السبت، 15 مارس 2008

الحملة الشعبية الفلسطينية .. لمقاطعة الانتاج الصهيوني

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية - فلسطين

يقول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)}( القرآن المجيد ، المائدة ) .

الحملة الوطنية الشعبية لمقاطعة الانتاج الصهيوني هي تحد نفسي واقتصادي للاحتلال حتى القدس والعودة والاستقلال الوطني الناجز في الأرض المقدسة ، وكانت الحملة الوطنية الشعبية الفلسطينية لمقاطعة المنتجات اليهودية التي تصنع في المستعمرات اليهودية كافة ، انطلقت في مختلف محافظات الوطن الفلسطيني ، وطن الاباء والاجداد من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه لتشمل كل ما هو صهيوني غرس حقده الدفين لاقتلاع شعبنا العربي المسلم من وفق ثرى وطنه الطهور . وتأتي هذه الحملة الشعبية العامة في مراحلها المتتالية والتي بدأت مرحلتها الأولى عند بزوغ فجر انتفاضة الأقصى المجيدة في 28 أيلول 2000 ، وتتابعت في مرحلتها الثانية منذ الأول في شباط 2001 حسب ما قررته القوى والوطنية والإسلامية كرد فعل وطني مضاد للحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال الصهيوني لفلسطين : الوطن والشعب ، ومن ضمنها الحرب الاقتصادية .. وإن المعركة المربعة الأضلاع ، السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية التي تدور رحاها الآن في أرضنا الطيبة هي حرب بين الحق والباطل .. الحق الفلسطيني المتمثل في حق تقرير المصير والحق في الأرض وإقامة دولة فلسطين العربية المسلمة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على منهاج النبوة الشريفة ، والعودة للاجئين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم لأول الحشر والتهجير الاستعماري الصهيوني لهم في نهاية نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 والعدوان اليهودي على العرب عام 1967 ، والباطل الصهيوني الذي أنشب أظفاره وأنيابه لينش كالوحش المفترس من الجسد الفلسطيني فوق أرضه المباركة .. إنه صراع بين الشعب الأصيل والجاليات اليهودية الدخيلة كأناس طارئين غرباء .. صراع بين الغزاة الطامعين المحتلين وبين أهل البلاد الأصليين .. وإن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة إن شاء الله تبارك وتعالى .

على أي حال ، إن توسيع حملة مقاطعة المنتجات اليهودية الصهيونية ومنع تسويقها في السوق المحلي الفلسطيني هي حرب فتاكة ضد الاقتصاد اليهودي في هذه البلاد وسيساهم في التخلص من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الصهيوني حيث أن شعبنا الفلسطيني يستهلك ما قيمته نحو أربعة مليارات دولار سنويا من الانتاج الصهيوني على اختلاف أشكاله وأنواعه إذ يستخدمالسلع الصهيونية أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في أرض فلسطين الكبرى . وتكتسب حملة مقاطعة البضائع الصهيونية في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ شعبنا الفلسطيني أهمية كبرى لرفض الاحتلال بكل أشكاله وصوره ، هذا الاحتلال الذي عاث ويعيث فسادا وإفسادا في أرض فلسطين الكبرى دون وجه حق ، فعمل على اتباع سياسة العقاب الجماعي ضد ابناء شعبنا المجاهد ويحاول تضييق الخناق والإغلاق الاقتصادي والعسكري والسياسي علينا صباح مساء .. فيلجا تارة إلى قتل مئات المواطنين العزل وجرح عشرات الآلاف منهم وأسر آلاف أخرين أيضا . واتباع اسلوب تدمير الممتلكات الفلسطينية من المباني والعقارات وجرف الأراضي المزروعة بهدف تشديد الحصار الاقتصادي على هذا الشعب المرابط فوق ثرى وطنه تارة أخرى . إن الحرب العدوانية الشاملة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على شعبنا الفلسطيني المرابط تحتاج لاقتصاد وطني مقاوم يشارك فيه الجميع لأن الأمر بحاجة إلى تضافر كافة الجهود المخلصة من أجل إزالة غمة الاحتلال البغيض لتنقشع كما انقشعت في العديد من قارات العالم . وتتمثل هذه المشاركة من مختلف الشرائح الاجتماعية الفلسطينية في التقليل التدريجي لاستهلاك المنتجات الصهيونية تمهيدا لمقاطعتها نهائيا وكليا وتنحيتها جانبا والاستعاضة عنها في نهاية المطاف بالبديل الوطني الفلسطيني .. والتجار في بلادنا المباركة مطالبون بعدم ترويج منتجات الأعداء الذين سلبوا أرضنا الطيبة وما زالوا يلاحقوننا في انتاجهم لاستكمال الاستغلال الاقتصادي والاضطهاد السياسي والظلم الاجتماعي والحرمان الثقافي .

على العموم ، إننا من خلال استهلاك الانتاج الوطني في كافة المجالات والميادين الزراعية والصناعية والتجارية في البيوت والمدارس والجامعات والوزارات والمؤسسات العامة وفي كل مكان ، فإننا نساهم في أن تعمل المنشآت الاقتصادية الوطنية الفلسطينية بكامل طاقاتها مما يساهم في تقليل حدة البطالة التي تضاعفت وايجاد فرص عمل للباحثين عن عمل اولا ولنتحاشى التعرض لسموم منتجات الاحتلال الصهيوني الفاسدة التي تصدر لنا من المستعمرات الاستيطانية اليهودية فوق ارضنا ثانيا .
وغني عن القول ، إن شعبنا العربي المسلم في مسيرته التاريخية المظفرة منذ مطلع القرن العشرين الماضي ولغاية الآن يطالب بالحرية والاستقلال الوطني بكل ما في الكلمة من معنى سياسي واقتصادي وسينتصر حتما بإذن الله العزيز الوهاب ، لأن إرادة الشعب هي من إرادة الله جل شأنه . وفي سبيل الحرية والانعتاق الوطني قدم شعبنا العظيم قوافل الشهداء والجرحى والأسرى . وكان آخر هذه القوافل في انتفاضة الأقصى وما تبعها من مجازر صهيونية ضد الفلسطينيين في غزة هاشم خلال العام الجاري في شباط 2008 ، وقد شارك في هذه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي أرعبت المحتل ولقنته دروسا لن ينساها كامل فئات الشعب العظيم وفئاته وفصائله وحركاته الإسلامية والوطنية ضد المحتلين للأرض الفلسطينية الطيبة .. ارض الإسراء والمعراج .. أرض المسجد الأقصى المبارك فيه وحوله حيث استشهد نحو ستة آلاف شهيد وجرح أكثر من ستين ألفا آخرين واعتقل عشرات الالاف في تلك الانتفاضة الباسلة ، كونها ثورة وهبة جماهيرية شعبية امتدت من رفح جنوبا وحتى جنين شمالا ومن الناصرة في قلب الوطن حتى حيفا ويافا وغيرها من المدن الفلسطينية .
فليكن شعارنا دائما : لنأكل مما نزرع .. ونلبس مما نصنع .. وإن المقاومة لن تخضع .. وستكون المشاركة من الكبار في السن وحتى الأطفال الرضع .. وأن نشارك في انتاج طعامنا اليومي ولباسنا ما استطعنا الى ذلك سبيلا ، ولتكن حربنا الشعبية جماعية لأن ( يد الله مع الجماعة ) كما قال رسول الله قدوتنا صلى الله عليه وسلم ، للوصول الى الاستقلال الاقتصادي إلى جانب الاستقلال السياسي ، وليبارك الله العزيز القهار لنا في انتاجنا اليدوي والتقني .. وفي النضال والجهاد ضد الاحتلال والمحتلين .
ولنساهم في بناء اللبنات الاقتصادية الصلبة اللازمة لبناء الاقتصاد الوطني القادر على المواجهة والصمود أمام الهجمات المعادية .. ولتكن هذه الشهور والسنين عجافا على المحتلين لمقاومة الحصار والتجويع المفروض على شعبنا ولنتعود على استهلاك كل ما هو فلسطيني أولا ، فإن لم يتوفر المنتج الوطني فلنتحول الى المنتج العربي وإن لم يتوفر فلنتجه الى استهلاك المنتجات المصنعة التي نستوردها من البلاد الاسلامية ولنمتنع عن استهلاك كل ما هو منتج صهيوني ، لأن المنتج الاحتلالي يذكرنا بعملية الاقتلاع اليومية المبرمجة التي تحاول اتباع سياسة ( التفريغ والملء ) ، تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها واقتلاع مواردها الاقتصادية وملئها بالمستعمرات الاستيطانية السرطانية التي تحاول القضاء المبرم على كل من حولها من أهل الأرض الشرعيين وزرعها بالمستعمرين وشجر الغرقد الملعون . ولا تنسوا ايها المرابطون في ارض الرباط أن شراء اي سلعة صهيونية يساهم في جلب قنبلة وصاروخ يقتل به البرياء من أبناء شعبنا .
ومهما يكن من أمر ، فإن عملية المقاطعة الاقتصادية يجب أن يشارك فيها كافة أبناء الشعب العربي الفلسطيني المسلم المرابط من القوى والفعاليات الوطنية والاسلامية والمؤسسات والهيئات والنقابات والاتحادات الشعبية والمهنية ، وذلك على نطاق فردي وجماعي وشعبي عام بتشكيل اللجان المختصة بمقاطعة المنتجات الصهيونية والغربية الظالمة لشعب الجبارين في فلسطين العربية المسلمة .. كل في موقعه ولنعمل على إلغاء الوكالات التجارية للشركات والمصانع والمنشآت الصهيونية في فلسطين .. ولنعمل على إزالة الدعايات التي تروج للمنتجات الاحتلالية .. ولنقف صفا واحدا موحدا في مواجهة الرياح السوداء الاحتلالية التي تهب علينا وتحاول تدمير كل ما بناه شعبنا المجاهد ليعيش حرا أبيا مرفوع الهامة والكرامة والعزة والكبرياء العام .
ولتكن مبادئ حماية الانتاج الوطني الفلسطيني .. الزراعي كالحبوب والخضار والفواكه واللحوم والألبان والمشروبات الغازية الخفيفة .. الخ . والصناعي كالمواد الغذائية والمعلبات والسكاكر والحلويات والملابس .. الخ . لتوفير الأمن الغذائي الوطني والأمن والاستقرار النفسي وبالتالي توفير مقومات الصمود الاقتصادي والمعيشي ولتصبح من أولى الأولويات لكافة ابناء الشعب الفلسطيني أينما كان وحيثما وجد في الداخل وفي الشتات ، وذلك للوصول إلى الاكتفاء الذاتي الفلسطيني الشامل وترسيخ لبنات البنية التحتية الاقتصادية الفلسطينية ومحاربة وحوش الغابة الاقتصادية الاحتلالية الصهيونية الغريبة عن شعبنا وأرضنا .
وأخيرا نقول ، إن البضاعة الفلسطينية هي أكثر أمانا واطمئنانا من كافة النواحي الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية حيث أن الكثير من المنتجات الغذائية الصهيونية تضم موادا سامة محرمة إسلاميا ، وكذلك فإن البضائع الفلسطينية أقل سعرا وجودتها تضاهي جودة البضائع الصهيونية والأجنبية الأخرى ، إن لم تكن متفوقة عليها خاصة وأن الكثير من منتجاتنا الوطنية قد حازت على ميزات المواصفات الدولية المتعارف عليها . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فإن عملية الحاق الهزيمة بالأعداء ونيل الاستقلال الوطني تتطلب تقوية الاقتصاد الوطني والشعبي الفلسطيني كخطوة مضادة ومقاومة للخطط العدوانية الاستعمارية الصهيونية الاحتلالية الهادفة إلى إبقاء الاقتصاد الفلسطيني تابعا للاقتصاد الصهيوني لتسهيل عملية بلعه واخضاعه .
ولا يفوتنا القول ، إن انتفاضة الأقصى المباركة ضد الاحتلال والمحتلين الصهاينة اثبتت أكثر من اي وقت مضى ضرورة انتزاع الحق والحرية من أنياب الاحتلال البغيض كونه احتلال سرطاني أجنبي وإن عملية مقاطعة المنتجات الصهيونية تأتي كشكل من اشكال المقاومة المشروعة والدفاع الشرعي عن النفس وعدم استباحة الأسواق الفلسطينية كمستورد اساسي للمنتجات الصهيونية على اختلاف أسمائها ومسمياتها ، وعملية المقاطعة الاقتصادية هي عمل مشروع لشعب عانى ولا يزال يعاني من ويلات الاضطهاد والاستغلال الصهيوني منذ ستة عقود من الزمن وولتبقى مقاطعة منتجات الأعداء مستمرة الآن وغدا طالما بقيت أرضنا المقدسة محتلة من الغاصبين . ونؤكد لكم يا أبناء شعبنا الفلسطيني المجاهد المرابط في الوطن كما يقول الله جل جلاله : { وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) }( القرآن المجيد ، النساء ) . وهذا الأمر بدورة يحتم ضرورة أن يقوم المستثمرون الفلسطينيون والعرب بواجبهم الإسلامي والوطني والقومي بحده الأدنى لمد الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني بروافد وطنية ، تقنية ومالية وسلعية هامة لايجاد البديل الوطني للسلع الصهيونية التي تغزو الأسواق المحلية . ولنكن جميعا ملتزمين بمقاطعة الاحتلال مقاطعة اقتصادية صارمة بإرادتنا ملتزمين طوعا لا ملزمين كرها ، والشعب الفلسطيني شعب حي ما اركع يوما للاحتلال على مدى العصور ولن يركع إلا لله خالقه سبحانه وتعالى عما يصفون .
وكما حذرنا الخالق سبحانه وتعالى بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}( القرآن المجيد ، المائدة ) .
يا ابناء شعبنا الفلسطيني المرابط في ارض الرباط ، مسرى ومعراج المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتم يا ابناء أمتنا العربية والإسلامية في الوطن العربي وفي كل مكان لا تتردوا في مقاطعة منتجات الأعداء الصهاينة الجاثمين على أرض فلسطين العربية المسلمة ، وكذلك قاطعوا اقتصاد امبراطورية الشر الأمريكية وعصابات المافيا الاقتصادية الدانماركية والأوروبية التي تسيئ للإسلام والمسلمين دون وجه حق ، فأنتم ابناء خير أمة أخرجت للناس كونوا كذلك كما سماكم ربكم من قبل لتفوزوا بالنصر المبين ، ولا تخافوا من المعتدين الكافرين والظالمين الضالين والمغضوب عليهم فموعدكم الفتح القريب إن شاء الله السميع البصير .
ومعا وسويا حتى النصر ، وعاشت فلسطين حرة عربية إسلامية من نهرها لبحرها . نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: