الأربعاء، 19 مارس 2008

فلسطين بين أنياب مملكتين خاطئتين .. صليبية ويهودية ؟ !

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية - فلسطين


يقول الله جل جلاله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}( القرآن المجيد ، الحج ) .

توالت الاحتلالات على أرض فلسطين المباركة ، منذ غابر الأزمان وسكنها من الكنعانيين العرب الأوائل ، لأهميتها الدينية والتاريخية والجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية والسياسية العامة ، فخضعت للاحتلال الروماني واليوناني والفارسي والصليبي الأوروبي والبريطاني والصهيوني اليهودي . وقد ترك احتلالين بصماتهما البائنة بينونة كبرى على هذه الأرض المقدسة من رب العباد ، فهي أرض الله لعباد الله الأخيار والعاقبة للمتقين .
البصمة الأولى البارزة هي : إنشاء المملكة اللاتينية وعاصمتها أورشليم بعد الاحتلال الصليبي عام 1099 م حيث قتل الصليبيون نحو سبعين ألف مسلم قضوا نحبهم في باحات المسجد الأقصى وأكناف بيت المقدس ، واستمر هذا الاحتلال فعليا حتى عام 1187 م عندما أنعم الله جل جلاله على الأمة الإسلامية بقائد فذ يسمى يوسف بن ايوب الكردي من تكريت العراقية أطلق عليه حركيا عبر المسيرة الإسلامية المظفرة صلاح الدين الأيوبي الذي أصلح بحق وحقيق شؤون الأمة ووحدها لمجابهة ومجاهدة الغزاة الأشرار على المشرق العربي عامة وفلسطين العربية المسلمة خاصة ، فأعد العدة وجهز جيشا انطلق من دمشق وعسكر في طبرية البحيرة والمدينة في قرية حطين حيث اندلعت معركة فاصلة بين الحق والباطل انتصر فيها المسلمون نصرا مبينا مؤزرا وهزم فيها الصليبيون الأشرار شر هزيمة وكان ذلك في تموز 1187 أطلق عليها فيما بعد معركة حطين الخالدة . وقد أسر جيش المسلمين ملك المملكة اللاتينة الخاطئة المدعو غي لوزنيان وقتل صلاح الدين الأيوبي بسيفه أرناط أحد قادة الصليبيين البارزين الذين كانوا يعترضون سبيل حجاج بيت الله الحرام للحج والعمرة جنوب الأردن في الشوبك والكرك وبعث بعثة لنبش قبر المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد تحطمت المملكة اللاتينية التي استولت على جميع أرجاء فلسطين الكبرى ، بعد معركة حطين واسترجع الأيوبيون معظم بلاد كنعان المقدسة بعد أن مكثت تلك المملكة الصليبية الخاطئة مدة 88 عاما فعليا . وغني عن القول ، إنه في تلك الحقبة من الزمن التي مرت على فلسطين كانت من أحلك الظروف واصعبها واشدها باسا على أهل البلاد الأصليين ، إذ قسم الصليبيون الفرنجة المسجد الأقصى المبارك الإسلامي إلى عدة أقسام : جزء كنيسة وجزء ملاه ليلية ، وجزء اسطبل للخيول وجزء مخازن للأعلاف ، وعاثوا في الأرض فسادا وإفسادا قتلوا العباد في البلاد وشردوهم ونكلوا بهم وعذبوهم جماعيا وفرديا ، ولكن الظلم انتهى بسرعة وكأن شيئا لم يكن ، سوى ذكريات التاريخ الأليم لتلك الشرذمة الصليبية الفرنجية الحاقدة على الإسلام والمسلمين . وكانت ذرائع الصليبيين لاحتلالهم فلسطين ، بأنهم يريدون أن يحرروها من أهلها الأصليين الذين أطلقوا عليهم المسلمين المنشقين عن الصليبية النصرانية ونادوا بتخليص الأرض المقدسة من أيدي المسلمين بدعوى أنها أقاليم الكتاب المقدس . وكان ما كان وذهب وجاء الزمان وتغيرت الأحوال وتوالت العقود والقرون وجاء بصمة ثانية ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة الحزينة على أرض فلسطين المباركة للمسلمين . وتجدر الإشارة إلى أن الوجود الصليبي انتهى نهائيا في فلسطين عام 1144 م .على زمن نجم الدين أيوب .
والبصمة الثانية على فلسطين هي بصمة الاحتلال اليهودي الصهيوني الإسرائيلي الذي تمكن من السيطرة على البلاد والعباد في أرض الإسراء والمعراج بفعل مساعدة الاحتلال البريطاني ليهود العالم للقدوم إلى فلسطين منذ احتلال بريطانيا لفلسطين ما بين الأعوام 1918 - 1948 . ففي عام 1948 اندلعت حرب فجائية غير متكافئة هزم فيها العرب وانتصر الأعداء اليهود الغرباء الطارئين على الديار الفلسطينية لأسباب عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية عامة وخاصة ، محلية وعربية وإقليمية ودولية . ارتكبت عصابات المنظمات اليهودية المجازر ومارست الإرهاب والقتل الكثيف والإعتداء الصارخ ضد أهل البلاد الأصليين فاضطر نحو مليون عربي فلسطيني أن يغادروا أرض آبائهم وأجدادهم على شكل نزوح داخل الوطن الفلسطيني بعيدا عن الإرهاب الصهيوني ، وعلى شكل لاجئين خارج فلسطين هجروا إلى لبنان وسوريا والأردن ومصر وغيرها من الدول العربية . واكتملت صورة الاحتلال اليهودي لفلسطين بعد الاستيلاء على البقية الباقية من فلسطين فيما يعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران عام 1967 في حرب خاطفة ومفاجئة للعرب . واقيم الكيان اليهودي - الصهيوني - الإسرائيلي فيما يعرف ب ( دولة إسرائيل ) وهي المملكة الثانية الخاطئة في تاريخ فلسطين ، بتجمع اليهود الآتين من جميع أنحاء المعمورة حيث أتوا من 102 دولة من قارات العالم المختلفة ، يتحدثون 82 لغة من لغات العالم الحالي ، وبهذا فإن الجاليات اليهودية في فلسطين سيطرت بقوة الإرهاب على مقدرات البلاد وحكمت السكان الأصليين بالحديد والنار وفق سياسة ( القبضة الحديدية ) وصادرت السواد الأعظم منالأراضي الفلسطينية وشيد نحو 1400 مستعمرة يهودية في فلسطين الكبرى من بحرها لنهرها حتى الآن . وهذه المملكة اليهودية الخاطئة هي كيان مصطنع غريب عن المشرق العربي ، فيبدو الكيان اليهودي كجزيرة صغيرة وسط المحيط البري العربي ، تقع على هامش الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط . أقيمت دولة اليهود كما دعا إليها تيودور هرتزل مؤسس المنظمة الصهيونية وحكم العباد في هذه البلاد بالقوة والتسلط والعنف والإرهاب الدامي باستخدام الطائرات والبوارج الحربية والدبابات المؤللة بعدد كبير جدا ، فأصبحت هذه المملكة الخاطئة تهدد جميع جيرانها كتهديدها الداخلي لأهل فلسطين، كما خطط لذلك بلفور البريطاني صاحب الوعد المشؤوم الذي تبنى المقولة اليهودية العنصرية السخيفة بأن لليهود حق تارخي وديني مزعوم في فلسطين المباركة ، وبأن الاحتلال الفلسطيني لما يسمى بارض إسرائيل يجب أن ينتهي بطرد جميع السكان الفلسطينيين الذي يحتلون أرض ( يهودا والسامرة ) عنوة كما يصرح به عادة زعيم حزب الليكود الحالي ورئيس الوزراءاليهودي السابق بنيامين نتانياهو وزعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان . وها هي العقود تمر لتصبح نصف دزينة من العقود تضم في ثناياها 60 سنة على احتلال البلاد الفلسطينية من الأعداء ويبدو أن العالم داعم ومتهافت كتهافت المتهافتين على التطبيع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي وبناء العلاقات الطبيعية مع هذه المملكة الاستعمارية الخاطئة ولم تبرز معطيات جديدة على الأرض سوى المزيد من العذابات لأهل البلاد الأصليين ، عقابات جماعية وفردية تتمثل بالحصار والإغلاق السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي بمعنى وصل الظلم لأعلى سقف له ، وصعد على الزاوية العليا للمثلث المتساوي الأضلاع وبالتالي فإن الهبوط المفاجيء والمدوي سيكون قريبا سواء على شكل سحل بسيط كمشي السلحفاة أو متلون ومتعدد كتلون الحرباء المتقلبة الأمزجة في ظل المعطيات والمتغيرات الراهنة وتبعات حرب صيف 2006 بين ما أطلق عليه بعض العرب آنذاك المغامرون وبين أعتى واقوى جيش استعماري في المنطقة ، ومن هنا نقول إن النهاية أزفت ، كما تأزف الآزفة القريبة غير البعيدة . فهل يا ترى ستنشب الحرب قريبا بين مجاهدين جدد ( مغامرين ) والصهاينة اليهود ؟ وهل هذا الصيف سيشهد مواجهة بين حزب الله اللبناني وقوات الاحتلال اليهودي في أرض فلسطين المباركة ؟ وخاصة بعد اغتيال مغنية القائد العسكري لحزب الله في الأرض السورية ورد الصاع صاعين كما تعودنا عليه من المقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله ؟ وفي ظل تهديد إيران بمسح دولة اليهود في فلسطين عن الوجود أو عن الخارطة السياسية للعالم ؟ أم هل ستنتهي المملكة اليهودية الخاطئة كما انتهت الممكلة اللاتينة الخاطئة سابقتها التاريخية ؟ الدلائل القرآنية والفكلية تشير إلى نهاية الكيان اليهودي في أرض فلسطين بعد 74 سنة شمسية بمعنى في ربيع أو صيف 2022 م ، وهذا ما نادى وينادي به بعض المفكرين والمحللين لإعجاز القرآن المجيد الرقمي ، وما يحلله بعض الفلكييين باستعمال مذنب هالي .
ويبقى قولا لا بد من التذكير به ، وهو هل من الممكن أن يتم اعتقال واسر قيادة الجاليات اليهودية بفلسطين وتصفيد ايديهم وارجلهم وقتل البعض منهم ووضع البعض الآخر في غياهب السجون الإسلامية أو الفلسطينية ؟ أمثال أيهود أولمرت رئيس عصابة الحكومة اليهودية الحاكمة في مدينة تل الربيع الفلسطيني المحتلة ( أو ما يطلق اليهود تل أبيب ) وأيهود باراك قائد الميليشيات الاحتلالية المسلحة المسمى بالجيش الإسرائيلي ؟ هل هذا حلم يراود الفلسطينيين والعرب والمسلمين على حد سواء ، نعم هذه هي الحقيقة ، ستنتهي مملكة اليهود الخاطئة كما انتهت مملكة الصليبيين اللاتينية الخاطئة قبلها بمئات السنين ، والتاريخ يعيد نفسه ولكن بأسماء ومسميات جديدة وبتواريخ جديدة ولكنها صورة طبق الأصل أو شبيهة على الأقل لما جرى مع الصليبيين القدامى . وذلك لأن الظلم والإرهاب اليهودي تصاعدت وتيرته ، وكل شيء إذا ما تم نقصان . وستعمى القلوب التي في الصدور وستعمى الأبصار التي في الرؤوس لدى الجاليات اليهودية هذا ما نقوله وسيقوله التاريخ قريبا إن شاء الله العزيز الحكيم ، وبالله المستعان ، وإن غدا لناظره قريب . وكما يقول الله العلي العظيم الحي القيوم : { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
فيا ايها الفلسطينيون النشامى .. يا من صنعتم الانتفاضات والثورات المتلاحقة ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين المباركة ، يبدو أنكم على أبواب انتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة ، بعد انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى ما بين الأعوام 1987 - 1994 ، وانتفاضة الأقصى المجيدة ما بين الأعوام 2000 - 2006 ، ولكن بعد توحيد جهودكم ، وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ، خاصة في ظل استمرار العدوان اليهودي على أهل البلاد الأصليين ، وعدم اعترافهم بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطين العربية الإسلامية العتيدة ، فاستعدوا وأعدوا ، ونقول لكم كما يقول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: