الاثنين، 10 مارس 2008

حواجز الاحتلال الصهيوني ..
والولايات الفلسطينية المتباعدة

د. كمال علاونه
دكتوراه علوم سياسية – فلسطين

يقول الله العلي العظيم : { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
يتنقل أبناء شعب فلسطين الأصيل في أرضه المحتلة في الاحتلال الثاني في حزيران 1967 وخاصة في محافظات الضفة الغربية متجولا بين المحافظات الفلسطينية بمدنها وقراها ومخيماتها ، فيواجه في وجهه حواجز للاحتلال العسكري الصهيوني عند مداخل هذه التجمعات السكانية لأهل البلاد الأصليين ، فترى طوابير الصفوف للشباب والفتيات والنساء والأطفال والكبار في السن ، وأحيانا يبلغ عدد الفلسطينيين الذين يصطفون عند هذه المراكز التجميعية اليهودية الترهيبية مئات المواطنين بدون مراعاة لحرية التنقل والتحرك للفلسطيني في أرض وطنه ، وتسمع أنين المرضى ، وصرخات الأطفال ، وتأوهات المارين متمنين الموت القريب على الذل والهوان من قبل الأعداء الأنذال الذين يصولون ويجولون في الديار الفلسطينية وكأنهم أهل البلاد . فانقلب الوضع الأمر هو المعتدي الصهيوني الآتي من بلاد ما وراء البحار ، والمواطن الفلسطيني صاحب الأرض الحقيقي هو المتلقي للأوامر العسكرية .
تقسيم فئات المواطنين
يحدث تقسيم لفئات العمر بين الفلسطينيين ، النساء في مسرب واحد ، والكبار في السن في مسرب آخر ، والشباب في مسار ثالث للمرور تحت أجهزة الكترونية متقدمة ، يطلق أهل فلسطين عليها ( معاطات الدجاج – وهي آلات تنظيف ريش الدجاج ) . وكذلك يتم تقسيم فئات الشباب إلى فئات الأعمار أعلى من 35 سنة ، أو 45 سنة ، وما دون أل 35 سنة يمنع مرورهم ، ومعظهم من طلبة وطالبات الجامعات الفلسطينية الباحثين عن العلم والمعرفة ، ويطلب من الذكور عند كل حاجز صهيوني في غالب الأحيان عندما يكون الوضع السياسي ساخنا ، رفع ملابسهم من الوسط لأعلى لإزاحة القميص أو الجاكيت وإبراز لحم الشاب ليرى الجندي المعتدي القاعد أو الواقف على الطريق ، هل توجد عبوة ناسفة أم سلاح كمسدس أو غيره على خاصرة هذا الشاب الفلسطيني ، وهذا إذلال ما بعده إذلال . والكبار في السن والأطفال عند حواجز قطاع الطرق يتمايلون ويموجون كموج مياه البحر الأبيض أو الأحمر أو الميت لا فرق ، بين الصفوف من شدة الإعياء والتعب ، فهذا يجلس تارة وهذا يقف تارة وذاك يجلس القرفصاء أو يستند على أحد أقاربه أو أصدقاته من طول فترة الانتظار . ولا يستثنى من التفتيش النساء والفتيات بل هناك غرف خاصة لتفتيش النساء ، بشكل شخصي بينما يتم تفتيش حقائب النساء بصورة دقيقة ، قد يستغرق تفتيش الحقيبة النسائية 10 دقائق أو أكثر أو اقل حسب الأمزجة والظروف السائدة في البلاد ودرجة الغليان في فلسطين على المعتدين .
شهادة حية على الحواجز الثابتة والمتنقلة
حاجز زعترة الصهيوني بين نابلس ورام الله
ففي حاجز زعترة الذي تلتقي فيه تقاطع طرق مخارج نابلس الجنوبية الرئيسية مع محافظة سلفيت ومحافظة رام الله ومحافظة أريحا ، بالاتجاهات الأربع شمالا وغربا وجنوبا وشرقا ، فيبدو هذا الحاجز اليهودي وكأن الوضع حدود بين دولتين ، يطلب فيها إبراز الهويات الشخصية لجميع ركاب الحافلات الكبيرة والمركبات الصغيرة من الفلسطينيين ، ومسألة المرور من عدمها تخضع لمزاج هذا الحاجز وإدارته العسكرية ، والأوضاع السياسية والعسكرية على الأرض ، وفي بعض الأحيان يمنع الشباب من الدخول والتنقل من محافظة لأخرى ، وفي جميع الأحوال يمنع دخول الفلسطينيين لمدينة القدس الشريف ، العاصمة السياسية والدينية لفلسطين العربية المسلمة ، وأحيانا يمنع جميع الفلسطينيين من المرور إلى رام الله باعتبارها العاصمة الإدارية للضفة الغربية ، أو بالعكس فيضطر مئات المواطنين من اللف والدوران خلف الحاجز الصهيوني والويل ثم الويل لمن تقبض عليه دورية صهيونية ، من قطاع الطرق المنتشرين هنا وهناك خلف التلال وبالقرب من المستعمرات اليهودية ، حيث يلعبون به الكره ، كرة الطائرة أو اليد أو القدم أو جميع هذه الأنواع ، وتصفد يديه برباط بلاستيكي يشد بعضه بعضا ، وتصفد أرجله ، ويتم تغطية عينيه بقطعة قماش أو قطعة من ملابسه أو شريطة تعصب بها عينيه ، ويوضع في براكية زينكو أو منطقة الحجز ، على مرأى من الناس أجمعين ، وقد يوضع في حفرة محفورة كخندق تحت الأرض لا يرى فيها أحدا ولا يراه أحدا ، عدا عن السباب والشتائم ، وقد يلقى في غياهب السجون بتهمة خرق الأوامر العسكرية وحالات الطوارئ الصهيونية وتشكيل خطر على الأمن الصهيوني المزعوم .
حاجز بيت ايبا الصهيوني بين نابلس وطولكرم
في الحاجز العسكري الصهيوني قرب قرية بيت ايبا غرب نابلس الذي يفصل مدينة نابلس عن مدينة طولكرم ، اللتان تبعدان عن بعضهما البعض 35 كم ، حدث ولا حرج ، صفوف وطوابير طويلة في ساعات الصباح والمساء للقادمين والمغادرين ، وأجهزة مرور الكترونية ، للتفتيش والتنبيش ، فيضطر الفلسطيني لخلع حذائه أو قشط وسطه أو وضع مفاتيحه أو جهازه الخلوي جانبا لتفحصه آلة السادية والإرهاب الصهيونية . وفي حالة مرور المركبات أو الحافلات الحاصلة على ترخيص من مكاتب الإرتباط الإسرائيلية فان السيارة تقترب من الحاجز بناء على أمر عسكري من جندي الاحتلال الصهيوني الذي جرى استيراده من إحدى القارات في العالم ليمارس التعذيب النفسي والجسدي على الإنسان الفلسطيني في ارض الآباء والأجداد . وهناك سيارات الشرطة الإسرائيلية التي تقتنص سائقي المركبات الفلسطينية وتحرر لهم المخالفات الباهظة الثمن ، تتراوح مابين 250 دولار – 500 دولار أو أكثر بحجج واهية .
وتجربتي الشخصية أثناء مروري على أحد هذه الحواجز الصهيونية يتم إنزال جميع ركاب الباص أو الحافلة كبيرا وصغيرا ذكرا وأنثى ، ويتم التدقيق في بطاقات الهوية الشخصية ، والتفتيش للحقائب الصغيرة والجامعية ويتم استخدام الكلاب البوليسية للتفتيش داخل هذه الباصات ذات الخمسين راكبا أو الشاحنات أو الباصات الصغيرة الحجم ذات العشرين راكبا أو السبعة ركاب . ويحدث كثيرا عندما أكون في مركبة عمومية تقل سبعة ركاب أن يتم إنزال جميع الركاب ، وإعادة البعض منهم أو جميعهم حسب المزاج الصهيوني وحسب الوضع الأمني في البلاد . وهذه الحواجز تبدو للناظرين ، وكأن الوضع عبارة عن حدود سياسية تفصل بين دولتين ، أو ولايتين : ولاية ( مدينة ) نابلس وولاية ( مدينة ) طولكرم ، ولا يخفى على أحد أن هاتين المدينتين هما توأم واحد في التبادل التجاري والثقافي والاجتماعي والصحي بكل الشؤون العامة والخاصة للمواطنين الفلسطينيين . فمدينة نابلس عاصمة جبل النار ، نار الثورة والشهامة والإقدام ، هي أيضا العاصمة الاقتصادية لفلسطين كما يطلق عليها أهل فلسطين ، الأصليين في المنابت والأصول عبر الأجيال والعقود ، أجيال البشر وعقود الزمن . تتعرض هذه المدينة خصوصا ومحافظة نابلس بمدينتها ومخيماتها وقراها عموما لهجمة صهيونية شرسة ، سياسية واقتصادية وعسكرية ، فنرى تباري وزراء حكومة الاحتلال في زيارتها والاطلاع على أوضاعها ، فضربت قوات الاحتلال اقتصادها كجزء من الاقتصاد الوطني الفلسطيني المترنح بين الضعف والهشاشة بفعل التضييق والإغلاق والحصار الشامل . فالمرور والخروج من نابلس صعب بشكل كبير ، وكثيرا ما تحاط نابلس بحواجز عسكرية صهيونية من الجهات الأربع ويمنع الدخول والخروج بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة . ويتم نصب حواجز عسكرية يهودية متنقلة طائرة كالدبابات والمجنزرات والجيبات الصهيونية في الشوارع والقواطع الأساسية . فالموظف والعامل والطالب الذي توجه لمركز عمله أو مصنعه أو جامعته خارج المدينة أو داخلها لا يستطيع العودة لبيته والنوم عند أهله في القرية أو المدينة أو المخيم بسبب مراكز قطاع الطرق الصهاينة المنتشرة في المناطق . وهذا يسبب إرهاقا فوق إرهاق لهؤلاء الغلابى من بني قومي من أهل الأرض المقدسة ، التي بارك فيها المولى جل جلاله . فأصبح الفلسطيني غريب في وطنه ، وكأن المحافظات الفلسطينية أصبحت ولايات فلسطينية متباعدة غير متحدة بفعل الإرهاب الصهيوني المتواصل .
سادية الحواجز الصهيونية
السادية تعني التلذذ بعذاب الآخرين ، لقد أدت الحواجز العسكرية الصهيونية إلى ألحاق الأذى الكبير بأبناء فلسطين الأصليين ، بينما المستوطنون يصولون ويجولون في بلاد كنعان المباركة ، دون حسيب أو رقيب . ومن أهم الآثار السلبية الناجمة عن حواجز الاحتلال الصهيوني :
1. فصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها البعض ، والاستفراد بها ، من الإغلاق والتضييق والحصار ، والمطاردات الساخنة لأحرار فلسطين ، حتى في ظل وجود مناطق خاصة للسلطة الوطنية الفلسطينية . فأضحت هذه المحافظات ، عبارة عن ولايات أو جزر برية متباعدة غير متماسكة ولا يسمح بالمرور عبرها إلا بإذن صهيوني .
2. تدمير الاقتصاد الفلسطيني ، وزيادة تبعيته للاقتصاد الصهيوني المدعوم غربيا . وقد تسببت هذه الحواجز الاحتلالية في منع انتقال أو تسرب البضائع والسلع الضرورية للحياة العامة ووقف استجلاب مواد الخام اللازمة للتصنيع ، وعدم التمكن من التصدير لخارج فلسطين بسبب سيطرة الاحتلال على المعابر الفلسطينية .
3. الإغتراب الاجتماعي بين الأهل والأحبة . فلم يعد بإمكان الفلسطيني التنقل بسيارته بل عليه مجبرا التنقل من سيارة لأخرى ، والمرور بالحاجز الذي يفصل بين المدينتين الفلسطينيين أو القريتين وهكذا . وفي مرات عديدة تطلب مني شخصيا الوصول من نابلس لجامعة فلسطين التقنية بطولكرم التي أعمل أستاذا فيها أن اركب ست سيارات بفعل وجود خمسة حواجز ما بين نابلس وطولكرم .
4. تعطيل وتأخير الفلسطينيين عن أعمالهم وجامعاتهم ومستشفياتهم . فالطلاب الجامعيون والموظفون والعمال ، ذكورا وإناثا ، يذهبون لأعمالهم في ساعات الصباح الباكر عند السابعة والنصف صباحا ، ويعودون عند ساعات العصر على الساعة الثالثة أو الرابعة مساء ، فكثيرا ما يتأخر هؤلاء العاملون عن مواعيدهم ، لساعات وساعات ، ولا تستغربوا إن قلت لكم إن التنقل ما بين نابلس وطولكرم بمسافة 35 كم ، تحتاج لفترة زمنية طويلة ، قد تستمر ثلاث أو أربع ساعات أو أكثر ويتم اللف لمسافات طويلة برية غير مسفلتة للوصول إلى نقطة بعيدة عن نقطة حاجز قطاع الطرق الصهاينة بما يصل نحو نصف كيلو متر . وأحيانا يتم تدريب جنود الاحتلال بشكل حي على توقيف أعمال الحاجز بحجج واهية ، منها الإدعاء بوجود تهديد أو بلاغات تنذر بضرب الحاجز الاحتلالي بعملية فدائية أو وجود جسم مشبوه ، قنبلة أو حزام ناسف مع أحد الشباب الفلسطينيين ، فيتم إغلاق الحاجز الصهيوني طيلة ساعات النهار ، وأحيانا لمدة أربع ساعات أو ست ساعات على الأغلب ، لإحضار المقاتل ( الإنسان ) الآلي الصهيوني لتفجير الجسم المشبوه عن بعد ، وفي غالب الأحيان كان يتم إطلاق الرصاص الحي من المقاتل الآلي على الجسم المشبوه فيظهر أنه عبارة عن كيس زبالة ، ويشك معظم الفلسطينيين ، بأن هذه مسرحيات وتدريبات حية في أمكنة الحواجز التعجيزية ، فانظروا كيف يتم تضييع وقت أهل البلاد الأصليين من الغرباء الطارئين ؟
5. قتل كل فلسطيني يشتبه بأنه يحمل شيئا غريبا ، أو يركض للإمساك بطفله وتلافي دهس ابنه من سيارة جيب صهيونية فيركض لإنقاذ ولده من حادث الدهس فيلقى الفلسطيني حتفه بدعوى أنه هدد الأمن على الحاجز الصهيوني .
6. أدت الحواجز العسكرية التي تفصل بين القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية في ارض الوطن الفلسطيني ، إلى زيادة البطالة وإلى فقدان آلاف المواطنين الفلسطينيين لأعمالهم وترهل وضعضعة الاقتصاد بسبب التدهور الاقتصادي والسياسي وغياب الأمن والأمان على النفس والأهل والشعب . وكذلك أدت هذه الحواجز إلى تراخي العلاقات الاجتماعية والزيارات العائلية وحتى نجم بسبب حواجز قطاع الطرق عشرات إن لم يكن مئات حالات إطلاق سنويا بسبب عدم تمكن الشاب والفتاة من التواصل وعدم رغبة أهل الفتاة أو الشاب في الزواج من شريكة حياة بعيدة عن المنطقة التي يعيش فيها الأهل .
7. أدى جدار الفصل والعزل العنصري الصهيوني على تشتيت عشرات آلاف العائلات الفلسطينية . فهو يعزل كليا بين الأهل والأحبة وأبناء البلدة الواحدة .
على الإجمال ، إن حواجز الاحتلال الصهيوني هي حواجز سادية تمارس عقلية المعازل الجغرافية والفصل العنصري ، وتطبيق سياسة الغيتو التي كانت مطبقة ضد يهود أوروبا ، ولكن أسقطت هذه المعازل الجغرافية والسكانية على شعب فلسطين . وكنت ذات مرة أعمل في مدينة رام الله التي تبعد عن مدينتي نابلس بنحو 55 كم ، فقد توجهت في ساعات الصباح الباكر للعمل في رام لله ، عندما كنت مديرا للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي إبان انتفاضة الأقصى المجيدة ، وصلت عند الثامنة صباحا ، وعند انتهاء الدوام ، كان الإغلاق المشدد على مدينة رام الله ، فلم نستطيع الخروج ، دخلنا ، ولم نخرج إلا في ساعات متأخرة من المساء ، عبر طرق التفافية جبلية .
ولا يخفى على كل فلسطيني يجتاز حواجز الإذلال والإهانة الصهيونية أنه كلما عقدت أو أعد لجلسة مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تشتد أزمة الحواجز في الضفة الغربية المحتلة التي يزيد عدد الحواجز الثابتة والمتنقلة الطيارة عن 500 حاجز ، فيلقى الفلسطينيون التجبر والقسوة المضاعفة ، ويعاني أصحاب الحواجز الصهيونية المنصوبة في الأرض الفلسطينية من رعب لا مثيل له ، فأيديهم دائما على الزناد احتسابا لتعرضهم لطعن بسكين فلسطيني أو إطلاق نار عن قرب أو عن بعد . ويتم تغيير الورديات في الحواجز يوميا وهذا يؤخر القادمين والمغادرين بالاتجاهين من محافظة لأخرى . ورب قائل يقول ، لماذا لا يقيم ويعمل كل فلسطيني بمحافظته ، فنقول ، إن فلسطين بلد صغير ومن يعمل في محافظة لمحافظة لا يستغرق القدوم والمغادرة من وإلى هذه المدينة وتلك فترة زمنية أكثر من ساعة أو أكثر بقليل . كما إن فلسطين مترابطة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا ولكن الاحتلال الصهيوني جزأها لمعازل وجزر متباعدة عن بعضها البعض ( كانتونات متباعدة ) بفعل التدخل العسكري الصهيوني .
وحدث ذات مرة في شباط 2008 أن توجه باص فلسطيني يقل نساء فلسطينيات يبلغ عددهن نحو 50 إمرأة واجتاز حاجز حوارة جنوب بنابلس لإحياء حفلة زفاف لأحد الشبان من قريتي عزموط فصعد جنود الاحتلال لتفتيش الباص وإخراج النساء والأطفال منه ، فرفضت هؤلاء النسوة إبراز البطاقات الشخصية أو النزول من الباص وأخذن بالغناء مرددات : على الهيش الهيش ، على الهيش الهيش ، اجعلوها بدون تفتيش ، اجعلوها بلا تفتيش ، فخجل جنود الاحتلال ولم يفهموا معاني العبارات وفكروا أنهن يغنين ، ولم يعلموا أن هذه مسبات واستهزاء بجنود الاحتلال ، وكلمة الهيش يقولها الفلاحون الفلسطينيون للحمير للتوقف عن النهيق أو المرافسة ضد الآخرين . فاجتاز الباص بفضل الله ورحمته . وينطبق على هؤلاء الساديين الصهاينة قول الله تبارك تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} ( القرآن المجيد ، الجمعة ) .
وعلى الجانب الآخر ، وهو الجانب الإيماني المتجدد بالصحوة الإسلامية المتصاعدة في أرض الرباط ، كثيرا ما يردد الفلسطينيون أدعية إسلامية لاجتياز حواجز الاحتلال بأمن وأمان ، منها : قراءة سورة الفاتحة والإخلاص ، والمعوذتين ، وأوائل سورة يس ، غيرها . ويلجأون لترديد جمل ثبت أنها تعمى أبصار الأعداء كان النبي العربي المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها عند النوائب منها : كما جاء بصحيح مسلم - (ج 14 / ص 293) : ( اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ) . وشاهت الوجوه ، واللهم نجنا من القوم الظالمين وسواها . ونقول بهذه المناسبة : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( القرآن المجيد ، التحريم ) . وقل يا أيها المسلم وأنت موقن بالإجابة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)} ( القرآن المجيد ، المؤمنون ) .
فيا أهل فلسطين ممن يجتازون يوميا حواجز الاحتلال الصهيوني الثابتة أو المتنقلة ، عليكم بالصبر والجلد ، وعدم اليأس والقنوط ، فالصبر مفتاح الفرج ، فلا تقنطوا من رحمة الله ، وسيجعل الله من بعد عسر يسرا ، ولا داعي للحسرة والندامة ، على أي شيء ، فالحياة جد وجهاد واجتهاد ، وأيامها محدودة ومعدودة . وهذا الابتلاء الرباني بهؤلاء الساديين سيزول إن عاجلا أو آجلا . وكما يقول الله جل جلاله : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)}( القرآن المجيد ، الزمر ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، من أرض السلام والرباط الإسلامية ، فلسطين المباركة .

ليست هناك تعليقات: