الأربعاء، 19 مارس 2008

الدعاية والحرب النفسية

الجمعة,آذار 14, 2008
الدعاية والحرب النفسية
تعليقات يومية ناقدة - فلسطين العربية المسلمة
الدعاية والحرب النفسية
Propaganda & Psychological war face
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية - فلسطين
يقول الله جل جلاله : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
سنتطرق في هذا المقال السياسي لكيفية المواجهة بين طرفين ، ندين أو غير ندين ، وكل منهما يحاول صرع الآخر والتغلب عليه ، من ناحية نفسية مسبقة ، أو موازية لحرب عسكرية أو اقتصادية أو غزو ثقافي مبرمج . وغني عن القول ، إن من يتقن فن الدعاية والحرب النفسية هو من يستطيع الفوز إن عاجلا أو آجلا ، فالحرب خدعة ، والصابر المجاهد والمجالد للأعداء هو من يكون يستشرف النصر المبين على الأعداء الضالين والمغضوب عليهم من قبل الأمة وقبل ذلك من رب العالمين . فالإنسان موقف ومواجهة سلبية كانت أو إيجابية . وكل الإعداد ليوم الحسم جارية على قدم وساق ، فالجهاد الإعلامي مهم جدا إن لم يكن هو راس الحربة في الدفاع عن الأمة والمقدسات والرموز الإسلامية . فيا معشر الإعلاميين والقادة لا تنسوا البوق الإعلامي الموجه والمسخر لخدمة الجميع ، جميع أبناء الأمة الإسلامية ، كونها خير أمة أخرجت للناس ، بشهادة خالق الخلق أجمعين ، وهو القوي المتين القاهر لعبادة في كل وقت وحين من الأولين والأوسطين والآخرين . وفيما يلي استعراض سريع لمكونات الدعاية والحرب النفسية ، لنستفيد منها ونستخدمها في مقارعة ومجاهدة الغزاة المحتلين وصد الحملات الشرسة المسعورة على الإسلام والمسملين ، وفي مقدمتها بلاد العرب في كل ظرف وحين .
أ)أهداف الدعاية :
تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في عملية الدعاية الفكرية والفلسفية والسياسية والدبلوماسية والعقائدية لنظام سياسي أو حزب سياسي أو تنظيم جماهيري أو ثورة من الثورات للتأثير على المستمعين المراد إيصال المعلومات والبيانات السياسية إليهم وفق سياسة إعلامية مبرمجة ، إضافة إلى شن حملة نفسية واجتماعية ضد سياسات معينة معادية للنظام السياسي في الدولة أو معادية ومناهضة للثورة ، وذلك بهدف إضعاف عزيمة العدو وتثبيط همته ، أو إثارة الكراهية والحقد وبث التشكيك وزرع عدم الثقة على نظام سياسي أو جماعة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو دينية .
وأصبحت الدعاية و الحرب النفسية من الأمور الشائعة بين الدول والثورات في الوقت الحاضر ، ولهذا نجد جهاز الدولة أو الثورة أو الحزب يسعى لإنشاء محطات الإذاعة والتلفزيون أو السيطرة عليها بكافة الطرق والسبل المباشرة أو غير المباشرة ، وجرت العادة على تراشق التهم بين الدول عبر وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو عبرها كلها مجتمعة ، كأسلوب من أساليب الحرب النفسية الخارجية ضد النظام المعادي . وتستخدم مختلف طرق الحرب النفسية كقوة هجومية أو دفاعية أو رادعة بأساليب الترغيب الدبلوماسي تارة والترهيب باستخدام القوة العسكرية والحصار الاقتصادي تارة أخرى بالإغواء والاستهواء لتحطيم الروح المعنوية لجهة معينة أو شعب من الشعوب بالتسلل إلى نفسية الناس . وبناء عليه ، يمكننا القول إن الدعاية تهدف إلى بناء الذات وتعزيز الثقة بالنفس والتعبير عن المشاعر الجياشة في نفسية الإنسان والذات الوطنية العامة .
كما أن الإعلام يلعب دوراً نفسيا من الناحية الايجابية محلياً ، في بناء الاتجاهات السياسية في المجتمع أو الدولة ، عن طريق تقديم الخدمات الإخبارية والثقافية الشاملة على مدار الساعة ونقل ما يستجد من أحداث ، وتوعية الشعب وحثه على المشاركة في الحياة السياسية العامة والانتخابات النيابية والمحلية من خلال الندوات والمهرجانات والمحاضرات واللقاءات والحوارات والأحاديث الإعلامية للمسؤولين على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم . وبهذا يمكن اعتبار أسلوب الحرب النفسية سلاح ذو حدين ايجابيا وسلبيا للتأثير محليا وإقليميا وعالميا ، على الشعب وعلى الأعداء ، قد يؤتي مردوده بعد فترة بسيطة من الوقت أو فترة زمنية قد تكون قصيرة الأجل أو متوسطة الأجل أو طويلة الأجل .
ويتبوأ الإعلام دورا مميزا في الترويج لمذاهب أو إيديولوجيات معينة ، لتحقيق غايات وأهداف مرسومة ، فالصحافة والإعلام بشكل عام ، تعمل على نشر وإذاعة وترويج أفكار معينة حول مسالة أو موضوع معين لتحقيق مآرب معينة في نهاية الأمر ، تكون قد أعدت العدة لها مسبقا .
ب) عناصر الدعاية
على العموم ، تتركز الدعاية والحرب النفسية على عنصرين أساسيين ، هما :
1. إبراز قوة المرسل الذي يشن الحملة الإعلامية من النواحي الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية والمقدرة على مواجهة الصعاب رغم قسوة الظروف للدفاع عن مبدأ أو مبادئ محددة مهما يحتاج ذلك من ثمن مادي ومعنوي ، واستعراض مظاهر القوة للدولة أو النظام أو الثورة أو الجماعة والاستشهاد ببعض الأمثلة الحية ، لتعبئة أفرادها ومناصريها من جهة ، وزعزعة الثقة بمقدرات الآخرين المستهدفين بالحرب النفسية الإعلامية ، من جهة ثانية .
2.التركيز على مظاهر الضعف العام للعدو ( المتلقي المقصود ) ، بكافة السبل المقنعة للجمهور بإيراد الحجج والبراهين الملموسة بتواريخ وأرقام إحصائية محددة ، وقد تجرى الاستعانة ببعض المناصرين السابقين للعدو والذين لجأوا إلى معاداته بسبب خلافات إيديولوجية أو فكرية أو سياسية أو دينية طارئة ، وذلك بهدف النيل من المعنويات العامة وتثبيط الهمم ، عبر ترديد الرسالة الإعلامية الموجهة باللغة التي يفهمها المتلقي وعدم استخدام الرموز المبهمة وغير المفهومة . وتتركز الحرب الدعائية على عدة مقومات ، أهمها : البساطة ، الإثارة والتشويق وجذب الانتباه ، القابلية للتصديق ، صلة المادة المباشرة بالناس المخاطبين ، التوافق وعدم التناقض ، الترديد والتكرار ، واستخدم لغة العدو ، واستخدام شعارات رمزية ثابتة أو متحركة . وكثيرا ما تلجأ الدول إلى إنشاء أجهزة متخصصة تقسم إلى دوائر وأقسام كوكالات متخصصة في الشؤون العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والنفسية وفق تخطيط وتوجيه ورقابة مبرمجة لشن الحرب النفسية بإشراف خبراء متخصصين متمرسين . والدعاية هي الجهود المتعمدة التي يلجأ إليها الداعية لإرشاد أو توجيه أو تطويع أفعال وأفكار جماعة من الناس أو شعب من الشعوب . ويستخدم الداعية ( الفرد أو الجماعة ) الرموزSymbols كالكلمات والإيماءات والإعلام Flags والصور والتماثيل والموسيقى وسواها . وحسب لاسويل فان الدعاية تشتمل على عنصرين أساسيين هما :
1) الجهود الواعية المقصودة .
2) التوجيه والتطويع .
ج) أنواع الدعاية : تشتمل الدعاية على الترويج ( Agitation ) وقد تشتمل الدعاية كافة أشكال الاتصال . وهناك عدة أنواع للدعاية هي :
أولا : الدعاية السياسية : تهدف إلى الاتحاد أو العمل الجماعي لإقناع الناس بالتغلب على الفردية والأنانية لمصلحة جماعية ( نظام حكم ، حزب سياسي ) تؤثر على أولئك الذين لديهم اقتناع كلي أو جزئي تعطي قوة وسلطة للمشاعر الشعبية والقومية العامة .
ثانيا : الدعاية التجارية ( الاقتصادية ) : تحسين صورة منتج معين أمام الجمهور ، وتقديم نصائح سارة للمستهلك .
ثالثا : الدعاية الاجتماعية : الدعوة إلى مبادئ معينة وسلوك اجتماعي معين بين الناس .
د) أشكال الدعاية : أما بالنسبة لأشكال الدعاية فتشتمل على نوعين هما :
1) الدعاية المكشوفة : وتسمى الدعاية البيضاء White Propaganda ، يعلن فيها الداعية عن نفسه أي أن مصدر الدعاية معروف .
2) الدعاية المقنعة : وهي الدعاية المستترة وتسمى الدعاية السوداء Black Propaganda وهي دعاية لا يعرف مصدرها .
هـ ) وسائل الدعاية : أما بشأن وسائل الدعاية فتعتمد على أربع وسائل أساسية هي:
1) المطبوعات : الصحف والمجلات والكتب والنشرات والمنشورات وإعلانات الجدران والملصقات والبوسترات وغيرها .
2) الوسائل السمعية أو المنطوقة ( خطب أغاني ، أناشيد وطنية ، شائعات وحملات الهمس ) .
3) الوسائل البصرية المرئية ( التماثيل ، والصور الفوتوغرافية ، وأشرطة الفيديو والعلامات والآرمات والإعلام والرموز والشعارات ) .
4) الوسائل السمعية والبصرية التي تجمع الصوت والصورة مثل : السينما والتلفاز والمسرح والاستعراضات والمواكب الجماهيرية والمشاهد ) ولهذه الوسائل تأثيرات أكثر من الأخريات .
و) أساليب الدعاية : تتعدد أساليب الدعاية لتشمل عدة وجوه هي :
1) الأساس الفكري للدعاية – العار والخزي .
2) الإثارة – تهييج الرأي العام .
3) تقسيم الأدوار ( المنظم ، المحرض ) .
4) الاعتماد على الفضائح .
5) شعار الدعوة – تخليص الفكر من رواسب معينة .
6) الثقافة والتعليم : توفير مواد ثقافية وتعليمية .
ولهذا نرى ، أن كل الحروب الخفية والعلنية في هذه الأيام والقرون الخالية ، لجأت وتلجأ لاستخدام الدعاية والحرب النفسية ، ضد الأعداء الظاهرين والباطنين ، هذا ما كان وما زال وسيكون مستقبلا ، فالحرب سجال ، وكل طرف يحاول كسب المعركة ، وهذه هي سنة الحياة ، بالأيام متداولة بين الناس ، كما يقول الله جل جلاله : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}( القرآن المجيد ، آل عمران ) .

ليست هناك تعليقات: