التباطؤ في التدخين بتقليل الكميات على مدار عدة أسابيع أو حتى شهور ، تمهيدا لتركه والتخلص من الإدمان القاتل . فكن أيها المدخن من أصحاب الإرادة القوية الفولاذية واترك التدخين ولا تعد إليه بتاتا حفاظا على صحتك ومالك وأسرتك وبيئتك نظيفة خالية من التلوث . فيا أيها المدخنون حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وارحموا أسركم وعائلاتكم ، ومخالطيكم ، وأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر ، والتدخين جزء من مظاهر المنكر البغيض فحاربوه دينيا واجتماعيا وصحيا ونفسيا على نطاق الأفراد والجماعات والأحزاب والمجتمع . والله نسأل العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة ، إنه قريب مجيب الدعاء . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

السبت، 30 مايو 2009

العملة الصهيونية .. الليرة والشيكل الإسرائيلي في فلسطين المحتلة 1948 - 2009

العملة الصهيونية ..
الليرة والشيكل الإسرائيلي
في فلسطين المحتلة 1948 - 2009
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

الشيقل الكنعاني
كانت وحدة العملة المتداولة في أرض كنعان سابقا ، الشيقل أو الشاقل الكنعاني ، لتسهيل عملية التبادل التجاري الفردي والقبلي على نطاق واسع إلى جانب التبادل العيني بالسلع والبضائع المتنوعة بين أهل البلاد والقبائل المهاجرة أو الإمبراطوريات الغازية لأرض فلسطين التاريخية ، ثم تعامل به بنو إسرائيل السابقين في الأرض المقدسة . وبهذا فإن وحدة العملة الكنعانية في بلاد ما بين البحرين ، البحر الأبيض المتوسط غربا والبحر الميت شرقا ، وهي فلسطين القديمة هي العملة الأساسية . ويخطئ كل من يظن أن اسم وحدة العملة الصهيونية الشيكل أو الشيقل أو الشاقل هي تسمية يهودية بل هي تسمية كنعانية أصيلة منذ غابر الأزمان والقرون الخالية .
نشأة وحدة العملة الصهيونية ( الليرة - الشيكل )
بعد قيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة في 14 ايار 1948 ، اهتمت حكومة الاحتلال بزعامة رئيس وزرائها الأول دافيد بن غوريون بالاقتصاد الصهيوني الناشيء ، فالغت الجنية الفلسطيني ، الذي فرضته سلطات الاحتلال البريطاني في فلسطين ما بين 1917 - 1948 ، وقت الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني في أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين التاريخية ، فعملت على إصدار عملة صهيونية لأول مرة في التاريخ مستلهمة ذلك من المؤتمر الصهيوني التأسيسي الأول في بازل السويسرية بزعامة تيودور هرتزل ما بين 29 - 31 آب 1897 م . وكان اسم هذه العملة الصهيونية الجديدة آنذاك ( الليرة الإسرائيلية ) ثم تطور لاسم الشيكل ( الشيقل أو الشاقل ) الإسرائيلي ، ثم الشيكل الإسرائيلي الجديد بحذف صفر من اصفار العملة الصهيونية المتداولة أكثر من مرة لتجنب التضخم وانخفاض قيمة العملة الصهيونية المتداولة في فلسطين المحتلة .
سلة العملات المتداولة في فلسطين المحتلة
هناك العديد من العملات العربية والإقليمية والدولية التي يجرى تداولها في سوق الصرافة الفلسطيني والصهيوني في فلسطين الكبرى وهي : أولا : الشيكل الإسرائيلي : وهي العملة الأولى في البلاد ، لسيطرة الكيان الصهيوني على فلسطين سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، فالاحتلال الصهيوني يتحكم بمختلف شرائح وأجنحة الاقتصاد الفلسطيني .
ثانيا : الدينار الأردني : وهو العملة الثانية في البلاد التي يتداولها الفلسطينيون وخاصة في الضفة الغربية ، حيث كانت العملة الأولى في هذه المنطقة منذ 1950 - 1967 عندما أشرفت الحكومة الأردنية على إدارة شؤون الضفة الغربية وكانت جزءا لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية . وتدفع العديد من المؤسسات والشركات العاملة في فلسطين للموظفين والعمال لديها بالدينار الأردني مثل الجامعات الفلسطينية وشركة الاتصالات الفلسطينية وغيرها . وكذلك يجري التداول بالدينار الأردني في البورصة الفلسطينية ( سوق المال الفلسطيني ) . ويتم دفع مهور العرائس بفلسطين بالعملة الأردنية ( الدينار ) وأقساط الجامعات الفلسطينية وشراء المعدن النفيس ( الذهب الصفر ) .
ثالثا : الدولار الأمريكي : وهو العملة الثالثة التي يتم التداول بها في فلسطين المحتلة ، من العرب واليهود على السواء . ولكن الدولا يحتل المرتبة الثانية بعد الشيكل لدى يهود فلسطين المحتلة في المعاملات الفردية والجماعية والرسمية . وهو العملة الثانية التي يتعامل بها الفلسطينيون في البورصة الفلسطينية حيث يتم شراء وبيع الأسهم بهذه العملة الدولية .
رابعا : الجنية المصري : وهو العملة الرابعة التي يجري التداول بها في قطاع غزة لدى الفلسطينيين ، ولا يتم التعامل بها رسميا في الضفة الغربية لدى الفلسطينيين .
خامسا : اليورو الأوروبي : وهو العملة الخامسة التي يجري التداول بها في فلسطين المحتلة لدى المواطنين العرب ، والعملة الثالثة لدى السكان اليهود .
سادسا : العملات الأخرى : مثل الريال السعودي اللازم لتسهيل عمليات الذهاب والإياب للمواطنين الفلسطينيين المسلمين للديار الحجازية لتأدية مناسك العمرة وركن الحج الإسلامي .
وفي فلسطين ، جاءت اسعار العملات الرئيسية الأربع المتداولة في السوق المصرفي الفلسطيني مقابل الشيكل الاسرائيلي في بدء التداول المصرفي صباح اليوم السبت 30 أيار 2009 كالآتي : الدولار الأمريكي : 3.93 شيكلاليورو الأوروبي : 5.56 شيكلالدينار الأردني : 5.55 شيكلالجنيه المصري : 0.69 شيكل
الشيكل الإسرائيلي والدولار الأمريكي
ترتبط العملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) بالدولار وليس لها ارتباط وثيق بالذهب لا من قريب أو بعيد . وتعتبر عملة الشيكل الإسرائيلي الجديد ، هي العملة الأولى المتداولة في فلسطين المحتلة الآن في عام 1430 هـ / 2009 م سواء بين أيدي العرب ، سكان فلسطين الأصليين ، أو اليهود الغرباء الطارئين على الأرض المقدسة ، فهي عملة التداول اليومي والبيع والشراء الأساسية ، من أغذية والبسة واحتياجات عامة . وتدفع الحكومة الصهيونية لموظفيها والعمال العاملين في القطاع الخاص بالشيكل الإسرائيلي . وفي المقابل تدفع الحكومة الفلسطينية ( السلطة الوطنية الفلسطينية ) لموظفيها في القطاع الحكومي بالعملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) إذ لا توجد عملة وطنية فلسطينية متداولة في البلاد ، واقتصاد فلسطين مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الصهيوني بسبب المقاصة والضرائب والجمارك والاستيراد والتصدير .
فئات الشيكل الإسرائيلي
تتنوع فئات وحدة العملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) التي يصدرها البنك المركزي الصهيوني ( بنك إسرائيل BANK OF ISRAEL ) في العام الحالي 2009 ، إلى عدة فئات معدنية وورقية أو بلاستيكية هي :
أولا : فئات المعدن : أغورة ، 10 أغورات ، نصف شيكل ، شيكل واحد ، 2 شيكل ، 5 شيكل ، 10 شيكل . وقد غابت فئات الأغورة عن الوجود بسبب التضخم وانخفاض قيمتها الشرائية الحقيقية وبقيت الفئات الأخرى بين أيدي التداول البشري .
ثانيا : الفئات الورقية والبلاستيكية : 10 شيكل ( الغيت سابقا ) ، 20 شيكل ، 50 شيكل ، 100 شيكل ، 200 شيكل ، 500 شيكل .وتحمل جميع فئات الشيكل الصهيوني ( الإسرائيلي ) الاسم والقيمة باللغات الثلاث المتداولة في الثلاث بشكل كبير وهي : العبرية والعربية والانجليزية .
شعارات العملة الصهيونية
يضع ( بنك إسرائيل ) على وحدات العملة الصهيونية ابتداء من العملة السابقة الملغاة وحتى العملة المتداولة حاليا شعارات يهودية وصهيونية متعددة منها : خريطة إسرائيل الكبرى ، كما هو مصكوك على فئة ( الأغورة - 10 أغورات ) صورة خريطة ( إسرائيل الكبرى ) مصكوكة على 10 أغورات إسرائيلية وفوقها الشمعدان اليهودي ، والشمعدان اليهودي والنجمة السداسية ، والخطوط الزرقاء والبيضاء ، والعلم الصهيوني ، وصور شخصيات يهودية وصهيونية بارزة مثل تيودور هرتزل ، ودافيد بن غوريون ، وجولدا مائير وغيرها من الشعارات والصور . وتحض وحدات العملة اليهودية يهود العالم على القدوم السريع لفلسطين حيث تلعب دورا ماليا وسياسيا وإعلاميا في الآن ذاته . وعلى النقيض من ذلك تسبب القهر والظلم لأهل البلاد الأصليين .
آثار التعامل بالعملة الصهيونية على الشعب الفلسطيني
يتأثر الشعب الفلسطيني بتذبذب صرف العملة الصهيونية المتداولة في فلسطين الكبرى المحتلة ، بصورة سلبية كبيرة ، حيث يخسر كل من يتعامل بالشيكل الإسرائيلي جراء الارتفاع والهبوط لقيمة العملة بشكل متسارع بين الحين والآخر . ولهذا لا يلجأ أهل فلسطين الأصليين للتوفير بالعملة الصهيونية ( الشيكل الإسرائيلي ) إلا ما ندر ، ويتم التركيز في مجال الإيداعات والمدخرات والبنوك بالدينار الأردني بالدرجة الأولى ، وخاصة التوفيرات . ولا تمنح البنوك العاملة في فلسطين سواء أكانت فلسطينية أو عربية أو أجنبية القروض الربوية ( بالفائدة ) الا بالدينار الأردني أو الدولار الأمريكي وقليلا ما يتم منح تسهيلات بالشيكل الإسرائيلي بسبب عدم الثقة بالشيكل وعدم الراحة النفسية من التعامل به أو الخسائر المتوقعة التي يسببها . ورغم وجود سلطة النقد الفلسطينية ( البنك المركزي الفلسطيني ) المغيب على الساحة الاقتصادية الفعلية ، فإن الاقتصاد الفلسطيني يئن من وطأة التحكم والهيمنة الاقتصادية الصهيونية على أجنحة الاقتصاد في فلسطين الكبرى . ويدفع أبناء الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا جراء غياب العملة الوطنية الفلسطينية ، لعدة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية عامة وخاصة ، فيضطر أهل البلاد الأصليين إلى التعامل بعملة الاحتلال والمحتلين مع ما يشكله ذلك من أرق نفسي وقلق اقتصادي متعاظم كما حدث خلال العقود الزمنية الستة الأخيرة منذ عام 1948 - 2009 . وغني عن القول ، إن وحدة العملة الصهيوني ( الشيكل الإسرائيلي الجديد ) المتداول سابقا وحاليا غير معترف به دوليا ويتم تدعيمه بالدولار الأمريكي . وفي أيار 2008 أعلن بنك "سي إل إس" للتعاملات الدولية أنه قرر ضم الشيكل الإسرائيلي إلى جهاز المقاصة التابع له ليكون من الممكن استبداله بـ16 عملة صعبة أخرى، اعتباراً من 26 أيار - مايو 2008 .وقد اعتبر البنك المركزي الصهيوني ( بنك اسرائيل ) في تل أبيب أن هذا الإجراء عاملاً معززاً لمكانة الجهاز المصرفي الإسرائيلي في العالم. وبذلك أصبح الشيكل قابلاً للتداول في الأسواق العالمية لأول مرة في التاريخ الصهيوني .
تزييف العملة الصهيونية
كثيرا ما يتم صك عملة صهيونية مزيفة ، وخاصة فئات العملة ذات القيمة العالية خاصة من فئات : 50 شيكل ، و100 شيكل ، و200 شيكل . وكان في أحايين أخرى تم ترويج فئات أخرى من المعدن مثل : 5 شيكل و10 شيكل حيث طبعت في الصين وجرى تسويقها حتى تم اكتشافها ، وهذه الترويجات المزيفة تجعل الفلسطيني يزداد هروبا وعدم التقبل لهذه العملة الصهيونية الأجنبية التي تسبب له المتاعب والخسائر الاقتصادية المتلاحقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

الخميس، 28 مايو 2009

منظمة التحرير الفلسطينية .. بين الإصلاح والتصليح .. في الذكرى الخامسة والأربعين لنشأتها 28 أيار 1964 - 2009

منظمة التحرير الفلسطينية
بين الإصلاح والتصليح ..
في الذكرى الخامسة والأربعين لنشأتها
28 أيار 1964 – 2009
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
1) أحمد الشقيري ونشأة منظمة التحرير الفلسطينية بعد إنتهاء حكومة عموم فلسطين ، ووفاة رئيس الحكومة عام 1963 أحمد حلمي عبد الباقي باشا ، تداعت بعض القيادات العربية وخاصة المصرية والسعودية ، لتأسيس كيان سياسي جديد لتمثيل شعب فلسطين الأصيل لدى جامعة الدول العربية ، فتم تكليف المحامي الدبلوماسي الفلسطيني أحمد الشقيري من مواليد عكا عام 1908 م عربي الانتماء قومي الجذور ، الذي كان رئيسا للجنة القومية في عكا إبان ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 ، ومساعدا لأمين عام جامعة الدول العربية ، وشغل منصب وزير دولة ( كمندوب دائم ) للسعودية لدى الأمم المتحدة ، ما بين 1951 – 1963 م وذلك لجس نبض أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات والمنافي حول مستقبل فلسطين ، الأرض المقدسة . فتشاور مع العديد من الشخصيات الفلسطينية البارزة من الوزراء السابقين والنواب في الحكومة الأردنية ، والجمعيات الخيرية والنقابات العمالية والاتحادات الشعبية ، فدعا لعقد اجتماع عام في القدس بفندق الإمبسادور ( السفير ) في 28 أيار 1964 حيث تم الإعلان الرسمي عن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية .
2) المؤتمر الفلسطيني ومؤسسات المنظمة عام 1964عند إلتئام المؤتمر الفلسطيني الأول في 28 أيار – مايو 1964 ، في مدينة القدس الشرقية ، برعاية الملك حسين بن طلال ملك الأردن ، بمشاركة 422 شخصية منهم 212 شخصية فلسطينية من الضفتين الشرقية والغربية ، من القوميين والناصريين والبعثيين ، والفعاليات الاقتصادية والثقافية وغيرها ، تم تكوين عدة مؤسسات لهذه المنظمة الفلسطينية الناشئة ، في الفترة الواقعة ما بين 28 – 2 حزيران 1964 وهي : المجلس الوطني الفلسطيني ، واللجنة التنفيذية للمنظمة وجيش التحرير الفلسطيني ، ثم إذاعة صوت فلسطين – صوت منظمة التحرير الفلسطينية . وقد نظم شؤون منظمة التحرير الفلسطينية الميثاق القومي الذي تألف من 29 مادة . وكان هدف منظمة التحرير آنذاك ، عند تأسيسها تحرير فلسطين المحتلة عام 1948 وهي المناطق الإدارية المعروفة ب ( الجليل ، المثلث ، النقب والساحل الفلسطيني ) بمساحتها البالغة 20.77 كم2 من إجمالي مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كم2 . وقد استبعدت وقتها ثلاث مناطق من إشراف المنظمة وهي : الوسط الشرقي من فلسطين ( الضفة الغربية – كونها كانت تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية ) والجنوب الغربي من فلسطين ( قطاع غزة – كونه كان خاضعا للإدارة المصرية ) ، ومنطقة الحمة . ثم تغير الميثاق القومي الفلسطيني عام 1968 ليصبح الميثاق الوطني الفلسطيني مؤلفا من 33 مادة . ثم تلا ذلك دخول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على التتابع حسب النشأة : حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) في شباط 1969 ، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فالجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ، والجبهات القومية والماركسية الأخرى . ولم يتم إنشاء حركة أو فصيل إسلامي داخل منظمة التحرير الفلسطينية علما بأن العديد من قيادات حركة فتح كانت من المتدينين المسلمين .
3) شعارات وأهداف منظمة التحرير الفلسطينية اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية ، منذ نشأتها 1964 ، ثلاثة شعارات أساسية هي : الوحدة الوطنية ، والتعبئة القومية ، والتحرير . وبعد نشأة المنظمة كإطار سياسي جامع للشعب الفلسطيني ، نشطت في المجالات السياسية على الصعيد الفلسطيني والصعد العربية والإقليمية مستعينة بالدول العربية . وقد سعت هذه المنظمة للنضال من أجل تحرير جميع فلسطين ، بعيد الاحتلال الصهيوني لكامل التراب الوطني الفلسطيني ، إثر حرب حزيران 1967 ، وهيمنة الاحتلال الصهيوني على الضفة الغربية وقطاع غزة في الاحتلال الثاني ، مستخدمة الكفاح المسلح والعمل الفدائي وحرب التحرير الشعبية . وبذلك انتقلت المنظمة الفلسطينية من مرحلة التحرير الأولي لمرحلة التحرير الكلي لكافة أرض فلسطين من البحر البيض المتوسط غربا إلى نهر الأردن والبحر الميت شرقا ، ومن سيناء وخليج إيلة جنوبا حتى لبنان شمالا . بمعنى ، أضيف عبء جديد على أعباء المنظمة التحريرية ، فأصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت مرمى التحرير الافتراضي ، لتشمل الأرض الفلسطينية المحتلة جميعها حسب ما طرح آنذاك ( فلسطين العلمانية الديموقراطية ) . وبقي هذا الهدف حتى إقرار المجلس الوطني الفلسطيني برنامج النقاط العشر ، عام 1974 ، ويتمثل بالتركيز على إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره أو انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني منه . ثم تلا ذلك اعتراف الدول العربية في مؤتمر الرباط بالمغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده .
4) منظمة التحرير الفلسطينيةوالتنقل بين البلدان العربية خاضت منظمة التحرير الفلسطينية معركة نضال مضاعفة جديدة ، متعثرة ومبعثرة ، بعد انتقال قيادة اللجنة التنفيذية من يحيى حمودة الذي خلف الشقيري لفترة مؤقتة ، لحركة فتح ممثلة بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ( محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة )في شباط 1969 ، وأصبحت منظمة التحرير تجمع بين الأجنحة العسكرية والسياسية ، بعد توالي إنضمام الحركات والجبهات والأحزاب القومية والماركسية والمستقلين في عضوية المنظمة كإطار فلسطيني جامع شكل مرجعية وطنية عليا طيلة عدة عقود من الزمن باستخدام الخلايا العسكرية والميليشيات المسلحة للتنظيمات المنخرطة تحت لواء المنظمة . بعد الانتقال من مقر المنظمة بالقدس القدس إلى العاصمة الأردنية عمان ، ثم سوريا ثم لبنان ، ثم تونس . وتشتت قوى الثورة الفلسطينية بعد الخروج الفلسطيني من بيروت في صيف 1982 ، إذ تقلص نفوذ المنظمة الفلسطينية وخاصة السياسي والعسكري ، وبقي لسانها السياسي والاقتصادي والإعلامي منطلقا للتعبئة القومية بكافة السبل من شتى العواصم العربية .وبعيد اتفاقيات كامب ديفيد المصرية – الصهيونية في آذار 1979 ، وطرح مسألة الحكم الذاتي الفلسطيني لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة باستبعاد منظمة التحرير الفلسطينية ، وزج الأردن ومصر ليتوليا الإشراف على الحكم الذاتي بالاعتماد على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولكن هذا المشروع فشل فشلا ذريعا فولد الحكم الذاتي آنذاك ميتا ، فقد رفض الأردن هذا المشروع ، ورفضت المنظمة ذلك ، ورفض سكان الضفة والقطاع ذلك الطرح الجهنمي ، وبالتالي تم وأد المشروع في مهده . وفي عام 1981 ، جرى ترتيب جديد لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ، عبر إيجاد ميليشيات محلية مسلحة من الاحتلال الصهيوني ، عرفت باسم ( روابط القرى – التي أنشاتها حكومة الاحتلال الصهيوني بزعامة رئيس الإدارة المدنية الصهيونية مناحيم ميلسون ) لتمثيل الفلسطينيين في التفاوض مع حكومة الاحتلال الصهيوني ، ففشل هذا المشروع السياسي المناهض للأماني والتطلعات الوطنية الفلسطينية وذهبت روابط القرى إلى الجحيم . ثم أخذت منظمة التحرير الفلسطينية منحى جديد بعد حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ما بين 1980 – 1988 ، والحرب الخليجية الثانية 1991 ، وتراجعت مكانة منظمة التحرير على الأصعدة العربية والإقليمية والعالمية ، وغابت قضية فلسطين عن الساحة الدولية نوعا ما . فعملت المنظمة بفصائلها القومية والماركسية على إنشاء الحركات الجماهيرية الشعبية والاتحادات العمالية والمهنية والخيرية والشبابية والنسوية المنظمة ، لتقود قاعدة الشعب في الحرب الضروس غير المتوازنة مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة من بحرها لنهرها . وساهمت منظمة التحرير في قيادة الشعب الفلسطيني شعبيا وعسكريا ضد الاحتلال الصهيوني بالعمليات العسكرية والفدائية والمقاومة المتعددة الأشكال أحيانا والبدائية أحيانا أخرى . فقادت انتفاضتي عام 1976 ، و1987 – 1994 . حيث انضم للانتفاضة الأولى لأول مرة حركات إسلامية فاعلة على الساحة الفلسطينية هي : حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) وحركة الجهاد الإسلامي .
5) منظمة التحرير الفلسطينيةمن التحرير إلى التحليلبعد حرب الخليج الثانية ضد العراق 1991 ، عقد مؤتمر مدريد في خريف ذلك العام ، وشارك وفد منظمة التحرير الفلسطينية بوفد مشترك مع الأردن ، وفي 13 ايلول 1993 وقعت اتفاقية أوسلو بين الجانبين المتصارعين ، الفلسطيني والصهيوني ، في واشنطن ، برعاية أمريكية وحضور بعض القيادات العربية تم بموجبها الحصول على ( حكم ذاتي هزيل للفلسطينيين ) عرف باتفاقية غزة وأريحا أولا ، حيث أعادت قوات الاحتلال الصهيوني انتشار قواتها خارج المدن الفلسطينية في قطاع غزة ، وفي مدينة أريحا ثم تلاها إعادة انتشار على خطوات متقاربة أو متباعدة لقوات الاحتلال خارج المدن الفلسطينية الرئيسية مثل نابلس وبيت لحم والخليل ورام الله وجنين وطولكرم وقلقيلية وسلفيت وقباطية وطوباس وغيرها . وبذلك انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية من منطلق التحرير إلى منطلق الحكم الذاتي البدائي ، وهو سيطرة السلطة الفلسطينية على السكان فقط دون الأرض ، باستثناء مناطق محددة سيطر عليها أمنيا ومدنيا الذراع الداخلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو ( السلطة الفلسطينية ) عرفت بمناطق أ ثم مناطق ب بالمجال المدني ، بينما بقيت مناطق ج تحت الهيمنة الاحتلالية الصهيونية ، وجرى تقاسم النفوذ داخل المناطق د وهي الأحراش والأحراج بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني . على أي حال ، إن منظمة التحرير الفلسطينية ، تواجه ترهلا كبيرا منذ اعترافها ب ( دولة إسرائيل ) في اتفاقية أوسلو في أيلول 1993 ، مقابل اعتراف الحكومة الصهيونية بها كممثل للفلسطينيين . ولهذا لا بد من وضع النقاط على الحروف لتفعيل المنظمة سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا ، على جميع الصعد ، وكان الأجدى والأجدر اعتراف حكومة الاحتلال بدولة فلسطين وليس بالمنظمة . ومهما يكن من أمر ، فإن منظمة التحرير يجب أن لا تحيد عن الغايات والأهداف السامية التي نشأت من أجلها في تحقيق الحرية والاستقلال الوطني الفلسطيني ، وعليها أن لا تترك التحرير وتلجأ إلى التحايل وتحليل المفاوضات والمساومات ، لأنها بهذا الأمر والمقاس حللت نفسها واندثر تأثيرها السابق ، فلا داعي لوضع جميع الأهداف في سلة المفاوضات الثنائية او المتعددة الأطراف ، فلم تنفع أو تشفع خطة خريطة الطريق لإحلال ما يسمى بالسلام مع الجانب الصهيوني المحتل لأرض فلسطين كما لم تطبق مبادرة ريغان للسلام بعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت . وهناك من طالب بحل منظمة التحرير الفلسطينية جهرا أو خفية من وراء الكواليس ، بعد إنشاء السلطة الفلسطينية ، صيف عام 1994 حيث ظنت تلك الفئة بأن النصر قد تحقق ، علما بأننا لا زلنا في بداية طريق النصر ، ولم ننجزه أو نحققه حتى الآن .
6) منظمة التحرير الفلسطينيةبين الإصلاح والتصليحعلى العموم ، إن أمام المنظمة بعد حوارات القاهرة بين الفصائل والحركات والأحزاب الوطنية والإسلامية ، منذ عام 2005 حتى النصف الأول من العام الحالي 2009 ، العديد من التحديات التي يجب معالجتها بتأن وروية وحنكة سياسية ، لإحداث تغييرات وإصلاحات جذرية في صلب التركيب التنظيمي والسياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي ، وتجنب أو الحد من المؤامرات الاستعمارية الصهيونية والأمريكية والأوروبية ، وذلك على النحو الآتي : أولا : ضم منظمات المقاومة الإسلامية مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي لعضوية مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية . والعمل على تعريب وأسلمة قضية فلسطين ، بعيدا عن القطرية الضيقة ، فهل يعقل أن تبقى منظمات عسكرية جهادية فلسطينية بتوجهات إسلامية خارج إطار منظمة التحرير بينما تتبوأ منظمات فلسطينية يسارية صغيرة لا رصيد جماهيري لها على أرض الواقع داخليا وخارجيا مركز الصدارة ؟ بالطبع لا يعقل ذلك ، ولا يجوز . وبناء عليه يجب المبادرة والإسراع في التشكيل الفلسطيني الجديد الواسع والموسع لحركات المقاومة الفلسطينية بجناحيها الوطني والإسلامي بعيدا عن الشللية والعشائرية والاستزلام وفرض الشروط المسبقة وذلك لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية المثلى . ثانيا : تنحية ممثلي الفصائل والحركات والجبهات الصغرى التي لا وجود لها على أرض الواقع من قيادة مؤسسات المنظمة وليأخذ كل فصيل حجمه الحقيقي . فهذه الفصائل ألحقت أضرارا فادحا بالهيئة الفلسطينية العليا للشعب الفلسطيني ، بسبب المحاصصة الهزيلة ، وأصبحت تشكل عبئا عليه ، بدل أن تكون رافعة للتحرير الوطني والتخلص من الاحتلال الأجنبي الصهيوني . ثالثا : إن منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية وطنية إسلامية لجميع الفلسطينيين يجب أن تكون البيت الفلسطيني الفعلي الكبير الذي ينخرط تحت لوائه جميع الحركات الوطنية والإسلامية مع تقليل أعدادها بثلاث تشكيلات : قومية وإسلامية ويسارية . وذلك عبر دمج وضم المنظمات الصغيرة وتوحيدها في بوتقة واحدة ، ومنع التوالد التنظيمي الفلسطيني بين الحين والآخر ومنع دخول التشكيلات المنشقة عن بعضها مجددا في أطر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية العليا . فلا داعي لأن تكون منظمة التحرير الفلسطينية جامعة عربية مصغرة أو مركز صراع إقليمي وعالمي ، تحت أي ظرف من الظروف . رابعا : ضرورة إستعادة منظمة التحرير الفلسطينية هيبتها التامة وعافيتها الكاملة وعدم هيمنة أجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية عليها ، فالمنظمة هي الجسم الفلسطيني الكبير الأم بينما تمثل السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة الذراع المحلي لمنظمة التحرير . وخلال الفترة السابقة منذ 1994 – 2009 ، حصل العكس بأن الأبنة ( السلطة الوطنية الفلسطينية ) ابتلعت الأم ( منظمة التحرير الفلسطينية ) ، وهذا لا يجوز فمرحلة التحرير لم تنتهي ، ويجب أن يبقى الجميع واقف على الجبل ولا ينزل لجمع الغنائم المزيفة . خامسا : إبعاد الفاسدين والمفسدين والمنتفعين من أصحاب الوكالات التجارية والمشاريع الاقتصادية الشخصية وأصحاب الملايين عن صنع القرارات المصيرية للشعب الفلسطيني وجعلهم في الصفوف الثانية وليس في صفوف المنظمة الأولى ، لأن قضية فلسطين قضية وجود وليس حدود . سادسا : إدخال تعديلات وتغييرات جوهرية وجذرية في مؤسسات المنظمة وفق خطة إصلاح استراتيجية مرنة بالتوافق الوطني الفلسطيني برضاء جميع التشكيلات القاعدية والتنظيمية العليا على أسس التمثيل النسبي لجميع الحركات والجبهات والأحزاب الفعالة والفاعلة في جميع الاتجاهات والابتعاد عن التعيين والمحسوبية والارتزاق المميت . سابعا : وضع دستور أو ميثاق وطني فلسطيني جديد بإدخال تعديلات لازمة لمرحلة التحرر والتحرير الوطني ، وتنظيم وتأمين عقد مؤتمرات المجلس الوطني الفلسطيني بانتظام ، وإجراء الانتخابات الداخلية لمؤسسات المنظمة بصورة دورية . ثامنا : وضع الأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة ، وتنحية معظم القيادات السابقة ، وعقد مجلس وطني ، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لضخ دماء جديدة في شرايين وعروق الجهاد والكفاح والنضال الفلسطيني الشامل لتعزيز صمود ومرابطة شعب فلسطين في أرض وطنه ، أرض الآباء والأجداد . ولا يجوز تعطيل عقد المؤتمرات الفلسطينية ، إذ عقد آخر مؤتمر للمجلس الوطني الفلسطيني في غزة عام 1998 ، وسلخت أجزاء ومواد أساسية من الميثاق الوطني الفلسطيني . تاسعا : تغيير الشخصيات التفاوضية التي أصبحت عالة على الشعب وكأنها ملوك مفاوضات ، وترشيح أشخاص جدد ذوي خبرة تنظيمية وسياسية وعسكرية ومسؤولية لهذه المهام . وهذه المفاوضات السياسية والدبلوماسية تسير جنبا إلى جنب مع الخيار العسكري . عاشرا : تعزيز إيمان الشعب الفلسطيني بأسلوب حرب التحرير الشعبية وإستعادة الثقة المنزوعة بين المنظمة والشعب في الداخل والخارج . والمزاوجة بين الجناحين السياسي والعسكري للمنظمة بالعمل الموازي جنبا على جنب ، فقد جرب الشعب الفلسطيني أسلوب الكفاح المسلح وحدة فلم يجد نفعا ، لاختلال موازين القوى العسكري وجرب المفاوضات والمساومات ولم تجد نفعا وبقي أن يتم تجريب الأسلوبين معا . حادي عشر : إبعاد المنظمة عن الأجندة الإقليمية والاختراق السياسي والأمني ، وعدم موالاة الأمريكان والأوروبيين المناصرين للكيان الصهيوني الدخيل ، بأي حال من الأحوال وعدم الثقة بما يطرحه هؤلاء الأجانب الذين غرسوا شر الصهيونية في فلسطين العربية المسلمة . ثاني عشر : إيجاد تحالفات استراتيجية جديدة ، وفقا للمصلحة الفلسطينية والعربية والإسلامية العليا ، وجعل قضية فلسطين قضية محورية للعرب والمسلمين أجمعين . فمثلا يفترض أن تكون حركتي فتح وحماس في طليعة المسيرة الجهادية الفلسطينية وتبتعدان عن المناكفات والمهاترات والحملات الدعائية والإعلامية ، والاستعراضات الجانبية فالتناقض الأساسي مع المحتلين وليس بين أبناء الشعب الواحد . فلا بد من طي صفحة الخلاف والانقسام والنزاع الداخلي الفلسطيني بسرعة دون انتظار تواريخ زمنية مقبلة . فحركتي فتح وحماس هما توأم فلسطين الحقيقي ، في الحرب والمفاوضات ولا يمكن بدونهما أن تتم أي عملية تحرير أو هدنة مؤقتة أو دائمة . ونختم بقول الله العزيز الجبار القهار جل وعلا : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}( القرآن الحكيم ، الأنفال ) . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

السبت، 23 مايو 2009

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ .. التحريم الإلهي لأكل لحم الخنازير

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ..
التحريم الإلهي لأكل لحم الخنازير

د. كمال علاونه
شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

الأكل من الطيبات من الرزق .. ونبذ الأطعمة المحرمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله في محكم التنزيل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . بنظرة ثاقبة متفحصة متأنية ، يتبين لنا من الآيات القرآنية السابقة في سورة البقرة ، أن الله العظيم الحليم أمر جميع المؤمنين بأكل الأطعمة الطيبة وشكره على هذه النعم التي أنعم بها على البشرية ، من مخلوقات المكرمين ، لفائدتهم والحيلولة دون انتشار الأمراض بينهم ، المباشرة وغير المباشرة ، فهو خالق الخلق أجمعين ، وأعلم بجميع مخلوقاته الآدمية والحيوانية والنباتية . وقد حرم الله عز وجل على المؤمنين أكل لحم الحيوانات الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله ، في تحريم متواصل للأبد ، إلى يوم القيامة ، كون الإسلام هو الرسالة السماوية الخاتمة لجميع الرسالات الخالية على جميع الأقوام في القرون الأولى . واستثنى من التحريم حالة الاضطرار بلا بغي أو عدوان وهي عدم توفر الأكل من أي صنف كان لتناول المحظورات الطعامية الأربعة المذكورة آنفا في آيات سورة البقرة . ويقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ }( القرآن الحكيم ، المائدة ) . من قراءة الآيات القرآنية المجيدة السابقة من سورة المائدة ، يتبين لنا التأكيد الإلهي القويم على تحريم الحيوانات الميتة والدماء ولحوم الخنازير والذبائح التي تذبح تقربا للآلهة المتعددة أو الأصنام ، وما شابهها ، وكذلك تحريم المنخنقة ( تخنق فتموت ) والموقوذة ( المضروبة بالخشب يوقذها فتموت ) والمتردية ، التي سقطت من مكان مرتفع وتم ذبحها في آخر لحظة قبل موتها ، والمتردية وهي تردت ووقعت عن جبل أو مكان عالي ، والنطيحة وهي التي تموت وتقتل جراء تصارع الحيوانات فيما بينها ، فما أدركته يا أيها المؤمن بتحرك ذنبه أو بعينه ، فاذبح وكل وإلا فلا تأكل بتاتا ، وما أكل السبع ، وهي الجوارح والوحوش وأبقت جزءا منها ، إلا ما كان من الحيوانات من كان على شفا الموت وتم ذبحه قبل موته . وكذلك ما ذبح على النصب وهي الذبائح المخصصة للأصنام . والاستقسام بالأزلام وهي اختيارها بالحظ لذبحها . وتشير الآيات القرآنية إلى أن الله البارئ المصور جل وعلا قد أتم للمؤمنين الدين الإسلامي القويم ، ورضيه لهم ، وعليهم الإلتزام الحديدي بتعاليمه السمحة لينعموا بنعيم الآخرة ، والتمتع بثواب الدنيا .
إلتزام المؤمنين بالطيبات .. وتفضيل الكفار للمحرمات

حث الله سبحانه وتعالى المؤمنين على الإلتزام والإلزام في الآن ذاته ، بتناول أطعمة أهل الجنة من الطيبات من الرزق ، والإبتعاد عن أطعمة أهل الكفر والفسوق والعصيان ، . يقول الله الرزاق ذو القوة المتين : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}( القرآن المبين ، النحل ) . وفي الآيات السابقة من سورة النحل ، أمر الله تبارك وتعالى الناس أن يأكلوا مما رزقهم من الحلال الطيب المبارك ، وشكر أنعم الله كونهم مؤمنين وعابدين لله العزيز الحليم ، وقد جاء ذكر التحريم الرباني على الإنسان ومنع أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله ما عدا المضطرين إضطرارا قطعيا بلا بغي أو تعدي أو عدوان ، ففي حالة الإضطرار فإن الله غفور رحيم . على أي حال ، إن الله خالق الخلق أجمعين ، بين الحلال والحرام عبر الآيات القرآنية المجيدة الكريمة الدالة والحاثة على الأكل الطيب وترك الحرام النتن ، لمصلحة البشرية نفسيا وجسديا ، وتسهيل عملية الهضم والاستفادة من الأطعمة والأشربة المفيدة ونبذ الضارة منها نبذا تاما وعدم الاقتراب منها ، لأنها وردت في آيات التحريم القطعية لتجنيب بني آدم الوقوع في الأمراض الطارئة والمزمنة ، كما حدث ويحدث في انفلونزا الخنازير المنتشرة بكثرة في هذه الأيام في المكسيك والولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية . وغني عن القول ، إن التحريم الرباني لأكل اللحوم والدماء الممنوعة هو للمصلحة الإنسانية العليا ، من النواحي الوقائية والعلاجية في الآن ذاته ، وهذا يؤكد شمولية رسالة الإسلام السامية الدينية والأخلاقية والصحية والنفسية في بوتقة شاملة ، لبني البشر أجمعين ، في الأولين والآخرين ، في القرون الخالية والحالية واللاحقة . وتذكر منظمة الصحة العالمية أنه توفي مئات ملايين البشر في القرن الماضي جراء أكلهم لحوم الخنازير الداجنة المربية في المزارع والحظائر على نطاق واسع ، أو أكل لحوم الخنازير البرية عبر صيدها ، وكلها سواء ، الأليفة والبرية ، على اختلاف أشكالها وأنواعها وأحجامها ، فهي مضرة بجسم الإنسان ، ومقززة لدى المؤمنين ، وهي نجسة في الآن ذاته . وقد حض الإسلام على عدم تربية الخنازير أو أكل لحومها بأي حال من الأحوال باستثناء حالة الضرورة القصوى ، من غير أن يكون الإنسان باغ أو عاد . ومن خلال استقراء الآيات التحريمية لأكل لحوم الخنازير ، نرى أن الله الغني الحميد ، أورد ذكر تحريم الخنازير في ثلاث سور قرآنية مجيدة هي سورة البقرة ، وسورة المائدة ، وسورة النحل ، علما بأن هناك سورة أخرى تطرقت لذكر أسماء بعض الأنعام ( سورة الأنعام ) التي يأكلها بني البشر ، في إشارة واضحة وجلية ، لتأكيد التحريم الأبدي أولا ، والاستثناء الاستثاني ثانيا ، والتذكير بالأكل الحلال الطيب ثالثا ، في تواصل متمم لبعضه البعض ، دون انتفاص أو إشباع فوق المعقول ، والابتعاد عن الأكل غير الطيب ، وهو النجس والدماء وما شابهها ، ولم يقتصر التحريم على لحم الخنزير بل شمل المحظورات الطعامية الآنفة الذكر ، من جميع الحيوانات ، من الموقوذة والنطيحة ودماء جميع الحيوانات والطيور .
أسرار التحريم الإلهي لحوم الخنازير
إن الله هو المبديء المعيد ، المحيي المميت ، وهناك بعض الأسرار الإلهية التي اكتشفت في تحريم الأطعمة النجسة ماديا ومعنويا ، كالمحرمات الطعامية المذكورة في القرآن المجيد ، وبالتالي ينبغي على المسلمين الإلتزام بالتوجيهات والتعاليم والأوامر الإلهية كافة بلا نقاش أو لف أو دوران أو مواربة ، فالحق الرباني أحق أن يتبع ، ومن أبرزها تحريم أكل لحوم الخنازير للأسباب الآتية : أولا : لحوم الخنازير لا تكون مستساغة للمضغ والأكل البشري السوي ، وفي هذا تكريم للإنسان عن بقية الجوارح والوحوش والحيوانات المؤذية لبعضها البعض ، وهكذا . ثانيا : إن آكلي لحم الخنزير يتأثرون بطباع الخنزير ، وهي الدياثة في السلوكيات وتتمثل بعدم الغيرة على الأنثى ، كالزوجة التي لا تغار على زوجها ، والزوج الذي لا يغار على زوجته . وهذا ما يتمثل بالمجتمعات الغربية التي تستهلك لحوم الخنازير من استفحال ظاهرة الزنا واللواط . ثالثا : إن الخنزير يأكل الأوساخ والنجاسات والخبائث ، ولا يعقل للإنسان المؤمن التقي المكرم من الله أن يأكل الرذائل والأوساخ المباشرة وغير المباشرة .
رابعا : عدم نقاء لحوم الخنزير من الأمراض والعاهات بعد طبخها بل تبقى كما هي ملوثة ونجسة المطعم والمأكل . وقد ثبت علميا بالتجارب التطبيقية أن الخنزير نفسه يعتبر وباء يمشي على أربع ، لأن دم الخنزير يحتوى علىكافة أنواع الاوبئه والديدان ، مثل الدوده المفلطحه والشريطيه والاسطوانيه والشوكيه وسواها . وكذلك اثبتت الدراسات العلمية الصحية ان أكل لحم الخنزير يتسبب في إصابة الإنسان بالكثير من الامراض الخطيره المزمنة للأنسان مثل مرض الالتهاب السحائي ومرض الزوهار ومرض الدوسنتاريا ..كما أثبت علماء غير مسلمين ، أن آكل لحم الخنزير يحمل صفات وطبائع الخنزير الجسدية والعقلية ، ويسبب أكل لحم الخنزير أمراضا تناسلية خطيرة ، وتسبب مرض الصرع في الدماغ وغيرها .

خامسا : حيوان الخنزير هو حالة عقابية لجزء من البشرية ، بانتقال من حالة تكريمية لحالة تعذيبية في الدنيا والآخرة ، فهذه الفئة ردت في أسفل سافلين بعدما خلقها الله الخالق البارئ في أحسن تقويم ، فقد جعل الله الجبار القهار طائفة من بني البشر خنازير عبر مسخهم ، كما هو حال مسخ بني إسرائيل لقردة وخنازير . وبالتالي فإن شكل الخنزير ولحمه ودمه هو عقوبة إلهية ، لجزء من بني البشر ، ولا يجوز أن يأكل الإنسان أكل الإنسان الذي قلب على شكل حيوان . يقول الله ذو الطول شديد العقاب : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)}( القرآن المجيد ، المائدة ) . سادسا : المنظر المخيف والشكل المقزز للخنازير وهي من أقذع المخلوقات .
تحريم أكل لحوم الخنازير
واستعمال دهونها وجلودها وبيعها وتربيتها

حول تحريم أكل لحم الخنزير وبيعه وتربيته ، جاء في سنن أبي داود - (ج 9 / ص 356) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ " . وبهذا فإن تربية الخنازير وأكل لحومها هي من الأمور المحرمة على أبناء الأمة الإسلامية ، وهي تختلف عن غيرها من الأمم الكافرة والفاسقة التي تعمل على إنشاء مزارع كبيرة للخنازير وتربيها كما يربي المسلمون الأغنام والأبقار والماعز والطيور والدواجن المحللة الأكل في الإسلام . وبهذا فإن الأمة الإسلامية تمتاز بالطعام والأكل الطيب وتنبذ الأكل والطعام المضر والفاسد الذي يسبب أمراضا طارئة وأوبئة عامة دائمة متنقلة بين مختلف أمم وقارات العالم . وفي حديث نبوي آخر ، جاء في سنن أبي داود - (ج 10 / ص 316) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّأَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا " . كما ورد في سنن أبي داود - (ج 11 / ص 401) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ يَعْنِي عِيسَى وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " .
أكل وشرب الدم في الجاهلية

جاء في المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 324 – 325 ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِي أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ شَرَائِعَ الإِسْلامِ فَأَتَيْتُهُمْ، وَقَدْ سَقَوْا إِبِلَهُمْ وَاحْتَلَبُوهَا وَشَرِبُوا، فَلَمَّا رَأَوْنِي، قَالُوا: مَرْحَبًا بِالصُّدَيِّ بن عَجْلانَ، قَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، قُلْتُ:"لا وَلَكِنْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ أَعْرِضُ عَلَيْكُمِ الإِسْلامَ وَشَرَائِعَهُ"، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فَجَاءُوا بِقَصْعَةِ دَمٍ، فَوَضَعُوهَا وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهَا يَأْكُلُونَهَا، قَالُوا: هَلُمَّ يَا صُدَيُّ، قُلْتُ:"وَيْحَكُمْ، إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ مَنْ يُحَرِّمُ هَذَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ"، قَالُوا: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ" إِلَى قَوْلِهِ: "وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ" [المائدة: 3]، فَجَعَلْتُ أَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَيَأْبُونَ، فَقُلْتُ لَهُمْ:"وَيْحَكُمِ ائْتُونِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَإِنِّي شَدِيدُ الْعَطَشِ"، قَالَ: وَعَلَيَّ عِمَامَتِي، قَالُوا: لا، وَلَكِنْ نَدَعُكَ تَمُوتُ عَطَشًا، قَالَ:"فَاعْتَمَمْتُ وَضَرَبْتُ رَأْسِي فِي الْعِمَامَةِ، وَنِمْتُ فِي الرَّمْضَاءِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي بِقَدَحٍ زُجَاجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَفِيهِ شَرَابٌ لَمْ يَرَ النَّاسُ أَلَذَّ مِنْهُ، فَأَمْكَنَنِي مِنْهَا فَشَرِبْتُهَا، فَحَيْثُ فَرَغْتُ مِنْ شَرَابِي اسْتَيْقَظْتُ، وَلا وَاللَّهِ مَا عَطِشْتُ، وَلا عَرَفْتُ عَطَشًا بَعْدَ تِيكَ الشَّرْبَةِ".ولا بد من القول ، إن تحريم أكل لحم الخنزير ، يقع من ضمنه تحريم استعمال لحمه ودهنه وجلده في أي استعمال إسلامي ، فعلى المسلمين تحاشي استعمال دهون الخنزير في المواد الصابونية للتغسيل أو إضافته لمواد كيماوية وما على ذلك . ومن الواجب أن يأخذ المسلمون الحيطة والحذر ، وعدم شراء لحوم حيوانات أخرى تكون موضوعة في الثلاجة لدى القصابين ( اللحامين ) بجانب لحوم الخنازير ، لتجنب الرائحة الكريهة أولا ، والابتعاد عن المحرمات تحت أي صورة من الصور . وهذا الأمر موجه للمسلمين الذين يعيشون في مناطق تربية الخنازير أو ذبحها ووضعها بالقرب من لحوم حيوانات الأبقار والأغنام والحبش والدجاج وما إليها . وقد جاء بأحاديث نبوية شريفة ، منها ما ورد في سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 260) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ " . كما ورد في مسند أحمد - (ج 29 / ص 20) أَنَّ عَطَاءً كَتْب يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَنَازِيرِ وَبَيْعَ الْمَيْتَةِ وَبَيْعَ الْخَمْرِ وَبَيْعَ الْأَصْنَامِ وَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي شُحُومِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ وَالْجُلُودُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَخَذُوهُ فَجَمَّلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ " .
المسيح عيسى بن مريم وقتل الخنازير

وفي السياق ذاته ، على نطاق الحديث النبوي الشريف ، وجاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 462) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ " .كما ورد بصحيح البخاري - (ج 11 / ص 266) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }" . ونستطيع أن نستقرأ من الحديثين السابقين أن هناك انتشار كثيف لظاهرة تربية الخنازير في نهاية الزمان ، تمهيدا لإنهاء تربيته ، وبهذا تبشير حتمي للمسلمين بأن المسيح عيسى بن مريم ، سينزل أواخر الزمان لقيادة الأمة الإسلامية ، ليحكم بين الناس بالعدل والقسط الإسلامي ، ومن مظاهر هذه العادلة : كسر الصليب الذي يرتديه الصليبيون النصارى ، وقتل دابة الخنزير ، ويضع الجزية على أهل الذمة ، والعمل على إفاضة المال على الناس ، حتى لا يقبله أحد من كثرته ولوجود القناعة الحتمية الآتية لا ريب فيها كما ورد بالحديث النبوي المحمدي المبين .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ذكرى يوم العمال العالمي أل 120 .. 1 أيار 1889 - 2009

ذكرى يوم العمال العالمي أل 120 ..
1 أيار 1889 - 2009
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها العاملون والعاملات في فلسطين والشتات … أيها العاملون والعاملات في الوطن العربي والإسلامي والعالم …
كل أيار وانتم بألف خير ، أهلا ومرحبا بكم في حلقة عمالية خاصة بمناسبة الاول من أيار عيد العمال العالمي 1889 - 2009 نطوف في هذا اليوم على مختلف أرجاء فلسطين والعالم ، ونستعرض ابرز التطلعات والهموم العمالية .أعزائنا العمال والعاملات في كل مكان وزمان بعقولنا وعلى أكتافنا وبسواعدنا نبني لبنات الاقتصاد العربي والإسلامي المستقل في فلسطين ، لبنة فوق أخرى ، بشكل متواتر ومتناغم لنصل إلى الى البناء الوطني الشامل والمتكامل والمتمثل بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف فوق ثرى الوطن الذي رويناه بحبات العرق الندي والدم الزكي والدموع الساخنة لتختلط وتمتزج جميعها حبا وودا وأملا مع حبات الرمل والتراب الطهور .
أيها الاخوة العمال والموظفين الكرام .. أيتها الأخوات العاملات والموظفات الكريمات …
تحتفل الحركة العمالية الفلسطينية بجناحيها في القطاعين العام والخاص بيوم الفاتح من أيار 2009 ، يوم العمال العالمي ، مثلها مثل بقية الحركات العمالية في أرجاء الكرة الأرضية . تعالوا بنا نتعرف على أسباب تحديد الاول من أيار كيوم للعمال في العالم ، من حدده ؟ وكيف جاء ؟ .
عيد العمال العالمي
والمؤتمر الأممي العمالي الثاني
باريس 1 أيار 1889
تحتفل الجماهير العمالية العالمية في الفاتح من أيار بيوم العمال العالمي بحيث اصبح هذا اليوم يرمز للحركة العمالية الدولية ، ويحتفل به تخليدا لذكرى ضحايا القوى العاملة الذين سقطوا في الانتفاضة العمالية في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية وكانوا يعملون في وسائل المواصلات في أواخر القرن التاسع عشر . لقد أضحى الاول من أيار عيدا أو يوما رسميا لجميع العمال وحركاتهم المهنية اليدوية والآلية والإلكترونية في كافة أرجاء الكرة الأرضية بمختلف قاراتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ عام 1889م ، حيث اتخذ هذا القرار في المؤتمر الاممي الثاني في العاصمة الفرنسية باريس ، في أعقاب الأحداث الدامية التي وقعت في مدينة شيكاغو الأميركية بسب الإضراب الذي نفذه العمال مطالبين بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات وتحسين شروط العمل العامة الا أن السلطات الأميركية الظالمة دست العسس وعملاءها ومخابراتها السرية بين العمال المضربين عن العمل والمتظاهرين لإثارة الشغب والعنف لتجد هذه السلطات المبرر وتقديم الحجة العلنية التي تستند عليها لقمع وإرهاب هذه الحركة او الانتفاضة العمالية الجسورة .وعلى اثر ذلك ، اعتقلت قادة وزعماء العمال وأودعتهم السلطات الأميركية السجون ووجهت لهم تهمة إثارة الاضطرابات الشغب والفوضى والقلاقل المخلة بالأمن العام الأميركي ، فحكمت على ستة من زعماء العمال بالإعدام ثم قامت بتنفيذه في 11 / 11 / 1886 م .
وكانت هذه الحادثة تمثل المجزرة الكبرى بحق العمال المدافعين عن حقوقهم في الإضراب وتحديد ساعات العمل وتحسين شروطه ، وبالإضافة الى حالات الإعدام السابقة ، فان الشرطة الأميركية اعتقلت أعدادا غفيرة من العمال الذين شاركوا في النضال لإحقاق حقوقهم المشروعة وبعد بضع سنوات أعيدت محاكمة العمال المعتقلين وأصدرت المحكمة الأميركية حكما بتبرئه هؤلاء العمال من التهم التعسفية الظالمة الموجة ضدهم وذلك بعد قيام رئيس الشرطة في تلك الحقبة من الزمن بالشهادة الحقيقية عن هؤلاء العمال . وقد كانت لهذه المجزرة البشعة والجريمة النكراء اعمق الأثر في نفوس جماهير العمال في مختلف دول وقارات العالم حيث أصبحت رمزا للتضامن والتعاضد والتعاون بين العمال بغية تحسين أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولتحقيق السلام والأمن والاستقرار بين كافة الشعوب في العالم .ولعب هذا التضامن العمالي دورا هاما وأساسيا في تغيير تاريخ الحركة العمالية وإعطائها الدفعة القوية للأمام فلم يعد العمال يطالبون بتحديد ساعات العمل فحسب ، بل اصبح للحركة العمالية أهدافا وغايات ومطالب سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة باعتبارهم الشريحة الكبرى من شرائح المجتمع في اي دولة من الدول الإسلامية أو الرأسمالية أو الإشتراكية أو الشيوعية .
مجزرة شيكاغو 1886
ويوم العمال العالمي
أيها الاخوة أيتها الأخوات الكرام في كل مكان .. ما أشبه المجزرة العمالية في شيكاغو التي ارتكبت ضد العمال الأميركيين عام 1886 م بالمجازر العمالية الصهيونية التي ترتكب بحق أبناء الحركة العمالية الفلسطيني في فلسطين المحتلة بين الحين والآخر ، والفينة والأخرى ، دون ذنب اقترفوه سوى السعي والكد على رزقهم ورزق عيالهم متخطين كل الحواجز العسكرية الصهيونية المنصوبة بين قرى ومدن ومخيمات فلسطين الكبرى من بحرها لنهرها . وكانت المجزرة العمالية اليهودية التي ارتكبها أحد سائقي الشاحنات العسكرية الصهيون على مدخل قطاع غزة بالقرب من حاجز بيت حانون ( إيرز ) حيث صدم عمدا عمالا فلسطينيين كانوا يستقلون مركبة فلسطينية مما أدى الى استشهاد إربعة عمال فلسطينيين وجرح 9 آخرين ، من قطاع غزة في الثامن من كانون أول عام 1987 حيث كانت هذه الحادثة الإجرامية الشرارة المباشرة لإشعال لهيب الانتفاضة الوطنية الفلسطينية في اليوم ذاته ( انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى 1987 - 1994 ) .
فالمجزرة العمالية الناجمة عن سوء الأوضاع في شيكاغو نجم عنها حصول العمال على بعض حقوقهم ومطالبهم ولو بعد حين وكذلك الحال نجم عن مجزرة الثامن من كانون أول 1987 م في بيت حانون ، الانتفاضة الوطنية الفلسطينية الاولى حيث قصرت هذه الانتفاضة من عمر الاحتلال الصهيوني البغيض للأراضي الفلسطينية ، إذ أقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية تقام فوق ثرى الوطن الفلسطيني بعد نضالات شعبية فلسطينية ، في ايار 1994 ، شارك فيها أبناء الحركة العمالية وكافة أبناء شعبنا المجاهد ضد الغزاة الصهاينة في سبيل نيل الحرية والاستقلال الوطني ولكن هذه السلطة الفلسطينية لم ترتق حتى الآن لمستوى دولة فلسطين العتيدة التي ينشدها كل فلسطيني وطني ومسلم ، للتخلص من براثن الاحتلال الأجنبي الصهيوني الطارئ على الأرض المقدسة .
فلسطين .. ويوم العمال العالمي الأول من أيار 2009
في ذكرى الاول من أيار يوم العمال العالمي ، تعطل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة في فلسطين في إجازة رسمية مدفوعة الأجر . ولكن في هذا العام صادف الأول من أيار - مايو 2009 يوم الجمعة حيث تكون الوزارات والمؤسسات والشركات موصدة الأبواب وبالتالي لم تستفد الحركة العمالية بقطاعيها الحكومي والخاص من عطلة هذا اليوم العمالي العالمي . من جهة ثانية ، تبادر الحركة العمالية الفلسطينية والعربية والإسلامية تنظم الاحتفالات والمهرجانات وتدعو الى إحقاق الحقوق القانونية والاقتصادية للجماهير العمالية .
كل عام وأنتم بألف خير بمناسبة الاول من أيار يوم العمال العالمي
فبقرار من مجلس الوزراء الفلسطيني وبمناسبة الأول من أيار يوم العمال العالمي تعطل الوزارات والدوائر والمؤسسات الفلسطينية الحكومية والخاصة في مثل هذا اليوم ولكن هذه المرة استثائية لم يصدر قرار بتعطيل الموظفين والعمال بسبب مصادفته يوم العمال ليوم الجمعة الذي هو أساسا يوم عطلة اسبوعية معروفة منذ أمد بعيد .
وقد جرت العادة منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية فوق ارض الوطن الفلسطيني على اعتبار يوم العمال العالمي يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر بقرار من الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات منذ 1 أيار 1995 لاول مرة . وتحتفل الحركة العمالية الفلسطينية في يوم الاول من أيار كغيرها من الحركات العمالية العالمية حيث تنظم المهرجانات والاحتفالات النقابية في مختلف المجمعات العمالية المنتشرة في المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة . ومن المقرر أن تجري احتفالات بهذه المناسبة اليوم الجمعة ( الذي يصادف الاول من أيار ) في حين تتضامن وفود عمالية فلسطينية مع الحركة العمالية العربية والعالمية .ورب سائل يسأل من أين جاءت عملية تحديد الفاتح من أيار كيوم للعمال العالمي في العالم ، وحسب شواهد التاريخ العمالي يتضح أن هذا اليوم اصبح عيدا للعمال في مختلف الدول باختلاف الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ عام 1889 أي قبل مائة وعشرين عاما إذ اتخذ هذا القرار في المؤتمر الاممي الثاني في العاصمة الفرنسية باريس في أعقاب الأحداث الدامية التي وقعت في مدينة شيكاغو الأميركية بسبب الإضراب الذي نفذه العمال الأميركيين مطالبين بتحسين شروط عملهم بثماني ساعات وقد قمعت السلطات الأميركية العمال المضربين والمتظاهرين آنذاك واتهمتهم بإثارة الشغب والفوضى والإخلال بالنظام العام واعتقلت عشرات العمال وحكمت على ستة منهم بالإعدام ونفذت الحكم بالإعدام بالعمال الستة في 11 تشرين الثاني 1886 . وبعد بضعة سنوات أعيدت محاكمة العمال الذين أصدرت المحكمة الأميركية قرارا بتبرئتهم بعد أن سقطت التهم المنسوبة لهم .
نشأة الحركة العمالية الفلسطينية ( جمعية العمال العربية الفلسطينية ) حيفا 1920 م
على أي حال ، نحن هنا في فلسطين ، في هذا اليوم نستذكر نشأة الحركة العمالية الفلسطينية عام 1920 وتأسيس جمعية العمال العربية الفلسطينية في حيفا وانتشارها وامتدادها الى يافا والقدس ونابلس وبيت لحم وعكا والرملة وطولكرم وغزة والناصرة ورام الله وغيرها ، واتخاذها شعارا عماليا خالدا ( قدما الى العمل والعلم والطمأنينة ) بعيدا عن إتحاد العمال العبري اليهودي الصهيوني في فلسطين ( الهستدروت ) للدفاع عن حقوق ومصالح العمال الفلسطينيين ، أهل البلاد الأصليين ، بمختلف مهنهم وحرفهم ، وما تلاها من إنشاء للاتحاد العام لعمال فلسطين بمختلف فروعه في ارض الوطن الفلسطيني والشتات .
650 ألف عامل عدد عمال فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة
في سياق آخر ، يبلغ تعداد الأيدي العاملة في فلسطين حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أواخر نيسان 2009 قرابة 650 ألف عامل منهم 10 % من العاملات النساء والفتيات ، إضافة إلى حوالي 60 ألف طفل يعملون في مختلف أجزاء النسيج الاقتصادي الفلسطيني من أصل 4 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة .وتتوزع الطاقة العاملة الفلسطينية على عدة أسواق عمل هي : سوق العمل المحلي ، سوق العمل العربي ، سوق العمل اليهودي وسوق العمل العالمي . وتعاني الشريحة العمالية المنخرطة في سوق العمل الفلسطيني في ارض الوطن بجناحيها في القطاعين العام والخاص على حد سواء من انخفاض في مستويات الرواتب والأجور في ظل الهبوط المتواصل في قيمة العملتين الأساسيتين المتداولتين في فلسطين وهما الشيكل الاسرائيلي والدينار الاردني ، كما أن سياسة الحد الأدنى من الأجور غير معمول بها لغاية الآن في القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام لتقليل تعرض العمال للاستغلال الاقتصادي من قبل بعض المؤسسات أو أصحاب العمل .وكذلك أن قانون العمل الفلسطيني الاول ورغم طرحه منذ عدة سنوات عجاف الا انه ما زال يراوح مكانه ولا يطبق لإنصاف العمال والمهنيين بشتى القطاعات الاقتصادية في الأرض المقدسة فلسطين . هذا بالإضافة الى غياب آلية تنفيذ هذا القانون وتحكم أصحاب رؤوس الأموال في مصير العمال ذكورا وإناثا ، بالنسبة للأجور اليومية والشهرية ، والإجازات السنوية والمرضية والثقافية والطارئة . وبهذا فان الحركة العمالية تصبو الى إقرار تنفيذ قانون العمل الفلسطيني وتطبيقه لتنظيم العلاقات والشؤون العمالية مع أصحاب العمل من : الأجور العادلة والإجازات السنوية والمرضية والثقافية وغيرها . اما بشأن النقابات العمالية الفلسطينية فقد جرى تقليص عددها في السنوات الأخيرة من 193 نقابة عمالية الى 13 نقابة عمالية وطنية عامة ما زالت في طور النشأة الأولى ولا يتجاوز عدد المنتسبين لها نسبة 9 % من مجموع القوى العاملة الفلسطينية . والاتحادات العمالية النقابية في فلسطين لا زالت مشرذمة وتئن من وطأة الضعف والترهل التنظيمي والنقابي والحقوقي والثقافي حتى الآن .وعلى صعيد آخر ، ان الشريحة العمالية الفلسطينية الملتحقة بسوق العمل الصهيوني والتي تأتي في المرتبة الثانية ويقدر عددها بستين الف عامل ، النصف منهم متحصلون على تصاريح عمل يهودية ، فإنها تعاني من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية لا تحسد عليها حيث تتعرض للتمييز العنصري والاستغلال الاقتصادي والابتزاز السياسي والعسكري المتواصل يوميا من إصدار تصاريح العمل من الجهات اليهودية الى تزايد أيام الحصار العسكري المفروض على الأراضي الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني وقد وصلت عدد أيام الإغلاق الأخرى للأرض الفلسطينية مئات أيام العمل غير مدفوعة الأجر . ولا ننس المجازر البشعة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني ضد العمال الفلسطينيين في الأعوام 1987 ، 1990 ، 1995 ، 1998 ، 2000 ، وغيرها .وأخيرا ، ورغم هذا وذاك ، بقي أن نقول وفي ذكرى الاول من أيار يوم العمال العالمي انه لا بد من إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ولا بد من تحسين الاوضاع العمالية الفلسطينية بتضافر كافة الجهود المخلصة للنهوض بها وتحسين ظروف وشروط العمل لكافة الفئات العمالية الرجالية والنسائية والأطفال على حد سواء ، وإجراء الإصلاحات الجذرية وتقليل نسبة البطالة التي وصلت الى اكثر من 30 % وتشجيع الاستثمار الذاتي في ارض الوطن وتقوية دور النقابات العمالية العامة بتنفيذ الخطط العمالية الاستراتيجية والمرحلية .وقدما الى العمل والعلم والطمأنينة ، وكل عام والحركة العمالية الفلسطينية بالف خير .والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا .. حرية الصحافة والإعلام ..في يوم الصحافة العالمي 3 أيار 2009


وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ..
حرية الصحافة والإعلام ..
في يوم الصحافة العالمي
3 أيار 2009





د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73) }( القرآن المجيد ، الأحزاب ) . وجاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " .
يطلق على وسائل الصحافة والإعلام في العالم منذ غابر الأزمان لقب ( صاحبة الجلالة ) لتمجيدها والتعظيم من قدرها ، فصاحبة الجلالة ( الصحافة والإعلام ) يفترض أن تكون لها الكلمة المسموعة واللسان الطيب الطويل في التغيير والإصلاح ، والقلم النبيل في الدعوة للحق والحقيقة ، ومحاربة الجهل والجهلاء والسفاهة والسفهاء ، والغبار والأغبياء ، وأن يكون لها فصل الخطاب في شتى الأنواع والأشكال من صحافة مطبوعة وخاصة الصحف والمجلات ، وصحافة أو إعلام مسموع كالإذاعات وإعلام مرئي كمحطات التلفزة والفضائيات التي تمخر عباب السماء ، وهناك الإعلام المختلط الذي يجمع ما بين المطبوع والمسموع والمرئي وهو عالم الانتر نت ( من شبكات عالمية ومنتديات ومواقع عامة وخاصة ) الذي أصبح له دورا بارز لا يستهان به . ومع تطور وسائل الاتصال الجماهيري المذكورة آنفا ، تراجعت حرية الصحافة والإعلام في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف سنويا 3 أيار – مايو . فوسائل الإعلام على اختلاف أسمائها ومسمياته ، وتوجهاتها ومشاربها وألوانها وأطيافها الفردية والجماعية والرسمية ، تعاني من الملاحقة والضغوظ المتعددة على مسرح الحياة اليومية ، من التهديدات والإغلاقات والتشويش المرئي والمسموع واختراقات قراصنة الانترنت ( الهكرز ) لمواقع الشبكة العنكبوتية ، والاعتقالات الإدارية والسياسية والأحكام الجائرة بحق العاملين في مهنة المتاعب والأهوال من الصحافيين المخضرمين والناشئين وما بينهما ، وما بين بينهما ، وللكلمة أكثر من معنى ومغزى . وتتصدر الدول الاستعمارية عبر القارات والمحيطات ، في جميع أنحاء الكرة الأرضية صدارة الاعتداء الخانقة على الحريات العامة لتتعدد وتتشعب وتتلون كالحرباء في كل زمان ومكان حسب الطبيعة المعاشة في هذا الركن أو ذاك من العالم الدنيوي . وغني عن القول ، إن هناك مئات الإعلاميين والصحافيين الذين تضرروا من هذه الفئة الحاكمة أو تلك الطغمة الطاغية أو الزمرة الباغية ، وتنوعت أشكال وأنواع الأضرار من الضرب الوحشي ، إلى الحجز في الزنازين ، ومن الأحكام التعسفية الجائرة إلى الغرامات الباهظة ، إلى الملاحقة المخابراتية مرورا بالاستشهاد وإغلاق وتدمير محطات الإذاعة والتلفزة والفضائيات ومنع توزيع المطبوعات وحرقها ، وما إلى ذلك . وكل هذه الأساليب تقع طبعا في خانة التعديات غير المبررة ضد الإعلاميين والصحافيين النشامى الذي أبوا إلا أن يبينوا الحقائق ويضعوها واضحة وساطعة كشمس الصيف الذهبية اللاهبة ، أمام الشعوب والأمم في شتى بقاع الأرض . ومن المفترض في وسائل الإعلام أن لا تخضع للضغوط والابتزاز من هذا أو ذاك ، سواء أكان فردا أو حزبا أو جهة رسمية أو حكومية ، فالحق أحق أن يقال ، ويفترض في الإعلامي المتمرس الضليع في الشؤون العامة والخاصة في أن يكون شجاعا مدافعا عن الحق والحقوق وحاميا لقضايا شعبه وأمته ، وذا خلق قويم بعيد عن الفساد والمفسدين في الأرض الذين يعيثون في الأرض فسادا ويقلبون الحق إلى باطل ، والباطل إلى حق مزيف ، دونما تفضيل لمصالحه الخاصة والعائلية والحزبية والمصلحية على الصالح العام . ولضمان قيام الإعلامي بدوره الصحيح والناجح ، في الحياة العامة والخاصة ، ينبغي أن يكون هاويا ومهنيا ، بمعنى له هواية في العمل الإعلامي ، ومؤهل مهنيا في شتى الفنون الإعلامية ، في الآن ذاته ، دون أن يلتفت للمغريات وسياسات الترغيب والترهيب مهما كلف الأمر ، أو التنحي جانبا ، طالما هو لا يمكنه أو لا يقدر على تحمل المسؤولية . وكثيرا ما يتم شراء ذمم بعض الإعلاميين من المنتفعين والمتسولين والمنافقين بالدراهم والمناصب والمنح المالية ، والعينية ، والسفرات الخارجية ، والتسكع على أبواب الحكومات والأحزاب الفاجرة المنتشرة في الأنظمة الرأسمالية والشيوعية الفاسدة والمفسدة في الآن ذاته . وهناك آلاف الإعلاميين للأسف قد باعوا ضمائرهم وأخلاقهم في سبيل دولارات بخسة من العم سام أو ما شاكله من المستعمرين الإعلاميين في العالمين القديم والجديد . ولهذا لا بد من مصدر رزق ثابت للإعلاميين دون منغصات أو تهديدات بقطع الأرزاق لأن قطع الأعناق أفضل للإنسان من قطع الأرزاق ، مما يجعل الشعب والأمة يفتقدون للكلمة الناصحة والمرشدة والملاحقة للفساد والمفسدين في الأرض . على أي حال ، هناك بعض الوسائل الخسيسة التي تلاحق بها بعض الجهات الفاجرة وسائل الاتصال الجماهيري ، من الإدارات والصحافيين على حد سواء ، بالتهديد والوعيد تارة وبالضغوط المالية تارة وبالاعتقال والسجن طورا آخر وإغراقهم بالمجون والخلاعة أطورا . وبناء عليه ، فإن الأمة المكممة الأفواه هي أمة مكبلة اليدين والرجلين واللسان على السواء ، ويؤدي بها هذا الأمر إلى مهاوي الردى والقهقرى ، وبالتالي فإن الفاسد أو المفسد هو الذي يخاف من انتقاد الآخرين النقد البناء ، بعيدا عن التجريح والتهويل والمبالغة في سرد الأخبار والتقارير والتحقيقات المكتوبة والمسموعة والمرئية والمختلطة التي تجمع الأساليب الإعلامية الثلاثة بجدية وصدق مميزين . وعلى النقيض من ذلك ، فإن الحرية الإعلامية المصونة والمضمونة للجميع دون استثناء تساهم في رقي المجتمع ومحاربة الرذيلة والرذائل ، وينبغي التنبه إلى عدم استغلال الحرية الإعلامية في التجريح ونشر الأنباء الفاسقة والفاجرة والكاذبة مما يشوه الحقائق ويجعلها تزحف زحفا في المجتمع وبالتالي التسبب بالأذى العام والخاص عن حسن نية أو عن سبق الإصرار والترصد وكلاهما باطل يزيغ عن الحق . وكثيرة هي الوسائل الإعلامية التي تروج للأكاذيب والتضليل للأفاكين الآثمين ، دون سند قانوني أو اجتماعي أو سياسي أو أخلاقي ، وتنشر الفضائح والمهازل والمجون وتساهم في تفشي الأمراض الاجتماعية كالمخدرات والجرائم والجنح وبذر بذور الشقاق والنفاق ، وشن الحملات الإعلامية الساذجة القبيحة ، بدلا من محاربة الفجور والنفاق والثبور . وبناء عليه ، نقول إن الإعلامي الناجح ، ذكرا أو أنثى ، هو الذي يساهم في نشر الوعي والثقافة على اختلاف أشكالها وصورها ، ويحارب الرذيلة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحارب الاحتلال والظلم والاستغلال والقهر والفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ويعمل على ترسيخ وتعزيز القيم الفاضلة والعادات والتقاليد الأصيلة الساعية للتطور والتطوير الذاتي والمجتمعي بكل ما أوتي من قوة الحق ، لا حق القوة ، وشتان بين السياستين المتناقضتين . وكلمة لا بد منها في يوم الصحافة والحرية الصحفية العالمية ، إنه ينبغي أن يأخذ كل ذي حق حقه ، وأن يكون الإعلامي على قدر المسؤولية ، فالكلمة تغير وتخيف الفساد والمفسدين ومن والاهم من المنافقين العامين ، وتجعلهم يحسبون لها كل حساب ، ونلاحظ أن السفهاء المفسدين في الأرض يحاولون ويسعون دوما لملاحقة الإعلاميين الذي ينشرون الأنباء كما هي وتوضيحها للجميع دون خوف أو وجل من أحد فلا يخافون في الله لومة لائم . فيعمد هؤلاء الأشرار إلى اغتيال الإعلاميين أو تحييدهم أو مقاطعتهم ، خوفا وطمعا في أنبائهم لكيلا ينشرون الجرائم والمفاسد والكبائر والموبقات التي توبق المجتمعات وتجعلها موصدة ومكبلة اليدين والرجلين ، وتجعل المجتمع يدور حول نفسه في دائرة مفرغة ولا يدري ماذا يفعل بسبب اليأس والقنوط . وفي يوم الصحافة العالمي ، نرفع صوتنا عاليا ، نعم للتعددية السياسية والفكرية ، ولا وألف لا للقمع العسكري ، ولا لسياسة الترغيب والترهيب لتضليل المجتمع عبر وسائل الإعلام . ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب حينما قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " . فالكلمة الحرة الطيبة توزن بموازين الذهب الغالي ، من أعلى الدرجات ، والكلمات الصفراء الباهتة لا تسوى الحبر والورق أو وسيلة الإعلام التي نشرت بها . فتحية لوسائل الإعلام الصادقة الصدوقة مع ربها أولا ثم مع نفسها ثانيا ثم مع الناس ثالثا ، فالمراقبة الذاتية لتطبيق التعاليم الإلهية واجبة على الفرد والجماعة والأمة ، ويجب تسمية الأمور بمسمياتها ، وليس اختلاق أسماء بعيدة كل البعد عن الأصل والجذر والجوهر . ويحضرني في هذا المجال ، محاولة تغيير اسم ( انفلونزا الخنازير ) لاسم آخر لا يمت للحق والحقيقة بصلة ، وهي محاولات سخيفة لتقليل أهمية هذا الوباء العالمي لحيوانات محركة إليها عبر القرآن المجيد ، كتاب الله العزيز للرسالة الإسلامية الحنيفية ، حيث أصيب مئات الأشخاص من قرابة 20 دولة به وبدلا من مواجهته دينيا تجري عملية الترويج لاسم آخر ، لصيانة حرمة حيوانات الخنازير المقرفة وأبعاد تسليط الأضواء عن مساوئها ونتنها . فيا أيها الإعلاميون الناطقون باسم الشعوب والأمم ، غيروا المنكر ، ولا تتستروا عليه ، فحاربوا البغاء السياسي قبل الجنسي ، وحاربوا الفساد الأخلاقي قبل الفساد الإداري، وقاوموا الاستغلال الاقتصادي والربا ، وحاربوا الكبائر ما ظهر منها وما بطن ، وأحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله خالق الخلق أجمعين ، ولا تساهموا في الترويج لها عبر الأفلام الإباحية والإعلام الخليع الذي يسوق صاحبه إلى المهالك الهالكة المتهالكة ليصب في نار جهنم وبئس المهاد . ويا أصحاب الصحافة والإعلام ، اجتنبوا الزور وقول الزور ، ولا تشهدوا إلا بحق ، ولا تكونوا أبواقا كالببغاوات تردد ما يملى عليها من الذين يعيثون في الأرض فسادا وإفسادا . فقد وصف الله سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) }( القرآن المجيد ، إبراهيم ). على العموم ، إن لكل شخص حرية ولكنها تتوقف عندما تقترب من التعدي على الآخرين دون وجه حق ، فيجب البعد عن التشهير الشخصي أو الفردي ، ويجب عدم الاقتراب من المحرمات الإلهية فتلك خطوط حمر ابتعدوا عنها ، ولا تنشروا السفاهات والمنكرات بين الأمم . وطوبى لمن يعرف الحق فيتبع سبيله ، وطوبى لمن ينشر الأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والبغي والظلم والظلام . وكلمة لأهل فلسطين ، في الوطن والمنافي ، في أرض الإسراء والمعراج ، أرض المسجد الأقصى الحزين الذي يئن الأنين تلو الأنين ، ابتعدوا عن التشهير والتطبيل والتزمير الإعلامي ، وأوقفوا الحملات الهستيرية ، ضد بعضكم البعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، وأدعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلوهم بالتي هي أحسن ، وليكن كل حزب بما لديهم فرحون ، ولكن بعيدا عن شن الحملات الإعلامية ، فالإله واحد ، والرسول واحد ، والوطن واحد ، والمصير واحد والتاريخ واحد ، والعدو واحد ، إعدلوا هو أقرب للتقوى . ولتتجه بوصلة السهام الإعلامية نحو المحتلين والظالمين ليثوبوا إلى رشدهم ويتركوا أهل الأرض المقدسة وشأنهم ، لبناء دولتهم ، فوق أرض الآباء والأجداد . أيها الصحافيون والإعلاميون ، ابتعدوا عن الصياح الإعلامي المضلل ، يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}( القرآن المجيد ، لقمان ) . فلا داعي للصياح الإعلامي المنفر ، فبشروا ولا تنفروا ، فالنفير النفير الإعلامي لمقاومة إبليس وأعوان إبليس من شياطين الإنس والجن ، وكلهم سواء . وسارعوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الأخيار . فأنتم أيها الإعلاميون الفلسطينيون والعرب والمسلمون ، من يواجه الحرب النفسية والإلكترونية الموجهة لإختراق الإنسان العربي المسلم في فلسطين وأشتات العالم ، فكوا على قدر المسؤولية ، فالبوق لا يواجهه بوق أو أبواق مثله بل أصوات صادحة مليئة بالكلم الطيب الحكيم كما ونوعا . وكلمة أخيرة ، يجب أن لا يقوم الإعلام بتمجيد الزعامات في المجتمعات ، بل ينبغي أن يلعب دوره الأساسي في المراقبة والنقد البناء والشفافية والنزاهة ، والإصلاح العام والخاص ، يقول الله الغني الحميد ، في محكم التنزيل : { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }( القرآن الحكيم ، هود ) . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بيوت الطين بفلسطين للخالدين في صراع بين الفلس والطين 1430 هـ / 2009 م

بيوت الطين بفلسطين للخالدين
في صراع بين الفلس والطين
1430 هـ / 2009 م

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . يقول المثل الشعبي الفلسطيني : " من طين بلادك حط على خدادك " كدعوة للزواج من بنات الوطن ، ولكن هذه المرة من طين بلادك أوى نفسك وأسرتك وأولادك . في تطور مرير لهذا المثل الشعبي التراثي في الأرض المقدسة ، للحصول على مأوى جديد بعد التدمير الإرهابي الصهيوني لآلاف المنازل الفلسطينية بقصفها بصواريخ ثقيلة من الجو والبحر والبر . بداية ، تتألف كلمة أو لفظة فلسطين من ستة حروف هي ( فلسطين = ف ل س ط ي ن ) . وهذه الحروف هي حروف تضم في ثناياها الطين البلدي والطين المصنع والطين على شكل اللبن ( بكسر الباء ) . وبهذا فإن لفظة فلسطين ، بحروفها الثلاثة المؤلفة ( فلس ) وحروفها الثلاثة طين ، تعيد أمجاد الأمة العربية الإسلامية في الأولين والآخرين ، وتذكر بأمجاد الجهاد في سبيل الله لأمة المسلمين ، وتتذكر على مضض أيام المجاهد صلاح الدين ، بحطين طبرية بشمال فلسطين ، وبعده سيف الدين قطر في عين جالوت ببيسان فلسطين ـ وهذه بشرى لأهل فلسطين للفاتحين الجدد بأرض الزيتون والعنب والنخيل والتين . والشيء بالشيء يذكر ، وبعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة طيلة ثلاثة أسابيع ، امتدت بين قبل ظهر يوم السبت 27 كانون الأول 2008 – فجر 18 كانون الثاني 2009 ، واستشهاد قرابة 1400 مواطن فلسطيني ، وجرح حوالي 5500 آخرين ، وتدمير آلاف المنازل الفلسطينية بفعل القصف الجوي والبحري والبري ، تشرد قرابة 35 ألف مواطن فلسطيني ، خارج بيوتهم التي دمرت بفعل العدوان الغاشم ، ولم يتمكن هؤلاء المواطنين ، رغم مرور فترة طويلة من إعادة بناء بيوت جديدة بدلا عن المدمرة أو إعادة ترميمها بسبب إنعدام أو نقص مادة الاسمنت الكيماوية وغياب الحديد وقلة مواد البناء من الناعمة والفولية ( الحصمة ) وهي المكونات الضرورية لإعادة البناء هذا ناهيك عن قلة ذات اليد المالية رغم التعهد العربي والإسلامي النظري بتقديم نحو ملياري دولار أمريكي لإعادة إعمار غزة ، لإعادة بناء وترميم الكثير من المباني الرسمية للوزارات والمؤسسات والبيوت العائدة للعائلات الغزية في مختلف أنحاء قطاع غزة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب . فاضطرت العائلات المكلومة بأعز أبناءها من الآباء والأمهات والأبناء والبنات ، والمنكوبة بمنازلها ومخازنها ومتاجرها ، إلى تشييد بيوت طينية بدائية ، وعلى نفقتها الخاصة في غالب الأحيان ، مع وجود بعض المساعدات المحلية ، ماليا وبنائيا . وهذه البيوت الطينية هي منازل مؤقتة لهؤلاء المظلومين والمكلومين ، في الأنفس والأموال والثمرات ويعانون من ظاهرة الجوع المستفحلة بسبب الحصار الشامل والإغلاق اليهودي على قطاع غزة في الزاوية الجنوبية الغربية من فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط منذ بضع سنين . وغني عن القول ، إن هذه المنازل الطينية ، تعود بنا للوراء عشرات السنين ، والعقود لأهل فلسطين غير الآمنين ، للغوص في التاريخ الفلسطيني القديم ، وبشكل لافت للنظر في قطاع غزة بفلسطين المحاصرة من الأشقاء والأعداء على حد سواء وخاصة في الحدود الفلسطينية – المصرية المشتركة مع أكبر دولة عربية سكانيا في إفريقيا الشمالية . وتبدو والحالة هذه أن شريعة الغاب الاستعمارية والعنصرية الصهيونية والأمريكية ، لا زالت سادرة في غيها رغم التطور العمراني العالمي ، فتراجعت حياة آلاف الفلسطينيين في هذه المنطقة الفلسطينية المنكوبة وأصبحوا يريدون استبدال الخيم المهترئة وما تسببه من مآس وفواجع اجتماعية واقتصادية ونفسية وفكرية وحضارية وقبلها الفاجعة السياسية التي عمت وطمت على أهل فلسطين الأصليين بفعل الإرهاب الصهيوني واليهودي الأصولي المتزمت منذ دافيد بن غوريون عام ثمانية وأربعين ، وحتى هذا الحين . لقد تشرد وهجر أهل فلسطين عدة مرات على شكل نازحين في وطنهم في المخيمات ، ولاجئين خارج الوطن على مرأى ومسمع من العالم أجمع ولا من ينادي بإنصاف أهل فلسطين الأصليين بحق وحقيق ليعشوا ويقيموا في وطنهم في حياة هادئة وهانئة بعيدا عن المنغصات والاستفزازات والتحرشات العسكرية والاقتصادية والحضارية والديموغرافية . ونحن في ربيع عام 2009 / 1430 هـ ، تتهاوى وتتجمع المآسي اليومية على هذه الفئة الفلسطينية المنكوبة ولا من يحرك ساكنا ، من أهل الحل العقد ، في قارات العالم الكبير ، وفي الوطن الإسلامي الكبير أو الوطن العربي الصغير أو الوطن الفلسطيني الأصغر ، فمئات المليارات يمتلكها العرب ، ويتم استخدامها لإنقاذ الاقتصاد العالمي وخاصة الأمريكي المتهاوي ، بينما أهل غزة يبدو أن لا نصيب لهم من هذه المليارات من الدولارات الملعونة ، كلعنة طابعيها ومسوقيها ، بلا رصيد اقتصادي حقيقي ، في الأسواق المالية العالمية . فهل يكفي ان يسمع ويشاهد الأهل المنكوبين في غزة ممن دمرت بيوتهم وحوانيتهم ، ويبيتون في العراء ، ويفترشون الأرض ويلتحفون الفضاء في أيام شتوية وربيعية ورياح خماسينية كما هبت في أيار 2009 ، والعالم يتفرج ولا من مغيث ، إلا رب العالمين الذي سيبدلهم قصورا في جنات النعيم المقيم إن شاء الله تبارك وتعالى ، لصبرهم وتنهداتهم المتواصلة والمتتالية ، من نكبة كبرى لنكبة صغرى فأصغر ، على مدار أكثر من ستة عقود زمنية ، ومبيتهم في العراء تحت الشتاء القارص اللاسع ، بلا أغطية كافية ، أو دفء أسري أو حنان عربي . فتصورا أن يعيش الأطفال في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الميلادي ، الموافق للعقد الثالث من القرن الخامس عشر الهجري الإسلامي ، والتهجير لا زال قائما في فلسطين ، يعيشون في الخلاء بين الأرض والسماء ، فكيف سيأكلون ؟ وكيف سينامون ؟ وكيف سيتعلمون ؟ وكيف سينهضون ؟ هذه الأسئلة بحاجة لإجابات قانعة ومقنعة لهم ولنا وللآخرين في فلسطين وفي الوطنين العربي والإسلامي وفي أمم أهل الأرض أجمعين . فبيوت الطين ، في إفريقيا ، وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا واستراليا ، للمقموعين ، والمعذبين في الأرض فأين الإحسان يا أهل الإحسان ويا محسنين ويا متقين ؟؟ !! . وكلمة سواء للذين يبنون الأبراج العاجية في جميع أنحاء العالم ، فلا تنسوا أهل فلسطين المرابطين في بيوت الطين ، وهذه تذكرة وذكرى للأولين والآخرين ، وسينصر الله عباده المؤمنين ، بالصبر والثبات ، والتكاثر الطبيعي ، رغم الظروف غير الطبيعية ، وسينشأ هؤلاء المعذبون في الأرض على حب فلسطين والذود عن حياضها ، مهما كلف الأمر من دم وفلس وطين متفرقة أو مجتمعة ، ولكن ما يهمها هو التجميع السياسي بين المقطعين لتؤلفان وحدة فلسطين من بحرها لنهرها يا سامعين وقارئين ومطالعين ومشاهدين . على العموم ، لقد جربت هذه الفئة الفلسطينية من أهل بيوت الطين ، النكبة تلو النكبة بمرارتها الأولية والآخروية ، من فلسطين المحتلة عام 1948 ، إلى قطاع غزة هاشم الصامد ، صمود الأبطال في وجه المحتلين المحاصرين الأنذال الغرباء على البلاد والطارئين . فجربت المبيت في الخيم وفي بيوت الزينكو في المخيمات الفلسطينية ، منذ غابر الأزمان ، وها هي تجرب الآن بناء بيوت جديدة ليست مصنوعة من الخرسانة أو الحجر الذي تشتهر به أرض فلسطين ، والذي يعتبر بمثابة الذهب الأبيض لأهل البلاد المقدسة ، بل مبنية من الطين ، وليس القرميد الأحمر طبعا ، فالطين هو المقطع الأخير من كلمة ( فلسطين ) وبقيت غائبة عملة الفلس ، بينما تواجدت مادة الطين ، الموحلة في الشتاء وعند سقوط الأمطار الغزيرة من سماء فلسطين الأرض المباركة ، فمرحى لبيوت الطين ، في ظل العزة والكرامة والعنفوان والمجد في الصمود الأسطوري ، في ارض الآباء والأجداد ، يا بني قومي المرابطين في بلاد غاب عنها الفلس وبقي فيها الطين . حدثني والدي العزيز ، اعزه الله وشفاه من مرضه الآن ، وهو من أهل الأنصار وزوجتيه من المهاجرين ، ذات مرة عن بيوت الطين في فلسطين ، فقال : لقد حرمنا الاحتلال البريطاني في سنوات العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين الماضي ، من بناء بيوت حجرية بخرسانة قوية ، في أرضنا ، في يوم من الأيام ، عندما جلب مئات آلاف اليهود ، إلى بلادنا ، وحظر علينا البناء الاسمنتي المكون من الخرسانة ( الاسمنت والناعمة والحصمة والماء ) ، فقمنا بخلع حجارة كبيرة وأصلحناها وبنينا بيوتا من حجر وطين ، فيما يعرف ببيوت العقد القديمة ، لنأوي إليها في الشتاء والصيف والفصلين الآخرين ، وهما الربيع والخريف ، في تضاد سياسي وعسكري واجتماعي واقتصادي مبين ومستبين ، وكان أن شيدت البيوت الحجرية الظاهرة وجبل الطين مع حبيبات القش من مخلفات درس الحبوب وخاصة القمح والشعير ، لتؤلف مساكن مرتفعة ( فيلا الطين والحجر ) مكونة من طابقين ، مخزن سفلي ، كحظائر للأبقار والأغنام ، ومأوى علوي للأسرة الفلسطينية ، وهذا المأوى العلوي ، يربط بينهما درج بالاتجاهين العلوي والسفلي ، وقد أجبرنا الاحتلال البريطاني البغيض على صنع منازل جديدة لا زالت بعض بناياتها ظاهرة للعيان وبعضها الآخر ، هدم بفعل العوامل الطبيعية وتقادم الزمن . وبعد تعاقب الأجيال الفلسطينية ، إثر ثمانين عاما ، وبعد زوال الاحتلال البريطاني ، وبقاء صنيعته يهود فلسطين من بني صهيون اللئيمين ، عاد الأبناء والأحفاد للسيرة الأولى وهي بناء بيوت الطين في ارض الفلسطينيين المسلمين المرابطين في ارض الإسراء والمعراج من المعذبين والمنكوبين على مدار دولاب الزمن حتى ينفرج الفرج ولو بعد حين . عادوا وعدنا للمربع الأول ، بناء بيوت من طين ، رخيصة الثمن ، تقي الحر والبرد ، والأمطار والرياح العاتية ، ولا يخترقها الرصاص الخفيف ، وتمارس فيها حياتها البائسة المحتسبة لرب العالمين عائلات من بلادنا فلسطين المقدسة ، ارض الكنعانيين الأوائل ، واليبوسيين بناة المدن في الأرض المقدسة ، فصبروا وصبرنا وستصبر الأجيال العربية المسلمة في ارض المرابطين القابضين على الجمر ، لا يضرهم من عاداهم وخالفهم ، من يهود فلسطين ، ويهود أمتى ممن يدعون أنهم عرب ومسلمين ، ولو في بيوت من طين . وأخيرا ، نقول للجميع ، من المنكوبين والمتفرجين وأصحاب الأموال والكنز الدفين ، بأن بيوت الطين في غزة هاشم بفلسطين ، ستكون منازلها أصمد وأقوى وأجدى من أصحاب المليارات والملايين ، والأبراج والعمارات والأبنية الشاهقة ، الذين بقوا مع الخوالف ولم ينقذوا أو ينجدوا أهل فلسطين الميامين ، فصبرا يا اهل فلسطين ، فلتناموا في بيوت من طين ، ولا تكونوا في وضع حزين ، وتكاثروا وأنجبوا فإنكم لا تزالون على الحق ظاهرين ، يا أبناء الطائفة المنصورة في البلاد آمنين ، ولو بعد حين . فطوبى لكم ، والنصر والفتح المبين ، على الأبواب والشبابيك الطينية بأرض فلسطين . ومرحى وألف مرحى للساكنين في منازل الطين ، فهذه منازل مباركة لأهل فلسطين في الأولين والآخرين ، واسألوا الله الملك الحق المبين ، لتكونوا من المفلحين والناجحين في الابتلاء والبلاء ما بين الفلس والطين . فليقترب مقطع الفلس من مقطع الطين لتؤلف كلمة فلسطين وتكون كلمة الخالدين . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

رسالة مفتوحة إلى بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بمناسبة زيارته الأرض المقدسة ( فلسطين ) 11 – 15 أيار 2009


رسالة مفتوحة

إلى بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر

بمناسبة زيارته الأرض المقدسة ( فلسطين )

11 – 15 أيار 2009

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إعلان الإسلام ونصرة الأرض المقدسة

الحبر الأعظم / بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر المحترم

السلام على من اتبع الهدى ، وبعد ،
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وفي مقدمتهم محمد بن عبد الله والمسيح عيسى بن مريم وموسى بن عمران وعلى جميع عباده وأوليائه الذين اصطفى وكفى ،
بادئ ذي بدء ، نرحب بقدوم شخصكم على الأرض المقدسة ، فلسطين المباركة ، عامة وفي بيت لحم والقدس والناصرة خاصة للاطلاع على أوضاع النصارى في فلسطين ، كجزء من الشعب العربي الأصيل في هذه البلاد . أرض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، وفي مقدمتهم إبراهيم واسماعيل واسحاق وموسى وعيسى ومحمد خاتم الأنبياء والمرسلين . ونذكر حضرتكم بأن فلسطين ، هي أرض عربية مسلمة منذ البدء وإلى الأبد ، فهلا تذكرون العهدة العمرية من أمير المؤمنين الفاروق الخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب ، الذي فتح بيت المقدس وعموم فلسطين سنة 636 م / 15 هـ ، وأعطى الأمن والأمان لنصارى فلسطين وطرد المحتلين الرومان واللصوص من بيت المقدس ، لا أخالكم نسيتم أو تنسون تلك الفاتحة الخيرة بين أبناء فلسطين العرب ، والتسامح الإسلامي في نشر الدعوة التوحيدية الحقيقية ، في شتى قارات العالم ، ومن بينها قارة أوروبا التي ولدت فيها ، وألمانيا بلدكم الأصلي . لقد زرت فلسطين ، الأرض المقدسة ، ووجدت الترحاب والاستقبال الحافل من أهل فلسطين الأصليين الطيبين ، ووجدت الجفاء من المحتلين اليهود الغرباء الطارئين على أرض فلسطين ، أرض الزبور والإنجيل ، وأرض معظم الأنبياء ، وأديت الحج النصراني في أرض المسيح عيسى بن مريم ، وهي ذاتها أرض الإسراء والمعراج برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى . وكما تعلم فإن لكل رسول أو نبي من أنبياء الله معجزة أو معجزات شتى ، فمثلا معجزة المسيح عيسى بن مريم ولادته بلا أب ، وكلم الناس بالمهد وسيكلمهم كهلا لاحقا ، وكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله الخالق المصور رب العالمين ، خالقه وخالق الخلق أجمعين ، بينما من معجزات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، القرآن العظيم فيه ذكر البشر منذ بدء الخليقة إلى يوم البعث والحساب العظيم في يوم الدين ، وكذلك معجزة الإسراء والمعراج ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك بالأرض المقدسة ، وإمامته بجميع الأنبياء والمرسلين ومن ضمنهم عيسى بن مريم ، وبذلك يكون الإسلام الشامل هو الرسالة الإلهية الخاتمة لجميع الرسالات القصيرة السابقة وبالتالي على الجميع إتباع الإسلام العظيم ، وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين الأتقياء الأتقياء المحسنين الأبرار ولعلك تكون منهم . وإعلم أيها الحبر النصراني الأعظم أن الإسلام رسالة سماوية إلهية أنزلها الله سبحانه وتعالى لعباده المتقين الأخيار ، ومن يبتعد عن الإسلام فقد أختار طريق الفجرة الكفرة ، من المغضوب عليهم والضالين الذين سيعاقبهم الله جل شأنه ، فالله سيظهر هذا الدين على جميع الملل والنحل ولو بعد حين ، فتدبر في القول الرباني على لسان المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : { إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}( القرآن المجيد ، الصف ) . وجاء في قول رباني عميم وقويم آخر : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) }( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
أيها الحبر الأعظم ، صاحب دولة الفاتيكان الصغرى في روما ..
يقول الله الحي القيوم عز وجل : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) }( القرآن المبين ، آل عمران ) . أيها الحبر الأعظم بنديكتوس السادس عشر ، أنظر أين الباباوات السابقين من قبلك ، بنديكتوس الأول إلى الخامس عشر ، لقد عفا عليهم الزمن في الأمم الغابرة ، وأين البوالصة ممن سبقوكم أو لازموكم ؟ في حاضرة الفاتيكان في روما ، كدولة كنسية دينية نصرانية ( مسيحية ) مصغرة لتحجيم الدين النصراني في أوروبا ، وفق مبدأ فصل الدين عن الدولة فيما يسمى بالعلمانية ؟ فلتأخذ العبرة والعظة ممن سبقوك ، وتسابق على جنة عرضها السماوات والأرض ، أعدت للمتقين المحسنين من أهل الإسلام العظيم . ولقد كبر سنك وبلغت من الكبر عتيا ( 82 عاما ) ونيف ، فبادر إلى إصلاح نفسك ، وإعلان إسلامك ، وأنت في ارض الإسراء والمعراج ، الأرض المباركة التي قدسها الله الحميد المجيد ، للأمة الإسلامية على مدار التاريخ البشري .
المسلم المسيح عيسى بن مريم رسول الله ..

في الإسلام العظيم
أيها الحبر النصراني الأعظم في العالم …إعلم ، وأظنك تعلم ، ولكن للتذكر والتذكير ليس إلا ، أن الإسلام يمجد ويحترم رسول الله المسيح عيسى بن مريم ، كنبي من أنبياء الله ، من أمه مريم عليهما السلام ، وليس غير ذلك ، فالمسيح عيسى بن مريم واحد من وجهاء البشر كسائر الآدميين الذي جعله الله وجيها في الدنيا والآخرة ، وليس كمثلكم كما تسيئون لرسول الله المصطفى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام إلى يوم الدين علما بأنه في الإنجيل الصحيح ، ذكر لنبي من بعد عيسى بن مريم ، ولكنكم لا تريدون الإيمان به ، وتقولون عليه الأقاويل غير الصحيحة ، فهو إمام المتقين في الأولين والآخرين . يقول الله السميع العليم جل شأنه : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) }( القرآن العظيم ، آل عمران ) .

الله - إله واحد لا إله إلا هو لا ثلاثة
يقول الله العظيم الحليم تبارك وتعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) }( القرآن العظيم ، النساء ) .
أيها الحبر الأعظم .. إعلن إسلامك تربح
لقد آن الأوان أن تنصح النصارى من طائفة الكاثوليك التي تديرها في العالم ، والبالغ عددها حوالي 1.3 مليار نسمة ، وتقدم الإرشاد لبقية الطوائف النصرانية واليهودية أثناء رحلة الحج إلى الأرض المقدسة ، بأن تعلن إسلامك وإتباع رسالة الإسلام الخالدة ، وأطلب من أتباعك بأن يعلنوا إسلامهم جهارا نهارا دون خوف أو وجل ، فالدين الإسلامي هو الرسالة التوحيدية الخاتمة والناسخة لجميع الملل القومية والزمنية المؤقتة السابقة ، والإسلام يجب ما قبله . وتذكر بأن الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس ، وليست أمة وثنية أو هرطقة دينية كما تظن ويظن من أساء ويسئ فهم الدين الإسلامي القويم .
بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر في بيت لحم بالأرض المقدسة 13 أيار 2009
نحن كمسلمين نعلم جماعيا وشخصيا ، تعصبك لصليبك الذي تلبسه وتزهو وتفتخر به ، وإساءتك للإسلام ولم تعتذر عن هفواتك السابقة حتى الآن ، ولكن أود إعلامك ، وأظنك تعلم أكثر من غيرك ، من البابوية السابقين ، أن المسيح عيسى ابن مريم نجله ونحترمه في الإسلام أسوة بجميع الأنبياء والمرسلين ، من رب العالمين للعباد على مر الزمان والسنين في القرون الخالية في الأولين والآخرين . وقد ورد اسم المسيح وأمه الصديقة في القرآن المجيد ، الكتاب الإسلامي الأول ، وهناك سورة خاصة بالقرآن العظيم تحمل أسم ( سورة مريم ) البتول عليها السلام ، وجانب من حياة مريم وأبنها المسيح في الأرض المقدسة ، وبشارتها به في الناصرة وميلادها في بيت لحم ، ومطاردته من يهود فلسطين ( بني إسرائيل الغابرين ) في بيت المقدس وصعوده إلى السماء حيث أنجاه الله العزيز الحكيم جل جلاله ، فتمعن في الآيات القرآنية المجيدة التي تنطق بالحق المبين ، كلام رب العالمين عن بني إسرائيل الغابرين : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
أيها الحبر الأعظم ، قل وردد ، كما يقول الله العلي العظيم : { رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }( القرآن الكريم ، آل عمران ) .
مريم العذراء .. وكلام المسيح عيسى بن مريم

لقومه حسب الإسلام
ورد في بعض الآيات القرآنية المجيدة حديث للمسيح عيسى بن مريم لقومه قائلا : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) }( القرآن العظيم ، مريم ) . وإعلم أيها الحبر النصراني الأعظم .. يا صاحب الصليب .. أن الله جل جلاله ، سينزل المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، من السماوات للأرض ، ليدمر الصليب الذي تحملونه ، على صدوركم وأكتافكم ورقابكم ، لأنه لم يصلب ولم يقتل ، وسيقتل الخنزير الذي تأكلونه ، لأنه محرم إسلاميا ، وترى مدى الخوف والوجل من إنتشار وباء ( انفلونزا الخنازير ) في شتى قارات العالم ، وأن المسيح عليه السلام سيقيم العدل والمساواة ويرفع الظلم عن أهل الأرض المقدسة ، أرض الإسراء والمعراج فانتظر إنا منتظرون . وقد أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، أن المسيح عيسى بن مريم الذين تجلونه وتنزلونه منزلة عظيمة ، ونجله ونحترمه أكثر منكم ، سينزل مرة ثانية من السماء ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وينصر الدين الإسلامي في الأرض المقدسة ، لفترة من الزمن ثم يتوفى للمرة الأولى ، لأنه لم يتوفى سابقا ، كما تظنون وتحملون الصليب من أجل ذلك على صدوركم ، وسيدفن بجوار قبر أخيه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قرب المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة وسط شبة الجزيرة العربية . جاء في أحد كتب المتون الإسلامية ، بصحيح البخاري - (ج 11 / ص 266) أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } " . كما ورد بمسند أحمد - (ج 18 / ص 300) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُوشِكُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أَنْ يَنْزِلَ حَكَمًا قِسْطًا وَإِمَامًا عَدْلًا فَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَتَكُونَ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً فَأَقْرِئُوهُ أَوْ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُحَدِّثُهُ فَيُصَدِّقُنِي فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ أَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ " . ومن ناحية أخرى ، وفيما يتعلق بدولة الفاتيكان في العاصمة الإيطالية ، روما ، التي اقتطعها الفاشية الإيطالية لكم عام 1929 عبر الدوتشي الإيطالي بنيتو موسوليني ، بمساحة ضئيلة جدا ، ولا يتجاوز عدد سكان دولتكم الدينية الصغرى الآن في أيار 2009 / 1430 هـ الفي نسمة ، فإن الله سيفتحها للمسلمين ، بالتكبير ( الله أكبر ) بلا عناء ، أو قتال ، والتهليل ( لا إله إلا الله – محمد رسول الله ) ، لأن الحق أحق أن يتبع ، فاتبعوا الحق قبل فوات الأوان والخسران المبين . وفي السياق ذاته ، جاء في مسند أحمد - (ج 18 / ص 445) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " . وكلمة لا بد منها ، إن القساوسة والرهبان هم الأقرب للمسلمين فأسال أهل فلسطين كيف يعيشون تحت الاحتلال الصهيوني ، إنهم يعيشون في تسامح ديني واجتماعي وتكافل اقتصادي ، لأن مصيرهم واحد ، وتاريخهم واحد ، وقد جاء ذلك وصف بالقرآن الحكيم : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) }( القرآن المجيد ، المائدة ) .
وللتذكير الأخير أيها الحبر الأعظم ، كما علمت فإن الحاجة البشرية ماسة للزواج وإشباع الغرائز الجنسية بالحلال أمر ضروري لا مفر منه ، ولعلك عانيت من تمرد وشذود القساوسة والرهبان فيفترض أن تعمل على السماح لأتباعك الكاثوليك بالزواج الشرعي بعيدا عن الأفعال الشيطانية والفواحش ما ظهر منها وما بطن . كما يقول الله جل جلاله : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }( القرآن المجيد ، النساء ) . فدعوكم من حياة الرهبنة والعزوف عن الزواج وعودوا للحياة الطبيعية بعيدا عن الكبت النفسي والجنسي .
وأخيرا نقول لكم ، انصروا أهل فلسطين ، بشتى الطرق المعنوية والمادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فما يتهدد المسجد الأقصى المبارك يتهدد كنيسة القيامة ، والمهد والبشارة في فلسطين الكبرى من الاحتلال العنصري الصهيوني . والله ولي التوفيق . تحريرا في يوم الأربعاء 13 أيار – مايو 2009 الموافق 19 جمادي الأولى 1430 هـ

والسلام على من اتبع الهدى في العالمين .