الاثنين، 10 مارس 2008

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

مصالحة حركتي فتح وحماس بفلسطين


د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية – فلسطين

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}( القرآن المجيد ، الحج ) .

إثر سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري والملاحقات العسكرية والإغلاق الأمني المزعوم والتضييق السياسي والدبلوماسي والحصار الاقتصادي الصهيوني المتصاعد يوما بعد يوم وتزايد جرائم ومجازر قوات الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين في فلسطين الكبرى عامة وقطاع غزة هاشم خاصة ، برا وبحرا وجوا ، ظهرت بوادر مصالحة وطنية فلسطينية بين أكبر فصيلين فلسطينيين على الساحة الفلسطينية ، وهما حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) . فقد توسطت السعودية سابقا بين الحركتين وتم الاتفاق برعاية سعودية على اتفاق ثنائي هو اتفاق مكة المكرمة في 8 شباط 2007 ، ولكنه سرعان ما انهار وانتهى بفعل عوامل وأسباب داخلية وإقليمية ودولية لا داعي للخوض فيه ونبش قبور الماضي القريب والسحيق . وفي 14 حزيران 2007 بعد اقل من مائة يوم على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، تفتت الوحدة الفلسطينية وذهبت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي ضمت معظم أطياف فلسطين السياسية أدراج الرياح . وأصبح لدينا ولايتين فلسطينيتين متباعدتين سياسيا واقتصاديا عدا عن البعد الجغرافي المفروض من الاحتلال الصهيوني ، واشتعلت الفتنة الأهلية التي قضى فيها مئات الفلسطينيين نحبهم والمئات الآخرين من الجرحى من أعضاء وأنصار الحركتين ومن لا دخل لهم بهذه المسألة . ثم جرت محاولات لرأب الصدع بين الأشقاء أو قل الأخوة الأعداء لفترة مؤقتة ستمر مر السحاب إن شاء الله إن جاز لنا التعبير من قبل جامعة الدول العربي أو القاهرة أو الرياض ، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل حتى الآن . وبعد الهجوم الوحشي الصهيوني على قطاع غزة هاشم في شهر شباط وآذار الجاري بسكانه المليون ونصف المليون نسمة هدأت الصراعات الفلسطينية الداخلية ، وتدخل بعض الأشقاء كاليمن السعيد في محاولة للتوحيد الفلسطيني تحت مظلة واحدة وراية فلسطينية واحدة وقلب فلسطيني نابض بالحياة واحد ، ومصير واحد ، ومحتل واحد ، وحياة واحدة وحصار وإغلاق صهيوني واحد .. تداعت وساطات عربية لتجميع الصفوف ولملمة الجراح ، ووقف نزيف الدم الفلسطيني الغالي . فالمبايعة للإسلام العظيم وحب فلسطين واجب ديني إسلامي وقومي ووطني في الآن ذاته ، على جميع الفلسطينيين أن يتمسكوا بها ويتبعوه دون انتظار أو تربص لبعضنا البعض . فالبيعة والمبايعة ضرورية بين الأخوة الأشقاء أخوة ورفاق الدرب الواحد نحو الحرية والاستقلال وتنسم هواء الحرية ، وليحل التفاهم والتعاون والوئام محل التناحر والانقسام والخصام . ولا بد من قطع دابر الكافرين من بني صهيون الذي يعتدون على الحرمات والمحارم الفلسطينية ليلا ونهارا ، دون وجه حق ودون مبرر ومن نافلة القول ، إن غياب لم الشمل والتفرق بين صفوف شعب فلسطين يؤدي به إلى الكارثة الوطنية الكبرى . فلنعمل بجد واجتهاد ونوايا خالصة وصادقة وأمينة لتوحيد الصفوف خدمة للوطن والشعب والقضية ، ولنجعل للود قضية وألف قضية . فلا وألف لا لاستمرار الفرقة والاختلاف والخلاف على مسائل وهمية وخيالية وخرافية ما أنزل الله العلي العظيم بها من سلطان . فنحو الوحدة وبالوحدة وللوحدة سيروا يا أبناء شعبي الفلسطيني العظيم المجاهد منذ أكثر من مائة عام في سبيل العزة والكرامة الشخصية والوطنية والعربية والإسلامية . . نداء الوحدة ينادي أين أولادي .. لا تتنازعوا وتفرجوا علينا الأعادي . . عودوا للحوار بين أبناء المجاهدين من الحركتين يا أمجادي .. ولا تبقونا في اسفل الوادي .. وأطووا صفحة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني واقهروا الأوغاد .. فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على إبليس وعلى جميع الشياطين من الإنس والجن .. بالأمس واليوم وغدا.. ويوم ينادي المنادي بين الخلائق يوم التنادي . فبادروا أيها الفاتحون المجاهدون ، من أبناء فتح وحماس على السواء ، لمبايعة فلسطين العربية المسلمة ، كما يقول الله الواحد الأحد الصمد : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }( القرآن المجيد ، الفتح ) .
على أي حال ، ظهرت مبادرة عربية جديدة لإجراء مصالحة سياسية بين الأخوة من حركتي فتح وحماس ، إنها مبادرة اليمن الجديدة القريبة من القلوب والعقول النيرة من أولي الألباب وممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه ، آملين أن تنجح هذه المصالحة بأسرع ما يمكن . ونقول للإخوة في الحركتين ، كما يقول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) . وكما جاء بسنن الترمذي - (ج 8 / ص 70) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ " . ونحو تغيير المنكر الصهيوني في أرض فلسطين المقدسة ، كماء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 167)
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " .
على العموم ، كشف مندوب اليمن لدى جامعة الدول العربية أن جميع الدول العربية أعلنت عبر مندوبيها الدائمين بالجامعة العربية تأييدها للمبادرة اليمنية الجدية ، واعتبرتها الأرضية الأسلم والأمن لرأب الصدع الفلسطيني . وتقوم المبادرة اليمنية العربية على سبع نقاط هي :
1. عودة الأوضاع في غزة هاشم إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري من حركة حماس على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية .
2. إجراء انتخابات نيابية مبكرة .
3. استئناف الحوار على قاعدة اتفاق القاهرة 2005 م .
4. العودة إلى تطبيق اتفاق مكة المكرمة 2007 م .
5. اعتبار أن الشعب الفلسطيني كل لا يتجزأ .
6. السلطة الفلسطينية تتكون من سلطة الرئاسة المنتخبة والبرلمان المنتخب والسلطة التنفيذية ممثلة بحكومة وحدة وطنية .
7. الالتزام بالشرعية الفلسطينية بكل مكوناتها .
وبرأينا هي خطوات وبنود جامعة شاملة موحدة نحو الوفاق والاتفاق الوطني في فلسطين ، جديرة بالاهتمام والتمسك بها وعض بالنواجذ عليها ، وتشابك بالأيدي لتطبيقها على أرض الواقع في بلادنا المقدسة المباركة .. ليتم لم الشمل الوطني الفلسطيني مرة أخرى وتأخذ قضية فلسطين العربية المسلمة مكانها الطبيعي على الساحتين العربية والدولية . وتحية لليمن السعيد الذي نأمل منه أن يسعدنا بتوحيد الصفوف بين رفاق الدرب وأبناء الوطن الفلسطيني الواحد والشعب الواحد وتتوحد الرايات والشعارات والأهداف .. فيما إخوة انتفاضة الأقصى المباركة ، في حركتي فتح وحماس ، يا من انطلقتم من أجل تحرير فلسطين الكبرى من بحرها لنهرها لتنال استقلالها وكرامتها وعزتها القطرية والقومية والإسلامية ، دعونا من الفئوية والحزبية والقبلية السياسية .. لا تقصونا عن الوحدة الوطنية بل قربونا منها ، ولا تقصونا عن المسجد الأقصى المبارك الذي ينادي الجميع ، هلموا وأنقذوني .. نسألكم ذلك بالله القريب . فلتشكل حكومة إنقاذ وطني تنقذ شعب فلسطين من الفرقة والفساد والتضاد ليسود الحب والعمل الجماعي والتعاون الكلي لشعب فلسطين الأبي كشعب أصيل من شعوب الأمة العربية صاحبة لغة الضاد .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .










ليست هناك تعليقات: