الخميس، 31 ديسمبر 2009

الجدار الفولاذي الثلاثي الأبعاد ضد قطاع غزة


الجدار الفولاذي الثلاثي الأبعاد

ضد قطاع غزة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)}( القرآن المجيد ، الحشر ) .

استهلال

اشتد الحصار العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل والجامع على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هاشم ، الجناح الجنوبي الغربي من فلسطين ، بفعل الاحتلال الصهيوني منذ ستة عقود من الزمن ، وتزايد الضغوط المتعددة الأشكال والمذاقات المرة من الجارة الشقيقة مصر ضد أهل فلسطين المحاصرين في قطاع غزة منذ إنتفاضة الأقصى المجيدة ضد الاحتلال والمحتلين الصهاينة ومن والاهم ودعمهم من إمبراطورية الشر الأمريكية ومن دار في فلكها الدنيوي الشرير .
وللعلم تبلغ مساحة قطاع غزة 363 كم2 ، ويعيش في هذه البقعة الفلسطينية المحاصرة حوالي 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 5.3 مليون فلسطيني يعيشون في فلسطين الكبرى المحتلة وهو مفصول عن الضفة الغربية بحوالي 200 كم . وهذا القطاع كان تابعا للإدارة المصرية ما بين الأعوام 1967 – 1994 ، بعدما وقعت اتفاقية الحكم الذاتي في 13 أيلول 1993 ، وألحقت ما نسبته 63 % من مساحة قطاع غزة بمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، ( غزة وأريحا أولا ) وبقيت نسبة 37 % فيما يعرف بالمناطق ج التابعة أمنيا ومدنيا للاحتلال الصهيوني . وفي أيلول 2005 إنسحبت قوات الاحتلال الصهيوني بقيادة أرئيل شارون رئيس الحكومة الصهيونية سابقا ، من 21 مستعمرة استيطانية يهودية بسكانه البالغ عددهم حوالي 7 آلاف مستوطن وجندي يهودي وأطلق على المناطق المحررة ( المحررات ) وهي المستوطنات اليهودية السابقة . ومنذ ذلك الحين تتم محاصرة قطاع غزة بشكل دقيق بطرق شتى ، من الجهات الأربع البرية والمائية بالإضافة إلى الجهة العلوية عبر الطائرات الحربية والأقمار الصناعية الهادفة للتجسس على أهل قطاع غزة الفلسطينيين .

جدران فلسطين ..
الشائكة والاسمنتية والفولاذية


لقد تم تهجر أهل فلسطين الكبرى عدة مرات ، بالطرق الإرهابية السرية والعلنية ، على شكل لاجئين خارج فلسطين ونازحين داخل أرض الوطن الفلسطيني العزيز ، كأن أولاها : أيام نكبة فلسطين والاقتلاع الكبير في صيف 1948 ، وثانيها في صيف 1967 ، وثالثها في شتاء 2008/ 2009 ولا زال أكثر من حوالي مائة ألف فلسطيني يعيشون بين السماء والطارق بسبب العدوان الصهيوني قبل عام تقريبا وهدم بيوتهم وتشريدهم دون ذنب اقترفوه . وقد عانى قطاع غزة من العنجهية والوحشية العدوانية الصهيونية ، الكثير الكثير ، فتم تجميع مئات آلاف الفلسطينيين من مختلف المدن والقرى الفلسطينية ، في بقعة جغرافية صغيرة ولم يتركوا بحالهم بل تلاحقهم قوات الاحتلال الصهيوني بشتى الأسلحة البرية والبحرية والجوية ، في ظلم ثلاثي الأبعاد .
على العموم ، تحاصر قوات الاحتلال الصهيوني برا وبحرا وجوا قطاع غزة ، فمن الغرب على ساحل البحر الأبيض المتوسط تربض البوارج الحربية والزوارق العسكرية الصهيونية ، وتمنع أهل قطاع غزة من الصيد والتجارة والسياحة في المياه الإقليمية الفلسطينية ، ومن الشمال والشرق أحاطت قوات الاحتلال الصهيوني قطاع غزة بالأسلاك الكهربائية الشائكة ، وجوا تم تدمير مطار غزة الدولي بقذائف الطائرات الحربية الصهيونية ، وتقوم طائرات الاحتلال بطلعات جوية متكررة يوميا ، ليل نهار ، وبذلك أغلقت المنافذ الجوية لقطاع غزة هاشم الأشم ، منذ انتفاضة الأقصى الباسلة ، وبقيت جهة قطاع غزة الجنوبية مع الحدود العربية المصرية ، وعبر معبر رفح المغلق معظم أيام السنة إلا في حالات نادرة جدا لمعونات الإغاثة الغذائية الشحيحة ، أو للدراسة أو الاستشفاء أو الحج بشق الأنفس . وفي موسم الحج الماضي 1430 هـ / 2009 ، اتصلت بي حاجة ممنوعة من السفر ، بصفتي مسؤولا عن شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) لتسألني بشأن الحجاج الفلسطينيين المائتين العالقين على حدود غزة ، بين رفح وسيناء ، ما مصيرهم ، بسبب الإغلاق المصري لمعبر رفح ليتمكنوا من دخول مصر والذهاب لتأدية مناسك الحج ، ولكن المعبر الوحيد كان مغلقا فلم يتمكنوا من أداء مناسك الحج لهذا العام ، فمن يتحمل ذلك يا ترى ؟ بالتأكيد النظام المصري هو الذي يتحكم بالمعبر اليتيم ؟
إنني أعلم علم اليقين أن الشعب العربي المسلم في مصر لن يرضى عن هذه التصرفات الرسمية المصرية القهرية الفولاذية تجاه أبناء جلدته من أهل غزة هاشم ، فكلنا في الهم شرق ؟
وقد درج أهل قطاع غزة المرابطين كأسلوب من أساليب الدفاع الشرعي عن النفس إلى حفر الخنادق والأنفاق الأرضية من جهة قطاع غزة الملاصقة مع صحراء سيناء العربية المصرية ، وقامت قائمة الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة مطالبة مصر بسد هذا المنفذ الأرضي السري باتجاه سيناء . فنصبت حواجز التفتيش المصري أحيانا بآلاف الجنود المصريين ، والمشتركة أحيانا أخرى بدعم أمريكي وصهيوني ، وجرت مراقبة حدود قطاع غزة الصغيرة البالغة 13 كم جوا ، ودمرت طائرات الحرب الأمريكية الصنع إف 15 وإف 16 العديد من الأنفاق الأرضية السرية غير المكشوفة ، ووضعت خطة إرتجاج أرضية لتدمير الأنفاق ، فهبط عشرات الأنفاق الأرضية ، واستشهد عشرات الفلسطينيين الذين زاد عددهم عن المائتين خلال السنتين الماضيتين ، جراء بحثهم عن رزقهم من خبايا الأرض عبر الأنفاق السفلية ، في تحد غير مسبوق للاحتلال الصهيوني ووحشيته وعنجهيته المجرمة اللئيمة .


غزوة رفح جديدة لاحقة

ورد في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 309) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
في 20 كانون الأول – ديسمبر 2008 نظم أهل غزة غزوة رفح ضد الجدار الشائك بين قطاع غزة وصحراء سيناء ، ودخاوا عنوة بعد تفجير الجدار الاسمنتي والجدران الشائكة ودخول أرض سيناء العربية بشكل غير مسبوق حيث دخلت الجموع الفلسطينية بما يعادل 700 ألف فلسطيني ، خلال عدة أيام متصلة غير منفصلة ، وكان الفرج لعدة أيام تسوق فيها الغزيون من مختلف محافظات قطاع غزة ، من الأسواق المصرية في العريش والسويس ومدن مصرية أخرى استقبلتهم العابرين الجدد بالترحاب ، ووصل عشرات الآلاف منهم للقاهرة وبقية المدن المصرية مما حدا بقوات الأمن المصرية لوضع حواجز لمنع دخول الفلسطينيين للقاهرة .
وبعد الإغلاق الرسمي لمعبر رفح ، الرئة الصغيرة الفلسطينية الوحيدة للعالم ، من الجانب المصري بضغوط أوروبية وصهيونية وأمريكية ، بحجج أمنية والاتفاقيات المعقودة بين حكومة الاحتلال الصهيوني والحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصى ، عاش أهل قطاع غزة حياة الذل والهوان والإذلال فبحثوا عن الأنفاق الأرضية لتعويض جزء من حياتهم الطبيعية للتواصل المتصل مع مصر الشقيقة ، والشعب المصري الأبي .
وفي خريف 2009 ، خضعت الرئاسة والحكومة المصرية للإبتزاز الأمريكي والصهيوني المطالبين بضرورة إغلاق المنافذ الأرضية البدائية على الحدود الفلسطينية – المصرية ، بين قطاع غزة وصحراء سيناء ، علما بأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات اقتصادية سنوية بملياري دولار لمصر ، وبهذا فقد خضعت مصر الرسمية للضغوط الأمريكية والصهيونية ، ولجأت إلى تنفيذ عدة خطط لمنع دخول الفلسطينيين عبر باطن الأرض والتزود بالغذاء والكساء والألبسة ، وما يطلقون عليه الأسلحة الخفيفة لصد العدوان الصهيوني المتكرر على قطاع غزة دون رادع أو حتى تلويح علني أو سري مصري أو عربي أو إسلامي للذود عن حياض قطاع غزة المستباح صهيونيا . فجربت مصر إجراء سيول مائية على الحدود الفلسطينية – المصرية المشتركة ولكنها فقدت فعاليتها ، واقترح تسيير شبكة مجاري صرف صحي على الحدود المشتركة ولم تجد فعليا ، فالعبقرية والأيدي الفلسطينية أقوى من الخطط الجهنمية المصرية والصهيونية والأمريكية ، ففشلت تلك الخطط ووئدت في مهدها .

جدار بارليف جديد ..
الجدار الفولاذ الثلاثي لإبقاء الحصار الظالم


وفي فترة ما بين شهور : رمضان المبارك وذو القعدة وذو الحجة السابقة ، عيدي الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك 1430 – 1431 هـ / أيلول تشرين الثاني وكانون الأول 2009 م ، جرى التخطيط لنصب الجدار الفولاذي ( الحديدي ) الرادع على أرض الحدود الفلسطينية - المصرية بعمق يتراوح ما بين 20 – 50 مترا تحت الأرض للحيلولة دون دخول الفلسطينيين عبر الأنفاق الأرضية إلى الأرض المصرية ( صحراء سيناء ) في تحد جديد فرضته السياسة الثلاثية : الأمريكية – المصرية – الصهيونية ، بدعم مالي أمريكي كامل ، عبر المعونات العينية والمالية لمصر ، وخطط لقوة هذا الجدار الفولاذي لتكون بمثابة قوة ( جدار خط بارليف الصهيوني ) على قناة السويس المصرية ، الذي اخترقته القوات المصرية والعربية والفلسطينية في 6 تشرين الأول – أكتوبر 1973 ، وأصبح من مخلفات التاريخ المعاصر .

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

وغني عن القول ، إن الجدار الفولاذي نصب وأتم منه المرحلة الأولى ، وبقيت المراحل اللاحقة ، الفولاذية والمائية والكهربائية والإسمنتية وما يواكبها من خطط شيطانية إبليسية رجيمة . وفي حال إتمام بناء هذا الجدار الفولاذي على الحدود الفلسطينية – المصرية بطول 13 كم ، فسيعمل هذا الجدار على تقييد حرية الفلسطينيين الأرضية ، ولا يمكنه منعها بأي حال من الأحوال ، مهما وضعت من خطط استراتيجية وتكتيكية ، لأنه لكل فعل رد فعل مساو في المقدار ومعاكس له في الاتجاه .
فيا أهل مصر الرسميين ، لقد دعمتم بناء الجدار العنصر الفاصل بين محافظات فلسطين ، فلسطين المحتلة 1948 والضفة الغربية ، منذ عام 2001 بالاسمنت المصري ، وها أنتم تدعمون الآن بناء الجدار الفولاذي السميك والعميق ، مالكم لماذا هكذا تتصرفون وتسيرون باتجاه الجحيم ؟؟ ! أليس منكم رجل رشيد ؟ لا تلهثوا خلف الصليبيين الضالين والمغضوب عليهم في العالمين .
ونقول بالفم الملآن ، واللسان الطنان ذو البيان ، بلسان عربي مبين ، والسواعد السمراء المفتولة ، لمن خطط ومول وبنى ونفذ ، إن قدرتكم بسيطة أمام قدرة الله الواحد القهار ، وصفائح الفولاذ سيحمى عليها في نار جهنم لتكوي جباهكم وجنوبكم ، وظهوركم ، إن لم تتوبوا وتتراجعوا عن غيكم الأكيد الوليد ، لحبكم الذهب والفضة والدولار ، وستكون وبالا على حامليها وناقليها ومصمميها وواضعيها ومموليها وناصبيها ، وسيرتد مكرها وقهرها على نحورهم قريبا إن شاء الله تبارك وتعالى ، بقدرة الله العزيز الحكيم الذي لا إله إلا هو . يقول الله علام الغيوب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}( القرآن المبين ، التوبة ) .
فرغم الخطط المحكمة لمحاصرة قطاع غزة فإن أهل غزة هاشم المظلومين ، سينفذون لصحراء سيناء والنقب جنوبا وشرقا ، لأنهم أهل حق يدافعون عن أنفسهم ، وأما أهل الباطل الذين يغلقون منافذ غزة البرية والبحرية والجوية فسيغلبون في بضع شهور أو سنين ، عاجلا أو آجلا ، فالظلم ساعة والعدل إلى قيام الساعة . فأطمأنوا يا أهل قطاع غزة إن النصر مع الصبر ، وقد لاح إنبلاج فجر الحرية والخلاص من الظالمين ، يقول الله العزيز الحكيم عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)}( القرآن المجيد ، الأنفال ) . فسيأتيهم مطر السماء بالعذاب الأليم ، فالله يمهل ولا يهمل .

كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ

فلئن أغلقتم أيها الطغاة البغاة في الأرض المقدسة عموما وقطاع غزة خصوصا وما حولها ، فإن الذهنية الفلسطينية قادرة على إختراق جدرانكم الهشة ، البرية الاسمنتية والحديدية والفولاذية وجدرانكم المائية ، والتصدي لطائراتكم الحربية ، والزمن سيدور كالدولاب السريع ، ودوام الحال من المحال هكذا أعلمنا الله خالق الخلق أجمعين ، وعلمتنا قرون التاريخ الخالية ، فأسالوا أنفسكم ما بال القرون الأولى الخالية أين ذهب أممها وطغاتها وأباطرتها ، إنهم ذهبوا مع الريح وأصبحوا تحت الأرض فلم تعد لهم باقية . يقول الله الحي القيوم جل شأنه : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}( القرآن الحكيم ، المائدة ) .

أضرار الجدار الفولاذي على قطاع غزة

يقول الله العلي العظيم جل وعلا : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}( القرآن العظيم ، الحج ) .
فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ، أفتى أهل الحل والعقد والشورى المسلمين ، بتحريم بناء الجدار الفولاذي بين مصر وقطاع غزة ، كونه يسبب الألم الشديد لأهل قطاع غزة ، ويخنق الأرض والشعب ، ويغلق نوافذ أو أنفاق أرضية بسيطة صغيرة بدائية ، فتحت على المواطنين الفلسطينيين للضرورة القصوى والحاجة الماسة . كما ان قطاع غزة لا يشكل أي نوع من الخطر على مصر العربية ، ورغم ذلك فلا زالت المراحل لاستكمال بناء الجدار الفولاذي مستمرة ، ولا حياة لمن تنادي ، والشعب المصري عامة ، والجامع الأزهر خاصة ، ضد محاصرة الأهل في قطاع غزة مهما كانت الأسباب والظروف . فكيف لا ينصر أهل مصر الطيبين إخوانهم في قطاع غزة الذين هدمت بيوتهم ، ومساجدهم ، ومحلاتهم واستشهد وجرح أبناؤهم بفعل العدوان الصهيوني المتواصل ، وحوصروا من جميع الجهات حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وهم أهل العزة والكرامة والبشارة الكريمة . فصدرت فتوى شرعية إسلامية ، من ثلة طيبة من علماء الأزهر الشريف والدكتور الشيخ يوسف القرضاوي ، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، سبقهم في ذلك ، تحرم بناء الجدار الفولاذي المصري ظاهريا والأمريكي والصهيوني فعليا ، بحجة الحفاظ على الأمن القومي المصري ؟؟ فهل يا ترى من مقومات الأمن القومي المصري إحكام الحصار على الفلسطينيين المرابطين الصابرين في السجن الكبير المتمثل بقطاع غزة هاشم الأبي ، وأهله الأباة الصابرين على السراء والضراء ؟؟ ما لكم كيف تحكمون ؟؟ ثم أين البدائل لفك الحصار المضروب على قطاع غزة الذي تشاركون به ؟؟! يا ليتكم تعيشون في سجن كبير كسجن قطاع غزة المحكم ! سترون الحياة الكئيبة الضنكى إقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ونفسيا ، ولولا الإيمان الفلسطيني الراسخ القوي لأهل قطاع غزة ، لخرجوا وهربوا خارج فلسطين بل خارج مصر أيضا ، ولكن مبادئ الصبر والمصابرة والمرابطة في أرض الرباط المقدسة ، هي التي تعطي بوارق الأمل الكبير للتصدي والتحدي للطارئين الغرباء عن الديار الفلسطينية الذين تجمعوا من كل حدب وصوب لاحتلال الأرض المقدسة ( فلسطين ) أرض الآباء والأجداد .

طرق الأمن والأمان بإعادة المظالم لأصحابها ..
انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا


جاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 283) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ " .
وكما يعلم الجميع ، من أولي الألباب ، إن توفير الاستقرار والأمن والأمان لا يكون ببناء الجدران العدوانية سواء الجدران الكهربائية الشائكة حول فلسطين الكبرى من جميع الجهات أو الجدران الشائكة من الأسلاك الملتوية كعقول وضمائر ناصبيها ، أو الجدران الاسمنتية كالأفاعي المتلوية حول الضفة الغربية ، أو الجدران الفولاذية جنوب قطاع غزة الصامد رغم الجراح . بل يكون الأمن والأمان بإعادة المظالم إلى أصحابها الأصليين وتمكينهم من العيش الحر الكريم كبقية الشعوب في العالم ، لا المراوغة والخداع ونصب المكائد والدعاية الكذابة على الناس ؟؟
ومن مقومات الأمن القومي المصري الداخلي والخارجي هو أن تكون عمقا استراتيجيا لأهل فلسطين الأصليين ، وأن تكون أرض الكنانة مناصرة لهم ، لأنهم مظلومين ومستضعفين في الأرض ؟ وهل سأل المخططون الاستراتيجيون المصريون أنفسهم ، لماذا يلجأ إخوانهم أهل قطاع غزة لحفر الأنفاق ؟ فالجواب سهل وبسيط ، لأن الضرورات تبيح المحظورات كما يعلمنا الإسلام العظيم ، وعملية حفر الانفاق الأرضية متعب وشاق ، ولكن ليس هناك بدائل عملية وفعلية تغني عن هذا النفق الأرضي الصغير الذي يجد به الفلسطيني متنفسه من باطن الأرض لا من فوقها بسبب انتشار الظلم والظلام والحرمان والقهر الشامل والجامع ، وظهور الفساد والمفسدين والسفهاء في الأرض ، فيلجأ الفلسطيني لتعويض جزء من حقه بحفر الأنفاق ، فتأتي الجرافات المصرية لتهدم وتردم هذه المنافذ الأرضية الصغيرة على رؤوس أصحابها المغلوبين على أمرهم ؟؟ فلم يعد يسلم الفلسطيني البوائق والخذلان من جاره الرسمي المصري . فقد جاء في مسند أحمد - (ج 8 / ص 25) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالُوا وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيث " .

كلمة أخيرة

وختاما ، لا بد من تغليب المصلحة الفلسطينية العليا ، والمصلحة العربية العليا ، والمصلحة الإسلامية الأعلى على المصالح الفرعونية القطرية الضيقة ، فأفيقوا يا بناة الجدران الفولاذية والاسمنتية ، وأفتحوا منافذ قطاع غزة البرية والبحرية والجوية ، لتنالوا رضى الله في الأرض والسماء ، في الدنيا والآخرة ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فهذه الجدران ظالمة كل الظلم للمستضعفين الفلسطينيين العرب المسلمين في الأرض المقدسة يا أهل مصر الطيبين . والشعب المصري مدعو لنصرة أهل قطاع غزة ، والأخذ على يد الداعين لبناء الجدار الفولاذي اللعين . وكما جاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 161) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " .
وبشرى للمستضعفين في الأرض ، فإن الجدار الفولاذي لا يغني عن الحق شيئا ، وسيزول كما زال خط بارليف الأكبر منه ، والأوسع منه . وسيزول كما زال جدار برلين الأشق منه ، ولن يكون أقوى من جدار المنطقة الخضراء في بغداد ، ولن يكون كالجدران بين المكسيك والولايات المتحدة . فيا أهل مصر العزيزة انصروا غزة ، ولا تخذلوها بحق رب العزة .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

مسيرة الوطن العربي عام 2009 .. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ

مسيرة الوطن العربي عام 2009 ..

وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ




د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) . وجاء في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 351) عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ فَقَالَ مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا : سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " .
استهلال
تبلغ مساحة الوطن العربي حوالي 13.7 مليون كم2 ، من اليابسة برا والمياه الإقليمية بحرا ، ومعظم هذه الأراضي هي صحراء قاحلة غير قابلة للزراعة أو تغزوها ظاهرة البور والتلوث والتصحر وقلة الزراعة بالإضافة للقواعد العسكرية الاستعمارية المنتشرة في ربوع الوطن العربي الكبير التي ترهق المواطنين وتجعل اليأس والقنوط يغزو عقولهم وأفئدتهم . ويقطن هذه المساحة الشاسعة حوالي 350 مليون مواطن عربي حوالي 80 مليون عربي منهم في مصر . والكثير من هؤلاء المواطنين العرب في الوطن العربي يعيشون تحت خط الفقر الاقتصادي لأسباب شتى من أهمها : الظلم والقهر الاجتماعي ، والاستغلال الاقتصادي والطغيان السياسي ، وأحادية التفكير لمنع التبديل والتغيير فالجميع يجب أن يسير في ظل النظام السائد ، وكل من يخرج عن هذا الصراط الوضعي يعاقب بأشد العقوبات المتنوعة والمتعددة الأشكال والأنواع . هذا بالإضافة على الدعوات الشعوبية والقبلية والقطرية والطائفية البغيضة .
وهناك أحداث برزت عام 2009 في الوطن العربي الكبير من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي ، الذي هو غير موجود سوى في خيال المواطنين العرب الأسوياء ، من مسلمين ونصارى ، فالوطن الصغير الواحد بل قل الدولة الواحدة في الوطن العربي الكبير ، مقسمة إلى إمارات ودويلات وكانتونات سكانية وطائفية ولغوية واقتصادية وجغرافية ، وثقافية ودينية وهكذا . وحسب التخطيط الاستعماري الأمريكي الشرير سيتم تقسيم البلاد المقسمة دول أخرى ، حسب ( خريطة الشرق الأوسط الموسع ) التي يجب أن لا ترى النور كسابقاتها التي جزأت الوطن العربي إلى طوائف وأمصار متصارعة .
وفي هذه العجالة المطبوعة سنلقي الضوء الخافت أحيانا والساطع أحيانا أخرى ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا باختصار على الأوضاع العربية العامة التي تؤرق المواطن العربي :

أولا : الهلال الخصيب
فلسطين والأردن والعراق وسوريا ولبنان ) .. أهل المشرق

جاء في مسند أحمد - (ج 35 / ص 337) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ الشَّامُ فَإِذَا خُيِّرْتُمْ الْمَنَازِلَ فِيهَا فَعَلَيْكُمْ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ فَإِنَّهَا مَعْقِلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَلَاحِمِ وَفُسْطَاطُهَا مِنْهَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ " . وورد في رواية أخرى ، بمسند أحمد - (ج 36 / ص 176) عنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ " .

أرض الهلال الخصيب ، هي أرض الأنبياء والمرسلين ، هكذا كانت وهكذا ينبغي أن تكون ، فقد قادت هذه البلاد بأنبيائها ورسلها من نوح وإبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب وغيرهم الأمم في القرون الخالية ، ويتطلع لها أبناء الأمتين العربية والإسلامية لأخذ زمام المبادرة والتوجه للوحدة والاعتصام بحبل الله المتين ومحاربة الاحتلال والمحتلين والاتحاد مع بقية أجزاء الوطن العربي الكبير الواسع الموسع .
يقول الله الحي القيوم عز وجل : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)}( القرآن العظيم ، المؤمنون ) .

ففي فلسطين ، حكومتان واحدة برام الله في الضفة الغربية برئاسة د. سلام فياض ، والثانية بغزة في قطاع غزة برئاسة اسماعيل هنية ، والمصالحة الوطنية وفق الورقة المصرية ، بين جناحي الوطن الفلسطيني المحتل والمحاصر على آخره ، تراوح مكانها ، كلما اقتربت ابتعدت مسافات أطول طويلا . والحرب العدوانية الصهيونية على قطاع غزة التي انتهت بعد 21 يوما في كانون الثاني 2009 ، خلفت 1500 شهيد وأكثر من ستة آلاف جريح . والمسجد الأقصى المبارك ، لا زال جريحا وينتظر من ينقذه في ظل عمليات التنجيس التي تطاله بين الحين والآخر من قطعان المستوطنين الطارئين على الأرض المقدسة ، الذين يعربدون ويتلون توراتهم المزيفة فيه ، وتحاول هدمه وبناء ما يسمى الهيكل اليهودي الثالث مكانه زورا وبهتانا .
والوضع في فلسطين المحتلة ، يزداد اشتعالا ، في ظل السباق المحموم لضرب المفاعلات النووية الإيرانية البدائية ، وتواصل الإرهاب الصهيوني ضد أهل البلاد الأصليين . وكذلك إزدياد التوتر الصهيوني الداخلي بين الأحزاب اليهودية – الصهيونية المتناكفة ، بعد فشل حزب كاديما في تولي زمام الحكم في الكيان الصهيوني المصطنع ، وتكالب أحزاب الليكود والعمل ويسرائيل بيتنو على إدارة شؤون المستوطنين في فلسطين المحتلة .
وفي العراق الجريح ، تتساقط الجثث فوق بعضها البعض جراء التفجيرات المفخخة بسبب استمرار وجود الاحتلال الأمريكي والغربي الذي تسبب منذ الغزو الظالم في آذار 2003 لمقتل حوالي 1.5 مليون عراقي من شتى المحافظات العراقية ، وعملية استغلال آبار النفط العراقية من الاحتلال والمحتلين متزايدة يوما بعد يوم . فليرحل الاحتلال والمحتلين إلى غير رجعة .
وسوريا ، لا زالت تنتظر تحرير هضبة الجولان العربية المحتلة منذ عام 1967 ، والمفاوضات بين الجانبين السوري والصهيوني متعثرة ، تارة بوساطة تركية وتارة بوساطة أمريكية وطورا تراوح مكانها ، والاقتصاد السوري منهك ، والتهديد الصهيوني مسلط على رقاب الجغرافية السورية بعمليات التفجير وقصف الطائرات الصهيونية في إعتداء همجي على الأجواء العربية السورية . وقد عاد للعلاقات السورية اللبنانية بعض الدفء في فصل الشتاء الذي بدأ بالإنقلاب الشتوي ، والعلاقات السورية العراقية متوترة بسبب الاتهامات العراقية الباطلة لسوريا . وقد عادت العلاقات السورية السعودية لطبيعتها جراء تنقية الأجواء والمصالحة الثنائية بين البلدين الشقيقين . وكذلك تعززت العلاقات بين الجارتين سوريا وتركيا لمصلحة البلدين .
ولبنان ، بعد الانتخابات النيابية ، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة النائب سعد الدين الحريري ، أخذ بالهدوء والاستقرار بالاتفاق على سياسة الحد الأدنى من الوفاق والاتفاق الوطني ، ومطالبة حزب الله بهدنة لمدة سنة بين الفرقاء لتصفية الأجواء الكدرة سابقا ، والتفرغ للبناء الاقتصادي والعمراني ، رغم التهديد الصهيوني الجوي المتغطرس بين الحين والآخر . ولبنان مطالب بالابتعاد عن الطائفية الدينية البغيضة ، والفرانكوفونية الاستعمارية النتنة ، والأرزية والقومية الفينيقية الضيقة .
وفي الأردن ، المستقر سياسيا واقتصاديا ، ذو التعددية السياسية ، تغيرت الحكومة خلال شهر كانون الأول 2009 ، لا زال يستوعب مئات آلاف اللاجئين العراقيين الهاربين من الجحيم الاحتلالي والفتن الداخلية في أرض الرافدين ، مما يشكل عبئا جديدا على هذا البلد العربي فوق عبئه الأول من اللاجئين الفلسطينيين . ولا زالت التقسيمات الإدارية الجديدة تلقي بظلالها ، للنهوض بالبلاد وهناك استعداد لخوض انتخابات المجلس النيابي الأردني ، وانفتاح على تشكيل الأحزاب الجديدة .
وعلى أي حال ، عن أهمية الشام المستقبلية في الحياة العربية الإسلامية ، جاء مسند أحمد - (ج 36 / ص 326) جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ وَمِصْرٌ بِالشَّامِ فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ نَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ السِّيجَانُ وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّحَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمْ الْغَوْثُ ثَلَاثًا فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ صَلِّ فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ " . حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَن أَبِي نَضْرَةَ قَالَ أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَلَيْسَ شَيْءٌ يَوْمَئِذٍ يَجُنُّ مِنْهُمْ أَحَدًا وَقَالَ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ " .
ثانيا : شبه الجزيرة العربية .. أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ

جاء في صحيح البخاري - (ج 10 / ص 268) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ " . وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ " .
إن الدول العربية قاطبة ، ومن بينها دول شبة الجزيرة العربية مدعوة لطرد القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد ، وإخراج المشركين من جزيرة العرب . وكذلك مدعوة لإنصاف العمالة العربية والإسلامية في الدول النفطية والابتعاد عن الظلم لهؤلاء الوافدين ، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم . ومدعوة كذلك لفتح أبواب الجامعات أمام الطلبة العرب والمسلمين الآخرين ، وعدم التعصب الجغرافي لأهل البلاد فقط ، فالجامعات ترسخ أواصر الترابط الاجتماعي والعلمي والبحثي بين العرب . وكذلك لا بد من زيادة الدعم النفطي لأهل فلسطين المرابطين في الأرض المقدسة والصامدين أمام أعتى الهجمات الصهيونية – الصليبية في الوقت الراهن .
في السعودية بمكة المكرمة والمدينة المنورة لا زلنا ننتظر السكك الحديدية المقربة للمسافات بين الحرمين الشريفين ، وتسهيل شؤون الحجاج الجغرافية بالإضافة إلى التسهيل المدني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وزيادة عدد الحجاج لأن الأعداد المؤلفة من 1 في الألف لا تكفي ، والتنافس على أشده المتمثل بالتسابق الإسلامي بين أبناء الأمة الإسلامية في جميع أنحاء الوطن العربي والوطن الإسلامي والعالم ، على أداء فريضة وركن الحج الإسلامي ، فنسبة كبيرة من المسلمين لا تتمكن من تأدية مناسك الحج بسبب الحصر الرقمي السنوي ، فتستعيض عن الحج بالعمرة . وهي مسألة إسلامية ملحة بحاجة لإعادة النظر بشكل جدي وجديد لتمكين أكبر عدد ممكن من الحج سنويا . ورغم النفط الوفير فإن الميزانية السعودية تعاني من عجز مالي . والأمل يحدو المواطنين العرب والمسلمين بمعاملتهم بأولوية وأفضلية على الأجانب الغربيين في التشغيل ودفع الأجور المناسبة . والسعودية مطالبة بمعاودة الإصلاح بين الفرقاء الفلسطينيين المتنافسين في ربوع الأرض المقدسة ، وزيادة الدعم المالي للشعب الفلسطيني ، ولعب الدور الأبرز في الساحة العربية لإحداث الوفاق العربي والإنقاذ العربي .
وفي الخليج العربي ، لا زال مجلس التعاون الخليجي لم يوافق على التعامل مع العملة الخليجية الموحدة رغم تحديد مقر البنك المركزي الخليجي في الرياض ، فينبغي إنضمام الجميع للوحدة النقدية والبنكية الخليجية العربية بأسرع وقت ممكن ، وهذا نداء للإمارات العربية وسلطنة عمان للتقيد بالوحدة الاقتصادية ، وتغليب المصلحة العليا على المصالح الآنية القطرية الضيقة . وأسعار برميل النفط بين المد والجزر ، أرهقت الاقتصاد الخليجي لست دول عربية ، هي : السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية وسلطنة عمان . والتكامل بل والإندماج الاقتصادي بين البلدان الستة لم يصل إلى الحد المنشود ، وهذا يؤدي إلى زيادة الانقسام والشرذمة وإقتفاء خطوات شياطين الاستعمار الذين قسموا البلاد لهذه التقسيمات الهلامية المصطنعة .
والإمارات العربية المتحدة ، مطالبة بالتركيز على الاقتصاد الانتاجي وليس الاستهلاكي ، لأن البقاء للأفضل ، وعدم الاكتفاء باستيراد آخر الموديلات والصرعات الاستهلاكية من البضائع والسلع الآسيوية والغربية . وأبو ظبي ، كونها الإمارة الكبرى في الاتحاد ، هي أم الجميع ، يجب أن لا تترك شقيقاتها يتعرضن للهزات المالية والفنية الساحقة والماحقة . وهي مدعوة لتعزيز المفاعلات النووية والأبحاث والدراسات العلمية الأدبية والصناعية والزراعية وغيرها لزيادة التقدم والإزدهار العام للإمارات والعرب أجمعين .
أضف إلى ذلك حمى أزمة ديون إمارة دبي 2009 ، وتداعى إمارة أبو ظبي لتسديد الديون وفق قروض مالية ميسرة لدبي ، وفق مبدأ أنصر أخاك ظالما أو مظلوما . ودبي لا زالت تهتم بكتاب غينيس بالأرقام الأطول والأكبر وتعاني من ويلات المحق الاقتصادي وناطحات السحاب ( برج دبي ) ومترو دبي ومهرجانات الفنون والخلاعة وغيرها ، والأجدى التركيز على الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض .
والكويت مدعوة للعب الدور الاقتصادي المرموق كما كانت سابقا ، وإعادة الحياة الطبيعية لمجاريها الطيبة مع شعب فلسطين ، ونسيان الماضي ، وتنظيم العلاقات الطبيعية مع الشعب العراقي الأبي . وفتح الأسواق الكويتية أمام الأردنيين والفلسطينيين للتشغيل ، فالعرب أولى من الأجانب الآسيويين .
وقطر ، صاحبة النخوة العربية الأصيلة ، لقد قدمت للأمة الكثير عبر فضائية الجزيرة الناطقة باللغتين العربية والإنجليزية ، والمطلوب منها لعب أكثر دينامكية وحيوية في المجالات الخيرية والاقتصادية والإعلامية والسياسية لإصلاح ذات البين بين الإخوة والأشقاء العرب .
والبحرين ، مدعوة لتكريس وتعزيز المساواة وكرامة المواطنين ، ونبذ الصراع الطائفي في البلاد ، والسهر على مراقبة الحياة الاجتماعية في البلاد وحمايتها من الفتن والمحن وبائعات الهوى .
وسلطنة عمان ، يفترض فيها زيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والانفتاح على الأمة العربية واحترام حقوق الفرد والتعبير عن الرأي ، والابتعاد عن فتح البلاد على مصاريعها لأعداء العرب والمسلمين . وزيادة استغلال الثروة النفطية لسد احتياجات البلاد الأساسية .
وفي اليمن ، لماذا لا يسمح له بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي ، علما بأن اليمن جزء لا يتجزأ من شبة الجزيرة العربية . وهناك فقر اقتصادي مدقع لأهل البلاد ، وهناك فتنة طائفية أنشبت أظفارها ، عام 2009 بين السنة والشيعة ، وتمركز الحوثيين في مناطق معينة خاصة في الشمال ، وإنهاك أهل المناطق مما أضطرهم للهجرة وترك ميادين المعارك المفتعلة ، وتدهور الاقتصاد اليمني ، ودخول الطيران الحربي السعودي على الخط لملاحقة الحوثيين الذين دخلوا الأراضي السعودية هروبا من أتون جحيم المعارك بين الإخوة الأعداء في اليمن الواحد ، الذي لم يعد سعيدا كالسابق . وجاء في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 81) أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ : " الْإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا أَلَا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ " . وورد في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 177) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ" .

ثالثا : وادي النيل :

جاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 376) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا " .

وادي النيل ، المؤلف من مصر والسودان ، لا زال مقسما ، وينذر بالعديد من التقسيمات السياسية والدينية والفئوية الجديدة . فمصر تئن من الصراع الديني : الإسلامي – القبطي ، والمطالبة بالقومية الفرعونية ، والقومية القبطية وغيرها من الهرطقات ، وتتعرض لفتنة دينية متقاربة في الزمان والمكان ، والتعددية السياسية محظورة على الجميع باستثناء الذين يدورون في الفلك العلماني والقومي والإلحادي . والاستفراد بالملف الفلسطيني دون كلل أو ملل ، ففشلت الإدارة المصرية في تصحيح الأوضاع الفلسطينية وعقد لواء الصلح بين حركتي فتح وحماس حتى الآن .
وفي مصر ، الدولة العربية الكبرى ، في الوطن العربي ، لا زال تأثيرها محدودا في البقعة العربية ، وهي كمن يجلس في صومعته منعزلا بعيدا عن الآخرين ، ويفكر لنفسه بعيدا عن المصالح القومية والإقليمية والإسلامية والإنسانية الشاملة ، وهذا الوضع لا يرضي أحدا من أحرار العرب والمسلمين فمن الضروري أن تلعب أرض الكنانة الدور الثوري الفعال في المحيط العربي دفاعا عن المصالح العربية العليا لا المصالح المصرية الضيقة وتضييق التعاون والتنسيق مع يهود فلسطين المحتلة والقيادة الصليبية الاستعمارية في العالم .
ولا ننسى اللعبة الرياضية غير المفخرة بين البلدين العربيين الشقيقين الإفريقيين ، فمصر والجزائر تتبادلان التهم والسباب والشتائم بسبب لعبة مباراة كرة قدم نظمت في العاصمة السودانية الخرطوم ، لا تقدم ولا تأخر ، اللهم إلا استفزاز مشاعر الطرفين ، فبعد أن فاز الفريق الجزائري على شقيقه الفريق المصري ، في خريف 2009 ، شنت حرب إعلامية ونفسية غير مسبوقة بين الدولتين . ولتسديد الصاع صاعين ، لجأت مصر لبناء الجدار الفولاذي بدعم أمريكي سياسي واقتصادي ، بين قطاع غزة وسيناء ، لإحكام الحصار الجائر المفروض على أهل قطاع غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة بفلسطين المحتلة . ولا زالت جماعة الإخوان المسلمين محظورة في نواة نشأتها ، رغم وجود قرابة مائة نائب في البرلمان .. والحزب الوحيد الأوحد هو الحزب الوطني الديموقراطي بفرعونيته المعهودة .. إنها الحرية المفقودة .
والسجال في مصر حول توريث نجل الرئيس المصري جمال مبارك جار يسابق الريح على قدم وساق ، بين أخذ وجذب ، ومد وجزر وكل يدلي بدلوه ، وعملية الإلهاء متواصلة في مواضيع تافهة وفنية راقصة .. والجرائم منتشرة بشكل متزايد في أرض الكنانة ، دون رادع سياسي أو عسكري .. ومصر تلجا لتصدير خلافاتها الداخلية للردح الإعلامي ضد أخ عدو مفترض ، وهذه المرة جاءت الجزائر في مركز الصدارة .
وفي السودان ، لا زالت الخلافات الداخلية دائرة في غرب البلاد ( دار فور ) وفي جنوب السودان ، وكلها صراعات على أشياء وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع ، إما صراع على السلطة أو على الجاه أو على آبار النفط المكتشفة . ومحكمة الجنايات الدولية لم تستدع سوى الرئيس السوداني عمر البشير بدعاوى جرائم الحرب في دار فور ، وتتناسى هذه المحكمة الاستعمارية استدعاء مجرمي الحرب الصهاينة الذي عاثوا في الأرض المقدسة ( فلسطين ) فسادا وإفسادا ، أو استدعاء أباطرة الشر الأمريكان في العراق وأفغانستان والباكستان . والسودان مرشح للتقسيم والانقسام في أي لحظة بدعم إمبريالي غربي ، إذا لم تستيقظ الأمة العربية من سباتها العميق ، حيث تبرمج الخطط الاستعمارية المعادية لتقسيم السودان لأربع دول : الشمال والجنوب والشرق والغرب ، للسيطرة على منابع النيل ، والثروات الطبيعية والنفط المكتشف حديثا بمكيات هائلة وتفكيك أكبر دولة عربية مساحة باعتبارها السلة الغذائية المفترضة للوطن العربي الكبير ، والبوصلة العربية المتقدمة في قارة إفريقيا .

رابعا : الإتحاد المغاربي العربي .. أهل المغرب

يقول الله الواحد القهار : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) }( القرآن المبين ، البقرة ) . ويقول الله السميع العليم : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}( القرآن الحكيم ، البقرة ) .
وفي المغرب العربي ، المؤلف من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ، لم يعد هناك ما يسمى بالاتحاد المغاربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، على أرض الواقع للأسف الشديد ، فمثلا لا زال الصراع محتدما والاتهامات متواصلة بين الشقيقتين الجزائر والمغرب ، والخلاف حول الاستفتاء على الصحراء الغربية ، والحكم الذاتي الموسع لشعب الصحراء الغربية ، والبقاء تحت لواء المملكة المغربية أو الانفصال والاستقلال ، وكأن الوطن العربي بحاجة إلى تقسيمات جديدة لبتر وحدته ، فبدل التوحد تلوح في الأفق خرائط جديدة للعرب والمسلمين في المغرب العربي ، والصراع الأمازيغي – العربي ، يظهر بين الفينة والأخرى ، لينبش في الماضي والحاضر ، ويقزم الوحدة العربية في شمال قارة إفريقيا .
ففي المغرب ، يجب أن تكون البلاد وحدة واحدة موحدة بعيدا عن التقسيم الجغرافي جنوبي البلاد ، فلا داعي لخلق ما يسمى بالجمهورية الصحراوية ، فعليكم بالوحدة الجغرافية والسياسية ، وفق النظام الواحد ، والجميع مطالب بالوقوف أمام التغريب والفرانكوفونية والتمسك بأهداب الدين الإسلامي العظيم . ويفترض في المغرب محاربة الشواذ والشاذين وحظائر الدعارة المنتشرة في البلاد وتعزيز الأصول والمنابت الإسلامية وزيادة النماء الاقتصادي والاجتماعي ، وزيادة الترابط مع الأمة العربية ، والإنسلاخ عن الفرانكوفونية المقيتة .

ولا ننسى ليبيا التي فازت برئاسة الاتحاد الإفريقي ، واعتلت منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009 ، وتطالب بتفكيك سويسرا ، بسبب الخلافات الدبلوماسية بين البلدين ، وإساءة معاملة ابن القذافي ، وكأن الزعيم الليبي معمر القذافي يأس من تفكيك جامعة الدول العربية ، واتجه صوب سويسرا ، فلتفكك سويسرا ، ولكن فلتتجمع كل الجهود العربية أولا وقبل كل شيء ، بل ستستضيف طرابلس الغرب القمة العربية المقبلة في أواخر آذار – مارس 2010 آملين كل التوفيق والوفاق والسداد لهذه القمة العربية . والاستعراض الجديد جار بسرعة الريح لتمكين سيف الإسلام معمر القذافي من الإمساك بزمام مقاليد الحكم في ظل أبيه .
وتونس الخضراء ، بعد الانتخابات الرئاسية وإعادة انتخاب زين العابدين بن علي ، مطالب بالحفاظ على الوحدة التونسية ، والسماح بالتعددية السياسية والفكرية وإخراج السجناء السياسيين ، وعدم فرض العلمانية على الجميع ، ويجب تجنب فرض لباس معين على الفتيات والنساء التونسيات ، فهن أحرار في إرتداء الزي الإسلامي ، وهذه من أبسط مظاهر الحرية والتعددية . وتون سمطالبة بالتخلي كليا عن الفرانكوفونية الاستعمارية والتمسك بالأمة العربية ، ومحاربة الفاسدين والمفسدين في البلاد . وللأسف لقد سبقت تونس فرنسا في التعدي على حقوق المسلمين عامة والمسلمات خاصة ، فبأي حديث بعده يؤمنون ؟
والجزائر مطالب بالمحافظة على الإرث الثوري ، للمجاهدين ضد الاحتلال الفرنسي ، وضرورة الاعتذار الرسمي الفرنسي عن الحقبة الاستعمارية لبلد المليون شهيد . ويفترض العمل الحثيث على تنمية الاقتصاد الوطني وتوفير الحياة العزيزة الكريمة للجميع من عائدات النفط وعدم استئثار ثلة بسيطة بالثروات القومية للبلاد . والوئام المدني يفترض أن يعمم على جميع أنحاء الجزائر دون استثناء . وكذلك ينبغي تطييب العلاقات الأخوية مع المغرب كجارتين شقيقتين ، وشعبين متجاورين بالحفاظ على الحقوق الدينية والمدنية والاقتصادية للشعبين . ويجب أن تسود اللغة العربية على اللغة الفرنسية الأجنبية رمز الاستعمار والمستعمرين الفرنسيين ، ويجب القضاء على المظاهر الغربية عامة والفرنسية خاصة في الجزائر ، وملاحقة دور البغاء والدعارة بشكل صارم ، والحد من الأطفال اللقطاء في الشوارع ؟؟!!
وفي موريتانيا ، مالكم كيف تحكمون ؟ لماذا هذه الانقلابات العسكرية الدموية والبيضاء ، اتركوا عقلية القبلية وثوبوا إلى رشدكم !! واطردوا سفارة بني صهيون من نواكشوط ، فماذا ستستفيدون منها ؟ ستسلمون من التجسس الصهيوني عليكم في عقر داركم . والحقوا بالاتحاد المغاربي العربي الكبير ، دعوكم من الفتن والفوضى في البلاد . واستصلحوا أرضكم ولا تنابزوا بالألقاب بينكم . عودا على الأمجاد الإسلامية التي تحم لجمهوريتكم إسمها .

خامسا : القرن الإفريقي

وأما في الصومال ، فحدث و لا حرج ، لقد تشكل رئاسة صومالية برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد ، وتصدي جماعة الشباب المسلم للقيادة الصومالية بحجة موالاة أمريكا وإثيوبيا ، وعشرات القتلى والجرحى في الساحات العامة ، والفتن تنشب أنيابها الطويلة الكبيرة كأنياب الفيلة ، كفيله أبرهة الأشرم الحبشي ، وعدم تمكن الرئاسة والحكومة الصومالية من السيطرة إلا على جزء بسيط من أرض الصومال . وقراصنة الصومال بالمرصاد للسفن الآتية من البلاد النفطية والصناعات العسكرية ، المتوجهة بإتجاه البلدان الغربية . فإلى متى الفوضى والفلتان الأمني في هذا البلد العربي على القرن الإفريقي ، أما آن للشعب الصومالي العربي المسلم أن يعيش حياته الكريمة بعيدا عن القتل والدمار ؟؟؟
ولا ننسى جزر القمر ، التي تتعرض لهزات رئاسية وقيادية ، وتئن تحت هيمنة عسكرية بحرية استعمارية فرنسية مباشرة على جزر كبيرة منها ، بدعاوى إيجاد موطئ قدم للبوارج الحربية الفرنسية لمراقبة القرصنة الصومالية واحتجاز السفن الغربية عامة والنفطية خاصة وتحصيل الأموال المجزية من عمليات القرصنة .
وجيبوتي ، على باب المندب بين قارتي إفريقيا وآسيا ، تشكو همومها وغمومها ، في ظل التهميش والتقوقع وعدم الفعالية في الجامعة العربية أو الاقتصاد العربي . وهي مدعوة لطرد وإجلاء القواعد العسكرية الفرنسية منها للحفاظ على المنافذ العربية خالصة للعرب بعيدا عن قوى الشر والبغي الاستعمارية الكبرى . وهي مطالبة بزيادة ترابطها مع أبناء الأمة العربية والابتعاد عن الاستعمار الفرنسي .
على أي حال ، فلك الله العزيز الحكيم .. يا أيها المواطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي . ويا أيها المواطن العربي في شبه الجزيرة العربية ، وفي الهلال الخصيب ، وفي وادي النيل وفي المغرب العربي الكبير ، وفي القرن الإفريقي .. هل سنبقى نحلم بجواز سفر واحد .. وطائرة واحدة ، وقطار واحد ، وعملة واحدة ، وقائد واحد ، وعاصمة واحدة ، وجيش واحد ، وعلم واحد ، ومتى سيتحقق هذا الحلم في المنام أو في اليقظة ؟؟ ! .
وكان الله في عون الأمة العربية ، أمة القرآن المجيد ، نواة دولة المسلمين الأولى . فالوطن العربي نتخيله في الخيال العقلي والقلبي والوجداني والعاطفي ، بلا تبعات أخلاقية سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وفكرية وثقافية ونفسية وحضارية حتى الآن . ولا زال الحلم الحقيقي بتوحيد الأمة العربية الواحدة المجيدة من الطوائف السكانية والدينية والثقافية والحزبية ، فكرة تراود السواد الأعظم من أبناء هذه الأمة العربية البررة . ليعيش المواطن العربي بعزة وكرامة ووئام لا خصام مع نفسه وأشقائه وأسرته وجيرانه وأصدقائه وبني جلدته والعالم من حوله .

كلمة أخيرة ..
إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ

فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ

وأخيرا ، بإختصار شديد ، نريد أمة عربية واحدة بحق وحقيق ، ودولة عربية واحدة ، بولايات أو محافظات متعددة تخضع لرئيس واحد بغض النظر عن الأسماء والمسميات : ملك ، رئيس ، أمير ، خليفة ، فالمهم هو الوحدة في بادئ الأمر ، وستختار الأمة العربية بشعوبها في قارتي آسيا وإفريقيا شكل نظام الحكم ، وأظن أن نظام الحكم الإسلامي سيكون هو الأنسب والملائم ، والأجدى والأفضل للجميع في ظل الدستور الإلهي القويم ( القرآن المجيد ) بعيدا عن الدساتير الوضعية الأرضية . ولا نريد تطبيق خريطة ما يسمى ب ( الشرق الأوسط الجديد – الواسع أو الموسع ) من الإمبراطورية الاستعمارية الأمريكية الشريرة في التخطيط والبرمجة والتحويل والتدوير بأي حال من الأحوال بل نريد الوطن العربي الكبير والوطن الإسلامي الأكبر إن شاء الله تبارك وتعالى رب العالمين .
ولنتذكر جميعا قول الله العلي العظيم : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) . وورد في مسند أحمد - (ج 45 / ص 471) عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ فَقَالَ لِي وَإِنَّهُ لَنَازِلٌ عَلَيَّ فِي بَيْتِي بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ لَيُفْتَحَنَّ لَكُمْ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ أَوْ الرُّومُ وَفَارِسُ حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنْ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ الْغَنَمِ حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ هَامَتِي فَقَالَ : " يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ " .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأحد، 27 ديسمبر 2009

الذكرى الأولى للعدوان الكانوني الصهيوني على قطاع غزة 27 / 12 / 2008 – 2009

الذكرى الأولى

للعدوان الكانوني الصهيوني على قطاع غزة

27 / 12 / 2008 – 2009

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}( القرآن المجيد ، الأحزاب ) . وجاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 426) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " . حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ دَاوُدَ وَزَادَ وَنَقَصَ وَمِمَّا زَادَ فِيهِ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ " .

يصادف اليوم 27 كانون الأول 2009 ، الذكرى السنوية الأولى للعدوان الصهيوني على قطاع غزة ، جوا وبحرا وبرا ، حيث بدأ العدوان الغاشم على قطاع غزة الصغير بمساحته البالغة 363 كم2 ، والقليل بسكانه 1.5 مليون سنة ، الكبير بإيمانه بالله الواحد القهار ، والأكبر بمناجاته لله العزيز الوهاب .
لقد هجمت الطائرات الحربية الصهيونية المعادية على أبناء قطاع غزة ، ولم تميز بين الأطفال والنساء والكبار في السن ، ولم تميز بين أبناء قطاع غزة من شماله لجنوبه ، في جميع المحافظات من : جباليا وغزة ودير البلح وخانيونس ورفح ، ولم تميز بين أبناء حركة حماس أو حركة فتح أو الجهاد الإسلامي أو المستقلين أو غيرهم ، فكان الجميع تحت مرمى النيران الصهيونية الجوية والبحرية والبرية ، ولقد تجسدت الوحدة الوطنية الحقيقية على أرض المعركة .. ولات حين مناص ، فرضت الحرب على أهل السلام من أتباع الله السلام في الجناح الجنوبي من الأرض المباركة .. فكانت عدوانا غير مسبوق بهذه الكيفية والنوعية والكمية ، دون رادع أخلاقي أو ضمير إنساني ، أو عقيدة دينية .. فلم تسلم من الهمجية والوحشية العدوانية الصهيونية المتغطرسة جميع الكائنات الحية المتحركة .. يا لها من همجية في القرن الحادي والعشرين ، إنها همجية إرهابية من الاحتلال والمحتلين ، لقد دكت طائرات إف 15 وإف 16 الأمريكية الصنع ، وطائرات التجسس بلا طيار ، والبوارج الحربية الثقيلة ، والدبابات الميركافا 3 و4 من آخر طراز ، مستخدمة شتى أنواع وأشكال الأسلحة الصهيونية والأمريكية من الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية والقنابل من فئة وزن طن وغيرها من الأسلحة الفتاكة .. لقد دكت البيوت الآمنة والمدارس البائنة كالفاخورة دكا دكا وغيرها ، والجامعات كالجامعة الإسلامية والأقصى وغيرها ، والمقار الوزارية والمؤسسات المدنية ، وبيوت الله في الأرض ( المساجد ) .. ورغم الظلم والظلام والطغيان الصهيوني – اليهودي الحاقد على هذه الثلة من أبناء شعب الأرض المقدسة ، فقد صمد ورابط الناس ، ولم يخرجوا كما كان يظن البعض عبر سيناء ، وخابت توقعات المحتلين ، فالجميع فضل نيل إحدى الحسنين : النصر أو الشهادة ، على الهرب باتجاه سيناء المصرية ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ..
وفي سبيل الدفاع الشرعي عن النفس ، والدفاع عن الأرض والعرض والحياة الطبيعية لأهل فلسطين الأصليين ، ولأول مرة استخدم أهل قطاع غزة أسلحة صغيرة جديدة وصلت مسافة 60 كم باتجاه المستوطنات الصهيونية باتجاه التجمعات اليهودية عسقلان وأسدود وبئر السبع وبالقرب من تل أبيب وغيرها ، وتم ترحيل معظم سكان مستوطنة سديروت في فلسطين المحتلة عام 1948 ، شرقي قطاع غزة الأبي . وبالرغم من أن الحرب العدوانية الصهيونية التي استمرت ما بين الكانونين ، من 27 كانون الأول – ديسمبر 2008 حتى 18 كانون الثاني – يناير 2009 وعدم التوازن العسكري ، فإن توازن الرعب حدث للمرة الثانية في فلسطين الكبرى ، المرة الأولى إبان انتفاضة الأقصى المجيدة ، والثانية في العدوان الصهيوني بأسابيعه الثلاثة على قطاع غزة ، وقد لعبت الأنفاق الأرضية السرية ، دورا مهما في صمود الغزيين في جميع المدن والقرى والمخيمات بقطاع غزة هاشم الأشم .
فرغم الجراح النازفة ، ورغم الآهات والآلام والأحزان والهموم والغموم ، بقي قطاع غزة كبيرا صامدا مرابطا بأهله وناسه وأرضه ، وأبت العائلات الثكلى من أهالي الشهداء والجرحى ، إلا أن يبقوا مرابطين في أرض الرباط ولا بديل لديهم عن ذلك .
لقد تفرج العالم على قطاع غزة الأهل والأرض ، وهي تحرق بالأسلحة الثقيلة الصهيونية اللئيمة ، واستمر الفيلم الصهيوني – الأمريكي - العالمي لمدة 21 يوما ، وكل يوم يتم انتشال عشرات الأطفال من تحت الأنقاض بلا ذنب اقترفوه سوى أنهم يعيشون في هذه الأرض الفلسطينية الطيبة . فشلت أيدي الأعداء والمتفرجين من العرب والمسلمين وأمم العالم على السواء . فلقد هدمت مئات البيوت وهجرت آلاف العائلات الفلسطينية من بيوتها ونامت في المدارس والمساجد فلاحقتها ألسنة النيران الصهيونية المجرمة ، ولا زالت تفترش الأرض وتلتحف السماء ، والبعض منها بنى بناء من طبن ، والإسمنت ممنوع ، فيا له من إسمنت الجدار العنصري الفاصل المتواصل ليفصل بين أهل فلسطين .
وتداعى العرب وعقدوا مؤتمرا لنجدة قطاع غزة ، بل مؤتمرات سياسية واقتصادية وإعلامية ، في ثلاث مدن وعواصم عربية ، في قطر والكويت والرياض ، وتم تحديد ملياري دولار لمساعدة المنكوبين بالنكبة الثالثة في قطاع غزة ، ولم يصرف منها إلا الوعود تلو الوعود ، فلا أبنية رممت ولا مساجد أعيد بناؤها ، ولا وزارت بنيت ، والمساجد تعاني من نقص الأدوية والآلات والمعدات بعدما دمرت محطات توليد الكهرباء ، ورجع حوالي 35 ألف فلسطيني في هجرة ثالثة بعد الأولى بنكبة فلسطين 1948 ، والثانية 1967 ، وكأن نصيب أهل فلسطين الهجرة تلو الهجرة بفعل العدوان الصهيوني المتواصل . فتبا وسحقا لهذا العدوان ومن يتفرج عليه ويغذيه ويسانده بأي صورة من الصور ... لقد ضحى شعب غزة بحوالي 1600 شهيد ، وأكثر من 6 آلاف جريح ، المئات منهم جراحهم نجم عنها إعاقات جزئية أو كلية ، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
لقد صمد قطاع غزة ، بجميع أهله ، وحركاته وفصائله بلا استثناء ، وأنبتت الأرض والرمال الربيع بعد شتاء دامي وحامي ، بفعل أدوات الإرهاب التقليدية والحديثة من بين صهيون الطارئين الغرباء على هذه البلاد ، من آخر طراز من أنواع وأشكال الأسلحة المجرمة .. فانتصرت سياسيا ومعنويا وإعلاميا ( معركة الفرقان ) الفلسطينية على معركة ( الرصاص المسكوب الصهيونية ) في حرب شريعة الغاب اليهودية – الصهيونية المجرمة ضد أهل البلاد الأصليين ، ولم يعاقب المجرمون الصهاينة حتى الآن على أفعالهم القذرة النتنة ، رغم خسارتهم في الانتخابات الصهيونية الأخيرة كعقاب ذاتي داخلي ، في شباط 2009 ، فولى الفاسد إيهود أولمرت ، وذهبت الغانية تسيفي ليفني لزعامة المعارضة ، وبقي المارق الآبق إيهود باراك رغم وضع المضادات من العيار الثقيل من الباتريوت وغيرها كمصدات للصواريخ عابرة الحدود والقارات ، بالقرب من منزله . ورغم قرارات محاكم إسبانية وبريطانية وبلجيكية لملاحقة السفلة المجرمين إلا أنهم نجوا من الملاحقة القضائية الغربية ، وآخرها إلغاء زيارة ليفني إلى لندن خوفا وجزعا من إلقاء القبض عليها في بريطانيا منشئة الصهيونية في أرض فلسطين الأبية .. ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة كما يقول المثل الشعبي العربي .
لقد سحق الناخب الصهيوني زعيم الفاسدين والمفسدين من شياطين الإنس إيهود أولمرت ، وحلق حزب الليكود لحزب كاديما على الصفر وبانت عورتهما جميعا فاضطر الليكودي بنيامين نتانياهو للاستعانة بكبير المجرمين المتمثل في اليهودي الروسي إفيغدور ليبرمان لتشكيل التحالف الوزاري المقيت . وها هي الحكومة الصهيونية كعادتها لا زالت سادرة في غيها وتبتعد عن لغة العقل والحكمة وتغلب لغة القوة وتريد شن الهجوم مجددا على قطاع غزة بدعاوى واهية ، والسبب هو السبب ، رفض بني صهيون رفع الحصار والإغلاق الشامل على فلسطين ، ورفض منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين العتيدة المنتظرة لشعب محروم من بناء دولته منذ غابر السنين .
وهناك بعض العبر والعظات التي نستفيد منها في العدوان الصهيوني المركز على قطاع غزة طيلة 3 أسابيع ، بين الحرب الكانونية غير القانونية ، من أهمها :
أولا : ضرورة الاعتماد الفلسطيني على الذات الداخلية عسكريا واللجوء لحرب العصابات والكر والفر وعدم التقابل عسكريا لاختلال التوازن العسكري والحربي البشري والتسليحي .
ثانيا : ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية الحقيقية والاعتصام بحبل الله المتين والإسراع في توقيع ورقة المصالحة الجامعة بين الفلسطينيين كافة لإعادة الإعمار واحتضان المشردين في الشوارع بفعل الحصار الصهيوني التي تسبب في مضاعفة البطالة وقلة الأعمال .
ثالثا : ضرورة الإسناد الحربي والاقتصادي والمالي والإعلامي العربي والإسلامي والعالمي الخارجي . ويكون الإسناد المنشود رسميا من الجيوش العربية وليس بالقمم العربية المتعددة ، والإسناد شعبيا من الشعوب العربية لنصرة المستضعفين الفلسطينيين في الأرض .
رابعا : ضرورة امتلاك صواريخ مضادة للطائرات لصد الطيران المعادي ، والتلاقي البري في حرب المدن والشوارع وعدم الإنجرار في حرب مكشوفة لصد العدوان وتكبيد المحتلين أكبر خسائر بشرية ومادية ممكنة .
خامسا : ضرورة التحرك السياسي والدبلوماسي على جميع الأصعدة لرفع الحصار الصهيوني على فلسطين عموما وقطاع غزة خصوصا . وتفكيك الجدار الفولاذي المصري ظاهرا والأمريكي والصهيوني باطنا المنصوب ضد قطاع غزة .
سادسا : ضرورة إعادة تأهيل البنى التحية في قطاع غزة من الماء والكهرباء والشوارع وأبنية المدارس والمؤسسات والجامعات والمساجد والبيوت المدمرة .
سابعا : إن النصر المبين سيكون حليف المجاهدين المسلمين الساعين للدفاع عن النفس والأهل والأرض ، يقول الله العزيز القدير : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}( القرآن الحكيم ، الحج ) .
وأخيرا ، نقول رغم أنه لا يكفي القول المجرد ، سلام على أهل غزة هاشم جميعا ، أطفالا وشيبا وشبانا ، ذكورا وإناثا ، وسلام على أرض غزة ، وسلام على رمال غزة هاشم ، وسلام على البحر الأبيض المتوسط الذي يلطف الأجواء النيرانية العدائية الصهيونية ضد الأهل والشعب في قطاع غزة هاشم .. طوبى للصابرين والقابضين على الجمر في جميع أنحاء بلادي ، وطوبى وألف مرحى للمدافعين عن حمى المسجد الأقصى المبارك وجميع المساجد في بلادي من عدوان الأعادي ، وطوبى للمدافعين عن جميع سهول وجبال وهضاب وصحارى وأودية الأرض المقدسة ، وطوبى للذين ساهموا في وقف العدوان عليك يا بلادي ، بالتصريح والتلويح ، سرا وعلنا ، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا .. طوبى لك يا بلادي المرابطة ويا شعبي الأبي ، جوا وبرا وبحرا . ولك الله الواحد القهار يا قطاع غزة هاشم ، فهو العزيز الحكيم الذي سيحاسب جميع المتفرجين من شتى البقاع على أهل فلسطين البررة ، إن عاجلا أو آجلا ، فالله يمهل ولا يهمل . وكما يقول الله العلي العظيم عز وجل : { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

لمناسبة ذكرى الأعياد المجيدة .. الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

لمناسبة ذكرى الأعياد المجيدة ..

الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ

وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .

استهلال

يعتبر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، من الأنبياء والرسل من أولي العزم ، وهو رسول الله المرسل بد ولادته مباشرة ، حين كلم الناس في المهد ، فهو رسول مهدي وهو في سرير الولادة ، قبل بعثة المصطفى رسول الله محمد بن عبد الله بحوالي 610 سنوات . والفرق بين ولادته وولادة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حوالي 570 عاما ، وكانت ولادة المسيح عليه السلام بمدينة بيت لحم جنوب المسجد الأقصى المبارك بالأرض المقدسة ، بينما كانت ولادة خاتم الأنبياء والمرسلين في مكة المكرمة بالقرب من المسجد الحرام بالديار الحجازية المقدسة ، فكلاهما ولد في ارض مقدسة ، وكلاهما رسول نور مبين من الله العلي العظيم .
على العموم ، يبلغ عدد سكان الكرة الأرضية في مطلع 1431 هجرية ، 2010 ميلادية ، حوالي 6.8 مليار نسمة ، منهم 2 مليار نصراني من جميع الطوائف المسيحية في العالم ، الكاثوليك والأرثوذوكس ، واللاتين ، والأرمن ، والبروتستانت ، والموارنة ، وغيرهم وحوالي 1.57 مليار مسلم ، من السنة والشيعة وبعض الطوائف الصغيرة المنشقة ، و1.3 مليار صيني ( الشيوعية الحمراء بالصين وأشياعهم ) ، ونحو 1.1 مليار هندوسي وبوذي وشانتوي ، والباقي من المجوس والزرادشت والوثنيين وغيرهم . وبهذا فإن الأمة المسيحية بمختلف طوائفها هي الأمة الأولى في العالم سكانيا واقتصاديا وعسكريا .
على أي حال ، لقد انتقى واصطفى وطهر ، الله رب العالمين مريم ابنة عمران والدة المسيح عليهما السلام ، على نساء العالمين ، وطلب منها الإله سبحانه وتعالى القنوت والسجود والركوع لله العزيز الجبار . وفي مدينة الناصرة بشمال فلسطين ، الأرض المقدسة ، بشرت الملائكة مريم بكلمة من الله بغلام عبقري حيوي يولد لاحقا اسمه المسح ابن مريم ، ولا يلد من اقتران رجل مع مريم عليها السلام ، وسيكون هذا الرضيع ثم الغلام والكهل وجيها في الحياتين : الدنيا والآخرة ، ومن المقربين لرب العرش العظيم . ومن معجزاته الظاهرة أن يحدث الناس بالإسلام وعبادة الله وهو رضيع في المهد وعندما يكون كهلا بعدما يبلغ الثلاثين عاما . وهذا ما كان ، فكلم الناس في المهد وكهلا ، ودعاهم لعبادة الله الحي القيوم جل شأنه .

حمل وولادة مريم بالمسيح عيسى بلا أب ..
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا

قصة معجزات المسيح عيسى ابن مريم رسول الله طويلة ولكننا نختصرها ، بكلام الله عز وجل ، حيث يقول عن ذلك ، الله عالم الغيب والشهادة : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) }( القرآن العظيم ، مريم ) .
وبهذا نرى ، أن الله تبارك وتعالى ، من إكرامه لمريم العذراء البتول ، حملها بلا زوج بل بكلمة من الله ، فتمنت الموت قبل حملها لتصبح نسيا منسيا ، ولكن أنى لها ذلك ، فقد جعلها الله وابنها آيتين للناس ، ورفع لهما ذكرهما ، على مدر الدهور والعصور . وقد اتخذت مريم عليها السلام ، من مدينة بيت لحم ، بالأرض المقدسة ، مكانا لولادة نبي الله عيسى ابن مريم ، وهذا ما كان ، فوضعته ، وما لبث أن كلمها وليدها الصغير المبارك من تحتها ، وطلب منها عدم الحزن ، وأن تهز شجرة النخيل ( النخلة ) التي ولدت بقربها ، لتأكل منها رطبا جنيا ، وخاطبها بضرورة قيامها بالأكل والشرب وأن تقر عينها ، وأن لا تكلم إنسيا بصيامها عن الكلام وليس عن الطعام والشراب في صيام فريد من نوعه في موقف حرج وحساس ومؤلم لها لأن قصتها خارجة عن التصور البشري ، ولكنها بسيطة بقدرة الله القدير . وعندما جاء قوم مريم عليها السلام ، حملوا الطفل الرضيع ، المسيح عيسى ابن مريم ، باستغراب وإنكار شديدين ، إذ كيف تحمل مريم بلا زوج ؟ لقد اتهموها بالفاحشة ، والعياذ بالله ، وخاطبوها أن أباها لم يكن زانيا وكذلك لم تكون والدتها زانية فلماذا فعلت ذلك !!! فلم ترد عليهم بشيء ، بل أشارت لهم على المسيح الصغير المبارك ، ببركة الله الحميد المجيد ، فاستغربوا وفكروها إنما تسخر منهم وتستهزئ بهم وتضحك عليهم وتريد أن تتهرب من الإجابة ، فما لبث الغلام الصغير المبارك المسيح عيسى ، إلا أن بادرهم الكلام ، في معجزة أخرى ، بكلام مبارك وموزون ، فأعلمهم أنه عبد الله ، وآتاه الله العزيز الحكيم ، الكتاب ( الإنجيل ) وجعله نبيا مرسلا لهم ، وأخبرهم أن الله جعله مباركا أينما كان وذهب ، وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيا يرزق . فهدأ القوم ، وصدقوا مريم وصدقوا الطفل على مضض ، وإن كان بعضهم يبطن الخبث والخبائث والمكر والمكيدة بمريم ورضيعها عليهما السلام ولم يصدق حديث الطفل المبارك .

خلق المسيح عيسى ابن مريم

هناك رجلان إنسيان في العالم عبر التاريخ لم يخلقهما من أب وأم ، هما آدم عليه السلام ، حيث خلقه الله من طين ، ولم يكن له أب أو أم بل بكلمة من الله حيث خلقه من صلصال كالفخار ، يقول الله الحي القيوم عز وجل : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31))}( القرآن المجيد ، الحجر ) .
والرجل الثاني هو المسيح عيسى ابن مريم حيث خلقه من أم بلا أب ، في معجزة أخرى ، يقول الله المحيي المميت عز وجل : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }( القرآن المبين ، آل عمران ) .
وقد ولد المسيح عيسى ابن مريم ، عام 1 ميلادية ، حيث يتم التاريخ بميلاده العظيم ، وكان يحكم الأرض المقدسة ، ومنها مدينة بيت لحم ، الإمبراطورية الرومانية زمن الإمبراطور ( أغسطس ) . فكانت فلسطين هي المهد الأول للنصرانية بقيادة رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام . وكانت اللغة السائدة في فلسطين ، هي اللغة الآرامية ، حيث قدم المسيح تعاليمه ومواعظه بالآرامية ، بينما كانت اللغة اليونانية مستخدمة في بعض أرجاء فلسطين ، علما بأن اللغة السريانية كانت لغة أهل البلاد في وقت من الأوقات زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام .

وصايا الله لعيسى ابن مريم ومعجزاته

أوصى الله عز وجل عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم بعدة وصايا من أهمها :
أولا : عيسى ابن مريم عبد الله آتاه الكتاب وجعله نبيا ومباركا .
ثانيا : إقامة الصلاة .
ثالثا : إيتاء الزكاة .
رابعا : بر والدته مريم العذراء البتول عليها السلام ولم يجعله جبارا شقيا .
خامسا : السلام الثلاثي الأبعاد ( السلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) .
سادسا : أن يحل لهم بعض الذي حرم عليهم سابقا .
وقد ذكر الله في الكتاب العزيز على لسان المسيح عيسى ابن مريم ما أوصاه به : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}( القرآن المجيد ، مريم ) .
دعوة المسيح عيسى ابن مريم لبني إسرائيل

لقد دعا رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام أتباعه ( أنصاره إلى الله – المسلمون ) بتنفيذ عدة واجبات دينية إسلامية ، من أهمها :
أولا : أنه رسول الله مصدقا لما بالتوراة التي أنزلت على نبي الله موسى عليه السلام ، وذلك لأن دين الله واحد وهو الإسلام العظيم وبهذا من الضروري أن يتبعه قومه لدين الله في الأرض .
ثانيا : التبشير برسول يأتي من بعده اسمه ( احمد – محمد ) .
يقول الله الحق المبين تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}( القرآن العظيم ، الصف ) .
ويقول الله العلي العظيم عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) }( القرآن العظيم ، الصف ) .
ثالثا : التأكيد على عبادة الله وحده لأن هذا هو الصراط المستقيم .
جاء في الكتاب العزيز : { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) }( القرآن العظيم ، مريم ) .
رابعا : المجيء بالحكمة من رب العالمين .
يقول الله العزيز الحكيم : { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)}( القرآن المبين ، الزخرف ) .
خامسا : الإنباء عن الأكل والإدخار في البيوت :
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) .




المعجزات الربانية للمسيح عيسى ابن مريم

أمر الله العزيز الحكيم جل جلاله ، رسوله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، بتنفيذ ما سخره له ، ومن أهم المعجزات التي مكن الله بها المسيح لنصره على أعدائه ، وزيادة أتباعه وجعله مثلا لبني إسرائيل وبقية الأمم من بعده وبعدهم :
أولا : التأييد بروج القدس ، وتكليم الناس في المهد وكهلا ( شابا ما بين سن 30 – 50 عاما ) .
ثانيا : تعليمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل .
ثالثا : خلق من الطين كهيئة الطير والنفخ فيه بإذن الله فتكون طيرا بإذن الله الخالق البارئ المصور .
رابعا : إبراء وإشفاء الأكمه والأبرص بإذن الله الشافي الكافي .
خامسا : إخراج الموتى أحياء بإذن الله المحيي المميت .
سادسا : حمايته من بني إسرائيل الكفار .
سابعا : الإيحاء للحواريين للإيمان بالله وبرسوله ليكونوا مسلمين .
ثامنا : إنزال مائدة من السماء .
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)}( القرآن المجيد ، المائدة ) .
تاسعا : علم للساعة : والمقصود هنا أشراط الساعة وليس موعدها الدقيق .
يقول الله العزيز العليم : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)}( القرآن المبين الزخرف ) .

عدم قتل أو صلب المسيح ورفعه الله إليه

يقول الله العزيز الحكيم جل شانه : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)}( القرآن العظيم ، النساء ) .
لقد افترى الكفار كذبا ودجلا كبيرا ، حيث يزعم كفار بني إسرائيل المغضوب عليهم ، آنذاك في الأرض المقدسة ، أنهم قد صلبوا المسيح عيسى ابن مريم ، وقتلوه ، وصدقهم النصارى من بعده ، فضلوا ضلالا بعيدا ، فيبين الله عالم الغيب والشهادة ، القدوس ذو الجلال والإكرام ، أنه كرم المسيح ولم يمكن العصاة البغاة من صلبه أو قتله ، بل رفعه الله إليه ، وقد ألقى الله جل جلاله الشبه على شخص آخر فصلب وقتل بدلا عنه ، وهناك روايتين حول شبيه المسيح عيسى ابن مريم : الرواية الأولى : تقول إن الله تبارك وتعالى ألقى الشبه على الشخص الذي كان يقود عملية مطاردة المسيح ، فصلب هو بنفسه بدلا عن المسيح الحقيقي . والرواية الثانية : تقول إن المسيح طلب من أحد أتباعه ( الأنصار ) أن يفديه ويضحى من أجله ، فيلقي الله الشبه عليه ، ليدخل الجنة ، فلبى هذه التلميذ النجيب الدعوة فألقي الشبه عليه بقدرة الله ، فصلبه وقتله الكفار المغضوب عليهم ، فداء للمسيح عليه السلام ، وبقي المختلفون بصلب وقتل المسيح في شك من ذلك حتى الآن ، ويعلمنا الله العليم الخبير إن هم إلا يتبعون الظن وإن الظن لا يغني عن الحق شيئا ، وفي ثلاث كلمات مقدسة من الله صادقة كل الصدق ، ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) ، ثم تأتي آية أخرى لزيادة التأكيد الإلهي للبشرية جمعاء ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) ، فهل بعد هذا التأكيد قول ؟؟! لا والله لا بد من التصديق ، فالله هو الأصدق قيلا من جميع خلقه .
وللحج النصراني ( المسيحي – الصليبي ) بنى الصليبيون ، ثلاث كنائس رئيسية في فلسطين ، أنشأت زمن الإمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر ( 306 – 337 م ) باعتبار أن المسيحية هي الدين الرسمي للدولة وهذه الكنائس ، هي : كنيسة البشارة في مدينة بالناصرة في الجليل ، وكنيسة المهد في بيت لحم ، وكنيسة القيامة في مدينة القدس ، وذلك بإشراف الملكة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين ما بين عامي 326 - 335 م . فبنيت كنيسة القيامة ، للتعبير عن قيامة المسيح بين الأموات وصعوده للسماء ، وهذا غير صحيح إذ أنه لم يمت بل رفعه الله إليه حيا إلى السماوات العلى قبل موته وسينزل من السماء إلى الأرض ليموت لاحقا . وهناك ترب مسيحية كبيرة يطلق عليها ( حامي القبر المقدس ) . وحقيقة الأمر أنه لا يوجد قبر للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في الأرض بتاتا ، والقبر الذي تقام عليه كنيسة القيامة بالقدس المحتلة من بني صهيون ، هو قبر شبيه المسيح عيسى ابن مريم .
وفي سياق آخر ، تعلمنا الآيات القرآنية المجيدة الكريمة السابقة ، أن الله السميع العليم سبحانه وتعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا } . وتأكيد مستقبلي سيحدث مستقبلا ، إن عاجلا أو آجلا ، وهو إيمان حتمي لا ريب فيه ، من أهل الكتاب ( النصارى واليهود ) بالمسيح عيسى ابن مريم قبل نزوله على الأرض وموته ، قبل يوم القيامة .
وحسب الرواية الإسلامية الصحيحة فإن المسيح عيسى ابن مريم سيموت مثله مثل جميع الأنبياء والمرسلين ، ومثل جميع الخلائق من البشر والكائنات الحية ، ثم يتم دفنه إنطلاقا من الآية القرآنية المجيدة : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}( القرآن العظيم ، طه ) . وسيدفن جثمان رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، بالقرب من قبر المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة كما ورد في بعض الروايات ، والله أعلى وأعلم .
وجاء في آيات قرآنية مجيدة تؤكد الرفع والتطهير الرباني للمسيح عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) }( القرآن العظيم ، آل عمران ) .
وبهذا ، يؤكد الله جل شأنه في الكتاب العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من أمامه أو خلفه أو جانبيه ، مخاطبا المسيح عيسى ابن مريم ، بأنه سيتوفاه إليه ، والتوفي إلى الله هو غير الموت ، فلم يمت عيسى حتى الآن ، بل رفعه الله العلي القدير إلى السماء ، ومطهره من الكفار الأنجاس الأرجاس ، وتعهد إلهي قائم إلى يوم القيامة ، يتمثل بجعل أتباع المسيح عيسى ابن مريم ، عبد الله المسلم الذي أوصاه الله بالصلاة والزكاة ما دام حيا ، وجعل عليه السلام يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، بجعلهم فوق الكفار الملاحدة ، ثم إلى الله الرجعى والمنتهى فيحكم بين الجميع بالعدل فيما يختلفون فيه .

حقائق ثابتة وأقاويل زائفة وباطلة
في المسيح عيسى ابن مريم

أولا : بطلان عقيدة التلثيث بطلانا مطلقا ، فالمسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه ، والله إله واحد لا ثلاثة :
يقول الله الحميد المجيد جل ثناؤه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)}( القرآن المبين ، النساء ) .
ويقول الله الغني الحميد تبارك وتعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}( القرآن العظيم ، المائدة ) .
ثانيا : الله السلام المؤمن المهيمن ليس هو المسيح عليه السلام بأي حال من الأحوال :
يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) }( القرآن المجيد ، المائدة ) .
ويقول الله جل جلاله : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}( القرآن الحكيم ، المائدة ) .
ثالثا : المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ليس ابن الله العزيز الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد :
يقول الله الواحد القهار : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }( القرآن المجيد ، التوبة ) .
ويقول الله العزيز الحكيم سبحانه وتعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}( القرآن المجيد ، الإخلاص ) .

نزول المسيح عيسى ابن مريم
من السماء إلى الأرض

يقول الله الواحد القهار جل شأنه : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)}( القرآن العظيم ، النساء ) .
يؤكد لنا ، تأكيدا تاما مبرما ، الله العزيز الحكيم عالم الغيب والشهادة ، أن رسوله الكريم المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام ، سيؤمن به من أهل الكتاب وهم أتباع اليهودية والنصرانية الأخيرة ، من شتى الطوائف النصرانية ( المسيحية ) من اللاتين والكاثوليك والأرثوذوكس والبروتستانت والموارنة والأقباط وغيرهم ، ومن الطوائف اليهودية السفارديم والإشكنازيم وغيرهم ، في الأرض المقدسة وسواها من أرض الله الواسعة ، وهذا الإيمان البشري من أهل الكتاب ، يكون قبل موت عيسى ابن مريم ، وبما أن عيسى ابن مريم ، ولد بمغارة المهد في مدينة بيت لحم بالأرض المقدسة ( فلسطين ) فإنه سيرجع من الرفع العلوي السماوي إلى الأرض ويموت ، ويسبق ذلك إيمان الناس به ، وكسره للصليب الذي يتخذه الصليبيون الآن رمزا وشعارا لهم ، بألوان شتى ، وهي رمزية وهمية لا تستند إلى الواقع الفعلي والعملي بأي حال من الأحوال . وبشر الله كذلك بأنه سيجعل المسيح عيسى ابن مريم شهيدا عليهم . فهل بعد هذا البلاغ بلاغ ؟؟ حتما سينزل المسيح عليه السلام بصورة لا شك ولا تشكيك فيها ، والله أعلم .
جاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 462) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ " .
وفي رواية أخرى وردت في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 266) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 14 / ص 167) ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ : " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ حُجْرٍ دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ " .
وورد في مسند أحمد - (ج 18 / ص 445) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " .

تغلب المسيح ابن مريم على المسيخ الدجال

يمثل المسيح عيسى ابن مريم ، في نهاية الزمان ، الحق ويمثل المسيخ الدجال الباطل ، فيتصارع الحق والباطل ، فيتغلب الحق بقيادة المسيح عيسى ابن مريم على الباطل بقيادة الدجال الكبير ، بإذن الله العزيز الحكيم ، فيقتل المسيح عيسى المسيخ الدجال عند باب مدينة اللد بفلسطين ، الأرض المقدسة وينتهي راس الشر والأشرار في فلسطين والعالم .
جاء في سنن أبي داود - (ج 11 / ص 399) ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : " إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ قُلْنَا وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ " .
راجين للمسيح عيسى ابن مريم إقامة طيبة في السماء والأرض بحفظ الله ورعايته الأزلية . والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا .
والله غالب على أمره ولو كره الكافرون والفاسقون والملاحدة والمنافقون .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .